بشير حسن أحمد الصباغ

بشير الصباغ

كان تربوياً بامتياز، وبقي كذلك حتى في مناصبه السياسية والإدارية، يحلق في فضاء التربية والتعليم، فكان من الرواد الأوائل، الذين كانت لهم جهود تأسيسية كبيرة، جعلت من الأردن في فترة زمنية قصيرة، منارة علم، ومقصد طلبة العلم من أقاصي الأرض، وانطلق الشباب الأردنيون في بلاد الوطن العربي، معلمين ومربين، يخدمون الأمة بإخلاص ومحبة، ولم يكن للأردن أن تحصل هذه المكانة العلمية، رغم ضيق ذات اليد، والاضطراب السياسي في المنقطة، لولا جيل من الرواد من رجالات الوطن الأوفياء، من أمثال بشير الصباغ، المعلم والوزير وقاضي القضاة، الذي كرس سنوات عمره للكلمة الصالحة والخلق الرفيع، متحصلاً على محبة الناس وتقديرهم لشخصه وعمله.

ولد بشير الصباغ في مدينة اربد شمالي الأردن، حيث ولد في عام 1919، وكان والده حسن أحمد السيبراني الصباغ، قد استقر في اربد قادماً من بلدة ( جاسم ) الحورانية، التي هجرها من أجل الإقامة في مدينة اربد في حدود عام 1850، أي منذ منتصف القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي شهدت فيها المنطقة حراكاً ديموغرافياً متنوعاً، نتيجة اضطراب الأحوال السياسية والمعيشية في منطقة شرق المتوسط، وفي اربد ارتبط لقب ( السيبراني ) بأحمد الصباغ، نسبة لنهر سيبر الصغير، الذي يمر بالقرب من قرية جاسم الحورانية، وقد أصبح أحمد الصباغ واحداً من أبناء المنطقة بسرعة، حيث أندمج سريعاً مع الأهالي، وتمكن من بناء علاقات قوية مع محيطه الجديد، ونال محبة الناس وثقتهم، حتى أن بعض الروايات تذكر، أنه أصبح رئيساً لأول مجلس بلدي تشكل في مدينة اربد، كما أورد ذلك الباحث زياد أبو غنيمة.

تزوج أحمد الصباغ بفتاة من عشيرة الرشيدات، ورزق بأولاد كان لهم دورهم الفاعل في مدينة اربد ومحيطها. وقد نشأ بشير حسن الصباغ في مسقط رأسه اربد، كما هو حال أبناء البلدات والمدن الصغيرة في تلك الفترة، حيث كان ضيق ذات اليد، وندرة المدارس، والفقر سمة غالبة، تضع الناس بمستوى واحد، يعيش أبناء الفقراء وأبناء الأغنياء ظروفاً متشابهة، لكون الفرص المتاحة شبه متساوية. وقد درس بشير الصباغ  المرحلة الابتدائية في اربد، وكان منذ صغره طالباً مجداً، نال تقدير وإعجاب معلميه وتشجيعهم، فواصل دراسته الثانوية في مدرسة اربد الثانوية، حتى نال شهادة الثانوية العامة عام 1938، وقرر أن يحقق حلمه في إكمال دراسته الجامعية، فانفتحت أمامه كثير من الخيارات، التي أصابته ببعض الحيرة والارتباك، فلقد احتار بين الدراسة في جامعة ( الروبرت كولدج ) في بيروت والجامعة السورية – جامعة دمشق – والجامعة الأمريكية في بيروت، ونتيجة لذلك أضاع سنة بعد الثانوية العامة، فعمل في جزء منها معلماً في عمان.

استقر رأي بشير الصباغ على الدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت، فسافر إلى لبنان ليلتحق بكلية العلوم في الجامعة، وكانت الجامعة الأمريكية ملتقى الشباب العرب من مختلف الأقطار، وشهد حرمها قيام حركات قومية وسياسية عديدة، كان لها دور بارز في الحراك السياسي في العقود الثلاثة اللاحقة، وقد خرجت هذه الجامعة عدداً من رجالات الوطن في مختلف الميادين، وكان لهذه الفترة تأثير حاسم في فكره وحياته العملية، حيث قام ببناء علاقات صداقة قوية مع عدد من رموز الثقافة والعلم والسياسية العرب، وفي عام 1943 تخرج من الجامعة حاصلاً على شهادة البكالوريوس في العلوم، عاد بعدها إلى وطنه الأردن مسلحاً بالعلم والرغبة في العمل المخلص، لذا باشر بالانضمام لمعلمي التربية والتعليم، وعين مدرساً في المدرسة التي تخرج منها، وهي مدرسة اربد الثانوية للبنين، وقد عمل مدرساً فيها بين عامي 1943 وعام 1944، حيث تم ترقيته بعد ذلك ليصبح مديراً للمدرسة، ومرد ذلك ندرة الشهادات العلمية الجامعية، مما منحه ميزة سرعت في ترقيته الوظيفية.

انتقل بشير الصباغ من اربد إلى مدينة السلط عام 1946، ليصبح مديراً للمدرسة الأشهر في الأردن، وهي مدرسة السلط الثانوية، لكنه لم يستمر في هذا المنصب أكثر من عام واحد، فلقد قرر الاستقالة من العمل في وزارة التربية والعليم – وزارة المعارف حينها – حيث عمل مع عدد من رجال التربية والاقتصاد، على تأسيس مدرسة الكلية العلمية الإسلامية، ليتفرغ لرئاسة الكلية منذ عام 1947، ورغم تعدد المناصب التي شغلها بعد هذا التاريخ، كان يعود دائماً لممارسة عمله في رئاسة الكلية العلمية الإسلامية، ولم ينقطع عنها حتى قرر إحالة نفسه على التقاعد، فلقد بقي مخلصاً لرسالته التربوية، مؤكداً على أهمية دور المعلم في بناء الأجيال، والتمهيد لمستقبل زاهر للأمة والوطن.

تسلم بشير الصباغ أول منصب وزاري، في حكومة دولة بهجت التلهوني، التي شكلت بتاريخ 28/6/1961، عندما أسند إليه حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى منصب قائم بأعمال قاضي القضاة، وبذلك دخل الصباغ عالم السياسة بكل ما فيه من مهام وتعقيدات، وقد تميز بمقدرته على النهوض بأعبائها باقتدار، وعندما أجري تعديل وزاري على حكومة التلهوني، في تشرين الثاني عام 1961، أصبح الصباغ وزيراً للتربية والتعليم ووزيراً للشؤون الاجتماعية، وكان لهذه المناصب المتزامنة التي أسندت إليه، دلالة على ما تمتع به من ثقة ومعرفة وخبرة، أهلته لاستلام أرفع المناصب الإدارية والسياسية، ولم يكن يعني له المنصب، أكثر من كونه أمانة تصان وثقة يجب المحافظة عليها، وأعباء عليه تحمل مشاقها وتبعاتها.

عاد بشير الصباغ إلى المناصب الوزارية، وذلك عندما جرى تعديل حكومة الشريف حسين ناصر، والتي شكلت في 9/7/1963، حيث تسلم حقيبة وزارة التربية والتعليم، وكذلك قائماً بأعمال قاضي القضاة، وكان هذا التعديل قد جرى في بتاريخ 1/11/1963، وعندما كلف دولة بهجت التلهوني بتشكيل الحكومة مرة أخرى بتاريخ 6/7/1964، شغل الصباغ منصب وزير التربية والتعليم، وفي تعديل جرى بتاريخ 25/4/1968، على حكومة بهجت التلهوني التي شكلت في 7/10/1967، عاد ليتسلم مهام المنصب الوزاري نفسه، واستطاع خلال عمله في وزارة التربية والتعليم، من العمل على توظيف خبرته في هذا المجال، وتطوير عمل الوزارة وتأهيل كوادرها، وتحديث مناهجها، وهو ما انعكس على نوعية التعليم، مما وضع الأردن في مكانة متقدمة في هذا المجال.

وكان بشير الصباغ يعود إلى رئاسة الكلية العلمية الإسلامية، كلما غادر المنصب الوزاري، فلقد كانت هذه المؤسسة التربوية التعليمية قريبة إلى نفسه، واعتبرها بمثابة بيته وموضع أحلامه وتطلعاته، وكان له مع عدد من المعلمين الأفاضل، دور في وضع الكلية العلمية الإسلامية، في مقدمة المدارس الخاص، في مرحلة صعبة من مراحل بناء الدولة الأردنية، حيث كان لهذه المدرسة فضل في تعليم عدد من كبار رموز ورجالات الدولة الأردنية، فقد درس فيها المغفور له الملك الحسين بن طلال، وعدد من أصحاب السمو الأمراء، ولا زالت هذه المؤسسة الرائدة في طليعة المدارس الخاصة، وفي الوقت نفسه لم ينقطع عن وزارة التربية والتعليم، حتى بعد خروجه من الوزارة كوزير، فقد كان له مشاركات متعددة في مجالس التربية والتعليم، خلال الفترة من عام 1961 وحتى عام 1969، وكذلك في مجالس التعليم العالي، ومجلس الأوقاف.

خلال مسيرة حياته الحافلة بالعطاء والتميز، التي جعلت منه واحداً من أبرز رجالات التربية والتعليم في الأردن، نال فيها التقدير والتكريم المستحق، فقد منح وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الاستحقاق من الجمهورية السورية، ووسام جمهورية مصر العربية، واستمر بشير الصباغ على رأس مدرسة الكلية العلمية الإسلامية، حتى أحيل على التقاعد بناءً على طلبه بتاريخ 1/8/1999، وعمل على إصدار كتاب بعنوان دليل المعلم، وتوفي المعلم والتربوي الكبير بشير الصباغ في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر أيلول عام 2007.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).