‏إظهار الرسائل ذات التسميات من رجالات أربد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من رجالات أربد. إظهار كافة الرسائل

صالح المصطفى التل.. صاحب أول بيان انتخابي في تاريخ الانتخابات الأردنية

|0 التعليقات

ولد صالح المصطفى اليوسف الملحم التل في منتصف القرن التاسع عشر لوالد كان من كبار مُلاك الأراضي في إربد، وكأترابه التحق صالح باحد كتاتيب إربد؛ ليتعلم قراءة القرآن الكريم، ثمَّ انتقل كما يذكر الأديب يعقوب العودات»البدوي الملثم»في كتابه»عرار.. شاعر الأردن»إلى مدرسة خاصة كان والده مصطفى وراء إنشائها على الرغم من أنه كان أميَّـا ونال صالح منها الشهادة الابتدائية، ودرس صالح المصطفى الحقوق وأصبح من أشهر المحامين في إربد ومن أبرز رجالات الحركة الوطنية العربية التي تصدَّت لمظالم حكومة حزب الاتحاد والترقـِّي الذي كان غالبية قادته من يهود الدونمة ومن الماسونيين، وخاض صالح المصطفى التل المعركة الانتخابية التي جرت في 20 / 8 / 1912 م«العهد العثماني»لانتخاب ممثل لواء حوران في مجلس الولاية العمومي،»المقصود بالولاية ولاية بلاد الشام أوسوريا الطبيعية التي تضمُّ سوريا، لبنان، شرقي الأردن، فلسطين»، وينقل كتاب»قضاء عجلون 1864 ـ 1918 م»لمؤلفه الدكتور عليان عبد الفتاح الجالودي عن جريدة المقتبس الصادرة في 6 / 2 / 1912 م نص البيان الانتخابي للمرشح صالح المصطفى العجلوني«التل»الذي نشره تحت عنوان «هذه خـُـطــَّـتي إذا صرتُ مبعوثا»«كلمة مبعوث مرادفة لكلمة نائب»، وحمل البيان الذي يُعتبر أول بيان انتخابي في تاريخ الانتخابات الأردنية الوعود والمطالب التالية :. 
  • السعي لتعميم المعارف، ونشر العلوم الدينية والفقهية.
  • تأسيس المكاتب«المدارس»الابتدائية للذكور، ومكتب رشدي»ثانوية»في كل قضاء.
  • تعمير المساجد والمعابد الخربة المهجورة وتعيين مرشدين»أئمة»وموظفين وخدَّام لها.
  • تنظيم أصول الزراعة على النسق الحديث، والعمل على تأسيس مكتب زراعي. 
  • جعل التعليم الابتدائي وغرس الأشجار إجباريا.
  • العمل على تعمير الأنهار وإظهار الينابيع الخربة وحفر الآبار الأرتوازية.
  • توزيع الأراضي المحلولة والموات على الأهالي وإسكانهم فيها.
  • العمل على مدِّ شعبة من خط حيفا الحجازي«سكة الحديد»لقضاء عجلون. 
  • العمل على إنشاء حمـَّـام صحي في موقع المخيبة الطبيعي. 
  • إنشاء مكتب صناعي لترقية الصناعة والتجارة.
  • تشكيل قضاء جديد يضمُّ ناحيتي كفرنجة وبني حسن لتوفير الراحة للأهالي. 


ولم يحالف النجاح أيا من مرشحي الحركة الوطنية حيث قامت السلطات بتزوير الانتخابات لصالح مرشحين كان يدعمهم حزب الاتحاد والترقـِّـي الذي كان يسيطر عليه يهود الدونمة والماسونيون.

ويذكر الدكتور عليان عبد الفتاح الجالودي في كتابه«قضاء عجلون 1864 ـ 1918 م»«ص 367»، أن صالح المصطفى التل مضى على خطى والده فأسَّس في عام 1916 م مدرسة ابتدائية خاصة في إربد سمّاها»المدرسة الصالحية العثمانية»تضمُّ إثني عشر صفا دراسيا، ويذكر صالح المصطفى التل في أوراقه الخاصة أنه من قبيل تشجيع الطلاب غير المقتدرين على الدراسة في مدرسته الصالحية كان يتقاضى البيض والدجاج والصيصان والقمح والشعير بدلا عن الأقساط النقدية، وكان من تلاميذ المدرسة بكره مصطفى وهبي التل«عرار»«أبووصفي»ومحمد صبحي أبوغنيمة»الطبيب لاحقا»والشاعر الشعبي الشهير الحاج مصطفى السكران.

وبعد خروج الأتراك من المنطقة العربية التحق صالح المصطفى التل بالحكومة العربية التي تأسَّـست بزعامة الملك فيصل بن الحسين واتخذت من دمشق عاصمة لها، وبعد نجاح المستعمرين الفرنسيين بتواطؤ مع المستعمرين الإنجليز في القضاء على الحكومة العربية الفيصلية في دمشق شارك صالح المصطفى التل في المؤتمر الذي عقده رجالات شمال الأردن الذي كان يعرف بقضاء عجلون وقرَّروا فيه تحدِّي الإنجليز وتشكيل»حكومة قضاء عجلون العربية»برئاسة القائم مقام علي خلقي حسين الشرايري وكان صالح المصطفى التل أحد أعضاء الحكومة.

حسن غرايبة .. فلاح قرأ معرفته من أرضه وسكب فيها تعبه

|1 التعليقات


لم يتعلم الزراعة بالدراسة والبحث العلمي وحسب، بل كان مزارعاً عتيقاً ورث حرفة حب الأرض جيلاً بعد جيل، فهو ابن سهل حوران الذي كان يطعم الإمبراطورية الرومانية المترامية الأطراف خبزاً، لذا يعد سليل مزارعي الأردن القدامى منذ ثمانية آلاف عام قبل الميلاد، فالزراعة كانت منذ الأزل الركيزة الأساسية التي نهضت عليها حضارات الأردن القديمة بدءاً بمستوطنات عين غزال ومروراً بممالك عمون وحشبون ومؤاب وايدوم والأنباط، كما شكل خصب تربتها، وموقع هذه البقعة من الأرض نقطة جاذبة لأطماع إمبراطوريات عالمية كبرى مثل اليونانية والرومانية والفارسية، كما أن الآثار المتعلقة بالصناعات الزراعية كالطواحين القديمة وبقايا معاصر الزيتون الباقية منذ آلاف السنين يدلل ما للزراعة من مكانة كبيرة في الأردن منذ فجر الإنسانية إلى يومنا هذا، وهي الضمانة الحقيقية للمستقبل.

حسن الغرايبة هو مزارع محترف تحدرت أصوله من كبار مزارعي العصور السالفة، فهو ابن فلاح قرأ معرفته من أرضه وسكب فيها تعبه، وعلم أولاده كيف يعشقونها حتى تلين تربتها بين أيديهم، فوالده الحاج رشيد الغرايبة مزارع بالوراثة، كذلك كانت والدته الحاجة خديجة الحسين الخطيب، فلقنوه فنون الأجداد في الزراعة، وكانت فلاحة الأرض وتربية الماشية الحرفة التي أمتهنها أهالي القرى خاصة في حوران ومحيطه، لذا ولد حسن الغرايبة في فترة كانت الأرض المصدر الرئيسي لحياة الغالبية العظمى للناس في الأردن، في بلد شحيح المياه وأمطاره متقلبة، والأرض الصالحة للزراعة في تناقص مستمر، فكانت الخبرة والمعرفة أساس النمو الزراعي، وهو ما تميز به الخبير الزراعي حسن الغرايبة، وما عمل على تطبيقه وتعميمه على المزارعين من خلال عمله في وزارة الزراعة.

ولد حسن رشيد الغرايبة في بلدة حوارة القريبة من مدينة اربد في الامتداد الجنوبي لسهل حوران الشهير، وكانت ولادته عام 1929 والدولة الأردنية الناشئة تواجه أعباء التأسيس الكبيرة، بمواردها القليلة وطموحاتها الكبيرة، وقد تربى في كنف والده المزارع البسيط، وكانت أوضاع الناس خاصة المزارعين أوضاعاً معيشية صعبة، قاسوا فيها الفقر ورضوا بالقليل الذي بالكاد يغني من جوع، فلم يتمتع بطفولة كما ينبغي، بل كان يعمل في الأرض ليساعد أهله في الزراعة منذ صغره كحال أقرانه من أبناء البلدة، وقد تلقى دروسه الأولى في الكتّاب، ثم التحق بعدها بالمدرسة الابتدائية في مدارس اربد، ورغم صعوبات العيش، وقيامه بالأعمال الزراعية الشاقة، إلا أنه تميز بتفوقه في التحصيل الدراسي، وكان دائماً من الطلبة الأوائل، وبعد أن أنهى المرحلتين الابتدائية والإعدادية في اربد، لم تحل الظروف دون طموحه في إكمال دراسته الثانوية التي لم تكن في متناول الجميع في تلك الفترة.

انتقل حسن الغرايبة من اربد إلى مدينة السلط التي ضمت أول مدرسة ثانوية في الأردن، وقد خرجت هذه المدرسة عدداً كبيراً من كبار رجالات الأردن في تلك الفترة، وقد أقام الغرايبة في السلط وكان يزور أهله خلال العطل، وقد تعرف على عدد من الطلاب من مختلف المدن والبلدات الأردنية، وزاد من قدرته في الاعتماد على النفس، وقد أثرت هذه الأشهر في نفسه كثيراً، وبعد عام واحد من دراسته في السلط تم افتتاح مدرسة ثانوية في اربد، فعاد والتحق بهذه المدرسة ليكون قريباً من أهله، وبذلك كان من ضمن أول فوج يحصل على الثانوية العامة من مدرسة اربد، وقد قاوم كل مغريات العمل في وظيفة جيدة، حيث كانت شهادة الثانوية العامة حينها تؤهله لنيل وظيفة يسعى إليها أغلب الشباب، فقرر مواصلة مشواره في الدراسة، متحدياً ظروفه المعيشية، باحثاً عن فرصة في فترة لم يتوفر فيها جامعات في الأردن.

سافر حسن الغرايبة إلى مصر مغادراً بلاده للمرة الأولى، حيث أقام في أكبر وأنشط حاضرة عربية خاصة في تلك الفترة، حيث كانت مدينة القاهرة ملتقى طلاب العلم ومجمع مثقفي العرب وأحرارهم، وقد التحق جامعة القاهرة العريقة، ليدرس في كلية الزراعة، متخصصاً في العلوم الزراعية، وخلال دراسته الجامعية انفتح على المجتمع المصري، وبنى علاقات صداقة قوية مع عدد من الشباب العربي المثقف المتواجد في القاهرة، وقد كان لسنوات دراسته الجامعية تأثيرها الكبيرة في وعيه وفكره وتعميق حبه للأرض وفلاحتها، وبعد أربع سنوات نال شهادة البكالوريوس في العلوم الزراعية، ليعود إلى الوطن متحفزاً للعمل من أجل توظيف ما حصله من معارف وعلوم في مجال الزراعة.

كانت المحطة الأولى للغرايبة في العمل في التدريس، حيث عين مدرساً في كلية الجبيهة الزراعية، وقد تميز كمعلم محب لمهنته في تعليم الزراعية على أسس علمية حديثة، وكان له تأثيره الملحوظ على طلبته وزملائه المعلمين، ونظراً لشهادة الأكاديمية وتميزه الوظيفي، فقد قررت الحكومة إيفاده في بعثة دراسية إلى جامعة أدنبرة في المملكة المتحدة، من أجل التخصص في مجال دراسته، حيث درس في هذه الجامعة مدة سنتين نال بعدها كأستاذ علوم متخصص عام 1957، وبعد عودته إلى الأردن عين في وزارة الزراعة، وقد أسندت إليه وظيفة مراقب مشروع تربية الحيوان ذلك بين عامي 1958 و1959، حيث تم تغيير وظيفته إلى ضابط أبحاث تربية الحيوان، وكانت وزارة الزراعة تولي الدراسات الزراعية العلمية عناية خاصة بغية تحسين الإنتاج الزراعي في البلاد، مع الزيادة المضطردة للسكان.

في عام 1962 أصبح حسن الغرايبة مدير زراعة، غير أنه لم يستمر طويلاً في هذا الموقع الوظيفي، فقد قامت وزارة الزراعة بإيفاده في بعثة دراسية إلى جامعة ( نيو ساوث ويلز ) في استراليا عام 1963، وتمكن من إكمال دراسته الجامعية العليا حيث نال درجة الدكتوراه في تربية الأغنام، حيث عاد عام 1966 إلى عمان لعيين بوظيفة أخصائي أبحاث في وزارة الزراعة، وبعد عام واحد أصبح رئيساً لقسم أبحاث الثروة الحيوانية، كما أسندت إليه مهمة مراقب مشاريع الثورة الحيوانية وتربية الأسماك، وبعد ذلك تم اختياره ليكون مستشاراً في الأعلاف والمراعي التابعة لمشاريع دائرة البحث العلمي الزراعي، حيث أولت وزارة الزراعة عناية خاصة بالثروة الحيوانية، وسعت لدعم مربي المواشي من خلال الدراسات الحديثة، وتوفير الأعلاف النباتية والمرعي الطبيعية بمواصفات علمية مدروسة.

نظراً لم تميز به من مكانة علمية وخبرات علمية فريدة، تم انتدابه إلى حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، فعين فيها بمنصب مدير زراعة، وقد ساعد كثيراً في تنشيط الزراعة في الإمارات العربية على أسس تلاءم الظروف المناخية في الخليج العربي، وبعد أن أنهى فترة انتدابه عاد لوزارة الزراعة ليصبح مدير إدارة البحث العلمي والإرشاد الزراعي، وقد شهد بعد ذلك نقلة مهمة في حياته المهنية عندما عين أميناً عاماً لوزارة الزراعة خلال الفترة من 1978 وحتى 1980، ركز خلالها على الدراسات العلمية والبحوث الزراعية، كما أولى الإرشاد الزراعية عناية خاصة.

عين الخبير الزراعي حسن الغرايبة عضوا في المجلس الوطني الاستشاري عام 1983، وكان من الناشطين داخل المجلس، وشارك في عدد من اللجان كما كان مقرراً للجنة الزراعية، وقد تم تسميته من قبل الحكومة الأردنية مرشحاً لمنصب الأمين العام المساعد لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، فنال توافق ممثلي العرب، واحتفظ بمنصب الأمين العام المساعد لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية خلال الفترة 1985 و1990، وقد عزز مكانة الأردن داخل هذه المنظمة العربية المنبثقة عن جامعة الدول العربية، كما شارك في عدد من المؤتمرات والندوات عربياً وعالمياً، وقام بنشر بحوث ودراسات عديدة في المجلات المختصة داخل الأردن وخارجه، وأسهم في إعداد السياسات الزراعية، بالإضافة لعمله مستشاراً لعدد من المؤسسات الدولية في الجمهورية السورية والمملكة العربية السعودية.

 وبقي مولعاً بالأرض والزراعة حتى لحظاته، فقد توفي الدكتور حسن الغرايبة في شهر شباط عام 2005، تاركاً إرثاً كبيراً من المنجزات العلمية في مجال الزراعة، وعملاً طيباً وكثير من محبي الزراعة على يديه، وسيبقى كما الأشجار المثمرة ويعطي بصمت حتى في غيابه عن أعيننا، فهو في القلوب الحية باقٍ ما بقيت أرض تعطي أسرار الحياة.

خليل اللوباني .. أول نقيب للمهندسين الزراعيين

|0 التعليقات


لم يكن المهندس الزراعي  خليل اللوباني ؛مجرد مزارع نال خبرة عملية وعلمية واسعة وحسب، بل هو عاشق حقيقي للأرض،محب للزراعة والإنتاج، إلى الحد الذي أوقف حياته منذ أيام المدرسة عليها ومن أجل المزارعين المثقلين بالتعب والنكسات المتكررة، فكان واحداً من الرجال الذين كانوا بمثابة صمام الأمان لهذا القطاع الاستراتيجي، فقد شكل من خلال سلوكه وعلمه وعمله نموذجاً فريداً للمزارع الذي أحب الزراعة فعشق الأرض الأردنية، ولم يبخل بشيء من علمه وحبه ليكون الأردن مزرعة كبيرة متنوعة الإنتاج ومكتفية بذاتها في كثير من السلع الزراعية المهمة، وهو نهج تميز به حتى أيامه الأخيرة، فقد درس وبحث كثيراً، وشيّد المزارع على أسس علمية تلاءم البيئة والمناخ الأردني، وأولى تحسين البذار وزراعة الزيتون والأشجار المثمرة المحسنة عانية خاصة، وعمل على نقل وتعميم هذه التجارب الناجحة على نطاق واسع، من خلال عمله في وزارة الزراعة، خاصة في مجال الدراسات والإرشاد.

شهد خليل اللوباني منذ شبابه الباكر نهوض قطاع مهم ما زال حتى اللحظة يعد خط الدفاع الاستراتيجي الأول عن حاضر ومستقبل الوطن، والمصدر الأساسي للأمن الغذائي، أنه القطاع الزراعي الحيوي، الذي اعتمد عليه الأردن عبر التاريخ في بناء حضاراته المتعاقبة، وفي تأمين سبل البقاء والنماء منذ تأسيس الإمارة في مستهل العقد الثاني من القرن العشرين، رغم أن الزراعة كانت لفترة قريبة مصدر العيش لغالبية الأسر خاصة في البلدات والأرياف، إلا أنها عانت منذ أمد بعيد من مخاطر عدة تتفاقم مع الأيام، مثل تراجع كميات الأمطار الهاطلة سنوياً وازدياد فترات الجفاف، والتصحر المتواصل الناتج عن بالإضافة لما ذكر، عوامل تعرية التربة، وتراجع الغطاء النباتي، نتيجة التحطيب والرعي الجائر، كما أن زحف المدن والبلدات نحو الأراضي الزراعية، نتج عنه تراجع منتوج كثير من المحاصيل خاصة الحبوب وعلى رأسها القمح، وأدى استنزاف الموارد المائية السطحية والجوفية، لتغطية الحاجة المتزايدة لمياه الشرب والاستخدامات المنزلية والصناعية، إلى تفاقم العوامل التي تركت نتائجها الكارثية على هذا القطاع الحيوي، الذي كرس خليل اللوباني حياته كلها من أجل تحسينه وحمايته والارتقاء بمستواه.

ولد الدكتور خليل اللوباني في مدينة اربد في شهر شباط من عام 1925، وكانت اربد في ذلك الحين بلدة ناشطة بالحركة، وتستعد لتطورها السريع الذي جعل منها خلال فترة ليست بالطويلة واحدة من كبرى مدن الأردن، وقد تربى اللوباني في حاراتها ودبت خطواتها في دروبها وشوارعها، وعندما وصل إلى سن الدراسة درس في مدارس اربد، وقد اثبت تفوقه الدراسي منذ سنواته الأولى، لذا أقبل على الدراسة بكل رغبة حقيقية رغم الظروف الحياتية الصعبة التي عانى منها الناس في تلك الأيام، غير أن خليل اللوباني قد أدرك بلا شك مع تفتح وعيه مع تقدمه في المدرسة من سنة إلى سنة، أن حلمه في الحياة يتحقق من خلال التعليم، وهذا يتسق مع حاجة الأردن عندها إلى الشباب المتعلم، من أجل النهوض بالبلاد من خلال التنمية الشاملة، فقد تمكن من إنهاء صف الثاني ثانوي من مدرسة اربد عام 1942، وقد وقع عليه الاختيار ليكون طالباً مبعوثاً من شرق الأردن، إلى مدرسة « خضوري « الزراعية في طولكرم، وقد درس في هذه المدرسة مدة سنتين نال بعدها شهادة الدبلوم الزراعي.

عاد   اللوباني إلى الأردن مستعداً لبدء ترجمة حبه للزراعة بشكل عملي، وذلك من خلال افتتاح مشواره الوظيفي بحصوله على وظيفة معلم في وزارة التربية والتعليم، وذلك عندما عين معلماً للزراعة والعلوم في مدارس مدينة اربد عام 1944حتى عام 1946، وقد تميز بتفانيه في التدريس، وتركيزه على غرس قيم حب الأرض وفلاحتها لدى الطلبة، ورغم تجربته القصيرة في مجال التدريس إلا أنها من التجارب المهمة في حياته المهنية، وقد عين بعد ذلك في وزارة الزراعة، حيث أصبح مأمور وقاية في مديرية زراعة اربد، وقد أهلته شهادة الأكاديمية لهذه الوظيفة، التي برز فيها بسرعة، حتى تم اختياره من قبل الحكومة من أجل إيفاده في بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 1952 بعث إلى جامعة أريزونا / توسان ومن بعدها إلى كنساس منهاتن حيث حصل منها على شهادة البكالوريوس في الزراعة عام 1955، وكانت هذه الشهادة التي حصل عليها من أهم الجامعات الأمريكية كفيلة بأن تفتح أمامه آفاق عملية كبيرة، لكنه تمسك بهدفه الساعي إلى نيل أعلا الدرجات العلمية.

اختار اللوباني مواصلة مشواره في تلقي العلم بأمريكا، حيث التحق بجامعة « الينوي « مباشرة وتمكن من خلال اجتهاده ومثابرته الحصول على درجة الماجستير، التي اتبعها مباشرة دراسة الدكتوراه، حتى نال درجة الدكتوراه في الزراعة من الجامعة نفسها عام 1959، ليكون بذلك من جيل الرواد في هذا المجال، ومن أوائل من نال الدكتوراه في الزراعة، حيث عاد إلى الأردن مسلحاً بالعلم والمعرفة والخبرة الكبيرة، ليوظف ذلك كله في تطوير قطاع الزراعة في وطنه، فقد عمل باحثاً زراعياً في وزارة الزراعة بمديرية البحوث العلمية، بعد ذلك أصبح رئيساً لقسم الوقاية ومكافحة الجراد، في فترة عانت الزراعة في الأردن من بعض الآفات الزراعية، وقد كانت له بصماته الخاصة في تطوير عمل وتقنيات هذا القسم المهم، غير أن خبرته وما اكتسبه من معارف أكاديمية تجلت في أفضل صورها، عندما عين مديراً لمديرية البحث العلمي في مجالات الزراعة بالإضافة لرئاسته قسم الوقاية، حيث عمل على عدد كبير من الدراسات الزراعية، وأشرف على عدد آخر، منشطاً البحث والدراسة، مما أدى إلى تحسين الزراعة وتجويد منتجها، لتصبح الأردن في مقدمة دول المنطقة في إنتاج وتصدير عدد من المنتجات الزراعية.

لمع اسم   اللوباني في وزارة الزراعة وأوساط المزارعين، ونظراً لمكانته العلمية ولخبراته الكبيرة، عين بمنصب مساعد وكيل وزارة الزراعة – مساعد الأمين العام – وقد ساعده هذا المنصب في تنشيط القطاع وتذليل كثير من العقبات التي تواجهه، كما عمل على تحسين مدخلاته وبالتالي تحسين منتجاته بما يعود بالفائدة على المزارع والدخل القومي للأردن، وقد استمر في منصبه هذا حتى ا عير من قبل الحكومة الأردنية إلى منظمة الزراعة والأغذية الدولية ( الفاو ) في مقرها بالعاصمة الإيطالية روما، وقد عمل في هذه المنظمة العالمية الكبيرة مدة سنتين، وقد اكتسب خلال هذه الفترة خبرات ومهارات عديدة، كما قدم صورة مشرفة عن الكفاءات الأردنية، حيث نال إعجاب كل من عمل معه، وحظي بمحبة الجميع، وقد عاد إلى بلده ليعين مديراً للتخطيط والدراسات في وزارة الزراعة، حتى عين وكيلاً لوزارة الزراعة – أمين عام – في السادس عشر من شهر تشرين الثاني 1967.

لقد طبق  اللوباني في المواقع والمناصب التي حل بها ما تعلمه من نظريات علمية، وما حصله من خبرات كثيرة، مما كفل له التميز والنجاح المتواصل، كما مثل الأردن في عدد كبير من المؤتمرات والندوات العربية والعالمية، منها: المؤتمر الإقليمي السادس لمنظمة الفاو في لبنان، واجتماع الخبراء العرب الذي عقد لبحث شؤون وقاية المزروعات والحجر الزراعي، والذي أقامته جامعة الدول العربية في القاهرة عام 1962، كذلك شارك في مؤتمر منظمة الفاو عام 1963، ومثل الأردن في اجتماع 28 للجنة الفرعية لمكافحة الجراد الصحراوي التي عقدت عام 1963 في بيروت.

كان خليل اللوباني ناشطا نقابيا لافتا، فقد كان من مؤسسي نقابة المهندسين الزراعيين، حيث أنتخب نقيباً لها ليكون أول نقيب لنقابة المهندسين الزراعيين، كما كان من أوائل من عمل على إنشاء المشاتل، التي عمل من خلالها ومن خلال بحوثه الزراعية على إنتاج أصناف محسنة من الزيتون وبعض الأشجار المثمرة، بطرق علمية ناجحة، كما أسس مزرعة نموذجية ما زالت عامرة ومنتجة، وكان له جهود ملموسة في تطوير الزراعة في وادي الضليل ومنطقة الحلابات، وقد نال خليل اللوباني خلال حياته على وسام الاستقلال من الدرجة الأولى عام 2001، كما نال وسام الحسين للعطاء المتميز من الدرجة الأولى عام 2006، كان اللوباني كريماً ومعطاءً ومحباً للخير، يساعد الناس بما يستطيع، واستمر على نهجه هذا حتى وفاته عام 2011، ومازالت مرارة فقده تعشش في قلوب كل من عرفه وأحبه.

نادر أبو الشعر .. طبيب دخل السياسة بعين ثاقبة

|0 التعليقات
نادر أبو الشعر


نادر أبو الشعر صاحب سيرة عطرة ومثيرة، فلقد شكلت الظروف التي أحاطت بعائلته وإرهاصات ولادته بيئة ملهمة، أسهمت في بناء شخصيته وإعدادها لقادم الأيام، وهو الذي نبت من هذه الأرض المعطاء، ونشأ في أحوال عامة صعبة، عنوانها الظروف المعيشية القاسية للناس، ونقص كثير من أسباب التنمية الشاملة في تلك المرحلة من عمر الدولة الأردنية الحديثة، فيعد الطبيب والسياسي نادر أبو الشعر واحداً من رجالات الوطن، الذين أتقنوا الصبر، وتدربوا على مكابدة الصعاب، كونهم أبناء الأيام الملبدة بالمتاعب والعقبات.

 لقد اعتمد على نفسه، وتجاوز مراحل لم تكن سهلة منذ نعومة أظفاره، وهو الذي حمله جسداً رقيقاً طفلاً، وحمل قلباً محباً وحنوناً كبيراً، فكان صلب العود، ثابت على موقفه المبدئي، مقدماً مصلحة الوطن والناس على مصلحته الخاصة، منحازاً للبسطاء ومحباً للحياة.

شكلت بلدة الحصن الحضن الذي منح نادر أبو الشعر الكثير من سمات شخصيته وثقافته وسعة صدره، فقد ولد في الحصن بتاريخ 20/1/ 1941 في بيت والده غازي عقلة أبو الشعر، الذي حاز على قدر جيد من التعليم فقد درس المرحلة الابتدائية في مدرسة الروم الأرثوذكس بالحصن، ومن ثم في مدرسة الفرير في القدس، وبعد أن أنهى الثانوية العامة فيها، التحق بعدها بالجامعة، لكنه لم يكمل دراسته حيث عاد قادماً من الشام ليستقر في الحصن، بعدها تزوج مواجهاً مخاضات الحياة العملية بكل جدة وحزم، ولعله كان من نتائج عدم إكمال غازي أبو الشعر لتعليمه الجامعي، أن أولى عنايته لولديه نمر البكر ونادر الأصغر من أجل أن يكملا دراستهما بالشكل المطلوب، وقد أنجبت له زوجته أبنه الذكر نمر بعد سنوات طويلة من الانتظار، حيث كانت تنجب البنات، وبعد نمر بسنة واحدة جاء نادر، الذي سماه والده بهذا الاسم قبل ولادته، فكان جميل الخلق والخلقة، بملامح محببة جعلته قريباً من الناس مرغوباً منهم.

التحق نادر أبو الشعر بمدرسة الراهبات الوردية التابعة للاتين في الحصن مع شقيقه وشقيقاته، فقد كان حاد الذكاء منذ تفتق وعيه، محباً للأحاجي التي تعتمد على المسائل الحسابية، كما كان مغرماً بأدوات التصليح والصيانة كالمفكات والمفاتيح والبراغي وغيرها، حتى اعتقد والده أنه سيصبح مهندساً، وقد أحطته والدته بعناية خاصة ورقابة شديدة، خوفاً على سلامته لشدة تعلقها به ونظراً لبنيته الجسدية الرقيقة.

 بعد أن أنهى نادر المرحلة الابتدائية في الحصن، وكان والده المتعلم يعمل من أجل أن يحصل ولداه على تعليم جيد، لذا أقنع والدتهما من أجل أن يرسل أولاده إلى مدرسة تدرس اللغة الإنجليزية، فأرسلهما إلى مدرسة ( الفرندز ) في مدينة رام الله في فلسطين، وهو مدرسة داخلية، فغادر نادر مع شقيقه نمر إلى رام الله في سن صغيرة، تاركين العائلة والأصدقاء في بلدة الحصن، وقد تحملت الوالدة ألم الغياب في سبيل حصولهما على تعليم كافٍ، وفي العام الثاني لوجودهما في رام الله ومع زيادة وتيرة الاعتداءات اليهودية في فلسطين، خشي غازي أبو الشعر أن يتعرض أبناؤه للأذى من هجمات اليهود، لذا قام نقلهما إلى مدرسة كلية تراسانطة في عمان، حيث سكنا في القسم الداخلي في الكلية.

وقد حافظ نادر أبو الشعر على تميزه في الدراسة، حيث زامل خلال وجوده في الكلية عدداً الطلاب الذين أصبحوا من رجالات الأردن فيما بعد منهم: أمجد المجالي، أكثم القسوس، علي أبو الراغب وأيمن هزاع المجالي وغيرهم، وقد تميز نادر بتفوقه باللغة الإنجليزية والرياضيات، وكان من أوائل طلبة المدرسة في الثانوية العامة، وقد قُبل في جميع الجامعات التي تقدم لها خاصة في بريطانيا، غير أن رأيهم استقر على الدراسة في جامعة ( بادوفا ) في ايطاليا لسمعتها في مجال تدريس الطب، حيث قبل الشقيقان معاً، فاصطحبهما والدهما غازي أبو الشعر إلى ميناء بيروت، حيث ركبا السفينة التي حملتهما إلى ميناء فنيسيا في ايطاليا، حيث استقبلهما السفير الإيطالي في عمان وزوجته، مما سهل عليهما إجراءات التحاقهما بالجامعة، فقد تعلم نادر اللغة الإيطالية بسرعة كبيرة، واختار دراسة الطب، الذي أحبه وبرع فيه، حتى لفت أنظار مدرسيه، الذين رأوا فيه شاباً ذكياً وسريع التعلم، فتميز بدراسته الجامعية كما كان متميزاً منذ أيام المدرسة.

حصل نادر أبو الشعر على شهادة البكالوريوس في الطب عام 1968، وقد أدرك حاجة وطنه لأطباء مختصين، ونظراً لرغبته وتفوقه فقد فتحت أمامه أبواب إكمال دراسته الجامعية في الجامعة نفسها، وقد اختار أن يتخصص بالجراحة العامة، وخلال هذه الفترة عمل مع البروفسور وشيخ الجراحين في ايطاليا ( كراثر ) فحصل على خبرات ومهارات واسعة في الجراحة العامة، ولما لمس براعة نادر بالجراحة عينه مساعداً ثانياً له، وسرعان ما عاد وعينه مساعداً أول له، وكان هذا منصبا كبيرا طمح له كل من عمل مع الجراح ( كراثر ) مما أثر غيرتهم منه، فأظهروا له الحسد والغيرة، لكنه لم يكترث لذلك وعمل بنشاط وتركيز كبيرين، حتى حقق مراده وحصل على شهادة التخصص في الجراحة العامة عام 1974، وخلال تلك الفترة تزوج نادر أبو الشعر من الفتاة إيطالية ( انطونيا بوسكين ) تحمل شهادة في التمريض، وجرت مراسم الزوج في كنسية بإحدى قرى إيطاليا عام 1975، وقد عادت معه إلى الأردن واستقرت في الحصن.

بعد عودة الدكتور نادر إلى الأردن فضل أن يعمل في مستشفى الأميرة بسمة في اربد، ليبق قريباً من أهله، وأن يخدم أبناء منطقته، رغم عرض وزير الصحة عليه حينها طراد القاضي أن يختار مستشفى في عمان، نظراً لتوفر الإمكانيات الطبية، لكنه أصر على موقفه، وقد عمل في هذه المستشفى حتى عام 1979 حيث عين في ذلك العام رئيساً لقسم الجراحة في المستشفى واستمر بمنصبه هذا حتى عام 1986، وكان قريباً من الناس، بسيطاً ومتواضعاً، يساعد كل من يحتاج إلى المساعدة ولا ينتظر كلمة شكر، كما كان على علاقة قوية بالنخب المثقفة ورجال السياسة، وعندما أقيمت الانتخابات النيابية التكميلية في دائرته نتيجة وفاة النائب يعقوب معمر، قرر الدكتور نادر أبو الشعر أن يخوض غمار هذه التجربة، فحقق فوزاً كبيراً عام 1986، ليصبح نائباً في مجلس النواب العاشر.

وضعت التجربة البرلمانية نادر أبو الشعر في بؤرة العمل التشريعي والسياسي، وغذت علاقاته مع رجال الحكم والسياسة والإعلام في العاصمة عمان، وقد كرس جزءاً كبيراً من وقته وجهده من أجل خدمة أبناء منطقته وتحسين أحوالهم، وقد أمضى عامين نائباً إلى أن حل هذا المجلس، من أجل فسح المجال لإقامة انتخابات جديدة، وقد خاض أبو الشعر هذه الانتخابات التي أقيمت عام 1989، غير أن الحظ لم يحالفه هذه المرة، حيث فاز منافسه الدكتور ذيب مرجي، الذي حظي بدعم القوى اليسارية والقومية. بعد ذلك عاد الدكتور نادر أبو الشعر لممارسة مهنته الأساسية كطبيب جراح من خلال عيادته الخاصة، وبقي على صلة قوية مع الناس والنخب المختلفة، وهو الذي عرف بخلقه الرفيع وطيب قلبه وكرمه العميم، وقد واصل أداء واجبه كطبيب محترف ذائع الصيت بهمة عالية.

قرر الدكتور نادر أبو الشعر خوض الانتخابات النيابية للمرة الثالثة، وذلك من خلال الانتخابات النيابية التي جرت عام 1993، وقد حقق فوزاً كاسحاً عن المقعد المسيحي، وعاد عندها ليثبت مكانته كنائب كبير، فرض احترامه وتقديره على الجميع لما تميز به سمات شخصية محببة، وإمكانيات علمية وعملية وثقافة موسوعية جيدة، فاشترك بعدد من اللجان البرلمانية كاللجنة المالية ولجنة الحريات العامة ولجنة الصحة وسلامة البيئة ولجنة إستراتيجية الطاقة والمياه وغيرها من اللجان. أصبح نادر أبو الشعر وزيراً للعمل في حكومة الأمير زيد بن شاكر الثالثة، وقد كان وزيراً نشيطاً ومثل الأردن في عدد من المؤتمرات الدولية والعربية، وفي عام 1997 صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه عضواً في مجلس الأعيان حيث احتفظ بعضوية هذا المجلس أواخر شهر تشرين الثاني عام 2001. وبينما كان الدكتور نادر أبو الشعر في ذروة نشاطه وعطائه تعرض لجلطة قلبية نتج عنها وفاته في الثاني عشر من شهر شباط عام 2004، وشكل فقدانه المفاجئ خسارة كبيرة، وخلف ألماً لدى أهله ومحبيه وكل من عرفه وعمل معه، غير أن منجزه العلمي ومكانته السياسية والشعبة وعمله الطيب تبقيه حياً في الذاكرة جيلاً بعد جيل.

الموسيقي الفرد سماوي .. أمير العود وفارس اللحن الأصيل

|0 التعليقات

إن الحركة الفنية الأردنية في مجملها، تستند بما وصلت إليه من مكانة وإنجازات واضحة، إلى جيل من الرواد الكبار، الذين ظهروا في زمن صعب، ونبتوا في الأرض البور معتمدين على مواهبهم وطاقاتهم الذاتية، محولين الصعب وشبه المستحيل إلى حالة إبداعية مؤثرة، رغم قلة الإمكانيات ورفض المجتمع حينها لبعضهم، وغياب الإعلام القادر على حمل هذه المواهب وإيصالها بالشكل المستحق، لذا عاش وأبدع كثير منهم في الظل، أو كان حضوره وانتشاره ليس بالحجم الذي يتلاءم مع منجزه وريادته ومكانته التي حققها بالتعب وبالاعتماد على النفس، غير أنه لولا هؤلاء الرواد الذين غلف الصمت سنوات طويلة من عملهم المضني، لما وجدنا أساساً متيناً تنهض عليه الحركة الموسيقية.

يعد الموسيقي عازف العود الفرد برهم سماوي، رائداً بحق في مجال العزف والغناء والتدريب من خلال أنشطته المختلفة، وفرقته التي أسسها والتابعة لنادي التمثيل والغناء، وقد ترك سماوي أثره الفني على أكثر من جيل من الموسيقيين والمغنيين، يكفي أن نذكر أنه من علم الفنان الأردني الكبير توفيق النمري العزف على آلة العود. فقد اعتمد على نفسه، وتعلم على نفسه من خلال قدرته الفذة في الحفظ وموهبته الفنية الأصيلة، مما جعله في مقدمة ذاك الجيل الأول الذي غاب عن الذاكرة لفترة طويلة، وعلى المؤسسات المعنية كتابة تاريخ الفن الأردني الحديث، على أسس علمية ومناهج سليمة، فشخص ومنجز الفرد سماوي مجهول اليوم حتى عند بعض المختصين والمهتمين، مع أن منجزه ومن جايله من الفنانين يستحق الوقوف والتدوين، ولعل ما قام به الباحث أنس ملكاوي في كتابه وفيما نشره في مجلة فنون تحت عنوان « تاريخ دخول آلة العود إلى الأردن وأشهر عازفيها « يعد مرجعاً لا بأس به في هذا السياق.

كانت ولادة العازف الفرد برهم سماوي في العقد الثاني من القرن العشرين، تحديداً في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني عام 1913، حيث شكلت مدينة اربد مسقط رأسه، فقد أقامت فيها عائلته القادمة من بلدة الفحيص في البلقاء، ولم تكن نشأته في هذه البلدة الكبيرة التي سرعان ما تحولت إلى مدينة ناشطة، يختلف عن أبناء تلك الفترة، التي عانى فيها الناس من الفقر وغياب الاهتمام والتنمية، ولم تكن المدارس متاحة للجميع، بسبب ندرتها، وبعدها عن كثير من مواقع إقامة الطلبة، وبالرغم من ذلك حظي الفرد بفرصة الالتحاق بالمدرسة، وقاوم ظروفاً معيشية متعددة وواصل دراسته، حتى وصل إلى الصف العاشر في مدرسة ثانوية اربد، ولم يتمكن من إكمال دراسته بعد ذلك، فقد كان عليه الانخراط في سوق العمل، من أجل تحقيق دخل يساعد في تحمل أعباء الحياة.

استهل الفرد سماوي حياته العملية بالانضمام إلى مكتب المحاماة الذي أنشأه والده برهم سماوي، حيث كان والده يعمل محامياً في اربد، وبدأ يساعد والده في إنجاز بعض الأمور الإدارية الخاصة بالمكتب، بقصد اكتساب خبرات عملية، ومساعدة والده في شؤون العمل داخل مكتب المحاماة، وكان والد الفرد سماوي محباً للفن خاصة الموسيقى، فقد كان عازفاً بارعاً على آلة الأكورديون، وكان الفرد يستمع لعزف والده في البيت وفي حفلات الفرح والطرب، فتشبع بالحس الجمالي الصحيح منذ صغره، وعشق الموسيقى وتولع بها، لدرجة أنه كان يحفظ الألحان التي يعزفها والده وغيره غيباً، ولم يكن والده يشجعه على الموسيقى لصعوبة طريقها، وللظروف الاجتماعية في تلك الفترة، غادر الفرد مكتب والده ليعمل عام 1939 موظفاً في الجيش البريطاني في أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث عين برتبة رئيس كتاب، وبقي خلال عمله هذا مخلصاً لفنه، معتبراً العزف على العود المتعة والسمو الذين يستحقان العناء والتضحية، فكان ينتهز الفرصة كلما أقيمت حفلة داخل العمل أو خارجه لعزف فيها فيطربون له ويثنون على عمله.

بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ترك الفرد سماوي عمله في الجيش البريطاني، والتحق بشركة التابلاين وكان مقر عمله في محافظة المفرق، وعين بنفس رتبته الوظيفية السابقة وهي رئيس كتاب، بعد فترة من الزمن انتقل مقر شركة التابلاين إلى مدينة بيروت عام 1952 مما منح سماوي فرصة السفر والإقامة في بيروت التي تعد من أنشط الحواضر العربية في الثقافة والفنون، وبالرغم من قصر المدة إلا أنه تعرف على عالم جديد متحرك، والتقى ببعض الفنانين اللبنانيين والعرب في بيروت، عاد بعد ثلاثة أشهر إلى الأردن، ليكمل عمله في الشركة فيما سمي بمنطقة « النقطة الرابعة « واستمر في عمله هذا حتى عام 1954، وخلال هذه الفترة غادر هذه المنطقة، بسبب انتدابه للعمل في كل من مدينتي درعا السورية وحيفا الفلسطينية، وفي عام 1954 ترك العمل في هذه الشركة، وبدأ مرحلة جديدة من العمل الحكومي.

عيّن الفرد برهم سماوي موظفاً في وزارة المالية خلال الفترة الممتدة من عام 1954 إلى عام 1984، حيث تنقل داخل الوزارة في أكثر من موقع، وكان محبوباً ومقرباً من الجميع، لما تمتع به من صفات محببة، بالإضافة لموهبته الفنية الغنية، وقد أحيل على التقاعد علم 1984. لم ينقطع عن العمل الفني خلال وظائفه المختلفة، فبقي مخلصاً لمسيرته الفنية التي بدأها عام 1927 خلال مرافقته لوالده في الحفلات، وحفظه للألحان حيث تدريب على نفسه دون معرفة والده، إذ تمكن من شراء آلة عود وأخذ يدرب نفسه العزف عليها وهو في عمر الرابعة عشر عاماً، وقد ساعدته ملكته الفنية بعزف الألحان التي حفظها، وكانت متميزاً بعزفه متقناً لمهاراته الفنية في هذا المجال، وأخذ ينشط على الساحة الفنية والشعبية في مدينة اربد، فبدأ بالعزف في الحفلات والأفراح في اربد ومحيطها خاصة بلدة الحصن، وقد ذاع صيته وانتشرت شهرته في الشمال، وتعلق الناس بعزفه الذي يوازي كبار العازفين العرب.

من منجزات الفرد سماوي تأسيس نادٍ للتمثيل والموسيقى في محافظة اربد عام 1945، حيث عمل النادي على استيعاب المواهب في المنطقة في التمثيل والعزف والغناء، بالتالي قدم للساحة مواهب على مستوى عالٍ من الأصالة والقدرات المدربة والمصقولة، وهذا كان له أكبر الأثر في رفد الساحة الفنية المحلية بالخامات المؤهلة في هذه المجالات النادرة في تلك الفترة، كما عمل النادي ومن خلال نشاط الفرد سماوي على دعوة عدد من الفرق المحلية والعربية، من أجل إقامة حفلات فنية من بهدف تحقيق التواصل وتوفير الاحتكاك للعازفين والمغنيين الأردنيين خاصة في منطقة الشمال، ومن هذه الفرق العربية: فرقة علي لوز المصرية، وفرقة المحمصاني اللبنانية، وفرقة المغني سلامة الأغواني، وهذه الأخيرة كان سماوي يعزف معها على آلة العود بدعوة من مؤسسها الأغواني.

عمل الفرد سماوي على تشكيل فرقة عزف خاصة أطلق عليها اسم « فرقة الشموع « وهي فرقة بقيت تابعة لنادي التمثيل والموسيقى، وقد تشكلت الفرقة من عدد من العازفين منهم: الفرد سماوي على آلة العود، وفؤاد عكاوي مطرباً وعازفاً على الكمان، وجوزيف عكاوي على الكمان أيضاً، وجواد الأفريقي على آلة الناي، وكان يعود ريع حفلات هذه الفرقة لصالح النادي، كما يذكر ذلك أنس ملكاوي في مجلة فنون، وهي فرقة كان لها نشاط ملحوظ في اربد والحصن وبعض المناطق المحيطة، وأسهمت في نشر الثقافة الموسيقية وزيادة تقبل الناس لهذا النوع من الفنون وتقديرهم للعازفين والمطربين، مما أوجد حالة من الوعي المستنير، الذي أحل هذا الفن والقائمين عليه المكانة المناسبة.

سعى الفرد سماوي إلى بناء صلات مع عدد من كبار الفنانين العرب، من أمثال الفنانة فتحية أحمد، والمطربة ماري جبران، والموسيقار محمد عبد الوهاب، والموسيقار فريد الأطرش وكذلك مع الفنانة فيروز والفنان وديع الصافي، وكان لهؤلاء الكبار تأثير كبير على فنه وحياته، فكانوا المدرسة التي تربى ونشأ عليها فنياً وفكرياً، وهذا ما دفعه أن يتعمق في دراسة العود والعزف عليه، حتى صار من أبرز العازفين على هذه الآلة العربية العريقة، وقد نقل هذه الخبرات لكل من دربه، ومن ضمنهم الفنان الكبير توفيق النمري، فقد عد نجاحه نجاحاً شخصياً له، فقد أحبه وتنبأ له بالنجاح والتميز، وبقي سماوي مخلصاً للفن الأصيل كالموشحات وأغاني سيد درويش والمواويل العربية، وكان يدعو دائماً للمحافظة على الفن الأصيل والاهتمام بتدريس الموسيقى على الأسس الصحيحة، ولم يتخل عن نهجه حتى وفاته يوم السادس من نيسان عام 2002 عن عمر قارب التسعين عاماً.

فالح مصطفى الغرايبة ... فرسان الوطن دوما اوفياء

فالح مصطفى الغرايبة
قدم جهاز الأمن العام الأردني منذ تأسيسه نخبة من الرجال الكبار، الذين عملوا مع أفراد الجهاز على بناء منظمة سلوكية وقيمية أمنية أسهمت في حماية الوطن والمواطن، وتحول الأردن بفضل هؤلاء واحة أمن وطمأنينة وسط إقليم سمته الاضطراب سياسياً وعسكرياً، هذا إلى جانب الصعوبات الاقتصادي التي من شأنها زعزعة بلدان كبيرة في العالم بأسره، وكان جهاز الأمن العام من أوائل المؤسسات الوطنية التي أنشئت بالتزامن مع تأسيس نواة الجيش العربي الأردني، حيث لعب دوراً حاسماً في حفظ الأمن وبسط سلطة الدولة الناشئة على بلدات وبوادي البلاد، وبالتالي تحولت الدولة إلى فعل ملمس ومنتج على الأرض، رغم ظروف نشأتها والأحوال المضطربة في المنطقة، فمنذ تلك المرحلة وجهاز الأمن العام صمام الأمان، ومبعث الفجر والتقدير على الصعد كافة.يعد فالح مصطفى الغرايبة واحداً من فرسان الأمن العام البارزين، فقد تميز بمهنيته واعتداله وقدرته الفذة في اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المثالي، وهي من أهم سمات رجل الأمن الناجح، كما سعى دائماً إلى تطوير قدراته ورفد سيرته بخبرات متجددة، من خلال الدورات والمشاركات المتعددة، بالإضافة إلى عمله في أكثر من موقع داخل جهاز الأمن العام وخارجه، فقد كانت حياته عمل وإنجاز مستمر، حيث عمل خلال محطات حياته العملية المختلفة على نقل خبراته إلى مرؤوسيه وزملائه في العمل، فكان مقرباً منهم ومبادراً في العمل والمساعدة.

ولد فالح مصطفى الغرايبة عام 1937، في فترة كان المنطقة برمتها تخوض مسارات الحرية والاستقلال، بعد أن تقاسمت بريطانيا وفرنسا منطقة شرق المتوسط في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وإجهاض مشروع الدولة العربية في سوريا الطبيعية والحجاز، التي تمخضت عن نجاح الثورة العربية الكبرى في إخراج الدولة العثمانية من البلاد العربية. كانت ولادته في بلدة حوارة النابتة في سهل حوران على أطراف مدينة اربد أشهر مدن شمالي الأردن، وهي بلدة عامرة، وتربتها الحمراء الخصبة منحتها غزارة الإنتاج الزراعي خاصة في مجال الحبوب كالقمح والشعير والعدس، والأشجار المثمرة وأبرزها شجرة الزيتون، وقد نشأ الغرايبة في حوارة التي تعد واحدة من القرى التي استقرت بها عشيرة الغرايبة بالإضافة لعدد من العشائر الأخرى، وقد لعب في حاراتها ومارس شقاوة طفولته في دروبها الزراعية، حيث تمتد أراضيها بين اربد والرمثا والحصن، ولم يغادرها في طفولته وشبابه الباكر.

عندما بلغ فالح الغرايبة سن ست سنوات التحق بالمدرسة في اربد، وهنا بدأ يقطع يومياً مسافة أطول خارج فضاء البلدة، ليتعرف بذلك على عالم أوسع وأكثر غنىً، وخلال دراسته مرحلة تلو أخرى، أخذ وعيه بالتفتح حيث تشكلت ملامح شخصيته، وبزت لديه سمات الشخصية القوية، والذكاء وسرعة البديهة، بالتالي امتلك نظرة متفائلة اتجاه المستقبل، ولا شك أنه حظي بروح طموحة، وهذا ما دفعه لمواصلة دراسته بتميز، ساعياً بذلك إلى تحقيق أحلامه، ولم تكن الظروف في تلك الفترة سهلة، وغاب عن البلاد كثير من التنمية التي ننعم بها اليوم، بعد قرون من الإهمال إبان الحكم العثماني، لذا لم تكن الدراسة متاحة للكثيرين، غير أن فالح الغرايبة من جيل تحمل الصعاب وكافح من أجل الوصول إلى غايته، وهو جيل كان له دوره المشهود بتقدم الأردن في كافة المناحي.

أنهى فالح الغرايبة دراسته الثانوية في مدينة اربد عام 1958، ورغم أن هذه الشهادة تمكنه من الحصول على وظيفة مناسبة في تلك الفترة، إلا أن حلم الدراسة الجامعية لديه لم يتوقف، ولم تكن الجامعات متوفرة في الأردن حينها، فسافر إلى سوريا حيث التحق بجامعة دمشق، وواظب على الدراسة في كلية الحقوق، وقد شكلت الدراسة في جامعة دمشق نقلة كبيرة في ثقافته ووعيه، فقد كانت الجامعة تضم خيرة شباب بلاد الشام، وتعد أحد مراكز بعث الفكر القومي العربي، حيث خرجت سياسيين ومفكرين وأدباء كباراً، وقد تشبع فالح الغرايبة بهذه الأجواء، وتمكن من بناء علاقات وصلات قوية مع عدد من الشباب المثقف في الجامعة وخارجها، وبقي برغم كل ذلك سائراً على نهجه الوطني الأصيل.

بعد أن أكمل دراسته الجامعية حاصلاً شهادة البكالوريوس في الحقوق، عاد إلى الأردن لبدء حياته العملية، وقد اختار أن ينضم إلى جهاز الأمن العام، وكان له ذلك عام 1962، أي في العام نفسه الذي نال فيه شهادة الحقوق، ونظراً لكونه يحمل شهادة جامعية فقد انتسب للأمن العام برتبة ملازم أول، في إطار رفد هذا الجهاز بالكفاءات والشباب الحاصلين على شهادات جامعية، وقد تميز منذ أيامه الأولى بانضباطه الدقيق، مراعاته لشروط وقيم رجل الأمن الناجح، وقد أهله هذا للتقدم في عمله بهذه المؤسسة الوطنية ذات السمعة الرائعة، فقد تنقل بين عدد كبير من المهام والوظائف والمناصب خلال خدمته الطويلة، حيث عمل في التحقيقات الجنائية، وهو عمل يتطلب معرفة واسعة وذكاء متزايداً، بالإضافة للاجتهاد في جمع الأدلة والبحث عن العدالة، وهذا ما تميز به الغرايبة في عمله هذا.

انتقل فالح الغرايبة من التحقيقات الجنائية ليعمل مستشاراً قانونياً وعضواً في محكمة الشرطة، وهي محكمة خاصة بجهاز الأمن العام، وبعد أن أنهى عمله في المحكمة تم تعيينه بمنصب مدير مديرية الحدود والأجانب، وكانت كل هذا المهام خبرات كبيرة تضاف لسجله الوظيفي، فما أن أنهى عمله في هذه المديرية الحيوية، حتى نقل إلى محافظة البلقاء، لعين مديراً لشرطة مدينة السلط، وهذه الوظيفة وضعته على تماس مباشر مع الناس من مختلف الشرائح، وتعرف أكثر على واقعهم ومشاكلهم، وكانت له علاقات قوية مع رجال الحكم المحلي في المحافظ، وعرف بمهنيته وسماحته العاليتين، وبعد أن خدم في مدينة السلط مركز محافظة البلقاء، وبعد نجاحه في عمله بشكل لافت، نقل إلى العاصمة عمان، ليكون مديراً لشرطة العاصمة، ويعد هذا منصباً مهماً بما يترتب عليه من مهام، فعمان أكبر المدن الأردنية وأكثرها نشاطاً وحراكاً، وكان الغرايبة دائماً بحجم المسؤولية، وأهلاً للثقة.

شارك فالح الغرايبة أثناء خدمته في جهاز الأمن العام، في عدد كبير من الدورات المتخصصة، وكان له حضور في مؤتمرات وندوات كثيرة في الأردن وخارجه، ومن أبرز هذه الدورات دورة في التحقيقات الجنائية في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وخلال خدمته في الأمن العام انتدب للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث عمل مستشاراً قانونياً للقوات المسلحة الإماراتية، وذلك خلال الفترة ما بين عام 1972 وعام 1977، نقل خلاها خبرته القانونية والعملية لهذه الدولة الشقيقة، فأحبوه وكرموه، وكان خير مثال للكفاءات الأردنية في الخارج، وقد نال طوال خدمته في مواقعه المختلفة شهادات تقديرية عديدة، كما منح نظير خدماته وتميزه ثمانية أوسمة رفيعة المستوى من جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، منحه الرئيس الفرنسي فرانسوا متيران برتبة الفارس، كما منحه سمو الشيخ زايد بن سلطان أمير دولة الإمارات العربية وساماً نظير عمله الفريد مع القوات المسلحة في الإمارات العربية.

تدرج فالح الغرايبة في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة لواء في الأمن العام عام 1984، حيث أحيل بعدها على التقاعد، عمل بعد ذلك مباشرة على تأسيس مكتب خاص للاستشارات القانونية عمل فيه حتى عام 1989، فقد أعيد للخدمة من جديد وتم تعيينه محافظاً لمحافظة البلقاء بتاريخ 1/9/1989، واستمر في موقعه هذا مدة ثلاث سنوات، كما أصبح عضواً في نقابة المحامين الأردنيين، واختير رئيساً فخرياً لنادي حوارة، بالإضافة لعضويته جمعية الصداقة الأردنية الأمريكية، وعضوية مجلس أمناء جامعة جرش الأهلية، وعضوية جمعية الشؤون الدولية، وقد توفي فالح مصطفى الغرايبة في الأول من أيار عام 2003.

مفلح الحسين الغرايبة.. تاجر عتيق من صناع الخير

|0 التعليقات

لم تكن التجارة من غير احتكار ومغالاة إلا جلابة للخير والمنفعة، وهي سبيل للتواصل الثقافي والحضاري منذ أقدم الحضارات، فطريق الحرير التي تصل الصين بأوروبا عبر البلاد العربية، هي طريق تبادلت فيها الشعوب المنافع وأسباب الحضارة الشمتطورة والغنى الثقافي، كما نقل التجار من الديار الإسلامية الإسلام إلى جنوب شرق آسيا ووسط الصين وأجزاء من جنوب غرب أفريقيا، مما يؤشر ما للتجارة والتجار من أثر يتجاوز التأثير الاقتصادي وحسب، وقد كان للحركة التجارية التي واكبت تأسيس الدولة الأردنية، دورها المشهود في مؤازرة جهود بناء مؤسسات الدولة الحديثة، وكانوا في كثير من الأحيان رافداً حقيقياً لموارد الدولة المالية، ومساهمين في تطورها وازدهارها.

يعد مفلح الحسن الغرايبة واحداً من أولئك الرجال الذين طبعوا نقشهم الخاص على مرحلة وأكثر من مراحل تاريخ الوطن، ومن الذين نذروا أنفسهم خدمة لناسهم ومدنهم، مدركين حجم المسؤولية وأهمية العمل المشترك الذي أوصل الأردن إلى الريادة في كل المحافل والميادين، ويشير تاريخ ولادته إلى ارتباطه الوثيق ببزوغ فجر القرن العشرين المكتنز بالأحداث الكبيرة والحاسمة، فقد ولد مفلح الغرايبة عام 1901 وهو تاريخ حرج في سجلات المنطقة التي كانت تتحضر لتحولات مفصلية. وتعد قرية المغير الواقعة شمال شرق مدينة اربد مسقط رأسه ومربى طفولته وشبابه، فهو ينتسب إلى عشيرة الغرايبة المنتشرة شمالي الأردن، ويعود نسبها إلى عرب الحسن من قبيلة زبيد القحطانية، الذين هاجروا من جبل شمر في الحجاز إلى جنوب فلسطين وثم انتقل الجزء الأكبر منهم إلى شمال فلسطين، ومنه عبروا إلى شرق الأردن ليستقروا في شمالي الأردن في قرى الهاشمية وحوارة والمغير بعد أن طاب لهم العيش في هذه المناطق.
شكلت قرية المغير الحاضنة الأولى الخصبة لمفلح الغرايبة، فقد تجاوزت المكان الجغرافي وحسب، بل كانت أداة بناء وعيه وفكره، حيث سمت بروحه إلى آفاق غنية، وقد أتيحت له فرصة تلقي أساسيات العلم والمعرفة، من خلال كتّاب القرية، لعدم توفر المدارس في معظم القرى الأردنية في تلك المرحلة، وبعد أن أنهى مرحلة الكتّاب، توجه إلى مدينة اربد حيث التحق بمدرسة « المكتب الابتدائي « لدراسة المرحلة الابتدائية، ونظراً لظروف وطبيعة الحياة في تلك الفترة، لم يتمكن من إكمال دراسته، فتوجه للعمل في التجارة، حيث بدأ بنشاط متواضع يتناسب مع الإمكانيات المتاحة وواقع النشاط التجاري حينها، وتمكن بفضل مصداقيته العالية، وما ناله من ثقة ومحبة كبيرتين من ترسيخ اسمه وسط التجار، فقد نمت تجارته وتوسع نشاطه حتى صار من التجار المحسوبين في اربد.

تنبه مفلح الغرايبة إلى ضرورة تنظيم الحراك التجاري في شمالي الأردن، لذا تمكن مع عدد من كبار تجار اللواء الشمالي من تأسيس غرفة تجارة اربد، من أجل تنظيم هذا القطاع والارتقاء به، وكان ذلك في شهر شباط من عام 1950، حيث تولت الغرفة منح رخص فتح المحال ورخص الاستيراد والتصدير، وتم تنظيم انتخابات لمجلس الإدارة الخاص بالغرفة، وبموجبها أصبح نايف أبو عبيد رئيساً ومفلح الغرايبة نائباً للرئيس، وقد استمر عمل هذا المجلس حتى عام 1954، عندما جرت انتخابات جديدة فاز فيها مفلح الغرايبة رئيساً لمجلس الإدارة، وتمكن الغرايبة من المحافظة على هذا المنصب لمدة طويلة، فقد استمر رئيساً لمجلس إدارة غرفة تجارة اربد حتى عام 1983، وكان خلال هذه الفترة الطويلة ينتخب بالتزكية في معظم الدورات، لما حظي به من محبة وتقدير نالهما بفضل ما تميز به من نشاط وذكاء وقدرة على تقبل الآراء وحل المشاكل التي تعترض التجار، فكان موضع الثقة والتقدير، بالإضافة لنزاهته وعمله الدائم للصالح العام، بعيداً عن المصلحة الضيقة، وكان هذا نهجه طوال حياته.

وكان المغفور له الملك المؤسس عبد الله الأول، يولي الحراك التجاري عناية خاصة، وكان على صلة قوية بتجار الشمال، وقد زار غرفة تجارة اربد في بواكير نشأتها عام 1950، وعندما التقى مجلس إدارتها الأول قال: « مرحباً بالتجار جلابة الخير، لكن فيهم بعض المحتكرين جنبكم الله هذه الصفة « وكان الملك المؤسس عندما يزور اربد للتواصل مع أهلها، يسكن قصراً متواضعاً في وسط المدينة حيث يقوم مبنى مديرية الأوقاف اليوم، ولم يكن حال التجار كما هو حال تجار عمان العاصمة، فقد كانت رخص الاستيراد محدودة وبنظام الكوتا، وكانت حصة تجار الشمال ضئيلة، لكن عوضاً عن ذلك أقاموا علاقات تجارية ناجحة مع تجار سوريا، وكان لهم نشاط جيد مع العراق من خلال استيراد التمور، وهذه العلاقات أسهمت في تطوير التجارة في منطقة الشمال، ونتيجة مطالبة تجار اربد بزيادة حصصهم في الاستيراد، تم دراسة الوضع من قبل لجان مختصة من قبل الحكومة، تم رفع حصة اربد إلى (110) رخصة استيراد، وبعد سنوات تم إلغاء نظام الحصص وفتح المجال أمام جميع التجار.

لعب مفلح الغرايبة دوراً بارزاً في تطوير الحراك التجاري ومأسسته، وبفضل جهوده الحثيثة والملموسة تم توحيد المقاييس والموازين والمكاييل على الأسس المترية عام 1959، كم تم السماح بالتخليص الجمركي على بضائع تجار إقليم الشمال في جمرك الرمثا بدلاً من جمرك عمان كما كان سابقاً، مما سهل كثيراً على التجار وخفض من الكلفة المالية والإدارية وقلل من الوقت المطلوب لإنجاز معاملات التخليص الجمركي. وخلال وجود مفلح الغرايبة في الغرفة التجارية، شارك في مؤتمرات الغرف التجارية والصناعية والزراعية العربية التي عقدت في بيروت ودمشق وبغداد والقاهرة والإسكندرية بالإضافة لعمان، مما أكسبه خبرة واسعة وعلاقات وطيدة مع كبار التجار العرب، وهو ما انعكس نجاحاً متواصلاً في عمله الخاص وفي ترؤسه لمجلس إدارة الغرفة التجارية في اربد.

ومن إنجازاته خلال فترة رئاسته لغرفة التجارة، شراء قطعة أرض تم بناء محال تجارية ومكاتب للغرفة عام 1962، وقد قامت الغرفة التجارية في عهده بشراء قطعة أرض في شارع الهاشمي، تبرعت بها للأوقاف من أجل إقامة مسجد عليها، وبعدها تم شراء قطعة أرض على شارع الحصن، أقيم عليه مقر الغرفة الحالي عام 1989، وكان كل هذا بفضل الانسجام الكبير بين رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، وتقديمهم للمصلحة العامة على المصالح الفردية الضيقة، ولم تنقطع صلته بالغرفة التجارية يوماً حتى بعد أن ترجل عن مهام رئاسة مجلس الإدارة، فكانت بيته الثاني الذي أحبه وعمل من أجله دائماً.

كان مفلح الغرايبة ناشطاً اجتماعيا ومبادراً بأفكاره ذات الصبغة المستنيرة، فقد عمل على إنشاء أول سينما صيفية مكشوفة في اربد سميت سينما البترا، وفتح وكالة لماكينات سنجر المشهورة، وبادر لإنشاء مصنع لمحركات الديزل مع المهندس نقولا نجم، غير أن المصنع واجه صعوبات كبيرة حالت دون استمراره، وقرر الغرايبة خوض تجربة الانتخابات النيابية عام 1961، وتمكن من الفوز بها نائباً عن الشمال، وكان اللواء الشمالي يضم جرش وعجلون والمفرق بالإضافة إلى اربد، وبذلك أصبح خير صوت مدافع عن قضايا التجار ومحاولة تذليل الصعاب والعقبات التي تواجههم. وبعد أن أنهى دورته في مجلس النواب، واصل جهوده من خلال غرفة التجارة، التي تمثلت بالمطالبة بإنشاء جامعة في الشمال، وقد أثمرت هذه الجهود فيما بعد، وتم تأسيس جامعة اليرموك في مدينة اربد.

لم يغفل مفلح الغرايبة دورة في تربية أبنائه وتنشئتهم التنشئة الصالحة، ومن أبنائه علي الغرايبة مدير عام الموازنة الأسبق ومدير عام الأراضي والمساحة، وهو الحاصل على الماجستير في الإدارة العامة من جامعة فلوريدا ستيت الأمريكية، وزيد غرايبة مدير مكتب وكالة بترا في اربد، وكان من بناته رائدات في العمل التربوي وهما كوكب وفاطمة، وله من الأحفاد من يعدون من رجالات الوطن الأوفياء. وقد توفي مفلح الحسن الغرايبة عام 1983، لكنه باقٍ بيننا ما بقي الخير في الأرض وخلود الذكر الطيب.

بشير الغزاوي .. الشيخ المناضل

|0 التعليقات


وضع ابناء « الغزاوية « بصمتها على فترة تاريخية ليست بالقصيرة، وامتد حراكها الاجتماعي والسياسي على رقعة واسعة في جبل عجلون ومحيطه، حتى استقرارها في الأغوار الشمالية، غور الأربعين وجواره.

 و وثق المؤرخون ظهور الغزاوية في الأردن منذ عام 1500، ويبدو أن ترسخ وجودهم في شمال الأردن كان قبل هذا التاريخ.

 كان للأمير البدوي محمد سعيد الغزاوي، دور مؤثر في مقاومة سيطرة العثمانيين على المنطقة، في أعقاب انتصارهم على دولة المماليك عام 1516، غير أن قوات الأمير الغزاوي لم يكن في مقدورها الصمود أمام جيش العثمانيين، التي اعتبرت القوة الأولى في العالم في تلك الفترة، ونظراً لمكانة ونفوذ آل الغزاوية، فقد عمد العثمانيون, على إبقاء زعامتهم على جبل عجلون، الذي ضم معظم بلدات شمال الأردن، وقد كان لأمراء الغزاوية صلات وثيقة مع الأمير شهاب الدين في جبل لبنان، وتحولت هذه العلاقة إلى ما يشبه الحلف.

يرجع الشيخ بشير الغزاوي بنسبه إلى محمد قانصوة، الذي تزعم بلدة صخرة عام 1550، وبقي أمراء الغزاوي حكام جبل عجلون، حتى اشتد ضغط العثمانيين عليهم، بعد أن الغوا الحكم الذاتي لولاية سوريا، وتم حكم الولاية مباشرة من قبل الباب العالي، ومع تزايد الخلافات بين الطرفين، وتضييق الخناق على الغزاوية، تركوا جبل عجلون واستقروا في الأغوار الشمالية، في بلدة المشارع وغور الأربعين، حيث امتلكوا أرضاً شاسعة، وقد رسخوا زعامتهم العشائرية في الأغوار الشمالية والبلدات المقابلة لها غربي نهر الأردن، وغور بيسان، وقد لعبت هذه العشيرة من خلال رجالاتها في مختلف المراحل، دوراً وطنياً مشرفاً منذ أواخر حقبة الدولة المملوكية، وقدموا في سبيل الوطن تضحيات كبيرة، ولم يتخلوا عن واجبهم في أي ظرف من الظروف، لذا فقد سجل التاريخ منجزهم، وحفظت الذاكرة دورهم المشهود.

تشير معظم الروايات أن ولادة الشيخ بشير الغزاوي، كانت في حدود عام 1895، في غور الأربعين، وقد نشأ بشير في بيت الزعامة، حيث كان والده شيخ المنطقة، وقد حظي باحترام كبير في بلدات شمال الأردن، وما ناظرها من بلدات غربي النهر، وتعد الكتاتيب المجال التعليمي الوحيد المتاح لأبناء العشائر في تلك المرحلة، ولا شك أن بشير الغزاوي قد نال فرصة قصيرة في الكتاب، تعلم خلالها مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ عدداً من سور القرآن الكريم، غير أنه تلقى تعليمه الحقيقي من مدرسة والده، حيث كانت مضافته ميداناً يلتقي فيه رجالات المنطقة، يتداولون في أمر حياتهم، وينشدون المشورة في واقعهم ومستقبل بلادهم، وفي المضافة تطرح القضايا والمشاكل، ويبت فيها، وكان بشير منذ طفولته شاهداً وراصداً لكل هذا الغنى المعرفي، وقد ساعدته هذه الخبرات، عندما تسلم الزعامة العشائرية بعد وفاة والده، فقد تربى على مكارم الأخلاق، والجود دون حساب، لمنفعة وخدمة أهله والقيام على حاجاتهم.

أصبح الشيخ بشير الغزاوي شيخاً للغزاوية، والعشائر التي تحالفت معها، وسرعان ما ذاع صيته في أرجاء الوطن، حيث لعب دوراً بارزاً في الأحداث الاجتماعية والسياسية والعسكرية، التي اجتاحت المنطقة، منذ انكشف ضعف الدولة العثمانية، واشتداد الضغط على أطرافها من قبل الدول الغربية، الطامعة في السيطرة على أجزاء من تركتها مترامية الأطراف، حيث كانت المنطقة العربية في شرق المتوسط، ساحة لهذا التنافس المستشري، وقد عرف الشيخ بشير بمواقفه الوطنية، التي كشفت عن وعي فطري بالأخطار التي تحيق بأمة العرب، وقاده حسه اليقظ، المترجم أفعالاً على أرض الواقع، ليصبح أحد أبرز رجالات الحركة الوطنية الأردنية، التي تميزت بمسؤوليتها العالية، وتجاوزت نظرتها الثاقبة حدود اليومي وما هو في المنظور القريب، كان الشيخ بشير ممن رصدوا انزياح الدولة العثمانية عن نهجها، بعد سيطرة حكومة حزب الإتحاد والترقي، التي تحكم بها عدد من الماسونيين ويهود الدونمة، الذين تقصدوا التنكيل بالعرب، ومحاولة طمس هويتهم، وتتريكهم، الأمر الذي انعكس سلباً على علاقة العرب بالدولة.

كان الشيخ بشير من المبادرين إلى الدعوة للثورة العربية الكبرى، حيث استثمر صلاته الوثيقة مع الوطنيين في دمشق وبيروت، وتواصل مباشرة مع رجالات الأردن من الشمال إلى الجنوب، وعندما تحقق الحلم وانطلقت معارك ثورة العرب الكبرى بقيادة المنقذ الأعظم، الشريف حسين بن علي أمير وشريف مكة المكرمة، بدأ الشيخ بشير بمساعدة زعماء المنطقة بحشد عدد كبير من الفرسان، وأرسلهم إلى شمال الجزيرة العربية، للانضمام لجيش الثورة، وتذكر الروايات أن تعداده وصل إلى ما يزيد عن تسعمائة فارس مسلح، وقد لعبت هذه القوة دوراً بارزاً في زيادة زخم الجيوش العربية، التي تقاتل تحت راية الثورة العربية، مما أسهم في تحقيق انتصارات حاسمة على القوات التركية.

 ولم يقتصر دور الشيخ بشير على هذا الجانب، فلقد شارك بالمؤتمر الوطني لأهالي لواء عجلون، الذي عقد في ديوان الشيخ ناجي العزام، في قرية « قم « عام 1920، حيث عرف لدى المؤرخين بمؤتمر « قم « ، وقد ناقش المؤتمرون ما تتعرض له فلسطين من مخاطر، تمثلت بالهجرة اليهودية المدعومة من قبل دولة الانتداب بريطانيا، وتمخض عن المؤتمر تشكيل قوات شعبية من عشائر شمال الأردن، وضعت تحت قيادة الشهيد الشيخ كايد المفلح عبيدات، حيث أغارت هذه القوات على معسكرات الجيش البريطاني، والمستوطنات اليهودية في قرية « سمخ « وتل الثعالب، وشارك الشيخ بشير في المعركة الطاحنة، وكان في مقدمة المهاجمين، وعلى مقربة من القائد كايد العبيدات عندما استشهد مع أخيه وابن أخيه.

لم يرض رجال الحركة الوطنية الأردنية بالانحياز البريطاني لليهود، لذا عاضدوا الثورة الفلسطينية، وقاتلوا مع المناضلين هناك صفاً واحداً، وعمل الشيخ بشير على جمع عدد من رجال شرقي الأردن وقادهم إلى القدس، حيث شارك بفعالية في ثورة البراق، وقد وثق ذلك المناضل العربي الكبير الأستاذ أكرم زعيتر، وأثنى على هذا الموقف النبيل، وفي الجانب الآخر شارك الشيخ بشير في المؤتمر العربي الفلسطيني السادس، عام 1923، ممثلاً عن عرب الأغوار الشمالية وغور بيسان، وعندما أصدرت المحكمة العسكرية البريطانية حكم الإعدام على عدد من المناضلين الفلسطينيين، بعث برسالة تضامنية، بين فيها مشاعره الوطنية الصادقة والداعمة للحق الفلسطيني، وحقه في مواجهة الإرهاب والظلم، وفي الخامس من شهر نيسان شارك الشيخ بشير الغزاوي مع الوفد الذي قابل سمو الأمير عبد الله بن الحسين أمير شرق الأردن، للطلب منه التدخل لدى بريطانيا، لإنقاذ (25) مناضلاً فلسطينياً من حكم الإعدام، وقد لبى الأمير عبد الله هذا الطلب، ونجح في إقناع البريطانيين بالعدول عن هذا القرار.

وكان الشيخ بشير الغزاوي من بين رجالات الأردن وسوريا، الذين استقبلوا الأمير عبد الله بن الحسين عند وصوله إلى مدينة معان، على رأس قوة عسكرية، تلبية لدعوة أبنا المنطقة، بعد سقوط دمشق بيد الفرنسيين، وكان من أبرز رجالات مرحلة التأسيس، ويعتبر قريباً من الأمير عبد الله بن الحسين، فلم يتخل عن دوره في المساهمة في دعم الدولة الناشئة، في تثبيت الأمن وفرض القوانين، البدء في مرحلة البناء والتنمية، وتأسيس جيش عربي، قائم على مبادئ الثورة العربية الكبرى، وخلال هذه الفترة لم ينقطع الشيخ بشير الغزاوي عن النضال والمقاومة في فلسطين، فلقد قاد حملة من الأردن هاجمت مستعمرة « شاسيا « وخاض معركة مع المستوطنين اليهود في السابع من نيسان عام 1931، حيث تم قتل ثلاثة وجرح خمسة من المستوطنين، وتدمير حافلة، وعاد المجاهدون إلى مواقعهم دون إصابات. 

ووصفت مضافة الشيخ بشير ملتقى لقادة المقاومة مثل فوزي القاوقجي، الشيخ محمد الأشمر، سعود الخضرة وفوزي جرار، ويذكر عنه قيامه بإطلاق الرصاص في مؤتمر عربي عقد في القدس، معلناً أن هذا وقت الرصاص وليس الخطابات، وأن الوضع لن يحل إلا بالمقاومة العسكرية، لقد عاش الشيخ بشير مناضلاً عربياً، وشيخاً وطنياً عميق الانتماء، وصادق النهج والعمل، ولم يغير من مبادئه حتى توفي أيلول عام 1945، وإن ذكرت بعض المصادر أنه توفي بعد هذا التاريخ، لكنه غادرنا باكراً، وقد شارك في جنازته رجالات الأردن وممثلون من سوريا والعراق، ووجهاء ومشايخ من فلسطين. لم يغب ذكر الشيخ بشير الغزاوي يوماً، فأعماله ونضاله الوطني الواعي يبقى يذكر فيه يوماً بعد يوم.

آمنة أبو غنيمة .. من رائدات التربية والتعليم

|0 التعليقات
أمنة أبو غنيمة

تعد آمنة علي أبو غنيمة، إحدى أبرز رائدات التربية والتعليم في الأردن، فقد شهد هذا القطاع نمواً مطرداً منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، رغم غياب البنية التحتية خلال عقود طويلة، عانت فيها البلاد من الإهمال، وغياب شبه تام للتنمية، تحت حكم الدولة العثمانية، الذي دام أربعة قرون، فسادت الأمية بشكل كبير، وعانى الراغبون في التحصيل العلمي، كثيراً من أجل الالتحاق بمداس في الحواضر البعيدة، كدمشق والقدس والقاهرة، وكان نصيب المرأة الأردنية من مصاعب التعليم كبيراً، حتى أن وجود متعلمات منهن يعد نادراً جداً، خاصة خلال القرن التاسع عشر، حتى الربع الأول من القرن العشرين، هذا بالإضافة إلى أن كثيراً من فئات المجتمع في تلك الفترة، لا تشجع التحاق المرأة بالمدارس القليلة، نظراً لعدم انتشار التعليم كما هو عليه الحال هذه الأيام.

رغم هذا الواقع الصعب، فإن عدداً من النساء الرائدات واجهن الظروف الصعبة، وكان لهن قصب السبق في دخول معركة تعليم البنات، لأن التنمية الحقيقة لا تنهض إلا من خلال مجتمع متعلم، تتحقق فيه المساواة بين الرجل والمرأة، وكانت آمنة علي أبو غنيمة وشقيقتها الأكبر زينب، هن من أوائل من تقدمن بخطوات واثقة نحو تلقي التعليم داخل سور المدرسة، فقد تربت آمنة وسط أسرة متعلمة، تقدر التعليم للرجال والنساء على حد سواء، حيث كان والدها تربوياً رائداً، وأول من أنشأ مدرسة خاصة في مدينة اربد، وبالتالي كان له فضل كبير في تشجيع بناته للالتحاق بالمدرسة، رغم تحفظ بعض الأهالي في تلك الفترة من تعليم البنات، وقد دعم أشقاءهن المتعلمين، رغبتهن في الدراسة، وساعدوهن في ذلك، حتى أن شقيق آمنة الأكبر تولى تعليمها بنفسه في البيت خلال السنوات الأولى، مما سهل عليها دخول المدرسة مع شقيقتها زينب.

ولدت المربية الفاضلة آمنة أبو غنيمة، في العقد الأول من القرن العشرين في عام 1909، في مدينة اربد التي كانت بلدة كبيرة شمالي الأردن، الذي كان ما يزال يتبع الدولة العثمانية، التي حاربت التعليم في آخر عهدها، وفرضت اللغة التركية وهمشت اللغة العربية، وقد كان لنشأتها في بيت عرف باهتمامه وتقديره للعلم والمعرفة دور حاسم في توجهاتها لتعليم وتوجهات أخوتها، فقد كان لوالدها تأثير كبير على أفراد البيت، وهو المدرس والمربي الكبير، حيث كان الأخ الأكبر حسن أول أردني يحصل على شهادة دار المعلمين، من اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية، في حين كان شقيقها صبحي من أوائل من حصل على شهادة الطب من جامعة برلين في ألمانيا، وكان لأختها التي تكبرها بسنتين الريادة في الحصول على شهادة دار المعلمات من دمشق عام 1922، وقد تأثرت آمنة بهذا المناخ الذي نشأت وترعرعت فيه، فبدأت مشوارها مع التعليم، عندما بدأت تتلقى دروسها الأولى على يد شقيقها حسن، وذلك لعدم توفر مدارس للبنات في اربد، في تلك المرحلة من تاريخ البلاد.

أظهرت آمنة ذكاءً وتميزاً في دروسها البيتية، وقد ساعدها هذا التميز في تسهيل انتقالها إلى مدينة دمشق، حيث التحقت بمدرسة البيمارستان، وبعد أن أنهت دراستها في هذه المدرسة، التحقت بدار المعلمات بدمشق، وقد أمضت ثلاث سنوات في دار المعلمات، حيث نالت بعدها شهادة دار المعلمات بتفوق، فعادت إلى اربد مسلحة بشهادة علمية، كانت في ذلك تعد خطوة متميزة، فتحت الباب واسعاً لتعليم البنات في الأردن، وقد عينت فور عودتها، مدرسة في مدرسة إناث إربد عام 1923، التي أنشئت قبيل هذا التاريخ بفترة ليست كبيرة، وقد درّست في هذه المدرسة، وشجعت الأهالي على إرسال بناتهم إلى المدرسة، وكان لهذه المبادرة تأثيرها في زيادة عدد الطالبات في المدرسة.

أصبحت آمنة أبو غنيمة مديرة مدرسة الحصن للبنات، التي أسست في ذلك الوقت، وكان شقيقها محمود مديراً لمدرسة الحصن للذكور، وقد تميزت بعملها الدائم على تطوير المدرسة، وانفتحت على المجتمع المحلي، من خلال برنامج زيارات منزلية، للحض على تعليم البنات، والتوعية بأهميته تعليمهن وأثره على تنمية وتطور المجتمع والبلاد، وكانت محبوبة بين المعلمات والطالبات، ولها مكانتها بين نساء اربد والحصن، وقد كان لها إسهامات في بعض الجمعيات الخيرة، التي هدفت إلى خدمت الأهالي. نظراً لالتزاماتها العائلية، اضطرت إلى تقديم استقالتها من التعليم عام 1938، وتفرغت لتربية أبنائها، والقيام على شؤون بيتها، لكنها لم تتخل عن رسالتها التربوية، حيث علمت عددا من البنات في بيتها.

عادت المربية آمنة أبو غنيمة إلى التعليم مرة أخرى، وكان ذلك عام 1950، وكان أن أعيد تعيينها مديرة لمدرسة الحصن للبنات مرة أخرى، فعادت إلى عملها السابق بعد انقطاع سنوات، وكأنها لم تغب عن المدرسة، وقد اتسمت بالحماس والإقبال الكبير على العمل، وأعادت بناء علاقتها داخل المدرسة وخارجها، فكانت قريبة من الطالبات وأنشطتهن المختلفة، منفتحة على المجتمع المحلي، ومقدرة لدور الأهالي في دعم المدرسة في مبادراتها التربوية والتثقيفية المختلفة. بعد عملها في مدرسة الحصن، نقلت آمنة إلى مدينة جرش، لتصبح مديرة مدرسة بنات جرش الإعدادية، وفي جرش استمرت آمنة أبو غنيمة بنهجها المعهود، واستطاعت أن تشجع كثيرا من العائلات على إرسال بناتهن إلى المدرسة، ونشطت في العمل العام، ودعمت أنشطت عدد من الجمعيات الخيرية.

في عام 1961 أحيلت المعلمة والمربية الكبيرة آمنة أبو غنيمة إلى التقاعد، وقد تركت خلال مسيرتها التربوية، أثراً واضحاً على أكثر من جيل من بنات الأردن، في اربد والحصن وجرش، ومنذ وقت مبكر من تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، حيث شكلت مع شقيقتها الأكبر زينب أول المعلمات الأكاديميات في الأردن، وكان لهن دور في تحفيز كثير من البنات للتقدم نحو تلقي العلم، من خلال الالتحاق بالمدرسة، وتشجيع الأهالي للدفع ببناتهم للتعليم، وهذا أدى إلى وجود جيل من المتعلمات، اللواتي كان لهن دور مؤسس في تطور الأردن وتقدمه خطوات سريعة نحو التنمية الشاملة، التي أوصلت الأردن إلى ما وصل إليه، من تقدم ورقي في مختلف المجالات.

وقد عاشت آمنة في وجدان وذاكرة الناس طويلاً، وبقي ذكرها كإحدى رائدات التربية والتعليم وفي الأردن، راسخاً جيلاً بعد جيل، ونظراً لما حققته خلال عملها كمعلمة، وانجازاتها كمديرة لأكثر من مدرسة، وإسهاماتها على صعد النشاطات الخيرية، فقد تم تكريمها بشكل لائق، حيث منحها جلالة المغفور له الملك الحسين المعظم، وسام التربية والتعليم من الدرجة الثانية، في احتفال كبير أقيم عام 1975.

عرفت المربية آمنة أبو غنيمة، بإخلاصها العميق في العمل، وانتمائها المنتج لوطنها وقيادتها، ولم يحل التقاعد بينها وبين مواصلة العمل، حيث عملت على استثمار الوقت المتاح في الأعمال التطوعية، وبعض الأنشطة التثقيفية، التي تركت أثرها في المجتمع المحلي، فكانت قريبة من الناس، وتبادر بمساعدة كل من يحتاج إلى مساعدة، وتقدم النصح والمشورة للنساء من مختلف الأجيال والمستويات، مما جعل منها سيدة مجتمع من طراز رفيع، فحظيت بمحبة وتقدير واسعين، وبقيت ناشطة حتى وفاتها عام 1993، فكان عملها كالصدقة الجارية، لا ينقطع مداده في يوم من الأيام.

حمد الفرحان .. القومي الأصيل

|0 التعليقات
حمد الفرحان

كان واحداً من أبرز مؤسسي الحركة القومية العربية، التي برزت ملامحها الواضحة، من خلال مجموعة من الشباب العربي المتعلم، منذ أواخر الحقبة العثمانية، مروراً بحرم الجامعة الأمريكية في بيروت، التي شكلت ساحاتها فضاءً، لنمو هذه الحركة خلال النصف الأول من القرن الماضي.

كان للفكر القومي المتزايد تأثيره على جيل وأكثر من الشباب العربي بشكل عام، وعلى الشباب الأردني بشكل خاص، الذي شكل نواة النخبة السياسية الأردنية، التي قادت البلاد في أكثر من مرحلة، وهي المدرسة الفكرية التي اتسقت مع توجهات الدولة الأردنية، القائمة على أسس قومية راسخة، ميزت الأردن منذ إرهاصات التأسيس الأولى حتى اليوم، مع اختلاف الظروف والأحوال الإقليمية والعالمية.
شكلت حياة حمد الفرحان، تعبيراً مباشراً عن فكره ونهجه، الذين لم يتغيرا في يوم من الأيام، فبقي قابضاً على جمر الولاء لأمته العربية، مؤمناً بحضارتها وإرثها الثقافي، ومقدرتها على استعادة ألقها في قمة الحضارة العالمية المعاصرة، فقضى عمره منافحاً عن فكره، وساعياً في الوقت نفسه إلى العمل الدءوب من أجل خدمة وطنه، والنهوض بالمهام المنوطة به، فكان مؤسساً ومطوراً لكثير من الأفكار والأعمال والمناصب التي تشغلها في حياته، حتى عد مدرسة في فكره، وفي منهجيته في العمل الناجح، وفي الإيثار من أجل مصلحة الوطن، التي تصب بالضرورة في المصلحة الكبرى وهي خدمة الأمة العربية، وإكسابها المنعة والقوة، وقد تأثر به أكثر من جيل من القوميين في أكثر من بلد عربي.

كانت بلدة « النعيمة « على مقربة من مدينة إربد مسقط رأسه، وقد أرخ لولادته في السابع عشر من شهر شباط عام 1921، متزامناً مع تأسيس الدولة الأردنية على يد الأمير عبد الله الأول ابن الحسين، وقد نشأ « الفرحان» في بلدة « النعيمة « مثل معظم أطفال القرى في تلك المرحلة الصعبة، التي عانى الناس فيها من الفقر، وقلة المؤسسات الخدمية، وندرة الوظائف، نظراً للإهمال الطويل من قبل الدولة العثمانية للمنطقة العربية.

التحق بالمدرسة الابتدائية في البلدة، حيث سرعان ما برز تفوقه في التحصيل الدراسي، وخلال هذه الفترة المبكرة، أخذ وعيه بالتفتح على تربة الوطن الحمراء، وتلمس طيبة ناسه وأصالة تاريخهم، فكان فطري الانتماء، عميق التأمل واثق الأحلام، وقد أضطر إلى الذهاب إلى مدينة أربد، من أجل إكمال دراسته الإعدادية في مدرسة إربد، وقد وضعه ذلك في مواجهة مشاق يومية متكررة، وقد أهلته هذه الفترة للمراحل القادمة، التي أساسها العصامية والاعتماد على النفس، وهو ما تميز به طوال حياته.

أنهى حمد الفرحان درسته في مدرسة إربد، بتفوق مشهود ولافت، وكان عليه في سبيل إكمال دراسته الثانوية، أن ينتقل إلى مدرسة السلط الثانوية الوحيدة في البلاد في تلك المرحلة، وكانت السلط مدينة ناشطة، تعج بالحركة التجارية والعلمية والحراك الاجتماعي والسياسي.

أتاحت له مدرسة السلط فرصة التتلمذ علي يد نخبة من أفضل المعلمين من الأردن، ومن بعض البلدان المجاورة، وقد جذبت المدرسة عدداً من خير شباب الأردن حينها، الذين أصبح في ما بعد من رموز النخبة السياسية والمثقفة، التي تركت بصماتها على مراحل بناء الدولة الأولى وما تلاها، وقد زامل الفرحان عدداً منهم، لكنه أرتبط  بوصفي التل وخليل السالم بعلاقة خاصة استمرت العمر كله، وكان أن تمكن حمد الفرحان من إنهاء دراسته في مدرسة السلط، حاصلاً على شهادة الثانوية العامة، بتفوق كبير، فقد كان الأول في صفه.

مكنه تفوقه وحصوله على المركز الأول، من نيل بعثة دراسية حكومية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث درس تخصص الفيزياء، وكانت الجامعة الأمريكية تضم نخبة الشباب العربي، الواعي والراغب في تغيير حال الأمة من خلال العلم والوحدة، فقد شكل الحرم الجامعي مخاضاً لعدد من الأفكار والرؤى السياسية، ومن أبرز هذه الحركات الناشطة، ما سمي بحركة القوميين العرب، وقد تأثر بهذه الحركة، عدد من شباب الأردن الملتحقين بالجامعة، وكان حمد الفرحان أحدهم، وقد نال شهادة البكالوريوس في الفيزياء عام 1941، فعاد إلى الأردن، وأنخرط في الحياة العملية، حيث عمل مدرساً في مدارس مدينة إربد، ومن ثم أنتقل للتدريس في مدرسة الثانوية، المدرسة التي تخرج منها، بعد ذلك نقل إلى مدينة عمان ليعمل مدرساً لفترة من الزمن، حيث عين في عام 1944 مديراً لمدرسة ثانوية عمان.

تم إيفاد حمد الفرحان إلى بريطانيا، حيث درس الاقتصاد في لندن، وبعد أن أنهى دراسته، عاد إلى الوطن، وقد تم تعيينه في وزارة الأشغال، في الدائرة المختصة بشق الطرق، وكانت تدعى دائرة « النافعة «. في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، كان الفرحان أحد أبرز مؤسسي فرع الأردن لحركة القوميين العرب، ويعد أكثر المنتمين لهذه الحركة نشاطاً وإخلاصاً، وعندما قامت قبل ذلك ثورة رشيد عالي الكيلاني، في عام 1941 في العراق، والتي أطلق عليها أيضاً حركة العقداء الأربعة، والتي اندلعت ضد الاستعمار البريطاني، قرر الفرحان مع مجموعة من رفاقه القيام بمسيرة على الأقدام إلى بغداد، غير أن قمع الثورة وبعض الظروف الأمنية حالت دون تنفيذ الفكرة.

عين حمد الفرحان، سكرتيراً في مجلس الوزراء، في عهد حكومة توفيق أبو الهدى، بعد ذلك أصبح وكيلاً لوزارة الاقتصاد الوطني عام 1951، وقد استمر يحمل أعباء هذا المنصب حتى العام 1957، وقد تمكن خلال هذه الفترة القصيرة نسبياً من تحقيق مكاسب للوطن تمثلت بمنجزات اقتصادية مشهودة، خلال مرحلة صعبة على الصعيدين المحلي والإقليمي، وذلك من خلال عمله مع عدد من الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة، في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي بشكل متلاحق.

وبعد استقالة حكومة سليمان النابلسي، عين الفرحان رئيساً لمجلس إدارة شركة الملاحة العربية عام 1957، كما شغل في الفترة عينها رئيس مجلس إدارة شركة الورق الأردنية، ونظراً للنجاحات التي حققها في وظائفه ومناصبه السابقة، أوكلت إليه رئاسة إدارة شركة الأسماك الأردنية، وقد تمكن من تحسين عائدات هذه الشركات، بفضل إخلاصه في العمل، وخبرته العلمية والعملية، ونظافة يده وأفكاره المبدعة.

بقي حمد الفرحان ممسكاً بمبادئه الفكرية وتوجهاته السياسية، رغم خروجه من التنظيم الرسمي لحركة القوميين العرب، وقد ارتبط اسمه لفترة طويلة بالمنتدى العربي، الذي أسهم في تأسيسه وأصبح رئيسه، وتمكن من تحويله إلى منصة للفكر والثقافة، ومساحة للحوار الواعي والعميق، وكان لهذا المنتدى تأثير في مرحلة مهمة من عمر الدولة الحديثة. بالإضافة إلى ذلك كله، كان الفرحان من أبرز مؤسسي المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن، كما يعد من رموز المؤتمر القومي، ولم يقتصر نشاطه على الجوانب الفكرية القومية، والنواحي الاقتصادية، سعى مع مجموعة من المفكرين العرب إلى تأسيس مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.

حظي حمد الفرحان بالثقة الملكية حيث اختير عضواً في مجلس الأعيان، ونظراً لمكانته الفكرية وعمله الدءوب، وانجازاته المتعددة، نال عدداً من الأوسمة، منها وسام الكوكب الأردني من الدرجة الثالثة، بالإضافة لأوسمة من سوريا واسبانيا، وقد تم إطلاق أسمه على عدد من المرافق في الأردن، فيوجد شارع باسمه بالإضافة لمدرسة من مدارس وزارة التربية والتعليم. وبعد مسيرة حافلة بالعمل المتميز، والعطاء اللافت والمنقطع النظير، توفي حمد الفرحان في الثالث والعشرين من شهر نيسان عام 2000، عن عمر ناهز التاسعة والسبعين عاماً، وقد شيع رجالات الأردن ووجهائه، على الصعيدين الرسمي والشعبي الراحل إلى مثواه الأخير في بلدة « النعيمة «، لكنه رغم رحيله ترك لنا من الأعمال الطيبة، والذكر الحميد ما يبقى يذكر به يوماً بعد يوم.  

بشير حسن أحمد الصباغ

|0 التعليقات
بشير الصباغ

كان تربوياً بامتياز، وبقي كذلك حتى في مناصبه السياسية والإدارية، يحلق في فضاء التربية والتعليم، فكان من الرواد الأوائل، الذين كانت لهم جهود تأسيسية كبيرة، جعلت من الأردن في فترة زمنية قصيرة، منارة علم، ومقصد طلبة العلم من أقاصي الأرض، وانطلق الشباب الأردنيون في بلاد الوطن العربي، معلمين ومربين، يخدمون الأمة بإخلاص ومحبة، ولم يكن للأردن أن تحصل هذه المكانة العلمية، رغم ضيق ذات اليد، والاضطراب السياسي في المنقطة، لولا جيل من الرواد من رجالات الوطن الأوفياء، من أمثال بشير الصباغ، المعلم والوزير وقاضي القضاة، الذي كرس سنوات عمره للكلمة الصالحة والخلق الرفيع، متحصلاً على محبة الناس وتقديرهم لشخصه وعمله.

ولد بشير الصباغ في مدينة اربد شمالي الأردن، حيث ولد في عام 1919، وكان والده حسن أحمد السيبراني الصباغ، قد استقر في اربد قادماً من بلدة ( جاسم ) الحورانية، التي هجرها من أجل الإقامة في مدينة اربد في حدود عام 1850، أي منذ منتصف القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي شهدت فيها المنطقة حراكاً ديموغرافياً متنوعاً، نتيجة اضطراب الأحوال السياسية والمعيشية في منطقة شرق المتوسط، وفي اربد ارتبط لقب ( السيبراني ) بأحمد الصباغ، نسبة لنهر سيبر الصغير، الذي يمر بالقرب من قرية جاسم الحورانية، وقد أصبح أحمد الصباغ واحداً من أبناء المنطقة بسرعة، حيث أندمج سريعاً مع الأهالي، وتمكن من بناء علاقات قوية مع محيطه الجديد، ونال محبة الناس وثقتهم، حتى أن بعض الروايات تذكر، أنه أصبح رئيساً لأول مجلس بلدي تشكل في مدينة اربد، كما أورد ذلك الباحث زياد أبو غنيمة.

تزوج أحمد الصباغ بفتاة من عشيرة الرشيدات، ورزق بأولاد كان لهم دورهم الفاعل في مدينة اربد ومحيطها. وقد نشأ بشير حسن الصباغ في مسقط رأسه اربد، كما هو حال أبناء البلدات والمدن الصغيرة في تلك الفترة، حيث كان ضيق ذات اليد، وندرة المدارس، والفقر سمة غالبة، تضع الناس بمستوى واحد، يعيش أبناء الفقراء وأبناء الأغنياء ظروفاً متشابهة، لكون الفرص المتاحة شبه متساوية. وقد درس بشير الصباغ  المرحلة الابتدائية في اربد، وكان منذ صغره طالباً مجداً، نال تقدير وإعجاب معلميه وتشجيعهم، فواصل دراسته الثانوية في مدرسة اربد الثانوية، حتى نال شهادة الثانوية العامة عام 1938، وقرر أن يحقق حلمه في إكمال دراسته الجامعية، فانفتحت أمامه كثير من الخيارات، التي أصابته ببعض الحيرة والارتباك، فلقد احتار بين الدراسة في جامعة ( الروبرت كولدج ) في بيروت والجامعة السورية – جامعة دمشق – والجامعة الأمريكية في بيروت، ونتيجة لذلك أضاع سنة بعد الثانوية العامة، فعمل في جزء منها معلماً في عمان.

استقر رأي بشير الصباغ على الدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت، فسافر إلى لبنان ليلتحق بكلية العلوم في الجامعة، وكانت الجامعة الأمريكية ملتقى الشباب العرب من مختلف الأقطار، وشهد حرمها قيام حركات قومية وسياسية عديدة، كان لها دور بارز في الحراك السياسي في العقود الثلاثة اللاحقة، وقد خرجت هذه الجامعة عدداً من رجالات الوطن في مختلف الميادين، وكان لهذه الفترة تأثير حاسم في فكره وحياته العملية، حيث قام ببناء علاقات صداقة قوية مع عدد من رموز الثقافة والعلم والسياسية العرب، وفي عام 1943 تخرج من الجامعة حاصلاً على شهادة البكالوريوس في العلوم، عاد بعدها إلى وطنه الأردن مسلحاً بالعلم والرغبة في العمل المخلص، لذا باشر بالانضمام لمعلمي التربية والتعليم، وعين مدرساً في المدرسة التي تخرج منها، وهي مدرسة اربد الثانوية للبنين، وقد عمل مدرساً فيها بين عامي 1943 وعام 1944، حيث تم ترقيته بعد ذلك ليصبح مديراً للمدرسة، ومرد ذلك ندرة الشهادات العلمية الجامعية، مما منحه ميزة سرعت في ترقيته الوظيفية.

انتقل بشير الصباغ من اربد إلى مدينة السلط عام 1946، ليصبح مديراً للمدرسة الأشهر في الأردن، وهي مدرسة السلط الثانوية، لكنه لم يستمر في هذا المنصب أكثر من عام واحد، فلقد قرر الاستقالة من العمل في وزارة التربية والعليم – وزارة المعارف حينها – حيث عمل مع عدد من رجال التربية والاقتصاد، على تأسيس مدرسة الكلية العلمية الإسلامية، ليتفرغ لرئاسة الكلية منذ عام 1947، ورغم تعدد المناصب التي شغلها بعد هذا التاريخ، كان يعود دائماً لممارسة عمله في رئاسة الكلية العلمية الإسلامية، ولم ينقطع عنها حتى قرر إحالة نفسه على التقاعد، فلقد بقي مخلصاً لرسالته التربوية، مؤكداً على أهمية دور المعلم في بناء الأجيال، والتمهيد لمستقبل زاهر للأمة والوطن.

تسلم بشير الصباغ أول منصب وزاري، في حكومة دولة بهجت التلهوني، التي شكلت بتاريخ 28/6/1961، عندما أسند إليه حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى منصب قائم بأعمال قاضي القضاة، وبذلك دخل الصباغ عالم السياسة بكل ما فيه من مهام وتعقيدات، وقد تميز بمقدرته على النهوض بأعبائها باقتدار، وعندما أجري تعديل وزاري على حكومة التلهوني، في تشرين الثاني عام 1961، أصبح الصباغ وزيراً للتربية والتعليم ووزيراً للشؤون الاجتماعية، وكان لهذه المناصب المتزامنة التي أسندت إليه، دلالة على ما تمتع به من ثقة ومعرفة وخبرة، أهلته لاستلام أرفع المناصب الإدارية والسياسية، ولم يكن يعني له المنصب، أكثر من كونه أمانة تصان وثقة يجب المحافظة عليها، وأعباء عليه تحمل مشاقها وتبعاتها.

عاد بشير الصباغ إلى المناصب الوزارية، وذلك عندما جرى تعديل حكومة الشريف حسين ناصر، والتي شكلت في 9/7/1963، حيث تسلم حقيبة وزارة التربية والتعليم، وكذلك قائماً بأعمال قاضي القضاة، وكان هذا التعديل قد جرى في بتاريخ 1/11/1963، وعندما كلف دولة بهجت التلهوني بتشكيل الحكومة مرة أخرى بتاريخ 6/7/1964، شغل الصباغ منصب وزير التربية والتعليم، وفي تعديل جرى بتاريخ 25/4/1968، على حكومة بهجت التلهوني التي شكلت في 7/10/1967، عاد ليتسلم مهام المنصب الوزاري نفسه، واستطاع خلال عمله في وزارة التربية والتعليم، من العمل على توظيف خبرته في هذا المجال، وتطوير عمل الوزارة وتأهيل كوادرها، وتحديث مناهجها، وهو ما انعكس على نوعية التعليم، مما وضع الأردن في مكانة متقدمة في هذا المجال.

وكان بشير الصباغ يعود إلى رئاسة الكلية العلمية الإسلامية، كلما غادر المنصب الوزاري، فلقد كانت هذه المؤسسة التربوية التعليمية قريبة إلى نفسه، واعتبرها بمثابة بيته وموضع أحلامه وتطلعاته، وكان له مع عدد من المعلمين الأفاضل، دور في وضع الكلية العلمية الإسلامية، في مقدمة المدارس الخاص، في مرحلة صعبة من مراحل بناء الدولة الأردنية، حيث كان لهذه المدرسة فضل في تعليم عدد من كبار رموز ورجالات الدولة الأردنية، فقد درس فيها المغفور له الملك الحسين بن طلال، وعدد من أصحاب السمو الأمراء، ولا زالت هذه المؤسسة الرائدة في طليعة المدارس الخاصة، وفي الوقت نفسه لم ينقطع عن وزارة التربية والتعليم، حتى بعد خروجه من الوزارة كوزير، فقد كان له مشاركات متعددة في مجالس التربية والتعليم، خلال الفترة من عام 1961 وحتى عام 1969، وكذلك في مجالس التعليم العالي، ومجلس الأوقاف.

خلال مسيرة حياته الحافلة بالعطاء والتميز، التي جعلت منه واحداً من أبرز رجالات التربية والتعليم في الأردن، نال فيها التقدير والتكريم المستحق، فقد منح وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الاستحقاق من الجمهورية السورية، ووسام جمهورية مصر العربية، واستمر بشير الصباغ على رأس مدرسة الكلية العلمية الإسلامية، حتى أحيل على التقاعد بناءً على طلبه بتاريخ 1/8/1999، وعمل على إصدار كتاب بعنوان دليل المعلم، وتوفي المعلم والتربوي الكبير بشير الصباغ في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر أيلول عام 2007.

الأستاذ الجليل صالح الدرادكة

|0 التعليقات
الأستاذ صالح درادكة

يعد الحديث عن شخصية الدكتور صالح درادكة حديثا عن واحد من أهم رجالات الأردن الممتد تاريخهم والمشهود لهم بإنجازاتهم العظيمة ، حيث تكبر الأمة بأولي العلم وبأرباب الفكر فالأرض الأردنية ولاّدة لرجالات عرَّفوا العالم بأن هذه الأمة العربية هي أمة عظيمة في رسالتها وثقافتها ، رجالات كانوا دوماً على العهد ، فأوفوا بعهد الوفاء ونذروا كل ما يملكون من الغالي والنفيس قرباناً ليزيدوا من خلاله حبهم لوطنهم عن طريق بعث النهضة العلمية الحديثة والعمل على إرساء قواعد التقدم والتطور والسير بالأجيال إلى الأمام فهو بحق أستاذ جليل صاحب عقل مستنير وعمل ونتاج غزير حرص على أن يقدم لطلابه كل ما لديه من مخزونه العقلي والمعرفي. 

ولد الدكتور صالح درادكة في قرية زوبيا الواقعة شمال الأردن عام (1938). والتحق بكتّاب القرية في سن مبكرة ثم عَمًد والدُه إلى إرساله إلى مدرسة دير أبي سعيد لمواصلة تعليمه ، وفي هذه المدرسة درس عامين فقط نظراً لقيام معظم أبناء القرية بترك الدراسة فما كان من والده إلا أن قام بنقله إلى مدرسة العروبة الواقعة على سفح التل الجنوبي في اربد ثم عاد إلى مدرسة دير أبي سعيد وتقدم لامتحان المترك وذلك في نهاية الصف السابع ، درس الأول والثاني والثانوي في مدرسة الرمثا ثم انتقل إلى مدرسة اربد الثانوية معلماً في إحدى المدارس الإعدادية. 

ثم التحق بجامعة دمشق عام (1962) ليكمل دراسته في قسم التاريخ وليتخرج عام (1966) حاصلاً على شهادة البكالوريوس ثم التحق بجامعة الأزهر بالقاهرة لدراسة الماجستير وقد تخرج من جامعة الأزهر عام (1972) حاصلاً على تقدير جيد جداً بعدها التحق ببرنامج الدكتوراه تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبد الفتاح شحاته وقد قدم أطروحته والتي تحمل عنوان "العلاقات العربية اليهودية حتى نهاية عهد الخلفاء الراشدين" وذلك عام (1977) وحصل على درجة الدكتوراه في التاريخ والحضارة الإسلامية بمرتبة الشرف الأولى ثم جرى تعيين الدكتور صالح درادكة في جامعة مراكش لتدريس الحضارة العربية الإسلامية وذلك في العام الدراسي 1978 - ,1979 ونظراً للمستوى العلمي والأكاديمي الذي يتحلى به الدكتور الدرادكة فقد تم تعيينه في قسم التاريخ في الجامعة الأردنية. وقد بدأ عمله في الجامعة الأردنية في 3 ـ 10 ـ 1978 كمحاضر. 

وللأستاذ الدكتور صالح درادكة العديد من الأنشطة بالإضافة إلى عمله الأكاديمي فقد كان رئيساً لقسم التاريخ في الفترة ما بين 1990 - 1995 واختير مشرفاً عاماً على لجان تأليف كتب التربية الوطنية والاجتماعية للمرحلة الأساسية لوزارة التربية والتعليم الأردنية للعام 1992 ـ 1993 وذلك بتكليف من الجامعة الأردنية واختير أيضاً عضواً في الوفد الأردني للمؤتمر العام لليونسكو في دورته السابعة والعشرين وممثلاً للوفد في اللجنة الثقافية ، كما شغل أيضاً نائباً لرئيس جامعة جرش الخاصة من 1995 - 1996 وعمل رئيساً لتحرير مجلة جرش للبحوث والدراسات من 1995 - 1998 وأيضاً مستشاراً لمناهج التاريخ لدى سلطنة عُمان من 1998 - 2001 ونائباً لعميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية لشؤون البحث العلمي والدراسات العليا للعام الجامعي 2001 - 2002 . 

ورئيساً لقسم التاريخ من 2003 - 2004 ، كما جاء أستاذاً زائراً في قسم التاريخ ـ جامعة اليرموك (إجازة تفرغ علمي) من 2004 - 2005 . 

وللدكتور الدرادكة العديد من المؤلفات منها بحوث في تاريخ العرب قبل الإسلام ، الإنسان في القرآن ، العلاقات العربية اليهودية حتى نهاية عهد الخلفاء الراشدين ، طرف الحج الشامي في العصور الإسلامية ، فتوح الشام للواقدي - جمع وتحقيق ودراسة. وهناك أيضاً العديد من المؤلفات التي شارك في تأليفها منها المناقب المزيدية في أخبار الملوك الأسدية ، وكتاب السمات الإنسانية في الحضارة العربية الإسلامية ، أعمال الندوة العلمية الثقافية لأعمال المؤتمر الدولي الرابع لتاريخ بلاد الشام ، بحوث ودراسات مهداة إلى عبد الكريم غرايبة ، بلاد الشام في العصر العباسي ، كتب التربية الوطنية والاجتماعية لوزارة التربية والتعليم العمانية من الصف الثاني وحتى السادس وغيرها الكثير من المؤلفات. بالإضافة إلى العديد من البحوث المنشورة منها الديمقراطية والدستورية في الإسلام ، لمحات من تاريخ أيلة (العقبة) في العصر الإسلامي ، الحرب عند القبائل العربية قبل الإسلام ، سكة حديد الحجاز ، البريد وطرق المواصلات في بلاد الشام في العصر العباسي بالإضافة إلى العديد العديد من البحوث المنشورة وقد أشرف الأستاذ الدكتور صالح درادكة على خمسة عشرة رسالة دكتوراه وأشرف على اثنين وعشرين رسالة ماجستير ولا يفوتنا أن نتطرق إلى ذكر بعض الندوات والمؤتمرات التي شارك فيها الأستاذ الجليل صالح درادكة ومنها: مؤتمر تاريخ العرب العسكري ، المؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام ، الندوة العالمية لمالية الدولة في صدر الإسلام ، الندوة العالمية الخامسة للسمات الإنسانية في الحضارة الإسلامية ، الندوة العالمية لشؤون القدس ، المؤتمر العالمي للدراسات المورسكية ، مؤتمر اتحاد الجامعات العربية المنعقد في الجزائر ، ندوة القدس بين الماضي والحاضر ، ندوة دمشق عبر التاريخ ، المؤتمر الدولي الثامن لتاريخ بلاد الشام. 

وقد حصل الدكتور صالح درادكة وعبر مسيرة عمله على العديد من الأوسمة منها وسام المؤرخ العربي ووسام التربية والتعليم الأردني بالإضافة إلى حصوله على العديد من كتب التقدير من مؤسسات عربية وأردنية. 

وقد نظمت الجامعة الأردنية احتفالية خصت بها الأستاذ الدكتور صالح درادكة تم فيه ذكر مناقبه وصفاته وإنجازاته العملية ، وكان للدكتور الدرادكة مشاركة قال فيها: إن هذه الاحتفالية ترمز إلى عناية الجامعة بالعلم والعلماء والحرص على أن تحافظ الجامعة على مسارها الذي أنشئت من أجله ، فقد وجد العلم لاستكشاف المجهول ، ولجعل الإنسان صالحاً للحفاظ على الحياة واستمرارها ، كما أراده الله خليفة في الأرض ، ليعمرها ويصلح فسادها والإنسان يتنازع في ذاته بين الصلاح والفساد وليس هذا التنازع شرا كله ، وإنما هي حالة تهدي إلى الصواب فالله سبحانه يقول: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" ووصف النفس باللوامة والأمارة بالسوء ويتمثل النجاح والخلاص بكبح الشر والنزوع نحو الخير والفضيلة وهنا يأتي دور المعلم الأب الروحي للأجيال الحالية والقادمة فهو رسول الحياة التي أرادها الله لبني البشر ، ولا يقاس عمل المعلم بما يتمتع به من فصاحة وبيان وحسن هندام ، وإنما يقاس نجاحه في مقدار ما يتركه من أثر في تكوين طلابه بعد مرور الزمن ، أي بمقدار ما يدينون له باكتساب مهارة البحث والتنقيب والجد والمثابرة ، والجرأة والصدق في طرح الرأي وقبول غيره بعد التثبت والإلمام. فالأصل أن يظل المعلم معطاءً متفانياً ، دونما طلب للشهرة والجاه والمال ، وإلا تحول إلى تاجر المفسدات والله يصف النخب المجتمعية: "بالذين آمنوا وعملوا الصالحات" إننا بأمس الحاجة للذين يعملون الصالحات فهؤلاء في نور الله "في جنان العلم" ونور الله لا يهدى لعاصي ، والعاصي الذي يخرج عن طاعة الله ويدخل في طاعة الشيطان والطاعة هنا لا تتمثل بالعبادات فقط وإنما بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهؤلاء هم المفلحون. 

وقد تحدث الأستاذ الدكتور مفيد عزام في شخصية الدكتور صالح درادكة فقال: لقد عُرف الدكتور صالح درادكة بتبحره في علوم التاريخ إيماناً منه بأن الأمة التي تطل على تاريخه تقوى على ترميم حاضرها وبناء مستقبلها فالتاريخ عنده هو موئل الحكمة ومصدر العظمات والعبر ، ونحن إذا نحتفي اليوم بالدكتور صالح درادكة ، فإنما نحتفي به عالماً جليلاً وباحثاً صبوراً غيوراً ما انفك طيلة يومه الدراسي ، يتحرى المعلومة ، ويبحث عن الحقيقة من مظانها ، حتى أغنى النفوس الظامئة إلى العلم والارتقاء في سُلّمه وأثرها بالحكمة والرأي السديد. 

وقد تحدثت الدكتورة غيداء خزنه كاتبي في الاحتفالية التي أقامتها الجامعة الأردنية بمناسبة بلوغ الأستاذ صالح درادكة سن السبعين فقالت: إن بقاء الحضارات وامتدادها ، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى إنسانيتها ، وأن تكريم الإنسان للإنسان يكون باحترام فكره وتقدير انجازاته ، ونلتقي اليوم بهذا الجمع المفكر لتكريم الفكر ورفع شأنه ، والمتمثل في تكريم الأستاذ الدكتور صالح درادكة ، الذي قدم خلال مسيرته العلمية مؤلفات عدة ، أثرت المكتبة العربية بموضوعاتها ، بل غدا بعضها مرجعاً للعلماء لما تضمنه من معلومات موثقة لا يعرفها إلا القلة من الباحثين ويجهلها الكثيرون من المتعلمين ، بالإضافة إلى العديد من الدراسات التي اتسمت بالجدية والتنوع. 

يسجل لأبي سلام بأنه رجل المهمات الصعبة لم يجامل على حساب الوطن بل ظل الأردن هاجسه الدائم يعشق العمل ويقدس تراب الوطن. والدكتور صالح درادكة الذي يمتلك الخبرات الكثيرة والعلم الوفير نجده اليوم يمضي الكثير من وقته في القراءة والكتابة ويحاضر ويكتب كل ما من شأنه أن يخدم العلم ، وما زال وبحمد الله يتمتع بصحة جيدة وذاكرة قوية تؤهله لخدمة الأردن.

معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي

|0 التعليقات
الأستاذ ذوقان الهنداوي

إن الحديث عن ذوقان الهنداوي هو حديث عن شخصية أردنية وطنية وقومية مرموقة من الرعيل الأول ، ساهمت في بناء الدولة الأردنية ، فهناك محطات بارزة في حياة ذوقان الهنداوي فهو رمز من الرموز الوطنية ، ورجل من رجاله المخلصين ، وفارس من فرسانه الأوفياء الذين قدموا للوطن خلاصة فكرهم وجهدهم وسخي عطائهم. ونحن في الأردن أبناء مدرسة الملك عبدالله الثاني المعظم ، تعلمنا منه دروس الوفاء والتقدير والإعزاز ، لأصحاب العطاء والوفاء ، من صفوف أبناء شعبه ورجال جيشه ، وتخليداً لذكرى المرحوم معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي ، رجل الدولة الفذ ، والسياسي المتميز ، والمفكر الذي اتخذ العلم والثقافة والمعرفة سلاحه ، نستذكره هذا اليوم.

لقد نهل ذوقان الهنداوي من ينابيع الفكر القومي ، في بواكير شبابه ، وكانت حياته ترجمة عملية لعقيدته القومية ، وللتاريخ. فهو صاحب الرأي الحر الجرئ والفكر السياسي المستنير والموقف الواضح الصريح.

ولد المرحوم ذوقان الهنداوي في منزل والده سالم باشا الهنداوي الكائن في مضافة آل الهنداوي في قرية النعيمة في عام م1927 فقد بنى جده الهنداوي مضافة آل الهنداوي ، لتشكل الأراضي الزراعية التي حولها مع مضافة أبو جابر في ذلك الوقت في منطقة الوسط الإقطاعيتين الزراعتين الأوائل في المملكة ، قرية النعيمة جغرافياً تعد حلقة الوصل مابين سلسلة جبال عجلون وسهول حوران ولذلك فقد عرف عن أهلها أنهم جمعوا بين صفات أهل الجبل من الشجاعة والجسارة والجرأة والإقدام والثبات على المبدأ وقول الحق مهما كان مع صفات أهل السهل من البساطة والطيبة والانفتاح وتقبل الرأي الآخر.

والده سالم باشا الهنداوي عرف عنه حبه لوطنه وعروبته الأصيلة ، كان أحد زعماء الشمال المعروفين ، ومن أقرانه سليمان باشا السودي ، وراشد باشا الخزاعي ، كان عضواً في المؤتمر الوطني الأول والمجلس التشريعي الأول في المملكة ، قاوم الانتداب البريطاني بشدة سجن على أثرها هو وأقرانه الزعماء ونفوا لفترة من الزمن ، بعد عودته استمر في مقارعة الانتداب وفي دعم الثورة الفلسطينية بإمدادها بالسلاح والمؤن والرجال في الأربعينيات ، بالإضافة إلى بعده القومي والوطني والعروبي فقد عرف سالم الهنداوي بتواضعه الجّم ومساعدته المتواصلة للمحتاجين فقد قام بفتح مضافة الهنداوي لكل سائل وعابر سبيل ومحتاج فكان يأوي المحتاجين ويطعمهم ويلبسهم ويقضي حوائجهم كافة قبل أن يتركهم يعودوا إلى مقاصدهم.

في هذه البيئة بحب الوطن والأمة والمشبعة بالخير وحب الناس ، ولد ذوقان الهنداوي ، أكمل سنواته الابتدائي الثلاث الأولى في مدارس النعيمة ، انتقل بعدها إلى مدينة اربد لينهي دراسته حتى الصف الثامن ، وتحدث معالي الدكتور أحمد الهنداوي قائلاً وكان يروي لنا المرحوم كيف أنه كان يمشي يومياً بالسير على أقدامه مسافة عشرين كيلومتر ما بين النعيمة واربد صباح مساءاً يحمل معه كتبه وغموسه ، كان يستغل فترة السير ليذاكر دروسه التي لا تحتاج إلى كتابة مثل اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والدين ، ويؤجل الدروس التي تحتاج إلى حل ليدرسها على ضوء القناديل في المساء في المضافة ، وبعد أن أنهى الصف الثامن كان في المملكة في ذلك الوقت تختار اثنين من أوائل لكل منطقة في المملكة لابتعاثهم إلى الكلية العربية في القدس.

فكانت تختار اثنين من اربد واثنين من عمان واثنين من السلط واثنين من الكرك ليتم امتحانهم شفهياً وتحريرياً ومقابلتهم لابتعاثهم فقد ذكر ذوقان الهنداوي عن تلك الفترة قصة أن وزير المعارف في تلك الفترة هو المرحوم سمير الرفاعي ، ووالده سالم باشا كان منفياً في ذلك الوقت ، فنصحه أهله وعائلته بان لا يذهب للمقابلة بحكم الوضع السياسي لوالده في ذلك الوقت ولكنه صمم على أن يذهب وكان يقول إذا كان لي نصيب في هذه البعثة فإن شاء الله فستكتب لي ، وبالفعل تتم المقابلة الأولى مع المرحوم سمير الرفاعي ، وسأله عن نفسه ودراسته وطموحاته المستقبلية ، ومن ثم اجر الامتحانات الكتابية والشفهية ، ثم قابله المرحوم سمير الرفاعي بعدها ليخبره أنه بالرغم أن والده في ذلك الوقت في الأربعينيات كان من المعارضين السياسيين وبالرغم من أنه منفي في ذلك الوقت إلا أن ذوقان الهنداوي الطالب في الصف الثامن بتفوقه استحق الابتعاث إلى القدس ، وبالتالي تم ابتعاثه إلى الكلية العربية التي كانت تعتبر المدرسة الاميز في ذلك الوقت ، أنهى دراسته في الكلية العربية بتفوق ليتم ابتعاثه إلى جامعة لندن في بريطانيا ليحصل على شهادة الثانوية (الماتريك) الفلسطينية بتفوق.

ابتعث مرَّة أخرى إلى جامعة فؤاد الأول بما يعرف الآن بجامعة القاهرة وحصل على البكالوريوس في التاريخ بامتياز في عام 1950 بدأ حياته المهنية بعدها معلماً في وزارة المعارف حيث بدأ التدريس في مدرسة الكرك في 1951 وكان له أجمل الذكريات حول تلك الفترة ، والكرك في الخمسينات كانت تنبض بالبعد العروبي والبعد القومي وكان ذوقان الهنداوي في ذلك الوقت شاباً قيادياً مؤمناً بهذا التوجه وقد تتلمذ في تلك الفترة على يديه العديد من رجالات الأردن الحبيب الذين تبوأوا مواقع قيادية في مراحل لاحقة ومنهم دولة الأستاذ مضر بدران ودولة الدكتور عدنان بدران ومعالي الدكتور سعيد التل والمهندس علي السحيمات بعدها عمل المرحوم في مدرسة اربد الثانوية ليتم ابتعاثه في أواخر الخمسينيات إلى جامعة ميرلاند في الولايات المتحدة الأمريكية ليحصل على رسالة الماجستير.

بعد حصوله على رسالة الماجستير من جامعة ميرلاند ، عمل مدير لدار المعلمين في القدس في بيت حنينا لمدة خمسة سنوات ، ومدير لدائرة الشؤون الاجتماعية في وكالة الغوث عام م1962 ، مما ساهم في توحيد علاقاتهم مع الأهل في فلسطين وتشبعه بقضيتهم العادلة ، فسنوات الدراسة وسنوات العمل في فلسطين كلها ، بالإضافة إلى الخلفية العائلية القومية والعروبية ساهمت في صقل شخصية ذوقان الهنداوي وتكوين منظومة من المبادئ والأخلاقيات التي التزم بها طوال حياته.

وأضافت على البعد القومي والعروبي والتشبع بالقضية الفلسطينية التي تجلت في بعض أوجهها في مؤلفاته ومن أبرزها كتاب القضية الفلسطينية الذي كان يدرس في المرحلة الثانوية لسنوات طويلة ، تلاها عمله كملحق ثقافي في القاهرة عام 1964 ومن ثم وكيل وزارة الإعلام ، إلا أن طلب المرحوم وصفي التل عام 1965 لينضم إلى وزارته وزيراً للإعلام ويقول معالي الدكتور أحمد الهنداوي واذكر أن المرحوم قد قص علينا الطريقة التي دعاه فيها وصفي التل للانضمام إلى الحكومة بالرغم من المعرفة العامة لوصفي التل إلا أنه لم يكن هناك معرفة شخصية بينهما بشكل مباشر فعندما دعاه وصفي التل قال له بالحرف أنا لا أعرفك أبا محمد ولكن اعرف عنك الشيء الكثير وأنا كرئيس للحكومة قمت بوضع الأسس التي أريد أن اختار وزارتي في الحكومة على أساسها فالمعيار الأول هو حب هذا الوطن والانتماء إليه والتفاني في خدمته ، والمعيار الثاني هو الاستقامة والنزاهة والبعد الثالث هو العمل الصادق والدؤوب في خدمة الناس دون مطمع أو مطمح فكان المرحوم وصفي التل قد اعد هذه الأسس واحضر من عرف عنهم الكثير واستمر في الحكومات التي بعدها لمدة ثلاثين عام إلى أن استقال من حكومة عبد السلام المجالي عام 1994.

تحدث دولة طاهر المصري عن البدايات الأولى لمعرفة ذوقان الهنداوي قائلاً :"أول مرة تعرفت فيها على المرحوم ذوقان الهنداوي كان عام م1973 كنا زملاء في حكومة السيد زيد الرفاعي أنا كنت وزير دولة لشؤون الأراضي المحتلة وهو كان وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء ومنذ ذلك التاريخ بدأت مسيرتنا السياسية والعامة مع بعضنا إلى أن توفاه الله - الحقيقة هذه الخلفية كانت واضحة في شخصيته وفي تعامله المتنوع لأنه هو كان شخصية عامة في مناصب حكومية ثم تولى مناصب نيابية متعددة ، سواء كان في مجلس النواب أو مجلس الأعيان ، بهذا الارتباط الفلسطيني وخسارة القدس كلها كانت تنعكس على آرائه وتصرفاته وسياساته وكان من أحسن ميزاته أنه كان لديه موقف ورأي ، وأنا شخصياً أعجب بالناس أصحاب الشخصية والرأي والمواقف. ومنذ حرب 1973 كان علينا أن نقرر بان نبقى في الوزارة ، أعجبتنا السياسة في بعض الأحيان ، كان أكبر مني سناً وأسبق مني في الوزارة كنت اذهب إليه واشكوا أستشيره كانت هذه هي العلاقة بيننا ومضت الأيام واعترف بان هذا الإطار العريض لشخصيته بقيت معه إلى أن توفاه الله ، كان قد بدأ بالابتعاد عن السياسة في السنين الأخيرة من حياته لكن كنت أزوره رغم بعض اختلاف الرأي بالرغم من التغيير في الساحة السياسية في المنطقة في الأردن بقي على فكره القومي والعروبي الذي جعلني أتجاوب معه باستمرار ".

وأضاف دولة طاهر المصري عن الحس العروبي عند ذوقان الهنداوي قائلاً :"كان واضح هذا الشعور لكن في بعض الأحيان لأنه كان وزير في وزارات متعددة كان هناك ظروف معينة في تركيبة سياسية معينة فقد كان نائباً وظروف معينة للنيابة تتعلق بمنطقته النيابية وتكتلات نيابية كان ربما يضطر في بعض الأحيان إلى المسايرة لكن الخط العريض لفكر ذوقان بتصرفاته وسياسته فكر عروبي بالدرجة الأولى لا يتنازل عنه إطلاقاً.

يقول الدكتور الأسد كانت بداية علاقتي بالمرحوم ذوقان الهنداوي منذ عام 1965 واستمرت بعد ذلك إلى وفاته رحمه الله دون انقطاع سواء كان ذلك في عمان وتوليه للعديد من المناصب أو في القاهرة حينما أصبح سفيراً في مصر ربما كانت صفاته الواضحة لكل ذي عينين الشهامة والمروءة وهاتان كلمتان قد تكونان أحياناً مفرغتان من مضمونهما عند كثير من الناس تطلقان حروفاً وأصواتاً دون معنى عند كثير من الناس لكنهما عند ذوقان هنداوي رحمه الله ممتلئتان بالدلالة والمعنى الحقيقي.

اضرب من أمثلة على ذلك ما كان يلجأ إليه شخص يحتاج إلى معونته إلا بادر في معونته وتقديم المساعدة له لكنه أحياناً كان يدرس حالة الذي يتقدم إليه هل كان حقاً يستحق هذه المعونة أو أنه يتجاوز حقوق غيره من الناس حيث كان يراعي حقوق الآخرين فإذا ثبت له أنه صاحب حق فعلاً يتصدى للدفاع عن حق هذا الرجل ويبذل جهده ليعيد له حقه تفضل دولة أبو نشأت ذكر بعض الظروف التي قد تحيط بالمسؤول فتجعله غير قادر على الوفاء بعهده بسبب الظروف أحياناً ، تقس على ذوقان هنداوي رحمه الله فلا يستطيع أن يقوم بما يجب أن يقوم به من واجب نحو الذين يلجأون إليه كثيراً ما نجح في ذلك فشهامته ومروءته واضحتان أضف إليهما صفة الوفاء عند ذوقان الهنداوي رحمه الله كان من الأصدقاء في غاية الوفاء ولم يكن أصدقائه بنفس وفائه لهم والحوادث التي نتحدث بها في مجالس عن وفائه وعن عدم وفاء غيره حوادث كثيرة نفسية وخلقية ترفع من شأن صاحبها ، أيضاً صفات ذهنية وصفات فكرية وعقلية متميزة والذي تابع أحاديثه في مجلس الأعيان يشعر أنه لم يكن يرتجل الكلام ارتجالاً ، وإنما كان يعد لكل قضية إعداداً كاملاً حتى القضايا القانونية والقضايا الاقتصادية التي كانت الدراسات المنهجية لذلك كان له في كل موقف من المواقف حضور فكري وذهني يثير الإعجاب وكثيراً ما كنا نحب أن نستمع إليه وهو يتلو مدخلاته ومراجعاته في المجالس المختلفة. وأضاف الأسد قائلاً: صفاته النفسية والخلقية والفكرية التي كانت تجعل له حضوراً متميزاً في كل زمان وكل مكان ومن هنا كان له هذا الحضور المتميز بين السفراء العرب وفي جامعة الدول العربية حيث كان كثيراً من الأوقات السفير في جامعة الدول العربية يكون السفير في القاهرة سفيراً في جامعة الدول العربية في مدة قصيرة جداً كان هناك سيفران سفير للجامعة العربية وسفير للقاهرة لكنه كان يجمع الصفتين معاً.

وأضاف معالي الدكتور أحمد الهنداوي قائلاً :"بأنه لا فرق بين الهوى العروبي القومي وبين الانتماء لهذا الوطن ولا تعارض ، والانتماء للعرش الهاشمي المفدى كان ينظر لها كمنظومة واحدة مكملة لبعضها البعض كان العروبي الحق والمسلم الحق والمنتمي للعرش الهاشمي المفدى".

الدرس الثاني كانت خدمة الناس والتواضع أنا وإخواني جميعاً وُلدنا في الستينات من أواسط الستينات ترعر عنا سنوات طفولتنا وشبابنا وعملنا ونحن نرى والدنا وهو يتبوأ أعلى المناصب في الحكومة الأردنية سواء وزير أو نائب لرئيس الوزراء أو رئيس الديوان الملكي ، حياتنا العادية كانت تبدأ من الصبا الباكر بإعداد كبيرة من المواطنين طالبين المساعدة من الوالد نشق طريقنا لتوديع المرحوم للذهاب للمدارس ونعود أيضاً إلى البيت وهو ممتلئ الذي استمر على مر سنوات كثيرة ولم نشعر بأنه أمر غريب بأنه نفيق كل يوم ونجد البيت ممتلئ شعرنا أن هذا جزء من الواجب وأن المسؤول العام مهمته خدمة الناس وخدمة الشعب لذلك لم نكن نشعر بأي تثاقل وحدوث أي أمر غيرب ، فخدمة الناس والتواضع زرعها فينا لم أكن اشعر بأنه له أسلوبين في التعامل كان أسلوبه في التعامل مع الطالب والمعلم والفلاح في البادية والقرى بنفس أسلوب التعامل ، بالابتسامة العريضة التي لم تغادر وجهه ، كما كان يعامل علية القوم والوزراء كان ينظر إلى أن مساعدة الناس وخدمتهم هي أقصى غاية الأمر.

وفي ذكر بعض مناقبه قال معالي الدكتور ناصر الدين الأسد قائلاً :"هو الآن بين يدي رب غفور رحيم نسأله أن يرحم ذوقان هنداوي وأن يدخله فسيح جنانه وأن يجزيه خير جزاء كفاء لما قدمه لإخوانه في الأردن وأبناء أمته وإخوانه وزملائه من الخلق الطيب والوفاء واحب أن أضيف أيضاً إنني على اطلاع على بعض علاقاته بأسرته كان رحمه الله من خير الناس لأهله وأنا اعرف قصص ومواقف له في ذلك وأنا اعلم أننا جميعنا تحدثنا عن هذا الرجل حديثاً عاماً مرتجلاً ولكننا لم نوفه إلا بعض حقه ونترك الباقي للخالق عزّوجل".

ويقول دولة طاهر المصري كما بدأنا في هذا الموضوع عن والده سالم باشا الذي توفي منذ سنوات طويلة وما زلنا نذكره ذكراه وأثره في الحياة وبناء الأردن الحديث نحن أيضاً نتحدث عن ابنه ذوقان هنداوي واعتقد بان الأجيال القادمة عندما تدرس تاريخ الأردن سوف تراجع مشاركة ذوقان الهنداوي في صناعة التاريخ الأردني ، الأردن صنعه رجال كثيرون تضامنوا تكاتفوا فيما بينهم لحماية الأردن وبناء استقلال الأردن اعتقد أن ذوقان الهنداوي واحد منهم شارك في بناء الأردن الحديث.

أما معالي الدكتور أحمد الهنداوي يقول:"المرحوم كان لنا بمثابة الأب والأخ والصديق والقدوة والمثل غرس فينا النظافة والنزاهة أوصانا أن لا نغتر بمظاهر الحياة على كثرها ، فهي جميعاً مظاهر خادعة ولو وزنت بحياة الضمير وعلو النفس وطمأنينة الاستقامة لم تساو شيئاً. علمنا حب الناس والتواضع والوطنية الصادقة تعمل بصمت وأمرنا بخدمة الناس وقال لنا بان هذه الخدمة هي واجب على كل من لديه القدرة ".

يعتبر ذوقان الهنداوي واحداً من ابرز رجالات الحكم والسياسة الذين عرفهم الأردن ، من حيث النزاهة ، ونظافة اليد ، وعفة اللسان واحترام الذات ، والسمعة الطيبة ، والترفع عن الصغائر ، لقد كان رحمه الله جمهرة من الرجال في رجل واحد ، متعدد المواهب والكفاءات ، متنوع المعارف ، واسع المدارك ، بعيد النظر ، شامل النظرة حتى ليصعب أن تجد علماً أو حقلاً من حقول المعرفة إلا وكان له فيه الباع الطويل والارجحية.

سيرة حياة هذا الرجل الكبير تؤلف صفحة مشرقة من صفات تاريخ الأردن الحديث وأنها لسيرة جديرة بالتسجيل ، لتعطي مثالاً جديراً بالتأمل ، وإنعام النظر بالنسبة لجميع العاملين الناشطين في مجالات الحكم والسياسة في الحاضر والمستقبل ، تغمد الله الفقيد الكبير المرحوم معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي بواسع رحمته ورضوانه ، واسكنه فسيح جناته.