‏إظهار الرسائل ذات التسميات من رجالات السلط. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من رجالات السلط. إظهار كافة الرسائل

عشيرة العواملة

|0 التعليقات


نسبُ عشيرة العواملة

هناك أكثر من رواية حول نسب عشيرة العواملة السلطية ، رواية أوردها كتاب ( قاموس العشائر في الاردن وفلسطين ) لمؤلفه الباحث حنا عمَّاري تذكر أن عشيرة العواملة ارتحلت من القسطل إلى السلط قبل حوالي 250 عاما ، ونزل جَدُّهم الأوَّلُ احمد الملقب بالعامل في برج الخيار أحد أبراج قلعة السلط ، وقد عُـرفت المنطقة التي سكنت فيها باسم حارة أو محلة العواملة وسكنت فيها العديد من العشائر السلطية توزَّعت على مجموعتين ، الأولى اصطلح على تسميتها بالعوامله التحتا وتضمُّ عشائر الحمدان وأبو حمُّور والعمايره والحلايله والنجداوي ، والمجموعة الثانية أصطلح على تسميتها بالعوامله الفوقا وتضمُّ عشائرَ العطيَّات والكلوب والجدوع والحدايده ( آل الحديدي ) الذين يعودون بنسبهم إلى سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما .

ويُعزِّزُ كتاب ( تاريخ شرقي الأردن وقبائلها ) لمؤلفه الضابط الإنجليزي فردريك بيك الرواية التي تذكر أن العواملة ارتحلوا قبل حوالي 250 عاما ( 1730 م (وكان عددهم حوالي 550 نسمة من القسطل إلى السلط ليستقرَّ جَدُّهم الملقب بالعامل في برج الخيار وهو أحد أبراج قلعة السلط ، ويشيرُ بيك إلى أن الجدَّ المؤسس للعواملة أعقب حمدان وأعقب حمدان أحمد وأعقب أحمد مصطفى ويوسف وأعقب مصطفى سليم وبشير ومحمد وسالم وأعقب يوسف حمد وكايد وحسين وبركات ومن أعقاب هؤلاء تشكَّلت عشيرة العواملة السلطية .

وتذكرُ رواية أوردها كتاب ( العشائر الأردنية والفلسطينية ووشائج القربى بينها ) لمؤلفه الباحث احمد أبو خوصة أن زعامة العواملة في الحمدانيين (الحمدان) الذين ارتحل جَدُّهم أحمد الحمداني من حلب بعد قتله لأحد أمراء الشهابيين واستقرَّ في القسطل القريبة من زيزيا (جنوب عمان ) ، فلحقت به مجموعة من الشهابيين وتمكنوا من قتله طعناً بالرماح ، فتوزَّع أعقابه بعد مقتله بين السلط في الأردن وبين سانور القريبة من حنين ويعرفون بآل الجرار ، ويرجعُ نسب الحمدانيين (الحمدان ) إلى الحمدانيين الذين كانت لهم دولة في حلب بزعامة سيف الدولة الحمداني ومن مشاهيرهم الشاعر والفارس الذي جمع بين السيف والقلم أبو فراس الحمداني ، ويذكرُ كتاب ( موسوعة القبائل العربية ) لمؤلفه الباحث عبد عون الروضان أنَّ نسب الحمدانيين ( بنو حمدان) يرجع إلى حمدان بن حمدون أحد رجال تغلب بن وائل بن قاسط إبن هنب بن أفعى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان جد العرب العدنانية .

ويُعزِّزُ هذا النسب بيتٌ من شعر الفارس الحمداني أبو فراس الحمداني يقول فيه :

وقد علمتْ ربيعة ُ من نزار ٍ       بأنا الرأسُ والناسُ الذنابُ

ويوردُ الأديبُ المؤرِّخ روكس بن زائد العُزيزي في الجزء الأول من كتابه ( قاموس العادات واللهجات والأوابد الاردنية ) روايةً تشير إلى أن العواملة ربما ينحدرون من جبل عامل " جبل عاملة "، وتتوزَّع قرى وأراضي بلاد عاملة على لبنان وفلسطين ، وربما تتعزَّزُ رواية العُـزيزي بما أورده المؤرِّخ مصطفى مراد الدبَّـاغ في الجزء السادس من القسم الثاني من كتابه ( بلادنا فلسطين ) عن وجود مجموعة من عرب الحمدان في بلدة قَدَس التي تقع ضمن قرى وأراضي بلاد عاملة ( بلاد جبل عامل ) والتي تقع ما بين قريتي المالكية والنبي يوشع على الحدود اللبنانية ، ويذكر الدبَّـاغ أن قبيلة عاملة نزلت الجبل الذي عرف باسمها في جنوبي لبنان وشمالي فلسطين بعد الفتح العربي الإسلامي مع العديد من القبائل والعشائر التي نزلت فلسطين آنذاك كجذام والأشعريين وبني عامر والجرامقة والغساسنة ، ويذكرُ الدبَّاغُ في الجزء الأول من القسم الأول من كتابه ( بلادنا فلسطين) أن قبيلة عاملة نزلت فلسطين قبل الإسلام مع الهجرات العربية التي سبقت الإسلام ، ويذكر أن أذينه بن السَّمَيْدَعْ بن عاملة كان له نفوذ وشأن في فلسطين في العصور السابقة وهو الذي نزلت عنده قبيلة سليح القضاعية العدنانية بقيادة الحِذرجان بن سلمة ، ويذكرُ الدبَّـاغ أن قبيلة عاملة القحطانية التي ترجِّحُ بعض الروايات انتساب عشيرة العواملة إليها كانت تنزل المنطقة الجنوبية الشرقية للبحر الميت ثم ارتحلت إلى لبنان واستقرَّت في المنطقة الجبلية التي عرفت باسمها ( جبل عامل ) حيث لا يزال فيها وجود لهم ، وتلتقي قبائل عاملة وجذام ولخم في جَدٍ واحدٍ هو عدي ابن الحارث حيث تشكَّلت من أعقاب ابنه الحارث قبيلة عاملة، ومن ابنه عمرو قبيلة جذام ، ومن أعقاب ابنه مالك قبيلة لخم .

ويورد كتاب ( قبائل بني قيس القديمة والحديثة ) لمؤلفه أحمد موسى صالح فسفوس رواية تذكر أن عشيرة العواملة من العشائر القيسية في السلط التي خرجت من جبل الخليل أو التي ترتبط بعشائر القيسية ويذكر أن عشيرة العواملة ترتبط بعشيرة العملة في بيت أولا الخليل ، ويذكر الباحث أحمد موسى صالح فسفوس في كتابه ( جذور في التاريخ القبائل العربية القديمة والحديثة ) أن جدَّ عشيرة العواملة أحمد الذي كان يلقب بالعامل قدم من القسطل في فلسطين إلى برج الخيار بالسلط وزعامتهم في دار حمدان الذين جاء جدهم أحمد الحمداني من حلب فتوزَّع أولاده في الأردن وفلسطين ، فقسم في السلط والآخر ذهب إلى صانور ( جنين ) بفلسطين وهم آل جرار .

ويشير كتاب ( عشائر شمالي الأردن ) للدكتور محمود محسن فالح مهيدات إلى وجود علاقة بين عشيرة العواملة مع عشيرة الشقران والجراروة ، ويذكر أن الشقران والجراروه هم بطن من الصبر من غسان من القحطانية من نسل شقران بن عمرو بن حريم بن حارثة بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد بن بنت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ من نسل قحطان ، ويذكر أنهم نزحزا بعد خراب سد مأرب إلى بلاد الشام واستقرُّوا في القسطل من البلقاء شرقي الأردن ، ولهم أقارب في بيت راس هم الخيلات ، وفي السلط يدعون العواملة ، وفي ريمه في حوران سوريا وجاسم يدعون الجرو .

تعارف السلطيون على تقسيم مدينتهم على ثلاث تجمُّعات سكـَّـانية أطلقوا على كل تجمُّـع إسم الحارة أو المحلة ، وهي حارة أو محلة العواملة وحارة أو محلة وادي الأكراد وحارة أو محلة القطيشات ، وينبغي أن أشدَّ الإنتباه إلى أن العديد من المراجع يلتبس عليها الأمر وتخلط بين العشيرة وبين الحارة فتعتبر جميع العشائر التي تسكن في الحارة بما فيها العشائر المسيحية فروعا من العشيرة التي تحمل الحارة إسمها مع أن لكل عشيرة جذورها الخاصة بها ، وقد وقع في هذا الإلتباس أكثر من باحث وكمثال على ذلك فقد اعتبر أحد الباحثين في كتاب له أن سكان حارة العواملة من عشائر الحمدان والعمايرة والنجداوي والحدايده والجدوع والكلوب والزعبية وأبو حمور وبعض العشائر المسيحية من عشيرة العواملة مع أن الرابط بينها هو الحلف بحكم السكن في حارة واحدة وليس الإلتقاء في النسب .

خليل خريسات ... كلل مسيرته بالعطاء والولاء والمحبة

|0 التعليقات
خليل خريسات
خليل خريسات اسم يتردد صداه في الذاكرة الوطنية، فهو من رجالات الوطن الأوفياء الذين يمتد أثرهم الطيب كالصدقة الجارية، فقد وزع سني عمره على خريطة الوطن، ليشكل من خلال تنقلاته ووظائفه المتعددة فسيفساء رائعة من العمل المخلص والانتماء الصادق، مختطاً طريقه إلى النجاح والتميز من خلال محبة الناس، والصدق في التعامل وتقصى العدل والمساواة في حل القضايا، وتقديم الخدمات للناس في مختلف المحافظات، ساعياً للمساهمة في بناء الثقة وتكريس مؤسسية عمل الدولة، فلم يدخر في إتقان عمله سبيلاً، ولم يظن على تراب الوطن بنقطة عرق حقيقية، فقد كان مثالاً يحتذى في الصدق والتواضع والعمل الناجح، وبقي محافظاً على نهجه حتى وفاته.

لم تكن مدينة السلط عنده مسقط الرأس ومربى الطفولة والشباب وحسب، بل كانت نبض القلب وفضاء الروح، والصورة الأبهى التي بقي يرسمها طوال حياته، فقد ولد فيها في السابع عشر من شهر تموز عام 1938، وكانت السلط حينها حاضرة بارزة، وتتمتع بتنوع ديموغرافي وثقافي ثري، مما جعلها منارة لا تنطفئ في سماء الوطن، وقد شكلت كل هذه السمات عوامل إثراء نهلت منها شخصيته، التي لفتت الانتباه وأهلته لخوض عباب الحياة الصعبة وتحقيق التميز فيها، وقد زادته صلابة في المواقف التي تتطلب الشجاعة في المواجهة، وكذلك لين وطيبة قلب جعلتا منه إنساناً رقيقاً صاحب روح شفافة.

ينتمي خليل صالح حسن إلى عشيرة الخريسات التي تعود إلى قبيلة سعد من منطقة الطائف في الحجاز، وتقول الرواية أن جد الخريسات جاء من الطائف وأقام في عمان بوادي خريس الذي يعرف اليوم بوادي الحدادة، وقد رحل واستقر في السلط منذ ثلاثمئة عام، وقد سميت العائلة التي نتجت عنه بالخريسات، وأصبح لهذه العائلة امتداد في جنوب الأردن وشماله، من خلال تنقل بعض أبناء هذه العائلة في أكثر من مكان، وقد كان نصيب خليل خريسات في التنقل والترحال كبيراً، فقد قاده العمل الحكومي للعمل في أماكن عديدة من مدن وبلدات الوطن. دخل إلى المدرسة في عمر السادسة، مفتشاً عن مفتاح المستقبل القادم، ولا شك أنه كان يحمل إلى غرفته الصفية أحلام وشقاوات طفولته في ساحة البيت وأزقة الحارة، متطلعاً إلى الأيام القادمة بثقة وفرح، هكذا أنهى المرحلة الابتدائية، لينتقل بعدها إلى دراسة المرحلة الثانوية، التي تمكن في نهايتها من الحصول على شهادة الثانوية العامة، وكان ذلك عام 1957 من مدرسة السلط، حائزاً إعجاب معلميه، فقد كان محبوباً ومقرباً من الجميع طلبة ومدرسين، وهذه ميزة احتفظ بها أينما ذهب.

كانت الثانوية العامة كافية في تلك الفترة ليحصل خليل الخريسات على وظيفة مناسبة، فقد عين معلماً في مدارس وزارة التربية والتعليم عام 1958، ليدخل الحياة العملية بوقت مبكر، ونظراً لإدراكه لأهمية العلم في بناء الوطن وتقدمه، فقد قرر مواصلة تعليمه الجامعي، دون أن يخل بعمله الوظيفي، لذا انتسب لجامعة بيروت العربية من أجل دراسة الحقوق، وقد تمكن عام 1968 من نيل شهادة الليسانس في الحقوق من جامعة بيروت العربية، وكانت مسيرة العملية وفي وزارة التربية والتعليم ناجحة، عمل خلالها مدرساً ومدير مدرسة وإدارياً، وقد تمت إعارته إلى إمارة أبو ظبي في والإمارات العربية المتحدة، في قوة دفاع أبو ظبي، حيث عمل خلال مدة إعارته التي وصلت إلى ست سنوات، على تأسيس قسم الثقافة العسكرية وعين مديراً له، وكانت له بصماته الواضحة في هذا المجال في هذه الإمارة العزيزة.

لم يكن خليل خريسات ليضيع فرصة لتلقي مزيداً من العلم والمعرفة، فالتحق بمركز الدراسات في القاهرة، ليدرس مدة سنة ( دراسة عليا ) عام 1971، كما عمل خلال فترة خدمته في التربية والتعليم على الالتحاق بالجامعة الأردنية، ليدرس دبلوم عالي في التربية والتعليم، وقد كانت مدة الدراسة سنتين، ونال بعدها شهادة الدبلوم هذه عام 1976، وفي هذا العام انتقل خليل خريسات للعمل في وزارة الزراعة، حيث عين مستشاراً قانونياً ومديراً لشؤون الموظفين، وقد استمر عمله في وزارة الزراعة خلال الفترة من 1976 وحتى 1979، ويعد هذا العمل خبرة جديدة أضافها إلى سيرته العملية، وكان من الأشخاص القلائل الذين يتركون بصمات نجاحهم وتميزنهم، في أي عمل يقومون به أو أي مهمة يكلفون بها.

كان عام 1979 يحمل معه تحولاً كبيراً في مسيرته الوظيفية، فقد انتقل إلى وزارة الداخلية، ليعمل حاكماً إدارياً برتبة متصرف في مركز الوزارة، وكانت هذه الوظيفة الجديدة تتسق مع تخصصه الأكاديمي، وكانت فضاءً جديداً يكشف المزيد من قدراته وخبراته المتعددة، ففي عام 1980 عين متصرفاً ومساعداً لمحافظ البلقاء وهو عمل جعله في مواجهة مباشرة مع الناس من مختلف المستويات، وأن يتصدى لحل مشاكلهم ومواجهة قضياهم بهدوء متقصياً العدل من خلال نصوص القوانين وروح هذه النصوص، فاكتسب المحبة الصادقة وحقق النجاح والتميز في عمله، وخلال هذه الفترة عين رئيساً للجنة بلدية عين الباشا، كما عين مسؤولاً عن خدمات مخيم البقعة وذلك ما بين عامي 1980 و1982.

عاد خليل خريسات للعمل متصرفاً في مركز وزارة الداخلية، خلال الفترة من عام 1982 وحتى عام 1984، حيث تسلم عدة مهام ضمن هذه الفترة منها: مدير مديرية السلامة العامة ومدير مكتب وزير الداخلية، وكانت هذه المهام تتطلب قدراً كبير من المعرفة والخبرة في التعامل مع المراجعين من جهة ومع كبار رجال الدولة من جهة أخرى، حيث يعد عمله هذا ركيزة أساسية في وزارة الداخلية، التي تنهض بأعباء كبيرة، يزداد ثقلها مع تقدم الحياة وتعقد العلاقات، وكان خريسات مثالاً يعز نظيره في التواضع والجرأة، والقيام بمسؤولياته بكفاءة عالية، جعلته دائماً محط الأنظار وموضع الثقة والتقدير.

انتقل إلى ثغر الأردن الجنوبي، عندما عين عام 1984 متصرفاً للواء العقبة حينها، وكانت العقبة وما زالت واحدة من أكثر المدن نشاطاً وحيوية، وقد وظف فيها خبرته الكبيرة التي اكتسبها في وظائفه المختلفة، وقد واصل العمل في العقبة حتى عام 1988، وخلال هذه المدة وبحكم وظيفته أصبح رئيساً للجنة بلدية العقبة من عام 1985 وحتى 1987، كما عين عضواً في مجلس إدارة سلطة إقليم العقبة، وبذلك يكون قدم خدم في أهم مؤسسات مدينة العقبة، حيث عرف عنه حماسته الكبيرة في العمل، وقدرته على تحفيز المحيطين به للعمل بكل نشاط وجدة.

نقل خليل خريسات للعمل متصرفاً في مدينة مادبا عام 1988 وسرعان اكتسب رضا ومحبة كل من عرفه وعمل معه، وتمكن من تمتين الصلة بين المواطن ومؤسسة الحكم المحلي، غير أن المقام لم يطل به في مادبا، حيث عين عام 1989 مديراً للجنسية والإقامة وشؤون الأجانب في وزارة الداخلية، وتعد مسؤوليات هذا المنصب ذات حساسية كبيرة وتعقيدات ليست بالسهلة، لكنه كان دوماً أهلاً للثقة وعلى قدر المسؤولية مهما صعبت وعظم شأنها، ونظراً لنجاحاته المتواصلة والمضطردة، عين محافظاً وأميناً عاماً لوزارة الداخلية عام 1993، وكان هذا المنصب الرفيع والمهم دليلاً على ما تمتع به خليل خريسات من قدرات إدارية وصفات قيادية، أهلته ليكون الرجل الثاني بوزارة كبرى وسيادية، وتتويجاً لمسيرته العملية الناجحة واللافتة التي بدأها معلماً في وزارة التربية والتعليم.

احتفظ خليل خريسات بمنصبه أميناً عاماً لوزارة الداخلية مدة  زادت عن السنتين، أي حتى إحالته على التقاعد عام 1995، بعد رحلة عملية حافلة بالمتاعب والنجاحات والتحولات، لكنه مع ذلك لم يركن للراحة، بل واصل القيام بواجبه أينما دعي له، فقد أصبح مستشاراً لمؤسسة المدن الصناعية منذ عام 1995 وحتى نهاية عام 2004، كما اختير عضواً في لجنة مجلس أمانة المؤقتة عام 2007، وخلال مسيرته العملية شارك في عدد كبير من الدورات المتخصصة منها: دورات في الإدارة المتوسطة والطويلة وفي معهد الإدارة العليا، بالإضافة لدورة في الإدارة المحلية في ألمانيا. عانى في أشهر عمره الأخيرة من مرض عضال واجهه بصبر وصمت حتى وفاته في الثاني من شباط عام 2009، ومازال رغم غيابه مكتمل الحضور بيننا، لما تمتع به من محبة وتقدير وعمل صالح يبقى يذكر به وتزاد ذكراه عبقاً مع مرور الأيام.  

عبد اللطيف الصبيحي .. عمل بصمت بعيداً عن الإعلام والسياسة

|0 التعليقات
عبد اللطيف الصبيحي
أرتبط الأردن منذ بواكير تأسيس الدولة بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المنطقة برمتها، وكان على الدوام واقعا في بؤرة التأثر والتأثير، لذا يعد مرآة حقيقية لما تشهده الساحة العربية من حراك سياسي وفكري، ولعل الأردن في العقود الأولى من تأسيسه كان ميداناً حياً للحركات النضالية التحررية، والأفكار السياسية القومية والإسلامية واليسارية، مما أكسبه حيوية دائمة أنتجت رجالاً كباراً في هذه الميادين كافة، ولم تكن هذه الحركات المعبرة عن هذه الأفكار حكراً على مدينة بعينها، بل شمل هذا الحراك مدن وبلدات الأردن من شماله إلى جنوبه، وكان لجيل من الشباب الذين نالوا قسطاً جيداً من التعليم، بالتأثر بهذه التوجهات السياسية ونقلها إلى فئات المجتمع، خاصة بعد إنشاء المدارس الثانوية تباعاً بدءاً بثانوية السلط ثم عمان وبعدها اربد والكرك وباقي مدن البلاد، حيث رفدت هذه المدارس الوطن بأجيال من الشباب المتعلم الذي أخذ من معلميه المعارف والثقافة، والاطلاع على ما يجري في الوطن العربي والعالم من متغيرات، خاصة بعد أن حصّل كثير منهم تعليماً جامعياً في بعض الحواضر العربية المزدهرة، كالقاهرة ودمشق وبيروت، حيث شهدت هذه المدن بروز أفكار سياسية وأيديولوجية، مازالت تؤثر في الحراك السياسي والفكري في الوطن العربي حتى يومنا هذا.

لقد تأثر عدد كبير من الأردنيين خاصة من فئة الشباب المتعلم بهذه الأفكار، فنظّروا لها وعملوا من أجل نقلها إلى الآخرين، وبرزت الأحزاب القومية والإسلامية واليسارية، فلم تكن الأردن في يوم من الأيام منغلقة على ذاتها، بل كثيراً ما كانت ملجأ لكثير من المناضلين والسياسيين العرب الطالبين للأمن والأمان، وهذا ما ميز الأردن في كل مرحلة من المراحل. وفي هذا السياق كانت مدينة السلط من أولى الحواضر الأردنية التي أنجبت رجالاً كان لهم دور كبير ومؤثر في بناء الوطن والذود عنه، وكان من بينهم أيضاً من حمل أفكاراً سياسية هي انعكاس طبيعي لما يجري بالمنطقة، فأصبحوا من مؤسسي الأحزاب الأردنية التي أسست ترجمة لهذه الأفكار والتوجهات، ومن بين هؤلاء المؤسسين ابن السلط عبد اللطيف الصبيحي، الذي عده الباحثون من جيل مرحلة الوعي السياسي المبكر، فكانت له جهود تأسيسية واضحة مع عدد من زملائه، خاصة في التأسيس للعمل السياسي الإسلامي في الأردن، وهو الاتجاه الفكري الذي أخلص له طوال سنوات حياته، ولم يغادر قناعاته رغم مغادرته العمل الحزبي للإخوان المسلمين منذ فترة طويلة.

يعد عبد اللطيف الصبيحي صاحب جهود مؤسسة لعدد من شعب الإخوان المسلمين في عدد من المدن الأردنية، وهو الذي حمل هذا الفكر منذ شبابه وعمل من أجله، ويعد عبد اللطيف الصبيحي المولود في حاضرة البلقاء السلط، في النصف الثاني من العقد الثالث من القرن العشرين، ليكون واحداً من أبناء الجيل الثاني المؤسس، وهو جيل واسع ترك بصماته الذهبية في أكثر من مجال، وقد نشأ متشبعاً بالروح القومية، ميالاً منذ صغره للفكر الإسلامي والأمة الإسلامية، ورأى في هذا الفكر المنقذ للأمة مما تعانيه من تفكك وضعف وترجع كبير على سلم الحضارة الإنسانية، بعكس ما كانت عليه في ماضيها العريق، كما عرفه عنه تميزه الدراسي وحبه للعلم والمعرفة، لذا واصل دراسته الثانوية في مدرسة السلط، التي لعبت دوراً كبيراً في مجال التعليم الثانوي وفي التنوير المجتمعي، فقد كانت بمثابة جامعة حقيقية، حيث تقاطر إليها طلاب العلم من مختلف المدن والبلدات الأردنية، كما ضمت خيرة المدرسين الأردنيين والعرب، الذين أسهموا في نقل كثير من الخبرات السياسية والأفكار الأيديولوجية.

وفرت مدرسة السلط مناخاً سياسياً ووطنياً خصباً، حيث عبر الطلبة عن أفكارهم الوطنية المناهضة للاستعمار البريطاني والمعاهدة الأردنية البريطانية، حيث شارك عبد اللطيف الصبيحي بعض طلبة المدرسة في تشكيل جمعية سرية للعمل ضد المعاهدة الأردنية البريطانية، غير أنه الجمعية كشفت، وقام الأمير المؤسس عبد الله بن الحسين بالاجتماع بهؤلاء الطلبة، وحاورهم بحضور وزير المعارف – وزير التربية والتعليم - سمير الرفاعي، وطلب منهم إكمال دراستهم أولاً وبعدها الانخراط في العمل السياسي، وكان زملاء عبد اللطيف الصبيحي في مدرسة السلط: هزاع المجالي ووصفي التل وحمد الفرحان وخليل الساكت وسالم صقر. وقد كان لهؤلاء الطلبة مستقبل لافت في المساهمة ببناء الوطن وتطوير مؤسساته المختلفة، وبفضلهم مع من سبقهم ولحق بهم تم تشييد الأردن العصري الذي تغلب على مصاعب كبيرة.

حصل عبد اللطيف الصبيحي على شهادة الثانوية العامة عام 1940، ليبدأ حياته العملية مباشرة حيث لم يكن في الأردن في تلك الفترة جامعات، بالتالي كان على الراغبين بإكمال دراستهم الجامعية السفر خارج البلاد، وهذا لم يكن متاحاً إلا لقلة قليلة من الطلبة. وقد عين عبد اللطيف الصبيحي في مستهل حياته العملية في دائرة الأراضي والمساحة في عمان عام 1940، وبعد ذلك بفترة نقل مركز عمله إلى مدينة اربد، وقد بدأ نشاطه مع حركة الإخوان المسلمين التي نشطت في تلك الفترة بعد لقائه بالحاج عبد اللطيف أبو قورة، الذي كان حينها رئيساً لجماعة الإخوان المسلمين، وقد تأثر الصبيحي بفكر وتوجهات أبو قورة وأعجب بنشاطه وعمله الدائم، فأخذ يشارك في تأسيس شعب الإخوان في المحافظات والمدن، فبعد أن نقل إلى مدينة الكرك باشر بتأسيس شعبة الكرك التي يقول أنها أسست في بيت هزاع المجالي وكان من الحاضرين المشاركين في تأسيس هذه الشعبة كل من: سعيد رمضان وهو قيادي إخواني مصري لامع، ووالد المفكر الإسلامي طارق رمضان، وقد وصل عدد أعضاء شعبة الكرك بسرعة إلى أربعمائة عضو كان من بينهم حسين باشا الطراونة وعبد الوهاب الطراونة وفارس الصرايرة ويوسف المبيضين.

عندما تم نقل مقر عمله إلى مدينة معان عمل على تطوير شعبة الإخوان في هذه المدينة، حيث تم تحويل الزاوية الصوفية التي ترأسها الشيخ فهمي كريشان لتصبح شعبة للإخوان، وكان من بين مؤسسي هذه الشعبة الشيخ وحيد صلاح والشيخ عبد الله الدايم والشيخ يوسف العظم وشقيقه علي العظم بالإضافة إلى علي الشمالية وخلف داودية الذي أصبح وزيراً للأوقاف فيما بعد، لقد كان عبد اللطيف الصبيحي دائم النشاط، لديه شخصية محببة من الناس، فقد كان جميل المعشر محباً للخير يسعى من أجل خير الوطن والأمة وصلاح الناس، وهذه أمور كانت من أسرار نجاحه فيما كرس حياته من أجله، لذا واصل جهوده في تأسيس شعب الحركة الإسلامية في المدن التي كان يعمل فيها، فقد شارك في تأسيس شعبة الإخوان في مدينة جرش عام 1947، بالمشاركة مع تجار وموظفين من أمثال البندقجي والطرزي.

كانت لعبد اللطيف الصبيحي جهود واضحة في تأسيس شعبة الإخوان في مدينة مادبا في الخمسينيات، كما لعب دوراً في تحسين الأجواء داخل المدينة ووأد الفتنة، حيث أكدت الشعبة من خلال بيان نشر في صحيفة الوفاء التي يصدرها صبحي زيد الكيلاني، أكدوا فيه على عمق العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وهو موقف قابله ببيان مماثل المطران نعمت السمعان أكد فيه على عمق ومتانة هذه العلاقة. لذا من خلال جهوده المؤسسة هذه كان له تأثيره على عدد كبير من الناس خاصة الشباب، واستطاع أن يسهم بفعالية في الترويج للجماعة الإخوان، وأن يجلب لها كثر من الأعضاء والمؤيدين.

لقد مرت جماعة الإخوان في منتصف عقد الخمسينيات بتحولات، وأخذت هذه التحولات عدة أشكال واختلاف في وجهات النظر، مما دفع عدداً من قيادات وأعضاء الجماعة لمغادرتها، ومن أبرزهم كان رئيس الجماعة عبد اللطيف أبو قورة وعبد اللطيف الصبيحي ومنصور الحياري وغيرهم، غير أن خروج الصبيحي من الجماعة، لم يعنِ تركه لمنهجه وتوجهاته الإسلامية، بل حافظ على فكره طوال حياته، لكنه فضل أن ينأى بنفسه عن السياسة والصراعات الحزبية، وقد واصل حياته عاملاً بصمت بعيداً عن الضجيج الإعلامي وإغراءات المناصب الدينية والسياسية، وبقي كذلك لا يتغير حتى وفاته في شهر آذار عام 2010 حيث تم تشييع جثمانه الطاهر في مقبرة العيزرية في السلط.

خالد النجداوي .. التميز في العمل والحياة

|0 التعليقات
خالد النجداوي
تمتاز الساحة الأردنية وعلى امتداد مراحل تاريخية متعاقبة، برجال بناة حقيقيين عملوا بصمت وهدوء، لا يبغون شيء غير خدمة أمتهم والمساهمة في تقدم وطنهم، فأتيحت لهم الفرص لذلك، ومن لم تدن منه سانحة شد الخطى إليها، ولم يقف في طابور الانتظار.


 هذا ما ميز الأردن رجالاً ونساءً، وقد توضح هذا الحال منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، حيث نهض وطن جدير بالانتماء والولاء والمستقبل المزدهر، مستفيقاً من عقود طويلة من الإهمال وغياب التنمية والمؤسسات المدنية، لينطلق نحو النماء والتطور بوتيرة متصاعدة رغم قلة الإمكانيات وندرة الموارد، معتمداً على عزم بنيه وبصيرة قادته، متحدياً كل الاحتمالات والرهانات الخاسرة، ليكون الأردن البلد الأنموذج، صورة زاهية لأمة بانية عاملة من أجل الحاضر والمستقبل، وواحة وارفة بالحرية والتقدم والتنمية الحضارية.

المهندس خالد النجداوي السلطي بامتياز، يعد صورة زاهية عن الشباب الأردني المتعلم والطامح إلى العمل الصادق والمنتج بعيداً عن الضجيج والفوضى، التي تؤثر على مسيرة الوطن وتضعف من بنية المجتمع وتبعده عن سبل المستقبل المنشود. فخالد أحمد الحامد المنتمي إلى عشيرة النجداوي وهي عشيرة سلطية عريقة قدمت للوطن رجالاً كباراً منذ نشأته، بقي مخلصاً لمدينته السلط ولوطنه الأردن الأغلى، منطلقاً إلى أمته العربية بوعي قومي يستند على وطنيته العميقة، وهذه كانت ضمانة نجاحه خلال مسيرة حياته منذ طفولته وحتى وفاته.

 ولد النجداوي في مقر إقامة عائلته في عمان، في الخامس عشر من شهر كانون الثاني عام 1934، في فترة تم شحذ الهمم فيها لتأسيس مؤسسات الدولة الناشئة، وهي مرحلة لم تكن سهلة فقد كابدت فيه البلاد والناس مصاعب اقتصادية وسياسية متعددة، بالإضافة إلى الأجواء الإقليمية غير المتقبلة، خاصة بوجود دول غربية مستعمر في المنطقة كبريطانيا وفرنسا، وما نتج عن هذا الواقع من توتر سياسي وعسكري، تأثرت وأثرت فيه الأردن، وهذه سمة للأردن دائماً.

تربى خالد النجداوي في بيت والده أحمد النجداوي الذي كان موظفاً في البريد الأردني، أما والدته فهي عائشة أديب الكايد العواملة حيث كان يشغل والدها منصب رئيس بلدية السلط في ذلك الحين، وقد تأثر خالد النجداوي بوالده الموظف الحكومي وبجده لأمه رئيس البلدية، وكان يرقب منذ شبابه الباكر الخطوات الثابتة للوطن في كل المجالات. وعندما أصبح في سن الدراسة التحق بمدرسة كلية الحسين بعمان وهي واحدة من أعرق المدارس في الأردن، وقد عرف بخلقه الرفيع والتزامه اللذين ميزا مسيرته الحياتية والعملية، كما تميز باجتهاده وتفوقه الدراسي فقد كان من أوائل الطلبة في صفه وفي كل المراحل الدراسية، وكان من ابرز معلميه الشيخ عبد العزيز الخياط، وقد تمكن من الحصول شهادة الثانوية بتفوق، حيث برع في المواد العلمية خاصة في الرياضيات التي أحبها وتميز بها.

رغب بدراسة الهندسة، فسافر إلى العراق عام 1951، حيث التحق بجامعة بغداد في كلية الهندسة ليدرس الهندسة الميكانيكية، وتعد جامعة بغداد من أوائل الجامعات العربية وأعرقها، ودرس فيها أجيال من الشباب العربي، وقد زامله في الدراسة في جامعة بغداد المهندس عبد الهادي المجالي والمهندس فخري حزينة، وفي جامعة بغداد تفتح وعيه السياسي وتمكن من تحصيل ثقافة واسعة، عكسها في دراسته وحياته حتى جعل من التفوق والتميز منهج حياته.

تخرج في جامعة بغداد حاصلاً على شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية عام 1955، في مدة قصيرة، حيث لم يزد عمره عند تخرجه عن الحادية والعشرين عاماً، ليعود بعدها إلى وطنه الأردن من أجل تحقيق حلمه في المساهمة في خدمة بلده، حيث بدأ مسيرته العملية من خلال التحاقه بوزارة الأشغال، وقد كان أحد رجالات الأردن الكبار الأوفياء وهو السيد بشارة غصيب داعماً لتعيينه في هذه الوزارة وهو لا يعرفه، لكنه أعجب بشخصيته وعلمه وثقافته وحبة لوطنه، وبذلك استهل النجداوي عمله بثقة كبيرة، وكان من أوائل المهندسين الميكانيكيين في الأردن، وتميز منذ يومه الأول في العمل بهمته العالية وحماسته في القيام بواجباته، وعمل على نقل خبراته وعلمه إلى الطواقم الفنية التي عمل معها.

أنتقل المهندس النجداوي في عام 1959 إلى شركة مصفاة البترول الأردنية المساهمة المحدودة، مع انضمامه إلى فريق عمل المصفاة، ونظراً للفته للانتباه بسبب نشاطه ومثابرته في العمل، فقد تم إرساله في دورة تدريبية مدة سنة إلى إيطاليا مع عدد من زملائه، وقد رافقته زوجته ليلى النجداوي خلال إقامته في إيطاليا، حيث عملا على تعلم اللغة الإيطالية وتمكنا من إتقانها، وكانت لهما اهتماماً بالموسيقى فقد تعلما الموسيقى إلى جانب تعلمهما اللغة الإيطالية. حيث عاد بعد أن أنهى دورته التدريبية إلى عمله في شركة المصفاة، وكان من أبرز المهندسين فيها، وتمكن من الترقى في عمله حتى وصل إلى منصب نائب مدير المصفاة للصيانة والمشاريع، وهو المنصب الذي كان يشغله حين قرر الاستقالة من عمله في المصفاة عام 1979 بعد مسيرة عمل فيها وصلت إلى عشرين عاماً. و النجداوي من أوائل المهندسين المنتسبين إلى نقابة المهندسين الأردنيين عند تأسيسها فقد كان رقم عضويته في النقابة ( 13 ) ليحتفظ بريادته في ميادين شتى، وقد مارس عضويته هذه من خلال نشاطاته النقابية بهدوء ورصانة التي تميز بهما في كل مجال، وقد عرف النجداوي بتعلقه بوطنه وعروبته، فخلال عمله في مصفاة البترول سنحت له فرصة العمل في شركة نفط الكويت ( koc) فسافر إلى دولة الكويت، وباشر عمله هناك، لكنه حين لاحظ أنه قد كتب إلى جانب اسمه كلمة « أجنبي « لم يستسغ ذلك، لذا قرر الاستقالة من عمله في شركة نفط الكويت والعودة إلى الوطن، وهذا يدلل على ما يتمتع به من حس وطني وقومي عميق حدد مسار حياته بشكل دائم.

بعد خروجه من شركة المصفاة الأردنية، تم تعيينه مديراً عاماً للشركة السورية الأردنية للصناعات، حيث عمل على تطوير عمل الشركة وتحسين منتجاتها بما ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني الأردني، حيث كان دائماً قريباً من موظفي وفنيي الشركة، لما عرف عنه من تواضع وسعة صدر وانحياز لقضايا العمال وحقوقهم، لذا تمتع بمحبة كبيرة من زملائه في العمل ومن رؤسائه أيضاً، لإخلاصه في العمل، ومواظبته على الإنجاز وسعيه لتحقيق الأفضل.

بعد أن غادر منصبه كمدير عام للشركة الأردنية السورية، قرر التفرغ لخوض تجربة العمل الحر، وهو عمل جديد عليه يحتاج إلى خبرة واسعة في هذا المجال، فلم يحالفه الحظ ليستمر في العمل الحر، لذا توقف عن ممارسته، وعاد للعمل العام من جديد، فقد تم تعيينه مديراً لمصانع الحسين للحديد والصلب، وقد وظف في منصبه الجديد خبراته الواسعة التي حصلها خلال حياته العملية الناجحة، وكان عمله في إدارة مصانع الحديد والصلب الأخير، حيث كان ختاماً موفقاً لمسيرته الوظيفية. وعلى صعيد العائلة فقد أنجب ولدين وثلاث بنات، أحسن تربتهم وتعليمهم، ليكون ذلك جزءاً من واجباته الأساسية.

أصيب النجداوي بضعف في عضلة القلب عام 1997 وقد رافقه هذه المرض حتى وفاته في الثلاثين من حزيران عام 2000، لينظم إلى كوكبة من رجالات الوطن الذين رغم وفاتهم بقوا مشاعل تستدل بها أجيال الوطن القادمة، تغمدهم الله بواسع رحمته.

عبد الله النسور ... من جريدة الشعب إلى آمال الشعب مجددا

|0 التعليقات
د. عبدالله نسور ( أبو زهير )

يأتي من رحم الربيع الأردني، الذي لا بدّ وأن يزهر، يوما ما مطلع العام المقبل وقد أوجدنا برلمانا قويا ونظيفا، وعند ذلك سيذهب الدكتور عبد الله النسور لحياة كفافها الفرح على ما أنجز، واليقين بأنه خدم وطنه، في زمن كان يتذرع به الكثيرون عن الدور الوطني بحجة أن المرحلة يكتنفها من الضباب ما يجعل الأفق بالكاد ملموح. فاختار البعض البعد، والبعض لجأ للترويج لنفسه وكأن الوطن في النفس الأخير ولا يقوى إلا به.

أما وقد امتثل النسور لرغبة ولي الأمر، بحدسه الوطني وحبه لبلده، فإنه مطالب بان يحقق لنا جميعا الحلم، وفي سيرته ما يجعله قادرا على أن يُبقي اسمه في الذاكرة مع ذوي الانجاز، وهو المتقلب في المواقع والمتعدد الخبرات، والدقيق في الملاحظة، وفي سيرته ما يجب أن يُذكر به الناس ويعاد ويقال، كي نعرف أي رئيس يقودنا للانتقال الديمقراطي.

تكوينه المعرفي يعود لمدرسة السلط والجامعة الأميركية «انتميت فيها للخط القومي». لم يطل البقاء في التربية والتعليم، فدخل دوائر الدولة بشكل سريع، ولم يغادر السلط قط، فالتزمها ولزمته «لم يكن معي مبلغ لشراء أرض في عمان» وطيلة حياته ظل منزل أبو زهير في مدخل السلط، على ربوة متوسطة الارتفاع مقصد الأحبة وطالبي الحاجات، وسكنته السلط واتهم بحبه المتشدد لأبنائها يوم كان نائبا لرئيس حكومة سابق، لكنه لم يكن يوما مقاولا أو صاحب رغبة بجمع المال.

هو من مواليد العام 1939 في ضاحية «منطقة بطنا» حيث بيت جده لوالدته، أما والده عبد الكريم فعمل مزارعا، و»امتهن عدة مهن وكان يتاجر بالمواشي مع نابلس ويملك بقالة وملحمة». وقد اودع طفولته وذكرياتها الكثيرة الغارقة بالتفاصيل في منطقة الجدعا والعيزرية في السلط. ، وفي السلط وحدها يعرف المرء نفسه بالحي لا بالمدينة.

تلقى النسور في كتاب الشيخ محمد الجالودي، وكان معه في الكتاب عدد من أبناء جيله ومنهم د. عبد الله الحياري، وعبد الحميد الكايد الضرغام وأحمد الشيخ سالم، وطفل اسمه حازم محمد الفلاح يقول أنه لم يسمع عنه لليوم وحاول تقصي أخباره إلا أنه لم يفلح بذلك البحث.

انتقل لمدرسة السلط ومديرها آنذاك حسني فريز، وبرأيه كانت مدرسة مدهشة في بنائها إلا أن الطريق كانت وعرة فما كان من والدي إلا أن امتطى فرسه وأردفني خلفه»، «وضعوني بالصف الثاني وبقيت بالسلط ونجحت بالمترك بعد الصف الحادي عشر».

من معلميه بالسلط الأستاذ حسن البرقاوي وحكمت الساكت وجميل شاكر الخانجي، واحمد كلوب وعدنان ابو عودة وعبد الرؤوف اللبدي وشوكت تفاحة والعالم الفقيه الشيخ محمد أمين زيد الكيلاني ومحمد رسول الكيلاني.

مدرسة السلط آنذاك كانت ملاجلا للأفكار والنشاط السياسي، وفيها صقلت شخصيته، وفي ذاكرته بين العام 1947 والتخرج من مدرسة السلط يذكر أنه رأى الملك المؤسس رأي العين وكان قد دعي لبيت عمدة السلط وأحد شيوخها ورموزها آنذاك الحاج عبد الله باشا الداوود.

مدرسة السلط بدت يومها عين الأردن وفيها يذكر أن التعليم يقوم على مبدأ «تصفية الطلاب»، أي يتم التخلص من الاقل قدرة، وكان البقاء للأفضل، وأذكر «كم من الصبيان المبدعين الأذكياء الذين تركوا المدرسة بسبب ضيق العيش». ومن تلك الفترة يذكر العام 1948 حين «كنا نقف على منطقة النقطة وهي الطريق المتجهة لفلسطين، رأينا الجيش العربي والعراقي في طريقهما لفلسطين اعتبارا من 15 أيار 1948 ولا أنسى حين جاءت أخبار الانتصار الأردني على جبل المكبر وباب الواد وخرج كل الناس يصلون لله صلاة الشكر ويجوبون الشوارع مذكرين بفلسطين».

الانتصار ما لبث أن أخذ اسما آخر وهو النكبة؛ «اذكر مجيء اللاجئين خصوصا من الشريط الساحلي والمدن القريبة من الساحل وأذكر استقبال السلطية لهم وكيف قسموا بيوتهم وغرفهم وأحواشهم وزادهم مع إخوانهم المهجرين ولا أنسى مطلقا ذلك الحدث الذي أصاب الروح بندبة كبيرة».

العام 1956 أرسل أبو زهير ببعثة لدراسة الرياضيات والإحصاء في الجامعة الأميركية ببيروت، وكان معه في تلك المرحلة عبد الله باشا الحياري و جهاد البرغوثي ومصطفى الحياري المؤرخ المعروف ويونس شناعة ونائل العجلوني وداود خلف ومهدي الفرحان وسليمان العمري وعبد الرؤوف الروابدة «جاءنا أخا مسلما ومتزوجا»، وسبقنا علي السحيمات وزياد مراد وعبد الرحيم ملحس وآخرون.

فكريا وسياسيا الجامعة الاميركية كانت تستقطب الافضل للدراسة والتثقيف. واستضافت الجامعة رموزا ثقافية مثل عمر ابو ريشة ونزار قباني وسهيل ادريس؛ «وعلمني إحسان عباس ومن المؤثرين بنا زين نورالدين زين وأنيس فريحة وشارل مالك.

في بيروت سكن مع عبد الله الحياري وجهاد البرغوثي والمهندس جرير الدجاني، وفي آخر سنتين استقل بشقة مفروشة بسبب تحسن أحواله المادية.

في الجامعة الأميركية كان هناك شاب لامع له حضور هو عبد الحميد شرف، وفي ذلك الوقت كان لاجئا سياسيا بلبنان، ومطلوبا للسلطات الاردنية، فاستقطبنا لحركة القوميين العرب لأنها الحزب الناصري الوحيد المتاح، فانضمننا في هوى عبد الناصر وطروحاته الوحدوية. وحين أعلنت الوحدة انطلق مع مجموعة من الطلبة للشام «لنرى رجل الحلم وقد رأينا عبد الناصر في ساحة أبو رمانة وعدنا وقد تحقق الحلم».

عاد العام 1960 لعمان بعد التخرج وعين في المعهد العالي لدار المعلمين، وحين تحققت السلطات أنه حزبي قومي عربي نقل إلى الضفة الغربية للتدريس في قلقيلية.

تزوج أبو زهير العام 1963 من السيدة هالة خليفات «زواجا تقليديا» انجبا دالا، وزهير ومنصور ومن زواجه الثاني من السيدة ابتسام الحياري أنجبا المحامي حسام ومأمون وندى ومحمد خير ومنتصر.

عاد لعمان وتدرج بمناصب تربوية ومن ثم أرسل ببعثة دراسية للولايات المتحدة في دراسة ماجستير بالإدارة وعاد العام 1970 لينضم للجمعية العلمية الملكية «كنت من أول موظفيها وبقيت ثلاث سنوات».

ما لبث النسور أن عين مستشارا ثقافيا في فرنسا ومندوبا مناوبا عن الاردن لدى اليونسكو، وفي هذه الاثناء التحق بجامعة السوربون لدراسة الدكتوراه في التخطيط.

عين بعدها مديرا للموازنة العامة ثم وكيلا لوزارة المالية فمديرا عاما لضريبة الدخل. وفي هذه المواقع «حاولت إحداث إصلاحات في هذه المؤسسات الحساسة وخاصة في دائرة الموازنة والضريبة»، وهو يدافع عن سيرته العملية بقوله «كنت مصرا على أن أرسي قواعد المؤسسة وليس نمط إدارة المرفق».

قصة التوزير لأول مرة مرتبطة بوجوده رئيسا لمجلس إدارة جريدة الشعب، إذ عينه احمد عبيدات رئيسا لمجلس إدارة الشركة العام 1984 فحسن الجريدة واتفق مع ناجي العلي ليرسل رسما كاريكاتيريا لينشره يوميا على الصفحة الأولى و»ابتدعنا زاوية أخبار اليوم: أسرار الغد».

ذات يوم زار ياسر عرفات الأردن قادما بالسيارة من العراق، ورأى جريدة الشعب وكان فيها كاريكاتير لناجي العلي، ولما وصل شكا للرئيس عبيدات فما كان من عبيدات إلا أن «اتصل منرفزا قائلا: الرئيس عرفات عاتبني على الكاريكتير... وشرحت الموقف وسألني وينك؟ قلت بالجريدة وقال بعدك للآن. قلت نعم. وطلبني للبيت وأبلغني بنيته بالتعديل، قال: تستطيع المجيء، قلت نعم، ودخلت حكومته وزيرا للتخطيط، وهذا التعديل دخل به د. هاني خصاونة وفرحي عبيد وهشام الخطيب».

بقي النسور بالحكومة حتى انفجرت أزمة حرية الإعلام واستقالت السيدة ليلى شرف من الحكومة؛ «السبب كان لأن أحدهم كتب مقالة عن العشائرية فأرسلت برقيات ضد الكاتب ووجه الملك الحسين رسالة جاء فيها أن من يناصب العشائرية العداء «ليس مني»، والسيدة ليلى اعتبرت أن في ذلك تكميما لافواه الكتاب فاستقالت استقالة مدوية سجلت لها بكل تقدير، إذ ندر ان يقدم وزير استقالته بسبب موقف كهذا أخلاقي أو مبدئي».

في مجلس وزراء حكومة عبيدات يستذكر النسور عدة قضايا «اولا عودة العلاقات مع مصر بعد انقطاعها بعد كامب ديفيد، وقدرة عبيدات وصلابته في زحزحة رموز في الدولة عن مواقعها منهم علي غندور ومحمد كمال وعمر عبد الله».

بعد حكومة عبيدات بثلاث سنوات دخل بحكومة زيد الرفاعي وزيرا للتخطيط وخرج بتعديل وزاري العام 1986 ثم جاءت هبة نيسان 1989 فاستدعاه سمو الأمير زيد بن شاكر ليدخل وزيرا للتربية والتعليم، ورأيه في الامير زيد أنه «فارس بخلفية عسكرية وهو غاية بالديمقراطية والذهنية المتفتحة والثقة بالنفس».

استقال النسور من حكومة الشريف زيد وخاض انتخابات المجلس النيابي الحادي عشر العام 1989، وفي رأي النسور أن «البرلمان القوي آنذاك اقتضى حكومات قوية –بدران والمصري والامير زيد- ومن لوازم قوة الحكومة قوة البرلمان وضعف البرلمان يؤدي لضعف الحكومات».

حكومة مضر بدران الرابعة برأيه كانت «أفضل حكومات برلمان 1989 وحكومة الشريف كانت أفضل حكومات الاردن على مدى تاريخه وحكومة المصري غاية بالانفتاح والديمقراطية والليبرالية وضمت طيفا واسعا من التوجهات الوطنية النظيفة».

حكومة طاهر المصري لم تدم طويلا بسبب مؤتمر مدريد «تجمع أكثر من ثلثي مجلس النواب ووقعوا عريضة تطالب باسقاط الحكومة». ويسجل للرئيس المصري أنه نصح الملك الحسين بالابقاء على مجلس النواب، آنذاك كان ابو زهير رئيسا للكتلة الوطنية وهي أكبر تجمع وتكتل برلماني أسهم بشكل واضح في استقرار حكومة المصري.

قصة الذهاب لمدريد حسمت في جناح بفندق الأردن؛ «كان ياسر عرفات مدعوا ودخل المرافق وأعطاه ورقة فيها كلام غيّر لونه. وقال عارفين أيه؟ قلنا لا: قال سورية قبلت مبادرة بوش، وكانت متمنعة لمدة ثمانية اشهر ولم نكن نعلم كحكومة اردنية إلا من الضيف الفلسطيني وهنا سبب الإحراج لنا».

آنذاك أحرج الأردن وكان على الرئيس المصري إما ان يجمع البرلمان المجاز ويحيطه بالتطورات ونوايا الأردن ويحصل على موافقته للمقبل سياسيا، او يمضي حتى يعود البرلمان للانعقاد بعد ثلاثة اشهر.

كان رأي النسور أن الثقة التي حصلت عليها حكومة المصري في ظل واقع مختلف، وأن ما استجد يستدعي دعوة البرلمان واخذ الموافقة؛ «وكنت أعتقد ان المصري حاول جهده لدعوة البرلمان لكن لم يصل لتلك النتيجة، فارتأيت أن الحكومة لا تستطيع أن تمضي في هذا المسار وأشهد ان المصري تفهم وجهة نظري، فعرضت استقالتي وقبلت».

يكشف النسور أن الرئيس أحمد عبيدات كان في القصر عند التعديل على حكومة طاهر المصري «وقد علمت فيما بعد أن الرئيس المصري قدم استقالته وأن الملك كلف أحمد عبيدات بتشكيل الحكومة فلم يوافق عبيدات ولم يتح لي أن اتحقق من هذا من الرئيس عبيدات نفسه».

بعد ذلك جاءت حكومة الأمير زيد بن شاكر على إثر مذكرة ثلثي النواب ضد حكومة المصري، فكلف النسور بوزارة الصناعة والتجارة وبقي حتى استقال في صيف 1993 ليخوض انتخابات المجلس النيابي 12 ليشترك بعدها بحكومة عبدالكريم الكباريتي وزيرا للتعليم العالي، ثم جاء مع عبد السلام المجالي نائبا للرئيس ووزيرا للإعلام والتنمية الإدارية، وفي العام 1997 عين عينا وبقي حتى العام 2001.

بعدها وحتى 2009 لم يشترك النسور بأي منصب عام، حتى عين في 2009 بإرادة ملكية سامية عينا «بمعية دولة أبو نشأت الذي ترأسني نائبا ووزيرا وعينا وهي رفقة طويلة فيها من الحب الكثير».

العام 2010 ترشح لمجلس النواب المنحل، وفي مقابلته للزميلة الغد في صورة قلمية كان مصرا على الفوز، وقد فاز برقم متواضع، وبرغم أن الجديد في سيرته هو صوته اليقظ في البرلمان المنحل، والذي شدد فيه أبو زهير على محاربة الفساد والإصلاح والحريات، فإن ذلك كان كافيا ليعدل من صورته وأن يجعل منه جزءا من الحل للمرحلة المقبلة، ليعود اليوم رئيسا لحكومة مصير البلد معلق بقدرتها على انجاز مهمة واحدة فقط.

أديب الكايد .. فارس ومناضل عتيد!

|0 التعليقات

الأردن أرض نابضة بالحياة والحضارة منذ فجر البشرية، فلم تكن في مرحلة من المراحل أو في عصر من العصور أرضاً خلاء، أو جسر عبور محايد، بل كانت ولا زالت موطناً لمتواليات حضارية، قادها شعوب المنطقة، فهي بلاد سعى للسيطرة على خيراتها أكبر وأعرق الحضارات العالمية، كالإغريقية والرومانية والفارسية، بالإضافة لحضارات شعوب البلاد بدءاً من العصر الحجري مروراً بالعصر الحديدي والبرونزي، فالشواهد الأثرية والأوابد التاريخية تكشف بوضوح العمق الحضاري والفكري للأردن، لذا كان رجالاته نبتا طيبا من هذا الثرى المبارك، يستندون إلى كل هذا الإرث المتواصل، فحملوا أرواحهم على أيديهم من أجل الوطن وقضايا الأمة، فكانوا دوماً بحجم الحدث وعلى قدر المسؤولية.

يعد المناضل والسياسي أديب الكايد، ابن مرحلة المكابدات الكبرى، التي نتج عنها بناء الدولة الأردنية الحديثة، والتي أعلن تأسيسها الأمير عبد الله بن الحسين عام 1921، وسط محيط مضطرب وكان لهم وللقيادة الحكيمة دور بارز في حماية الوطن والسير فيه إلى بر الأمان،  فالكايد شخصية فذة سابقة لأوانها، فقد حقق مكانة كبيرة محلياً وإقليمياً، وضحى بكل شيء دفاعاً عن الوطن والحرية، هادفاً إلى بناء وطن عربي حر ومتطور، بعد أن كابدت المنطقة قرونا من الإهمال والإذلال، وآمن بالشباب العربي وقدرتهم على التحرر وقيادة المشروع النهضوي العربي، فقد كان أديب الكايد واحداً من أولئك الذين تميزوا بالوعي السياسي المبكر المرتكز على القومية العربية باعتبارها الجامع لشعوب الحواضر العربية تحت الحكم العثماني، الذي خرج عن نهجه كثيراً خاصة في عقوده الأخيرة.

أديب الكايد من مواليد مدينة السلط حاضرة البلقاء، والتي كانت تتبع نابلس تارة والكرك تارة أخرى، لكنها كانت في تلك الفترة من أنشط حواضر شرق الأردن، وأكثرها صلة مع الحواضر العربية في فلسطين وسوريا، وكانت ولادته عام 1882 في مرحلة التراجعات الكبرى للدولة العثمانية، وما نتج عنه من ويلات على المنطقة العربية الخاضعة لحكم الأتراك، ويعد والده من أعيان عشيرة العواملة، وهكذا أصبح الابن عندما شب، ونال من العلم والمعرفة ما مكنه من تشييد ثقافته وفكره الخاص، وقد تربى في أجواء من الانفتاح على ما يجرى في المنطقة، بفضل موقع مدينة السلط والحراك التجاري والاجتماعي الذي شهدته على مدى تاريخها قديماً وحديثاً، ولعل لهذا كله أثره في وجدان ونفسية أديب الكايد، الذي التحق بالمدرسة الابتدائية الرشدية، في مرحلة عزت فيها المدارس، وندر فيها وجود معلمين مؤهلين، وكانت حكومة الباب العالي تفرض على المدارس العربية تدريس اللغة التركية، مما مكنه من تعلم اللغتين العربية والتركية.

بعد تخرجه من المدرسة الرشدية وحصوله على شهادة الابتدائية، خرج لمواجهة الحياة بكل متناقضاتها وصعابها، حيث كان تلك الشهادة كافية في تلك الأيام ليحصل على وظيفة جيدة المستوى، لندرة حملة الشهادات في ذلك الوقت، فعين كاتباً في بلدية السلط وسرعان ما تقدم في وظيفته، ومتن علاقته مع الناس، فقد تمتع باحترام ومحبة أهالي السلط، وقد شجعه ذلك ليخوض انتخابات بلدية السلط، وبذلك أصبح رئيساً للبلدية، وقد نشط في مجال تفعيل دور البلدية وخدماتها رغم شح الإمكانيات وقلة الكوادر المدربة، وبالتالي وسع من شبكة معارفه وذاع صيته بين الناس، بعد ذلك عين عضواً في محكمة البداية في السلط، وكانت المحكمة في نشاط دائم بفضل الحركة الناشطة في المدينة، والأقضية والبلدات التي تتبعها، وهو عمل وفر له خبرة واسعة تضاف لخبرته في العمل والحياة.

انشغل أديب الكايد بالهم السياسي باكراً، وقد أقضى مضجعه ما آل إله حال الأمة من ظلم وغياب للحرية، وقسوة عسكر الدولة الحاكمة، لذا بدأ يبحث عن إطار يتحرك من خلاله، ضمن توجهه لتوحيد الجهود للدفاع عن حقوق العرب ضمن الدولة العثمانية، فبادر بالانضمام إلى حزب اللامركزية العثماني، الذي كان ينسجم مع رؤاه وتوجهاته في تلك المرحلة، فقد هدف هذا الحزب إلى تحقيق الاستقلال الذاتي للأقطار العربية ضمن الدولة العثمانية، ولم يكن هذا الحزب مرحباً به أو بأعضائه من قبل مؤسسات الحكم في اسطنبول والولايات، غير أن أديب الكايد واصل مشواره النضالي وبتصاعد، متحملاً في سبيل ذلك كل المصاعب والمضايقات، فقد ذكر المؤرخ الكبير سليمان الموسى في كتابه وجوه وملامح الجزء الثاني أنه « كان يشتعل حماسة وحمّية للقضايا الوطنية العربية «.

رأى أديب الكايد بالثورة العربية الكبرى، الأمل والسبيل من أجل تحقيق الحلم العربي بالحرية والاستقلال، لذا فقد تابع باهتمام بالغ سير أحداث الثورة، وروج لها في كل مكان تحرك فيه، وقد توقع انتصار الثورة، نتيجة الحالة المتردية التي وصل إليها الأتراك عسكرياً واقتصادياً، وبسبب التفاف العرب حول الثورة وقيادتها، وقد اضطر الأتراك للخروج من السلط نتيجة ضغط الثورة العربية وحلفائها الإنجليز، ساند الكايد هذه التحولات وقدم كل ما بإمكانه من تسهيلات، وعندما عاد الأتراك إلى السلط كان أديب الكايد على رأس المطلوبين، فلم يكن أمامه خيار سوى الخروج من السلط واللجوء إلى مدينة القدس، وقد وصل الحقد والغضب بالأتراك حداً دفع بهم للقبض على شقيقه أحمد الكايد، بتهمة مقاومتهم وإثارة الأهالي ضدهم، وقاموا بإعدامه شنقاً، ليكون شهيداً ضمن قوافل شهداء أحرار الأمة، الذين أعدموا دفاعاً عن حقوق العرب ومستقبلهم.

لم يتمكن الأتراك من القبض على أديب الكايد، لذا تمت محاكمته غيابياً حيث صدر بحقه حكم الإعدام، غير أن ذلك لم يفت في عضده، ولم يتراجع عن توجهاته وأهدافه، فبعد انتصار جيش الثورة العربية، وخروج الأتراك من البلاد العربية نتيجة لذلك، بادر بالذهاب إلى دمشق عاصمة الحكومة العربية في سوريا الطبيعية، ونظراً لسمعته النضالية ومكانته العشائرية، فقد اختير عضواً في الجمعية الوطنية ممثلاً عن قضاء السلط، حيث كانت هذه الجمعية تتشكل من ممثلين عن المناطق السورية، وكان لهذه الجمعية دور مهم في الجهود التأسيسية للمملكة السورية التي توج الملك فيصل بن الحسين ملكاً عليها، غير أن المؤامرة الغربية المتمثلة باتفاقية سايكس – بيكو أجهضت المشروع العربي، عندما سقطت الحكومة الفيصلية بعد انتصار الجيش الفرنسي على العرب في معركة ميسلون.

بعد تلك الأحداث المؤسفة، عاد أديب الكايد إلى الأردن، وكان له موقف مشهود مع المندوب السامي البريطاني « هربرت صموئيل « الذي جاء إلى السلط يوم 21 آب عام 1920، ليلقي خطاباً يعلن فيه الاستقلال الذاتي لمنطقة شرقي الأردن، عندما فاجأه الكايد باستهجان منح الأردن هذه الصفة وحرمان سوريا وباقي البلاد منها، مما أثار غضب المندوب السامي. وعندما تم تأسيس الحكومات المحلية، عين أديب الكايد عضواً في حكومة السلط المحلية، كما عين بعد ذلك عضواً في محكمة الاستئناف بتاريخ 7 شباط 1920، وعندما قام الأمير عبد الله بن الحسين بتأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921 تم تعيين أديب الكايد ملازماً لمحكمة الاستئناف في 11 حزيران 1921، واستمر بهذا المنصب حتى قرر الاستقالة في بداية شهر نيسان عام 1929 ( سليمان الموسى. وجوه وملامح الجزء الثاني).

ومن الوظائف التي شغلها بعد ذلك دخوله عضواً في المجلس التنفيذي، كما عين مديراً للآثار وذلك خلال فترة حكومة الشيخ عبد الله سراج عام 1932، كما كانت له مشاركات واسعة في عدد من اللجان منها اللجنة الاستشارية للجنسية، والمحكمة الخاصة لقضايا الغزو بين قبائل سوريا والأردن، وممثلاً للحكومة الأردنية في لجنة التحقيق في الغزوات الأردنية النجدية عام 1927، وعضوية مجلس إدارة المصرف الزراعي عام 1933، ولجنة تدقيق الأراضي الأميرية 1929، وقد منحه الأمير عبد الله أمير البلاد وسام الاستقلال عام 1931 لخدماته الجليلة للوطن والقيادة. توفي أديب الكايد اليوسف في الحادي والعشرين من شهر تموز 1935 في عمان وتم تشييع جثمانه في مدينته السلط، وكانت وفاته حدثاً وطنياً محزناً، وقد رثاه المناضل الكبير الأمير شكيب أرسلان من منفاه في جنيف بقصيدة رائعة.

الشاعر النبطي سلمان سعيفان الصويص ... شاعر المدينتين

|0 التعليقات


كان شاهداً على مفاصل مهمة من تاريخ المنطقة، وكان لسليقته الشعرية دورها الكبير في التعبير عن مكنوناته وعن المؤثرات الاجتماعية والسياسية التي عايشها وجهاً لوجه، فقد كان ابن المرحلة المتقلبة المليئة بالأحداث والتحولات، واستطاع بفضل ما تمتع به من موهبة حقيقة أصيلة، وبعد نظر وبصيرة عميقة، وما حمله في قلبه من محبة للناس والوطن، استطاع أن يسكن قلوب الناس وأن يعمر في ذاكرتهم ويبقى حاضراً بذكره الطيب، وبشعره الذي كلما تعتق زادت قيمته وارتفع مستواه، وهو ابن البيئة الأردنية الغنية بالتفاصيل، حيث للمكان حضوره القوي في وجدانه وشعرة وحياته، فلقد عنى له المكان الشيء الكثير، ولم يكن تعلقه في المكان إلا شكلاً من أشكال حبه وانتمائه لوطنه، الذي كرس حياته للدفاع عنه بالكلمة والموقف والحب، فكان مثالاً رائعاً للأصالة والشعر وكرم النفس.

الشاعر النبطي سلمان سعيفان الصويص حالة فريدة في شعره وحياته، فقد قسم حياته بين مدينتين: مادبا والفحيص، فكانتا عنده كالجناحين لا يستطيع التحليق بأحدهما دون الآخر، حتى لقب بشاعر المدينتين: مدينة مادبا ومدينة الفحيص، وقد ولد سلمان الصويص في مدينة الفحيص مع دخول القرن العشرين، حيث ولد عام 1902، والبلاد تخضع لأسوأ فترات الحكم العثماني. وينتمي الشاعر سلمان إلى عشيرة الصويص – الصويصات – وهي عشيرة مسيحية من العشائر المعروفة في الفحيص، حيث تذكر المصادر التاريخية أن أصل العشيرة يرجع إلى اليمن، حيث هاجروا بعد انهيار سد مأرب إلى بصرى الشام، ثم استقروا في منطقة القسطل الأردنية، وقد اسلم بعض أفراد العشيرة مثل ابن جرار، وقد سكنوا الدير قرب الفحيص، بعدها انتقلوا إلى السلط، لفترة من الزمن، بعد معركة حامية مع أحد أمراء الإقطاع في العهد العثماني، غير أنه عاد كثير منهم إلى الفحيص وأقاموا فيها بعد استتباب الحال فيها.

كان والد شاعرنا ،الشيخ سعيفان الصويص، ويعد أحد وجهاء عشيرته، وفي شبابه هاجر إلى قرية « نامر « في حوران، ويعد سكان هذه القرية على صلة قرابة بعيدة بعشيرة الصويصات، حيث عمل عندهم وتزوج إحدى بناتهم وهي فتاة عرفت بجمالها ونبل أخلاقها، لكنه عاد بعد ذلك بفترة إلى مسقط رأسه الفحيص مع زوجته، وأنجبا سلمان وزيدان ومزيد، وكلهم قالوا الشعر وأحبوه، حتى مزيد الذي هاجر إلى تشيلي في ثلاثينيات القرن الماضي، بقي محباً للشعر وناظماً له رغم نجاحه كرجل أعمال كبير في المهجر، وقد اضطر والده أن ينتقل بالعائلة إلى مدينة مادبا في أعقاب الهجوم الكبير الذي شنه عسكر الأتراك على الفحيص عام 1918، الذي دفع غالبية أهالي الفحيص اللجوء إلى القدس، وقد بقوا هناك ستة أشهر حتى خرج الأتراك من البلاد، بعد انتصار الثورة العربية الكبرى، وخلال إقامة العائلة في مادبا تزوجت شقيقة الشاعر سلمان « حنة « من سلامة الجميعان وتزوجت « نصرة « من سلمان المطالقة، وقد يكون زواج شقيقتيه في مادبا السبب الرئيسي ليختار الشاب سلمان سعيفان الإقامة في مادبا، فقد عاد والده وباقي أفراد العائلة إلى الفحيص بعد عقد من الإقامة في مادبا.

لقد تمكن الشاعر سلمان الصويص من الدراسة في مدرسة السلط إلى الصف الرابع الابتدائي، وقد حال اضطراب الأوضاع وانتقال العائلة إلى مادبا من إكماله لدراسته، لكنه تعلم على نفسه واعتبر الحياة جامعته التي نهل منها معارفه وخبراته الكبيرة، وقد طابت له الإقامة في مادبا على مقربة من أختيه، وقد شهدت المدينة نشاطاً وازدهاراً كبيرين، خاصة بعد تأسيس إمارة شرق الأردن، حيث ازدهرت الزراعة والتجارة وتربية المواشي، وكانت لها علاقات تجارية مع مدن فلسطينية ومع دمشق، وقد شجعت هذه الأحوال المزدهرة سلمان سعيفان الصويص على افتتاح متجره في مادبا، الذي ما لبث أن تحول إلى ملتقىً للأصدقاء ومحبي الشعر وكأنما أصبح صالوناً أدبياً شعبياً، وقد نمت تجارته في حي « الكرادشة « في مادبا، وقام بشراء أرضاً شمال المدينة، وعمل على بناء بيت خاصه به، وهو البيت الذي أقام به الفترة الباقية من إقامته في مادبا التي وصلت إلى نصف قرن ( د. صالح الحمارنة. ديوان العلالي ).

لقد تزوج سلمان الصويص في مادبا، وكانت مسقط رأس كل أبنائه وبناته، حيث تعلق جميع أفراد عائلته بهذه المدينة الرائعة، وقد وصفها ابنه عادل وعلاقتها بشعر والده بقوله: «لم تغب مادبا منذ بدايات القرن المنصرم عن حضورها الفاعل على المسرح الاجتماعي والثقافي والسياسي الأردني، فكانت لمادبا نكهة خاصة، جمعت بين عبق البداوة والفروسية والفكر السياسي والديني. وهذا ما ظهر في أشعاره «. وقد نال سلمان تقدير واحترام أهالي مادبا مما زج به في دائرة الحدث، فقد زرع في نفسه حب مادبا وارتبط بها منذ وصلها في شبابه الباكر، حتى صار يستقي من ما يجري في مادبا موضوعات شعره، وقد عدت قصائده سجلاً للأحداث المهمة في مادبا منذ عشرينيات القرن الماضي، وقد وجد نفسه في بؤرة الحدث منذ نظم قصيدة الأولى، التي ألفاها عام 1920، وانتقد فيها فتية من المذهب الأرثوذوكسي ورغبتهم بالتحول إلى المذهب الكاثوليكي مقابل مبلغ من المال، وقد انتشرت هذه القصيدة كالنار في الهشيم، وكانت بوابة لمساجلات شعرية عديدة بينهم وبين مجموعة من شعراء مادبا وغيرها من أمثال الشاعر سالم القنصل والشاعر سلامة الغيشان. كان للمساجلات الشعرية التي برزت في مادبا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، الخاصة التي دارت بين سلمان الصويص وسالم القنصل وسلامة الغيشان، دورها الاجتماعي والاقتصادي، وصار لها متابعين داخل مادبا وفي عدد من المدن الأردنية، ومازالت هذه المساجلات حاضرة في الأذهان، ويرددها كبار السن في مناطق مختلفة، وأصبح سلمان من شعراء مادبا المحبوبين، وذاع صيته بسرعة كبيرة، ولم يفكر بمغادرة مادبا التي أقام فيها نصف قرن، غير أن أولاده كبروا واضطرتهم ظروف عملهم الإقامة في عمان، وقامت الحكومة باستملاك بيته في مادبا، وحولته إلى مبنى لمديرية التربية والتعليم، فقرر الشاعر سلمان مغادرة مادبا التي أحب وطاب له المقام فيها، وانتقل إلى جبل الهاشمي في عمان، حيث قام بشراء منزل وعمل على افتتاح متجر يبيع فيه أصناف عديدة من ضمنها « الدخان الهيشي «.

لم يتقبل الشاعر سلمان العيش في عمان، ولم ترق له الحياة فيها فقرر تركها والعودة إلى مسقط رأسه الفحيص، وبذلك عاد إلى مدينته الجميلة الفحيص عام 1975 بعد غياب دام خمسين عاماً، وإن كانت صلته فيها دائمة لم تنقطع يوماً فأهله وأشقاؤه فيها، وقد اتخذ من منزل كبير بناه ولده عادل في بستان العائلة في منطقة الحمّر المليئة بالأشجار من صنوبر وسرو وبلوط، مسكن له مع ولديه، ويواصل سلمان سعيفان الصويص حياته، فقد بقي على صلة قوية بالناس في مادبا والفحيص، وحاضراً في كل المناسبات الاجتماعية، واستمر في نظم الشعر في المناسبات الوطنية والاجتماعية ومساجلة أصدقائه شعرياً، وقد واكبت عودته إلى الفحيص عودة أخوه الشاعر زيدان بعد تقاعده من دائرة الجمارك وتركه للتجارة في عمان، فعاد الشقيقان إلى مسقط الرأس بعد سنين من الإقامة خارج البلدة.

لقد عرف سلمان الصويص – أبو عادل – بمعرفته الواسعة بالقضاء العشائري، فأصبح مرجعاً لكثير من الأهالي في القضاء العشائري وفي كثير من القضايا الأخرى، فكان يقوم بفض النزاعات وحل المشاكل التي تعرض عليه وإصلاح ذات البين، مما زاد في محبتهم له وتقديرهم لدوره ومكانته، فكان رأيه مقدراً ويثقون في حكمه في كثير من الأمور والقضايا، وقد تقدم به العمر فغلب على شعره الحكمة الاجتماعية، وزاد تعلقه بأسرته وأخوته، وكان دائم القلق عليهم يتابع أخبارهم ويتألم لأقل مكروه يصيبهم، وقد ألم به حزن شديد لوفاة زوجته ورفيقة دربه عام 1995، ولم يرغب بالعيش بعدها، فزهد بكل شيء، ولزم بيته حتى وفاته عام 2003، وقد تجاوز عمره المائة سنة، ورغم عمره الطويل بقي متمتعاً بصحة جيدة وذاكرة متوقدة، وقد حزنت بفقده مدينتي مادبا والفحيص، وبقي جسر التواصل الذي لا ينقطع وصله أبداً.

جمال الشاعر .. الطبيب الفذ والسياسي المخضرم

|0 التعليقات
جمال الشاعر

كان الطبيب والسياسي جمال الشاعر، على موعد مع المفارقات الكبيرة التي طبعت مرحلته، وتركت سماتها الخاصة على المنطقة برمتها، وشكلت ملامح رجالات تلك المرحلة، فلقد كانت البلاد تمر بمخاضات سياسية واقتصادية، وتحولات اجتماعية تكاد تكون جذرية، منذ بُعيد التأسيس وحتى سبعينيات القرن الماضي.

 ويمكن اعتبار مراحل حياة هذا السياسي اللامع والطبيب الرائد، انعكاساً ناضجاً لواقع النخبة السياسية المثقفة، التي بدأت بالبروز منذ أخذت مدرسة السلط الثانوية، على عاتقها رفد الساحة المحلية بالخريجين، الذين اندغموا في الوظائف الرسمية، ومنهم توجه إلى الجامعات والمعاهد العربية والغربية، بغية تحصيل مزيد من العلم والمعارف الجديدة، وكان جمال الشاعر احد هؤلاء الرواد  .

انطلق جمال الشاعر، من بؤرة الحراك الاقتصادي والعلمي في الأردن في تلك المرحلة، فلقد ولد في السلط المدينة الأبرز في مرحلة التأسيس الأولى، ومركزها التجاري والعلمي، وقد واكب ذلك حراك ديموغرافي واسع النطاق.

 ولم تكن السلط عنده مسقط الرأس وحسب، بل هي مهد الطفولة، ومرتع الشباب الباكر، فكانت عنده الحضن الكبير، الذي ألهمه رؤيته الخاصة اتجاه الحياة والمستقبل، حيث تلقى فيها معارفه ومارس فيها شقاوته، وشهدت أولى اشتباكه مع الواقع والظروف السياسية، مما مكنه من بناء وعيه العميق الذي رسم منهج حياته الحافلة بالتحولات والإنجازات.

  كانت ولادته عام 1928، وقد نشأ نشأة أبناء السلط البسطاء، وسط أسرة مسيحية اتصفت بالعراقة، والانتماء الراسخ للقيادة والوطن، وهي الأسرة التي انفتحت على آفاق قومية، تنافح عن قضايا الأمة، وتطالب باستقلالها ووحدتها، وقد اتصف الشاعر منذ صغره بحس المبادرة، والوعي السابق لسنوات عمره، وتعلق بمدينته السلط طوال حياته، لذا وصف دائما بابن السلط البار، الذي وإن ابتعد عنها بحكم عمله إلا أن وجدانه ارتبط بها بشكل لافت.

أتاحت الظروف الفرصة لجمال الشاعر، للالتحاق بمداس السلط، حيث درس المرحلة الابتدائية، ومن ثم المرحلة الإعدادية، وكان من ذلك الجيل الذين درسوا في مدرسة السلط الثانوية، حيث درس جزءاً من صفوف هذه المرحلة في هذه المدرسة العريقة، وكانت مدينة عمان عاصمة الإمارة الصاعدة، تشهد تطوراً لافتاً، ونشاطاً تجارياً متسارعاً، مما دفع عائلته للانتقال إلى عمان والاستقرار فيها، وقد بادر إلى الالتحاق بمدرسة المطران في عمان، في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، لكنه لم يمكث طويلاً في هذه المدرسة، فقد انتقل بعدها إلى مدرسة اللاتين، وفيها تمكن من الحصول على شهادة الثانوية العامة، التي كانت تسمى حينها ( المترك ) عام 1944، ورغم أن هذه الشهادة تؤهله للحصول على وظيفة حكومية جيدة، غير أنه فضل ترك مغريات الوظيفة، من أجل تحقيق هدفه في التحصيل العلمي، فغادر الأردن باتجاه بيروت حيث أصبح طالباً في الجامعة الأمريكية، واختار كلية العلوم تلبية لرغبته الخاصة، وتمكن من الحصول على بكالوريوس العلوم، من الجامعة الأمريكية عام 1947.

عاد جمال الشاعر إلى وطنه الأردن، مخططاً لدخول الحياة العملية، لكن رغبة والده في أن يدرس ابنه الطب، دفعته للعودة من جديد إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث عاد طالباً في كلية الطب، وكان مثابراً في دراسته، جدياً في تعامله مع مستجدات الحياة، متميزاً في التحصيل العلمي، وقد نال شهادة الطب من الجامعة الأمريكية عام 1951، حيث صبغ هذا التخصص حياته العملية بعد ذلك، فقد قرر التخصص في هذا المجال، خاصة أن الأردن كان بحاجة ماسة لهذه الكفاءات، فسافر إلى بريطانيا وايرلندا، ملتحقاً بجامعات هذه الدول للتخصص، وتمكن من تحقيق مراده بمستوى عالٍ. وقد عاد إلى وطنه مسلحاً بالمعرفة والعلم والخبرة العملية، فكان أحد ابرز الأطباء في مرحلته.

أتاحت له فترة دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت، فرصة للتواصل مع عدد من القوميين، وأصحاب الفكر العرب، وقد كون صداقات واسعة معهم، وهو المسكون بالهاجس القومي، وكانت الجامعة الأمريكية ملتقى القوميين، ولاقت أفكار السياسي أنطوان سعادة القومية، قبولاً وإعجاباً في نفسه، وكانت نتيجة ذلك أن انتسب إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي عام 1946، وقد وصفت يتلك المرحلة من تاريخ المنطقة، بعدم الاستقرار السياسي، مع خروج الدول العربية تباعاً من السيطرة الغربية المباشرة، لذا لم يستمر جمال الشاعر أكثر من ثلاث سنوات في هذا الحزب، حيث التحق بحزب البعث العربي الاشتراكي، وقد قاده إيمانه بالقومية العربية، والوحدة العربية باعتبارهما السبيل الأفضل، لاستعادة العرب دورهم الحضاري المتقدم، مستندين إلى إرثهم العظيم، وما يتمتعون به من قدرات بشرية ومادية كبيرة، وقد استمر عضواً في حزب البعث حتى العام 1975، حين غادره محتفظاً بفكره ونهجه السياسي الوطني والقومي.
يعد جمال الشاعر ناشطاً اجتماعياً وسياسيا، فقد كان حاضراً في المنتديات والجمعيات المختلفة، داخل الأردن وخارجه، ولم يكتف كونه طبيب متميز، ففي عام 1949 ترأس نادي السلط الثقافي، وكان له نشاط ثقافي تنويري كبير، وعندما عاد إلى بيروت لدراسة الطب، أصبح رئيساً لجمعية العروة الوثقى في الجامعة الأمريكية عام 1950، وقد نقل معه هذا النشاط إلى بريطانيا وايرلندا أثناء دراسته فيهما، حيث انتخب رئيساً لرابطة الطلبة العرب. عمل الشاعر طبيباً في أكثر من موقع، وأسس مركزاً طبياً في مدينته السلط حمل اسمه، وقد حاز شعبية كبيرة في النواحي الاجتماعية والثقافية، وثقة عدد كبير من الناس بقدراته وخبراته في الطب. وقد أقام في دمشق مدة سنتين، لكنه عاد للإقامة في عمان عام 1960، بعد هذه المرحلة أصبح جمال الشاعر رئيساً لمجلس إدارة المستشفى الأهلي في عمان، وأسهمت نشاطاته المختلفة، وشهرته كطبيب وسياسي، لدخول مجلس نقابة الأطباء غير مرة.

بقي الهاجس السياسي يلاحقه، فبعد خروجه من حزب البعث، أسس مع نفر من أصدقائه التجمع الديمقراطي الوحدوي عام 1976، وتمكن من رئاسة لجنته التنفيذية عام 1983. وفي العام 1978 اختير عضواً في المجلس الوطني الاستشاري، وعندما كلف دولة الشريف عبد الحميد شرف رحمه الله، بتشكيل الحكومة عام 1979، دخل جمال الشاعر الحكومة وزيراً للشؤون البلدية والقروية والبيئة، وقد تميز كوزير بالتواضع، والعمل الجاد المخلص، ودخل الحكومة للمرة الثانية في حكومة دولة قاسم الريماوي، حاملاً الحقيبة الوزارية نفسها. بعد عودة الحياة الديمقراطية والحزبية، بادر مع عدد من أصدقائه بالعودة لممارسة الحياة الحزبية برؤية جديدة، أفادت كثيراً من المراحل السابقة.

وكانت لجمال الشاعر أنشطة مختلفة، نبعت كلها من مبادئه القومية ونهجه العروبي، فقد دخل عضوية عدة لجان محلية وعربية وعالمية، منها عضوية اللجنة العربية لحقوق الإنسان، وعضوية لجنة دعم الشعبين الفلسطيني واللبناني، ولارتباطه بمدينة السلط أصبح عضواً في لجنة اعمار السلط، ورغم عمله في الطب، ونشاطه السياسي والاجتماعي، فقد كان له حضور صحفي واضح، من خلال سلسلة من المقالات التي نشرها في أهم الصحف المحلية كالرأي والدستور، ولم ينقطع عن المشاركة في الأنشطة المختلفة ذات الصلة بتوجهاته واهتماماته، حيث كان دائم المشاركة في الندوات والمنتديات والمؤتمرات الفكرية والسياسية، وفي السياق نفسه، أصدر أكثر من كتاب من تأليفه منها: سياسي يتذكر، وخمسون عاماً ونيف، بالإضافة لعدد من الدراسات والأبحاث في السياسية والفكر.

لم ينقطع الطبيب والسياسي جمال الشاعر، عن الحياة السياسية والثقافية الأردنية، بل كان دائم النشاط والحضور، ويترك أثراً أينما حل، وقد اكتسب ثقة ومحبة كل من عرفه أو تعامل معه، وتحول منزله في سنواته الأخيرة، بمثابة ملتقى للسياسيين والكتاب وأصحاب الفكر، وبقي ابن السلط البار بأهله ووطنه وأمته، واخلص العمل في كل المواقع التي عمل فيها. وفي شهر تموز من عام 2007، توفي السياسي المخضرم والطبيب الإنسان جمال الشاعر، ليدفن في عمان التي شهدت نجاحاته المختلفة، فقد كان ولا زال علامة فارقة في الحياة السياسية والعلمية الأردنية.

خالد الساكت .. ناسك الحياة وضمير الأدباء

|0 التعليقات
خالد الساكت

أطل الشاعر والسياسي خالد الساكت، على الدنيا من رابية عالية من روابي مدينة السلط العريقة، وكأنه جاء محملاً برؤاه الخاصة للإبداع والحياة، فكان من خلال مسيرته الحياتية والأدبية والسياسية، قد ثبت اختلافه مع السائد، وثورته الداخلية الرافضة للواقع الماثل الذي آل إليه العرب، منذ انقضاء الربع الأول من القرن الماضي، وهو العروبي الذي تجذرت فيه القومية العربية منذ نعومة أظفاره.

صاحب مبدأ لا يحيد عنه،   عرف بمواقفه الواضحة، والمعاكسة للتيار في كثير من الأحيان،  تميز بالجرأة والمصداقية، والمقدرة على تحمل نتائج هذه المواقف الثابتة.

وقد عبر عن أفكاره، من خلال توجهاته السياسية والفكرية، التي برزت في شعره وكتاباته الصحفية والنثرية، وعن طريق المواجهة المباشرة مع عدد من المسؤولين، الذي عمل معهم أو اصطدم به خلال حياته العملية.

ولد  الساكت عام 1927، في مدينة السلط التي كانت بؤرة النشاط التجاري، ومركزاً علمياً رائداً، توج بتأسيس مدرسة السلط الثانوية، الأولى في الإمارة، وقد واكب الساكت منذ ولادته، مرحلة تأسيس الإمارة، فنشأ وسط عائلة معروفة في السلط، متوسطة الأحوال المعيشية، فوالده كان تاجراً بسيطاً، وقد كان صاحب دكان صغيرة في المدينة.

أتاحت  الظروف، أن يتمتع بطفولته كسائر أبناء السلط ..يلهو في حاراتها ويلعب في أزقتها، ويرافق والده خلال عمله في الدكان، وقد أرسله والده إلى الكتّاب، ليتعلم القراءة والكتابة والحساب، وقد عوضت الكتاتيب في تلك المرحلة قلة المدارس، وندرة المدرسين، وتميز بالذكاء وسرعة البديهة منذ سنواته الأولى،   تمكن من حفظ القرآن الكريم، وهو في سن الخامسة، وقد كان هذا دليل على قدراته المتميزة.

التحق خالد الساكت بالمدرسة الابتدائية في السلط، وكان من الطلبة اللافتين، الذين حظوا بإعجاب وتقدير المعلمين، وقد أظهر حباً كبيراً للقراءة بعمر مبكرة، حتى أن والده كان يرقب برضا، حصول خالد على النقود من الدكان، خلال مساعدته له، ليشتري بها كتبا يقرأها، وقد شجعه والده على القراءة، ودعمه لمواصلة دراسته، فبعد أن أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية، انتقل إلى مدرسة السلط الثانوية، من أجل إكمال دراسته، وقد تتلمذ في هذه المدرسة على يد خيرة من التربويين، الذين كان لهم دور كبير، في بناء الأردن الحديث في مختلف الميادين منهم: محمد أديب العامري، وصفي التل، حسني فريز، حمد الفرحان وخليل السالم، وكان لهذه النخبة أثرها العميق في بناء وجدانه، وتوجهاته القومية وإيمانه بالوحدة العربية، وقد شارك بالمظاهرات والمسيرات، التي كان يقوم بها طلبة المدرسة، المناهضة للاستعمار الغربي، والمحذرة من تدهور الأوضاع في فلسطين.

حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1944، حيث مكنته هذه الشهادة، من الدخول إلى الحياة العملية بثقة كبيرة، وهو الذي آمن على الدوام، أن حفظ الوطن وخدمته، يصب في الحلم الكبير، وهو الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، فتم تعيينه في وزارة الصحة، وقد عمل موظفاً في هذه الوزارة حتى عام 1948، حيث غادرها منتقلاً إلى وزارة الخارجية خلال الفترة من عام 1948 إلى عام 1952، وكان الساكت جريئاً لا تأخذه في الحق لومة لائم، ويجاهر بآرائه بوضوح، وبروح ساخرة أحياناً، لذا لم يكن من أصحاب الحظوة لدى المدراء والمسؤولين، وقد دفعه فكره القومي، للانتساب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وقد كان لأفكار ونشاطه السياسي، أن أدخلته السجن غير مرة، وتم الاستغناء عن خدماته أكثر من مره، غير أن هذه الأحداث لم تغير من مواقفه، ولم تخفف من جرأته.

أكمل خالد الساكت دراسته الجامعية، في جامعة الأزهر بالقاهرة، وقد تمكن خلال وجوده في مصر، من التواصل مع عدد كبير من الأدباء المصريين والعرب، وبالأخص الشعراء، الذين ارتبط معهم بصداقات متينة استمرت سنوات طويلة، من أمثال فاروق شوشه، رجاء النقاش، أبو المعاطي أبو النجا، أحمد عبد المعطي حجازي، وصلاح عبد الصبور، وفي المقابل كانت له صداقات خاصة ومتميزة في لبنان، منهم الشاعر الكبير ادونيس، خليل الحاوي، عصام العبد الله، وعدد من رموز الثقافة العربي من أمثال محمد الفيتوري، مما يدلل على المكانة الكبيرة التي تمتع بها خالد الساكت محلياً وعربياً، فهو شاعر رصين، عبر عن هموم المواطن العادي، وكان لسان حال النخب المثقفة، واتسم شعره بالرؤية الثاقبة، والهواجس الوطنية والقومية، فهو لم يغادر هذه المنطقة طيلة حياته.

وقد ترك خالد الساكت حزب البعث، عندما اكتشف تحول الفكرة القومية، إلى فكرة مصلحية ضيقة عند عدد من قيادات الحزب، فاستقال منه، لكنه لم يتخل عن فكره القومي. وقد تمكن من دراسة الماجستير، تخصص علم النفس التربوي، في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نال درجة الماجستير هذه عام 1963، وكان قبل ذلك قد بدأ العمل في وزارة التربية والتعليم، حيث قضى فيها أطول فترة، حيث عمل مدرساً في مدرسة السلط الثانوية، فقد عشق التعليم وكان العمل الأقرب إلى نفسه، فكان له تأثير في جيل وأكثر من طلبة مدرسة السلط، وكذلك مدرسة كلية الحسين في عمان، وقد تدرج في وزارة التربية والتعليم من مدرس إلى أن أصبح مستشاراً للوزير، وكان يعبر عن هذا المنصب بروحه الساخرة: ( أنا المستشار الذي لا يستشار ).

تم تعيينه مستشاراً ثقافياً في السفارات الأردنية في كل من دمشق وبيروت والجزائر وليبيا، فكان بمثابة وزارة ثقافة متنقلة، حيث تمكن من استقطاب رموز الأوساط الثقافية والعلمية في هذه البلدان، وتواصل مع المثقفين العرب، وكان حاضراً ومشاركاً في الندوات والمؤتمرات الثقافية التي أقيمت في تلك الدول. وعُرف الساكت بعنده وصلابة موقفه وزهده بالحياة، فقد كان على علاقة وثيقة بدولة المرحوم وصفي التل، حيث عرض عليه منصباً وزارياً، فاعتذر الساكت كونه لا يتقن المجاملات على حد قوله. وقد شكلت فلسطين محور اهتمامه، فقد حمل قضيتها في مواقفه المختلفة، في حين أثرت فيه حرب الخليج الثانية تأثيراً كبيراً، وأصابت حلمه بالوحدة العربية في العمق، وقد ظهر ذلك جلياً في شعره الذي واكب هذه المرحلة.

ورغم دخوله السجن مرتين، وتم فرض الإقامة الجبرية عليه ثلاث مرات، لأفكاره ومواقفه، فقد عرف بإخلاصه للوطن، وتفانيه في العمل، وهو الذي عمل في أكثر من موقع، فبالإضافة وزارت الصحة والخارجية والتربية والتعليم، عمل في وزارة العدل، والإذاعة والتلفزيون في فترة إدارة وصفي التل، مشرفاً على برنامج ( مع أدبنا الجديد ) مع زميله المرحوم الشاعر عبد الرحيم عمر، وكان الساكت له دور كبير في تأسيس مكتبة أمانة عمان، من خلال تمكنه من تحصيل منحه ألمانية لتأسيس هذه المكتبة، التي تعد الآن درة قلب العاصمة عمان. وخلال حياته الأدبية والصحفية، نشر عدداً كبيراً من الدواوين الشعرية، والمقالات والكتابات النثرية، بالإضافة لسيرته الذاتية، التي نشر أجزاءً منها في جريدة الرأي الأردنية، ومن دواوينه الشعرية: لماذا الحزن 1975، لماذا الخوف 1983، المخاض 1987، الذي يأتي العراق 1992، الأنهار والشمس 1992، عبوس وشموس 1993، الزلزال قادماً 1993، تستيقظ القبور 1994، والمسيرة 1996، وفي النثر أصدر ( مرايا صغيرة في جزأين، وكتاب ( لكي لا تتذكر )، و( المساعد في الإعراب ) بالاشتراك مع روكس بن زائد العزيزي، وله مخطوطات تنتظر التحقيق والطبع. وبعد حياة حافلة بالعطاء والمواقف الصادقة، توفي الشاعر والأديب الكبير خالد الساكت، في 14 حزيران عام 2006، وترك برحيله فراغاً كبيراً، ويتعاظم فقده مع مرور الأيام، لكنه ترك لنا إرثاً إبداعياً وفكرياً لا يفنى، فقد سطر اسمه مع كبار الأدباء العرب، وسيبقى أحد رموز الحركة الثقافية الأردنية، التي تنظر لحياته ومنجزه بعين التقدير والإجلال.

مؤنس الرزاز .. زرع البحر الميت بالحياة

|0 التعليقات
مؤنس الرزاز

لم يكن مؤنس الرزاز مجرد كاتب متميز، أو سياسي يزهو بكسله واحتجابه الاحتجاجان وحسب، بل كان ظاهرة إبداعية وإنسانية مغايرة ومتفردة، تركت أثرها العميق في الساحة الثقافية العربية والمحلية، وكان لها ارتداداتها على عدد ليس بالقليل من الكتاب الذين تواصلوا معه، وتأثروا بأسلوب حياته، وبنظرته الخاصة للحياة، وحرده المستمر من الواقع العربي المتردي، وجنوحه نحو الغرابة، واجتراح أشكال مفاجئة من التعبير المناهض لحالة الاستسلام، فبدأ بتأسيس الجمعيات شبه السرية، والمدهشة في فكرتها وغاياتها، وإن كانت لا تعدو عن أفكار تبقى بين الأصدقاء المنتمين إلى هذه الجمعيات ضمنياً، فلقد نادي بتأسيس جمعية ''التنابل'' خاصة بالكسالى، وجمعية ''الحردانين'' للمحتجين على الشكل الحالي للحياة، وعلى الواقع المثقل بالخذلان والتراجع، وهي أفكار روج لها واستقطب لها عدد من المؤيدين.

ينتمي مؤنس الرزاز إلى عائلة تعود بجذورها إلى أسرة شامية، وفدت إلى الأردن في مرحلة الحراك البشري، الذي شهدته المنطقة يوم كانت البلاد العربية أرضاً واحدة، لا يقسمها فاصل حدودي، ولا يباعد بينها حاجز جغرافي، أو تنافر مصلحي، وكانت السلط حينها تشكل قلب البلاد النابض، تزخر بنشاط تجاري وحراك اجتماعي بارزين، فسعت هذه العائلة للإقامة في حاضرة البلقاء السلط، فكانت مسقط رأسه، والفضاء الرحب الذي حلقت فيه نظرته الأولى للحياة والوجود، فلقد فجر مؤنس الرزاز ضجيج صرخة الأولى في السلط عام 1951م، ليملأ العالم هدوءاً بعد ذلك، لم يكن الهدوء الذي يسبق العاصفة، لأنه كان العاصفة المروضة لدرجة الألم، فتحول صخبها إلى كتابة جارحة، تكشف عن نزف مزمن، يستنزف الطفولة، ويصعد بعيداً حتى حدود الشيخوخة التي لم تكتمل، هكذا هو مؤنس الرزاز منذ بدأ دبيب خطواته في الأزقة والحارات، وكأنه يجس بحساسيته المفرطة احتمالات الحياة القادمة، ويتدرب على الحرد القاسي.

كانت عمان أولى المحطات وآخرها، فلقد التحق في طفولته بمدرسة المطران في عمان، وفيها نمت أحلامه وتعمقت نظرته للحياة، مع ازدياد عمره عاماً بعد عام، وفيها أيضاً أكمل دراسته الثانوية، وقد شب ناهلاً من ثقافة وفكر والده منيف الرزاز، الذي كان مفكراً عربياً كبيراً، وسياسياً مرموقاً دفع في سبيل مبادئه وانتمائه العربي القومي، ثمناً غالياً، حتى توفي بالإقامة الجبرية، وهو يشغل منصب الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث، لقد تأثر مؤنس كثيراً بوالده، وفت في عضده فقدانه في لوالده، مما فجر في أعماقه حزن موغل في النفس، ففلق محارة الإبداع، التي أخلص لها، حتى وضعته في قمة المجد الأدبي المستحق، لكن الأحداث الجسام التي أحاقت به منذ نعومة أظفاره، منحت انزواءً اختيارياً والتجاء نحو العبث الوعي، وحاول مبكراً التفلت من رتابة الحياة، وكسر جمودها، من خلال لامبالاة خاصة، فلقد شد الرحال صوب انجلترا من أجل الدراسة، والتحق بجامعة اكسفورد ، في مفتتح العقد السابع من القرن الماضي، ويبدو أن الحياة فيها لم تلاؤمه، ولم ترق له برودة العلاقات البريطانية، وهو المفتون بدفء الشرق، وغزارة تواصله الاجتماعي، فلم يستطع التأقلم مع هذا الواقع الجديد، فغادرها عائداً للشرق.

وصل مؤنس الرزاز إلى بيروت، وقرر دراسة الفلسفة في جامعتها، لكن الظروف تغيرت بسرعة كبيرة، فلقد تحول هذا البلد الوادع إلى ساحة حرب شرسة استمرت سنوات طويلة، فسرعان ما اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، وشملت البلاد كافة، فأضطر مؤنس إلى مغادرتها، وقرر الذهاب إلى العراق، وهناك بادر بالالتحاق بجامعة بغداد بغية إكمال دراسته للفلسفة، وتمكن من تحقيق ذلك أخير، وحصل على الشهادة الجامعية في الفلسفة من جامعة بغداد، كان والده تعيش واقعاً غير مستقر نتيجة لمكانته الفكرية ومنصبه السياسي، وهذا الأمر انعكس على عائلته، وبالأخص على مؤنس شديد التعلق بوالده، فعاش ما يمكن تسميته شتات الأمكنة، وفقدان الإحساس بالأمن الراسخ، وقد تنقل مؤنس بين عمان ودمشق وبيروت ولندن وبغداد، ومن ثمة قرر السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تحدوه الرغبة في مواصلة تلقي العلم في مجال الدراسات العليا.

التحق مؤنس الرزاز بجامعة جورج تاون، غير أن روح العبث، وسخريته من الرتابة والتزام المقعد الجامعي، بالإضافة لأسباب أخرى كثيرة والظروف العائلية، ترك مؤنس الجامعة وقفل عائداً، وكانت كل هذه القرارات تنبئ عن رفض واحتجاج مكبوت، يظهر من خلال تتبع مراحل حياته القصيرة، فنجده قد حط الرحال أخيراً في عمان بعد سيل من الأحداث والتحولات القاسية، التي عصفت بالعائلة وبالمنطقة كلها، عاد إلى عمان عام 1982م، وبدأ بتلمس واقع الحياة الثقافية في الأردن، فعمل في مكتبة أمانة عمان، وأولى الأدب الأردني اهتماماً خاصاً، خلال عمله هذا، وواظب على زيارة مقر رابطة الكتاب في جبل اللويبدة، حيث كان يسكن قريباً منه، وصارت تتوثق معرفته بالكتاب والمبدعين الأردنيين، وقد بدأ الكتابة الروائية منذ مطلع الثمانينات المنصرمة، عمل بعدها في مؤسسة عبد الحميد شومان، وأخذ يكتب عمداً في جريدة الدستور.

أصدر عدداً من الأعمال الروائية في تلك المرحلة منها، أحياء في البحر الميت واعترافات كاتم صوت، لفتت أعمال نظر النقاد والمهتمين داخل الأردن وخارجه، وأخذ أسمه كروائي ينتشر على امتداد الوطن العربي، وتكونت بصمته الخاصة في السرد الروائي، عمل الرزاز بعدها في وزارة الثقافة مستشاراً لوزير الثقافة، كما ترأس هيئة تحرير مجلة أفكار، التي تصدرها الوزارة، ارتبط مؤنس مع المثقفين الأردنيين والعرب برابط الود والاحترام، وقد ترسخت مكانته الروائية عربياً عندما كتب ونشر بشكل متواصل، حتى وصلت أعماله المنشورة خمس عشرة عملاً، واستمر في الكتابة الصحفية في عموده في جريدة الدستور وجريدة الرأي بعد ذلك، دون انقطاع.

فقد مؤنس الرزاز ثقته بالأحزاب السياسية، بعد أن خاض تجارب في هذا المجال أورثته الألم والخذلان، فخاض انتخابات رابطة الكتاب الأردنيين، في منتصف التسعينيات وأصبح رئيساً للرابطة، وكان أول رئيس رابطة يقدم استقالته قبل انتهاء المدة السنتين، على خلفية الحوار الحاد حول التطبيع، وفضل أن ينأى بنفسه عن سيل التهم المتبادلة بين عدد من أعضاء الرابطة، وكان مكتبه في وزارة الثقافة ملتقى لعدد من الكتاب، وقد عرف عنه النوادر الفكاهية، وعباراته الساخرة رغم حالة التجهم التي توحي بها قسمات وجهه الحادة، كما يمكن استقراء حب مؤنس لمدينة عمان من خلال رواياته الكثيرة، فكان مغرماً بجبل اللويبدة حيث يسكن وبعض ذكريات الطفولة والصبا، وكان رافضاً لما يطرأ على هذا الحي العماني من تحولات أملتها طبيعة الحياة، حتى أنه لم يسافر بعد عودته إلى الأردن إلا مرة واحدة، عندما شارك بندوة عن غالب هلسا، وقد ارتبط بمكتبة عمان التي تعود لصديقه أسامة شعشاعة، الذي يصف حالة النكوص التي لا حقت مؤنس في سنواته الأخيرة بأنها ناتجة عن إحساسه أن الدنيا لم تعد دنياه، وأنها فرضت عليه واقعاً أقسى مما يستطيع أو حتى يرغب في مواجهته، فلقد كانت بينه وبين التقنية العصرية قطيعة لا يستهان بها، مع أنها من أبسط نواتج الدنيا الجديدة، وقد أنجز مؤنس في مقر مكتبة عمان الثلاث روايات الأخيرة.

حاز مؤنس الرزاز على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2000م، وترجم عدد من أعماله، كما نشرت روايته '' الذاكرة المستباحة '' ضمن مشروع كتاب في جريدة في ثلاثة ملايين نسخة وزعت في الوطن العربي، عن طريق المنظمة العالمية اليونسكو، عنى الرزاز في سنواته الخيرة من بعض المشاكل الصحية، لكن أي منها لم يكمن خطيراً، لكنه سقط فجأة من بيننا، وبعد أن أمضى ليل معدودة في برزخ من زجاج في مستشفى لوزميلا في اللويبدة، انتقلت روحه إلى الرفيق الأعلى، وهو في عز نضج التجربة،وعن عمر بالكاد ناهز الواحد والخمسين، تركنا شاباً متوقد الحمرة، ووري الثرى في مقبرة أم الحيران، في يوم عماني حزين حيث شيعته المدينة بشوارعها وأحيائها، ومثقفيها، وناسها الطيبين الذين لن ينسوا أبداً واحداً من أبرز مبدعي الرواية العربية. 

الأستاذ أديب وهبه

|0 التعليقات
"محمد أديب " حسين وهبه

شغل السيد محمد أديب حسين وهبه منصب مدير المعارف " وزير المعارف " في تعديلٍ جرى في 11/9/1926م على حكومة الرئيس حسن خالد أبو الهدى الصيَّادي المشكـَّـلة في 26/6/1926م ، وكان إسم الحكومة قد تغير من مجلس النظار ليصبح المجلس التنفيذي ، واستمر عضواً في حكومة الرئيس حسن خالد أبو الهدى الصيَّادي حتى 17/10/1929م حيث أعاد أبو الهدى تشكيل حكومة جديده لم يكن الوزير أديب وهبه من أعضائها .

وكان السيد أديب وهبه من رجالات الحركة الوطنية العربية منذ سنوات شبابه ، فما أن بلغه نبأ ثورة الملك شريف مكة الحسين بن علي على حكومة حزب الإتـِّـحاد والتـَّـرقــِّـي التي تسلطت على الدولة العثمانية في أواخر سنواتها والذي كان معظم قادته من يهود الدونمة والماسونيين الذين كان لهم علاقة بالصهيونية العالمية ، وكان في ذلك الوقت يعمل مدرساً للغة العربية وآدابها في كلية المعلمين في بغداد حتى سارع إلى تقديم استقالته في 18/7/1917م ليلتحق بالثورة فاختاره الملك فيصل بن الحسين ليعمل في بلاطه الملكي في دمشق بعد تأسيس الحكومة العربية الفيصلية مديراً للإعاشة برتبة رئيس ، ثم رُقــِّـي ليصبح معاوناً لمدير إدارة البلاط ، ولكن حنينه للعسكرية دفعه لطلب الإنتقال إلى الخدمة العسكرية الفعلية فاستـُجيب لطلبه ، وعين قائداً لسرِّية الدرك في السلط التي كانت عاصمة للبقاء التي كانت بدورها مع بقية مناطق شرقي الأردن تابعة للحكومة العربية الفيصلية في دمشق ، ثم رُقــِّـي إلى رتبة قائد في 21/5/1921م بعد تأسيس إمارة شرقي الأردن وكان من أبرز ضباط قوات الدرك في الإمارة التي كان يقودها عارف الحسن .

ويبدو أن خلفية السيد أديب وهبه التربوية أغرت حكومة الإمارة الناشئة إلى الاستفادة من خبراته وكفاءاته التربوية فعُيِّن مديراً عاماً للمعارف في 8/8/1921م ، ولم تكن الحكومة في ذلك الوقت تضم مدير المعارف في كادرها كوزير مستقل ، وبقي في منصبه مديراً للمعارف إلى 30/7/1923م عندما رضخت حكومة علي رضا الركابي لضغوطات سلطات الانتداب الإنجليزي فأصدرت أمراً بنقله مديراً لمدرسة السلط الثانوية الوحيدة في الإمارة في حينه ، فاعتبر أديب وهبه قرار نقله بمثابة إهانةٍ توجهها الحكومة إليه فاستقال ، ويبدو أن استقالة السيد أديب وهبه زادت من حقد الإنجليز عليه فضغطوا على رئيس الحكومة مظهر رسلان الذي خلف الركابي في رئاسة الحكومة فأصدر أمراً باعتقاله ، ولكنه كان أسرع إلى اللجوء إلى دمشق ، وبقي فيها متستراً إلى أن صَدَرَ عفو أميري فعاد إلى عمان ليشغل مرة أخرى منصب مدير المعارف في 13/9/1924م ، ثمَّ انضمَّ إلى الحكومة بمنصب مدير المعارف " وزير المعارف " في حكومة الرئيس حسن خالد أبو الهدى الصيَّادي المشكـَّـلة في 26/6/1926م بموجب تعديل وزاري جرى عليها في 11/9/1926م ، وبقي في منصبه الوزاري حتى 17/10/1929م ، عندما أعاد الرئيس حسن خالد أبو الهدى تشكيل حكومة جديدة استثنى منها مديرية المعارف "وزارة المعارف" فاستمر السيد أديب وهبه في منصب وزير المعارف من خارج الحكومة حتى 25/9/1935م حيث حلَّ مكانه في منصب وزير المعارف السيد أحمد طوقان منتدباً من حكومة  الإنتداب البريطاني في فلسطين ، وفي 18/1/1940م عُيِّن السيد أديب وهبه قنصلاً لإمارة شرقي الأردن في القاهرة ، وفي 1/1/1942م نـُـقِـلَ قنصلاً للإمارة في فلسطين وبقي في هذا المنصب حتى 15/12/1943م حيث نـُـقِـلَ مديراً للبرق والبريد ثم أُعيد تعيينه مديراً للمعارف حتى 31/12/1944م حيث أحيل على التقاعد .

على صعيد العمل السياسي كان الأستاذ أديب وهبه منذ بواكير شبابه متأثرا بطروحات الحركة الوطنية العربية وخاصة حزب الإستقلال العربي الذي كان أحد مؤسِّـسي فرعه الأردني في صيف عام 1921 م ، وبعد نجاح المحتلين الإنجليز في تشتيت رجالات الحزب ، شارك أديب وهبه في تأسيس حزب أحرار الأردن بزعامة علي خلقي باشا الشرايري في عام 1923 م، وفي عام 1936 مشارك في تأسيس  الحزب الوطني الأردني بزعامة الدكتور محمد صبحي أبو غنيمة .

وكان السيد أديب وهبه يتقن إلى جانب لغته الأم العربية اللغات التركية والفرنسية وله إلمام بالإنجليزية ، ولعل براعته باللغة العربية واتـِّـساع ثقافته دفعتاه لولوج أبواب الأدب فانشغل في كتابة القصة القصيرة في بعض مراحل حياته ، وترك من بين مقتنياته عدداً من مخطوطات القصص القصيرة بأسلوب سلس ، ولعل أبرز ما حفلت مسيرة السيد أديب وهبي الوطنية في مجالاتها السياسية والعسكرية والتربوية ما كان يتمتع به من احترام وثقة رموز عصره ، ويشهد على ذلك الكم الكبير من الرسائل التي كان يتلقاها من هؤلاء الرموز والتي تلطـَّـف بجلة المحامي نائل وهبه باطلاعي على بعضها والتي أرى أن الحديث عن أديب وهبه لا يكتمل إلى بالإشارة إلى بعضها ، ففي رسالة من الملك فيصل بن الحسين يستحث الملك فيصل أديب وهبه على طمأنة السلطيين إلى أن إخوانهم العرب وجيوشهم العرب سيثأرون لهم ،  وفي رسالة من الوطني العربي أحمد مريود في 27/8/1920م يطلب مريود من السيد أديب وهبه الإسراع في استنفار القوة العربية لنستعيد شرفنا المهان وحقنا المغتصب وجاءت هذه الرسالة في أعقاب هجمة المستعمرين الفرنسيين على دمشق وإسقاط الحكومة العربية الفيصلية ، وعندما عُين السيد أديب وهبه مديراً للمعارف في إمارة شرقي الأردن وكان يطلق عليها اسم حكومة " الشرق العربي " تلقــَّـى في 28/9/1924م رسالة من الأديب العربي الكبير محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي في دمشق تطري ما يتمتع به أديب وهبه من أدبٍ وعلم وغيرةٍ على نهضة الوطن ، وفي 21/12/1926م تلقــَّـى أديب وهبه من الدكتور محمد صبحي أبو غنيمه الذي كان مغترباً في برلين هرباً من ملاحقة الإنجليز والفرنسيين  يُطري فيها ما يتمتع به أديب وهبه من وطنيةٍ وعلمٍ وأدبٍ ، ويجسِّد الكتابُ الذي أرسله مسلم العطار وزير المعارف في حكومة سمير الرفاعي المشكـَّـلة في 15/10/1944م إلى أديب وهبه يبلغه فيه بإحالته إلى التقاعد ما كان يتمتع به أديب وهبه من احترام كبير ، فقد تعمَّد الوزير أن يخاطب أديب وهبه في كتابه المؤرخ في 18/12/1944م بحضرة العالم المفضال والمربي الكبير أديب بك وهبه المبجَّل ، ويزخر الكتاب بعبارات الإطراء على المزايا الطـَّـيــبة التي تحلى بها أديب وهبه وعلى تفانيه في خدمة المعارف في بلاد الإمارة لرفع مستوى الثقافة بأمانة وإخلاص ودأبٍ مستمر .

ولم يكن أديب وهبه مسكوناً بهموم الأردن وفلسطين وسوريا والعراق وحدها، وإنما كان ما يقاسيه عرب ليبيا من الاستعمار الإيطالي يؤرِّقه فأقام علاقة وثيقة بالزعيم الليبي محمد الإدريسي السنوسي قائد الثورة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي ، والذي أصبح فيما بعد ملكاً لليبيا بعد خروج المستعمرين الطليان ، وجرت بينهما مراسلات عديدة كان من بينها رسالة من الإدريسي لأديب وهبه في 13/4/1944م .

ويذكر الدكتور هاني صبحي العمد في كتابه ( أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط ) أن  الأستاذ " محمد أديب " حسين وهبه ولد في السلط  في عام 1892م /  1309هـ ، ويذكر العمد أن عائلة وهبه في السلط والقدس تنحدران من جدِّهم حسين الذي ارتحل إلى نابلس بعد منصف القرن التاسع عشر على أثر خلاف عائلي حول تقسيم أراضي العائلة ، ثمَّ ارتحل إلى السلط ليعمل محاسبا في بلديتها ، وتزوَّج بالسيدة حبسة بنت مصطفى العربيات التي أنجبت له نمر وأديب وثلاث بنات ، وقد أنهى  أديب وهبه دراسته الثانوية في القدس عام 1910م وكان الناجحون فيها يحصلون على شهادة تسمى ( شهادة فوق الأعلى ) ، وعمل بعد تخرجه معلما للتاريخ والجغرافيا في المدرسة السلطانية بالقدس ، ثمَّ التحق بالكلية الحربية في استانبول وتخرَّج  منها ضابطا في عام 1915 م والتحق فور تخرجه بالخدمة العسكرية في جيش الدولة العثمانية برتبة ملازم في 11/6/1915م ، وكانت خدمته في العراق وكان برتبة ملازم ، وأثناء الدفاع عن بغداد ضد الجيش البريطاني وقع أديب وهبه في أسر الإنجليز بعد أن أصيب بجراح ألزمته المستشفى في بغداد فترة من الزمن ، وبعد أن استقرَّت الأوضاع لصالح الإنجليز في العراق لم يجدوا مفراً من الاستفادة من كفاءة أديب وهبه فعيَّنوه رغم معرفتهم بميوله الوطنية والثورية كاتباً في القسم العربي في نظارة المالية " وزارة المالية " في بغداد في 11/5/1917م ، وعندما وصلت شهرته في تدريس اللغة العربية وأدبها إلى مسامع بعض أعضاء مجلس المعارف في العراق ثمَّ نقله من نظارة المالية للعمل أستاذاً للآداب العربية في دار المعلمين ببغداد فأبدع في مهنة التدريس ، وكان قد مارسها بعد تخرُّجه وحصوله على شهادة درجة فوق الأعلى عندما عمل مدرساً للتاريخ والجغرافيا في المدرسة السلطانية في القدس في عام 1910م .

وقد ذَكَرْتُ أن أديب وهبه كان من رجالات الحركة الوطنية ، ولذلك فلم يكن غريباً أن يظهر مع العديد من رجالات الحركة الوطنية الأُردنية ومنهم السيد أديب وهبه تعاطفاً مع ثورة " العدوان " التي قادها الشيخ سلطان باشا العدوان ضد حكومة الركابي التي كانت ممالئة للإنجليزالذين صبُّـوا جام غضبهم على أديب وهبه ورفاقه فأوعزوا إلى  حكومة مظهر رسلان باعتقاله ولكنه لجأ إلى بادية الشام التي كانت سيطرة المستعمرين الفرنسيين حلفاء الإنجليز غير كاملة عليها ، وساعده على اللجوء إلى بادية الشام ما عرف عنه من إلمام بحياة البداوة وتقاليدها ، وقد ترك أديب وهبه فيما ترك من أوراق بعد انتقاله إلى رحمة الله بعض المخطوطات بخط يده عن بعض نواحي الحياة في البادية وخاصة فيما يتعلق بعادات البداوة في الضيافة وحقوق الضيوف وواجباتهم وفيما يتعلق بالقضاء وتقاليده عند البدو ، وقد تلطف نجله الأستاذ المحامي نائل وهبه فأطلعني على هذه المخطوطات ، وعلى صعيد قرار حكومة مظهر رسلان باعتقال أديب وهبه تـُـبين رسالة صادرة في 8/9/1923م أطلعني عليها نجله المحامي نائل وهبه وهي موجهه من وزير المستعمرات البريطاني السير ب- توماس  إلى المندوب السامي البريطاني في فلسطين أن الإنجليز كانوا وراء إصدار حكومة مظهر رسلان أوامر باعتقال تسعة من رجالات الحركة الوطنية في شرقي الأردن تمَّ اعتقال ستة منهم فعلا لم يكن أديب وهبه منهم ، وتحدثت الرسالة عن جدية حكومة مظهر رسلان في اعتقال المطلوب أديب وهبه الذي وضعته رسالة وزير المستعمرات البريطاني بأنه كان " الأهم " من بين المطلوبين التسعة .

وفي أثناء توليه منصب مدير المعارف بعد عودته من دمشق انتدبت حكومة الإمارة أديب وهبه ليكون ممثلها في اجتماعات مؤتمر الاستانه "استنبول" في شهر تشرين أول من عام 1924م للنظر في مسألة الديون العمومية المتعلقة بالأجزاء التي انفصلت عن الدولة العثمانية وكانت شرقي الأردن من هذه الأجزاء .

توفي الأستاذ أديب وهبه إلى رحمة الله بعد حياة حافلة بالعطاء في 13/5/1949م .

محمد أمين شريم

|0 التعليقات
محمد أمين شريم

يفاجأ المتأمل للتاريخ  الاجتماعي - الاقتصادي للأردن منذ التأسيس،  بحجم الحراك وجرأته، وقدرته على بناء واحدة من أكثر اقتصاديات المنطقة استقراراً ونمواً، ولم يكن هذا وليد صدفة، أو نتيجة لاستثمارات خارجية، إنما كان صنيعة رجال عصاميين، تميزوا بالذكاء والمصداقية.

 وعدا عن موقع الأردن الجغرافي، وعلاقاته العضوية مع البلدان المحيطة، وما تمتع به من استقرار وسط اضطرابات سياسية واقتصادية، لذا كان رجال الاقتصاد بناة حقيقيون، لا يقل دورهم عن نشامى القوات المسلحة، والمعلمين والساسة الكبار، فكان رجل الاقتصاد والوطني الحقيقي محمد أمين شريم، والذي منحة الأمير عبد الله لقب ( بيك ) لمكانته الاجتماعية والاقتصادية، واحداً من هؤلاء الرواد الذين نهضوا كما نهضت الأردن، مستندين إلى انتمائهم للوطن والأمة، فقد خرجوا من رحم المعاناة والظروف الصعبة، ليكون الأردن برجاله معجزة حقيقية، صيغت من أماني وجهود الكبار، وبهممهم التي لا تقف عند حدود الإمكانيات المتاحة.

ينتمي ابن السلط محمد أمين، إلى عشيرة شريم، التي تعود إلى فخذ من فضيل وهو بطن من بطون عبده من قبيلة شمر القحطانية، وهناك قرية في اليمن باسم شريم وعلى الأغلب فأن آل شريم قدموا منها، ويوجد في لبنان عشيرة مسيحية باسم شريم، ويعتقد أنهم يعودون للأصل نفسه، وهذا ما أورده دولة عبد الرؤف الروابدة، في كتابه ( معجم القبائل الأردنية )، وقد لعب أفراد هذه العشيرة، دوراً بارزاً في الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية في شرق الأردن، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث كان للحاج أمين شريم مكانة مشهودة في مدينة السلط، وقد أصبح ولديه محمود وأحمد من مخاتير المدينة، وهما شقيقي محمد أمين شريم، مما يؤكد على مكانة هذه العشيرة في تلك الفترة المتقدمة.

ارتبطت ولادة محمد   شريم، بإرهاصات المرحلة التي فتحت المنطقة للتحولات القومية والوطنية الكبرى، وما نتج عنها من حراك سياسي ونضالي، مازال حاراً حتى اليوم، فقد ولد عام 1890 في مدينة السلط حاضرة البلقاء، وهو الابن الأكبر للحاج أمين شريم، ولا شك أن الابن نهل من معين والده الشيء الكثير، ورافقه في صغره إلى المضافات السلطية، التي كانت تضم أعيان ووجهاء المنطقة، ورجال السياسة وكبار التجار، لذا نشأ محمد أمين شريم على حب مدينة السلط، التي جال في أزقتها وحاراتها، وتفتح وعيه في مضافاتها ومدارسها، فقد بدأ دراسته في الكتّاب ومن ثم أتيحت له الفرصة للدراسة في مدرسة السلط الابتدائية، فكان تلميذاً مجتهداً ونجيباً. وبعد أن أكمل دراسته في السلط سافر إلى اسطنبول – الأستانة - عاصمة الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تفرض سيطرتها على المنطقة.

في اسطنبول التحق  « شريم» بكلية الأستانة الحربية، ودرس فيها العلوم العسكرية، وبعد تخرجه أصبح بطبيعة الحال ضابطاً في الجيش العثماني برتبة ملازم، وكان من حسن حظ الشباب في السلط ووسط الأردن، أن يكون موقع عمله كضابط في الجيش العثماني، في معسكر الجيش قرب مدينة السلط، فقد غالت سياسة جماعة الاتحاد والترقي، في تمييزها ضد العرب وفرض التجنيد الإجباري عليهم، دون أسس عادلة، في ما سمي بـ ( سفربرلك )، فالضابط العربي محمد أمين شريم، المعروف بحسه القومي الأصيل، وغيرته الوطنية العالية، كان يعمل على تحذير شباب العرب، من خلال تسريب قوائم بأسماء المطلوبين للخدمة العسكرية، ومواعيد حملات التفتيش والدهم، التي يقوم بها الأتراك للقبض على الشباب، وإرسالهم إلى جبهات القتال الملتهبة، في البلقان وروسيا والسويس، و من ناحية أخرى قام بإمداد أهل المنطقة بالمواد الغذائية الأساسية، كالقمح والعدس والشعير، عندما شحت وجاع الناس، وكان يهرب هذه المواد من المعسكر إلى دير اللاتين في السلط، لتوزع سراً بعد ذلك على الناس، وقد نجح في هذا الأمر حتى تنبه له الأتراك، فكشفوا أمره والقوا القبض عليه، وحكموا عليه بالسجن.

وفي الجانب الوطني، تعرض محمد أمين شريم لمعاملة قاسية في سجنه لدى الأتراك، حيث عرفت هذه الفترة بتنكيلهم بأحرار العرب، حيث أصبح محمد شريم واحداً منهم، منذ تطلعاته الأولى تلقي العلم والمعرفة في مدرسة السلط، وقد وصل حقدهم عليه، نظراً لأعماله الوطنية التي أثارت غضبهم وسخطهم، لدرجة أنهم منعوه من المشاركة في تشييع جثمان والده، الذي توفي وهو في السجن، ولولا تدخل عدد كبير من رجالات السلط والبلقاء، بقوة لدى الحاكم التركي، الذي سمح له لساعات محدودة، وتحت حراسة عسكرية مشددة، حيث حضر مراسم الدفن، وأعيد بعدها مباشرة إلى السجن، وكان العرب خلال هذه المرحلة، يحققون الانتصارات في معارك الثورة العربية الكبرى، التي أعلن انطلاقها قائدها الشريف الحسين بن علي، وتقدمت جيوش الثورة شمالاً، مجبرة القوات التركية على مغادرة المنطقة بعد حكم دام أربعة قرون.

بعد خروجه من السجن، لم يكن أمامه الكثير ليستند عليه، فبادر للمعمل في الزراعة والتجارة، فلقد أحب الأرض وأرتبط بها، لذا قرر أن يبدأ حياته المدنية من هذه القاعدة الراسخة، ولما تميز به من ذكاء وقدرات إدارية ناجحة، طورت نشاطاته الزراعية، حيث أضاف إليها نشاط تجاري بدأه في مدينة السلط، التي كانت ناشطة في تلك المرحلة. أما على الصعيد السياسي فلم يتخل عن دوره النضالي القومي، الذي بدأه خلال خدمته العسكرية، فقد لعب دوراً على صعيد المنطقة، فكان من بين رجالات الأردن الذين ساهموا في الحراك العربي التحرري، وساندوا الثورة السورية، ونضالها ضد المستعمر الفرنسي، وتحرك لمواجهة البريطانيين واليهود الصهاينة في فلسطين، لذا فقد تم في أواخر شهر تشرين الثاني عام 1919 تشكيل وفد خاص يمثل الأردن، مؤلف من: عبد العزيز الكايد العتوم من سوف، ومحمد أمين شريم من السلط، وأحمد العبد الله أبو جملة من أم جوزة من السلط، وسالم أبو الغنم من مادبا، وكريم النهار البخيت عن عباد، وكانت مهمة الوفد الالتقاء والتباحث والتشاور مع رجالات الحركة الوطنية في سوريا، لمقاومة تقسيم بلاد الشام حسب اتفاقية لويد – كلمنصو، ولتوفير الدعم للحركة الوطنية في سوريا، منضمين لما سمي بالنادي العربي، الذي يعد ملتقى أحرار العرب ، د. محمد خريسات - الأردنيون والقضايا القومية والوطنية .

أما في مجال الاقتصاد فأدرك بحسه المستقبلي العالي، أن الدولة الأردنية الناشئة تتجه نحو حراك تجاري غير مسبوق، وبعد اختيار عمان عاصمة لإمارة شرق الأردن، وما رافق ذلك من نمو متواصل وسريع لهذه المدينة الصغيرة، قاده حسن توقعه لنقل تجارته إلى عمان، ليكون مشاركاً في تشييد البنية الاقتصادية للأردن الحديث، والتي تشكل عمان قلبها النابض بالحياة، وسرعان ما تقدم في تجارته، ولمع اسمه كواحد من التجار الناشطين، حيث واصل تطوير وتوسعة تجارته، بجهوده الذاتية وخبراته التي طورها خلال فترة قصيرة، فأصبح وكيلاً لسيارات شيفروليه وسيارات وكرايزلر وكذلك سيارات فورد. ( زياد أبو غنيمة. الدستور ) وكانت هذه خطوة واسعة وكبيرة، رسخته كاقتصادي كبير، واشتملت تجارته على قطع الغيار ومواد البناء والمواد الزراعية.

تمكن محمد أمين شريم من توثيق صلاته بين التجار، وتميز بمصداقيته العالية، مما مكنه من بناء مكانة مرموقة داخل غرفة تجارة عمان، حيث تشير سجلاتها التصنيفية، أنه كان مسجل في الدرجة الثانية، حيث بلغ رأس ماله خمسة آلاف جنيه، وهو مبلغ كبير في تلك الأيام، لكنه بفضل جهده ومثابرته الناجحة، تمكن من الانتقال إلى عضوية الدرجة الأولى، فقد رفع رأس ماله إلى عشرين ألف جنيه، كما يبين الكتاب الذهبي للغرفة التجارية، أنه أصبح نائباً لرئيس الغرفة التجارية عام 1926، وفي الدورة التالية أنتخب رئيساً لها عام 1928، وكذالك ترأس الغرفة التجارية في دورة عام 1935، وكان معتمداً لشركة البترول العراقية، كما أسند إليه منصب نائب رئيس بلدية عمان. وعمل محمد شريم على تشييد عمارة في وسط البلد على الشارع الرئيسي، كانت تضم سكنه والمحال التجارية التابعة له، وقد عرفت الدخلة المحاذية لعمارته بدخلة شريم، وقد ضمت العمارة في مرحلة من المراحل، أول وزارة للتربية والتعليم في عهد الإمارة، تحت اسم دائرة المعارف، كما بنى سوقاً تجارياً   في وسط البلد عند منتصف شارع فيصل، وهو شكل مصغر لما يطلق عليه اليوم ( مول ).

 وعرف بنشاطاته الاجتماعية التطوعية، ودعمه السخي لأنشطة فنية ورياضية، حيث وثقت مجلة ( الحكمة ) العرض المسرحي ( فتح الأندلس ) الذي قدمه فنانين شباب في الجمعية الخيرية الأردنية، التي كان رئيسها محمد شريم، وقد حضر العرض الملك فيصل الأول ملك العراق، والأمير عبد الله الأول أمير شرق الأردن، وخصص ريع المسرحية دعماً لأنشطة الجمعية. 

تعرض محمد أمين شريم لحادث سير مؤسف، على طريق وادي شعيب، عندما كان بطريقه إلى القدس، حيث اصطدمت سيارته بمركبة شحن، فنقل على إثره إلى المستشفى الإنجليزي في السلط، لكنه توفي في الحادي عشر من شهر حزيران عام 1940، فرحل باكراً وبشكل مباغت، مما جعل من خبر وفاته يسقط كالصاعقة على كل من تعامل معه وأحبه، وقد شيع جثمانه في موكب مهيب، شارك فيه كبار شخصيات وأعيان الأردن، حيث وري الثرى في مسقط رأسه مدينة السلط، في مقبرة العيزرية في واد الكراد، وقد قدم الأمير عبد الله الأول تعازيه الحارة إلى آل شريم من خلال برقية ما زالت محفوظة حتى اليوم.