أمنة أبو غنيمة |
تعد آمنة علي أبو غنيمة، إحدى أبرز رائدات التربية والتعليم في الأردن، فقد شهد هذا القطاع نمواً مطرداً منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، رغم غياب البنية التحتية خلال عقود طويلة، عانت فيها البلاد من الإهمال، وغياب شبه تام للتنمية، تحت حكم الدولة العثمانية، الذي دام أربعة قرون، فسادت الأمية بشكل كبير، وعانى الراغبون في التحصيل العلمي، كثيراً من أجل الالتحاق بمداس في الحواضر البعيدة، كدمشق والقدس والقاهرة، وكان نصيب المرأة الأردنية من مصاعب التعليم كبيراً، حتى أن وجود متعلمات منهن يعد نادراً جداً، خاصة خلال القرن التاسع عشر، حتى الربع الأول من القرن العشرين، هذا بالإضافة إلى أن كثيراً من فئات المجتمع في تلك الفترة، لا تشجع التحاق المرأة بالمدارس القليلة، نظراً لعدم انتشار التعليم كما هو عليه الحال هذه الأيام.
رغم هذا الواقع الصعب، فإن عدداً من النساء الرائدات واجهن الظروف الصعبة، وكان لهن قصب السبق في دخول معركة تعليم البنات، لأن التنمية الحقيقة لا تنهض إلا من خلال مجتمع متعلم، تتحقق فيه المساواة بين الرجل والمرأة، وكانت آمنة علي أبو غنيمة وشقيقتها الأكبر زينب، هن من أوائل من تقدمن بخطوات واثقة نحو تلقي التعليم داخل سور المدرسة، فقد تربت آمنة وسط أسرة متعلمة، تقدر التعليم للرجال والنساء على حد سواء، حيث كان والدها تربوياً رائداً، وأول من أنشأ مدرسة خاصة في مدينة اربد، وبالتالي كان له فضل كبير في تشجيع بناته للالتحاق بالمدرسة، رغم تحفظ بعض الأهالي في تلك الفترة من تعليم البنات، وقد دعم أشقاءهن المتعلمين، رغبتهن في الدراسة، وساعدوهن في ذلك، حتى أن شقيق آمنة الأكبر تولى تعليمها بنفسه في البيت خلال السنوات الأولى، مما سهل عليها دخول المدرسة مع شقيقتها زينب.
ولدت المربية الفاضلة آمنة أبو غنيمة، في العقد الأول من القرن العشرين في عام 1909، في مدينة اربد التي كانت بلدة كبيرة شمالي الأردن، الذي كان ما يزال يتبع الدولة العثمانية، التي حاربت التعليم في آخر عهدها، وفرضت اللغة التركية وهمشت اللغة العربية، وقد كان لنشأتها في بيت عرف باهتمامه وتقديره للعلم والمعرفة دور حاسم في توجهاتها لتعليم وتوجهات أخوتها، فقد كان لوالدها تأثير كبير على أفراد البيت، وهو المدرس والمربي الكبير، حيث كان الأخ الأكبر حسن أول أردني يحصل على شهادة دار المعلمين، من اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية، في حين كان شقيقها صبحي من أوائل من حصل على شهادة الطب من جامعة برلين في ألمانيا، وكان لأختها التي تكبرها بسنتين الريادة في الحصول على شهادة دار المعلمات من دمشق عام 1922، وقد تأثرت آمنة بهذا المناخ الذي نشأت وترعرعت فيه، فبدأت مشوارها مع التعليم، عندما بدأت تتلقى دروسها الأولى على يد شقيقها حسن، وذلك لعدم توفر مدارس للبنات في اربد، في تلك المرحلة من تاريخ البلاد.
أظهرت آمنة ذكاءً وتميزاً في دروسها البيتية، وقد ساعدها هذا التميز في تسهيل انتقالها إلى مدينة دمشق، حيث التحقت بمدرسة البيمارستان، وبعد أن أنهت دراستها في هذه المدرسة، التحقت بدار المعلمات بدمشق، وقد أمضت ثلاث سنوات في دار المعلمات، حيث نالت بعدها شهادة دار المعلمات بتفوق، فعادت إلى اربد مسلحة بشهادة علمية، كانت في ذلك تعد خطوة متميزة، فتحت الباب واسعاً لتعليم البنات في الأردن، وقد عينت فور عودتها، مدرسة في مدرسة إناث إربد عام 1923، التي أنشئت قبيل هذا التاريخ بفترة ليست كبيرة، وقد درّست في هذه المدرسة، وشجعت الأهالي على إرسال بناتهم إلى المدرسة، وكان لهذه المبادرة تأثيرها في زيادة عدد الطالبات في المدرسة.
أصبحت آمنة أبو غنيمة مديرة مدرسة الحصن للبنات، التي أسست في ذلك الوقت، وكان شقيقها محمود مديراً لمدرسة الحصن للذكور، وقد تميزت بعملها الدائم على تطوير المدرسة، وانفتحت على المجتمع المحلي، من خلال برنامج زيارات منزلية، للحض على تعليم البنات، والتوعية بأهميته تعليمهن وأثره على تنمية وتطور المجتمع والبلاد، وكانت محبوبة بين المعلمات والطالبات، ولها مكانتها بين نساء اربد والحصن، وقد كان لها إسهامات في بعض الجمعيات الخيرة، التي هدفت إلى خدمت الأهالي. نظراً لالتزاماتها العائلية، اضطرت إلى تقديم استقالتها من التعليم عام 1938، وتفرغت لتربية أبنائها، والقيام على شؤون بيتها، لكنها لم تتخل عن رسالتها التربوية، حيث علمت عددا من البنات في بيتها.
عادت المربية آمنة أبو غنيمة إلى التعليم مرة أخرى، وكان ذلك عام 1950، وكان أن أعيد تعيينها مديرة لمدرسة الحصن للبنات مرة أخرى، فعادت إلى عملها السابق بعد انقطاع سنوات، وكأنها لم تغب عن المدرسة، وقد اتسمت بالحماس والإقبال الكبير على العمل، وأعادت بناء علاقتها داخل المدرسة وخارجها، فكانت قريبة من الطالبات وأنشطتهن المختلفة، منفتحة على المجتمع المحلي، ومقدرة لدور الأهالي في دعم المدرسة في مبادراتها التربوية والتثقيفية المختلفة. بعد عملها في مدرسة الحصن، نقلت آمنة إلى مدينة جرش، لتصبح مديرة مدرسة بنات جرش الإعدادية، وفي جرش استمرت آمنة أبو غنيمة بنهجها المعهود، واستطاعت أن تشجع كثيرا من العائلات على إرسال بناتهن إلى المدرسة، ونشطت في العمل العام، ودعمت أنشطت عدد من الجمعيات الخيرية.
في عام 1961 أحيلت المعلمة والمربية الكبيرة آمنة أبو غنيمة إلى التقاعد، وقد تركت خلال مسيرتها التربوية، أثراً واضحاً على أكثر من جيل من بنات الأردن، في اربد والحصن وجرش، ومنذ وقت مبكر من تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، حيث شكلت مع شقيقتها الأكبر زينب أول المعلمات الأكاديميات في الأردن، وكان لهن دور في تحفيز كثير من البنات للتقدم نحو تلقي العلم، من خلال الالتحاق بالمدرسة، وتشجيع الأهالي للدفع ببناتهم للتعليم، وهذا أدى إلى وجود جيل من المتعلمات، اللواتي كان لهن دور مؤسس في تطور الأردن وتقدمه خطوات سريعة نحو التنمية الشاملة، التي أوصلت الأردن إلى ما وصل إليه، من تقدم ورقي في مختلف المجالات.
وقد عاشت آمنة في وجدان وذاكرة الناس طويلاً، وبقي ذكرها كإحدى رائدات التربية والتعليم وفي الأردن، راسخاً جيلاً بعد جيل، ونظراً لما حققته خلال عملها كمعلمة، وانجازاتها كمديرة لأكثر من مدرسة، وإسهاماتها على صعد النشاطات الخيرية، فقد تم تكريمها بشكل لائق، حيث منحها جلالة المغفور له الملك الحسين المعظم، وسام التربية والتعليم من الدرجة الثانية، في احتفال كبير أقيم عام 1975.
عرفت المربية آمنة أبو غنيمة، بإخلاصها العميق في العمل، وانتمائها المنتج لوطنها وقيادتها، ولم يحل التقاعد بينها وبين مواصلة العمل، حيث عملت على استثمار الوقت المتاح في الأعمال التطوعية، وبعض الأنشطة التثقيفية، التي تركت أثرها في المجتمع المحلي، فكانت قريبة من الناس، وتبادر بمساعدة كل من يحتاج إلى مساعدة، وتقدم النصح والمشورة للنساء من مختلف الأجيال والمستويات، مما جعل منها سيدة مجتمع من طراز رفيع، فحظيت بمحبة وتقدير واسعين، وبقيت ناشطة حتى وفاتها عام 1993، فكان عملها كالصدقة الجارية، لا ينقطع مداده في يوم من الأيام.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|