نادر أبو الشعر |
نادر أبو الشعر صاحب سيرة عطرة ومثيرة، فلقد شكلت الظروف التي أحاطت بعائلته وإرهاصات ولادته بيئة ملهمة، أسهمت في بناء شخصيته وإعدادها لقادم الأيام، وهو الذي نبت من هذه الأرض المعطاء، ونشأ في أحوال عامة صعبة، عنوانها الظروف المعيشية القاسية للناس، ونقص كثير من أسباب التنمية الشاملة في تلك المرحلة من عمر الدولة الأردنية الحديثة، فيعد الطبيب والسياسي نادر أبو الشعر واحداً من رجالات الوطن، الذين أتقنوا الصبر، وتدربوا على مكابدة الصعاب، كونهم أبناء الأيام الملبدة بالمتاعب والعقبات.
لقد اعتمد على نفسه، وتجاوز مراحل لم تكن سهلة منذ نعومة أظفاره، وهو الذي حمله جسداً رقيقاً طفلاً، وحمل قلباً محباً وحنوناً كبيراً، فكان صلب العود، ثابت على موقفه المبدئي، مقدماً مصلحة الوطن والناس على مصلحته الخاصة، منحازاً للبسطاء ومحباً للحياة.
شكلت بلدة الحصن الحضن الذي منح نادر أبو الشعر الكثير من سمات شخصيته وثقافته وسعة صدره، فقد ولد في الحصن بتاريخ 20/1/ 1941 في بيت والده غازي عقلة أبو الشعر، الذي حاز على قدر جيد من التعليم فقد درس المرحلة الابتدائية في مدرسة الروم الأرثوذكس بالحصن، ومن ثم في مدرسة الفرير في القدس، وبعد أن أنهى الثانوية العامة فيها، التحق بعدها بالجامعة، لكنه لم يكمل دراسته حيث عاد قادماً من الشام ليستقر في الحصن، بعدها تزوج مواجهاً مخاضات الحياة العملية بكل جدة وحزم، ولعله كان من نتائج عدم إكمال غازي أبو الشعر لتعليمه الجامعي، أن أولى عنايته لولديه نمر البكر ونادر الأصغر من أجل أن يكملا دراستهما بالشكل المطلوب، وقد أنجبت له زوجته أبنه الذكر نمر بعد سنوات طويلة من الانتظار، حيث كانت تنجب البنات، وبعد نمر بسنة واحدة جاء نادر، الذي سماه والده بهذا الاسم قبل ولادته، فكان جميل الخلق والخلقة، بملامح محببة جعلته قريباً من الناس مرغوباً منهم.
التحق نادر أبو الشعر بمدرسة الراهبات الوردية التابعة للاتين في الحصن مع شقيقه وشقيقاته، فقد كان حاد الذكاء منذ تفتق وعيه، محباً للأحاجي التي تعتمد على المسائل الحسابية، كما كان مغرماً بأدوات التصليح والصيانة كالمفكات والمفاتيح والبراغي وغيرها، حتى اعتقد والده أنه سيصبح مهندساً، وقد أحطته والدته بعناية خاصة ورقابة شديدة، خوفاً على سلامته لشدة تعلقها به ونظراً لبنيته الجسدية الرقيقة.
بعد أن أنهى نادر المرحلة الابتدائية في الحصن، وكان والده المتعلم يعمل من أجل أن يحصل ولداه على تعليم جيد، لذا أقنع والدتهما من أجل أن يرسل أولاده إلى مدرسة تدرس اللغة الإنجليزية، فأرسلهما إلى مدرسة ( الفرندز ) في مدينة رام الله في فلسطين، وهو مدرسة داخلية، فغادر نادر مع شقيقه نمر إلى رام الله في سن صغيرة، تاركين العائلة والأصدقاء في بلدة الحصن، وقد تحملت الوالدة ألم الغياب في سبيل حصولهما على تعليم كافٍ، وفي العام الثاني لوجودهما في رام الله ومع زيادة وتيرة الاعتداءات اليهودية في فلسطين، خشي غازي أبو الشعر أن يتعرض أبناؤه للأذى من هجمات اليهود، لذا قام نقلهما إلى مدرسة كلية تراسانطة في عمان، حيث سكنا في القسم الداخلي في الكلية.
وقد حافظ نادر أبو الشعر على تميزه في الدراسة، حيث زامل خلال وجوده في الكلية عدداً الطلاب الذين أصبحوا من رجالات الأردن فيما بعد منهم: أمجد المجالي، أكثم القسوس، علي أبو الراغب وأيمن هزاع المجالي وغيرهم، وقد تميز نادر بتفوقه باللغة الإنجليزية والرياضيات، وكان من أوائل طلبة المدرسة في الثانوية العامة، وقد قُبل في جميع الجامعات التي تقدم لها خاصة في بريطانيا، غير أن رأيهم استقر على الدراسة في جامعة ( بادوفا ) في ايطاليا لسمعتها في مجال تدريس الطب، حيث قبل الشقيقان معاً، فاصطحبهما والدهما غازي أبو الشعر إلى ميناء بيروت، حيث ركبا السفينة التي حملتهما إلى ميناء فنيسيا في ايطاليا، حيث استقبلهما السفير الإيطالي في عمان وزوجته، مما سهل عليهما إجراءات التحاقهما بالجامعة، فقد تعلم نادر اللغة الإيطالية بسرعة كبيرة، واختار دراسة الطب، الذي أحبه وبرع فيه، حتى لفت أنظار مدرسيه، الذين رأوا فيه شاباً ذكياً وسريع التعلم، فتميز بدراسته الجامعية كما كان متميزاً منذ أيام المدرسة.
حصل نادر أبو الشعر على شهادة البكالوريوس في الطب عام 1968، وقد أدرك حاجة وطنه لأطباء مختصين، ونظراً لرغبته وتفوقه فقد فتحت أمامه أبواب إكمال دراسته الجامعية في الجامعة نفسها، وقد اختار أن يتخصص بالجراحة العامة، وخلال هذه الفترة عمل مع البروفسور وشيخ الجراحين في ايطاليا ( كراثر ) فحصل على خبرات ومهارات واسعة في الجراحة العامة، ولما لمس براعة نادر بالجراحة عينه مساعداً ثانياً له، وسرعان ما عاد وعينه مساعداً أول له، وكان هذا منصبا كبيرا طمح له كل من عمل مع الجراح ( كراثر ) مما أثر غيرتهم منه، فأظهروا له الحسد والغيرة، لكنه لم يكترث لذلك وعمل بنشاط وتركيز كبيرين، حتى حقق مراده وحصل على شهادة التخصص في الجراحة العامة عام 1974، وخلال تلك الفترة تزوج نادر أبو الشعر من الفتاة إيطالية ( انطونيا بوسكين ) تحمل شهادة في التمريض، وجرت مراسم الزوج في كنسية بإحدى قرى إيطاليا عام 1975، وقد عادت معه إلى الأردن واستقرت في الحصن.
بعد عودة الدكتور نادر إلى الأردن فضل أن يعمل في مستشفى الأميرة بسمة في اربد، ليبق قريباً من أهله، وأن يخدم أبناء منطقته، رغم عرض وزير الصحة عليه حينها طراد القاضي أن يختار مستشفى في عمان، نظراً لتوفر الإمكانيات الطبية، لكنه أصر على موقفه، وقد عمل في هذه المستشفى حتى عام 1979 حيث عين في ذلك العام رئيساً لقسم الجراحة في المستشفى واستمر بمنصبه هذا حتى عام 1986، وكان قريباً من الناس، بسيطاً ومتواضعاً، يساعد كل من يحتاج إلى المساعدة ولا ينتظر كلمة شكر، كما كان على علاقة قوية بالنخب المثقفة ورجال السياسة، وعندما أقيمت الانتخابات النيابية التكميلية في دائرته نتيجة وفاة النائب يعقوب معمر، قرر الدكتور نادر أبو الشعر أن يخوض غمار هذه التجربة، فحقق فوزاً كبيراً عام 1986، ليصبح نائباً في مجلس النواب العاشر.
وضعت التجربة البرلمانية نادر أبو الشعر في بؤرة العمل التشريعي والسياسي، وغذت علاقاته مع رجال الحكم والسياسة والإعلام في العاصمة عمان، وقد كرس جزءاً كبيراً من وقته وجهده من أجل خدمة أبناء منطقته وتحسين أحوالهم، وقد أمضى عامين نائباً إلى أن حل هذا المجلس، من أجل فسح المجال لإقامة انتخابات جديدة، وقد خاض أبو الشعر هذه الانتخابات التي أقيمت عام 1989، غير أن الحظ لم يحالفه هذه المرة، حيث فاز منافسه الدكتور ذيب مرجي، الذي حظي بدعم القوى اليسارية والقومية. بعد ذلك عاد الدكتور نادر أبو الشعر لممارسة مهنته الأساسية كطبيب جراح من خلال عيادته الخاصة، وبقي على صلة قوية مع الناس والنخب المختلفة، وهو الذي عرف بخلقه الرفيع وطيب قلبه وكرمه العميم، وقد واصل أداء واجبه كطبيب محترف ذائع الصيت بهمة عالية.
قرر الدكتور نادر أبو الشعر خوض الانتخابات النيابية للمرة الثالثة، وذلك من خلال الانتخابات النيابية التي جرت عام 1993، وقد حقق فوزاً كاسحاً عن المقعد المسيحي، وعاد عندها ليثبت مكانته كنائب كبير، فرض احترامه وتقديره على الجميع لما تميز به سمات شخصية محببة، وإمكانيات علمية وعملية وثقافة موسوعية جيدة، فاشترك بعدد من اللجان البرلمانية كاللجنة المالية ولجنة الحريات العامة ولجنة الصحة وسلامة البيئة ولجنة إستراتيجية الطاقة والمياه وغيرها من اللجان. أصبح نادر أبو الشعر وزيراً للعمل في حكومة الأمير زيد بن شاكر الثالثة، وقد كان وزيراً نشيطاً ومثل الأردن في عدد من المؤتمرات الدولية والعربية، وفي عام 1997 صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه عضواً في مجلس الأعيان حيث احتفظ بعضوية هذا المجلس أواخر شهر تشرين الثاني عام 2001. وبينما كان الدكتور نادر أبو الشعر في ذروة نشاطه وعطائه تعرض لجلطة قلبية نتج عنها وفاته في الثاني عشر من شهر شباط عام 2004، وشكل فقدانه المفاجئ خسارة كبيرة، وخلف ألماً لدى أهله ومحبيه وكل من عرفه وعمل معه، غير أن منجزه العلمي ومكانته السياسية والشعبة وعمله الطيب تبقيه حياً في الذاكرة جيلاً بعد جيل.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|