الأستاذ الجليل صالح الدرادكة

الأستاذ صالح درادكة

يعد الحديث عن شخصية الدكتور صالح درادكة حديثا عن واحد من أهم رجالات الأردن الممتد تاريخهم والمشهود لهم بإنجازاتهم العظيمة ، حيث تكبر الأمة بأولي العلم وبأرباب الفكر فالأرض الأردنية ولاّدة لرجالات عرَّفوا العالم بأن هذه الأمة العربية هي أمة عظيمة في رسالتها وثقافتها ، رجالات كانوا دوماً على العهد ، فأوفوا بعهد الوفاء ونذروا كل ما يملكون من الغالي والنفيس قرباناً ليزيدوا من خلاله حبهم لوطنهم عن طريق بعث النهضة العلمية الحديثة والعمل على إرساء قواعد التقدم والتطور والسير بالأجيال إلى الأمام فهو بحق أستاذ جليل صاحب عقل مستنير وعمل ونتاج غزير حرص على أن يقدم لطلابه كل ما لديه من مخزونه العقلي والمعرفي. 

ولد الدكتور صالح درادكة في قرية زوبيا الواقعة شمال الأردن عام (1938). والتحق بكتّاب القرية في سن مبكرة ثم عَمًد والدُه إلى إرساله إلى مدرسة دير أبي سعيد لمواصلة تعليمه ، وفي هذه المدرسة درس عامين فقط نظراً لقيام معظم أبناء القرية بترك الدراسة فما كان من والده إلا أن قام بنقله إلى مدرسة العروبة الواقعة على سفح التل الجنوبي في اربد ثم عاد إلى مدرسة دير أبي سعيد وتقدم لامتحان المترك وذلك في نهاية الصف السابع ، درس الأول والثاني والثانوي في مدرسة الرمثا ثم انتقل إلى مدرسة اربد الثانوية معلماً في إحدى المدارس الإعدادية. 

ثم التحق بجامعة دمشق عام (1962) ليكمل دراسته في قسم التاريخ وليتخرج عام (1966) حاصلاً على شهادة البكالوريوس ثم التحق بجامعة الأزهر بالقاهرة لدراسة الماجستير وقد تخرج من جامعة الأزهر عام (1972) حاصلاً على تقدير جيد جداً بعدها التحق ببرنامج الدكتوراه تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبد الفتاح شحاته وقد قدم أطروحته والتي تحمل عنوان "العلاقات العربية اليهودية حتى نهاية عهد الخلفاء الراشدين" وذلك عام (1977) وحصل على درجة الدكتوراه في التاريخ والحضارة الإسلامية بمرتبة الشرف الأولى ثم جرى تعيين الدكتور صالح درادكة في جامعة مراكش لتدريس الحضارة العربية الإسلامية وذلك في العام الدراسي 1978 - ,1979 ونظراً للمستوى العلمي والأكاديمي الذي يتحلى به الدكتور الدرادكة فقد تم تعيينه في قسم التاريخ في الجامعة الأردنية. وقد بدأ عمله في الجامعة الأردنية في 3 ـ 10 ـ 1978 كمحاضر. 

وللأستاذ الدكتور صالح درادكة العديد من الأنشطة بالإضافة إلى عمله الأكاديمي فقد كان رئيساً لقسم التاريخ في الفترة ما بين 1990 - 1995 واختير مشرفاً عاماً على لجان تأليف كتب التربية الوطنية والاجتماعية للمرحلة الأساسية لوزارة التربية والتعليم الأردنية للعام 1992 ـ 1993 وذلك بتكليف من الجامعة الأردنية واختير أيضاً عضواً في الوفد الأردني للمؤتمر العام لليونسكو في دورته السابعة والعشرين وممثلاً للوفد في اللجنة الثقافية ، كما شغل أيضاً نائباً لرئيس جامعة جرش الخاصة من 1995 - 1996 وعمل رئيساً لتحرير مجلة جرش للبحوث والدراسات من 1995 - 1998 وأيضاً مستشاراً لمناهج التاريخ لدى سلطنة عُمان من 1998 - 2001 ونائباً لعميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية لشؤون البحث العلمي والدراسات العليا للعام الجامعي 2001 - 2002 . 

ورئيساً لقسم التاريخ من 2003 - 2004 ، كما جاء أستاذاً زائراً في قسم التاريخ ـ جامعة اليرموك (إجازة تفرغ علمي) من 2004 - 2005 . 

وللدكتور الدرادكة العديد من المؤلفات منها بحوث في تاريخ العرب قبل الإسلام ، الإنسان في القرآن ، العلاقات العربية اليهودية حتى نهاية عهد الخلفاء الراشدين ، طرف الحج الشامي في العصور الإسلامية ، فتوح الشام للواقدي - جمع وتحقيق ودراسة. وهناك أيضاً العديد من المؤلفات التي شارك في تأليفها منها المناقب المزيدية في أخبار الملوك الأسدية ، وكتاب السمات الإنسانية في الحضارة العربية الإسلامية ، أعمال الندوة العلمية الثقافية لأعمال المؤتمر الدولي الرابع لتاريخ بلاد الشام ، بحوث ودراسات مهداة إلى عبد الكريم غرايبة ، بلاد الشام في العصر العباسي ، كتب التربية الوطنية والاجتماعية لوزارة التربية والتعليم العمانية من الصف الثاني وحتى السادس وغيرها الكثير من المؤلفات. بالإضافة إلى العديد من البحوث المنشورة منها الديمقراطية والدستورية في الإسلام ، لمحات من تاريخ أيلة (العقبة) في العصر الإسلامي ، الحرب عند القبائل العربية قبل الإسلام ، سكة حديد الحجاز ، البريد وطرق المواصلات في بلاد الشام في العصر العباسي بالإضافة إلى العديد العديد من البحوث المنشورة وقد أشرف الأستاذ الدكتور صالح درادكة على خمسة عشرة رسالة دكتوراه وأشرف على اثنين وعشرين رسالة ماجستير ولا يفوتنا أن نتطرق إلى ذكر بعض الندوات والمؤتمرات التي شارك فيها الأستاذ الجليل صالح درادكة ومنها: مؤتمر تاريخ العرب العسكري ، المؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام ، الندوة العالمية لمالية الدولة في صدر الإسلام ، الندوة العالمية الخامسة للسمات الإنسانية في الحضارة الإسلامية ، الندوة العالمية لشؤون القدس ، المؤتمر العالمي للدراسات المورسكية ، مؤتمر اتحاد الجامعات العربية المنعقد في الجزائر ، ندوة القدس بين الماضي والحاضر ، ندوة دمشق عبر التاريخ ، المؤتمر الدولي الثامن لتاريخ بلاد الشام. 

وقد حصل الدكتور صالح درادكة وعبر مسيرة عمله على العديد من الأوسمة منها وسام المؤرخ العربي ووسام التربية والتعليم الأردني بالإضافة إلى حصوله على العديد من كتب التقدير من مؤسسات عربية وأردنية. 

وقد نظمت الجامعة الأردنية احتفالية خصت بها الأستاذ الدكتور صالح درادكة تم فيه ذكر مناقبه وصفاته وإنجازاته العملية ، وكان للدكتور الدرادكة مشاركة قال فيها: إن هذه الاحتفالية ترمز إلى عناية الجامعة بالعلم والعلماء والحرص على أن تحافظ الجامعة على مسارها الذي أنشئت من أجله ، فقد وجد العلم لاستكشاف المجهول ، ولجعل الإنسان صالحاً للحفاظ على الحياة واستمرارها ، كما أراده الله خليفة في الأرض ، ليعمرها ويصلح فسادها والإنسان يتنازع في ذاته بين الصلاح والفساد وليس هذا التنازع شرا كله ، وإنما هي حالة تهدي إلى الصواب فالله سبحانه يقول: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" ووصف النفس باللوامة والأمارة بالسوء ويتمثل النجاح والخلاص بكبح الشر والنزوع نحو الخير والفضيلة وهنا يأتي دور المعلم الأب الروحي للأجيال الحالية والقادمة فهو رسول الحياة التي أرادها الله لبني البشر ، ولا يقاس عمل المعلم بما يتمتع به من فصاحة وبيان وحسن هندام ، وإنما يقاس نجاحه في مقدار ما يتركه من أثر في تكوين طلابه بعد مرور الزمن ، أي بمقدار ما يدينون له باكتساب مهارة البحث والتنقيب والجد والمثابرة ، والجرأة والصدق في طرح الرأي وقبول غيره بعد التثبت والإلمام. فالأصل أن يظل المعلم معطاءً متفانياً ، دونما طلب للشهرة والجاه والمال ، وإلا تحول إلى تاجر المفسدات والله يصف النخب المجتمعية: "بالذين آمنوا وعملوا الصالحات" إننا بأمس الحاجة للذين يعملون الصالحات فهؤلاء في نور الله "في جنان العلم" ونور الله لا يهدى لعاصي ، والعاصي الذي يخرج عن طاعة الله ويدخل في طاعة الشيطان والطاعة هنا لا تتمثل بالعبادات فقط وإنما بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهؤلاء هم المفلحون. 

وقد تحدث الأستاذ الدكتور مفيد عزام في شخصية الدكتور صالح درادكة فقال: لقد عُرف الدكتور صالح درادكة بتبحره في علوم التاريخ إيماناً منه بأن الأمة التي تطل على تاريخه تقوى على ترميم حاضرها وبناء مستقبلها فالتاريخ عنده هو موئل الحكمة ومصدر العظمات والعبر ، ونحن إذا نحتفي اليوم بالدكتور صالح درادكة ، فإنما نحتفي به عالماً جليلاً وباحثاً صبوراً غيوراً ما انفك طيلة يومه الدراسي ، يتحرى المعلومة ، ويبحث عن الحقيقة من مظانها ، حتى أغنى النفوس الظامئة إلى العلم والارتقاء في سُلّمه وأثرها بالحكمة والرأي السديد. 

وقد تحدثت الدكتورة غيداء خزنه كاتبي في الاحتفالية التي أقامتها الجامعة الأردنية بمناسبة بلوغ الأستاذ صالح درادكة سن السبعين فقالت: إن بقاء الحضارات وامتدادها ، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى إنسانيتها ، وأن تكريم الإنسان للإنسان يكون باحترام فكره وتقدير انجازاته ، ونلتقي اليوم بهذا الجمع المفكر لتكريم الفكر ورفع شأنه ، والمتمثل في تكريم الأستاذ الدكتور صالح درادكة ، الذي قدم خلال مسيرته العلمية مؤلفات عدة ، أثرت المكتبة العربية بموضوعاتها ، بل غدا بعضها مرجعاً للعلماء لما تضمنه من معلومات موثقة لا يعرفها إلا القلة من الباحثين ويجهلها الكثيرون من المتعلمين ، بالإضافة إلى العديد من الدراسات التي اتسمت بالجدية والتنوع. 

يسجل لأبي سلام بأنه رجل المهمات الصعبة لم يجامل على حساب الوطن بل ظل الأردن هاجسه الدائم يعشق العمل ويقدس تراب الوطن. والدكتور صالح درادكة الذي يمتلك الخبرات الكثيرة والعلم الوفير نجده اليوم يمضي الكثير من وقته في القراءة والكتابة ويحاضر ويكتب كل ما من شأنه أن يخدم العلم ، وما زال وبحمد الله يتمتع بصحة جيدة وذاكرة قوية تؤهله لخدمة الأردن.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).