‏إظهار الرسائل ذات التسميات من رجالات الكرك. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من رجالات الكرك. إظهار كافة الرسائل

جريس الهلسا .. معلم رائد وتربوي أصيل

|0 التعليقات
الأستاذ جريس الهلسا
معلم من عصر الإمارة درّس الملك الراحل الحسين بن طلال

جلبت عقود الإهمال المتواصلة في الحقبة العثمانية، وبالاً على مؤسسات المجتمع المدني، أو ما كان يفترض أن يكون، وقد عانى قطاع التربية والتعليم من ضرر كبير، دفع المنطقة عامة والأردن خاصة للتراجع كثيراً، بعد المرحلة المملوكية المزدهرة نسبياً، فقد شكلت مدرستا الكرك وحسبان في عهد المماليك، منارة حقيقية في بلاد الشام، فقد خرجت العلماء والقضاة والأدباء، لكن انهار كل ذلك بعد أن أخضع العثمانيون المنطقة العربية برمتها لسلطانهم، وكان من نتيجة ذلك أن زحفت الأنماط البدوية نحو الحواضر، وعانت البلدات والمدن ضغط البدو وتراجع الحياة المدنية، وكان ذلك نتيجة طبيعية لسياسة العثمانيين، الذي اهتموا بالشؤون العسكرية، وتأمين طريق الحج الشامي، وجمع الضرائب لتغذية خزينة الدولة المترامية الأطراف، فدخلت البلاد حالة من السبات الإجباري.

إن نهوض الأمة من هذا الإرث الثقيل، جاء نتيجة جهود رجال عظام، أخذوا على عاتقهم تحمل أعباء مرحلة تعد من أكثر مراحل تاريخ العرب الحديث تأثيراً، بل هي فاصلة مهمة في المشروع النهضوي العربي، حيث كانت التربية والتعليم الركن الأساسي، في دفع الشباب العربي إلى تبني القومية العربية، سبيلاً لتحرير العرب وبناء مستقبلهم في العصر الحديث، ومن أمثال هؤلاء حسني فريز ونسيم الصناع وداود المجالي ومحمود سيف الدين الإيراني وغيرهم كبار المدرسين في الزمن الصعب، ويعد المدرس والتربوي الكبير جريس الهلسا، واحداً من أبرز من تجشموا متاعب تلك المرحلة، التي نتج عنها بناء الأردن الحديث واللافت للانتباه، وقد أتيحت الفرصة له ليكون مدرساً لعدد من كبار رجالات الأردن وعلى رأسهم المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله، وتمكن من تسجيل اسمه بأحرف من ذهب في سفر التربويين الكبار، أصحاب الريادة والتميز، محتفظاً ببصمات مشرقة على أجيال من أبناء هذا الوطن الطيب.

ولد جريس سلامة الهلسا في الفترة الفاصلة والمليئة بالأحداث والتحولات، فقد ولد في عهد آخر السلاطين العثمانيين السلطان وحيد الدين الذي حكم خلال الفترة بين عامي 1918 و1922، كما ذهب إلى ذلك الدكتور مهند مبيضين في ترجمته لهذا التربوي النبيل، وقد كان الأهالي يتأخرون في توثيق تاريخ ولادات أبنائهم، فعلى الأغلب أنه ولد قبل ذلك، وقد تميزت مسقط رأسه قرية « حمود « على أطراف الكرك، بحضورها الكثيف في حياته وذاكرته، حيث كانت في طفولته قرية عامرة بالحياة، بيوتها من القناطر والعقود، أهلها على بساطة حياتهم وعملهم في الزراعة وتربية المواشي، كان يميلون إلى التعليم وتقدير أهميته، وقد نشأ جريس الهلسا في قرية « حمود « ولعب في دروبها ومروجها الخضراء فرغم تعلقه بها، فإن حلم بالمستقبل الذي سيأخذه بعيداً، لكنه سيعود إليها دائماً ولو بذاكرته النشطة، وكان الأولاد في تلك الحقبة يساعدون أهاليهم في الأعمال الزراعية الشاقة، فلم يتمتعوا بعمر الطفولة كما هم أطفال اليوم، بل كانوا يعاملون باعتبارهم أطفالاً صغاراً، وتوكل لهم مهام ومسؤوليات كبيرة.

التحق جريس الهلسا بمدرسة دير الروم الأرثوذكس القريبة، وكانت المدرسة بالنسبة له تجربة فريدة، وخطوة نحو حياة قادمة مليئة بالمتغيرات والإنجازات. حتى أن والده المزارع سلامة الذي زرع الأرض سنوات طويلة، لم يلبث أن تحول للتجارة مستفيداً من البضائع التي تجلب من الشام والقدس، وتمكن من بناء تجارة رابحة نسبياً، وبعد أن أنهى جريس الهلسا الصف الثاني في مدرسة دير الروم الأرثوذكس، انتقل مع ابن عمه ميخائيل مفضي إلى الكرك من أجل إكمال دراستهما فيها، بمساعدة عمه سلامة الشرايحة الذي تحدث مع مدير مدرسة الكرك الأستاذ صبحي أبو غنيمة فقبلهما، وفي مدرسة الكرك بدأت شخصيته بالتوضح، وهو الطالب النجيب الذي أخذ ينهل من معلميه المعارف والثقافة والتوجهات القومية، وقد أقام مع ابن عمه وجدته في دار قديمة لجبرائيل الهلسا في شارع الخضر بقصبة الكرك.

في مدرسة الكرك تعرف على القضايا العربية الحارة، وكانت القضية الفلسطينية أكثر هذه القضايا حضوراً وإثارة للقلق والمخاوف، وكان يشارك مع طلبة المدرسة في المسيرات والاحتجاجات ضد ما يجري في المنطقة من مؤامرات استعمارية كبرى، حتى أن الطلبة خرجوا لرجم سيارة علموا أنها تقل يهوداً، معلنين احتجاجهم الصغير الذي يحمل دلالات كبرى، وقد درس جريس الهلسا في مدرسة الكرك حتى الصف الثامن، وكان من زملائه كل من: عبد السلام المجالي وأحمد الطراونة وداود المجالي وعبد الوهاب المجالي. لم يتمكن جريس الهلسا من إكمال دراسته الثانوية في الكرك، لعدم توفر المدارس الثانوية فيها في تلك الفترة، فكان عليه الذهاب إلى مدينة السلط التي أسس فيها أول مدرسة ثانوية في عهد الإمارة، وكان يصل إليها من الكرك إما على الخيل إلى مادبا ومنها عمان فالسلط، أو يذهب إلى القطرانة ليركب القطار إلى عمان فالسلط، وقد طابت له الإقامة في السلط العامرة بالحركة والنشاط، وكان مدير مدرسة السلط المربي والأديب محمد أديب العامري، المعروف بهيبته وقوة شخصيته.

درس جريس الهلسا في السلط الصفين التاسع والعاشر، وهما يناظران المرحلة الثانوية اليوم، وكان يشارك في الأنشطة الوطنية المنددة بالاستعمار ووعد بلفور وتقسيم فلسطين، وقد تم التحقيق معه ومع عدد من طلبة المدرسة المتأثرين بالمناخ القومي، وبالفكر المستنير الذي نقله معلمي المدرسة للطلبة، وتمكن من إنهاء دراسته في مدرسة السلط بتميز، وقد كانت السلط مرحلة ممهدة لجريس الهلسا قبل انتقاله إلى حاضرة مهمة من الحواضر العربية الناشطة بالعلم والفكر والسياسة، فقد انتقل إلى مدينة بيروت من أجل إكمال دراسته في الجامعة، فالتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، التي تعد مهد فكر القومية العربية في تصوراته الأولى والأكثر نضجاً من الإرهاصات الأولى، وفي هذه الجامعة أثبت الهلسا تفوقه من اللحظة الأولى، فقد تقدم لامتحان باللغة الإنجليزية وحقق نجاحاً لافتاً، حيث دخل نتيجة لذلك إلى السنة الثانية مباشرة، وقد عانى صعوبات كبيرة خلال دراسته بسبب الأوضاع الصعبة التي مرت بها بيروت نتيجة للحرب العالمية الثانية، وتردي الظروف الاقتصادية والمعيشية.

نال جريس الهلسا شهادة البكالوريوس في العلوم، من الجامعة الأمريكية عام 1943، وقد تعرف عليه في بيروت مدير مدرسة المطران في عمان « جيمس ستن « وطلب منه أن يعمل مدرساً في المدرسة أسوة بالمعلمين العرب، فوافق وعاد إلى عمان ليبدأ مرحلة جديدة من حياته، وبذلك أصبح مدرساً للكيمياء والفيزياء والأحياء وذلك خلال الفترة من عام 1943 وحتى 1956، حيث أصبح عام 1957 مديراً لمدرسة المطران، وكان بذلك أول مدير عربي للمدرسة، وبقي يدير هذه المدرسة حتى عام 1990، وقد درس المغفور له الملك الحسين بن طلال، الذي كان في الصف نفسه مع دولة زيد الرفاعي وفارس كلوب باشا، حيث يذكر أن الملك حسين – الأمير حينها – كان يأتي إلى المدرسة على دراجة هوائية، وقد تميز بالذكاء والتواضع وحظي بحب الجميع.

خاض جريس الهلسا الانتخابات النيابية عام 1951 وأصبح عضواً في مجلس النواب عن لواء الكرك حتى عام 1954، ونجح معه عن الكرك كل من أحمد الطراونة وهزاع المجالي، وقد شهد هذا المجلس تأدية الملك الحسين اليمين الدستورية، وكان لقاء خاص بين الملك الطالب والمعلم النائب، وفيما بعد عرض على جريس الهلسا منصب وزاري لكنه اعتذر، منحازاً لرسالته التربوية الأصيلة، وبقيت حياته حافلة بالكثير من العطاء والتميز، وقد نال التكريم على مختلف المستويات، حيث نال وسام الاستقلال عام 1989، وقبل ذلك نال وسام التربية والتعليم من الدرجة الأولى عام 1975، وهو ينظر إلى ما أنجز من خلال ما وصل إليه طلابه عبر مراحل مختلف، فيغمره شعور بالرضا والطمأنينة.

عشائر الهلسا ( الهلسة )

|0 التعليقات


تلتقي الرواياتُ التي تحدثت عن عشائر الهلسا على القول إنها تنحدرُ من أعقاب رجلٍ مصريٍ قدم إلى الكرك واستقرَّ فيها وعُـرف باسم المصري ، ثمَّ تزوَّج فتاة من عشيرة الحدادين ومن نسلهما تشكـَّـلت عشائر الهلسة وتكاثرت حتى قيل إنها اصبحت  تـُعدُّ من أكثرَ العشائر المسيحية في الأردن وفي البلدان العربية المجاورة عدداً، وتتوزَّعُ عشائر الهلسة إلى عدَّة عشائر هي : الهلسا ، والقسوس ، والعمارين ، والشوارب ، والشرايحة ، وبُـرقان ، والظواهرة ، وحنانيه ( حنانيا ) ، والعودات ، وخيطان ، وللهلسة أقارب في مدينة الناصرة بفلسطين يُقال لهم الحنادسه .

وتتجمَّعُ عشائرُ الشرايحة والشوارب والظواهرة تحت مظلةِ فرع إعيال عيد ، وتتجمَّع ُعشائر العودات وإعيال يوسف والقسوس والعمارين تحت مظلةِ فرع إعيال إسليمان .

ويوردُ كتاب ( تاريخ عشيرة الهلسا حتى عام 2004  ) لمؤلفه الباحث أيوب الهلسا رواية تقول إن جَدَّ الهلسا قدم إلى الأردن من فلسطين ولكن الرواية لا تذكر من أية منطقة في فلسطين كان قدومه ، ويورد الكتاب رواية تقول إنه قدم من مصر وإن جذوره تمتد إلى اليونان أومن جزيرة كريت ، ولكنه يذكر أن هناك اتفاقا بين عشائر الهلسا أن جَدَّهم كان مصريا .

ويُـعزِّز كتاب  ( قاموس العشائر في الأردن وفلسطين ) لمؤلفه الباحث حنا عمَّاري الرواية التي تقول إن جذور عشيرة الهلسا تعود إلى رجلٍ مصري تزوَّج إحدى بنات عشيرة الحدادين ، ويذكرُ أن للهلسا أقارب في الناصرة بفلسطين يحملون اسم الحنادسة ، وتتفرَّع ُالهلسا إلى عدَّة ِفروع هم إعيال عيد وهم الشرايحة والشوارب والظواهرة ، وإعيال سليمان وهم العودات ، وإعيال يوسف والقسوس والعمارين ، ولم يورد عمَّاري اسمَ عشيرة آل برقان الكركية مع عشائر الهلسا ، ويشيرُ عمَّاري إلى وجود عشيرة مسلمة تحمل إسم الهلسا وهم من عرب السواحرة (سواحرة الواد) بفلسطين ويتبعهم الزعارتة والزحايكة والشقيرات والعبيدات .

 ويُـعزِّز فردريك . ج . بيك في كتابه ( تاريخ شرقي الأردن وقبائلها ) نفس الرواية ويورد تصنيفاً مختلفاً لفروع عشائر الهلسا فيذكر أنهم ينقسمون إلى ست فرق وهي (1)عيال عيد وهم الشوارب والشرايحة والظواهرة (2) عيال يوسف (3) عيال سليمان (4) العودات (5) القسوس (6) العمارين . 

وينقل الدكتور أحمد عويدي العبَّادي في كتابه ( العشائر الأردنية - الأرض والإنسان والتاريخ ) عن السيد وديع سليمان سالم القسوس أن الجَدَّ الأولَ المصري لعشائر الهلسا (لم يذكر اسمه) رُزق بثلاثة أولاد هم صبر وحسَّان ومساعد ، وأن حسَّان هو جَدُّ عشيرة القسوس .

ويُعزِّزُ الأديبُ المؤرخ روكس بن زائد العُـزيزي في الجزء الرابع من كتابه ( معلمة للتراث الأردني ) الروايةَ التي تنسب عشائر الهلسا إلى نسل رجل مصري تزوَّج َمن إحدى بنات عشيرة الحدادين الكركية ، ويذكر العُـزيزي أن اسم الهلسا لحق بهم نسبة إلى مدينة هيلوبوليس (مدينة الشمس) وعين شمس حالياً بمصر التي يُرجَّح أن جَدَّهم جاء منها إلى الكرك ، ويذكرُ أن للهلسا أقارب في الناصرة يُسمُّون الحنادسة ، ويُصنِّفُ الهلسا إلى ست فروع هي 1- إعيال عيد وهم الشرايحة والشوارب والظواهرة 2 - إعيال إسليمان  3 - العودات 4 - القسوس نسبة إلى قسِّيس منهم 5 - إعيال يوسف  6 – العمارين .

ويوردُ الدكتور أحمد عويدي العبَّادي في كتابه ( مقدَّمة لدراسة العشائر الأردنية) تصنيفاً مختلفاً لفروع عشائر الهلسا فيذكر أنهم يتفرَّعون إلى تسعة فروع هي : القسوس والعمارين والعودات والشرايحة وأولاد عيد وأولاد يوسف وعيال سعد والخيطان وعيال سليمان ، ويلاحظ أنه لم يورد عشيرتي الشوارب والظواهرة .

ويذكرُ المؤِّرخ مصطفى مراد الدبَّاغ في الجزء الأول من القسم الثاني من كتابه ( بلادنا فلسطين ) أن ارتحال جد الهلسا إلى الكرك كان قبل حوالي 250 عاماً ، ولكن كتاب ( البدو ) لمؤلفيه ماكس أوبنهايم وآرش برونيلش وفريز كاسكل  والذي ترجمه إلى العربية محمود كبيبو يذكر أن قدوم جَدِّ الهلسا المصري إلى الأردن فرارا ً كان قبل 400 ـ 500 سنة حيث تزوج فتاة من الحدادين واستقرَّ في الكرك ، بينما استقرَّ أخوته في الفحيص وفي الطيبة ( مزرعة بني سالم ) القريبة من القدس حيث يعرفون باسم العكارشة والديوك ، ويشير الكتاب أن نخوة الهلسا  (صيحتهم عند النزال ) هي أبناء المصري مما يُـعزِّز الرواية التي تقول إنهم ينحدرون من رجل مصري .

ويورد كتاب ( عشائر الحدادين حتى عام 1991م )  لمؤلفيه الباحث خلف خليل حدادين والصيدلاني منير جريس حدادين والباحث عواد جريس حدادين رواية قدوم جد الهلسة إلى الكرك فيذكر أنه في عام 1735م جاء إلى مدينة الكرك رجل غريب والتجأ إلى الشيخ صبره الحدادين شيخ عشيرة الحدادين وهو حفيد صبره الأول جد الحدادين ، وكان مع الغريب شقيق له ارتحل إلى الخليل واعتنق الإسلام وتشكلت من أعقابه عشيرة الهلسا الخليلية المسلمة ،أما الغريب فاشتغل عند الشيخ صبره الحفيد وتزوَّج من إحدى بناته ، ولما كثر نسله أعطاه صبره الحدادين جزءا من أراضيه وأملاكه ليطمئن على ابنته زوجة الرجل المصري الغريب وعلى أبنائها منه ، ولكن كتاب ( عشائر الحدادين ) خلافا لمعظم الروايات ينفي أن يكون الغريب مصريا ويقول إنه من عائلة الهلسا التي تنتمي إلى عشائر السواحره في فلسطين ، ويشير إلى أنه لا توجد عائلة تحمل إسم الهلسا في الخليل وإنما هناك عائلة إسمها الهليس لا علاقة لها بالهلسا ، ويذكر أن عرب السواحرة لم يصلوا إلى فلسطين من مصر ، بل هم من أعقاب بني عقبة الجذاميين من جذام من كندة من كهلان من عبد شمس ويرجعون إلى قحطان ، و يتوصل الكتاب إلى أن أصل الهلسا يماني ، وأنهم هجروا اليمن إثر خراب سد مأرب أو بسبب ضغوط اقتصادية وسياسية أيام ذي نواس ملك اليمن .

ويعترض الباحث أيوب هلسا في كتابه ( تاريخ عشائر الهلسا ) على رواية كتاب ( عشائر الحدادين ) ويصفها بأنها ليست دقيقة ، وينحاز إلى الروايات التي تشير إلى أن عشيرة الهلسا تنحدر من أعقاب رجل مصري قدم إلى الكرك ، ويشير إلى أن الأفخاذ والفروع التي تتكـَّـون منها هذه العشيرة بالشكل الواقعي والصحيح وكما تبينه شجرة العشيرة هو كالتالي : أنجب المصري أربعة أولاد هم : 1 ) حسان وهو الجدُّ الأول لآل القسوس ، 2 ) مساعد وهو الجدُّ الأول لآل البرقان وعيال مسعد ، 3 ) نويصر وهو الجدُّ الاول لآل العمارين ، 4 ) صبره وهو الإبن الأكبر للمصري وجد إعيال عيد ، وإعيال يوسف ، والشرايحه ، وإعيال سليمان ، والخيطان ، والكعود ، والعودات ، والحنانيه .

ويتحدثُ كتاب ( قاموس العشائر في الأردن وفلسطين ) لمؤلفه الباحث حنا عمَّاري عن عشيرتين مسيحيتين أردنيتين تحملان اسم القسوس وهما :
  1. عشيرة القسوس وهم فرع من عشيرة الكرادشة وأصلهم من صلخد في جبل العرب (جبل الدروز لاحقاً) وجدُّهم الأول سلمان جابر سلامة الكرادشة ، وتربطهم علاقة أبناء العمومة مع عشيرتي العواجين وآل شرقي .
  2. عشيرةالقسوس وهم فرقة ٌمن عشيرة الهلسا ، ومنازلهم في بلدة إحمود بجوار الكرك .

ويطلقُ كتاب ( العشائر الأردنية والفلسطينية ووشائج القربى بينها ) لمؤلفه أحمد أبو خوصه إسم عيال حسَّان على عشيرة القسوس مما يُعزِّزُ الرواية التي تقول إن جَدَّ القسوس هو حسَّان ابن الرجل المصري الذي تنتسب إليه عشائر الهلسا .

ويكتفي كتابُ ( قاموس العشائر في الأردن وفلسطين ) لمؤلفه الباحث حنا عمَّاري  بالإشارة لعشيرة  آل بُرقان بأنها عشيرة مسيحية تقطن الكرك دون إعطاء أية معلومات عن جذورها .

ويورد كتاب ( معجم العشائر الفلسطينية ) لمؤلفه الباحث محمد محمد حسن شرَّاب إسم عائلة في القدس تحمل إسم برقان ، ولكنه لا يتطرَّق إلى جذورها أو إلى دينها .

ويذكر كتاب (معجم القبائل العربية القديمة والحديثة) لمؤلفه عمر رضا كحالة أن الهلسا عشيرة من عشائر الكرك يُـقال إنهم أبناء رجل مصري قدم إلى الكرك وتزوج بفتاة من عشيرة الحدادين ومذهبهم روم أرثوذكس ويقطنون في مدينة الكرك وقرية إحمود ولهم أقارب في الناصرة يدعون بالحنادسه ، وينقسمون إلى ست فرق وهي : عيال عيد – عيال يوسف – عيال سليمان – العودات –القسوس – العمارين  .

ويذكر الباحث أيوب الهلسا أنه قام بالاتصال ببعض المصريين الذين يقيمون في الكرك واستفسر عما إذا كان إسم هلسا موجودا في مصر ، فعلم أن هناك عدة بلدات في الصعيد جنوب مصر غالبية سكانها من هلسا ، ومن هذه البلدات ، بلدة قرقاس ، وبلدة ملوي ، وبلدة ديروت . 

رحيل عشائر الهلسا إلى البلقاء وعودتهم إلى الكرك

يقول الوزير الشيخ عوده القسوس في مذكراته المخطوطة : " حدَّثني شيوخ عشيرة الهلسا أنه في سنة 1870م حصل سوء تفاهم بين الشيخ محمد المجالي وشيوخ عشيرة الهلسا مما جعلهم يرحلون عن الكرك ويسكنون في مشارف البلقاء عند عربان الحديد و أبو جاموس ، وقد استقبلهم هؤلاء ورحَّـبوا بقدومهم حتى أن أحد مشايخهم ( سلامة الغرير ) نزل عند عرب الهلسا في تلك المنطقة ، وذلك تشجيعا لهم وأعطاهم الأراضي التي تشرب من سيل الزرقاء ليزرعوها وقد زرعوها فعلا في تلك السنة بالذرة ، وقد كانت البلقاء حينئذ تدار أمورها من قبل حاكم السلط ، ولما علم هذا الحاكم بقدوم هذه العشيرة ، استدعى شيوخها ورحب بهم وأعطاهم مدينة عمان – والتي كانت في ذلك الوقت عبارة عن خربة – لكي يسكنوها ويزرعوا الأراضي التي حولها ، ولما سمع بذلك شيخ مشايخ الكرك أرسل ولده الشيخ مصلح المجالي وأمره أن يذهب ويسترضي شيوخ عشيرة الهلسا ولا يعود إلا معهم ، فذهب مصلح ونزل ضيفا على عشيرة الهلسا في مضاربهم في البلقاء ومكث عندهم بضعة أشهر تمكن خلالها من استرضاء شيوخ الهلسا والعودة معهم إلى الكرك ، باستثناء إحدى العائلات وهم أولاد جريس الهلسا حيث نزحوا من هناك ونزلوا في قرية النعيمة من قرى إربد وسكنوها بمساعدة شيخها الهنداوي ، وتملكوا هناك أرضا ودارا ولم يعودوا من هناك إلا بعد سنين طويلة " . وما زالت الدار إلى سكنوها تعرف باسم دار الهلسا .

الهلسا في المهجر

في عام 1913 هاجر السيد نعمان الهلسا مع ثلة من أهالي مادبا منهم عواد الحمارنه وسلطي الحمارنه وعيسى العويمرين ومتري الصُـنـَّـاع وغيرهم  إلى أمريكا الجنوبية ، ثم توالت هجرات الكثير من أبناء الهلسا وتوزَّعوا في العديد من بلدان أمريكا الجنوبية ، وشغلوا مواقع متقدمة في ميادين السياسة والإقتصاد والعلم ، ونشرت صحيفة الرأي الصادرة يوم الخميس الواقع في 26/4/2001م أن أحد أبناء الهلسا إسكندرهلسا كاد أن يصبح رئيسا لجمهورية تشيلي ، وكان إسكندر قد أنهى دراسة الحقوق في جامعة تشيلي في العاصمة سانتياجو ومارس السياسة أيام دراسته الجامعية وانخرط في النشاط الحزبي وعين سنة 1954 وزيرا للزراعة وكان أصغر الوزراء سنا ثم عين سفيرا لتشيلي في بوليفيا ثم عاد ليمارس مهنة المحاماة في تشيلي ، وفي عام 1964 عين إسكندر هلسا وزيرا للمعادن وشغل هذا المنصب مدة ست سنوات ، وفي عام 1989 أصبح نقيبا للمحامين ، وفي العام نفسه جرت الانتخابات لرئاسة الجمهورية وكان من أبرز المرشحين لهذا المنصب إسكندر نعمان الهلسا إلا أن المعارضة توخـَّـت توحيد صفوفها وتقديم مرشح وحيد فتنازل إسكندر هلسا عن الترشيح لصالح مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي السيد ( بترسيوا الون) والذي أصبح رئيسا للجمهورية وعين إسكندر وزيرا للمعادن مرة أخرى . 

ومن أبناء الهلسا الذين يشغلون مواقع متقدمة في المهجر نائب رئيس مجلس النواب التشيلي السيد بتريسيوا الهلسا  الذي زار الأردن .

وفي الولايات المتحدة الأمريكية ينتشر أبناء الهلسا في ولاية انديانا وولاية أوهايو وولاية أوكلاهوما وولاية فرجينيا ومدينة نيويورك ، كما ينتشرون في أستراليا وكندا وألمانيا وإسبانيا و اليونان .

عشيرة المبيضين

|0 التعليقات



نـُبذة عن عشيرة المبيضين

تقول رواية أوردها كتاب " معجم العشائر الأردنية " للدكتور الصيدلاني عبد الرؤوف الروابده إنَّ الجدَّ المؤسِّـس لعشيرة المبيضين المنتشرة في منطقة الكرك في جنوب الأردن ينحدر من أعقاب رجل من عشيرة آل الجعبري الخليلية كان قد ارتحل إلى الكرك قبل حوالي «250» عاماً، وكان يمتهن التجارة واشتهر بين الناس كأحد القضاة العشائريين الموثوقين .

وتقول الرواية إن إسم المبيضين التصق بأعقاب ونسل جَدِّهم بسبب ما عُرف عنه من عدلٍ في أحكامه في القضايا العشائرية فكان إذا حكم لشخص أولمجموعة خرجوا يطوفون بين الناس يحملون راية بيضاء ويدعون الله عز وجل أن « يُبَيِّضَ » وجه القاضي الذي حكم بالعدل، ولم يلبث أن أصبح أعقابه ونسله يعرفون باسم « المبيضين »2222 .

وتقول رواية إن الجدَّ المؤسِّـس لعشيرة المبيضين إسمه طه وكان له ثلاثة أولاد هم سليمان وراشد اللذين تشكـَّـلت من أعقابهما عشيرة المبيضين، أما الولد الثالث وأسمه حسن فهوالجدُّ المؤسِّـس لعشيرتي الفاعوري والقطيشات في السلط، ويذكر السيد حسن علي عودة المبيضين أنه أودع لدى المكتبة الوطنية شجرة للعشيرة مؤرخة في 30 / 3 / 2004 م تشير إلى أن نسب المبيضين ينتهي إلى الإسم الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الشهيد السبط الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وتجدر الإشارة إلى أن عشيرة المبيضين هي إحدى عشائر تجمُّع عشائر الغساسنة في منطقة الكرك الذي يضمُّ أيضا عشائر الضمور والسحيمات والعضايلة والصعوب والكركيين « الكركي » والبواليز والجراجرة والبنويين « البنوي » والسميرات .

يوسف سليم المبيضين .. يتيم ٌ أوصلته عصاميته إلى مقعدي النيابة والوزارة

|0 التعليقات
حين ندرس مسيرة حياة الوزيرالسابق الأستاذ المحامي يوسف سليم ذياب المبيضين نكتشف قصة من أجمل قصص النجاح التي حققتها الروح العصامية لفتى فقد والده في ثلاثينيات القرن العشرين المنصرم وهوفي الثانية من عمره فكابد على مدى سنوات طويلة معاناة اليتم وأضطرَّ لترك مدرسته وهوفي السادسة عشرة من عمره ليعمل موظفاً صغيراً في مكتب بريد صغير ليصبح رجل العائلة على صغر سنـِّـه، ولكن ظروف اليُتم العصيبة منحته روحا عصامية دفعته إلى المزاوجة بين وظيفته المتواضعة وبين إكمال دراسته الجامعية بعد أن تقدم في السن ليحصل على شهادة الحقوق من الجامعة السورية بدمشق، ويذكر الوزير السابق المحامي الأستاذ فهد أبوالعثم في مقابلة صحفية أنه رافق الأستاذ المبيضين في السكن في غرفة واحدة في دمشق مع الأستاذين المحاميين لاحقا وليد الحاج حسن وعبد الرزاق أبوالعثم وكانوا جميعهم متأثرين بأفكار جماعة الإخوان المسلمين، بعد تخرُّجه من كلية الحقوق في جامعة دمشق عاد المبيضين إلى عمَّـان ليقتحم الساحة السياسية الأردنية قياديا في جماعة الإخوان المسلمين بضع سنين حيث شغل عضوية أعلى قيادة إخوانية كان يطلق عليها إسم المكتب العام، ولا زال الكثير من الرعيل الأول من الإخوان المسلمين يذكرون ذلك اليوم من أيام شهر رمضان المبارك من عام 1954 م عندما هرعوا للمشاركة في مظاهرة إحتجاجية على قيام وزارة الزراعة بانتهاك حرمة رمضان المبارك بإقامتها لوليمة غذاء في مدرسة خضوري الزراعية في طولكرم لوفد أجنبي وتقديمها للخمور في تلك المأدبة، ليستمعوا إلى يوسف المبيضين عضوقيادة الإخوان وهويُطالب من فوق شرفة المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين في وسط عمان»فوق مطعم القدس»باستقالة الحكومة التي كان يترأسها توفيق أبوالهدى، وبمحاكمة وزير الزراعة الذي انتهكت وزارته حرمة شهر رمضان المبارك، وبعد انتهاء الخطابات من فوق شرفة المركز العام سارت جموع المتظاهرين يتقدمهم المراقب العام للإخوان في حينه الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة حتى وصلت إلى مقر رئاسة الوزراء في شارع السلط»مكان البنك المركزي حالياً»وارتفعت هتافات الآلاف تطالب باستقالة الحكومة ومحاكمة وزير الزراعة، ولم يطل الأمر حتى خرج رئيس الحكومة توفيق أبوالهدى ليقدم اعتذار حكومته عن خرق حرمة رمضان واعداً بمحاسبة المتسبـِّـبين بهذا الخرق لحرمة الشهر الكريم، وبعد وقت قصير حضر وزير الزراعة إلى المركز العام للإخوان ليقف إلى جانب يوسف المبيضين على شرفة المركز العام ويخطب في الجماهير المحتشدة مكرراً إعتذار الحكومة ومؤكداً عزمها على محاسبة المسؤولين عن خرق حرمة رمضان المبارك.

وبقي المحامي يوسف المبيضين على صلة تنظيمية بالإخوان المسلمين حتى النصف الأخير من الخمسينيات عندما التحق بوزارة الداخلية حاكماً إدارياً متنقلا بين جنين والزرقاء والسلط واربد حتى أصبح محافظاً لمحافظة الخليل بالضفة الغربية، وبعد احتلال اليهود للمدينة ترك المبيضين الوظيفة الحكومية ليتفرغ للعمل في سلك المحاماة، وبعد إنطلاق المسيرة الديمقراطية من جديد بعد ما عُرف بهبـَّـة نيسان 1989 م التي أطاحت بحكومة الرئيس زيد سمير طالب الرفاعي خاض المحامي يوسف المبيضين إنتخابات 27 / 11 / 1989 م وفاز بأحد مقاعد دائرة الكرك وشكـَّـل مع عدد من النواب كتلة أطلقوا عليها إسم»الكتلة الإسلامية المستقلة»، وعندما برزت فكرة تأسيس حزب سياسي يلمُّ شمل الإسلاميين من مختلف الأطياف بعد السماح بتشكيل الأحزاب السياسية في بدايات التسعينيات كان المحامي يوسف المبيضين من مؤسـِّـي حزب جبهة العمل الإسلامي، ولكنه لم يلبث أن أنضمَّ إلى عدد من الشخصيات الإسلامية المستقلة التي قدَّمت استقالتها من الحزب في 28/12/1992 م احتجاجاً على ما اعتبره المستقيلون محاولة إخوانية للسيطرة على مجلس الشورى على حساب الإسلاميين المستقلين، وكان المحامي المبيضين من روَّاد العمل المصرفي الإسلامي حيث كان أحد أول خمسة مؤسِّـسين، كما شارك في عضوية إدارات العديد من المنظمات الإسلامية كالمؤتمر الإسلامي لبيت المقدس ولجنة إنقاذ القدس وجمعية الدراسات والبحوث الإسلامية.

على صعيد المشاركة في الحكومة فقد شغل المحامي يوسف المبيضين منصب وزير العدل في حكومة مضر بدران المشكّلة في 6/12/1989 م ممثلاً للكتلة الإسلامية المستقلة في مجلس النواب الحادي العشر المنتخب في 27 / 11 / 1989 م، وكان الأستاذ يوسف المبيضين قد فاز في تلك الانتخابات بأحد مقاعد المجلس ممثلاً لمنطقة الكرك، وعاد فشغل منصب وزير العدل في حكومة الأمير زيد بن شاكر المشكَّلة في 21/11/1991م.

عبد الله العكشه ... عصامي امتلك فروسية الكلمة وصلابة الموقف

|0 التعليقات


يمكن النظر لمسيرة حياة الشاعر والسياسي عبد الله العكشة، باعتبارها صورة زاهية، عن مرحلة تاريخية كبيرة وبالغة الأثر، في البنية السياسية والاجتماعية، وفي التحولات الكبرى، التي تركت آثار مخالبها في بلدان المنطقة كلها، وقد وجد عدد من المهتمين بحياة هذا الشاعر النبطي الفذ، تشابهاً ملحوظاً مع حياة شاعر الأردن المتمرد مصطفى وهبي التل – عرار – حتى لقب بعرار الجنوب، فلقد تميز العكشة بتمرده على السائد، وتمسكه بالبساطة والزهد، ومناصرته للضعفاء والمهمشين، وعدم سقوطه في إغواء المناصب والوظائف العالية، وعاش منافحاً عن مبادئه، مدافعاً عن أمته وحريتها ووطنه واستقلاله، ودفع في سبيل ذلك ثمناً غالياً، ولم يغير من نهجه هذا طوال سنوات عمره.

يعد عبد الله العكشة علماً من أعلام الكرك، واحد أبرز رجالات العشائر المسيحية في الكرك، منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى منتصفه، وقد انتشرت قصائده ومآثره بين الناس، من جنوب البلاد حتى شمالها، ولأنه ولد في الفترة التي عانت فيها المنطقة من إهمال الدولة العثمانية، وغياب المؤسسات في أبسط صورها، لذا لم يتم التثبت من تاريخ ولادة معظم أبناء هذه الفترة، لكن الدكتور فريد العكشة ابن عبد الله العكشة يشير في مقدمته لديوان والده (عرس البويضا ) أن والده ولد في الكرك نحو عام 1880، ولا شك أنه جاء إلى هذه الدنيا، والبلاد العربية ترزح تحت ثقل سحابة سوداء من الإهمال والتجهيل، وقد عانى الناس من الفقر وضيق ذات اليد، لذا لم تكن طفولة عبد الله العكشة تختلف عن حياة أطفال القرويين والمزارعين في الكرك، فلقد قاسى صعوبة الواقع منذ تفتح وعيه، وأفضل ما تمتع به في طفولته المبكرة، هو اللعب في حواري الكرك، والركض في دروبها الترابية، غير أن هذه الفترة لم تدم طويلاً، حيث كان ينتزع الأطفال من لهوهم، ويدفع بهم للمساعدة في أعمال الكبار، خاصة في الزراعة، ورعي المواشي، وبعض الأعمال التجارية، فكان أن غادر عبد الله العكشة، طفولته باكراً ليواجه الحياة بما تحمل من مصاعب وقسوة.

لم تكن المدارس الرسمية أو الخاصة متوفرة كما هي اليوم، فلقد شكلت ندرتها عائقاً كبيراً أمام الراغبين في العلم، وهذا ما دفعه لبذل المستحيل للحصول على التعليم بأي شكل من الأشكال، وكان أن أسعفه الحظ بدخوله مدرسة الروم الأرثوذكس، مما وفر له فرصة عز نظيرها لتحقيق حلمه في التحصيل العلمي، ولم يكن في المدرسة مجرد طالب مجتهد، بل تميز بقوة الشخصية، والنباهة والموهبة الأدبية، ما جعله مقرباً من مدرسيه، وقد كان لمعلمه سلامة القسوس تأثيرًٌ واضحٌ على توجهاته الأدبية والفكرية، وعرف بولعه بالقراءة، حتى كان يطلب من والده أن سمح له برعي الغنم، ليتمكن من المطالعة بهدوء الطبيعة، وقد رافق المعلمة هدباء الصناع في قراءة الصلاة في الكنيسة، وعندما أخذ منه راعي الكنيسة الكتاب، الذي يقرأ فيه وسلمه للمعلمة هدباء، اشتكى الأمر للمعلم سلامة الذي أعاد الكتاب إليه.

تعرض مشروعه في تلقي العلم للإحباط، وواجهته مصاعب كبيرة، فلا مدارس ثانوية في الكرك، والناس حينها لا تدرك أهمية العلم، وحالت الظروف دون أن يرسله والده إلى مدرسة في القدس، كما هو حال من يرغبون في إكمال دراستهم في تلك الأيام، لكن مع كل هذه العقبات، لم يتخل عن حلمه، وقرر التعلم على نفسه، وهو الذي اعتاد مكابدة الحياة من بواكير شبابه، وخلال هذه المرحلة بدأت موهبته الشعرية بالظهور، وأخذت قصائده الأولى تصل إلى الناس، ويذكر الدكتور فريد العكشة، أن والده كان يصاب بالغيرة من كل متعلم أو محصل للمعرفة الجديدة، فعندما سمع شابا مقدسيا يتحدث الفرنسية مع الأجانب في الكرك، أسرع إلى راعي الكنيسة الإيطالي، الذي يتقن الفرنسية والإنجليزية بالإضافة للإيطالية، وطلب منه بإلحاح أن يعلمه هذه اللغات، فعلمه مبادئها، وأضطر أن يدرس على نفسه، ويمارس هذه اللغات حتى وإن أخطأ، فتمكن بتفانيه من إتقانها محادثة وكتابة، وكان يستخدمها خلال مرافقته للسياح في البتراء والكرك، كدليل وحارس، حتى عودتهم إلى القدس.

لم تقف طموحاته في العلم عند هذا الحد، ونظراً لعدم قدرته على الإلتحاق بمعاهد علمية، فقد قرر دراسة القانون على نفسه، مع صديقه عودة القسوس، فكانا يدرسان كتب القانون، ويتناقشان فيها، حتى تمكن من تحصيل معرفة قانونية واسعة، مكنته من امتهان المحاماة والتميز فيها، رغم عدم حصوله على مؤهل علمي فيها، وقد عرف كمحام ٍ متميز لا يشق له غبار، وكان له دور نضالي مشهود ضد ممارسات الحكومة التركية، وهو الذي عاش ما قاساه أهله من وراء هذه السياسة، وقد كتب رسالة إلى الصدر الأعظم في اسطنبول، يشرح فيها فساد الحكام في الكرك، وقد غير في خط يده، وتركها دون اسم أو توقيع، ومع ذلك بعد أشهر حقق معه المتصرف، واتهمه بكتابة الرسالة، وقام بنفيه إلى الطفيلة، فأرسل إليها مع جنديين تركيين، ولم يحاول الفرار، فقد تميز بالشجاعة والقدرة على تحمل النتائج.

أسهم عبد الله العكشة في تحويل عشيرته، من المذهب المسيحي الشرقي إلى الغربي، على إثر موقف راعي الكنيسة من ولعه بالمطالعة، وقد تزوج ثلاث مرات أولها عام 1901 حيث تزوج بفتاة من عائلة الحجازين، والثانية من عائلة الزعمط من السلط، والثالثة عام 1917 من عائلة أبو عقلة من بيت لحم. 

واستمر في مواجهة الظلم التركي للعرب، وعندما فرضت ( السخرة ) على العرب، نظم قصيدة تدعو لرفض هذا الحكم الجائر، وقرأها على شيوخ الكرك، فتبنوا دعوته وأرسلوا البرقيات التي تطالب برفع هذا الظلم، حتى استجابت الحكومة وتم رفع السخرة عن الكرك، ونتيجة لنهجه المناهض للدولة التركية، هو وشقيقه خليل وعدد من رجالات الكرك ومادبا، تم إلقاء القبض عليهم ونفيهم إلى منطقة قوزان في تركيا، ولم يتمكنوا من العودة إلى الوطن، إلا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وقاسى خلال هذه الفترة ويلات الحرب، فعبر عن هذه المعاناة في قصيدة مؤثرة.

خلال فترة الحكومة العربية، في عهد الملك فيصل، عين عبد الله العكشة عضواً في محكمة الكرك، غير أن هذه الفترة لم تدم طويلاً، فبعد سقوط الحكومة العربية في دمشق، وقيام حكومة محلية في الكرك، انتخب عضواً في المجلس العالي في حكومة الكرك، وقد واكب قدوم الأمير عبد الله بن الحسين إلى معان ومن ثم عمان، وتأسيسه لإمارة شرق الأردن عام 1921، ويعد العكشة من رجالات مرحلة التأسيس، فقد عين في بدايات تلك المرحلة عضواً في محكمة بداية اربد، ودلت هذه الوظائف الأخيرة على تقدير لخبرته القانونية، رغم عدم تحصله على مؤهل علمي، ومع ذلك حافظ على مبادئه، ورفضه لظلم الاستعمار الغربي للبلاد العربية، وخسر في سبيل ذلك وظيفته في المحكمة، عندما رفض تسليم مجاهدين سوريين التجأوا إلى الأردن، إلى الفرنسيين، بعد أن تبين له أنهم مناضلون شرفاء، وقاوم إلحاح المعتمد البريطاني، فتم الاستغناء عنه، فلم يفت ذلك في عضده، وبقي على رأيه وموقفه.

عاد عبد الله العكشة بعد خروجه من محكمة اربد إلى الكرك، وزاول العمل في المحاماة، مدافعاً عن أصحاب الحق، فكان يرفض الدفاع عن أي شخص ليس بصاحب حق، ولا يغريه المال أو الجاه، فقد كان زاهداً، يعيش يومه، ويحتمل الأحزان والخسارات مهما كانت قاسية، حيث تقبل مقتل ابنه البكر بشارة وهو في ريعان الشباب، واحتسبه عند الله، فكان مؤمناً بالقضاء والقدر، وعندما توفي أحد أطفاله الصغار، وفي بيته ضيوف لم يظهر عليه أي شيء. 

ونظراً لخبرته القانونية المشهودة، عين عضواً في لجنة وضع قانون مجلس النواب، في بداية مرحلة التأسيس، ولم يتفق رأيه مع رأي رئيس اللجنة إبراهيم هاشم، فحلت اللجنة وعندما أعيد تشكيلها لم تضم عبد الله العكشة، وخاض الانتخابات النيابية أكثر من مرة، لكنه لم يتمكن من دخول المجلس، وقد قدم للحكومة شكوى مع إثباتات، تبين أنه تم ترسيبه في الانتخابات، لكن شكواه لم تلق الاهتمام، وبقي يعمل في مهنة المحاماة حتى عام 1952، عندما أقنعه ابنه الدكتور فريد بالتقاعد، وعرف في حياته بحبه للعمل في الزراعة، فعمل بيديه دون كلل، وحافظ على حبه للمطالعة بشكل لافت، واستمر متمسكاً بمبادئه ومواقفه، حتى وفاته في عمان في السابع من شباط عام 1956.

توفيق عيسى يونس المجالي

|0 التعليقات
توفيق المجالي

هو صاحب الريادة بحق، فارس مرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة العربية الحديث، حيث استطاع بذكاء عميق، ووعي نادر بظروف ومآلات الحالة السياسية، أن يخوض عباب الأحداث والمهام الصعبة والحاسمة، بنجاح وإخلاص لافتين، وأن يضع مستقبله وحياته في سبيل قضية الأمة، منخرطاً في مشروعها التحرري والنهضوي منذ إرهاصاته الأولى، وكان صاحب الأسبقية في التجربة البرلمانية، منذ ما قبل تأسيس إمارة شرق الأردن بعقد تقريباً، فكان أول من مثل أبناء الأردن في مجلس المبعوثان العثماني، وجاء بعده السيد عطا الله الأيوبي، وكان توفيق المجالي قد قام بدوره بنجاح مدهش.

دافع عن قضايا وحقوق المنطقة الواسعة التي مثلها، رغم التهديد والمضايقات التي واجهها، والتي لم تثنه عن أداء الواجب، وكان دائماً مستعداً لم تتطلبه مواقفه من تضحيات، ودفع الثمن مهما غلا.

كان لواء الكرك يضم مناطق من شمال الحجاز حتى البلقاء، ويعد من أهم الألوية الإدارية جنوب الشام، منذ أواسط القرن التاسع عشر حتى خروج العثمانيين من البلاد العربية، إثر قيام الثورة العربية الكبرى.

 وقد برزت أهميته بشكل خاص نتيجة موقعه الإستراتيجي على طريق الحج الشامي، وتوضح هذا الدور بعد مد سكة حديد الحجاز، الواصلة بين اسطنبول والمدينة المنورة، مما سهل على الحكومة التركية إحكام سيطرتها على المنطقة، وإثقال سكانها وجلهم من البدو والفلاحين، بالضرائب الجائرة والتجنيد الإجباري غير المنصف، الذي لا يراعى فيه السن القانوني المعتمد، وهذا وضع الأهالي في حالة احتقان كبيرة، دفعت الأمور إلى الانفجار فيما بعد، وهذه الظروف صنعت البيئة الاجتماعية والنفسية، التي واكبت ولادة توفيق المجالي.

ولد على أغلب الروايات في عام 1880، في بيت والده الشيخ عيسى يونس المجالي، وقد تربى على قيم الشجاعة والكرم، وتعلم الفروسية واستخدام السيف والبندقية في عمر مبكرة، ولازم مجلس والده منذ نعومة أظفاره، وهذا أكسبه معارف واسعة في الحياة اليومية، مهارات مبكرة في الاستماع والفهم والتحليل، وبالتالي المقدرة على مواجهة مصاعب الحياة القادمة.

حظي توفيق المجالي بفرصة التعلم في الكتّاب، وكانت هذه فرصة مناسبة ليتفتح وعيه باتجاه عوالم جديدة، فكان في دراسته في الكتّاب ذكياً، سريع الفهم والحفظ، محبوباً من الشيخ المعلم، وهذا شجع والده ليلحقه بالمدرسة الابتدائية في الكرك، وهي مدرسة صغيرة فيها عدد قليل من الطلبة والمعلمين، وندرة من أبناء المنطقة من تتاح لهم فرصة الالتحاق بالمدرسة.

أقبل على الدراسة بنهم شديد، وأنتظم فيها رغم أن الظروف المعيشية والسياسية لم تكن سانحة على الدوام، ونظراً لتميزه في التحصيل الدراسي، وتوقه للعلم فقد عمل والده على إرساله إلى دمشق، ليكمل دراسته في مدرسة مكتب عنبر، وهي مدرسة ثانوية ذائعة الصيت حينها، وكان لها الفضل في تخريج عدد من رجالات الأردن، في فترة مبكرة قبيل وبعد تأسيس إمارة شرق الأردن، وكان توفيق المجالي من الرعيل الأول الذين درسوا في هذه المدرسة.

تعرف توفيق المجالي في دمشق على تفاصيل عالم جديد، وتلقى معارف كثيرة داخل المدرسة وخارجها، وأصبح على دراية كافية بما يحدث في ولايات الدولة وفي العالم، من خلال الصحف والمجلات، ولقاءاته مع سياسيين ومثقفين عرب.

كانت دمشق من أبرز الحواضر العربية في تلك الفترة، ولعله كان متابعاً لبدايات الفكر القومي الحديث، الذي أخذ بالتشكل نتيجة ظلم وعنصرية حكام الدولة العثمانية في أواخر عهدها. فعندما أنهى دراسته في مكتب عنبر، عاد إلى مسقط رأسه الكرك، محملاً بالأفكار الوطنية التحررية، ساعياً في الوقت نفس إلى تحسين واقع الناس، وحظهم على تعليم أطفالهم ولو بالحدود المتاحة، واستطاع أن يلفت الانتباه إلى نفسه من خلال أسلوبه وثقافته، ووضعه لما حصله من علم في خدمة أهالي الكرك جميعاً، وهذا أسهم في تميزه، وتقدير الناس له وتعزيز مكانته بينهم.

عمل توفيق المجالي بعد عودته إلى الكرك، في محكمة الكرك النظامية، فقد كان عضواً ناشطاً فيها، منحازاً لقضايا الناس المحقة، وهذا العمل قربه أكثر من الناس البسطاء، وجعل له مكانة بين الأعيان والوجهاء في الكرك. وعندما جرت انتخابات مجلس المبعوثان العثماني في عام 1908 ، الذي يضم في عضويته ممثلين عن الولايات العثمانية المختلفة بنسب معينة، قدمه أبن عمه شيخ مشايخ الكرك قدر المجالي، ليترشح لهذا المنصب المهم والجديد على المنقطة، وقد رشحه إدراكاً منه لأهمية ونوعية المهام المناطة بعضو مجلس المبعوثان، فقد كان توفيق المجالي متعلماً بشكل جيد مقارنة بظروف التعليم في تلك المرحلة، بالإضافة إلى إتقانه للغة التركية العثمانية، مما يسهل عليه التواصل مع المسؤولين في الأستانة، وبالتالي تقديم خدمات أفضل للمنطقة، أخذاً بعين الاعتبار مكانته الاجتماعية وصلاته الوثيقة مع رجالات العرب الأحرار، فحقق النجاح المطلوب، وأصبح أول عضو من شرق الأردن في مجلس المبعوثان العثماني، الذي يعد تجربة جديدة تمر فيها المنطقة بعد عقود طويلة من الإهمال.

بعد نجاحه في الانتخابات أنتقل توفيق المجالي إلى عاصمة الدولة العثمانية الأستانة – اسطنبول – ليواظب على حضور اجتماعات المجلس، مدافعاً عن حقوق ومطالب أهالي المنطقة، وقد وضعه هذا الواقع، بالإضافة إلى وجوده في عاصمة دولة عظمى كالدولة العثمانية، في بؤرة الأحداث الحارة الإقليمية والعالمية، واحتك مباشرة بالمراكز السياسية والثقافية، وعمق من صلاته وعلاقاته بكبار رجالات العرب، من سياسيين ومثقفين وطلبة علم، حيث شكلت الأستانة ملتقى نخبة الشباب العربي.

 وهناك ناهض التمييز العنصر الذي يتعرض له العرب في العاصمة وفي مناطقهم، خاصة أن فترة عضويته للمجلس، جاءت في مرحلة شائكة ومليئة بالتعقيدات والمؤامرات، وصلت رأس هرم الدولة، فقد أطاح الاتحاديون وجلهم من الماسونيين ويهود الدونمة، بالسلطان العثماني عبد الحميد، وما نتج عنه من فرض لسياسة التتريك على رعايا الدولة من العرب، وتضييق عليهم، مما دفع بالمتنورين من العرب، للتحرك في مواجهة هذا الظلم الجائر، من خلال مناقشاتهم داخل المجلس، وفي الصالونات السياسية التابعة لهم، وقيامهم بتأسيس الجمعيات السرية، كجمعية العربية الفتاه، حيث يرجع إلى هذه المرحلة بداية بروز الشعور القومي لدى العرب.

أدى تردي أحوال المنطقة العربية في مختلف النواحي، واستشراء الظلم والتمييز، واثقال كاهل الأهالي بالضرائب، وسوء المعاملة، إلى دفع الناس في الكرك للثورة على هذا الواقع، فاندلعت ثورة الكرك – الهية – عام 1910، وحقق رجال الثورة نجاحاً مدهشاً، مما اضطر والي الشام إلى تسيير طوابير عسكرية مزودة بالمدافع، فعملت على إخماد الثورة بقسوة، وفتكت بالأهالي العزل، وقتلت عدداً كبيراً من الرجال، وشردت القسم الأكبر.

لعب توفيق المجالي دوراً مؤثراً لمعالجة الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة، كإحصاء النفوس والضرائب وتسجيل الأراضي والأملاك، ومحاولة التخفيف من نواتج الثورة على أهالي الكرك ومحيطها، لكنه لم يجد أذناً صاغية، بل حورب وتعرض للمضايقة، وهو الذي حذر مراراً من مغبة الاستمرار بسياسة التعنت، وعدم الاستجابة لمطالب العرب، وتمكن من حشد النواب العرب للدفاع عن قضية الكرك، وقد وصل الأمر بأصحاب القرار في الباب العالي – رئاسة الوزراء – الذين ضاقوا ذرعاً بمطالبات توفيق المجالي، أن اتهموه بالمشاركة في التدبير للثورة، مستندين إلى حجة واهية، وهي نص برقية أرسلها من اسطنبول إلى ابن عمه قدر باشا المجالي، يعلمه فيها بنية الحكومة المضي بقرار إحصاء النفوس في الكرك، وبذلك عليهم التصرف بما يرونه مناسباً، وكان قد كتب مقالاً في جريدة المقتبس الدمشقية عام 1911 بعنوان إصلاح الكرك. 

أعد توفيق المجالي تقارير موسعة عن أحداث الكرك ووزعها على نطاق واسع في اسطنبول، حيث توصل إلى أن المسؤول عن الأحداث هو والي الشام ومتصرف الكرك، ولم يستطع تقديم استجواب لناظر الداخلية لانشغال الدولة بحرب إيطاليا على ليبيا، لكنه قدمه للباب العالي، فنتج عن ذلك تغيير متصرف الكرك وتشكيل لجنة تحقيق، بالإضافة إلى وفد نيابي عربي، قابل ناظر الداخلية وقدم له تقريراً شاملاً عن ولاية الشام، لكن سياسة الانتقام بقيت سائدة، وتم اغتيال الشيخ قدر المجالي أحد أبرز قادة الثورة عام 1917، فاضطر النائب توفيق المجالي مغادرة اسطنبول، بعد مضايقة الاتحاديين وسعيهم لتقديمه للمحاكمة، ومن ثم صدرت الأوامر بالقبض عليه وإرساله تحت الحفظ إلى دمشق، فتم إرساله إلى بيروت في طريقه لدمشق، فتمكن من الإفلات من قبضتهم، والهروب إلى مصر على متن سفينة إنجليزية، وهناك تواصل مع الشخصيات والأحزاب السياسة، وكان مقرباً ومؤيداً لحزب اللامركزية الإدارية العثمانية، وبذلك ربما يكون توفيق المجالي أول لاجئ سياسي أردني. وهناك تمتع بترحاب وتقدير أحرار العرب مثقفيهم من مختلف المناطق. وفي عهد الحكومة العربية في دمشق، عين مساعداً لمتصرف لواء الكرك، وواصل مسيرته في العمل من أجل خير البلاد وتقدمها، حتى وفاته في شهر شباط عام 1920 قبيل تأسيس إمارة شرق الأردن. 

الشهيد هزاع المجالي

|1 التعليقات
الشهيد هزاع المجالي

تخليداً لذكرى الرجال ، وتمجيداً لسيرة سلسلة من رواد الأردن الأوائل ومواقفهم الخالدة ، دفاعاً عن الوطن والأمة ، وعرفاناً بما قدموه لوطنهم وأمتهم من خدمات جُلىّ ، وإسهامات كبيرة في مسيرته ، وتبقى معالم مضيئة على طريق الأجيال الجديدة ، من أبناء وطننا العزيز.


للحديث عن قائد شجاع من الرعيل الأول ، وصاحب فكر وموقف ، وإنسان ضحى بحياته في سبيل الدفاع عن وطنه ، ومبادئه ، وأخلاقياته السياسية التي آمن بها ، فلاقى وجه ربه راضياً مرضياً.

ولد هزاع بركات المجالي في عام 1918 في مضارب أخواله الونديين في ماعين حيث كان والده في تلك الفترة مشاركاً في جيش الملك فيصل الأول وكانوا في طريقهم لتحرير سوريا ، فولد في هذه المرحلة في ماعين عند جده وجدته الونديين في هذه القرية وهي من عشائر البلقاء المعروفة ، وقد عاش مع جده وجدته إلى سن العاشرة ثم انتقل إلى الكرك حيث كان مبدعاً وتمثل ذلك كله بشهادة زملائه في هذه المرحلة وعند زيارة مدرسة الكرك الثانوية يلاحظ وجود بعض الكتابات والمقالات التي توحي بإبداعاته.

بعد ذلك انتقل إلى مدرسة السلط كما كثير من الأردنيين وتخرج من السلط ولم يكمل دراسته الجامعية بل التحق بدائرة الأراضي وتعلم المساحة وأصبح مساحاً بدائرة الأراضي ثم انتقل أيضاً لفترة من الوقت وعمل في محكمة صلح مادبا ومن ثم وجد نتيجة لضغط بعض المسؤولين عليه أنه لابد أن يكمل دراسته ثم رجع إلى الكرك وتحدث مع والده بذلك والتحق في جامعة دمشق ودرس الحقوق هناك وانتهت دراسته عام 1946 حيث عاد من دمشق ليعمل في حقل المحاماة في مدينة الكرك وكما ذكر ذلك في مذكراته حيث كان دائماً يتحدث عن أخوانه وعن عائلته وكيف نشأ وترعرع.

وقد تحدث معالي الأستاذ أيمن المجالي عن أثر التربية الأسرية في تكوين شخصية هزاع المجالي قائلاً:"كان والد هزاع المجالي مشاركاً في الثورة العربية الكبرى في جيش الملك فيصل بالإضافة إلى طبيعة المرحلة التي ولد فيها هزاع حيث كانت بداية الثورة العربية الكبرى وتمثل ذلك من خلال مشاركة هزاع المجالي في المظاهرات أثناء دراسته في دمشق حيث عاش في هذه الأجواء وكان بطبيعته يشعر بالانتماء الوطني والانتماء العروبي وهذه كونت جزء من شخصيته ".

وأضاف أيمن المجالي أن والده كان دائماً يشعر بأنه سيكون شخص ذو شأن في هذا الوطن حتى في أحلامه كان يشعر دائماً أنه سيكون شخصية مرموقة.

أما عن التدرج الوظيفي في حياة هزاع المجالي فقد مارس هزاع مهنة المحاماة فترة من الزمن ، وبرز خلالها ميله للعمل السياسي وطموحاته للمشاركة في الحكم وقد تم استدعاؤه في أحد الأيام إلى عمان للقاء رئيس الوزراء وقد عرضوا عليه منصبين احدهما قائم مقام أو أن يعمل في حقل القضاء ولكنه لم يقبل ثم عين في التشريفات الملكية وتعرف فيها عن قرب على المغفور له جلالة الملك عبدالله الأول المؤسس وبدأت من هناك تقام علاقاته وتتفجر طاقاته الإبداعية والسياسية وكان يعتمد عليه المغفور الملك عبدالله إلى أن شغل منصب رئيس بلدية عمان في عام 1948 وهو منصب سياسي مدعوم من الملك المغفور له عبدالله المؤسس ثم أصبح وزيراً لأول مرة وكان عمره إثنين وثلاثين عاماً ثم دخل الحياة البرلمانية عام 1951 ووفق بالنجاح أيضاً وكان له قصة في هذا الموضوع أنه حلم أنه صاعداً على جبل ومعه زملاؤه وهو يستمر وبقية الزملاء ما استمروا ومعناه بالفعل بعد الانتخابات تبين أنهم لم ينجحوا في الانتخابات وهو نجح ، عاد أيضاً إلى الحكومة فترة أخرى وتولى رئاسة الوزراء وعمره بين الخامسة والثلاثين والسادسة والثلاثين وهي الحكومة التي لم تستمر إلا حوالي ستة أيام ثم دافع عن نفسه في البرلمان اتجاه حلف بغداد وهذه كانت نقطة انعطاف في حياته السياسية لأنه ثبت على ثوابته على رأيه ودافع عن مواقفه دون أن يغير هذه المواقف ثم التزم في بيته وفتح هو وأمين أبو الشعر جريدة ومن ثم أصبح رئيساً لمجلس الإعمار ثم أصبح وزيراً للبلاط الملكي فترة الإتحاد مع العراق عام 1958 حتى عاد وأصبح رئيساً للوزراء للفترة الثانية 1959 وكان عمره بين التاسعة والثلاثبن والأربعين وتوفي رحمه الله وعمره واحد وأربعين عاماً. وبين دولة أحمد اللوزي أن هزاعاً الذي ولد في الكرك ، كان أول أمين للعاصمة عمان ، ومن ثم وزيراً للزراعة ، وبعدها رئيساً للوزراء ، وكان الجندي الأمين لقائده ، أحب وطنه ، وعشقه كل أردني أصيل ، باع نفسه للوطن ، وفدى أهله ورسالته وديرته.

وعبر العين ميشيل حمارنة قائلاً أن الفترة التي جاء بها هزاع المجالي لبلدية عمان كانت فترة عصيبة ليس فقط للأردن بل للعالم العربي فالهجرة الفلسطينية الأولى واكتظاظ عمان بتركيبه سكانية جديدة فالشخص الذي يقوم بإدارة مدينة من هذا النوع يحتاج إلى جهد كبير من هذا القبيل ولا بد أن يكون عنده رؤيا واسعة ووطنية ليستطيع تحمل هذا الضغط الكبير قام هزاع باستيعاب هذا الزخم وقام بالأعمار في المناطق المختلفة من عمان حيث يرغب بتماس مباشر مع الناس وأحسن تماس يمكن أن يحدث هو في البلدية إضافة إلى ذلك هي عاصمة الملك الهاشمي فهي بحاجة لشخص يقوم بواجبها كعاصمة ، فقام بتجميل العاصمة وتوسيع شوارعها دون أن تقوم هناك ثورة من قبل الناس احتجاجا على أخذ أموالهم أو ما شابه ذلك بل توافقوا معه بفكرة تجديد المدينة وإعطائها حياة جديدة وتجميلها دون أن يكون عندهم ردود فعل معينة وهذا الأمر يدخل ضمن رغبة جلالة الملك عبدالله الأول "المؤسس" وكان دعم كافة ملوكنا للعاصمة عمان دعم واضح وكانوا يحبو هذه الجرأة في الأمناء العامين. واضاف حمارنه أنه أثبت موجودية كرئيس بلدية يجدرذكره أن الملك عبدالله قلده وساماً نادراً وخاصاً ولكن طلب أن يبقى هذا الوسام إلى الذين سيأتوا فيما بعد وهو يسمى الآن وسام أمين عمان ولا يزال أمين عمان يحمل هذا الوسام الذي حمله لأول مرة هزاع المجالي ويطلق عليها قلادة أمين عمان يلبس هذه القلادة في الاحتفالات الرسمية وهذا دليل على مكانة هذا الرجل في هذا البلد.

عندما نتحدث عن هزاع المجالي رجل المواقف الصعبة نتحدث عن هزاع والعمل السياسي ، رئيساً للوزراء لمرحلتين في ظروف صعبة مرت بها المملكة الأردنية الهاشمية. وتحدث حول هذا ميشيل حمارنة قائلاً :"من جديد ، يجب أن انبه أن أي دارس لشخصية وطنية يجب أن يتنبه إلى الزمن الذي جاءت به تلك الشخصية عندما جاء هزاع المجالي لم يأت بزمن قمره وربيع جاء بزمن صعب وجاء بزمن بداية بناء الدولة الحديثة حتى يكون فيه عندك إمكانية لتساهم في بناء دولة حديثة باعتقادي عندما جاء هزاع المجالي كان فيه بالوطن الأردني كوكبة من الرجال قادرة أن تحمل معه هذا العبء ولكن كان يجب تأطير العمل السياسي ضمن رؤية مستقبلية كان هو قادر على وضعها والذي ساعده أكثر على ذلك أنه كان صاحب قرار وأنا من الناس الذين يعتقدون أن هزاع المجالي جاء قبل وصفي التل وكلاهما فهم ما معنى الوطنية وما معنى القومية فكلاهما كان وطنياً عندما نظر إلى الوطن العربي باتساعه مثل ما ذكرت أنه هزاع المجالي فتح أبواب عمان وبالتالي الأردن للوافدين الفلسطينيين لأنه فهم مقدار كان حجم المأساة فإذا بنا نحكي عن الحياة السياسية لهزاع المجالي فيجب أن يفهم كيف كانت عليه الأمور في سوريا كيف كانت عليه الأمور في العراق فقط كان عليه أن يمهد الطريق نحو مستقبل الأردن بحلف بغداد كانت تجربة قاسية في الأردن ليس فقط لهزاع المجالي بل للعقلية الأردنية ككل لأنه يعرف حينها وقعت تحت تأثير دعائي كثير وزخم دعائي بمن صوت العرب ومن القائمين على صوت.

تأثر هزاع المجالي بشخصية الملك المؤسس وكان من أصحاب مدرسة الملك المؤسس في نظرته وقياسه للأمور ، مصلحة الأردن تصب قبل أي مصلحة أخرى وخاصة أن الأردن كان يمر بظروف سياسية صعبة ، وبنفس الوقت هزاع المجالي جمع ما بين العمل السياسي والعمل البرلماني في هذا الاتجاه ، ومارس وتقدم للانتخابات شارك في انتخابات عام 1951 وكان له النجاح والمشاركة في البرلمان.
ويعتقد العين ميشيل حمارنه أن هزاع المجالي من الناس الذين وضعوا أسس التفكير الديمقراطي كان هزاع المجالي هو من الذين آمنوا إيمانا شديدا بالديمقراطية والحرية حتى أنه له قول خاص في مجال البرلمان والحرية فقد تساءل هزاع المجالي قبل أكثر من نصف قرن هل حقق النظام البرلماني مبدأ التوازن بين السلطات بحيث لا تطغى احداها على الأخرى هل حقق العدالة الاجتماعية.

كان يريد برلمان تنجح الناس فيه ، لأن البرلمان له وظيفة تشريعية ووظيفته أن يحقق العدالة الاجتماعية والتساوي في الفرص بين أفراد المجتمع يعني أيضاً هو كان شديد الإيمان أن البرلمان عليه أن يقوم بهذا الواجب هو شخصياً كان يعتقد أن برلمان ذلك الزمن كان ذو منافع.

في نفس الصدد عندما نتحدث عن شخصية هزاع المجالي فقد تحدث الكثير عن صفات هذا الرجل وقد وصف المغفور له الملك الحسين بن طلال هزاع المجالي في كتابه مهنتي كملك بأنه كان رجلاً شجاعاً مولعاً بالحرية واسع الشعبية في سائر أنحاء المملكة هذا رأي الملك الحسين ، بنفس الوقت جمع هزاع المجالي في شخصيته بين الأصالة والمعاصرة ويذكر السفير البريطاني تشارلز جونسون في ذلك "لقد كان هزاع شخصياً متناقضاً غريباً فهو من عائلة كبيرة في الكرك وفي نفس الوقت كان رجلاً ذا عقلية متحررة ونجح في إتباع الطريق الوسط في عالم السياسة ".

وامتاز هزاع بصراحتة دون تردد أو مؤاربة ، وقد وصفه أحمد اللوزي في تميزه بصراحة لا تعرف المراهنة أو التردد ، وقد عاش واضح الوجه والسمات ، يعلن ما يبطن دون خشية أو مجاملة ، وظل مترفعاً عن ألاعيب وممارسات السياسية الصغيرة لحكم وضوح رؤيته ، وصراحته المعهودة التي لا تقبل المساومة ، وبسبب ذلك لم يسلم من معاداة الساسة التقليديين ، مثلما كان عرضة لسهام الساسة الذي يستهويتهم استرضاء الجماهير. أما العين ميشيل حمارنة تحدث قائلاً:"أنا من جيل عاش في فترة هزاع المجالي والكلام الذي يقال الآن ويكتب ، أنا شخصياً اشهد عليه وكنت أعرف أن هذا الرجل لن يقبل إطلاقاً أن يضرب إنسان أردني بسبب رأيه الناس اللي عارضه وكان يسمح للمعارضة أن تنشئ صحف وهو عارف أنها ضده فقد كان وزير الداخلية في ذلك الوقت يرغب في وضع صاحب الجريدة في السجن فرفض ، ورفض ايضا أن تغلق الجريدة ، فتوجه الملك لما ذكر هذا الكلام عن هذا الرجل بثناء دون ان يجامل هزاع المجالي والذين معه في حكومته ، وأنا اظن أنه رأي حكيم ورأي صحيح وفي مكانه ".

وقد تحدث معالي أيمن المجالي عن دور والدته في حياة هزاع المجالي قائلاً:"تعلقه بوالدتي هو الذي دفعه إلى تغيير مستقبله والاتجاه بالمستقبل السياسي لأنه كان مصراً عليها وهي أصرت عليه أن يكمل دراسته ويغير بصفاته وبالتالي تغيرت شخصيته وانتقل فوراً إلى الحياة العملية بشخصية جديدة بعيدة عن كل ما عاش في فكرة في تلك الفترة وأضاف أيضاً أنه كان يتعامل مع كل أولاده على نفس المستوى من المحبة وكان أيضاً يعشق الأردن والأردنيين ".

كان لهزاع المجالي محطات مميزة في تاريخ الأردن فكان هزاع أول رئيس وزراء في الأردن أقام حفلة عامة في جرش ودعا إليها الرجال وزوجاتهم باسمه واسم زوجته بمناسبة عيد الاستقلال يوم 1960 ـ 5 ـ 25 ، وأحياها شباب وصبايا من الأردن ، وغنى فيها مطربون ومطربات الإذاعة الأردنية ، فكانت ليلة يمكن القول على أنها وضعت حجر الأساس لمهرجان جرش في فترة لاحقة ، فالثقافة هي التي تبني العلاقة بين الشعب من خلال الأغنية والشعر. وكان هزاع محباً للفن والفنانين ، عمل على تشجيعهم ومساعدتهم.

كما أحب المنصب العالي وما يتبعه من اعتبارات والقصص المسلية والجلسات ، ومع كل الجانب التحرري فيه ، فقد ظل محافظاً على طبائع ابن البادية ، فكان رده على السفير البريطاني تشارلز جونستون عندما تحدث معه على ضرورة تشديد الإجراءات الأمنية لشخصه"نحن المجاليه معتادون على أن نقتل وأن نقتل".

وها هو هزاع المجالي حين نشر مذكراته في آيار 1960 يوجز في صفحة الإهداء نقاط ارتكازه السياسي الذي سعى إلى تحقيقه فيقول: "إلى الذي صمد ببلده وبأمته ، أمام زعازع الإفك والإلحاد والانتهاز وأثبت أن استمرار القومية العربية بأساسها وتاريخها وأمجادها هو وحده ما يصون للعرب حريتهم ويبقى على طابعهم الممتاز بين الأمم ويجعلهم يشاركون في العمل لخير الإنسانية إلى الحسين المؤمن ، أقدم مذكراتي".

وأضاف اللوزي أن هزاعاً كان رمزاً أردنياً ، منح روحه ووجوده ، وطموحه وشبابه إلى الوطن ، وكان أقرب الناس إلى قلب قائد الوطن ، وبقي حراً أميناً حتى استشهاده ، عام 1960.

تغمد الله فقيد الوطن الشهيد هزاع المجالي بواسع رحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جناته.

الشيخ قـدر بن صالح المجالي .. شهيد الهيه

|0 التعليقات
الشيخ قدر بن صالح المجالي

إن الحديث عن قدر المجالي هو حديث عن شخصية وطنية وقومية مرموقة من الرعيل الأول.

للحديث عن الشيخ المجاهد قائد ثورة الكرك الذي تزعم الثورة ضد الظلم والاضطهاد العثماني.

وُلد الشيخ قدر بن صالح بن محمد بن عبد القادر بن يوسف بن سليمان بن سالم في بلدة الربة من محافظة الكرك ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 25 حزيران 1851 ، وقد استبشرت الوالدة به خيراً لأنه ولد ليلة القدر ، وهو من عائلة المجالي التي تعود من نسبها إلى تميم بن أوس وهذا الرجل عندما بلغ سن العاشرة من عمره بدأت عليه علامات الذكاء والفطنة أيضا و بما أنه لا توجد مدارس فقد تعلم في الكتاتيب وكان في موضع الاحترام والتقدير عند العشيرة ، وبخاصة عند والده صالح المجالي عندما بلغ سن السادسة عشرة من عمره أخذ الرجل يهتم كثيرا بالعلاقات الاجتماعية والعلاقات العشائرية وأصبح يساهم مساهمة فعالة في الجلوس مع والده في الدواوين حتى أنه أصبح خبيراً في الشؤون الاجتماعية والشؤون العشائرية.

وقد اجمعت العشيرة بشكل كامل على أن هذا الشخص سيصبح فيما بعد ذا شأن وقد أجمعت العشائر بالكامل على أنه صاحب فطنة وصاحب ذكاء ولديه الحكمة هذا زيادة على التواضع حتى أنه يضرب به المثل بين أبناء جيله حيث كان يتمتع باحترام أبناء جيله وقيل أنه عندما يرى أي مشكلة تقع بين أبناء جيله يساهم مساهمة فعالة في حل المشاكل بينهم وتعلم ذلك من خلال مجالسة الكبار ، ويعتبر قدر المجالي من الأعلام المشهورين في القرن العشرين وذلك من خلال الجذور التاريخية للعائلة وصار الوعي الوطني والقومي متجذر في ذاكرة قدر المجالي وذلك من خلال الحركات الشعبية والنظامية التي انطلقت في منطقة الكرك وخاصة ثورة عام 1835 التي قادها إسماعيل الشوفي المجالي وهذه الثورة جعلت من قدر المجالي يعيش الوعي بالكامل بالإضافة لذلك أنه عام 1905 كانت ثورة وادي موسى وثورة الشوبك التي تفاعل معها تفاعلا كاملا وحتى جهز مجموعات كبيرة من أبناء العشيرة وأبناء العشائر لتنطلق بإتجاه منطقة الشوبك لتساعد هذه العشائر.

وقد تحدث الاعلامي راكان المجالي عن جذور عائلة المجالي وعن الشيخ قدر المجالي قائلاً: منذ القدم كانت الكرك أحد القلاع الرئيسية ، وكانت نقطة ارتكاز مهمة جدا لموقع جغرافي وتاريخي في المنطقة. واعتقد أن تاريخ العائلة بدأ يشكل من أشكال الإنسانية والتوازن وكان هناك قبائل متسلطة على المنطقة ، وقد شاركت جميع عشائر الكرك بالمشاركة في تغيير الاوضاع التي كانت قائمة على الظلم والتسلط وإذا انتقلنا إلى بدايات القرن التاسع عشر نتحدث عن الجد محمد المجالي الذي شكل زعامة حقيقية للعشيرة كانت موجودة عبر قياداتها ورجالاتها لكن محمد المجالي استطاع من خلال تواضعه وصلته مع الناس والصلة الحميمة مع أبناء عشيرته وأبناء العشائر الأخرى بالإضافة إلى الدهاء السياسي الذي تمتع به محمد المجالي وتمتع بتفويض كامل من كل أبناء الكرك ، فكان كلمته مطاعة واستطاع أن يستوعب كل العشائر.

بعد الشيخ محمد جاء صالح وهو كان قائد عسكري دائما في العائلة كان الشيخ مهم لكن بنفس الأهمية القائد العسكري كان مصلح القائد العسكري إلى جانب أخيه وهو الذي قاد الجموع التي ذهبت إلى الشوبك كان قدر موجود ولكن عمه مصلح كان قائد الحملة على جنوب الكرك وقد قتل بعد ذلك.

قدر في تاريخ العائلة شكل حالة استثنائية وكان هناك مجال أمامه لتظهر مواهبه الشخصية وقدراته وكفاءته العجيبة وكان عنده حدب على كل واحد في العائلة وكان يشعر أنه الأب لكل العائلة وما يذكر عن قدر أنه لم ينجب ولذلك كان كل العشيرة أولاده.

"قدر" كان زعيم مقيم فهو زعيم لكل الناس ، لم يكن لقدر أي اهتمام بالجوانب العسكرية أو الحربية وإنما كان قائدا سياسيا وصاحب الدور الأكبر في العائلة ويؤثر بمحبة على الجميع سواء داخل العائلة أو قبائل الكرك الأخرى هو يعتبر المرجعية لهم ، لفترة من الفترات أًصبح قدر المجالي شيخ ومشايخ الكرك التي كانت في الأصل من أيام محمد المجالي نقلت إلى صالح ثم إلى قدر وهكذا تسلسلت الشيخة ولا تزال شيخة مشايخ الكرك مؤكدة أنها للمجالي ومشيخة المشايخ الوحيدة التي بها مرسوم تركي لليوم لكل الاردن أو لكل بلاد الشام هي المجالي.

أما عن نسب عائلة المجالي فقد تحدث راكان المجالي قائلاً: على الأغلب يعود نسبهم لتميم الداري ، وكانوا بنو تميم يساهمون بمبالغ من المال لدعم أقاربنا ، ولنا صلة بالخليل ، وكان معترف به فموضوع النسب لتميم الداري الذي فوض من أيام الرسول وأبو بكر على منطقة الخليل كما في المصادر وبدايات رحلة المجالي أنهم جاءوا من منطقة الخليل على منطقة الكرك وكونوا حالة معينة وكونوا علاقات مع بقية القبائل وكونوا هذا الوضع وهذه الزعامة وهذه المكانة في الكرك.

ولو تطرقنا للحديث عن وجود الدولة العثمانية وحالة الظلم التي مارستها وفرض التجنيد الإجباري على الشباب فقد تحدث محمود عبيدات قائلاً: الدولة العثمانية كانت تعيش حالة الاحتضار لذلك هي كانت بحاجة إلى شراء أسلحة وبواخر بالإضافة لذلك كانت الحالة التبشيرية من أوروبا منتشرة في منطقة بلاد الشام فأرادوا أن يضعوا حدا لهذه التصرفات وأن يخوضوا معارك في منطقة البلقان فأصبحوا بحاجة إلى عملية التجنيد وتريد الدولة أن تفرض نفسها على المنطقة كانت البداية في منقطة الجنوب السوري في منطقة حوران ومنطقة جبل العرب دائما الحكومة التركية تستغل الفرص وتستغل المناسبات من أجل عملية الإحباط ، فأرادوا أن ينهوا هذه الحالة فتقدموا بقوات عسكرية كثيرة أن الجنوب السورية وخاصة أن منطقة الجبل من أجل أن يضعوا حدا لهذا الصراع بين حوران وجبل العرب ، وأرسلوا الفاروقي وهو مسلم وينتمي إلى عائلة العمري ودمَّر مدنية الشهباء في منطقة السويداء واعتقل أكثر من 300 شخص أعدم 22 شخصا وذلك في بداية عام 1910 بالإضافة لذلك أنه استولى على كمية هائلة من الذهب وأودعها لدى أحد التجار.

فبعث إلى متصرف لواء الكرك وقال له أشرح لي الحالة عندكم حتى آتي لأعمل عملية الإحصاء سواء على مستوى المواشي والأراضي فالمتصرف جمع عددا من العشائر هنا يوجد مجموعة من المشايخ انتابهم الخوف وذلك نتيجة لعملية التدمير التي حصلت في منطقة الجنوب السوري وقرروا الموافقة على قدوم هذه القوات وإجراء عملية الإحصاء وفرض حالة السلطة وإلغاء حالة العشائر والزعامة العشائرية قدر المجالي رفض رفضاً مطلقاً وكان معه محمود الضمور وساهر المعايطة وقالوا نحن لا نأتي ولا نوافق على هذه الحالة ، ولابشكل من الأشكال لكن مجموعة من المشايخ تخوفوا كثيرا وسرقوا الخاتم "خاتم قدر المجالي" وختموا البرقية وأرسلوها للمتصرف جاءت هذه القوة ولكنها كانت تمارس نوعا من الإرهاب والإذلال على قدر المجالي وسحب السلطة منه وكان الهدف الإستراتيجي هو محاولة أضعاف المنطقة.

وأضاف الأستاذ راكان المجالي قائلاً: الحقيقة أن الأتراك غابوا فترة طويلة رجعوا إلى المنطقة بعد ذلك بشروط وكان قدر المجالي يعتبر أن كل أبناء الكرك هم أبناؤه ولذلك قيل عن لسانه:

 يا سامي ما نطيع ولا نعد عيالنا       لعينا نشخص والبنات ذبح العسكر كارنا

وعملياً بقيت عدة مناطق خاضعة للحكم التركي وكان هناك شكل من أشكال المقاومة وكانت شخصية قدر المجالي تتمتع بمزايا الزعامة والأمور العسكرية والنفسية وتحدث الأستاذ محمود عبيدات قائلاً: حالة النهوض فرضها فرض لذلك كان يجتمع مع زعماء العشائر وينتقل إلى مضاربهم وتقدمت للثورة خلال 24 ساعة نتيجة أنهم كانوا في مضارب الطراونة وصار مجموعة من الجنود والشباب المتحمسين هجموا على الجنود وقتلوا الجنود ، هذا الأمر قدم الثورة ، قدر المجالي مباشرة أتصل مع المتصرف وقال له أن هناك مجموعة من الجنود قتلوا ولاقوا حتفهم لذلك يجب عليكم الإنطلاق لحماية قواتكم هذه كانت خطة عسكرية تماما قدر المجالي يريد أن يفرغ منطقة السرايا والسكنات العسكرية فتحرك قدر المجالي بقوات هائلة من مجموعة العشائر وكان الهجوم على القلعة والسكنات العسكرية والسرايا وهنا أصبحت سيطرة شبه كاملة واستولوا على البريد ومزقوا فيما يتعلق بعملية الإحصاء لأن عملية الإحصاء كان الرجل الذي عمره 60 يسجل 35 من أجل اخذه إلى الخدمة العسكرية لذلك انطلقت هذه الثورة وجاءت النجدات من السلط وطبريا بالإضافة لحوران وكانت قوة هائلة وكبيرة جدا ، وقدر المجالي سمي بعلي وانتقل بهذا الإسم إلى قبائل وعشائر بني عطية وتلك الفترة ترافقت مع قدوم الثورة العربية الكبرى ، وقد تم تسميمه في الشام بناء على دعوة وجهت إليه من الأتراك.

عبدالهادي المجالي ... القلعة

|0 التعليقات
عبدالهادي المجالي
لكل وطن رجالاته الأوفياء الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتعمير من أجل إيجاد الحياة الفضلى للأجيال القادمة وتمجيداً لسيرة سلسلة من رواد الأردن وتقديراً لمواقفهم الخالدة ودفاعهم عن الوطن والأمة وعرفاناً بما قدموه لوطنهم وأمتهم من خدمات جُلىّ ، وإسهامات كبيرة في مسيرته ، وتبقى معالم مضيئة على طريق الأجيال القادمة من أبناء وطننا العزيز.

وعن هذه الشخصية والتي يشدنا عبق الكرك اليها ، يخبر عن استمرار بقاء رجالها على عهد الاردن فمن إرفيفان الى هزاع إلى حابس إلى عبد السلام ، نتحدث اليوم عن رجل سار على درب محتذيا بخطى من سبقوه الا وهو عبد الهادي المجالي تلك الشخصية وطنية الفذَّه وصاحبة الفكر والموقف ، قائد سلاح الهندسة الملكي في معركة الكرامة عام 1968 ورئيس مجلس النواب الحالي والقائد العسكري والسياسي ، والسفير الاسبق للأردن في الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسس حزب العهد.

ولد عبد الهادي عطاالله المجالي في مدينة الكرك عام 1934 وأكمل دراسته الابتدائية في مدرسة الكرك الثانوية ، بعد ذلك انتقل إلى عمان ليكمل دراسته الثانوية في كلية الحسين وهناك في عمان وجد الرعاية والاهتمام من شقيقة الدكتور عبد السالم المجالي رئيس الوزراء السابق والذي كان يعمل طبيباً في القوات المسلحة الأردنية ، وكذلك شقيقهم المرحوم عبد الوهاب المجالي ، وبعد أن حصل عبد الهادي على شهادة الدراسة الثانوية (المترك) والتي تؤهله لإكمال دراسته الجامعية سافر إلى سوريا لدراسة الطب وعند تعذر التسجيل في كلية الطب سافر إلى العراق فاختار دراسة الهندسة وكان ذلك عام 1952 وتخرج منها عام 1957م.

وهناك وفي العراق أعجبته فكرة حزب التحرير وذلك نظراً لكونه حزب عصري حيث كان يرأسه الدكتور عبد العزيز الخياط ، وعَمًلَ رئيساً لتحرير مجلة (صوت الكلية) هذه المجلة التي كان هدفها حث الشباب على السعي للتمسك بالعادات والاهتمام بالثقافة والعلم. لذلك وأثناء فترة دراسته الجامعية عَمًدَ فقط إلى المشاركة في النشاطات التي يقيمها حزب التحرير.

وتحدث عبد الهادي المجالي في لقاء مع مؤلفة كتاب بعيداً عن السياسة ، حول حياته العملية فقال: بعد عودتي إلى وطني باشرت عملي مساعداً لمدير أشغال محافظة العاصمة السيد حمد الله النابلسي. وبعد شهرين عينت مديراً لأشغال لواء معان ومديراً بالوكالة للواء الكرك وكنت مسؤولاً في ذلك الوقت عن الفي موظف وكان عمري آنذاك 22 عاماً ، فالظروف جعلتنا نتحمل المسؤولية منذ البداية وكنت أعمل لوحدي رغم صعوبة الاتصالات فعلمتني المسؤولية أشياء أهمها الاعتماد على النفس ، وخلال وجودي في معان كان فيها لواء عسكري بقيادة محمد أحمد سليم ، وكانت وفود عسكرية تزور اللواء وكنت من خلال عملي في معان أقدم مساعدات لاحتياجات اللواء وفي إحدى زيارات مدير أركان القوات المسلحة صادق الشرع إلى معان دعيت إلى حفل عشاء حضرة اللواء الشرع وعرض علي الالتحاق بالقوات المسلحة ، فرفضت الفكرة بداية وكان من الموجودين في حفل العشاء الدكتور غازي بقاعين وهو طبيب أسنان وطبيب أخرى عسكري وقد أعجبني مظهرهما باللباس العسكري فنقلت للواء الشرع موافقتي على الالتحاق بالقوات المسلحة شريطة أن أعين بنفس الرتبة العسكرية التي يحملها الطبيبان وهي رتبة نقيب (رئيس سابق) وهذا ما حصل بالفعل حيث ذهبت إلى قائد سلاح الهندسة خالد الطراونة وأخبرته بتعييني واختار لي موقعاً في دائرة الأشغال العامة وكانت الدائرة في ذلك الوقت ركناً صغيراً تابعاً لمديرية اللوازم العامة وكانت طبيعة العمل طرح عطاءات والإشراف عليها.

وبداية شعرت بالاختناق لكنني قررت نسيان الماضي لأبدأ مرحلة عمل جديدة ، وبعد فترة طلبت للتدريب العسكري في القيادة العامة في العبدلي وكانت الدورة مكثفة جداً وفي اللحظة التي بدأت أعمل بها بدأت أفكر بكيفية رفع مستوى الهندسة في قواتنا المسلحة حيث أن الطاقات والكفاءات متوفرة ورغم الصعوبات التي واجهتنا إلا أننا بدأنا بالمعالجة الداخلية ومن خلال قسم خاص استحدثناه بدأنا نعتمد على أنفسنا ونعين مهندسين جدداً وبالتدريج استطعنا إنشاء مديرية وكان العميد محمد توفيق الروسان مدير تموين وقد شجعني ودعمني ولكثرة مشاريع التموين تم إنشاء مديرية أشغال العسكريين عام م1959 فأصبحت دائرتنا مديرية وأصبحت مساعداً تنفيذياً لهذه المديرية ، وفي عام 1960 أرسلت في دورة إلى انجلترا لمدة 26 شهراً وعدت برتبة رائد عام 1962 لنبدأ بتحقيق طموح آخر حيث تم ضم سلاح الهندسة إلى الأشغال وأصبح سلاح الهندسة الملكي وكان قائده رجب أبو طالب واستمريت بالعمل في السلاح حتى عام 1967 حيث أصبحت قائداً لسلاح الهندسة وكان قوياً ولديه مشاريع ضخمة وكان نقطة إشعاع في القوات المسلحة وخلال وجودي بالسلاح دخلت دورة قادة الكتائب لمدة شهرين وكنت الأول على دفعتي وأصبحت على قناعة من خلال هذه الدورة أن أكثر الأشخاص الذين يستطيعون الإبداع هم الأشخاص الذين لديهم تفوق علمي لأن العسكرية تحتاج إلى عمليات حسابية ، حيث كنت الجامعي الوحيد بمجال الهندسة في ذلك الوقت عندما د خلت معترك الحياة العسكرية ومنها أعتقد جاءت فكرة إنشاء جامعة مؤتة حيث شجعت على إقامة مثل هذه الجامعة عندما كنت مسؤولاً في القوات المسلحة ليقيني أن العسكرية علم وليست فقط حمل السلاح وتدرجت في المواقع العسكرية الهامة حيث عينت مساعداً لرئيس الأركان حتى عام 1979 واستمررت رئيس أركان لمدة ثلاث سنوات.

وعندما عرض عليّ جلالة المغفور له الملك الباني الحسين بن طلال منصب سفير في واشنطن قال لي: إننا بحاجة لك في واشنطن وأن علاقاتنا مع الأمريكان ليست كما يجب وهي أكثر من %60 علاقات عسكرية وكونك سفيراً عسكرياً ممكن أن تتحسن العلاقات فقلت لجلالته: إذا كان الأمر بالنسبة لي موضوع وظيفة فإنني سعيد جداً أنني وصلت لرتبة فريق ورئيس أركان وقد فهمت في ذلك الوقت أن تكليفي لم يكن ترضية وإنما وجودي في هذا الموقع السياسي قوة في السلك الدبلوماسي واستمريت لمدة سنتين سفيراً في واشنطن.

لقد مارس عبد الهادي المجالي عام 1983 العمل في مجال الدراسات العسكرية الإستراتيجية وفي عام 1985 جرى تعيينه مديراً للأمن العام لمدة أربع سنوات وقد عمل على تنظيم هذا الجهاز وتطويره ولأن الله قد حبا الأردن وطن الأحرار بالحياة الديمقراطية والقدرة على التعبير عن الرأي وحق المواطنين بتشكيل الأحزاب ولأن النظام السياسي في الأردن من أفضل الأنظمة بالعالم العربي فقد عَمًد السيد عبد الهادي المجالي. مع عدد من الشخصيات الأردنية على تشكيل حزب العهد وقد تم انتخابه أميناً للحزب وهو يرى أن العمل الحزبي من أصعب الأعمال التي يمارسها الإنسان وذلك لعدم سهولة اكتشاف ما يدور في عقول الناس.

وها هو عنبرة الكرك وأحد أبراج قلعتها يختار قبة البرلمان ليستطيع محاكاة متطلبات واقع الحاجات المتزايدة ولأن إحساسه بالمسؤولية يحتم عليه مسؤولية إيجاد تيار وسطي وطني تجتمع حوله كافة الزعامات الوطنية ليثبت وبابتسامته الهادئة وعمق نظره وحضوره المهيب أن الأردن موطن الرجال الذين تحملوا مسؤولية البناء والتطوير في شتى الميادين من أجل الوصول إلى حياة أفضل والسعي إلى مراتب العز ، فمنذ عام 1997 وهو النائب المدافع عن حقوق الناس الذي يحص على إيصال صوت المواطن لكل مسؤول من خلال إشتراكه في مجلس النواب الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر الذي يشغل الآن رئاسته بالإضافة إلى رئاسة كتلة جبهة العمل الوطني البرلماني الوطني ، ليتم تصنيف عبد الهادي المجالي في صفوة الرجال الذين خدموا بلدهم على كافة الأصعدة وفي مختلف الميادين فمواقفه الثابتة وعطائه المستمر للمواطن فَعُرف بطيبته وكرمه وتواضعه وسمو أخلاقه فسعيه لتأسيس التيار الوطني الأردني كان من أجل تأصيل محبة الأردنيين لوطنهم ولجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم.

وكان عبد الهادي المجالي قد استلم حقيبة وزارة الأشغال العامة في الأردن عام 1996 ليتم في العام الذي يليه انتخابه عضواً في مجلس النواب.

إن ثمة محطات كثيرة ومواقف جليلة يمكننا التوقف أمامهما في تجربة عبد الهادي المجالي...محطات تبدأ من حبه الكبير الملفت للنظر لوطنه وقيادته ، وإخلاصه لهما فتراه قد قدم رأيه وقدر الأمور أفضل تقدير فكان أبرز رجالات الأردن. امتاز بروحه العربية الصافية وعواطفه القوية لطيف المعشر والحديث يتميز بدبلوماسيته البارعة وأسلوبه البارز في الحياة والعمل كما يعتبر من الساسة البارزين القلائل الذين جمعوا بين الإخلاص لبلادهم والوفاء لمتطلبات السياسة.

يعقوب حنا العودات ... البدوي الملثم

|0 التعليقات
يعقوب حنا العودات
يعتبر يعقوب حنا العودات (البدوي الملثم) أحد أهم رواد الحركة الثقافية والأدبية في الأردن. فقد كرس حياته للإنتاج الأدبي والثقافي ، فأغنى المكتبة الوطنية والعربية بمؤلفات مهمة عملت على رصد الحركة الأدبية خلال فترة مهمة من تاريخ الدولة الأردنية. لذلك فإن أديباً ومفكراً أردنياً مثل يعقوب العودات وهو يعد بحق أبرز مؤسسي الحركة الثقافية في الأردن يستحق منا أكثر من مجرد تقديم إضاءة حول مسيرة حياته التي تستحق الوقوف عندها.

ولد يعقوب حنا العودات في مدينة الكرك عام 1909م. والده حنا العودات أول رئيس لبلدية الكرك في العهد العثماني ووالدته هي هدباء بنت جابر العودات. تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة طائفة الروم الأرثوذكس ومدرسة (الإليانس) الأمريكية ومدرسة المعارف في الكرك ، توفي والده وهو في العاشرة من عمره مما اضطره للإنقطاع عن مواصلة دراسته وقد ورد في مذكراته قوله: توفي والدي ولي من العمر عشر سنوات وعشنا بؤساء وبعدها أنهيت دراستي الابتدائية حالت والدتي - رحمها الله - دون متابعتي الدراسة ، لحاجتها وشقيقتي لمن يمدُّ لهما يد العون ويدفع عنهما غائلة الجوع ولذا فقد اضطررت للعمل تاجراً لكي أستطيع تأمين القوت لأسرتي الصغيرة ، واصلت العمل سبع سنوات عشت خلالها عيشة الزهد والتقشف وكافحت كفاحاً متواصلاً في سبيل اللقمة الحمراء ، والمستقبل الزاهر الذي ينتظرني ، وعلى صوت المؤذن كنت استيقظ مع كل فجر ، لأعد الشاي والفلافل للعمال المبكرين لأعمالهم خارج المدينة ، فأظل في حركة مستمرة حتى يأوي الناس إلى مخادعهم فأغلق باب متجري المتواضع واستسلم للنوم.

ورغم قسوة الظروف التي ألمت بالبدوي الملثم إلا أنه أصر على متابعة دراسته ولو على نفسه وبمساعدة أساتذة المدرسة الأميرية في الكرك تمكن من التقدم لامتحان الشهادة الإعدادية واجتيازها بتفوق بعد ذلك التحق بمدرسة إربد الثانوية حيث أمضى فيها سنتين ليحصل منها على شهادة الدراسة الثانوية ، التحق يعقوب العودات بالجامعة السورية في دمشق - جامعة دمشق - ولكن نظراً للظروف الصعبة فإنه لم يستطع إكمال دراسته الجامعية.

عُين يعقوب العودات معلماً في وزارة المعارف - وزارة التربية والتعليم - وقد درّس مادتي الأدب العربي والتاريخ في العديد من مدارس المملكة كمدارس عمان وسوف وجرش والرمثا لمدة ستة سنوات. بعد ذلك انتقل للعمل ككاتباً في المجلس التشريعي وبعدها بأربع سنوات نقل إلى ديوان رئاسة الوزراء. ثم نُقل سكرتيراً معاراً للمجلس التشريعي وبعد ثماني سنوات أمضاها في الوظيفة الحكومية في شرقي الأردن قدم استقالته وسافر إلى القدس ليعمل مترجماً في قلم الترجمة بدائرة السكرتير العام لحكومة فلسطين مدة ثلاث أعوام ، وأثناء إقامته في القدس تزوج من رفيقة دربه السيدة نجلاء إبنة الصحافي المعروف بولس شحادة. عاد إلى شرقي الأردن مع أعداد اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة عام م1948 ، حيث تم تعيينه في ديوان المحاسبة في وزارة المالية وفي عام 1950 شد الرحال إلى أمريكا الجنوبية حيث أمضى فيها نحو سنتين. وعند عودته إلى ارض الوطن عاد ليشغل وظيفته في وزارة المالية والتي بقي فيها إلى أن تم إحالته على التقاعد في أواخر عام 1968م. بعد ذلك انتقل للعمل في دولة الكويت في إحدى الشركات وبقي هناك بضعة شهور ثم عاد إلى وطنه الأردن لينشغل بأمور الكتابة والتأليف.

عَمًلَ يعقوب العودات على نشر إنتاجه الأدبي في العديد من الصحف والمجلات العربية وذلك بتواقيع مستعارة مثل: أبو بارودة ، حماد البدوي ، فتى مؤاب ، أبو نظارة ، فتى البادية ، نواف" ولكنه وفي عام 1926 استقر على توقيعه الشهير الذي عُرف به وهو (البدوي الملثم) أما السبب وراء اختياره هذا المسمى فقد ورد في مذكراته قوله: حملت مقالاتي وكتبي التي صدرت بتوقيع البدوي الملثم وراح العاملون في حقل أدبنا المعاصر يتساءلون: من يكون صاحب هذا التوقيع المستعار؟ وبعد أن حسروا اللثام عن صاحبه أخذوا يمطرونني بتساؤلهم: كيف وقعت على هذا التوقيع ورداً عن تساؤلهم أقول: تعود بي الذاكرة إلى عام م1926 العام الذي شرعت أنشر فيه نفثات قلمي في صحف سورية وفلسطينية بتواقيع مستعارة ، ظلت حائرة قلقة في نفسي واذكر منها: "أبو بارودة ، حماد البدوي أبو نظارات ، نواف ، فتى مؤاب ، فتى البادية. وذات يوم كنت أتنزه بمفردي على طريق السيل في مسقط رأسي ، فلمحت بدوياً ملثماً على ظهر ناقة تسير به خبباً... والمحجن في يده ، فطربت لمنظر هذا البدوي الرائع وعزمت من توي على أن يكون البدوي الملثم هو توقيعي المستعار".

لقد قدَّم البدوي الملثم للمكتبة العربية واحداً وعشرين كتاباً مطبوعاً بالاضافة إلى العديد من المخطوطات الهامة فتراه قد أبدع في مجالات الشعر والمقال والقصة والنقد والتأريخ والتربية.

وتحدث البير أديب صاحب مجلة الأديب البيروتية فقال في يعقوب العودات: إن مجلة الأديب التي لم تشعر بالخسارة المعنوية والمادية التي لحقت بها قدر ما تشعر بها اليوم بوفاة صديقها الغالي البدوي الملثم ، لتدلي شهادة الحق أمام الرأي العام المنكر معترفة بأن البدوي الملثم ، بما بذله من جهوده الجبارة من أجل إقالة عثرة (الأديب) وإنهاضها من كبوتها المادية المتلاحقة ، وتأمين الإعلانات لها من بعض الدول العربية واستقطاب المشتركين والمناصرين لها من كل ديار له فيها صداقة ، هو في الندرة القليلة الضئيلة من الأصدقاء الأوفياء الذين لا تعوض خسارتهم.

ويرى الدكتور كامل سوافيري أن: البدوي الملثم كان كوكباً مشرقاً في سماء الأدب لا في الأردن فحسب بل في الوطن العربي ، وكان من الأفراد القلائل الذين حققوا مجدهم بأنفسهم وشقوا طريقهم في الحياة بجهادهم الشخصي لم يتوكأوا وأعلى أحد ولم يعتمدوا على مال ولا جاه ، لقد أدمى قدميه على الصخر وأحنى مقلتيه على الورق ، أرّقه المجد وأضناه الدرس فقطع الفيافي وجاز البحار وجاب البلاد يستخلص ألوان المعرفة ويستقصي جوانب البحث وينقب عن الجواهر فيخرج على الناس بمؤلفاته وآثاره التي تنطق بما بذل من جهد وتشهد بما احتمل في سبيلها من وصب ، وما أعظم نضال الذين يبنون مجدهم بأنفسهم ويرفعون بنيانهم بسواعدهم. إنهم النجوم ، إنهم الرواد الذين يفتحون لنا النافذة ويعبَّدون الطرق لنسلك سبيلهم وننهج نهجهم ، إنهم الذين ننحني إجلالاً بما كابدوا ، وإكباراً لما قدموا ، وبهم نفاخر الأمم وتباهي الأجيال وتعتز الأوطان.

وعدّ محمد أديب العامري الاهتمام بالسير والتراجم من مزايا العودات ، يقول: "ومن مزايا البدوي الملثم أن أدبه كان - على النمط الحديث - أدب دراسة ومعاناة ، وقد شدّه إلى ذلك فطرته كأديب سيرْ أو أديب تراجم.

أما وحيد بهاء الدين فقد قال فيه: يعد البدوي الملثم رائداً في المضمار الذي قدر له أن يخوضه ويفتح قلاعه ويثبت وجوده فيه بجدارة واستحقاق.

ويرى الدكتور محمود السمرة (أن مؤلفات العودات تتضمن الكثير من الصفات التي يجب أن تتوفر في كتابة السيرة وفي الصدق والتحليل الدقيق والحيوية والأسباب والبعد عن الاستطراد.

وتحدث وزير الثقافة السيد نبيه شقم في شخصية العودات فقال: إن الأديب الراحل العودات استطاع بصبره وكفاحه أن يحقق شهرة واسعة في عالم الإبداع وتجلياته فهو مثقف موسوعي رشح قلمه بالروائع من سير وتراجم وفكر وأدب متنقلاً داخل الوطن وخارجه بحثاً عن المعرفة.

عُرف العودات بحرصه الشديد على متابعة دراسته وبصبره وجلده وقدرته على تحمل الصعاب وحُسن تقديره للأمور وعُرف أيضاً بأخلاقه الحسنة وبذكائه الوقاد.

وله العديد من شهادات الحق التي أدلى بها معاصروة فقال فيه عارف العارف: ما دخلت عليه مرة في بيته إلا ورأيته وراء مكتبه دائباً ، جاداً مسطراً ، باحثاً ، كاتباً ومؤلفاً ، فقد أغنى المكتبة العربية بعدد كبير من كتبه ومؤلفاته وإني لأشهد في غير محاباة أو مغالاة أنني ما دخلت عليه إلا ورأيته جاداً ويروح يقرأ لي آخر ما توصل إليه من سطور حول هذا أو ذاك من المواضيع التي كان يعالجها.

وتحدث الدكتور زياد الزعبي في كتابه يعقوب العودات البدوي الملثم فقال: ظهر للعودات في حياته تسعة عشر كتاباً ، ظهر أولها وهو "إسلام نابليون" عام 1937 (يقع في إطار الكتب التاريخية) وآخرها رسائل إلى ولدي خالد عام م1970 وطبع له بعد رحيله كتابان: "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين" عام م1975 و "رواد من الأدب المعاصر" عام 1995 وترك العودات إضافة إلى هذه الكتب عدداً من المؤلفات المخطوطة وقد أطلعت على مخطوطتين لكتابين غير مكتملين ، أولهما عن "عنترة" والثاني عن "مي زيادة" وذكر الدكتور محمود السمرة في كلمته التي ألقاها في حفل تأبين العودات مخطوطات أخرى منها: عريس الخلود فوزي المعلوف ، وأبو القاسم الشابي: النغم الحزين في شعرنا المعاصر ، والشاعر الثائر: ولي الدين يكن ، وشواعر العروبة ، والناظر في مجمل الكتب التي قدمها العودات للمكتبة العربية يجد أن معظمها يقع في باب أدب السير والتراجم" ولكن ما ينبغي أن يشار إليه هو أن تراجم العودات وسيره لم تكن تراجم أو سير محضة بل مزجت أحياناً بصورْ من البحث والدراسة وأخرى بعناصر من التوثيق والتسجيل ما جعل بعضها مراجع رئيسة في بابها كما هي الحال في كتابه الضخم: الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية الذي يمثل موسوعة مهمة اشتملت على مناحي تاريخية واجتماعية وأدبية وفكرية بحثية إضافة إلى عناصر عديدة تسجيلية توثيقية لحياة العرب في أمريكا الجنوبية وكذلك فإن كتابه "عرار شاعر الأردن ، يمثل مرجعاً مهماً عن حياة هذا الشاعر وأشعاره وآثاره فقد تقصى فيه الأخبار والحكايات والمواقف والنوادر والكتب التي وضعها العودات عن شعراء وأدباء ومفكرين هي أغلب كتبه نذكر بعضها: الغواني في شعر إبراهيم طوقان ، شاعر الطيارة فوزي المعلوف ، البستاني والإلياذه هو ميرس ، شكري شعشاعة الإنسان والأديب ، عبد العزيز الرشيد مؤرخ الكويت الأول ، القافلة المنسية ، من أعلام الفكر والأدب في فلسطين وهناك كتابات مترجمان عن الإنجليزية: الناطقون بالضاد في أمريكا الشمالية ، أصراع أم تعاون في فلسطين.

لقد كان الراحل العودات من أهم أدبائنا الرواد الذين أثروا المكتبة العربية بإنتاجهم الأدبي والفكري ، توفي العودات في منزله في عمان في الثالث والعشرين من شهر أيلول 1971م.

صالح رفيفان المجالي ... أمين عام مجلس شيوخ العشائر

|0 التعليقات
صالح رفيفان المجالي
إن حياة بلا دور هي من دون شك حياة بلا معنى بالنسبة للأفراد وللشعوب حيث يعتمد سلامة الدور وقدرته على تأدية واجبه ورسالته بمدى إدراك هذا الوجود. لقد آمن صالح رفيفان المجالي بالأرض الأردنية فحدب عليها ، كيف لا وهو النموذج للمواطنة والانتماء فغدا صفحة من صفحات تاريخ هذا البلد المشرقة.

تنتمي عائلة المجالي إلى الصحابي الجليل تميم الداري حيث استوطن أحفاده مدينة الخليل وتولوا فيها جمع ما يسمونه "الودي" لإصلاح مقامات الأنبياء والرسل في تلك المنطقة ومساعدة الفقراء والمحتاجين فتوسعت مناطق نفوذهم بحيث شملت منطقة شرق الأردن وفي ذلك الحين انتدب أحد المشرفين على هذه الجباية ويدعى "شديد" ليتولى جمع "الودي" من قبائل شرقي الأردن وتتابعت سفراته إلى تلك المنطقة فلما أنس بهم وتعرف على طباعهم وعاداتهم طاب له المقام فاستوطن في مدينة الكرك وتزوج من امرأتين الأولى من عشيرة الشوابكة والثانية من عشيرة اليزايدة من سكان البلقاء فأنجب أربعة أولاد أكبرهم جلال جد عشيرة المجالي الذي ينحدر منها صالح رفيفان المجالي.

ولد صالح رفيفان المجالي في ريف الكرك عام م1910 وكانت ولادته في بيت من الشعر وقد كتب المرحوم صالح المجالي في مذكراته حول حدث ولادته فقال: كانت ولادتي في بيت من الشعر وأقول ذلك معتزاً لم تكن والدتي من عائلة أبي - المجالي - كانت من عشيرة أخرى - البطوش - وهناك شبه كبير بين طفولتي وطفولة ابن عمي المرحوم هزاع - رئيس وزراء الأردن الأسبق - ويعني بذلك أن القاسم المشترك بينهما خوؤلة كل منهما من غير عشيرة المجالي فوالدة أبي من البطوش ووالدة هزاع من عشيرة الونديين - من عشائر البلقاء.

عشتُ بين أخوالي أحد عشر عاماً تعلمت خلالها على أيدً خطيب (مدرس خاص يدرس القرآن الكريم والحساب) القراءة والكتابة وحفظ القرآن والحساب. في الواقع كانت حياتنا تختلف عن الحياة اليوم فالطفل لم يكن ينعم بوسائل الراحة التي ينعم بها طفل اليوم. بل كان يعيش طفولته وهو يعاني من الجوع والتعب والحياة الخشنة.

إنني أذكر جيداً أول يوم دراسي لي عندما حضر أحدهم وقال لي أنه رأى في القرية بعض أولاد العشيرة يجلسون وشيخ - خطيب - يدرسهم القرآن. وعندها شعرت بالغيرة وأحببت أن أخوض هذه التجربة وبالفعل هيأت نفسي في اليوم التالي باكراً وطلبت منه أن يأخذني للمدرسة وعندما وصلت إلى الخطيب اكتشفت أنه كان عليَّ أن أحمل طعاماً وجاعداً لأجلس عليه وقد احتفى بي الشيح وأعطاني لوحاً لأكتب عليه خمسة حروف من الأبجدية فربطت اللوح في رقبتي وعدت أدراجي فرحاً إلى بلدتنا - بيت الشعر - الذي يبعد عن المدرسة عشرة كيلو مترات مشياً على الأقدام ثم انتظمت بعدها في المدرسة. فأصبحت أمشي المسافة يومياً ذهاباً وإياباً.

ويتابع المرحوم صالح المجالي كما ورد في مذكراته التي تولى مهمة جمعها وتمحيصها نجله الأستاذ راتب صالح المجالي فيقول: عشت طفولتي الأولى في جو ريفي أقرب إلى البداوة مجتمع زراعي عشائري مليء بالمنافسات القبلية الكريمة المبنية على البطولات والكرم والصفح والتسامح وقد تعلمت في هذا المجتمع ركوب الخيل كما تعلمت أن القانون ليس هو كل شيء في هذه الحياة وأن للعرف والعادة والعلاقات الإنسانية أهمية كبرى في حل القضايا والمشكلات لا تقل عن القانون وخاصة في المجتمعات القبلية والعشائرية. طفولتي الأولى أيام هنيئة مازلت أحن إليها وأذكرها بكل فخر واعتزاز ، عدت إلى الكرك وأظن أن ذلك كان في نهاية عام م1920 حيث انتظمت في المدرسة الرسمية مدرسة الكرك فتطور شكل حياتي هنالك وأصبح أكثر سهولة ونعومة لكنني لم أنسَ القواعد التي درستها طيلة سبع سنوات على يد الخطيب فبرزت في القرآن والخط والحساب على جميع الطلاب وفي عام م1924 وبعد مجيء سمو الأمير عبد الله أمير شرقي الأردن صدرت إرادته بإلحاق عدد من أبناء وجهاء العشائر بمدرسة السلط للدراسة فيها دراسة ليلية وتم اختياري وأخي حابس وأربعة من أبناء الكرك بالالتحاق بهذه المدرسة التي استقطبت مدرسين لها من علماء عصرهم في شتى نواحي العمل من البلاد العربية المجاورة.

بعد أن أكمل المرحوم صالح رفيفان المجالي دراسته الثانوية في مدرسة السلط عام 1928 بقي أربعة أعوام دون عمل وبتاريخ 10 ـ 10 ـ 1932 تم تعيينه بوظيفة كاتب متصرفية الكرك وبقي في عمله مدة أحد عشر عاماً بعدها تم ترفيعه إلى وظيفة مدير ناحية في دير أبي سعيد. وبعد حوالي عامين ونصف تم ترفيعه إلى وظيفة قائمقام في مدينة الطفيلة ثم قائمقام في عجلون.

وهناك شهادة حق لابد من ذكرها وهي أن نشأة صالح المجالي كانت في بيت والده الشيخ رفيفان محمد المجالي شيخ من شيوخ مدينة الكرك وقد تحدث الأستاذ راتب المجالي قائلاً: "كان والدي صالح قريباً من قلب والده يسر إليه بما في نفسه وكان يميل إليه. لقد كان يعيش حركة ونشاطات والده وأعمامه من قرب وكان يتأثر ويؤثر بالأحداث الجارية من حوله ثم ينخرط بالوظيفة ويتدرج في هذا المجال نتيجة ثقة ورضاء رؤسائه عنه ، لقد عاش في مدرسة والده الشيخ رفيفان المجالي ، مدرسة الحياة الكبرى. ولقد انغمس صالح في هذه المدرسة إلى أذنيه وعاشها بكل محتوياتها ، تجول في ملاعبها. كانت مدرسة ريادية اغترف من مناهلها كل نافع وتزود من مجالسها بالمعرفة. يستمع إلى قصص بطولات أهله ويتغنى مع أقرانه من أبناء عشيرته أمجادهم وتهيأت له في هذه المدرسة كل أسباب التعلم والتدريب. انتقل صالح رفيفان المجالي خلال مسيرة عمله من وظيفة إلى أخرى ومن موقع إلى آخر وتتغير طبيعة عمله من حاكم إداري إلى مناصب وزارية وبرلمانية رفيعة الشأن يشارك في مؤتمرات واجتماعات على المستويات الدولية والعربية والأردنية ، ينخرط بالحياة العامة من أوسع الأبواب خرج إلى الحياة في ظل الدولة العثمانية وواكب تأسيس إمارة شرق الأردن وإعلان المملكة الأردنية الهاشمية ، عاش فترة الانتداب البريطاني في هذه البقعة من الأرض وحضر استبدال الانتداب بالمعاهدة البريطانية في هذه البقعة من الأرض وواكب استبدال الانتداب البريطاني بالمعاهدة البريطانية ، شاهد بزوغ شمس الاستقلال. كان في مركز المسؤولية أثناء إعلان الوحدة المقدسة بين الضفتين ثم عمل فترة من حياته الوظيفية في الضفة الغربية التي كون فيها صداقات حميمة وعلاقات وطيدة عاش انتصار الكرامة وشاهد أبناء شعب الأردن يطالبون بالاستقلال بأصوات عالية تشق عنان المساء. كما شاهدها وهي تنطلق في الشوارع تهلل للنصر عندما نالت الاستقلال وإلغاء المعاهدة.

عاش أيام الهزيمة ... وانكسار خاطر إخوانه في الضفة الجريح وهم يشاهدون الصهاينة يدنسون الأقصى ويقف حرس حدودهم على الجانب الغربي لنهر الأردن الخالد. صفق للجيوش العربية وهي تعبر النهر الخالد للتصدي لغطرسة الصهاينة وكان مركز عمله الخليل عندما كان الجيش العربي حوله وعلى بعد خطوات منه يزرع الشهداء على ثرى فلسطين المقدس ، وانكسرت نفسه وهو يشاهد الأنظمة تتدخل بكل الوسائل في شؤون أنظمة عربية شقيقة دونما سبب مبرر.

كان وزيراً حين وقع مع الوزراء اتفاقية التضامن العربي والتي تتضمن دعماً عربياً للأردن بدلاً من المعونة البريطانية وتفاجأ عندما أوقفت هذه الدول العربية هذا الدعم لقد شاهد بأم عينه نهوض المدارس والجامعات في بلده كان هذا الرجل يقرأ كتبه المدرسية على ضوء لوكسات في شوارع الكرك ولكنه شاهد بعد حين تغطية التيار الكهربائي لجميع أنحاء الأردن.

وبالعودة للتدرج الوظيفي في حياة المرحوم صالح المجالي تجده يتابع مسيرة كفاحه في خدمة وطنه وأمته عندما جاء حاكماً عسكرياً لمنطقة الخليل ومتصرفاً في كل من البلقاء وإربد ومعان ونابلس كما شغل منصب مساعد وكيل وزير المالية ومراقب للشركات في وزارة المالية. وقد شارك المرحوم المجالي في خمس وزارات ففي حكومة السيد سعيد المفتي الرابعة كان وزيراً للمواصلات ، وكذلك في حكومة السيد سليمان النابلسي. وقد جاء وزيراً للداخلية في حكومتي الشريف حسين بن ناصر الأولى والثانية. ونظراً لقدرته على شغل المناصب القيادية فقد عَمًلَ كأميناً عاماً لمجلس شيوخ العشائر برتبة وزير وكذلك مستشاراً لجلالة الملك في شؤون العشائر وعاداتها. وقد تم انتخاب المرحوم صالح المجالي ليمثل أبناء الكرك في البرلمان الأردني في ثلاث دورات انتخابية كانت في الأعوام 1956 ، 1961 ، م1963 وكذلك تم تعيينه عيناً في مجلس الأعيان الأردني ثلاث مرات بعد ذلك أصبح عضواً في اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني.

عُرف عن المرحوم صالح إرفيفان المجالي العديد من الصفات والسمات التي كانت لصيقة بشخصيته والتي اكتسبها من مدرسة والده الشيخ إرفيفان المجالي وهذه الصفات لم تكن مكتسبة أو متعلمه ولكنها كانت كجزء من طبيعته البشرية. وقد أضاف الأستاذ راتب المجالي حول صفات والده فقال: عُرف والدي بالعديد من الصفات التي كانت دائماً تنعكس في جميع تصرفاته فتلحظها واضحة في تصرفاته منها التواضع وسعة الصدر والهدوء والصبر والمرونة حيث كان جميع أصدقائه ومعارفه يتفقون على أنها صفات أصيلة وطبيعية كان يمارسها دونما تصنع وفي جميع تصرفاته اليومية وقد تعرض صالح المجالي خلال حياته إلى الكثير من المواقف المفاجئة والمصاعب الشديدة والامتحانات الدقيقة والإحراجات والمشاكل والظروف السيئة ولكنه بفضل هذه الصفات تمكن من تطويق كل ما تعرض له وتغلب عليه ولقد أكسبته هذه الصفات سمعة جيدة وهيأت له صداقات كثيرة وكان محل تقدير الجميع له وكانت هذه الصفات سراً من أسرار نجاحاته الكبيرة في تأدية وظائفه والمهمات التي كلف بها ، وعُرف عنه أيضاً سرعته في تلبية حاجات الناس وخدمتهم والانتصار لقضاياهم فكان يستقبل المحتاج بكل بشاشة سواء في مركز عمله أو بيته وفي أي مكان وفي جميع الأوقات يستمع لهذا المحتاج ويعيش معه همه ويناقش معه حاجته فإذا كانت هذه الحاجة منطقية يهتم بها ويتابعها في كل المراكز وعلى مختلف المستويات. وهذا العمل التطوعي كان يأخذ منه كل اهتمام يأخذ من وقته مساحة كبيرة وخاصة بالنسبة له الذي تمكن من تكوين صداقات ومعارف كثيرة وذلك نتيجة لوظائفه المختلفة وتعدد مواقع عمله الشاملة بجميع أنحاء البلاد.

وعُرف أيضاً بحرصه الدائم على المشاركة الفعَالة لإحلال الوئام بين الناس والصلح بين العشائر فقد كان نادراً أن يخلو برنامج صالح اليومي وخاصة في السنوات الأخيرة من عمره وبعد إحالته على التقاعد من الوظيفة من المشاركة في جاهة أو عطوة لإجراء الصلح بين طرفين بينهما خلاف. أو حضور اجتماع لحل مشكلة معينة في منطقة معينة بالإضافة إلى حرصه على احترام مشاعر الناس ومراعاته لعواطفهم وأحاسيسهم ويحرص على مجاملاتهم في جميع المناسبات فقد كان لا يترك أي مناسبة إلا ويشارك بها. بالإضافة لذلك فقد كان صالح المجالي على معرفة بالعشائر وأفخاذها وأنسابها وتقاليدها ملماً إلماماً واسعاً بتشكيلات سكان الأردن ويعد مرجعاً من مراجع القضاء العشائري فهو ابن لعشيرة أردنية لها مكانة بين عشائر الأردن حيث أن طبيعة عمله كحاكماً إدارياً جعلت تماسه شديداً بالقضايا العشائرية وكذلك تنقله في أنحاء البلاد المختلفة مكنته أيضاً من الإطلاع على مختلفة هذه العادات.

ومن السمات الفاضلة في شخصية صالح المجالي طاعته لوالديه واحترامهما ووفائه لذكراهما فقد كان يعتبر رغبة كل واحد منهما أمراً عليه تنفيذه والانصياع له أثناء حياتهما وبقيت توجيهاتهما له منهاج عمل له في حياته وبعد وفاتهما كان باراً بوالده مطيعاً له ومحترماً ومقدراً.

لقد عاش صالح رفيفان المجالي حياة مليئة بالعمل الجاد المخلص لخدمة قضايا وطنه وأمته وعند رحيله هبت رجالات الأردن العظام سعياً لذكر مناقبه وصفاته فقد قال فيه المرحوم أحمد الطراونة: إن كرم معدن صالح رفيفان المجالي وعلو جاهه أوصله إلى أعلى المراكز في القطاعين العام والخاص كان جم التواضع من غير ضعف قوي الشخصية من غير عنف وابتسامته التي لا تفارقه حتى في أحلك الظروف كانت تدل على صفاء سريرته وطيب معدنه ونقائه وحبه للخير وبعده عن الأذى واستعداده لبذل جهده للعمل المثمر كان يتمشى مع تطور الزمن ورقي الحياة. كان أبو راتب يدعو إلى وحدة الصف في المملكة الأردنية الهاشمية دون تفريق أو تمييز بأسلوب عقلاني موضوعي مدروس ويدعو إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه الصعوبات والتحديات لخدمة قضايانا المصيرية وخدمة الشعب بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله وكان يعمل جاهداً لتحقيق هذا الهدف في إطار من التفاهم والمحبة والفهم.

وتحدث الأستاذ حازم نسيبه واصفاً شخصية المرحوم صالح المجالي قائلاً: "إن صالح المجالي كان مثلاً متألقاً من ذلك الرعيل الأشم من أولي الفضيلة ومكارم الأخلاق ومآثره على امتداد أكثر من أربعة عقود من الخدمة العامة في مختلف أصعدتها ومستوياتها وحجم إنجازاتها أكثر من أن تعد أو تحصى فذلك هو الفارس العربي المقدام الذي أحب القدس وامتلكت نفسه كل ما تمثله رسالتها ومقدساتها وإنسانها وحجارتها فجاهد في الذود عنها حق جهاده فبادله أهلها المحبة بأكثر منها".

وقال عبد الرزاق النسور في شخصية أبي راتب قائلاً: "قضى أبو راتب بنفس الطريقة التي عاشها رجل موقف رجل مبدأ رجل قرار لا تردد في إيمانه بحقنا في النهوض والانتصار لا تردد في إيمانه بمستقبل الوطن. أما المؤرخ سليمان الموسى فقال فيه: "امتاز المرحوم صالح المجالي بلين الجانب ودماثة الخلق والتواضع كما امتاز بعلو النفس وكبرياء الذات فلم أسمعه يطعن آخر أو ينتقص من قدر أحد كما كن يلتمس العذر للآخرين ويعرف أن في كل إنسان ناحية من نواحي الضعف كان رجلاً عالي الجناب تتمثل فيه السجايا العربية الأصيلة".

لقد أعطى المرحوم صالح رفيفان المجالي عطاء الأردني الصادق الوفي المخلص لمليكه ووطنه طوال حياته عطاءً سخياً جلياً رحم الله أبو راتب وأسكنه فسيح جناته.