خليل اللوباني .. أول نقيب للمهندسين الزراعيين



لم يكن المهندس الزراعي  خليل اللوباني ؛مجرد مزارع نال خبرة عملية وعلمية واسعة وحسب، بل هو عاشق حقيقي للأرض،محب للزراعة والإنتاج، إلى الحد الذي أوقف حياته منذ أيام المدرسة عليها ومن أجل المزارعين المثقلين بالتعب والنكسات المتكررة، فكان واحداً من الرجال الذين كانوا بمثابة صمام الأمان لهذا القطاع الاستراتيجي، فقد شكل من خلال سلوكه وعلمه وعمله نموذجاً فريداً للمزارع الذي أحب الزراعة فعشق الأرض الأردنية، ولم يبخل بشيء من علمه وحبه ليكون الأردن مزرعة كبيرة متنوعة الإنتاج ومكتفية بذاتها في كثير من السلع الزراعية المهمة، وهو نهج تميز به حتى أيامه الأخيرة، فقد درس وبحث كثيراً، وشيّد المزارع على أسس علمية تلاءم البيئة والمناخ الأردني، وأولى تحسين البذار وزراعة الزيتون والأشجار المثمرة المحسنة عانية خاصة، وعمل على نقل وتعميم هذه التجارب الناجحة على نطاق واسع، من خلال عمله في وزارة الزراعة، خاصة في مجال الدراسات والإرشاد.

شهد خليل اللوباني منذ شبابه الباكر نهوض قطاع مهم ما زال حتى اللحظة يعد خط الدفاع الاستراتيجي الأول عن حاضر ومستقبل الوطن، والمصدر الأساسي للأمن الغذائي، أنه القطاع الزراعي الحيوي، الذي اعتمد عليه الأردن عبر التاريخ في بناء حضاراته المتعاقبة، وفي تأمين سبل البقاء والنماء منذ تأسيس الإمارة في مستهل العقد الثاني من القرن العشرين، رغم أن الزراعة كانت لفترة قريبة مصدر العيش لغالبية الأسر خاصة في البلدات والأرياف، إلا أنها عانت منذ أمد بعيد من مخاطر عدة تتفاقم مع الأيام، مثل تراجع كميات الأمطار الهاطلة سنوياً وازدياد فترات الجفاف، والتصحر المتواصل الناتج عن بالإضافة لما ذكر، عوامل تعرية التربة، وتراجع الغطاء النباتي، نتيجة التحطيب والرعي الجائر، كما أن زحف المدن والبلدات نحو الأراضي الزراعية، نتج عنه تراجع منتوج كثير من المحاصيل خاصة الحبوب وعلى رأسها القمح، وأدى استنزاف الموارد المائية السطحية والجوفية، لتغطية الحاجة المتزايدة لمياه الشرب والاستخدامات المنزلية والصناعية، إلى تفاقم العوامل التي تركت نتائجها الكارثية على هذا القطاع الحيوي، الذي كرس خليل اللوباني حياته كلها من أجل تحسينه وحمايته والارتقاء بمستواه.

ولد الدكتور خليل اللوباني في مدينة اربد في شهر شباط من عام 1925، وكانت اربد في ذلك الحين بلدة ناشطة بالحركة، وتستعد لتطورها السريع الذي جعل منها خلال فترة ليست بالطويلة واحدة من كبرى مدن الأردن، وقد تربى اللوباني في حاراتها ودبت خطواتها في دروبها وشوارعها، وعندما وصل إلى سن الدراسة درس في مدارس اربد، وقد اثبت تفوقه الدراسي منذ سنواته الأولى، لذا أقبل على الدراسة بكل رغبة حقيقية رغم الظروف الحياتية الصعبة التي عانى منها الناس في تلك الأيام، غير أن خليل اللوباني قد أدرك بلا شك مع تفتح وعيه مع تقدمه في المدرسة من سنة إلى سنة، أن حلمه في الحياة يتحقق من خلال التعليم، وهذا يتسق مع حاجة الأردن عندها إلى الشباب المتعلم، من أجل النهوض بالبلاد من خلال التنمية الشاملة، فقد تمكن من إنهاء صف الثاني ثانوي من مدرسة اربد عام 1942، وقد وقع عليه الاختيار ليكون طالباً مبعوثاً من شرق الأردن، إلى مدرسة « خضوري « الزراعية في طولكرم، وقد درس في هذه المدرسة مدة سنتين نال بعدها شهادة الدبلوم الزراعي.

عاد   اللوباني إلى الأردن مستعداً لبدء ترجمة حبه للزراعة بشكل عملي، وذلك من خلال افتتاح مشواره الوظيفي بحصوله على وظيفة معلم في وزارة التربية والتعليم، وذلك عندما عين معلماً للزراعة والعلوم في مدارس مدينة اربد عام 1944حتى عام 1946، وقد تميز بتفانيه في التدريس، وتركيزه على غرس قيم حب الأرض وفلاحتها لدى الطلبة، ورغم تجربته القصيرة في مجال التدريس إلا أنها من التجارب المهمة في حياته المهنية، وقد عين بعد ذلك في وزارة الزراعة، حيث أصبح مأمور وقاية في مديرية زراعة اربد، وقد أهلته شهادة الأكاديمية لهذه الوظيفة، التي برز فيها بسرعة، حتى تم اختياره من قبل الحكومة من أجل إيفاده في بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 1952 بعث إلى جامعة أريزونا / توسان ومن بعدها إلى كنساس منهاتن حيث حصل منها على شهادة البكالوريوس في الزراعة عام 1955، وكانت هذه الشهادة التي حصل عليها من أهم الجامعات الأمريكية كفيلة بأن تفتح أمامه آفاق عملية كبيرة، لكنه تمسك بهدفه الساعي إلى نيل أعلا الدرجات العلمية.

اختار اللوباني مواصلة مشواره في تلقي العلم بأمريكا، حيث التحق بجامعة « الينوي « مباشرة وتمكن من خلال اجتهاده ومثابرته الحصول على درجة الماجستير، التي اتبعها مباشرة دراسة الدكتوراه، حتى نال درجة الدكتوراه في الزراعة من الجامعة نفسها عام 1959، ليكون بذلك من جيل الرواد في هذا المجال، ومن أوائل من نال الدكتوراه في الزراعة، حيث عاد إلى الأردن مسلحاً بالعلم والمعرفة والخبرة الكبيرة، ليوظف ذلك كله في تطوير قطاع الزراعة في وطنه، فقد عمل باحثاً زراعياً في وزارة الزراعة بمديرية البحوث العلمية، بعد ذلك أصبح رئيساً لقسم الوقاية ومكافحة الجراد، في فترة عانت الزراعة في الأردن من بعض الآفات الزراعية، وقد كانت له بصماته الخاصة في تطوير عمل وتقنيات هذا القسم المهم، غير أن خبرته وما اكتسبه من معارف أكاديمية تجلت في أفضل صورها، عندما عين مديراً لمديرية البحث العلمي في مجالات الزراعة بالإضافة لرئاسته قسم الوقاية، حيث عمل على عدد كبير من الدراسات الزراعية، وأشرف على عدد آخر، منشطاً البحث والدراسة، مما أدى إلى تحسين الزراعة وتجويد منتجها، لتصبح الأردن في مقدمة دول المنطقة في إنتاج وتصدير عدد من المنتجات الزراعية.

لمع اسم   اللوباني في وزارة الزراعة وأوساط المزارعين، ونظراً لمكانته العلمية ولخبراته الكبيرة، عين بمنصب مساعد وكيل وزارة الزراعة – مساعد الأمين العام – وقد ساعده هذا المنصب في تنشيط القطاع وتذليل كثير من العقبات التي تواجهه، كما عمل على تحسين مدخلاته وبالتالي تحسين منتجاته بما يعود بالفائدة على المزارع والدخل القومي للأردن، وقد استمر في منصبه هذا حتى ا عير من قبل الحكومة الأردنية إلى منظمة الزراعة والأغذية الدولية ( الفاو ) في مقرها بالعاصمة الإيطالية روما، وقد عمل في هذه المنظمة العالمية الكبيرة مدة سنتين، وقد اكتسب خلال هذه الفترة خبرات ومهارات عديدة، كما قدم صورة مشرفة عن الكفاءات الأردنية، حيث نال إعجاب كل من عمل معه، وحظي بمحبة الجميع، وقد عاد إلى بلده ليعين مديراً للتخطيط والدراسات في وزارة الزراعة، حتى عين وكيلاً لوزارة الزراعة – أمين عام – في السادس عشر من شهر تشرين الثاني 1967.

لقد طبق  اللوباني في المواقع والمناصب التي حل بها ما تعلمه من نظريات علمية، وما حصله من خبرات كثيرة، مما كفل له التميز والنجاح المتواصل، كما مثل الأردن في عدد كبير من المؤتمرات والندوات العربية والعالمية، منها: المؤتمر الإقليمي السادس لمنظمة الفاو في لبنان، واجتماع الخبراء العرب الذي عقد لبحث شؤون وقاية المزروعات والحجر الزراعي، والذي أقامته جامعة الدول العربية في القاهرة عام 1962، كذلك شارك في مؤتمر منظمة الفاو عام 1963، ومثل الأردن في اجتماع 28 للجنة الفرعية لمكافحة الجراد الصحراوي التي عقدت عام 1963 في بيروت.

كان خليل اللوباني ناشطا نقابيا لافتا، فقد كان من مؤسسي نقابة المهندسين الزراعيين، حيث أنتخب نقيباً لها ليكون أول نقيب لنقابة المهندسين الزراعيين، كما كان من أوائل من عمل على إنشاء المشاتل، التي عمل من خلالها ومن خلال بحوثه الزراعية على إنتاج أصناف محسنة من الزيتون وبعض الأشجار المثمرة، بطرق علمية ناجحة، كما أسس مزرعة نموذجية ما زالت عامرة ومنتجة، وكان له جهود ملموسة في تطوير الزراعة في وادي الضليل ومنطقة الحلابات، وقد نال خليل اللوباني خلال حياته على وسام الاستقلال من الدرجة الأولى عام 2001، كما نال وسام الحسين للعطاء المتميز من الدرجة الأولى عام 2006، كان اللوباني كريماً ومعطاءً ومحباً للخير، يساعد الناس بما يستطيع، واستمر على نهجه هذا حتى وفاته عام 2011، ومازالت مرارة فقده تعشش في قلوب كل من عرفه وأحبه.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).