‏إظهار الرسائل ذات التسميات من رجالات عمان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من رجالات عمان. إظهار كافة الرسائل

مازن العجلوني .. العسكرية والسياسة والإبداع الرياضي

|0 التعليقات
مازن الععجلوني

ينتمي مازن العجلوني إلى مدرسة الفداء والبطولة، فلقد تشرب الروح العسكرية، والارتباط بالأرض العربية، وتربى على الشجاعة والإقدام، وحب التضحية بالغالي والنفيس، دفاعاً عن الحقوق العربية.

كان صاحب روح قومية وثابة، وفكر عسكري محترف، ورؤية سياسية مشهود لها، فكان من القلة الذين رأوا في صون الوطن وحمايته، خط الدفاع الأول عن الأمة العربية، الساعية لنيل استقلالها وحريتها، وقد شكل والده اللواء محمد علي العجلوني، المدرسة الأولى التي نهل منها حب الأرض، والانتماء للأمة العربية، واتخاذ طريق النضال المسلح والنضال الفكري، سبيلاً لمواجهة المخططات الغربية، الهادفة إلى النيل من مقدرات البلاد العربية، ومصادرة حريات شعوبها، فقد كان والده من أبرز رجالات جيله خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتميز بذكاء متفرد، مقدرته كبيرة في التحصيل الدراسي، مما أسهم في انتقاله من بلدته عنجرة في منطقة جبل عجلون، إلى الأستانة – اسطنبول – عاصمة الإمبراطورية العثمانية.

لقد تأثر مازن العجلوني بوالده، الذي أصبح ضابطاً كبيراً في الجيش العثماني، بعد أن درس العلوم العسكرية على نفقة الدولة العثمانية لتميزه، وكان والده يراقب تصرفات جماعة الإتحاد والترقي التي سيطرت على مقاليد الحكم، وكان معظمهم من يهود الدونمة، الذين تسلطوا على رعايا الدولة خاصة العرب، مما دفعه للتخلي عن مصبه العسكري، والهرب من أجل الالتحاق بجيش الثورة العربية، فتم القبض عليه في المرة الأولى وسجن، لكنه تمكن من الهرب في المرة الثانية، والتحق بجيش الثورة العربية الكبرى، وشارك في المعارك التي خاضها، بعد ذلك شارك في معركة ميسلون إلى جانب القائد يوسف العظمة، ضد الجيش الفرنسي، وبعد سقوط الحكومة العربية في دمشق، عاد إلى عمان، وعمل على المساهمة بتأسيس الجيش العربي الأردني، كما رافق الملك المؤسس، ووصل إلى رتبة لواء، وتسلم منصب وزاري.

هذه مدرسة مازن العجلوني، الذي ولد عام 1924 في عمان، وقد نشأ في هذه العاصمة الصاعدة، والتصق بها حتى غدت، صورة ناصعة من حياته الحافلة بالإنجاز، وقد التحق بمدرسة العجلوني، ودرس فيها المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وكان من صغره متميزاً، لافتاً للانتباه، وكان من الطلبة الأوائل في المدرسة، وبعد الإعدادية انتقل إلى مدرسة المطران، لدراسة المرحلة الثانوية، وقد نال في مدرسة المطران شهادة الثانوية العامة، وكان خلال دراسته من أبرز لاعبي كرة القدم في الأردن، حيث لعب لنادي الأردن الشهير حينها، حتى العام 1953، وقد نال رئاسة المنتخب الأردني لكرة القدم، خلال أول دورة عربية رياضية، فساعدته بنيته الرياضية، في التميز في حياته العسكرية في ما بعد.

التحق مازن العجلوني بصفوف الجيش العربي - القوات المسلحة الأردنية - بُعيد حرب 1948، مدفوعاً بما ترسخ في وعيه منذ تربيته الأولى، وقد أدرك حاجة وطنه وأمته، لجهود الشباب المتعلم في القوات المسلحة، حيث تم إيفاده إلى بغداد، لدراسة العلوم العسكرية، في الكلية العسكرية العراقية، وبذلك دخل الجيش برتبة ملازم، وبعد خدمة ناجحة في مواقعه العسكرية، تم اختياره عام 1955، ليكون مرافقاً لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، وفي عام 1956 تم ترفيعه إلى رتبة رائد، وتسميته كبير مرافقي المغفور له الملك الحسين بن طلال، وقد عرف بإخلاصه وتميزه كعسكري محترف، وتفانيه في العمل، وقد رافق المغفور له الملك الحسين في أحلك الظروف وأعقد المواقف. وقد تسلم بعد ذلك قيادة كتيبة المشاة الثامنة، المتمركزة في الضفة الغربية، حيث تميز بقربه من جنوده، ومواجهته للمخاطر ببسالة وإقدام.

عمل خلال الفترة من عام 1957 وحتى العام 1958، ملحقاً عسكرياً في السفارة الأردنية في تركيا، وعندما عاد إلى الأردن، تم تعيينه سكرتيراً عسكرياً في القيادة العامة للقوات المسلحة، وخلال الأحداث المؤسفة لبعض ضباط الجيش عام 1959، تم اعتقاله باعتباره أحد الضباط الذين أطلق عليهم « الضباط الأحرار « وبعد الإفراج عنه، تم تعيينه بوظيفة مدنية، حيث اسند إليه منصب المساعد الإداري لأمين العاصمة عام 1965، ونظراً لخبرته في مجال الرياضة، وتقديراً لدوره كلاعب سابق في صفوف المنتخب الوطني، عين رئيساً لإتحاد كرة القدم ورئيساً لإتحاد كرة السلة، وقد عمل من خلال هذه المهام، على تنمية كرة القدم وكرة السلة، ونظراً لتربيته القومية، وانتمائه الوطني العميق، فقد أوجعه ضياع فلسطين، وهو الجندي المحترف، وأحد القادة الذين نافحوا عن تراب فلسطين، لذا فقد التحق بالعمل الفدائي، وعمل على تنفيذ عدد من العمليات الفدائية داخل الأراضي المحتلة، وقد هاجمته طائرة إسرائيلية في إحدى المرات، ونجا من الموت بأعجوبة.

وأعيد مازن العجلوني إلى الخدمة في عام 1968،  حيث ألحق بجهاز الأمن العام، وأنيط به منصب المفتش العام في مديرية الأمن العام عام 1969، بعد ذلك تمت إعادته إلى الخدمة العسكرية في الجيش، برتبة عقيد، ونال منصبه السابق، كبير مرافقي المغفور له الملك الحسين بن طلال، حيث مكنته هذه الفترة من تفعيل خبراته المتعددة، التي اكتسبها خلال مناصبه المختلفة، وفي عام 1970، تم ترفيعه إلى رتبة عميد، وعين نائباً للحاكم العسكري، خلال فترة أمنية حرجة مرت فيها البلاد، وكانت هذه الفترة بداية مرحلته مع المناصب الوزارية، حيث أسندت إليه حقيبة وزارة الداخلية في العام نفسه، وقد شهدت الأردن في تلك الفترة تعاقب متسارع للحكومات، ففي عام 1971 أصبح وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء.

لقد شكلت مناصبه العسكرية والمدنية والمتعددة، محطات نجاح لافتة كونت شخصيته، وتوجت منجزه المتنوع، مما جعل منه من أهل الحظوة، محبوباً من القادة والناس، ويعمل لصالح بلده وأهله، ولا تأخذه في الحق لومة لائم، وكان على الدوام أهل للثقة، وعلى قدر المسؤولية مهما كانت، لذا اختير بتاريخ 1/11/ 1971 عضواً في مجلس الأعيان، وكان من الأعضاء النشطاء، الذين يبادرون للعمل ويسعون إلى تحقيق الإنجاز، وعدم الاكتفاء بما تم انجازه سابقاً.

عاد إلى إشغال المناصب الوزارية، عندما دخل الحكومة من جديد، حيث عاد وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، خلال الفترة من 29/11/1971 وحتى 21/8/1972، وقد شكل عقد السبعينيات من القرن الماضي، حضوراً قوياً لمازن العجلوني على الساحة السياسية المحلية، وكان من رجالات الوطن، الذين يبادرون لتلبية نداء الواجب، غير عابئين بالصعوبات والمشاق التي تتطلبها تلك المبادرة، وكان يسعى للتميز في كل مكان عمل فيه، فكان له ذلك.

 وقد نال نتيجة لذلك التقدير والتكريم على المستويات كافة، وليس أدل على هذا المنجز فرادته، من الأوسمة العديدة التي نالها، حيث نال مازن العجلوني عدد من الأوسمة رفيعة الشأن نذكر منها: وسام الاستقلال، ووسام النهضة، ووسام الكوكب، كذلك نال من جمهورية مصر العربية، وسام بور سعيد، وذلك في أعقاب معركة عام 1956، المعروفة بالعدوان الثلاثي، لمساهمته الميدانية في المعركة، وبقي رائد الرياضية الأردنية، والعسكري المحنك، ورجل الأمن البارز، والمناضل الشجاع، والسياسي عميق الانتماء، ممسكاً بعهد الولاء، طوال سنوات عمره، ولم ينقطع عن العمل والإنجاز في مرحلة من المراحل، حتى بعد تركه للعمل العام، حتى توفاه الله عام 1989، فرحل راضياً مرضياً، زارعاً في القلوب حب الأرض، تاركاً فينا عمله الطيب الذي لا تذبل ثماره أبد الدهر.

عوني بلال قاسم .. من صقور سلاح الجو الأردني

|0 التعليقات
اللواء عوني بلال قاسم

لقد أدرك سمو الأمير المؤسس عبد الله الأول بن الحسين، أهمية بناء القدرات العسكرية لإمارة شرق الأردن، نظراً للظروف العسكرية والسياسية التي تمر بها المنطقة، ولعدم توفر الإمكانيات المادية والقوى البشرية المؤهلة، تم إيلاء القوات المسلحة البرية الأولوية، لكن لا يعني ذلك تأخر تشكيل نواة السلاح الجوي كثيراً، فلقد حتمت الظروف المحيطة، أن تضطلع الأردن بمهام، وتواجه أعباء تفوق حجمها وقدراتها، حيث كانت البلاد العربية تقع تحت هيمنة القوى الاستعمارية الغربية، وإدارة دول الانتداب، ومن هذه الدول بريطانيا التي انتدبت على فلسطين والأردن والعراق.

وقد عملت بريطانيا على إقامة قاعدة جوية في الأردن عام 1931، وكان لهذه القاعدة دور في إدارك أهمية هذا السلاح الحديث للأردن، حيث قامت الأردن بتأسيس نواة لهذا السلاح عام 1950، كانت بمثابة ذراع جوية أردنية، كانت تسمى ( الفيلق الجوي العربي ) وتم تدريب طيارين أردنيين في بريطانيا، التي اعتبرت الأفضل عالمياً في تلك المرحلة في هذا المجال، وقد ظهرت مساهمة سلاح الجو الناشئ لأول مرة، خلال تفوقه بمعركة البحر الميت عام 1964، على الطيران الإسرائيلي الحديث وصاحب الخبرة، وأيضاً في مواجهات معركة السموع 1966، وحرب حزيران 1967.

يعد اللواء عوني بلال قاسم، من أبرز ضباط وقادة سلاح الجو، وهو من رجالات العشائر الشركسية، التي لعبت دوراً مؤثراً خلال مراحل تأسيس الدولة المختلفة، حيث أضافوا غنى عميقاً في التركيبة الديموغرافية للأردن، واسهم وجودهم في توسيع أفق التنوع الثقافي، وقدموا منذ انخراطهم في النسيج الوطني الاجتماعي، رجالات تميزوا بالولاء والإخلاص، والقدرة على القيام بالمهام الصعبة في أحلك الظروف، وأقصي المواقف. ينتمي عوني بلال إلى عشيرة ( قالة ) أو( غالة ) الشركسية، التي كانت تتميز بما تميز به الشركس عبر تاريخهم الطويل بالفروسية والشجاعة، حيث انخرط عدد كبير من أبناء العشائر الشركسية، في القوات المسلحة الأردنية، وفي مختلف التشكيلات البرية والجوية، فقدموا ولا زالوا يقدمون الجنود والضباط والقادة والشهداء الأبرار.

ولد اللواء عوني بلال قاسم قالة في عام 1945، وقد زاملت ولادته مرحلة الاستقلال، والتي تحولت بعدها إمارة شرق الأردن إلى المملكة الأردنية الهاشمية، حيث بدأت مرحلة جديدة من مسيرة الأردن في تكريس الدولة والنهوض بالتنمية في كل الميادين. نشأ عوني بلال في مسقط رأسه مدينة عمان، التي كانت تشهد حراكاً بشرياً لافتاً، اقتران بالأحداث السياسية الكبرى في المنطقة، وتربى على أخلاق الفرسان، التي توارثها الشركس جيلاً بعد جيل، فكان منذ صغره شجاعاً وكريم النفس، محباً لوطنه ومخلصاً لقيادته، وقد التحق بالمدرسة في عمان ودرس المرحلة الابتدائية، ومن ثم درس المرحلة الثانوية، حتى نال شهادة الثانوية العامة من مدرسة رغدان الثانوية، وكان من بين الطلبة المتفوقين، حسب مستوى التحصيل الدراسي في تلك المرحلة، وقد أهلته هذا الشهادة للحصول على وظيفة جيدة، حيث قام بعدد من الأعمال.

تعلق عوني بلال منذ صغره بالمغامرة، ولا شك وراودته أحلام الطيران في سماء الوطن، وكان له أن حقق هذه الأمنية، عام 1964 عندما التحق بسلاح الأردني الفتي، حيث دخل هذا السلاح كتلميذ مرشح، وبعد ذلك أرسل في بعثة إلى بريطانيا، وبذلك نال تدريب عالٍ على الطيران، في سلاح الجو الملكي البريطاني، وبعد أن أنهى بعثته التدريبية بتفوق، عاد إلى الوطن ليصبح ملازم طيار، وكان ذلك عام 1966 وقد تميز كطيار صاحب مهارات قتالية متميزة، وكضابط عرف بعسكريته المنضبطة، وأفكاره الإدارية التي أكسبته ثقة قادته، ومكنته من التقدم بشكل مضطرد، وخلال فترة ليست بالطويلة، أصبح عوني بلال قائد سرب، في مرحلة تميزت بالمواجهات المباشرة مع سلاح الجو الإسرائيلي، فكان كغيره من صقور سلاح الجو الأردني، شجاعاً لا يخشى المواجهات غير المتكافئة تقنياً، متجاوزاً بمهاراته تفوق الطائرات الإسرائيلية الحديثة.

بعد نجاحه كقائد سرب مقاتل، أصبح قائد قاعدة جوية، حيث توسعت صلاحياته، وقد أولى تطوير قاعدته العسكرية جل عنايته، كما ركز على ضرورة حصول الطيارين على تدريب مستمر، يرتقي بمستواهم المهاري، ويساعدهم على تطوير قدراتهم، من خلال اطلاعهم على احدث الأساليب والأسلحة الجديدة في هذا المجال، وقد انعكست جهوده في تطوير سلاح الجو الأردني بشكل عام، حيث تم تعيينه بعد هذه المرحلة مديراً للعمليات الجوية، وهذا الموقع وسع صلاحياته في مجال تحسين وتطوير قدرات سلاح الجو، الذي أصبح رغم قلة عدد الطائرات وقدمها نسبياً، من أقوى أسلحة الجو في المنطقة، بسبب مهارة الطيارين، والخبرات الكبيرة التي اكتسبوها، خلال المواجهات المباشرة وشبه اليومية، في عقد الستينيات من القرن الماضي، مع سلاح الجو الإسرائيلي الأكثر تطوراً في المنطقة.

أصبح عوني بلال قاسم ملحقاً عسكرياً، في السفارة الأردنية في باريس، حيث ركز على تمتين العلاقات العسكرية بين الأردن وفرنساً، خاصة في مجال الطيران، وعندما أنهى عمله كملحق عسكري، عاد إلى الأردن حيث أسند إليه منصب المفتش العام لسلاح الجو الأردني، وقد عرف عنه عنايته بأدق التفاصيل، وجديته في سعيه لتطوير قدرات هذا السلاح الحديث، صاحب الأثر الحاسم في معارك العصر التقني، وقد تدرج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة لواء.

تم تعيينه بعد ذلك مساعداً لرئيس أركان سلاح الجو الأردني للعمليات والدفاع الجوي. ويؤكد كل من عمل برفقته على ما تمتع به من جدية كبيرة، وتواضع عميق، حيث كان رغم تميزه بالانضباط العسكري الحازم، طيباً وقريباً من رفاقه في السلاح، يعامل الجميع بالإنصاف وبأخلاق الفرسان، وهذا جعله مقرباً ومحبوباً من الجنود والضباط والقادة، فكان دائماً محط الثقة ومعقد الأمل، ومؤهلاً بخبراته وتفانيه وقدراته للقيام بمهام أي منصب عسكري بكفاءة عالية، جعلته موضع الإعجاب والتقدير.

أصبح اللواء عوني بلال قائداً لسلاح الجو الأردني ( رئيساً لأركان سلاح الجو ) وكان ذلك في الخامس من كانون الأول عام 1993، فيكون قد توج خدمته العسكرية المتميزة، بوصوله إلى هذا المنصب الرفيع، الذي مكنه من مواصلة جهوده في الارتقاء بإمكانيات سلاح الجو، وجعله في طليعة الأسلحة المماثلة في المنطقة. وقد نال خلال خدمته العسكرية درجة الماجستير في العلوم العسكرية.

نظراً لما تمتع به من قدرات قيادية متميزة، وللجهود الكبيرة التي بذلها منذ انضمامه لسلاح الجو، منح اللواء عوني بلال قاسم وسام الاستحقاق، وكذلك منح وسام الاستقلال، ووسام الكوكب الأردني، ووسام النهضة، غير أن العمر لم يطل بهذا الصقر الأردني، حيث فارقنا باكراً، فخلال وجوده في مدينة واشنطن في زيارة رسمية، وهو ينهض بأعباء منصبه الجديد رئيساً لأركان سلاح الجو، تعرض لنوبة قلبية مفاجئة، أدت إلى وفاته في واشنطن، في الثامن والعشرين من كانون الثاني عام 1994، وقد كانت وفاته فاجعة تركت في النفوس حزنا عميقا وغصة كبيرة، فهو فقيد وطن، وخسارة لقائد خبير. وقد نعاه جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال إلى الشعب الأردني، وأمر جلالته بدفنه في المقابر الملكية، حيث شيع جثمانه بعد وصوله إلى عمان رجالات الأردن عسكريين ومدنيين، وبقي اسم اللواء عوني بلال قاسم قاله في التاريخ العسكري الأردني، مدون في سجلات الوفاء والفخار، بماء الذهب كأحد أبطال الجيش العربي الأردني، سياج هذا الوطن العزيز.

الموسيقار عامر ماضي

|0 التعليقات
عامر ماضي

كانت الموسيقى لغته الأولى، والفضاء الرحب، الذي حلقت فيه أحلامه، منذ حط برأسه على حكايات عمّان العتيقة، ولم تتوقف برحيله المفجع، الذي أخذه من بيننا على حين غرة.

يعد الفنان الموسيقي عامر ماضي، ركيزة أساسية في بناء الحركة الموسيقية الأردنية، حيث تخرج على يديه عدد كبير من الفنانين المحليين، من عازفين ومطربين، وقد انتشرت هذه المواهب، المدربة أكاديمياً وعملياً، في أرجاء الوطن العربي، ليسهموا في النهضة الفنية عربياً، ولم يقتصر جهده في التدريس والتلحين، بل عمل على تأسيس الفرق الموسيقية المحترفة، والتي غطت النقص الكبير، والتي ضمت عازفين أكاديميين، ومواهب حقيقية في الموسيقى والغناء.

ينتسب عامر إلى أسرة ماضي التي سكنت مدينة العقبة، حيث تمتع جده بمكانة عشائرية نافذة، فقد ذاعت شهرته كقاضٍ عشائري عدل وعدول، وتميزت أحكامه بتحريها العدل، مما منحه قدرة على تنفيذ هذه الأحكام، نظراً لمكانته، وثقة الناس به، وقد ولد والد عامر ماضي في مفتتح القرن الماضي، وعمل مع الجيش الإنجليزي مأمور إشارة، ليكتسب الخبرة اللازمة، التي مكنته من العمل في البريد الأردني في بدايات مرحلة التأسيس، وكان ينقل الرسائل الخاصة بسمو الأمير عبد الله الأول ابن الحسين، مما جعله مقرباً من سمو الأمير، فعندما أحب فتاة شركسية، وحالت الظروف الاجتماعية دون زوجهما، أخذها إلى الديوان الأميري، وهي طريقة في الزواج متبعة لدى الشركس، فعمل الأمير على تزويجهما، بل كان أحد الشهود على هذا الزواج، حرصاً منه على إنجاح هذا الرباط بينهما، وكان ذلك عام 1939، وعرف والده بقدرته بالعزف على العود، ووالدته تعلمت العزف على الأكورديون، وهي الآلة التي يستخدمها الشركس في رقصاتهم التراثية.

ولد عامر ماضي عام 1953، في عمان العامرة بالحياة والنشاط، وقد حظي بأجواء العائلة المنفتحة، التي كان للموسيقى فيها حضورها البهي، رغم النظرة الاجتماعية في تلك المرحلة، غير المشجعة لمثل هذه الأنشطة، خاصة للرجال، فرغم نشأته في بيت موسيقي، إلا أن توجهه للعزف واحتراف الموسيقى، لم يكن سهلاً أو مرحبا به، حتى داخل بيت العائلة، لكن عندما بدأ شقيقه مالك بالعزف على العود، فتح لموهبته طريقاً لم تكن سهلة في يوم من الأيام، وقد أثر به المكان العماني بدرجة كبيرة، حيث سكنت العائلة في جبل القلعة حي القيسية، ومن ثم سكنوا في جبل الحسين، قبل أن ينتقلوا إلى جبل التاج، ثم استقرت العائلة في شارع الهاشمي، على مقربة من المدرج الروماني، وقد سهل عليه ذلك متابعة الحفلات الموسيقية، التي كانت تقام على المدرج بين فترة وأخرى، ولا شيك أنه نهل من تربيته البيتية، ما أسهم في بناء موهبته وصقلها منذ صغره، فقد كان يستمع بعمق لعزف شقيقه مالك، ومن ثم يوضح له بعض الأخطاء التي وقع فيها، من خلال فطرته الموسيقية، وقد مكنته هذه الفطرة، من قيادته نحو الحرفية العالية التي وصل إليها. ( صخر حتر بتصرف )

بدأ عامر ماضي مسيرته الاحترافية في مجال الموسيقى، عندما أنتظم في دراسة العود عام 1968، على يد الأستاذ عبد الكريم عوض، في المركز الوطني الواقع بالقرب من سينما عمان، ويعطي دورات في موضوعات مختلفة، أما خطواته العملية في مجال الدراسة الأكاديمية للموسيقى، فقد أخذت مسارها الحقيقي، عندما التحق بالمعهد الموسيقي الأردني 1972، وفي هذه المعهد غير عامر ماضي اختصاصه بآلة العود، والتي أتقنها على يد عبد الكريم عوض، واختص بآلة التشيللو، وكان معلمه على هذه الآلة الأستاذ يوسف نصرة، وقد دفعته هذه المرحلة للتفكير بدراسة الموسيقى على مستوى أكثر احترافاً، فسافر مع شقيقه مالك إلى القاهرة، حيث التحقا بالمعهد العالي للموسيقى العربية، وقد حصل على الثانوية الموسيقية، ولم يكتف عامر بهذه الشهادة، بل قرر مواصلة الدراسة الجامعية، لذا نال شهادة البكالوريوس بعد أربع سنوات دراسة، اختصاص خلالها بآلة التشيللو، وبتقدير ممتاز، وكان تخرجه عام 1979، وخلال وجوده في مصر للدراسة، أرتبط بعدد من كبار الموسيقيين المصريين، وقد استمرت هذه العلاقة المثمرة حتى وفاته.

برزت موهبة عامر ماضي في التلحين في عمر مبكرة نسبياً، لكنها ترسخت بشكل مميز بعد دراسته الأكاديمية، وقد جمع بين الممارسة العملية والدراسة الأكاديمية، لذا كان يعمل في الإذاعة الأردنية، خلال العطل الصيفية، حيث لحن عدداً كبيراً من الأغاني، التي ظهرت بأصوات أشهر مطربي تلك الفترة، من أمثال: إسماعيل خضر، فهد النجار، صبري محمود، سهام الصفدي وفؤاد حجازي، وقد عمل بعد احترافه للموسيقى، على تشكيل فرق فنية، لعبت دوراً بارزاً مؤثراً في تنشيط الحركة الفنية الموسيقية في الأردن، ومن هذه الفرق، فرقة أوتار عمان، وكان من مؤسسي رابطة الموسيقيين الأردنيين عام 1980، وقد تمخض عنها فرقة النغم العربي، وفرقة خماسي الرابطة، وأوركسترا الصغار.

عمل عامر ماضي بعد تخرجه في القاهر، في الإذاعة الأردنية، بالقسم الموسيقي، غير أنه لم يستمر أكثر من عام وشهرين، فلقد غلبته روح الفنان، الذي يتمرد على رتابة الوظيفة، لذا استقال من الإذاعة، ودخل شريكاً مع صالح السقاف في مؤسسة « أضواء الفن « للإنتاج الفني، وقدم أعمالا موسيقية درامية للمسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، للكبار والصغار. وكان له نشاط نقابي واضح، فقد عمل على تأسيس رابطة الموسيقيين الأردنيين، ونظراً للمكانة الفنية التي تمتع بها، وللمحبة الصادقة التي حظي بها، ترأس رابطة الموسيقيين منذ تأسيسها عام 1980، لمدة ست دورات متتالية، وقد تمكن خلال قيادته هذه الرابطة، من تحقيق مكاسب فنية ونقابية للموسيقيين الأردنيين، ووحد جهودهم للارتقاء بالمستوى الفني، ورعاية المواهب الجديدة، ودعمها من أجل رفد الساحة المحلية بأجيال جديدة من الموسيقيين الأردنيين.

لقد حقق   ماضي جزءاً كبيراً من أحلامه، عندما أسس فرقة النغم العربي، وهي أول فرقة موسيقية غنائية، تعنى بالتراث الموسيقي، ولقيت هذه الفرقة نجاحاً ملحوظاً، منذ المهرجان الموسيقي الأول للرابطة عام 1982، وقد عمل بالتعاون مع زملائه، على تأسيس أوركسترا الأردن السيمفونية، بعد أن كانت حلماً بعيد المنال، وكانت ثمرة للتشارك بين رابطة الموسيقيين وقسم الموسيقى في جامعة اليرموك، حيث تكون جيل من الموسيقيين الأكاديميين الشباب، فقد ضمت الأوركسترا ما يزيد عن عشرين عازفاً، أما أوركسترا الصغار، فقد تشكلت من مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات إلى 16 سنة، لخلق أجيال جديدة من الموسيقيين الشباب، الذين يعول عليهم مستقبل الموسيقى في الأردن.

أسس عامر ماضي في مؤسسة أضواء الفن، فرعاً تربوياً، أطلق عليه اسم ( مركز دار الفن ) وكان لهذا الفرع نشاط موسيقي درامي، ارتبط إلى حد بعيد بالمسرح الأردني، بعد ذلك أطلق على هذا الفرع اسم ( مسرح الفوانيس ) وأصبح يضم كل من المسرحي خالد الطريفي، والمسرحي نادر عمران، والموسيقي عامر ماضي، وبادر أيضاً إلى تأسيس فرقة فوانيس للصغار على غرار الأوركسترا الأردنية، وقدمت هذه الفرقة مسرحيات للصغار، كان الدور الرئيسي فيها للصغار أنفسهم.

كان الفنان عامر ماضي، أبرز الناشطين على الساحة الفنية الأردنية في عصرها الذهبي، وكان صاحب رسالة سامية،  لم يهدف من ورائها إلى مكاسب مادية، لقد كان فناناً أصيلاً بكل ما للكلمة من معنى، وكان مجدداً بوعي عميق، بالموروث الموسيقي العربي، وقد تتلمذ على يديه عدداً كبيراً من خيرة الموسيقيين الأردنيين، الذين حملوا راية الفن إلى آفاق المستقبل المشرق. لقد غادرنا عامر ماضي وهو في ذروة عطائه، حيث غيبه الموت المفاجئ من بيننا، فقد توفي في السادس عشر من شهر كانون الثاني عام 2009، وما زال مكانه شاغراً يؤكد على المساحة الكبيرة التي احتلها في الحركة الفنية الأردنية، وما زالت القلوب تجدد حبها له، فقد خلد اسمه بفنه الباقي، ومن خلال الأجيال التي أثر بها، ووضعها على سكة الإنجاز المتميز.

حماد أبو جاموس الدعجة

|1 التعليقات
حماد أبو جاموس

كانت منطقة المحطة ورغدان ومحيط سقف السيل، بالإضافة لماركا، الدعامات الرئيسية التي شيدت عليها ركائز عاصمة الأردن الحديث، فقد كان حماد أبو جاموس ابن هذه الأرض، حمل لون ترابها، وسعى مع الرواد والأحفاد لبناء مستقبلها المدهش.

اجتهد بصفته  طالبا للعلم المجد، والعسكري المحترف، الذي نافح عن الأرض والإنسان، وخاض أشرس المعارك ضد جيش الاحتلال في فلسطين، وعلى أسوار القدس، وعندما تحمل أعباء المناصب المدنية، كان محط الثقة وموضع الأمل، حيث عرف بالجدية في العمل، وبخلقه الرفيع، مواقفه المدروسة.

ينتمي حماد إلى عشيرة أبو جاموس إحدى عشائر الدعجة، ويعد والده من أبرز شيوخها، فهو من كبار ملاكي الأراضي، لكن هذا الواقع لم يمنحه طفولة مختلفة ومريحة، فقد كان جميع أفراد العائلة يعملون في الزراعة، لذا عمل حماد في الزراعة كغيره من أبناء عمومته. 

فقد ولد حماد أبو جاموس عام 1936 في ماركا الشمالية، ولم تكن في منطقته مدرسة رسمية، فالتحق مع مجموعة من أبناء هذه النواحي بالكتّاب.

كان عليه قطع المسافة بين ماركا الشمالية والجنوبية مشياً على الأقدام، لمسافة تصل إلى ستة كيلومترات، ليتلقى المعارف الأساسية في هذا الكتّاب، كالقراءة والكتابة والحساب والقرآن الكريم، ويقوم بالتدريس إمام المسجد في الحي، في حين تلقى علومه الحياتية من خلال مضافة والده، التي يجتمع فيها رجال العشيرة، للتباحث في شؤونهم، وحل كثير من مشاكلهم وقضاياهم .

أكسبه العمل بيده في الزراعة منذ نعومة أظفاره، حب الأرض وإدراك قيمتها التي لا تقدر بثمن، كما كان لهذه المرحلة المبكرة دور في قدرته على مواجهة الحياة، لذا علمته الاعتماد على النفس، والقدرة على تقبل الظروف الصعبة، وتحويلها إلى منجز متميز.

بعد افتتاح أول مدرسة حكومية في منطقة شرق عمان، وهي مدرسة الفتح الثانوية في المحطة، التحق حماد بهذه المدرسة، حيث تم قبوله في الصف الثاني، وكان دائماً ينال المركز الأول في التحصيل الدراسي، وقد أمضى في مدرسة الفتح سبع سنوات، حيث حولت بعد ذلك إلى مدرسة عسكرية، تابعة للجيش العربي الأردني، وقد تم اختيار الطلبة الأوائل في المدرسة ليلتحقوا بالجيش، وكان حماد أبو جاموس من بينهم، غير أن مدرسه للغة الإنجليزية، الأستاذ عبد الكريم الشيخ، عارض دخول حماد الجيش كضابط بهذه السن، وذلك نظراً لتميزه في الدراسة، خاصة في اللغة الإنجليزية، فقد كان يدرس شكسبير وميلتون وعدداً من الشعراء والأدباء الإنجليز، وهو لم يزل في الصف السادس الابتدائي، حيث كان يعطيه المعلم دروساً إضافية على ضوء السراج في البيت، وقد تمكن وهو في هذه السن، من ترجمة بعض النصوص من الإنجليزية إلى العربية وبالعكس ببراعة كبيرة، وتمكن أستاذه من إقناع أهله بنقله إلى الكلية العلمية الإسلامية، المدرسة الأهلية الأبرز في تلك المرحلة، فكان له ذلك، وقد درس فيها حتى نال شهادة المترك – الثانوية العامة – عام 1958، وقد نال هذه الشهادة بتفوق ملحوظ.

بعد حصوله على الثانوية العامة، كانت لديه رغبة كبيرة لدراسة الهندسة الميكانيكية، وقد أعد العدة من أجل السفر إلى أمريكا من لهذه الغاية، لكن الجيش العربي الأردني، كان بحاجة ماسة إلى مجموعة من الشباب الأردني المؤهل، فعرضوا عليه بعثة دراسية لدراسة الطب في بريطانيا، فقبل هذا العرض لكنه لم يرغب في دراسة الطب، لذا رفض هذا التخصص، وقرر دراسة الهندسة الميكانيكية في بريطانيا، فسافر إلى بريطانيا والتحق بكلية « تشيلسي « في لندن، وبقي فيها حتى العام 1961، حيث تخرج في الكلية حاصلاً على الدبلوم في الهندسة الميكانيكية، وقد زامل خلال دراسته في لندن كلا من: طلال الفايز وناظم خير وبشارة قعوار وهاشم الطراونة وزهير قاقيش، وكذلك الفنان نبيل صوالحة، الذي ترك هندسة الطيران، وقرر دراسة التمثيل، وخلال هذه الفترة، تعرف حماد أبو جاموس على زوجته الاسكتلندية، فخطبها ومن ثم تزوجها بعد أن أنهى دراسته، وقد أنجب منها بنتين: سلوى وهو مهندسة ميكانيكية، ورندا وهي حقوقية تعيش في ألمانيا، أما أبنه أمجد فهو مهندس ميكانيكي، عمل مع والده في تسيير أعمالهم الخاصة.

عاد أبو جاموس إلى الجيش بعد دراسته في بريطانيا، ومنح رتبة ملازم، وقد بعث في دورات عليا، منها دورة في الإدارة العليا في كلية العلوم البريطانية، ودورات متوسطة وطويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الجيش اختير للعمل الإداري في القيادة العامة، لكنه رفض وفضل العمل بتخصصه ميدانياً، فخدم في المشاغل العسكرية المركزية في الزرقاء، والتي أصبحت في ما بعد مشاغل الأمير فيصل الرئيسية، وخلال عمله رئيساً لفريق عمل، قام فريقه بتجميع أول سيارة مميزة، قدمت كهدية لسمو الأمير فيصل، بمناسبة عيد ميلاده، بحضور جلالة المغفور له الحسين بن طلال وجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، الذي كان أميراً حينها، وقد كان حماد ضابط سير عمل وإنتاج، ومسؤولاً عن أقسام الميكانيك.

نقل حماد أبو جاموس إلى الجبهة الشرقية، فعمل ركناً فنياً للجبهة الشرقية، التي كان قائدها الشريف ناصر بن جميل، وقد عرضت على أبو جاموس مناصب كثيرة، لكنه اختار الخدمة في الضفة الغربية، حيث عين قائداً لمشاغل الميدان الثاني، في منطقة أريحا لمساندة القدس، وقد سكن هناك حتى قيام حرب حزيران عام 1967، وقد شارك في هذه الحرب، حيث قصف الجيش الإسرائيلي، مقر قيادته في منطقة النبي موسى، وكاد أن يستشهد، عندما دمر مقره بالكامل بالنابالم، فقد استشهد عدد من الضباط والجنود، غير أن وجوده في المقر البديل أنقذ حياته، وقد حاول صد الطائرات الإسرائيلية بالأسلحة المتوفرة، حتى بالمسدسات، لكن عدم توفر غطاء جوي مصري، كما كان مقرراً في القيادة العربية المشتركة، كشف الدبابات والمدرعات الأردنية، وأصبحت صيداً للطائرات الإسرائيلية، فدمر معظمها، مما أسهم في سقوط الضفة الغربية.

شارك حماد أبو جاموس في المعارك التي خاضها الجيش بعد حرب 1967، منها معركة الكرامة وحرب عام 1973، وقد نال عدداً من الأوسمة نظير شجاعته وإقدامه، ولتميز خدمته العسكرية، في كل المواقع التي خدم فيها، حيث نال وسام الاستقلال ووسام الكرامة، وكذلك وسام الاستحقاق العسكري، وقد أحيل على التقاعد عام 1984، وكان وقتها في سلاح الصيانة الملكي، وقد تميزت خدمته العسكرية بالحرفية العالية، وترك أثراً طيباً بين الجنود والضباط الذين عرفوه أو خدموا معه، فقد كان متواضعاً ومقرباً من الجميع، وقد مكنته خبراتها الواسعة، التي امتلكها من خلال دراسته وخدمته الغنية في القوات المسلحة الأردنية، من التوجه إلى الحياة المدنية، مسلحاً بأسباب النجاح والتميز.

قام حماد أبو جاموس بتأسيس شركة هندسية خاصة بالكهرباء والميكانيك، بعد ذلك تم تعيينه في مجلس أمانة العاصمة، وكان فاعلاً في معظم اللجان المهمة فيها، وقد خاض الانتخابات النيابية، وفاز بها عام 1993، وكرس نفسه لخدمة أبناء منطقته، والارتقاء بأداء مجلس النواب، في التشريع والرقابة، وقد كان نجاحه في الانتخابات كبيراً ولافتاً، حيث نال ما يشبه الإجماع من قبل سكان دائرته كاملة، وعندما كلف دولة عبد الكريم الكباريتي بتشكيل الحكومة، أسندت لأبو جاموس وزارة التنمية الاجتماعية، وهو عضو في مجلس النواب، وقد حالت ظروف محلية وإقليمية، دون استمرار الحكومة في عملها، وقد تم اختياره عضواً في مجلس الأعيان، تقديراً لخدماته الكبيرة وخبراته المتعددة.

زرع أثره الطيب في النفوس والأماكن، منذ كان طالباً في مدرسة الفتح، مروراً بدراسته في الغرب، وحتى أصبح عميد هندسة، وقائداً ومديراً للكلية الفنية، وعدة وحدات فنية أخرى ورئيس معلمين، كان مثال رجل الدولة المنتمي لوطنه وقيادته، ومقرباً من الناس. عرف بكرمه ونظافة يده. وقد أصيب بنوبة قلبية حادة، أدت إلى وفاته يوم السبت في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 2008، عن عمر ناهز الاثنين وسبعين عاماً، لكنه رغم غيابه المفاجئ، ترك عملاً صالحاً وذكراً طيباً، لا ينقطعا أبد الدهر. 

أرسلان رمضان بكج

|0 التعليقات
أرسلان بكج

كان متقد الذكاء منذ صغره، صاحب إحساس رقيق، قاده إلى عوالم من الفكر والبحث والإبداع، وتمكن بفضل جهوده الاستثنائية وأفكاره الخلاقة، من ترك إرث متنوع وفريد، مبني على حب الأرض الأردنية، والولاء الحقيقي لتاريخها وعمق حضارتها، وتقديره لدور قيادتها في بنائها والذود عنها، لتكون أنموذجاً فريداً ومؤثراً في المنطقة والعالم، فكان أرسلان رمضان واحداً من الرجال الذين تركوا بصمة خاصة بهم، وأبوا أن يغادروا هذه الدنيا دون أن يكون لهم فيها ما يبقى يذكر بهم جيلاً بعد جيل، فقد قاسى في حياته ظروفاً صعبة، وعاصر خلال مسيرته العملية أحداثاً جساماً، تعرضت لها المنطقة بشكل عام والأردن بشكل خاص، وقد أسهمت هذه الأحداث والتحولات في ربطه ببلده برابط المحبة والكرامة والعشق، فأنطلق في مشروعه في الإبداع والبحث، وفي الخدمة العسكرية من إدراكه لواجباته المختلفة، وأن الرجال الكبار مناط بهم المهام العظيمة، والقدوة الحسنة التي تسهم في البناء والتربية.

يعود أرسلان رمضان بكج بنسبه إلى إحدى العشائر الشركسية الأردنية، التي قدمت إلى البلاد في أعقاب احتلال الروس لأرض أجدادهم في القفقاس الشمالية الغربية، فقد احتلت روسيا القيصرية بلاد الشركس المسلمين، في حدود عام 1846 مما اضطر الشراكسة إلى ترك بلادهم، والهجرة في الديار الإسلامية للحفاظ على دينهم، وقد وصلت عشائر منهم واستقرت في عدد من المدن الأردنية، ومن أبرزها مدينة عمّان حيث سمي حي المهاجرين العريق باسمهم، وقد انصهروا في المجتمع الأردني، حتى أصبحوا من أهم مكونات هذا المجتمع، وأحد عوامل قوته ومنعته، فتمكن أرسلان من استلهام كل هذه العوامل والأحداث، وحولها إلى عشق وانتماء عميق لأمته ووطنه وأهله.

ويعد الفنان والباحث أرسلان رمضان عمّاني بكل ما في الكلمة من معنى، فقد ولد فيها عام 1934، ونشأ في كنف والده رمضان مامقة بكج، حيث تمتع برعايته والده فهو أبنه البكر، حيث كانت تسكن العائلة في حي المهاجرين في عمان، وقد عاش أرسلان سنواته الأولى بهدوء وسهولة، لكن لم تمهله الأقدار طويلاً، فما أن بلغ السادسة من عمره، حتى فجع بموت والده، فأصبح طفلاً يتيماً فجأة، ولا شك أن هذه الحادثة قد تركت أثرها العميق في نفسه، وهو في تلك العمر الصغيرة، ولم يخفف عنه وجع الفقد، غير رعاية والدته له ولإخوته، وخلال هذه الفترة التحق بمداس عمان، من أجل تحصيل العلم والمعرفة، وكان قد تشرب تفاصيل مدينة عمان، التي أخذت بالتوسع بشكل متسارع، وهذا جعل منها مدينة حية وضاجة بالحياة، بعد أن تحولت إلى مدينة جاذبة، وواعدة بمستقبل جاء كما خطط له.

بعد دراسته الصفوف الأولى في مدارس عمان، أتيحت له الفرص للانتقال إلى مدينة نابلس، وهناك التحق بمدرسة النجاح، من أجل إكمال دراسته فيها، وقد منحته هذه التجربة فرصة الاعتماد على نفسه أكثر، والاشتباك مع محيط جديد، وأن يتعرف على أصدقاء جدد، وعندما أنهى الصف السادس الابتدائي، لم يتمكن من إكمال دراسته لعدة ظروف، مما اضطره لمغادرة المدرسة، والاستعداد لخوض غمار الحياة العملية، بكل ما تحمل من مصاعب ومعاناة، خاصة وهو يدخلها صغيراً، ولكن بفكر متقد وطموحات كبيرة، وقد تمكن من تحقيق الخطوة الأولى من أحلامه، عندما قرر الالتحاق بالجيش العربي – القوات المسلحة الأردنية – في فترة بالغة الدقة سياسياً وعسكرياً في المنطقة، فقد أنضم إلى صفوف الجيش الأردني عام 1948، والجيش يخوض معارك حامية الوطيس مع القوات الإسرائيلية، في حرب الإنقاذ في فلسطين، ويبين أن انخراطه في هذا التوقيت في القوات المسلحة، عمق الانتماء والولاء للوطن والقضايا العربية، واستعداده للتضحية بروحه من أجل ما يؤمن به، فكان له شرف خوض عدد من معارك الجيش في فلسطين، وقد أدخلته هذه الحرب وما جرته على المنطقة برمتها من ويلات، في خضم المرحلة الحارة، فاكتوى بنارها وتوجع من نواتجها، التي لم تتوقف حتى يومنا هذا.

بعد تلك المرحلة انتقل أرسلان رمضان مامقة بكج، للخدمة في صفوف الحرس الملكي الخاص، في الديوان الملكي الهاشمي العامر، وقد أهله ما تمتع به من بنية جسدية مثالية، وحسن سيرته وانضباطه، بالإضافة لذكائه وشجاعته، لأن يكون ضمن تشكيلات الحرس الملكي الخاص، وكان بفضل ذلك قريباً من جلالة المغفور له الحسين بن طلال، وكان واحداً من ضباط الحرس الخاص المميزين، فبالإضافة لحرفيته العالية كعسكري محنك، كان متواضعاً وبسيطاً ومقرباً من رفاقه من مختلف الرتب العسكرية، وله مكانة بين أصدقائه وكل من عرفه، لصدقه وآمنته، ومحبته للحياة والفرح، وهو المعروف بجديته وبحثه الدائم عن الجديد المبدع، وخلال عمله في الحرس الملكي، رافق عدداً من الشخصيات العالمية في جولات سياحية وبحثية في ربوع الأردن، وقد فتح ذلك عينه على الكنز الكبير الذي تخبئه الأرض الأردنية، وقد أكتسب أساليب البحث العلمي والميداني، من خلال مرافقته لكتاب وفنانين وباحثين غربيين.

لم يتجاوز أرسلان رمضان الصف السادس الابتدائي، إلا أنه تمكن بفضل ذكائه وعمله على نفسه واجتهاده، من تحقيق مكانة في الكتابة والبحث والتصوير والتصميم والرسم، لم يبلغها كثير من الأكاديميين والمختصين، وهذا دليل على أصالة موهبته، ومقدرته على تطوير نفسه، وتوظيف التقنيات الحديثة، في عمله الفني والبحثي. فبعد خدمة ثمانية عشر عاماً في الحرس الملكي، أحيل على التقاعد بناءً على طلبه الخاص، وكان هذا التقاعد محطة أساسية لكي ينطلق باتجاه تحقيق أحلامه في الفن والكتابة، فقد كان عاشقاً ولهاً للطبيعة الأردنية، ومن هواة الصيد، وقد قاده وعيه إلى ضرورة ضبط هذه الهواية، من أجل المحافظة على البيئة، وما تحتويه من طيور وحيوانات برية، فأسهم في تأسيس « نادي الصيد الملكي « الذي تحول فيما بعد إلى « الجمعية الملكية لحماية الطبيعة « والتي تأخذ على عاتقها حماية الطبيعة بمكوناتها، وتأسيس المحميات الطبيعية، وتنظيم الصيد بما يحفظ الأنواع، ويحمي الحيونات المهددة بالانقراض.

قام أرسلان رمضان بتأليف باكورة أعماله، عندما أنجز كتابه الأول « صور من التراث الأردني الفلسطيني « وقد صدر بثلاث لغات: الإنجليزية، والفرنسية بالإضافة للعربية، ضم صور لشخصيات وأماكن وأحداث، منذ عام 1910، وتبعه بكتاب عمان بين « الأمس واليوم « وصدر بالإنجليزية والعربية، ونال الكتاب درع مدينة عمان، واشتمل الكتاب على مقارنة بين صور قديمة لعمان بأخرى حديثة صورها أرسلان لنفس الأماكن، لتوضيح مدى تطور عمان وازدهارها السريع، أما كتابه « طيور الأردن « والذي صدر عام 1992 بالعربية والإنجليزية، فقد استغرق إنجازه خمس سنوات من التجوال والمراقبة، من أجل التقاط الصور المطلوبة، وتوثيق هذه الطيور، والتعريف بها بشكل علمي ميسر، كما أصدر كتاب آخر بعنوان « طيور في سماء الأردن « هو إصدار خصصه للأطفال عام 1994، وفي عام 2002 أصدر كتابه « عمّان تاريخ وصور « أما كتابه « جلالة الملك المؤسس عبد الله بن الحسين « فقد صدر عام 2004، وصدر كتابه « أعلام ورايات الهاشميين « عام 2006، كما عمل على إنجاز « بوسترات عن الملوك الهاشميين « 2006، وقد نشر كتابه الأخير بعنوان « صور من ذاكرة الأردن « عام 2008، وقد تشرف بإهداء المغفور له الملك الحسين بن طلال، نسخ من كتبه الأولى بشكل مباشر، وحظيت جهوده بتقدير ومباركة المغفور له.

أنجز أرسلان رمضان أكثر من ثلاثمئة من بطاقات المعايدة تضم صور لطبيعة الأردنية، ومارس صيد السمك والرسم، وأهتم باقتناء اللوحات، وجمع الطوابع والكتب النادرة، بالإضافة لحبه للسفر وزيارة المتاحف العالمية، واهتمامه بالتراث الشركسي في الأردن، وأقام عدداً من المعارض الفنية، وقد نال خلال حياته مجموعة من الأوسمة الرفيعة منها: وسام الاستقلال الأردني، وسام الأرز من الجمهورية اللبنانية، وسام من الجمهورية التونسية، وسام من المملكة المغربية، وسام من الجمهورية الإيرانية، ووسام من المملكة الماليزية، بالإضافة إلى درع أمانة عمان، ودرع الجمعية الشركسية. أصيب أرسلان رمضان بمرض السرطان العضال، وعانى في آخر أيامه، حتى توفي في الثالث عشر من كانون الثاني عام 2011، وما زال فقده حاراً وموجعاً، رحمه الله بواسع رحمته.

سليمان ارتيمة العبادي ... من فرسان الوطن الشجعان

|0 التعليقات
معالي السيد سليمان ارتيمة

عام 1971 صدرت الإرادة الملكية بتعيين سليمان ارتيمة عضواً في مجلس الأعيان الأردني، وقد انتخب من قبل أعضاء المجلس ليكون مساعداً لرئيس مجلس الأعيان، وعندما تم تشكيل مجلس الاتحاد الوطني عام 1972 أختير ليكون عضواً فيه، وبسبب صعوبة إجراء الانتخابات النيابية في الضفة الغربية، بعد الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967.

من أجل عدم تعطيل الحياة البرلمانية، تم تشكيل المجلس الوطني الاستشاري عام 1978، ومن جديد تم اختيار عضواً في المجلس الاستشاري، وتمكن من الاحتفاظ بمقعده في هذا المجلس لثلاث دورات متتالية، لما تمتع به من مكانة مرموقة رسمياً وشعبياً، بعد ذلك خاض الانتخابات البرلمانية التكميلية عام 1984 في عمان

يعد الجيش العربي الأردني ؛ المصنع الحقيقي للرجال الشجعان، فقد كان له بصمته الواضحة على رجالات الوطن في مختلف الميادين، الذين سنحت لهم الظروف أن ينهلوا من نبعه في البطولة والإقدام والإيثار، لينطلقوا بعد أن أنجزوا مهمتهم على خير وجه، إلى الحياة المدنية مكملين المسيرة، ومواصلين العمل من أجل الوطن، مهما كان نوع العمل ومستوى المهمة.

 منذ تأسيس الجيش الأردني، بُعيد إعلان قيام الدولة الأردنية عام 1921، على يد الأمير عبد الله الأول ابن الحسين، وهو يواجه ظروفاً محلية وإقليمية وعالمية صعبة وغاية في التعقيد والحساسية، حيث نهضت هذه المؤسسة الوطنية بأعباء كبرى، فاقت حجمه الحقيقي، وتسليحه البسيط في سنواته الأولى، وهذا ما جعل من الجيش الأردني الأكثر احترافاً في المنطقة، بالاعتماد على الطاقات البشرية ونوعية التدريب.

سليمان ارتيمة؛ لم يكن مجرد ضابط عادي، بل كان مميزاً بحرفيته وأدائه، مثقفاً جيد الاطلاع، وعرف بذكائه الحاد، ونظرته الإستراتيجية للواقع الماثل والمستقبل القادم. وينتمي إلى عشائر عباد المنتشرة على رقعة واسعة بين العاصمة عمان والسلط المدينة الناشطة ومحيطهما، حيث انعكست تربيته العشائرية على نشأته القومية العروبية، فقد كان مشغولاً بالقضايا الوطنية والعربية منذ شبابه الباكر، وهذا ما شكل البوصلة التي رسمت نهجه في الحياة العسكرية والمدنية، وجعلت منه شخصية وطنية كبيرة، لعبت دوراً بارزاً ومؤثراً في مختلف المواقع، بالإضافة إلى ما حظي به من حب وتقدير من قبل المسؤولين والأهالي، نظراً لتميزه وتفانيه وعمله من أجل المصلحة الوطنية العليا.

ولد سليمان ارتيمة في عمان عام 1925، عندما كانت الدولة الأردنية تواجه صعوبات مرحلة التأسيس الأولى، وقد تربى بين أفراد أبناء عمومته وعشيرته، ونشأ متشبعاً بحب الأرض وهو الذي جس بخطاه الصغيرة تفاصيل الطرقات والتلال والأراضي الزراعية، قبل أن يتوجه إلى المدرسة، ليبدأ رحلة تلقي العلم التي لم تكن ميسرة تلك الأيام، حيث عانت البلاد من قلة المدارس وندرة المعلمين.

 درس في مدارس عمان، وكان خلال العطل يساعد الأهل في الأعمال الزراعية، كحال أقرانه من طلاب تلك الفترة، ومع هذه الأعباء، فقد عرف عنه اجتهاده وتحصيله الدراسي العالي، لما اتسم به من ذكاء وفطنة وسرعة بديهة. وبعد أن تمكن من إنهاء دراسته الثانوية في عمان، دفعه حسه الوطني ووعيه القومي المبكر، إلى الانتساب للقوات المسلحة الأردنية، التي كانت بحاجة ماسة للشباب الأردني المتعلم والمتحمس للخدمة العسكرية، وقد أثبت خلال أشهر التدريب المرهقة، صلابة عوده والروح القتالية العالية التي ميزته.

خدم سليمان ارتيمة في عدة مواقع عسكرية، وتنقل في أكثر من مكان، وقد عين قائداً لوحدة من الجيش الأردني، تمركزت جنوب مدينة حيفا، وخلال فترة خدمته هذه، تعرف من قرب على ما تتعرض له فلسطين والأمة العربية لمؤامرة كبيرة، ولاحظ بألم شديد الانحياز الكبير والمكشوف من قبل البريطانيين لليهود، ودعهم عسكرياً، بالإضافة لمحاباتهم قانونياً على حساب العرب، وفتح باب الهجرة اليهودية على مصراعيه، وكان شاهداً على انتصار البريطانيين لليهود في المعارك والمناوشات، التي كانت تقع بين العمال العرب والمستوطنين اليهود، وكان هذا الواقع يثير حميته العربية، وهو الفارس الأردني الشجاع، فكان يمد العرب الفلسطينيين بما أمكنه من عتاد وذخيرة.

عندما اندلعت معارك الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، خاض الضابط سليمان ارتيمة إلى جانب زملائه ضباط وجنود الجيش الأردني، عدداً من المعارك الطاحنة والحاسمة مع القوات الإسرائيلية، وسطروا أروع صور البطولة، مثل معارك اللطرون وباب الواد والحي اليهودي وغيرها، أصيب على أرض المعركة، لكن ذلك لم يحل بينه وبين أداء واجبه على أكمل وجه.

 عاد يقاتل ذوداً عن حمى الوطن الغالي، حيث فعل ذلك بأكثر من طريقة، سواء في ميدان المعركة أو في نشاطاته المدنية والسياسية، كان الوطن هاجسه في كل مرحلة من المراحل، وهو ما ميز شخصيته وأفعاله طوال حياته الغنية بالأحداث والمنجزات، التي ارتبطت بعمله المخلص ومكانته الرسمية والاجتماعية.

 ونظراً لشجاعته ودعمه للثوار والمجاهدين الفلسطينيين، استحق عن جدارة وسام حرب فلسطين.

كان الضابط سليمان ارتيمة، ينتظر اليوم الذي يخرج فيه الضباط الإنجليز من الجيش، خاصة القائد الإنجليزي كلوب باشا، وهو ما تحقق على يد جلالة الملك الباني المغفور له الحسين بن طلال، الذي قام بتعريب قيادة الجيش الأردني عام 1956، هنا وجد ارتيمة حلمه يتحقق، وأن عليه المساهمة في تطوير الجيش من خلال تحصيل مزيد من العلوم العسكرية، لذا فقد أرسل للدراسة في كلية الأركان العراقية، وقد تخرج منها عام 1957، ليعود إلى صفوف الجيش العربي الأردني، مسلحاً بالفكر العسكري الحديث، ولم تكن هذه الدورة الأولى التي التحق بها، فطوال خدمته العسكرية شارك بعدد من الدورات المهمة محلياً وخارجياً، خاصة في بريطانيا وألمانيا، حيث درس العلوم العسكرية وتدرب على فنون القتال العصرية، وكان من نتيجة هذه الدورات، أن تمكن من تعلم اللغة الإنجليزية وإتقانها.

نال ارتيمة مناصب عسكرية مختلفة خلال خدمته منها قيادة كتيبة الحسين، وركن أول عمليات، لكنه أحيل على التقاعد عام 1959 مبكراً،ً بعد أحداث ما سمي بحركة الضباط الأحرار، بمحاولة عدد من ضباط الجيش استنساخ حركات في جيوش أخرى وبدعم منها، غير أنه أعيد للخدمة العسكرية بعد فترة، فهوالذي ينحاز دائماً لوطنه حتى في أحلك الظروف، فدخل الأمن العام، وعين مديراً لشرطة مدينة معان، وقد أثبت مقدرة لافتة في مهامه الجديدة، فبعد خدمته في معان، نقل إلى اربد مديراً لشرطتها، وكان من نتائج تميزه في الأمن العام، أن تم تعيينه نائباً لمدير عام الأمن العام، وفي عام 1966 أحيل على التقاعد بعد أن تم ترفيعه إلى رتبة فريق، تقديراً لجهوده وتميزه وخدمته العسكرية في الجيش وجهاز الأمن العام.

بدأ دخوله الحياة المدنية، بعد تقاعده مباشرة، فقد تفرغ لخدمة أهله وأبناء عشيرته، وتواصل مع الشباب، وقد كان أحد مؤسسي نادي ماركا الرياضي، وعرف عنه محبته للأرض والزراعة، لذا كان من أوائل عمل استصلاح الأراضي الزراعية في منطقة الأزرق الغنية بالمياه، فلقد آمن بأن الزراعة الناجحة سلاح آخر لحماية الوطن وصون استقلاله، كما زاد من حراكه الاجتماعي، خاصة في مجال الإصلاح الاجتماعي وإصلاح ذات البين، فتوسعت مكانته بين الناس، فأحاطه الناس بالمحبة والتقدير، وقد لازمه تقدير الناس وحبهم له طوال سنواته حياته وحتى يومنا هذا.

في عام 1971 صدرت الإرادة الملكية بتعيينه عضواً في مجلس الأعيان الأردني، وقد انتخب من قبل أعضاء المجلس ليكون مساعداً لرئيس مجلس الأعيان، وعندما تم تشكيل مجلس الاتحاد الوطني عام 1972 أختير ليكون عضواً فيه، وبسبب صعوبة إجراء الانتخابات النيابية في الضفة الغربية، بعد الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967، ومن أجل عدم تعطيل الحياة البرلمانية، تم تشكيل المجلس الوطني الاستشاري عام 1978، ومن جديد تم اختيار الباشا سليمان ارتيمة عضواً في المجلس الاستشاري، وتمكن من الاحتفاظ بمقعده في هذا المجلس لثلاث دورات متتالية، لما تمتع به من مكانة مرموقة رسمياً وشعبياً، بعد ذلك خاض الانتخابات البرلمانية التكميلية عام 1984 في عمان، غير أن النجاح لم يحالفه هذه المرة، لكنه استمر ينهض بواجباته اتجاه وطنه وناسه بنشاط وهمة كبيرين.

استحق سليمان ارتيمة التقدير والتكريم على أعلا المستويات، ونال عدداً من الأوسمة منها: وسام الكوكب ووسام النهضة ووسام الاستقلال، وتخليداً لذكراه أطلقت أمانة عمان اسمه على أحد شوارع العاصمة في عمان الشرقية. لم يتخل عن دوره في العمل والانجاز، حتى وفاته في الأول من كانون الثاني عام 2000، عن عمر ناهز الخامسة والسبعين عاماً، وبقي في البال بهي الحضور طيب الذكر. 

دولة سعيد باشا المفتي

|0 التعليقات
سعيد باشا المفتي

يعد سعيد المفتي من الشخصيات الأردنية المميزة من الرعيل الأول التي كان لها دور بارز في مجمل الأحداث الهامة في تاريخ الأردن المعاصر ، أو تلك التي تركت بصمات واضحة في شتى ميادين العمل السياسي الأردني ، سواء أكان عضواً في المجلس التشريعي ، أم نائباً في مجلس النواب ، أم وزيراً ، أم رئيساً للوزراء ، أم مواطناً عادياً كزعيم للشركس في الأردن.

ولد في عمان في عام 1898 وهو ينتمي إلى اسرة حبجوقة التي تنتمي بدورها إلى قبيلة القبرطاي ، ولكن لقب "المفتي" أصبح الكنية المعروفة للأسرة ، نسبة إلى جده سعيد الذي كان رجلاً كبيراً في قومه وقاضياً واسع النفوذ في المقاطعات الشركسية من بلاد القوقاز ، يتولى القضاء والإفتاء.

وقد كان مولده بعد وصول الأسرة إلى عمان بسنة واحدة ، حيث كان والده محمد أفندي رجلاً متعلماً ، تولى وظيفة مدير ناحية وقائم مقام في الأردن أيام الدولة العثمانية ، وكان صاحب أملاك وعقارات ، ومن هنا حرص على تعليم ابنائه. وقد تلقى المفتي دراسته الابتدائية في كتاتيب عمان ، ثم تابع دراسته الثانوية في المدرسة السلطانية "مكتب عنبر" بدمشق ، وكان من زملائه فيها صبحي أبو غنيمه ، وخلف التل ، وجلال القطب ، وتوفيق النجداوي ، وفي دمشق تعلم اللغة التركية.

كان المفتي يعتزم إتمام دراسته العليا في استانبول ، إلا أن وفاة والده في عام 1917 اضطرته إلى قطع الدراسة والعودة في العام التالي إلى عمان ، فقد كان كبير اخوته ، وكان لا بد له من تحمل مسؤوليات الأسرة والإشراف على أملاكها ، وقد ظهر توجهه السياسي منذ أيام الدراسة في دمشق ، إذ عثرت إدارة المدرسة على رسالة منه إلى أحد رفاقه ، تحدث فيها عن ظلم الحاكمين وسوء إدارتهم فألقي القبض عليه وبقي ثمانية عشر يوماً رهن التحقيق.

ورث سعيد المفتي عن أبيه مكانة اجتماعية مرموقة بين الشراكسة الذين كانوا يؤلفون معظم سكان بلدة عمان ، وكان لدراسته في دمشق أثر في تعزيز تلك المكانة. بل كان لتلك الدراسة أثر في توجهاته الوطنية والسياسية ، وقد برزت تلك التوجهات في تموز 1920 عندما عقد الملك فيصل عزمه على مقاومة الفرنسيين ، وخرجت النداءات من دمشق تدعو الأهليين إلى مقاومة الأعداء.

ففي تلك الأزمة الخطيرة زحفت قوة من أبناء العشائر بزعامة شيخ البلقاء سلطان العدوان وقوة أخرى من الشراكسة على رأسها ميرزا باشا وسعيد المفتي ، ووصلت القوتان إلى قرية المزيريب "قرب درعا" ، وهناك عرف القوم ما اسفرت عنه معركة ميسلون ، فعادوا أدراجهم. وعلى الرغم من أن سعيد المفتي كان ما يزال في الثانية والعشرين من عمره ، إلا أنه انتخب في آب 1920 ليمثل عمان في مجلس الشورى الذي تألف في فترة الحكومات المحلية ليساعد متصرف السلط في إدارة شؤون قضاء البلقاء ، لم يلبث الأمير عبدالله بن الحسين أن قدم من الحجاز إلى معان في أواخر شهر تشرين الثاني 1920 ، وأعلن أنه جاء ليتولى قيادة حركة المقاومة ضد الفرنسيين.
وسارع الوطنيون والأحرار لتأييد حركة الأمير والالتفاف حوله ، وكان سعيد المفتي في طليعة الذين بادروا إلى إعلان موقفهم المؤيد للحركة ، وقد تحدث المفتي عن تلك الفترة بقوله: بعد انتهاء الدولة الفيصلية عاشت شرقي الأردن في فوضى ، وفي ذلك الجو من الانقسام والحيرة المسيطرة علينا ، أرسلنا برقيات للشريف حسين نطلب منه أن يرسل أحد أنجالة لينقذنا من ذلك الوضع الصعب.

وسمع بطلبنا هذا ضابط بريطاني هو الكابتن برانتون ، الذي كان ينزل مع مفرزة من الجنود البغالة بجوار قلعة عمان ، فدعانا إلى مقره ، وكان من جملة الذين دعاهم واذكرهم الآن سعيد خير وطاهر الجقة ، وهددنا بصورة رسمية بأن لا نتصل بالحجاز مطلقاً" ، ولكننا رفضنا طلبه ولم تُجدً معنا تهديداته ، وفي اليوم التالي قمنا بمظاهرة احتجاج على برانتون ، وكانت النتيجة أنه غادر عمان مع مفرزته عائدين إلى اريحا.

وعند وصول الأمير عبدالله إلى عمان في بداية آذار 1921 ، كان سعيد المفتي في طليعة مستقبليه ومؤيديه ، بل أن الأمير أقام أياماً في منزله ، وقد تحدث معالي الدكتور فيصل الرفوع قائلاً :"اعتقد أن الجاهل لتاريخه كالجاهل لأباه وبالتالي لا بد من إعطاء هؤلاء الناس الذين بنوا الوطن العزيز والذي نتفيأ بظلاله وهو واحة أمن واستقرار في المنطقة كلها لا بد أن نستذكرهم ونجل وقفاتهم وعلى رأسهم دولة المرحوم سعيد باشا المفتي والذي مهما قلنا في إيجابياته لن نوافيه حقه فهو الآن في ذمة الله نسأل الله له الغفران ونسأل الله أن يدخله فسيح جناته".

وأضاف قائلاً: عندما جاء الأمير عبد الله الأول إلى الأردن لم تكن الأردن نهاية طموحه ، بل كان يريد إعادة ملك أخيه الملك فيصل وكان الأردني عبارة عن مرحلة لإعادة توحيد على الأقل أسيا العربية أو على الأقل سوريا الكبرى بما فيها العراق ، لكنه بكل أسف المؤامرات البريطانية والخطوط البريطانية والصهيونية أوقفت هذه الأحلام والطموحات المشروعة للهاشميين بقيادة الملك عبد الله الأول المؤسس عند حدودها لو أخذنا سيرة هذه الرجل فهو من الأعلام القلائل الذين ساهموا في تأسيس الدولة الأردنية وأنا أختلف مع أخي حين يقول زعيم شركسي هو ليس زعيماً شركسياً فحسب بل هو زعيم أردني عربي وبالتالي يجب أن نصف هذا الرجل أنه لم يكن يتحدث باسم الشراكسة كان يتحدث باسم الأردن ، ولم يكن يدافع عن الشراكسة بل كان يدافع عن الأردنيين حين صارع البريطانيين فيما يتعلق بالمعاهدة وحين رفض التوقيع على أي صلح مع إسرائيل وحين وقف مواقفه القومية المميزة ، فدولة سعيد باشا المفتي كان من مؤسسي حزب الشعب الأردني في آذار في سنة 1927 ، ولم يحضر جلسة مجلس المستشارين أو المجلس التشريعي للموافقة على المعاهدة الأردنية البريطانية التي وقعت سنة 1928 ، لأنه يرى من وجهة نظره بأن هذه المعاهدة مجحفة بحق الأردن كوطن وبحق أجيال الأردن ، فلم يحضر الاجتماع هو وأربعة نواب.

وقد بدأ حياته مبكراً بالحراك السياسي فقد كان أحد أعضاء مجلس النواب الأردني ، وشارك في معظم الوزارات ، وكان يدافع ويستطيع أن يتخذ القرارات التي لم يكن غيره يجرؤ على اتخاذها وكان ذا بعد نظر خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع بريطانيا والصلح مع إسرائيل.

ويضيف الدكتور الرفوع قائلاً: ماذا تقول عن رجل أسس الحزب الحر المعتدل في 1930 ـ 6 ـ 24 ، لم يكن يتجاوز عمره 32 سنة ، وكان عضواً فاعلاً في المؤتمر الشعبي لعام 1933 وكان من أشد المعارضين ليس لأجل المعارضة بل من أجل مصلحة الوطن وقضاياها في حكومة إبراهيم هاشم.

لقد اكتسب المفتي خبرة كبيرة في مجال السياسة وإدارة شؤون الحكم ، ومن هنا أسندت إليه رئاسة الوزارة الأردنية في نيسان 1950 ، لتكون أولى وزاراته الأربع التي ألفها في عقد الخمسينات ، تقلد سعيد المفتي العديد من الوزارات استمرت من نيسان سنة 1950 إلى حزيران سنة 1956 فهناك أربعة وزارات شكلها سعيد المفتي ، هذه الوزارات تم تشكيلها في ظل ظروف مميزة من تاريخ الأردن.

وقد أضافت السيدة جانيت المفتي في حديثها كان والدي كغيره من رجال الرعيل الأول ، كان عنده وطنه أولاً ، كان هؤلاء الرجال مدركين أطماع الصهيونية ، وأطماع الإنجليز في المنطقة كانت له مقولة مشهورة "تقطع يدي ولا أعقد صلحاً" كان لها ردود فعل كثيرة وقوية. ووصفه هزاع المجالي ، فقال أنه كان: "يشكل عنصر طمأنينة بالنسبة للجميع شأنه في كل الحكومات التي ألفها ، وهو يمتاز بطيبة وبساطة تقربانه للنفس ، كما أن بيته ومكتبه مفتوحان للجميع.

غير أنه يمتاز كذلك بقابلية عجيبة للأنفلونزا ، وكثيرا ما كانت تقعده هذه الوافدة - لا سيما في أيام الشتاء - عن العمل...".

وقد وصفت جانيت المفتي والدها: كان والدي خير رجل ، حكيماً ، كان مقلا بالكلام يضع الكلمة في مكانها وكان عاطفياً حريصاً ، الشيء الوحيد الذي استأسف عليه كان استشهاد ابنه عزمي وهذه أشعلته حزنا عليه. كما وصفه النائب الدكتور روحي شحالتوغ قائلاً: شخصيته المسلكية هي طبق الأصل عن شكله وشخصيته كان وسيماً طويلاً ، عريض المكنبين ، أبيض الوجه ، مهيب الجانب وأيضاً في مسلكية.

عاش سعيد المفتي حياة طويلة عريضة ، حياة حفلت بكل ما يمكن أن يقدمه بلد كالأردن من جاه ورفعة شأن ومكانة ، ومجالات للخدمة العامة. تسلم من المناصب ما يبلغ أقصى حدود الطموح: وزيراً ، ورئيس وزراء ، ونائباً ، ورئيساً لمجلس النواب ، وعيناً ، ورئيساً لمجلس الأعيان ، وعضواً لمجلس أمناء الجامعة ، ورئيساً له.

وفي جميع المناصب التي شغلها ، كان الإنسان العالي الجناب ، عنصر طمأنينة وثبات ، حائزاً على ثقة الجميع واحترام الجميع. كان شأنه في دنيا السياسة كشأنه في حياته العادية: اعتدال في المواقف ، واحترام للمثل ، وتمسك بالمبادئ والقيم ومكارم الأخلاق ، والبعد عن كل ما يشين.

اعتزل الحياة السياسية في عام 1974 وهو في السادسة والسبعين من العمر ، وأمضى السنوات الخمس عشرة الأخيرة من حياته ، بين أهله وأحبائه وأصدقائه ، موضع التجلة والاعتبار ، يعتبر سعيد المفتي واحداً من أبرز رجال الحكم والسياسة الذين عرفهم الأردن فقد كان حقاً في طليعة أبناء الأردن الذين يفاخر بهم الوطن ، رجل مبادئ ومثل وقيم ، تكاد لا تمسُّ سيرة حياته شائبة ، وتكاد لا تجد بين معاصريه إلا من يشيد بمناقبه ومزاياه ، تغمد الله فقيد الأردن الكبير دولة المرحوم سعيد باشا المفتي بواسع رحمته ورضوانه واسكنه فسيح جناته.

الدكتور عبد السلام العبادي

|0 التعليقات
د. عبد السلام العبادي

لكل أمة تاريخ يصنعهُ العظماء من رجالاتها ونحن هنا في الأردن على قدر أهل العزم ، فالأرض الأردنية من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها ولاَّدةً لرجال عًظام كانوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم ومن بين هذه الشخصيات الأردنية معالي الدكتور عبد السلام العبادي الذي شغل منصب وزير للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية لبضع سنوات في حكومات مختلفة بالإضافة إلى تقلده العديد من المناصب القيادية في العديد من المؤسسات والدوائر الرسمية. 

ولد معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي في مدينة عمان عام م1943 ونشأ وترعرع لدى أسرة محافظة وملتزمة بالشريعة الإسلامية ثم أكمل دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في المدرسة العلوية وكلية الحسين في عمان عام م1959 ، لينتقل إلى جامعة دمشق التي حصل منها على شهادة الليسانس في الشريعة الإسلامية ثم عاد إلى الأردن ليعمل مدرساً في المدارس الثانوية لمدة ثلاث سنوات ، ولكن طموحه دفعه للانتقال إلى جامعة الأزهر فحصل منها على درجة الماجستير في الفقه المقارن بامتياز من كلية الشريعة والقانون هناك ثم حصل على شهادة الدبلوم التمهيدي للماجستير في التاريخ الإسلامي من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سنة ,1968 نال درجة الدكتوراه في الفقه المقارن بمرتبة الشرف الأولى مع التوجيه بطباعة الرسالة وتبادلها مع الجامعات العالمية من كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر عام 1972 ، بعدها عَمًل كعضو هيئة تدريس في الجامعة الأردنية في كلية الشريعة لمدة عشر سنوات. 

أما عن نسب عائلة العبادي (العبابيد) فإن كتب الأنساب والعشائر تذكر أن عائلة عبّاد أو بني عباد أو العبادي من أكبر العشائر الأردنية ويسكنون في مناطق الوسط الأردني ما بين سيل الزرقاء إلى سيل نهر الأردن وقيل في المثل للإشارة إلى كثرتهم "عباد من السيل إلى السيل" وأورد فريدرك .ج. بيك في كتابه "شرقي الأردن وقبائلها" أن عشائر عبَّاد من بين قبائل منطقة البلقاء ، وأشار إلى الرواية التي تردهم إلى قبيلة تنوخ ، أو أنهم فرع منها ويعزز فريدرك .ج. بيك في كتابه الرواية التي ترد العبابيد إلى بني طريف من جذام من العرب القحطانية ويشير إلى رواية أخرى تردهم إلى جذيمة من قبيلة طيء. 

وتنقسم عبّاد (العبابيد) إلى فريقين كبيرين وهما: الجرومية: وتضم مناطق ما بين سيل الزرقاء إلى سيل وادي شعيب وهي منطقة العارضة (عارضة عبَّاد) وعيرا والبيرة ويرقا ووادي شعيب وجلعد والرميمين وأجزاء من الأغوار مثل معدّي وغور الأردن وغور داميا والملاحة وجزء من منطقة دير علا. 

ثانياً: الجبورية: وتضم عشائر ما بين سيل وادي شعيب إلى وادي الشتا ومرج الحمام والبحاث وبيادر وادي السير ووادي السير والبصَّه وعراق الأمير ووادي الشتا وأبو السوس وبدر الجديدة وماحص وبلال وأم الأسود ودابوق والرباحيه وأجزاء من خلدا. 

وقد ورد في كتاب الصفوه لمؤلفه المحامي طلال بن الشيخ حسين البطاينة أن العبابيد من قبائل الأردن الكبيرة التي كان لها شأن يذكره التاريخ ، حالفوا وتحالفوا ، حاربوا وحوربوا ، وحافظوا على قوتهم وكيانهم وأراضيهم وصمدوا في وجه الحروب والغزوات إلى أن استقر الأمر بقيام الدولة الأردنية الحديثة وانخراط القبائل والعشائر الأردنية في هذه الدولة ومد الأيدي لبناء الوطن الحديث. 

وبالعودة للحديث عن مسيرة معالي الدكتور عبد السلام العبادي يجد القارئ أنه قد تنقل في الكثير من الوظائف ذات الطبيعة الفقهية والشرعية ففي عام م1982 عَمًل وكيلاً لوزارة الأوقاف (أميناً عاماً لها) ثم مديراً عاماً لمؤسسة إدارة وتنمية أموال الأيتام. 

ونظراً لما تمتع به معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي من صفات الاعتدال والوسطية ودماثة الخلق وهدوء جم في شخصيته كان محط اختيار الحكومات الأردنية التي تعاقبت في الفترة ما بينت عامي 1993 إلى م2001 حيث شغل منصب وزيراً للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ، وليس غريباً على شخص عَرف أحكام الدين والتزم بها ودرسها وحصل على أعلى الشهادات فيها إلا وأن يكون للعمل الخيري حظ وفير لديه ، فتراه قد عَمًل في المجال الخيري التطوعي أمينًا عاماً للهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية ورئيساً للجنة التعاون والتنسيق مع الشعوب الإسلامية منذ عام م1987 حيث دمج نشاطهما في نشاطات الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية عندما أسست سنة 1990م. 

صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيين معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي رئيساً لجامعة آل البيت عام م2004 بعد أن كان رئيساً لمجلس أمنائها. ثم عاد وزيراً للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية عام م2005 ليتم في العام الذي يليه إعادة تعيينه رئيساً لجامعة آل البيت الأردنية. 

عُرف الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي بنبل أخلاقه وكريم صفاته فهو الشخص الذي يلاقي الناس جميعاً بوجه مشرق ، بابه مفتوح على مصراعيه لكل مراجع أو مستفتْ أو متعلم يلقى الناس بكل تواضع فلا تفارقه ابتسامته العذبة الهشة له عبق خاص يجبرك على حبه واحترامه يحب ولا يكره ، يتواضع ولا يتكبر يجمع ولا يفرق يعيش بساطة الحياة ، يتدافع إليه البسطاء والفقراء والعامة فيكلم كلاً منهم على قدر ثقافته وعلمه ويقضي لهم مصالحهم دون تذمر أو ترفع عنهم فهذا التعامل البسيط البعيد عن التكلف ينم عن شخصية ونفسية عالية عظيمة القدر ، فهو الرمز والرقم الكبير في المعادلة الإسلامية.

حقق معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي خلال تسلمه لحقيبة وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية العديد من الإنجازات وفي ذلك فقد تحدث معالي الدكتور العبادي قائلاً: أذكر بعض هذه الانجازات وفي عناوين كبيرة دون تفصيل إنجاز الإعمار الهاشمي الثالث للمسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة والذي تم بتبرع شخصي من جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه وذلك من خلال لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة بالإضافة إلى إحالة عطاءات تنفيذ المرحلة الأولى لمشروع تطوير مقامات الصحابة في المزار والتي تشمل مسجد جعفر بن أبي طالب ومقام زيد بن حارثة رضي الله عنهما بكلفة 2 مليون دينار ومشروع مسجد أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه في الأغوار الشمالية بكلفة 4 ملايين ، ومسجد إربد الكبير وإنجاز إعداد المخططات الخاصة ببقية المقامات والمساجد وذلك من خلال اللجنة الملكية لإعمار مساجد ومقامات الصحابة الشهداء وعشرات المشروعات الاستثمارية في مختلف مناطق المملكة ، إضافة إلى تطوير عملية الحج إسكاناً ونقلاً والبدء بالمشروع الشامل لتأهيل الوعظ وإنشاء مركز الحاسب الآلي في وزارة الأوقاف وتنظيم وتطوير العمل في دور القرآن الكريم والمدارس الشرعية وإصدار أسبوعية إعلامية عن وزارة الأوقاف باسم "الضياء" وتطوير العمل في مجلة "هدى الإسلام" والإعداد لطبعة جديدة للمصحف الشريف كما عَمًل على إحياء كتب التراث الإسلامي". 

جاءت الإرادة الملكية السامية بتكليف معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي لشغل منصب مستشار للشؤون الإسلامية والدينية عام م2006 بالإضافة إلى تعيينه بمنصب الأمين (مديراً عاماً) لمجمع الفقه الإسلامي الدولي. وهو الآن يعمل وزيراً للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية نظراً للجهود التي يبذلها من أجل تطوير عمل الوزارة وإعادة هيكلة عمل الأجهزة فيها. يعرفه الناس بأسلوبه الجميل وعطفه على الضعيف ومواساته للمكلوم ويرأب صدع المنكسر ويجدد ثقته بمن أخطأ ثم رجع عنه ، ما رفع صوته على أحد ولا عنفه ، بل يسعه بخلقه. يحمل معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي فكراً نيراً في علم الفقه وأصوله والشريعة ومقاصد التشريع نابعاً من صميم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فكرا يحمل آفاقاً ويفتح أبواباً للدارسين ، كما أنه صاحب الحضور البارز في المنتديات والمؤتمرات الإسلامية في الأردن وبمختلف بلدان العالم حيث يساهم بفكره ورأيه متحدثاً وكاتباً يعرض جوانب من مبادئ الإسلام وتعاليمه كما يقدم بمقترحاته حلولاً للمشكلات والقضايا المعروضة.

لقد شغل معالي الدكتور العبادي العديد من المراكز والمهمات العلمية والعامة منذ بداية تدرجه الوظيفي حتى الآن ، فقد كان أحد أعضاء مجمع الفقه الإسلامي الدولي ممثلاً للمملكة الأردنية الهاشمية منذ بداية تأسيسه وحتى الآن وهو عضو في مجلس الإفتاء الأردني وعضو المجلس الأعلى للإعلام حتى عام م2005 ، وعضو مجلس التربية والتعليم لعدة مرات ، وكان له مشاركات عديدة في مؤتمرات علمية وندوات أكاديمية في مجالات الفكر الإسلامي المعاصر والدعوة والتربية والاقتصاد الإسلامي والفقه والزكاة والحوار بين الأديان ، شارك في إعداد المناهج والكتب المدرسية والإشراف عليها في الأردن وسلطنة عُمان بالإضافة إلى إشرافه على العديد من الرسائل العلمية في الدراسات العليا الماجستير والدكتوراه في بضع جامعات ، وهو عضو في لجنة الخبراء الدولية التي درست مشروع قانون الزكاة وتطويره ، وعضو في مجلس التصنيف الشرعي للوكالة الإسلامية للتصنيف وشارك في الاجتماعات التأسيسية لصندوق تثمير الأوقاف التابع للبنك الإسلامي للتنمية ، تم تعيينه عضواً في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بموجب قرار من رئيس مجلس وزراء جمهورية مصر العربية ، وتم اختياره نائباً لرئيس الهيئة الشرعية للرقابة والتصنيف التابع للمجلس العام للبنوك والمؤسسات الإسلامية بالإضافة إلى اختياره رئيساً للمجلس الاستشاري الأعلى للتقريب بين المذاهب الإسلامية المتعددة. واختير رئيساً للجمعية العمومية للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ، بالإضافة إلى عضوية العديد من اللجان والمجالس والهيئات الإدارية والتي يصعب إحصائها وذكرها. ونتيجة للجهود التي يبذلها معالي الأستاذ الدكتور خلال تنقله في العديد من المناصب ولأنه لكل مجتهد نصيب فقد كان من الطبيعي أن يكافأ بأن يحصل على العديد من الأوسمة والجوائز التقديرية منها وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى سنة م1993 ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الثانية سنة م1987 ووسام الحسين بن طلال للعطاء المتميز سنة م2000 ووسام الثقافة والعلوم من الطبقة الأولى من جمهورية مصر العربية سنة م1992 ووسام الجمهورية من الدرجة الثالثة من جمهورية السودان الديمقراطية وجائزة غاندي وكنج وكير الدولية سنة م2003 وحصل أيضاً على الميدالية الفضية لمنظمة الحماية الدولية سنة م2004 ونال جائزة الدولة التقديرية والتشجيعية لعام م2006 في حقل العلوم الاجتماعية في مجال دراسات في الفكر الإسلامي بالإضافة إلى الكثير الكثير من الأوسمة والجوائز.

ولمعالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي مؤلفات علمية عديدة ومنشورة وقد شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لوزارة التربية والتعليم في المملكة الأردنية الهاشمية ومن أهم مؤلفاته العلمية: الإيمان بين الآيات القرآنية والحقائق العلمية ، دور الاقتصاد الإسلامي في أحداث نهضة معاصرة مع آخرين ، الضمان الاجتماعي بين الشريعة الإسلامية والنظم الوضعية ، الرعاية الأردنية الهاشمية للقدس والمقدسات الإسلامية فيها ، كتاب الثقافة الإسلامية لمعاهد المعلمين وعدداً من كتب التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية ، فقه المعاملات محاضرات ألقيت في معهد الدراسات المصرفية ، خمسة وأربعون بحثاً قدمت للعديد من المؤتمرات والندوات العلمية وهذه الأبحاث تناولت مواضيع كثيرة تهم المسلم في حياته فجاءت في مواضيع الفقه الإسلامي وأمور المال والاقتصاد ، الملكية في الإسلام ، حاجات الإنسان الأساسية وارتباطها بالأوضاع المعاصرة ، الزكاة ، التقريب بين المذاهب ، العولمة ، ضبط الرقابة الشرعية في ضبط أعمال البنوك ، بالإضافة إلى العديد من المواضيع الهامة والأبحاث الإسلامية التي أعدها دون كلل أو ملل فتراه قد أعطى جهده ووقته لخدمة وطنه وأمته وعروبته ينشر العلم والمعرفة دون أن تلهيه صغائر الدنيا. أطال الله في عمر معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي.

أحمد اللوزي ... عميد السياسيين الأردنيين

|0 التعليقات
أحمد اللوزي
حديث اليوم عن شخصية من الرعيل الأول تصدرت عدداً من المواقع الفكرية والتشريعية و الثقافية المتقدمة الا وهي شخيصة رئيس الوزراء الاسبق أحمد اللوزي الذي استطاع نقش اسمه بحروف من نور في تاريخنا المعاصر عبر مسيرته الحافلة بالعطاء والتضحيات والانتماء.فالحديث عن أبي ناصر هو السهل الممتنع فمن السهل الحديث عن شخصيته النقية والهادئة وعن نظافة مسلكه وخلقه واصبح مشهوداً له بذلك ولكنه كان من الممتنع في الحديث عن نفسه أو الترويج لها ، وهو أحد الرجالات الذين بنوا الأردن وشيدوه وعمروه وحرسوه بدمائهم وترفعهم وسموهم وتساميهم.

ولد أحمد اللوزي في عمان عام 1925 وأتم دراسته الابتدائية الأولية في صويلح حتى الصف الرابع وأكمل دراسته من الصف الرابع حتى الصف السابع في عمان وأكمل دراسته الثانوية في مدرسة السلط الثانوية وحصل على درجة ليسانس في الآداب من كلية تدريب المعلمين في بغداد عام 1950م.

وفي بداية حياته المهنية كان معلماً خلال الفترة 1950 - 1953 ثم مساعداً لرئيس التشريفات الملكية ورئيساً للتشريفات الملكية ومديراً للمراسم في وزارة الخارجية ، وعضواً في مجلس النواب ومساعداً لرئيس الديوان الملكي خلال الفترة 1963 - 1964 ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء من 1964 - 1965 وعضو مجلس الأعيان خلال الفترة 1965 - 1967 ، ووزير داخلية للشؤون البلدية والقروية عام م1967 ، وعضو مجلس الأعيان من 1967 - 1970 ، ووزير للمالية 1970 - 1971 وعضو مجلس أمناء الجامعة الأردنية في 27 ـ 2 ـ 1972 وعضو مجلس الأعيان الأردني 1971 - 1973 ورئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع خلفاً لدولة الشهيد وصفي التل ورئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع للمرة الثانية 1972 - 1973 وعضو مجلس الأعيان الأردني 1973 - 1978 ورئيساً للمجلس الوطني 1978 - 1979 ورئيساً للديوان الملكي الهاشمي عام 1979 ورئيساً لمجلس الأعيان الأردني ، ورئيساً لمجلس أمناء الجامعة الأردنية.

وقد تحدث اللوزي عن ذكرياته في أيام الدراسة قائلاً: عندما كنت طالباً في الصف الثالث الابتدائي في صويلح عام 1937 طلب منا مدير المدرسة الذهاب إلى حديقة المدرسة لزراعة الأشجار فأول ما غرسناه كانت شجرة باسم سمير الرفاعي وكان الطلاب جميعاً من شيشان وعرب يرعون هذه الشجرة لتليق باسم صاحبها وعندما انتقلت إلى عمان كان يشيع ذكر رموز وطنية أمثال سمير الرفاعي وإبراهيم هاشم وتوفيق أبو الهدى لأنهم شوامخ في تاريخ الأردن.

وبين اللوزي عن البدايات الأولى لنشأة مدينة عمان قائلاً: أنا قدمت إلى عمان لاستكمال دراستي الابتدائية عام 1938 وفي تلك السنة كان لي صديق وجار وقد ذهبنا للتجول في أحياء عمان فكانت شركة الكهرباء في السنة الأولى من إنشائها وكانت أعمدة الكهرباء لا تزال خشبية وعلى كل عمود تنبيه خطر من الكهرباء العبث بها يؤدي إلى الموت فهي حقيقة نور لكنها نار تحرق وتقتل وشتان ما بين النور والظلام فهو من أساس النهضة والتقدم وأساس الرؤية السليمة للمدينة بشوارعها وأحيائها وحاراتها. وأضاف اللوزي قائلاً: انتقلت من صويلح إلى عمان وشتان بين صويلح وعمان من حيث الأهمية ومن حيث العمران ومن حيث الاتساع فهي عاصمة الدولة ، وكان الملك المؤسس مدرسة وكان يصلي كل يوم جمعة في المسجد الحسيني الكبير يأتي بموكب من الفرسان الشراكسة إلى الصلاة وندخل ونصلي ونحن طلاب ولم يكن هناك حراسات وليس هناك إعاقات بل كان الناس جميعاً يأتون إلى المسجد بنفس الطريقة وبنفس السهولة واليسر ومازلت أذكر الشيخ الذي كان يؤم سمو الأمير عبدالله والمصلين هو الشيخ ضمره العربي وهو رجل له باع في الدين والشعر واللغة وكان له أيضاً مع سمو الأمير أنواع من مطارحة الشعر والأنس مع عدد من الشعراء الآخرين أمثال فؤاد باشا الخطيب وعرار مصطفى وهبي التل وشريقي باشا وكلهم كانوا شعراء والأمير عبدالله المؤسس هو شيخ الشعراء يقول الشعر ويكتب المذكرات وفي البلاغة لا يشق له غبار ولذلك أعتقد أن اتخاذ الأمير المؤسس لعمان عاصمة له أسرع في بنائها واتساعها وعمرانها وفي جلب التجار إليها ، فقد جاءنا العديد من التجار من فلسطين ومن سوريا ومن كل المناطق وأصبحت قبلة الذين يطمحون في العمل التجاري والتقدم السياسي.أما عن توليه منصب رئاسته الأولى لمجلس الوزراء فقال اللوزي : عندما استشهد الرئيس وصفي التل عام 1971 استمريت أرأس نفس الفريق دون تغيير وكنت أقصد بذلك أن سياسة وصفي التل لم تكن سياسة شخص وإنما سياسة وطن ودولة وصاحب السياسة هو قائد الوطن جلالة الملك المعظم واستشهاد وصفي التل كان عملاً سياسياً دفع ثمن إيمانه بهذا الوطن وقيادته وشعبه فاستمريت بنفس الوزارة ثم بعد أشهر عدلت الوزارة بتشكيل جديد وكان فيها عدد من الأشخاص الجدد حيث كان معالي الأستاذ أحمد الطراونة رئيساً للديوان الملكي ، وصلاح أبو زيد أيضاً في الديوان الملكي مستشار لجلالة الملك الحسين فتم التشاور مع الملك الحسين رحمه الله ووقع الاختيار على أحمد الطراونة أن يدخل الوزارة وكذلك صلاح أبو زيد في جديد المواقع والوزارات وتم تحديد معالي الأستاذ أحمد الطراونة ليكون نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للداخلية ومعالي صلاح أبو زيد وزيراً للخارجية لأنه كان وزيراً للإعلام.

وتزاملت مع أحمد الطراونة في ثلاثة مواقع في الوزارة وفي المجلس الوطني الاستشاري وفي مجلس الأعيان بشكل متواصل ومجلس الأعيان قبل أن آتي لرئاسته هو ترأسه مدة سنة ولكن كان مجلس النواب منحلاً فلم يكن مجلس الأعيان ليجتمع إذا حل مجلس النواب تتوقف جلسات مجلس الأعيان واستمرينا بنفس الروح وبنفس النسق وبنفس التعاون وبنفس الثقة المتبادلة في هذه المواقع الثلاثة. وكان أحمد الطراونة لا يفارقني إلا يوم العطلة ففي الصباح عندما أدوام يكون أبو هشام في المكتب ينتظرني كان نشيطاً لا يعرف الهدوء.أما عن طبيعة العلاقة التي كانت تجمع أحمد اللوزي ببهجت التلهوني فقد تحدث اللوزي قائلاً: في عام 1953 كنت مساعداً لرئيس التشريفات الملكية وكنا نلتقي في مكتب المرحوم منيب الماضي في عمارة المرحوم عبدالرحمن بشار الماضي وكنا نلتقي مع دولة بهجت التلهوني عندما كان رئيس محكمة والحقيقة المعرفة الأساسية عندما أصبحت مساعداً لرئيس التشريفات الملكية والمرحوم بهجت التلهوني بعد استقالة فوزي الملقي ، اصبح رئيساً للديوان الملكي عام,1954 وفي عام 1954 بدأت العلاقة أنا كنت موظف في الديوان مساعد رئيس التشريفات وهو رئيس الديوان الملكي والحقيقة لم يكن في ذلك الوقت موظفون في الديوان إلا بعدد اصابع اليدين رئيس الديوان وله مساعد رئيس التشريفات عبارة عن موظفين عاديين منهم أنور مصطفى ، غازي خير ، عبده فرج ، الدكتور شوكت الطبيب الخاص والشريف ناصر جاء ناظراً للخاصة الملكية وتسارعت الأحداث والحقيقة أن دولة المرحوم بهجت التلهوني امتاز بمواقف متعددة.وكان هناك تقاطع في العمل بين أحمد اللوزي وبهجت التلهوني وفي ذلك تحدث أبو ناصر قائلاً: كنت أول وزير لشؤون الرئاسة ودولة بهجت التلهوني كان يختار المجرًبين والمجرَبين حقيقة وكان مع حسن الاختيار كان هناك ثقة متبادلة ومصارحة في الرأي وتؤخذ الخلاصة للخير العام والحفاظ على الصلاحيات الدستورية لكل سلطة ولكل موقع ، له أهمية بالغة بالنسبة لنظرة الناس وبالنسبة للحقوق وبالنسبة للحدود التي يجب أن تحترم طبعاً كانت بيني وبينه صداقة بلغت حد الأبوة والبنوة يعني إلى أبعد الحدود رغم الفارق في الموقف والمركز والمرتبة أنا طبعاً عندما كانت الأعيان كنت عيناً وسافرنا مع عدة وفود للاتحاد البرلماني الدولي في بريطانيا ، وإسبانيا ، وبلغاريا ، وألمانيا وفي رأيي دولة بهجت التلهوني كان مدرسة وكان يعطي للحكم وللسلطة مكانتها وهيبتها بكل احترام وعندما كنت رئيساً للأعيان كان أيضاً خير معين وكان نائباً لرئيس مجلس الأعيان لكن كان حريصاً على أداء الواجب الوظيفي.وأضاف اللوزي واصفاً بهجت التلهوني قائلاً: أنا أترحم عليه الرحمات من رب العالمين ولكنني أستشعر أنه للحقيقة والحق كان رجل مواقف ورجلاً يتوخى العدل ما استطاع إليه سبيلاً ويحب الناس ويقترب منهم ويختلف ويرضى ويغضب لكن للحق وللعدل وليس لشيء شخصي.وكان يتربط أحمد اللوزي بسمير الرفاعي بعلاقة قوية وصفها سمير الرفاعي بقوله: "كان ابو زيد يمثل قمة في كل هذه المعاني والاعتبارات وبرأيي أنه قدوة وأسوة حسنة وسيبقى منهلاً للدرس والاعتبار والتاريخ ، وقد توثقت صلتي به لأن بيت سمير وديوانه مفتوحين للجميع وهو شخصية تمتاز بالتواصل مع الناس".

فيما كانت هنالك علاقة تجمع أبو ناصر بعبد الحميد شرف وقد تحدث دولة الأستاذ أحمد اللوزي عن ذلك قائلاً: الحقيقة أن عبدالحميد شرف كان منفتح الفكر ويحمل الأمانة والرسالة بمنتهى الصدق والشفافية ولذلك كان عندما يتحدث وهو رئيس للديوان الملكي أو هو رئيس لمجلس الوزراء يتحدث ويعبر عن سياسة الأردن كاملة سياسة الوطن سياسة الملك والمؤسسات التي يؤمن بها إيماناً مطلقاً ، الديمقراطية ، الثقافة ، الفكر ، السياسة ، الرأي الآخر ثم وهو مدافع عن الأردن وسياسة الأردن دائماً.أما عن علاقته برجل الاقتصاد الأردني الحاج محمد علي بدير فقد تحدث أبو ناصر عن ذلك قائلاً: فقد زاملني الحاج محمد علي بدير في ثلاث مؤسسات أردنية عظيمة ، المؤسسة الأولى في المجلس الوطني الاستشاري عام1978 واستمر ثلاث دورات في المجلس ثم اشتركنا في مجلس أمناء الجامعة الأردنية لفترة طويلة ثم اشتركنا في مجلس الأعيان إلى أن مرض وأصبح غير قادر على ممارسة العمل فالزمالة في ثلاث مؤسسات عامة اشهد أن أبا عصام كان من خيرة من يعمل بأمانة في هذه المؤسسات في الرأي وبالمساهمة وبالمشاركة وفي المقترحات الطيبة والتي لا يريد من ورائها إلا مصلحة الوطن وكان يتبرع بمخصصاته وراتبه من هذه المؤسسات لأعمال الخير ولتدريس الطلاب وللفقراء.ويقول اللوزي عن الأردن: امتاز هذا البلد العظيم بقوة القيادة الهاشمية وبرسالة الإسلام ورسالة العروبة ورسالة الوحدة العربية لا بد لها من التعبير عنها بهوية محددة وهذه الهوية هي الهوية العربية الإسلامية.اخيرا ، يعد أحمد اللوزي الجندي المخلص الأمين الذي ما تأخر يوماً عن وطنه وأهله ومليكه فقد كان وما زال شهماَ لا يرمي إلا لكل فعل مشرف ، ولا يكتف بالقول بل بالفعل ، أطال الله بعمر عميد السياسيين الأردنيين احمد اللوزي.

حمدي الطبّاع ... رجل الاقتصاد

|0 التعليقات
الحاج حمدي الطباع
يُعد الإقتصاد عمود الأساس في بناء الدول الحديثة، وقد لا يستقيم وجود دولة ذات كيان إلا إذا كان لها مقومات اقتصادية ثابتة، وهنا وعلى الأرض الأردنية هناك نخبٌ من رجالات الرعيل الأول الذين شهدوا مسيرة التطوير الإقتصادي بل ودفعوا بعجلتها إلى الإمام تحت قيادة هاشمية حكيمة، حيث ازدهر النشاط الإقتصادي وحققت البلاد نمواً مدهشاً انعكس على كل مظاهر الحياة ومن أبرز رجال الأردن الإقتصادي المرموق معالي السيد حمدي الطبّاع.

ولد السيد حمدي الطبّاع في مدينة عمان عام 1936 لعائلة يشار لها بالبنان في مجال تطوير الإقتصاد والاستثمار وقد تحدث الدكتور هاني العمد في كتابه "أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط" عن عائلة الطباع قائلاً: "إن سبب تسمية العائلة باسم آل الطبّاع، فقد جاء ذلك جرياً على عادة تسمية العائلات باسم الصنعة أو العمل الذي يمتهنه رجالها، وهي عادة انتشرت في القرون المتأخرة فكانت أسماء المهنة والتي تشتهر بها العائلات تغلب على أسمائها الحقيقية وقد جرى هذا التقليد والعرف على العائلة التي ينتمي إليها الوزير الحاج حمدي الطباع والتي تعود بجذورها، إلى عائلة الطبّاع الدمشقية وقد اشتهر العديد من رجالها بالعمل في صنعة طبع السيوف "صناعة السيوف" التي كانت رائجة في القرون الماضية فغلب عليهم وعلى أعقابهم اسم الطبّاع. وعند الحديث عن عائلة الطبّاع فلا بد من الحديث عن الحاج محمد صبري توفيق الطبّاع والد الوزير الحاج حمدي الطبّاع الذي ولد في مدينة دمشق عام 1892م وكان ممن استقبلوا الملك فيصل بن الحسين بدمشق، ومن الذين تأثروا بمبادئ الثورة العربية الكبرى وشارك في الحركة الوطنية وشارك في معركة ميسلون مع السوريين، بعد ذلك انتقل لعمان حيث سرعان ما افتتح متجراً لتجارة الحبوب والمواد الغذائية وقد ورد في كتاب "عمان أيام زمان" للمؤلف الأستاذ عمر العرموطي حديث للسيد بندر الطبّاع يتحدث فيه عن والده صبري الطبّاع فقال: "جاء والدي من الشام إلى عمان سنة 1925م وقد عمل في تجارة الحبوب وكان محله في شارع الهاشمي وكان يتردد على المحل كبار رجالات وشيوخ الأردن منهم: مثقال باشا الفايز، ماجد باشا العدوان، الحاج سعود النابلسي، حسين الخواجا، الشيخ حديثه الخريشه، وكبار رجالات الأردن ومن كل الأطياف وكان محلنا يتحول إلى أشبه بمؤتمر وكان والدي رحمه الله يقدم (القهوة السادة) ضيافة بالمحل للزائرين، وكان الناس إذا أرادوا شيئاً من سمو أمير البلاد يأتون لوالدي ليتوسط لهم لأنه كان له مكانة وشأن خاص عند سمو الأمير، وقد كانت المحكمة تقوم بتحويل القضايا التجارية إلى والدي (كمحكم) وكان والدي يشترط على المتخاصمين والمحكمة أن يكون قراره (غير قابل للتمييز) وكان والدي يقدم هذه الخدمة دون مقابل ولا يتقاضى أجراً من المحكمة ولا من الناس، بالإضافة لذلك فقد كان والدي عضواً بالمجلس التشريعي الأردني الأول وحصل على لقب باشا من سمو أمير البلاد وكان رئيساً لغرفة تجارة عمان (شبهندر التجار) لسنوات عديدة بالأربعينات من القرن الماضي وهو أحد مؤسسي شركة الإسمنت وغيرها من الشركات والمؤسسات الأخرى، وبذلك يكون الحاج صبري الطبّاع أول من استقر في الأردن من الطباعيين الآخرين وأول من أسس وجودهم العائلي فهو عميدهم بلا منازع.

وبالعودة للحدث عن الحاج حمدي الطبّاع الذي جمعته صداقة متينة مع المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه فقد كانا صديقين حميمين وبالرغم من هذه الصداقة القوية فإن الحاج حمدي الطبّاع اختار العمل التجاري والإقتصادي من باب السير على خطى الآباء والأجداد من قبل مبتعداً عن العمل في المجال الحكومي.

التقى الطبّاع مع جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه في مدرسة واحدة وكان الطبّاع على الدوام يقوم بزيارة الأمير الحسين آنذاك في منزله البسيط بعد ذلك انتقلا إلى الكلية العلمية الإسلامية ليبقيا معاً حتى مرحلة الثانوية حيث انتقل الطبّاع في هذه المرحلة إلى المدرسية الأمريكية العليا في صيدا وذلك عام 1956 ثم إلى الجامعة الأمريكية في بيروت في الفترة ما بين عامي (1956- 1957) ليتابع دراسته بعد ذلك في ألمانيا لمدة عام ونصف حيث التحق هناك في دورة للميكانيكا والإدارة في مصانع شركة مان في ميونخ ونورمبرج وذلك في الفترة ما بين (1957-1958).

ويشغل حمدي الطبّاع منصب رئيس اتحاد رجال الأعمال العرب منذ عدة سنوات بعد أن مارس العمل التجاري في وقت مبكر، فقد انطلقت فكرة تأسيس مجلس رجال الأعمال العرب من عمان وذلك بدعم قوي من صاحب الجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، وتم عقد ملتقى رجال الأعمال العرب في عمان وذلك ليكون مدخلاً لتفعيل منظمات العمل الإقتصادي العربي المشترك.

لقد تدرج حمدي الطبّاع في العديد من المناصب الهامة في المجال الإقتصادي فقد شغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة مصانع الإسمنت الأردنية ورئيس اتحاد الغرف التجارية الأردنية، ورئيس جمعية رجال الأعمال الأردنيين، كما وكان أحد أعضاء مجلس الأعيان الأردني.

ولا بد من أن السياسة قد وجدت طريقاً للوصول إلى الحاج حمدي الطبّاع حيث شغل الطبّاع منصبي وزير الصناعة والتجارة ووزير التموين في تعديل جرى في 10/1/1988م على حكومة الرئيس زيد الرفاعي المشكلة في 4/4/1985م، ثم شغل منصب وزير الصناعة والتجارة فقط في تعديل جرى على الحكومة في 6/8/1988م، وحول تسلمه لحقيبة وزارة الصناعة والتجارة والتموين تحدث الطبّاع قائلاً: وجدت أن المشكلة الأساسية في الحكومات الأردنية أن الوزير لا يقوم بتسليم العمل لزميله الوزير المعيَّن، فلم يكن هناك استلام وتسليم فكان لا بد لي من مراجعة البرامج والخطط والقرارات التي اتخذها الوزراء الذين سبقوني، ولم يكن كل هذا سهلاً، فقد اتخذت الحكومة قرارات من بينها منع استيراد السيارات والكماليات ولم يكن البنك المركزي يملك شيئاًُُ من الإحتياطات، واجتمعت مع وزير المالية ومع محافظ البنك المركزي وخرجنا بتقرير رفعناه إلى دولة رئيس الحكومة فحواه بأنه لا بد من أن تُتخذ قرارات جراحية صعبة لأنه لم يعد لدينا مجال لأن نؤمن الأساسيات أو أن نترك البلد للاستيراد، فمنعنا ما اسميناه استيراد الكماليات لمدة سنة، حيث رفعنا التعرفة الجمركية على السيارات من 50% إلى 300% وانسحب هذا الأمر على الكماليات الأخرى وهناك قرار آخر اتخذته إبان عملي كوزير للتجارة والصناعة حيث أخذت على عاتقي إرسال شحنة من الطحين إلى دولة عربية شقيقة وتم ذلك في وقت قياسي وبسرعة وفي اليوم التالي أبلغت رئيس الوزراء ما فعلت وأنني أتحمل المسؤولية كاملة، وقد لاقت هذه الخطوة كثيراً من الإحترام والتقدير، فالوزير إذا بقي يعمل كموظف وبصلاحيات محددة فهو لن يستطيع أن يعطي كما يجب، ونحن في الأردن تعلمنا في مدرسة الهاشميين الإيمان بعروبتنا والقيام بواجباتنا وكان هذا الحافز وراء اتخاذي هذا القرار.

يرى معالي السيد حمدي الطبّاع في الهاشميين النموذج الذي يجب الاقتداء به نظراًً لتمتعهم بالحكمة المتناهية وبُعد النظر والقدرة الجيدة على وضع الأمور في نصابها وحول ذلك فقد تحدث الطبّاع عن جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني بن الحسين فقال: "إن جلالته يمتلك قدرة هائلة على المتابعة والمثابرة في الشؤون السياسية والإقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ولديه رؤية ثاقبة وعلاقات تحظى بتقدير العالم واحترامه، استطاع أن يوظفها جميعاً لخدمة وطننا الحبيب، كما أنه يمتلك إرثاً سياسياً وإقتصادياً أنجزه المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه".

يحمل الحاج حمدي الطبّاع العديد من الأوسمة التي منحت له تقديراً لجهوده الطيبة في تطوير الإقتصاد الأردني أبرزها: وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الاستقلال من الدرجة الثالثة، ويحمل وسام برتبة فارس من الحكومة الفرنسية كما ويحمل الوسام الإيطالي.

يُسجل للحاج حمدي الطبّاع إسهاماته في أعمال الخير سواء داخل الأردن أو خارجه فهو صاحب قلب كبير، يمد يد العون والمساعدة لمن يعرفه، ومن لا يعرفه لذلك فقد اجتهد باستحداث المشاريع والمؤسسات التي ساهمت بتوفير فرص عمل للعديد من الأردنيين بالإضافة إلى تحقيق رفاهية وإزدهار المجتمع.

لقد حرص معالي السيد حمدي الطبّاع من خلال مسيرة حياته العملية الحافلة بالنجاحات المتواصلة على تشجيع الإستثمار، حيث أدرك ومنذ وقت مبكر أن تشجيع الإستثمار يشكل ركيزة أساسية من ركائز النهضة الإقتصادية وتوطين الخبرة ونقل المعارف وتوظيف الأيدي العاملة.

عندما يشرع المرء بالكتابة عن معالي السيد حمدي الطبّاع يدرك أنه أمام رجل خط اسمه بحروف من نور في مسيرة تطوير الإقتصاد الأردني واستثمار الموارد فقد شكل رقماً متميزاً في عالم رجال الأعمال الأردنيين والعرب بفضل إنجازاته الإقتصادية ورؤيته المستنيرة تحت قيادة هاشمية فذّة.

زيد بن سمير الرفاعي

|0 التعليقات
زيد الرفاعي


يعد الحديث عن شخصية السياسي زيد الرفاعي حديثا عن أبرز رجالات الرعيل الأول الذين ساهموا في بناء وتطوير الدولة الأردنية ، فالحديث عن الرعيل الأول يعطي صورة مشرقة عن كوكبة من الرجالات الأوفياء الذين رافقوا الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه ومن بعده جلالة الملك عبد الثاني ابن الحسين ، فهم بحق رجال عظام كان عطاؤهم موصولاً ، عن رجال اتخذوا العمل العام هدفاً سامياً ليخدموا وطنهم وأمتهم.

وهذا ليس بالأمر المستهجن كَوْن أن زيد الرفاعي نشأ وترعرع في بيت سياسي كبير حرص على إقامة الحلقات السياسية المتكاملة متقلداً العديد من المناصب الحكومية فوالده دولة المرحوم سمير الرفاعي الذي سجل في تاريخ الدولة الأردنية أروع المواقف وساهم بدور مشهود له في مسيرة البناء والتطوير لينقش اسمه بحروف من ذهب في ذاكرة المواطنين شيباً وشباباً فعند الحديث عن المرحوم سمير الرفاعي يحار المرء من أين يبدأ فقد وصفه الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين فقال فيه : "سمير من نتاج شرق الأردن ، حيث تمرن وتقلب من عهد الركابي باشا إلى أن نال الرئاسة وهو بالقرب من الرؤساء وليس بالبعيد عنا ولكن كانت مدة وزارته قصيرة (ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)" عاش حياته لا يعرف إلا طريق الحق والصواب ، طريق الصدق والإخلاص ، فكان ذا حس شخصي وشعور بالمسؤولية وتحمل للواجب ومقدرة على تحمل المسؤوليات الصعبة وكان على دراية بأصول الحكم وروح السياسة ، نال ثقة الهاشميين بكل جدارة ، عُرف عنه الحزم والعزم وقدرته على تسيير دفة الأمور ، وعندما فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها لم يترك الرفاعي لنا إلا سجلاً ناصعاً يعج بالإيمان ونقاء الضمير ، وقد حذا زيد حذو والده وأكمل الطريق الذي رسمه له وسار على خطاه مخلصاً وفياً لذكراه.

ولد زيد بن سمير الرفاعي في مدينة عمان عام 1936 ، تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة المطران في عمان ، أما دراسته الثانوية فقد أكملها من كلية فيكتوريا في القاهرة ثم التحق بجامعة هارفرد ليحصل منها على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية وذلك عام 1957م.

ثم عاد إلى عمان حيث ثم تعيينه في وظيفة ملحق في وزارة الخارجية..وانتقل إلى البعثة الأردنية الدائمة في الأمم المتحدة ، ونظراً لوجوده في نيويورك فقد التحق بجامعة كولومبيا لدراسة الماجستير في القانون والعلاقات الدولية وكان ذلك عام ,1958

وعمل ملحقاً في سفارات القاهرة وبيروت ولندن ، وفي عام 1964 أمر جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه بتعيينه للعمل في الديوان الملكي العامر حيث أشغل مناصب رئيس التشريفات الملكية وأمين عام الديوان الملكي والسكرتير الخاص لجلالة الملك المعظم ورئيساً للديوان الملكي الهاشمي ، بعد ذلك عُين سفيراً للمملكة في بريطانيا عام م1971 وعاد ليشغل منصب المستشار السياسي لجلالة الملك.

وقد حصل زيد الرفاعي على العديد من الأوسمة والرتب تقديراً لجهوده وعمله الدؤوب منها وسام الاستقلال من الدرجة الأولى ، ووسام الكوكب من الدرجة الأولى ، وحصل أيضاً على العديد من الأوسمة من سوريا ومصر والسعودية وتونس ولبنان وعُمان وأسبانيا والصين وتركيا والباكستان ورومانيا.

و شكل الرفاعي حكومته الأولى عام م1973 وكان قد أشغل منصب وزيراً للخارجية ووزيراً للدفاع ، وشكل حكومته الثانية عام م1974 حيث أشغل منصب وزيراً للدفاع والخارجية بالإضافة إلى رئاسة الوزارة. وشكل حكومته الثالثة عام 1976 ، وعاد الرفاعي من جديد ليشكل حكومته الرابعة عام م1985 ، وقد تم تعيينه عضواً في مجلس الأعيان لعدة دورات ليتولى رئاسة المجلس منذ عام ,1997

وقد لقبت حقبته إبان رئاسته للحكومة أكثر من مرة بالحقبة "الرفاعية" نسبة لأبي سمير رجل الدولة من الطراز الأول ، ونظراً لتفوقه في العمل السياسي ولأنه رجل الدولة الواثق من نفسه كما أنه أحد الرموز الهامة في تاريخ الدولة الأردنية فقد نهض التاريخ شامخاً أمامه لأنه كان الصادق دائماً في قوله وفعله ، تمتع بذكاء حاد ، فهو الدبلوماسي اللبق والسياسي العريق قال فيه المرحوم عاكف الفايز "أفتخر بصداقتي مع زيد الرفاعي وهو من أقرب الأصدقاء إلى نفسي واعتبره (ابن أخي) فقد تعاونت مع والده رحمه الله وكان من خيرة الرجال ، إن زيد الرفاعي من أكبر الناس عقلاً وفكراً وأكثرهم تعقلاً وثقافة وإطلاعاً".

وقد ذكر المرحوم أحمد الطراونة في مذكراته عن المرحوم سمير الرفاعي وابنه زيد قائلاً: "كان سمير الرفاعي سياسياً مخلصاً لوطنه وأمته وواقعياً سريع البديهة حَرًص على صيانة الحريات وعُني بالقضية الفلسطينية وعزاؤنا بفقدنا سمير باشا الرفاعي أن أنجب ولده دولة زيد الرفاعي الذي تولى الرئاسة عدة مرات يتحلى بخلق والده وجهده وإخلاصه للوطن".

لقد حرص أبو سمير طوال مشواره في العمل السياسي على أن يؤدي واجبه دون تهاون وتفريط وفي ذلك يقول: "إن خدمة مليكي وبلدي وأمتي كانت هي الغاية عندي وهي الهدف ولا أحسب أن في الكون كله هدفاً وغاية يفوقان ذلك قيمة وقدراً وستظل راحتي الدائمة وربما فرحي الأبدي ينبعان من إيماني المطلق بأن الله خلقني في بلد آمن مستقر وجعلني من أبناء شعب طيب أصيل نبيل وجعل على رؤوسنا جميعاً قيادة تاريخية ممثلة بالعائلة الهاشمية".

تأثر الرفاعي بشخصية والده المرحوم سمير الرفاعي رجل الدولة المرموق وفي ذلك تحدث قائلاً: كان والدي رئيساً للوزراء ولكنه كان قبل ذلك رجل دولة حيث كانت الدولة عنده كل شيء ، أما المنصب فلم يكن عنده إلا بمقدار ما يكون وسيلة لخدمة الدولة وتقدمها ولأن المرحلة كلها كانت مرحلة بداية الطريق بالنسبة للدولة فقد حرص والدي طول حياته على شيء أساس في عملية البناء وفي التطبيق والسلوك الخاص والعام هو: المستوى وأعني بذلك الابتعاد شخصياً ورسمياً بنفسه وبالعمل عن كل ما لا يليق. وفي أسلوبه تمتزج القوة مع المهارة في توطيد الاستقرار وضبط المعارضة الداخلية والتدخلات الخارجية ، وكان دولة المرحوم سمير الرفاعي يردد نصائح متعددة أمام ولده زيد للأخذ بها وتذكرها في كل المواقف فكان يقول: "كن مستقيماً صادقاً في جميع أقوالك وتصرفاتك والتزم جانب الحق دائماً ولا تجعل مما قد يصادفك من متاعب في سلوكك هذا السبيل ذريعة أو سبباً للانحراف عن الحق والصدق والاستقامة والحق يعلو دائماً وللباطل جوله ثم يضمحل. كن وفيا لأصدقائك لطيفاً مع معارفك ومع جميع الناس واهتم كثيراً بشأن اختيارك الأصدقاء ، فليس كل من يضحك لك يصلح لأن يكون صديقاً ولا كل من يتنكر لك يكون عدواً والمرء يعرف من أصدقائه وخلانه وليكن انتقاؤك لأصدقائك انعكاساً لنفسك ومرآة لذاتك ، كن نظيف الخلق نظيف الجسد نظيف القلب والسريرة عامل من هم أكبر منك سناً أو قدراً بمنتهى الاحترام وكن كريماً وديعاً مع من هم أصغر منك ، لا تكن يابساً فتكسر ولا ليناً فتعصر ، وكن جديراً بأن توصف بالحزم وعدم التردد ، إن صدق النية مع الحزم واللطف والوداعة مع عدم التبذل هي من المميزات التي يتصف بها من قُدرًّ أو يقدر لهم الصعود إلى مراكز القيادة وتولي المسؤوليات ، لا تعتمد على جاه أو ثروة ولا يأخذ الغرور منك أي مأخذ كن عصامياً يملأ قلبك الاعتزاز لا الزهو وتغمر نفسك بالإيمان لا الكبرياء والغرور".

وقد سار أبو سمير على خطى والده وتأثر بشخصية وأخذ بنصائحه في كل المواقف التي كان يمر بها وحذا حذو والده فقد كان المرحوم سمير الرفاعي قدوة يقتدي بها زيد مستفيداً من حكمة الأب المجرب ورؤياه البعيدة.

يسجل للرفاعي بأنه رجل المهمات الصعبة والمواقف الجريئة لم يجامل على حساب الوطن بل ظل الأردن هاجسه الدائم الدائب المتجدد يعشق العمل ويقدس تراب الوطن ، وعُرًفَ عنه إخلاصه المطلق للعرش الهاشمي وحبه الكبير لتراب هذا الوطن فها هو فارس الحقيقة يخرج ليتحدث إلى العالم ويدحض إدعاءات الكاذبين ، كشاهد على الحقيقة هذا هو رجل الدولة الواثق بالتاريخ المشرف لهذا البلد. فالأرض الأردنية تنجب العباقرة والمبدعين على الصعيد المحلي والعربي والدولي وهم من نحتاجهم دائماً لتتويج مسيرتنا المضيئة ، فهؤلاء قدوتنا وامتدادنا في الماضي القريب واليوم إذ ننهل من مدرسة مليكنا عبد الله الثاني فإننا نذكر أياديهم البيضاء وفاءً لمن بنى وأعطى لهذا البلد وهذه الأمة ، الأمة التي نعتز في الأردن بالانتماء لها قولاً وعملاً ويسجل لأبي سمير بأن بحق رجل وطن ودولة وجد مكانه بين رجالات الأردن الكبار وبين قادة المنطقة العظام الذين يحتلون مكان الصدارة في ذاكرة التاريخ والأجيال ، ولم يكن زيد الرفاعي يوماً جالساً على الشرفات يمتع ناظره بالوطن بل كان في خضم الأحداث يديرها ويوجهها ليكون الوطن رائعاً وجميلاً لكل أبنائه ومريديه سلك طريق الحق والصدق والإخلاص فكان صاحب حس شخصي وشعور بالمسؤولية وتحمل للواجب.