د. رجائي المعشر |
تعد مدينة السلط كغيرها من محافظات الأردن حاضنة لجيل من رجالات الأردن الذين ساهموا في بناء الأردن الحديث ، فتجدهم قد أعلوا البنيان وشيدوا الصروح فقامتهم تطال شرفة العز والسؤدد ، ليقوموا بالمهام الملقاة على عاتقهم خير قيام. فالأرض الأردنية ولاّدةً لرجالات عظام عرَّفوا العالم بأن الأمة العربية هي أمة عظيمة في رسالتها وثقافتها ومبادئها ، رجالات كانوا دوماً على العهد فأوفوا بعهد الولاء فبذلوا الغالي والنفيس ليزيدوا حبهم لوطنهم ، رووا لنا عشقهم للأردن بقصص من الانجاز والعطاء ، رجال حق لهذا الوطن أن يحضنهم في كل زمان ومكان.
وعند الحديث عن شخصية الدكتور رجائي صالح المعشر فإننا نتحدث عن أحد الشخصيات الوطنية التي تمتاز بانتمائها الواسع إلى الثقافة القومية العربية وعطائه المميز في العمل الاقتصادي الأردني ، فهو علم من أعلام الأردن استطاع نقش اسمه بحروف من نور في تاريخنا المعاصر عبر مسيرته الحافلة بالعمل والبناء والشجاعة والكرامة والانتماء والتضحيات. إنه الرجل الزعيم ببساطة خصاله وسمو أفعاله فالقيادة والزعامة عندما تجتمعان في رجل فإنما تصنعان منه رجلاً كبيراً فيه من شمولية المناقب والصفات ، ما يحتل مساحة أوسع من أن تفيها حقها الأحاديث. فالحديث عن أبي صالح هو السهل الممتنع فمن السهل الحديث عن شخصيته النقية والقوية وعن نظافة مسلكه وخلقه وأصبح مشهوداً له بذلك. ولكنه كان الممتنع في الحديث عن نفسه أو الترويج لها أو السماح بالمس بكرامته أو كرامات الناس مهما اختلف معهم ، فهو أحد الرجالات الذين بنوا الأردن وشيدوه وعمروه وحرسوه بدمائهم وترفعهم وسموهم وتساميهم ، إنه الاقتصادي البارع ورجل الدولة.
ونحن في بلد يوصف أهله بالطيبة وعنوانهم الكرامة في الرمز وهناك كرامة لهم في مواطن كثيرة تشكل ذاكرة لبطولاتهم يحتفون بما عندما يستذكرون عدالة معركتهم المصيرية وحبهم للذود عن قداسة ترابهم ، من هنا يبدأ الكلام عن الأردن ليمدنا بذات وطنية خصبة نذرت نفسها لتؤمن دوماً بهذه الروح العبقة الراسخة في وجدان الحق رسوخ جبال رم هناك في جنوب البلاد.
وُلد الدكتور رجائي المعشر في مدينة عمان عام م1944 وتعد عائلة المعشر من أكبر وأعرق العائلات الأردنية وقد ساهم أفراد العائلة بتطوير الاقتصاد الأردني بجميع مجالاته كالتجارة والتعهدات والبنوك والصناعة والزراعة والفنادق والصحة والعقارات والتأمين. وآل المعشر هم فرع من الدبابنة ، نزحوا من سهول حوران وهم يلتقون بعشيرة الشحاتيت في جذورهم التي تعود بدورها إلى عشيرة الدبابنة كما تلتقي مع عشائر الدبابنة والحواتمه والسُكَّر ـ العساكرية والحنانيات ونفّاع واللقوات وفنّوس وأبو حوران والناعوري والشحاتيت.
وعشيرة الدبابنة ينحدرون من آل الخازن مشايخ منطقة كسروان في لبنان الذين يعودون بجذورهم إلى غساسنة اليمن ويذكر أنهم قدموا من لبنان إلى الكرك ثم ارتحلوا إلى قرية دبًّين القريبة من جرش واستقروا فيها ثم ارتحل قسم منهم إلى السلط وقسم إلى الطيبة في فلسطين. وقد أخذ آل المعشر اسمهم من اللقب الذي أطلق على جدهم الذي كان في زمن الدولة العثمانية يشترك في تقدير ضريبة العشر فدرج الناس على القول جاء المعشر وذهب المعشر. وفي رواية أخرى أن اسم المعاشير أطلق عليهم لأن جدَّهم كان ضخم الجثة.
ومن أبرز أفراد هذه العائلة المرحوم صالح المعشر والد معالي الدكتور رجائي المعشر الذي يعد أحد رجالات الرعيل الأول وله انجازات عظيمة في عالم الاقتصاد والتنمية. حيث يعد من أوائل الذين ادخلوا زراعة الحمضيات إلى مناطق الأغوار والعارضة وقد خاض الانتخابات النيابية التي جرت لأول مرة عام م1947 بعد استقلال المملكة عام م1946 وانتخب في مجلس النواب لعدة دورات ولكنه قدم استقالته في خامس مجلس نيابي إثر إعلان الأحكام العرفية فحل محله فرح أبو جابر. وقد كان من مؤسسي الحزب الوطني الاشتراكي الذي فاز عدد كبير من أعضائه بالانتخابات النيابية عام 1956 فدخل وزارة سليمان النابلسي وعُين وزيراً للصحة والشؤون الاجتماعية وفي هذه الوزارة تم التوقيع على اتفاقيات التضامن العربي مع كل من سوريا ومصر والسعودية وأطلقت الحريات العامة ، وانهيت المعاهدة الأردنية البريطانية بتاريخ 12 ـ 2 ـ م1957 ، ثم عُين وزيراً للشؤون الاجتماعية في الوزارة التي ألفها بهجت التلهوني عام م1970 ثم عاد إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في وزارة عبد المنعم الرفاعي وقد جرى تعيينه عضواً في مجلس الأعيان التاسع والعاشر. وقد تحدث المهندس سمير الحباشنة قائلاً: كانت مدينة السلط حاضنة لجيل من رجالات الأردن الأوائل الذين ساهموا في بناء الأردن الحديث ومن مدرسة السلط التي خّرجت النخب الأردنية من المفكرين ورجالات الدولة وأضاف الحباشنة قائلاً: إن مرحلتي الإحباط والأمل التي احتضنتا تجربة صالح المعشر ورفاقه الذين شكلوا معه كتلة في البرلمان وهم (سليمان النابلسي ، وعبد الحليم النمر ، وشفيق ارشيدات وكذلك الإحباط الأكبر من قيام دولة إسرائيل وإخفاق الجيوش العربية من تحريرها.. لقد عاش المعشر ذروة الإحساس القوي ونموه وتصاعده وعاش جيل المعشر مرارة هجرة الشعب الفلسطيني بعد اغتصاب فلسطين ، لقد ارتبط صالح المعشر بعلاقات طيبة مع الرموز السياسية التي كانت في تلك الفترة وآثر أن يتولى سليمان النابلسي رئاسة الحكومة بدلاً منه بإعتباره زعيم أكبر الأحزاب في البرلمان. عُرف بكرمه وحبه لفعل الخير فأحبه الناس ووثقوا به ، وعلى خطى والده سار الدكتور رجائي المعشر الذي تلقى دراسته الثانوية والجامعية في كلية ترسانه ـ عمان والجامعة الأمريكية في بيروت وجامعة شمال الينوي وجامعة الينوي وحصل على شهادة البكالوريوس في الكيمياء والماجستير في إدارة الأعمال والدكتوراه في إدارة الأعمال تخصص تسويق عام (1971). بعد ذلك عَمًل مديراً لمركز متابعة المشاريع بالجمعية العلمية الملكية إلى أن استلم الدكتور رجائي المعشر حقيبة وزارة الاقتصاد الوطني في حكومة السيد زيد الرفاعي عام م1974 ، كما شارك في حكومة السيد زيد الرفاعي المشكلة عام م1976 وزيراً للصناعة والتجارة ، وشغل منصب وزير التموين والصناعة والتجارة في حكومة السيد زيد الرفاعي المشكلة عام 1985م. وقد جمع الدكتور رجائي المعشر بين شؤون السياسة وشؤون المال والاقتصاد من خلال قيادته للبنك الأهلي الأردني ورئيساً لمجلس إدارة الأردنية للاستثمار والنقل السياحي ورئيس مجلس إدارة الشركة العربية للتأمين.
ومن الجدير بالذكر أن الدكتور رجائي العشر ساهم في تأسيس العديد من الشركات نذكر منها شركة المنظفات الكيماوية وشركة السلفوكيماويات وأسس عام (1981) الشركة الأهلية للاستثمارات العامة التي أصبحت الشركة الأهلية للاستثمارات المالية وتحولت إلى بنك الأعمال عام (1990) والذي اندمج بعد ذلك بدوره مع البنك الأهلي في مطلع عام (1997م) وقد حقق هذا البنك رؤيته في أن يصبح واحداً من أكبر المجموعات المصرفية الخدمية ، فهو مؤسسة مالية قيادية معترف بها في الشرق الأوسط بالإضافة لكونه لاعباً مصرفياً رئيسياً على المستوى العالمي وأخذ على عاتقه تحقيق العديد من الأهداف نذكر منها ضمان أعلى العوائد المتنامية وحياة مهنية مستقرة ومنتجة ومكافآت مجزية بالإضافة إلى مساهمة البنك الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد تميزت إدارة الدكتور رجائي المعشر للبنك الأهلي بالحصافة وسعة الأفق وتعليمه المتفتح فمزج بين الحداثة والأصالة وعزّز روح الأسرة في البنك الأهلي بحيث غدت هذه الأسرة الكبيرة الأصيلة تتحصن بأدوات حديثة وتحتكم إلى المهارة في الانجاز وتستند إلى الأخلاق قي العمل. ويتمتع أبو صالح بالعديد من الصفات اللصيقة بشخصيته فهو على خلق رفيع وطيب المعشر يفتخر بمواقفه الوطنية ويدافع عنها ، فاعل للخير حيثما حل وارتحل ، فالأرض الأردنية تنجب العباقرة والمبدعين على الصعيد المحلي والعربي والدولي وهم من نحتاجهم دوماً لتتويج مسيرتنا المضيئة فهؤلاء قدوتنا وامتدادنا ، واليوم إذ ننهل من مدرسة مليكنا عبد الله الثاني فإننا نذكر أياديهم البيضاء وفاءً لمن بنى وأعطى لهذا البلد ، وهذه الأمة التي نعتز في الأردن بالانتماء لها قولاً وعملاً.
لقد قدم الدكتور رجائي المعشر صفحة ناصعة في تاريخ الأردن فهو لم يبخل والوطن لم ولن ينساه فسجله في سجل أبطاله ومبدعيه ووطنية ، فأبو صالح يبقى رمزاً من رموز الانتماء للأردن تتعلم الأجيال منه كيف يكون الصدق في شرح المواقف فيبقى له الدور البارز والفاعل والمؤثر في تاريخ الأردن من خلال مشاركته في صنع الأحداث التي مر بها الوطن ، خلال تدرجه في العديد من المناصب التي تقلدها والتي يشغلها حالياً نائياً لرئيس الوزراء في حكومة سمير الرفاعي.
وهكذا فإن الحديث عن الدكتور رجائي المعشر هو حديث عن شخصية وطنية مرموقة لها إنجازات عظيمة في عالم السياسة والإدارة الحديثة والتنمية في المجال الاقتصادي فهو رجل عالي الهمة متوقد العزيمة لا يعرف المستحيل ، مشغول دائماً برفع قدرة القطاع الخاص ، خصوصاً القطاع المصرفي وتوجيهه نحو التميز والتفوق ومواكبة آخر ما توصلت إليه تقنيات العلم في المؤسسات المالية.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|