حمد الفرحان |
كان واحداً من أبرز مؤسسي الحركة القومية العربية، التي برزت ملامحها الواضحة، من خلال مجموعة من الشباب العربي المتعلم، منذ أواخر الحقبة العثمانية، مروراً بحرم الجامعة الأمريكية في بيروت، التي شكلت ساحاتها فضاءً، لنمو هذه الحركة خلال النصف الأول من القرن الماضي.
كان للفكر القومي المتزايد تأثيره على جيل وأكثر من الشباب العربي بشكل عام، وعلى الشباب الأردني بشكل خاص، الذي شكل نواة النخبة السياسية الأردنية، التي قادت البلاد في أكثر من مرحلة، وهي المدرسة الفكرية التي اتسقت مع توجهات الدولة الأردنية، القائمة على أسس قومية راسخة، ميزت الأردن منذ إرهاصات التأسيس الأولى حتى اليوم، مع اختلاف الظروف والأحوال الإقليمية والعالمية.
شكلت حياة حمد الفرحان، تعبيراً مباشراً عن فكره ونهجه، الذين لم يتغيرا في يوم من الأيام، فبقي قابضاً على جمر الولاء لأمته العربية، مؤمناً بحضارتها وإرثها الثقافي، ومقدرتها على استعادة ألقها في قمة الحضارة العالمية المعاصرة، فقضى عمره منافحاً عن فكره، وساعياً في الوقت نفسه إلى العمل الدءوب من أجل خدمة وطنه، والنهوض بالمهام المنوطة به، فكان مؤسساً ومطوراً لكثير من الأفكار والأعمال والمناصب التي تشغلها في حياته، حتى عد مدرسة في فكره، وفي منهجيته في العمل الناجح، وفي الإيثار من أجل مصلحة الوطن، التي تصب بالضرورة في المصلحة الكبرى وهي خدمة الأمة العربية، وإكسابها المنعة والقوة، وقد تأثر به أكثر من جيل من القوميين في أكثر من بلد عربي.
كانت بلدة « النعيمة « على مقربة من مدينة إربد مسقط رأسه، وقد أرخ لولادته في السابع عشر من شهر شباط عام 1921، متزامناً مع تأسيس الدولة الأردنية على يد الأمير عبد الله الأول ابن الحسين، وقد نشأ « الفرحان» في بلدة « النعيمة « مثل معظم أطفال القرى في تلك المرحلة الصعبة، التي عانى الناس فيها من الفقر، وقلة المؤسسات الخدمية، وندرة الوظائف، نظراً للإهمال الطويل من قبل الدولة العثمانية للمنطقة العربية.
التحق بالمدرسة الابتدائية في البلدة، حيث سرعان ما برز تفوقه في التحصيل الدراسي، وخلال هذه الفترة المبكرة، أخذ وعيه بالتفتح على تربة الوطن الحمراء، وتلمس طيبة ناسه وأصالة تاريخهم، فكان فطري الانتماء، عميق التأمل واثق الأحلام، وقد أضطر إلى الذهاب إلى مدينة أربد، من أجل إكمال دراسته الإعدادية في مدرسة إربد، وقد وضعه ذلك في مواجهة مشاق يومية متكررة، وقد أهلته هذه الفترة للمراحل القادمة، التي أساسها العصامية والاعتماد على النفس، وهو ما تميز به طوال حياته.
أنهى حمد الفرحان درسته في مدرسة إربد، بتفوق مشهود ولافت، وكان عليه في سبيل إكمال دراسته الثانوية، أن ينتقل إلى مدرسة السلط الثانوية الوحيدة في البلاد في تلك المرحلة، وكانت السلط مدينة ناشطة، تعج بالحركة التجارية والعلمية والحراك الاجتماعي والسياسي.
أتاحت له مدرسة السلط فرصة التتلمذ علي يد نخبة من أفضل المعلمين من الأردن، ومن بعض البلدان المجاورة، وقد جذبت المدرسة عدداً من خير شباب الأردن حينها، الذين أصبح في ما بعد من رموز النخبة السياسية والمثقفة، التي تركت بصماتها على مراحل بناء الدولة الأولى وما تلاها، وقد زامل الفرحان عدداً منهم، لكنه أرتبط بوصفي التل وخليل السالم بعلاقة خاصة استمرت العمر كله، وكان أن تمكن حمد الفرحان من إنهاء دراسته في مدرسة السلط، حاصلاً على شهادة الثانوية العامة، بتفوق كبير، فقد كان الأول في صفه.
مكنه تفوقه وحصوله على المركز الأول، من نيل بعثة دراسية حكومية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث درس تخصص الفيزياء، وكانت الجامعة الأمريكية تضم نخبة الشباب العربي، الواعي والراغب في تغيير حال الأمة من خلال العلم والوحدة، فقد شكل الحرم الجامعي مخاضاً لعدد من الأفكار والرؤى السياسية، ومن أبرز هذه الحركات الناشطة، ما سمي بحركة القوميين العرب، وقد تأثر بهذه الحركة، عدد من شباب الأردن الملتحقين بالجامعة، وكان حمد الفرحان أحدهم، وقد نال شهادة البكالوريوس في الفيزياء عام 1941، فعاد إلى الأردن، وأنخرط في الحياة العملية، حيث عمل مدرساً في مدارس مدينة إربد، ومن ثم أنتقل للتدريس في مدرسة الثانوية، المدرسة التي تخرج منها، بعد ذلك نقل إلى مدينة عمان ليعمل مدرساً لفترة من الزمن، حيث عين في عام 1944 مديراً لمدرسة ثانوية عمان.
تم إيفاد حمد الفرحان إلى بريطانيا، حيث درس الاقتصاد في لندن، وبعد أن أنهى دراسته، عاد إلى الوطن، وقد تم تعيينه في وزارة الأشغال، في الدائرة المختصة بشق الطرق، وكانت تدعى دائرة « النافعة «. في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، كان الفرحان أحد أبرز مؤسسي فرع الأردن لحركة القوميين العرب، ويعد أكثر المنتمين لهذه الحركة نشاطاً وإخلاصاً، وعندما قامت قبل ذلك ثورة رشيد عالي الكيلاني، في عام 1941 في العراق، والتي أطلق عليها أيضاً حركة العقداء الأربعة، والتي اندلعت ضد الاستعمار البريطاني، قرر الفرحان مع مجموعة من رفاقه القيام بمسيرة على الأقدام إلى بغداد، غير أن قمع الثورة وبعض الظروف الأمنية حالت دون تنفيذ الفكرة.
عين حمد الفرحان، سكرتيراً في مجلس الوزراء، في عهد حكومة توفيق أبو الهدى، بعد ذلك أصبح وكيلاً لوزارة الاقتصاد الوطني عام 1951، وقد استمر يحمل أعباء هذا المنصب حتى العام 1957، وقد تمكن خلال هذه الفترة القصيرة نسبياً من تحقيق مكاسب للوطن تمثلت بمنجزات اقتصادية مشهودة، خلال مرحلة صعبة على الصعيدين المحلي والإقليمي، وذلك من خلال عمله مع عدد من الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة، في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي بشكل متلاحق.
وبعد استقالة حكومة سليمان النابلسي، عين الفرحان رئيساً لمجلس إدارة شركة الملاحة العربية عام 1957، كما شغل في الفترة عينها رئيس مجلس إدارة شركة الورق الأردنية، ونظراً للنجاحات التي حققها في وظائفه ومناصبه السابقة، أوكلت إليه رئاسة إدارة شركة الأسماك الأردنية، وقد تمكن من تحسين عائدات هذه الشركات، بفضل إخلاصه في العمل، وخبرته العلمية والعملية، ونظافة يده وأفكاره المبدعة.
بقي حمد الفرحان ممسكاً بمبادئه الفكرية وتوجهاته السياسية، رغم خروجه من التنظيم الرسمي لحركة القوميين العرب، وقد ارتبط اسمه لفترة طويلة بالمنتدى العربي، الذي أسهم في تأسيسه وأصبح رئيسه، وتمكن من تحويله إلى منصة للفكر والثقافة، ومساحة للحوار الواعي والعميق، وكان لهذا المنتدى تأثير في مرحلة مهمة من عمر الدولة الحديثة. بالإضافة إلى ذلك كله، كان الفرحان من أبرز مؤسسي المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن، كما يعد من رموز المؤتمر القومي، ولم يقتصر نشاطه على الجوانب الفكرية القومية، والنواحي الاقتصادية، سعى مع مجموعة من المفكرين العرب إلى تأسيس مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.
حظي حمد الفرحان بالثقة الملكية حيث اختير عضواً في مجلس الأعيان، ونظراً لمكانته الفكرية وعمله الدءوب، وانجازاته المتعددة، نال عدداً من الأوسمة، منها وسام الكوكب الأردني من الدرجة الثالثة، بالإضافة لأوسمة من سوريا واسبانيا، وقد تم إطلاق أسمه على عدد من المرافق في الأردن، فيوجد شارع باسمه بالإضافة لمدرسة من مدارس وزارة التربية والتعليم. وبعد مسيرة حافلة بالعمل المتميز، والعطاء اللافت والمنقطع النظير، توفي حمد الفرحان في الثالث والعشرين من شهر نيسان عام 2000، عن عمر ناهز التاسعة والسبعين عاماً، وقد شيع رجالات الأردن ووجهائه، على الصعيدين الرسمي والشعبي الراحل إلى مثواه الأخير في بلدة « النعيمة «، لكنه رغم رحيله ترك لنا من الأعمال الطيبة، والذكر الحميد ما يبقى يذكر به يوماً بعد يوم.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|