د. سلطان أبو عرابي |
تقاس حضارة الشعوب والأمم بما لديها من مفكرين ومبدعين وعلماء ، وقد برز في الدولة الأردنية العديد من الرجالات الذين أغنوا حقل الإبداع والإنتاج العلمي ومن أبرز هؤلاء الرجالات الأستاذ د. سلطان أبو عرابي العدوان ، رئيس جامعة اليرموك ، ورئيس الجمعية الكيميائية الأردنية والأمين العام لاتحاد الكيميائيين العرب ، حيث تجاوزت شهرته حدود الأردن والوطن العربي ليذيع صيته في العالم أجمع.
ولد د. سلطان أبو عرابي في قرية أم الدنانير العام 1950 وهو أحد أبناء الشيخ توفيق أبو عرابي شيخ القبيلة حيث كان والده تاجراً معروفاً في ذلك الوقت وكان متعلماً فهو من أوائل الأشخاص الذين أتموا ختم القرآن الكريم وحفظه ، وارتبط بعلاقة طيبة مع الحكومة ومع المحافظ والمتصرف كونه وجيها عشائريا ومرجعا لكل شخص إذا أشكل عليه أمر ما ، يلجأ إليه كل الناس وتُحل عنده كل الأمور ، وقدم لنجله سلطان كل الدعم ليتابع دراسته ويكمل تعليمه حتى لو كلفه ذلك بيع جميع أملاكه.
وتعد قبيلة العدوان من أعرق قبائل العرب حيث كان لها شأن عظيم على مدار التاريخ ، عرفت بقوة الشكيمة وشدة المراس وهم أصحاب فروسية وشجاعة وسيادة ومنعة ، و تبوأت منزلة رفيعة ومكانة بارزة بين القبائل في مناطق انتشارها.
وتشير الوثائق العثمانية بصدور إرادة سنية "سلطانية" محفوظة في الأرشيف العثماني في استانبول بأن والي سوريا محمد راشد باشا رفع إلى جناب المقام العالي لمنح بعض المشايخ في جهات حوران والبلقاء والكرك بنياشين من صنف النيشان المجيدي من الدرجتين الرابعة والخامسة مقرونة بالفرمان السلطاني العالي وذلك بتاريخ 27 آب م1867 ، وهم شيخ مشايخ حوران: محمود المحمد ، شيخ عشيرة الصقر عرسان ، شيخ السلط حسين الصبح ، شيخ مشايخ الكرك مجلي المجالي ، شيخ العدوان أبو عرابي ، شيخ عشيرة العباد كايد (كايد الختالين) وقدمت هذه التوصية من رئيس التحريرات في الباب العالي إلى الصدر الأعظم كي يتم رفعها للسلطان عبد العزيز لإصدار الفرمان بالنياشين ، وجاءت الإرادة بمنح شيخ العدوان أبو عرابي وساما (نيشان مجيدي من الدرجة الرابعة) صادرا من قبل السلطان عبد العزيز والصدر الأعظم بتاريخ الأول من تشرين الثاني م1868 وذلك تقديراً لجهود شيخ العدوان أبو عرابي المميزة في منطقة البلقاء.
كان الشيخ هزاع أبو عرابي من عشيرة الكايد العدوان يمتلك طاحونة تقع بوادي الرميمين وكان سلامة العساف يمتلك طاحونة تقع بوادي السير ، وقدر الرحالة "سيلاه ميرل" العام 1877 عدد أفراد عشيرة العدوان بحوالي 2000 نسمة 400و خيمة.
ووصف الرحالة الإنجليزي "تريسترام" العام م1863 قبيلة العدوان بأنها ذات اعتداد كبير ، وقوية الوشائج ، وقبيلة عريقة تستطيع أن تعود سلسلة نسبها إلى 600 سنة على الأقل ، كما وجد أن الشيخ قبلان العدوان كان دليلاً سياحياً ممتازاً ، مستنير العقل ، كما أنه يقدر جمال الطبيعة ، وله معرفة وثيقة بالبلاد ، ولذلك كان يشعر هذا الرحالة وهو في صحبة الشيخ قبلان أنه مع رجل مخلص وذكي.
ووصف الشيخ د. سلطان أبو عرابي قريته أم الدنانير قائلا: "ولدت سنة م1950 في قرية أم الدنانير والدي فلاح ومزارع ولكنه شيخ العشيرة وكانت أم الدنانير قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها (150) نسمة وعشت حياة ابن القرية ولم تكن هناك مدرسة في القرية في ذلك الوقت".
أكمل د. سلطان أبو عرابي دراسته الابتدائية في مدرسة عين الباشا ثم قام والده الشيخ توفيق أبو عرابي بالضغط على الحكومة حيث تم إنشاء مدرسة صغيرة في أم الدنانير و وصفها د. أبو عرابي قائلاً: "انتقلنا من عين الباشا إلى أم الدنانير حيث بدأت المدرسة بغرفة واحدة وكان فيها ستة صفوف وكان فيها مدرس واحد ، عندما يرتاح المدرس نصف ساعة كان يطلب مني الأستاذ أن أدرس الصفوف واسمه فزاع العبادي وهو من دير علا وكان يحمل شهادة المترك ثم أكمل الثانوية في ما بعد وحصل على شهادة الهندسة وتم تعيينه في وزارة الأشغال وتقاعد بعد سبع سنوات من العمل" ، تابع د. سلطان أبو عرابي دراسته الإعدادية في مدرسة صويلح الإعدادية وكان من الطلاب الأوائل وبعد أن اجتاز امتحان المترك ذهب وتابع دراسته في كلية الحسين الثانوية بالقرب من جبل الحسين وقد تخرج منها العام م1969 ليلتحق بالجامعة ، ومن أبرز زملائه في الدراسة النائب محمود الخرابشه و د. سمير الفاعوري.
كانت رغبة د. سلطان أن يدرس الهندسة لكن هذا التخصص لم يكن موجوداً في الجامعة الأردنية في ذلك الوقت حيث كانت حديثه النشأة ثم قرر أن يدرس العلوم في السنة الأولى وفي السنة الثانية اختص في علم الكيمياء ، فقد نشأة علاقة احترام وتقدير ومحبة بينه وبين مدرس مادة الكيمياء في المدرسة فأحب أن يدرس الكيمياء لأنه يحترم مدرسه الذي علمه مبادئها.
تخرج د. أبو عرابي من الجامعة العام م1973 ، وعندما كان في السنة الأخيرة له في الجامعة قامت الجامعة بتسيير رحلة حج إلى الديار المقدسة لشهر واحد وكان د. سلطان أحد الطلاب المشاركين فيها ، وبعد عودته قام بمراسلة الجامعات الأمريكية ليتابع دراساته العليا ، عَمًل مدرساً في مدرسة البقعة لفترة ، ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليحصل من جامعة ميشجان الغربية على درجة الماجستير في الكيمياء العضوية العام م1977 ، وتابع دراسته ليحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية من جامعة ميشجان - آن آربر في الولايات المتحدة الأميركية العام م1982 ، بعد ذلك عاد د. أبو عرابي إلى وطنه الأردن وعَمًل مدرساً في جامعة اليرموك وحول ذلك تحدث قائلاً: رجعت إلى الأردن وإلى اليرموك كان مجموع الراتب الذي أتقاضاه (390) دينارا وكان عدد طلاب اليرموك يتراوح بين 1500( - )2000 طالب وعدد المدرسين 70( - )80 ، وكانت جامعة اليرموك عبارة عن مبنى واحد وهو المبنى القريب من البوابة الشمالية ، وكان رئيس الجامعة د. عدنان بدران وكان هناك سكن للأساتذة الجامعيين وباقي الحرم الجامعي كان عبارة عن مستنبت أشجار زيتون وأشجار تين وأشجار حرجية.
عمل د. أبو عرابي مديراً لدائرة النشاط الطلابي في جامعة اليرموك في الفترة ما بين العامين 1987 - م1989 ثم حصل على إجازة تفرغ علمي وذهب للعمل في جامعة البحرين وأمضى فيها عامين لينتقل بعد ذلك إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران ودرّس فيها ثلاث سنوات بعد ذلك عاد إلى جامعة اليرموك في الفترة ما بين العامين 1993 - م1995 ثم عاد ثانية إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وأمضى فيها عامين آخرين قام بتدريس طلاب الماجستير والدكتوراه ، لينوي بعد ذلك العودة للعمل في جامعة اليرموك حيث أصبح رئيساً لقسم الكيمياء وعميداً لشؤون الطلبة.
في بداية العام 2002 جاء تعيين "أبو يزن" رئيساً لجامعة إربد الأهلية حتى العام 2005 وخلال وجوده رئيساً لجامعة إربد الأهلية حقق لها انطلاقة مميزة من خلال إقامة علاقات مع جامعات عربية وأجنبية وبفضل نجاحه في تطوير جامعة إربد الأهلية طلب منه رئيس وزراء الأردن آنذاك السيد فيصل الفايز أن يرأس جامعة الطفيلة التقنية وحول ذلك تحدث د. أبو عرابي قائلاً: عندما طلب مني السيد فيصل الفايز أن أكون رئيساً لجامعة الطفيلة التقنية أحسست أنني أمام تحد كبير ، بالنسبة لي هناك مسافة لا يستهان بها بين منزلي في إربد وجامعة الطفيلة وأيضاً كانت الجامعة حديثة إذن عليَّ أن أبدأ من الصفر نظراً لضيق الإمكانات المادية المحدودة ، فقمت بالاستعانة بعمداء من الجامعات الأردنية الأخرى واستقطبنا أساتذة متميزين وقام جلالة الملك عبد الله الثاني بزيارة الجامعة وأوضحت له المشاكل والعراقيل والصعوبات التي تواجه الجامعة فأمر بتقديم منحة عاجلة بمبلغ مليوني دينار وهذه المنحة ساعدتنا في بناء مختبرات لكلية الهندسة ثم بدأنا بطرح عطاءات المختبرات والتجهيزات وقمنا ببناء عمادة لشؤون الطلبة وأنشأنا مبنى للرئاسة وكنت أتابع حركة العمران مع المهندسين يوما بيوم ، وعملت جاهداً على إنشاء خمس كليات و(20) برنامج بكالوريوس وأرسلنا (72) مبعوثا إلى أعرق الجامعات ونجحت في الحصول على منح دراسية من جامعات أمريكية وألمانية لـ (22) طالبا مبتعثا. وبدأت جامعة الطفيلة بداية صعبة ولكن بعد أربع سنوات كانت من الجامعات التي لها اسم على الخارطة العالمية.
تبرز اهتمامات د. سلطان أبو عرابي في كل مجالات الحياة وفي كل القطاعات فهو الأكاديمي البارع والأردني البار بوطنه فجاء سعيه لتأسيس برنامج (اعرف وطنك) الذي يعقد في فصل الربيع ويضم عمداء شؤون الطلبة وعدداً من الطلبة من كل الجامعات الأردنية ، حيث يتم عقد ندوة سياسية في منطقة ضانا يشارك بها عدد من رؤساء الوزراء السابقين وهذا دليل على السعي الجاد والفعال لإنعاش السياحة في الأردن.
بعد أن أمضى د. أبو عرابي أربع سنوات في جامعة الطفيلة التقنية جاء تعيينه رئيساً لجامعة اليرموك وهي الجامعة التي بدأ منها حياته العملية ومنذ اليوم الأول الذي بدأه في اليرموك بدأ بمرحلتين من البناء والتطوير أولهما: مرحلة استقطاب الأساتذة المتميزين حيث قام بتعيين (170) استاذاً جامعياً في مختلف الكليات.
وثانيهما: الابتعاث حيث بدأ ببرنامج ابتعاث الطلاب الأوائل في البكالوريوس والماجستير ابتعاثا داخليا وخارجيا والبدء بفتح برنامج الدراسات العليا في العديد من التخصصات.
ويفتخر د. سلطان أبو عرابي بالملك الهاشمي عبد الله الثاني بن الحسين ويعتبر نفسه جندياً مخلصاً للعرش الهاشمي أينما حل وارتحل فهو على الدوام يقول إن جلالة الملك عبد الله الثاني ولد ليكون ملكاً فهو العاقل المتعقل وصاحب الرؤية المستنيرة المبنية على إرث تاريخي كبير قام بنقل الأردن إلى عصر التحديث والإصلاح ومواكبة جديد التطورات والإصلاحات وتنمية الموارد البشرية وشهد الأردن في عهد جلالته نقلة نوعية في مختلف مجالات الحياة ، فحقاً (الإنسان أغلى ما نملك) في نظر الهاشميين.
كما عَمًل عطوفة "أبو يزن" مع دولة السياسي المحنك وصاحب مدرسة السياسة الأردنية دولة السيد زيد الرفاعي حيث كان رئيساً لمجلس أمناء جامعة اليرموك فقال فيه: "دولة أبو سمير مدرسة في الأخلاق والطيب فخلال اجتماعاتنا في مجلس الأمناء يلتقي بنا ويكون حديثه جميلا ويعطي فرصاً للمتحدثين للتعبير عن أرائهم ووجهات نظرهم وهو صاحب الفضل الكبير في تطوير جامعة اليرموك والوصول إلى ما وصلت إليه الآن".
عندما يقف المرء ليذكر الخبرات الإدارية والجوائز العلمية واللجان التي كان د. سلطان أبو عرابي أحد أعضائها ، والكم الهائل من أبحاثه المنشورة لا يستطيع أن يحصي من أين يبدأ وأين ينتهي حيث حصل على منحه دراسية من السوق الأوروبية المشتركة لإجراء بحوث في بريطانيا وألمانيا كما حصل على الجائزة التقديرة للمؤتمر الأمريكي للدراسات المتقدمة ونال وسام التقدم العلمي من مؤسسة الشراكة العلمية الدولية (روسيا) نظراً لمساهمته في تطوير العلوم في الأردن والدول العربية والعديد من الجوائز والمنح وهو عضو مجلس أمناء جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية والتي يقول فيها د. أبو عرابي: "جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية تعد جامعة مرموقة على مستوى الوطن العربي وشرف لي أن أمثل بلدي الأردن في هذه الجامعة فلها دور كبير جداً في إرساء دعائم الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب والمخدرات ومكافحتها ولها العديد من الدورات الأمنية ورئيس مجلس الأمناء الأمير نايف بن عبد العزيز شخص قوي ومطلع على واقع الأمن والاستقرار وأهدافه المستقبلية". بالإضافة إلى شغلهً عضوية مجلس أمناء جميع الجامعات التي عَمًل بها في الأردن وخارجه ، كما كانت له مشاركة في ما يزيد على مئة مؤتمر علمي متخصص في حقل الكيمياء في جميع دول العالم وله ما يزيد على الخمسين بحثاً منشورا في مجلات علمية عالمية محكَّمة ومختصة.
وهكذا فإن الشيخ د. سلطان أبو عرابي العدوان يسعى لوصل ليله بنهاره من أجل تطوير أي مكان يعمل به وهو على قدر عالْ من الأخلاق وسمو النفس ، حيث جمع صفات أبناء الشيوخ والنبلاء مع سعة التفكير والعلم النافع ، ليصبح منصب رئيس الجامعة وصفاً لصيقاً به وقريناً له.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|