زيد بن سمير الرفاعي

زيد الرفاعي


يعد الحديث عن شخصية السياسي زيد الرفاعي حديثا عن أبرز رجالات الرعيل الأول الذين ساهموا في بناء وتطوير الدولة الأردنية ، فالحديث عن الرعيل الأول يعطي صورة مشرقة عن كوكبة من الرجالات الأوفياء الذين رافقوا الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه ومن بعده جلالة الملك عبد الثاني ابن الحسين ، فهم بحق رجال عظام كان عطاؤهم موصولاً ، عن رجال اتخذوا العمل العام هدفاً سامياً ليخدموا وطنهم وأمتهم.

وهذا ليس بالأمر المستهجن كَوْن أن زيد الرفاعي نشأ وترعرع في بيت سياسي كبير حرص على إقامة الحلقات السياسية المتكاملة متقلداً العديد من المناصب الحكومية فوالده دولة المرحوم سمير الرفاعي الذي سجل في تاريخ الدولة الأردنية أروع المواقف وساهم بدور مشهود له في مسيرة البناء والتطوير لينقش اسمه بحروف من ذهب في ذاكرة المواطنين شيباً وشباباً فعند الحديث عن المرحوم سمير الرفاعي يحار المرء من أين يبدأ فقد وصفه الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين فقال فيه : "سمير من نتاج شرق الأردن ، حيث تمرن وتقلب من عهد الركابي باشا إلى أن نال الرئاسة وهو بالقرب من الرؤساء وليس بالبعيد عنا ولكن كانت مدة وزارته قصيرة (ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)" عاش حياته لا يعرف إلا طريق الحق والصواب ، طريق الصدق والإخلاص ، فكان ذا حس شخصي وشعور بالمسؤولية وتحمل للواجب ومقدرة على تحمل المسؤوليات الصعبة وكان على دراية بأصول الحكم وروح السياسة ، نال ثقة الهاشميين بكل جدارة ، عُرف عنه الحزم والعزم وقدرته على تسيير دفة الأمور ، وعندما فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها لم يترك الرفاعي لنا إلا سجلاً ناصعاً يعج بالإيمان ونقاء الضمير ، وقد حذا زيد حذو والده وأكمل الطريق الذي رسمه له وسار على خطاه مخلصاً وفياً لذكراه.

ولد زيد بن سمير الرفاعي في مدينة عمان عام 1936 ، تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة المطران في عمان ، أما دراسته الثانوية فقد أكملها من كلية فيكتوريا في القاهرة ثم التحق بجامعة هارفرد ليحصل منها على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية وذلك عام 1957م.

ثم عاد إلى عمان حيث ثم تعيينه في وظيفة ملحق في وزارة الخارجية..وانتقل إلى البعثة الأردنية الدائمة في الأمم المتحدة ، ونظراً لوجوده في نيويورك فقد التحق بجامعة كولومبيا لدراسة الماجستير في القانون والعلاقات الدولية وكان ذلك عام ,1958

وعمل ملحقاً في سفارات القاهرة وبيروت ولندن ، وفي عام 1964 أمر جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه بتعيينه للعمل في الديوان الملكي العامر حيث أشغل مناصب رئيس التشريفات الملكية وأمين عام الديوان الملكي والسكرتير الخاص لجلالة الملك المعظم ورئيساً للديوان الملكي الهاشمي ، بعد ذلك عُين سفيراً للمملكة في بريطانيا عام م1971 وعاد ليشغل منصب المستشار السياسي لجلالة الملك.

وقد حصل زيد الرفاعي على العديد من الأوسمة والرتب تقديراً لجهوده وعمله الدؤوب منها وسام الاستقلال من الدرجة الأولى ، ووسام الكوكب من الدرجة الأولى ، وحصل أيضاً على العديد من الأوسمة من سوريا ومصر والسعودية وتونس ولبنان وعُمان وأسبانيا والصين وتركيا والباكستان ورومانيا.

و شكل الرفاعي حكومته الأولى عام م1973 وكان قد أشغل منصب وزيراً للخارجية ووزيراً للدفاع ، وشكل حكومته الثانية عام م1974 حيث أشغل منصب وزيراً للدفاع والخارجية بالإضافة إلى رئاسة الوزارة. وشكل حكومته الثالثة عام 1976 ، وعاد الرفاعي من جديد ليشكل حكومته الرابعة عام م1985 ، وقد تم تعيينه عضواً في مجلس الأعيان لعدة دورات ليتولى رئاسة المجلس منذ عام ,1997

وقد لقبت حقبته إبان رئاسته للحكومة أكثر من مرة بالحقبة "الرفاعية" نسبة لأبي سمير رجل الدولة من الطراز الأول ، ونظراً لتفوقه في العمل السياسي ولأنه رجل الدولة الواثق من نفسه كما أنه أحد الرموز الهامة في تاريخ الدولة الأردنية فقد نهض التاريخ شامخاً أمامه لأنه كان الصادق دائماً في قوله وفعله ، تمتع بذكاء حاد ، فهو الدبلوماسي اللبق والسياسي العريق قال فيه المرحوم عاكف الفايز "أفتخر بصداقتي مع زيد الرفاعي وهو من أقرب الأصدقاء إلى نفسي واعتبره (ابن أخي) فقد تعاونت مع والده رحمه الله وكان من خيرة الرجال ، إن زيد الرفاعي من أكبر الناس عقلاً وفكراً وأكثرهم تعقلاً وثقافة وإطلاعاً".

وقد ذكر المرحوم أحمد الطراونة في مذكراته عن المرحوم سمير الرفاعي وابنه زيد قائلاً: "كان سمير الرفاعي سياسياً مخلصاً لوطنه وأمته وواقعياً سريع البديهة حَرًص على صيانة الحريات وعُني بالقضية الفلسطينية وعزاؤنا بفقدنا سمير باشا الرفاعي أن أنجب ولده دولة زيد الرفاعي الذي تولى الرئاسة عدة مرات يتحلى بخلق والده وجهده وإخلاصه للوطن".

لقد حرص أبو سمير طوال مشواره في العمل السياسي على أن يؤدي واجبه دون تهاون وتفريط وفي ذلك يقول: "إن خدمة مليكي وبلدي وأمتي كانت هي الغاية عندي وهي الهدف ولا أحسب أن في الكون كله هدفاً وغاية يفوقان ذلك قيمة وقدراً وستظل راحتي الدائمة وربما فرحي الأبدي ينبعان من إيماني المطلق بأن الله خلقني في بلد آمن مستقر وجعلني من أبناء شعب طيب أصيل نبيل وجعل على رؤوسنا جميعاً قيادة تاريخية ممثلة بالعائلة الهاشمية".

تأثر الرفاعي بشخصية والده المرحوم سمير الرفاعي رجل الدولة المرموق وفي ذلك تحدث قائلاً: كان والدي رئيساً للوزراء ولكنه كان قبل ذلك رجل دولة حيث كانت الدولة عنده كل شيء ، أما المنصب فلم يكن عنده إلا بمقدار ما يكون وسيلة لخدمة الدولة وتقدمها ولأن المرحلة كلها كانت مرحلة بداية الطريق بالنسبة للدولة فقد حرص والدي طول حياته على شيء أساس في عملية البناء وفي التطبيق والسلوك الخاص والعام هو: المستوى وأعني بذلك الابتعاد شخصياً ورسمياً بنفسه وبالعمل عن كل ما لا يليق. وفي أسلوبه تمتزج القوة مع المهارة في توطيد الاستقرار وضبط المعارضة الداخلية والتدخلات الخارجية ، وكان دولة المرحوم سمير الرفاعي يردد نصائح متعددة أمام ولده زيد للأخذ بها وتذكرها في كل المواقف فكان يقول: "كن مستقيماً صادقاً في جميع أقوالك وتصرفاتك والتزم جانب الحق دائماً ولا تجعل مما قد يصادفك من متاعب في سلوكك هذا السبيل ذريعة أو سبباً للانحراف عن الحق والصدق والاستقامة والحق يعلو دائماً وللباطل جوله ثم يضمحل. كن وفيا لأصدقائك لطيفاً مع معارفك ومع جميع الناس واهتم كثيراً بشأن اختيارك الأصدقاء ، فليس كل من يضحك لك يصلح لأن يكون صديقاً ولا كل من يتنكر لك يكون عدواً والمرء يعرف من أصدقائه وخلانه وليكن انتقاؤك لأصدقائك انعكاساً لنفسك ومرآة لذاتك ، كن نظيف الخلق نظيف الجسد نظيف القلب والسريرة عامل من هم أكبر منك سناً أو قدراً بمنتهى الاحترام وكن كريماً وديعاً مع من هم أصغر منك ، لا تكن يابساً فتكسر ولا ليناً فتعصر ، وكن جديراً بأن توصف بالحزم وعدم التردد ، إن صدق النية مع الحزم واللطف والوداعة مع عدم التبذل هي من المميزات التي يتصف بها من قُدرًّ أو يقدر لهم الصعود إلى مراكز القيادة وتولي المسؤوليات ، لا تعتمد على جاه أو ثروة ولا يأخذ الغرور منك أي مأخذ كن عصامياً يملأ قلبك الاعتزاز لا الزهو وتغمر نفسك بالإيمان لا الكبرياء والغرور".

وقد سار أبو سمير على خطى والده وتأثر بشخصية وأخذ بنصائحه في كل المواقف التي كان يمر بها وحذا حذو والده فقد كان المرحوم سمير الرفاعي قدوة يقتدي بها زيد مستفيداً من حكمة الأب المجرب ورؤياه البعيدة.

يسجل للرفاعي بأنه رجل المهمات الصعبة والمواقف الجريئة لم يجامل على حساب الوطن بل ظل الأردن هاجسه الدائم الدائب المتجدد يعشق العمل ويقدس تراب الوطن ، وعُرًفَ عنه إخلاصه المطلق للعرش الهاشمي وحبه الكبير لتراب هذا الوطن فها هو فارس الحقيقة يخرج ليتحدث إلى العالم ويدحض إدعاءات الكاذبين ، كشاهد على الحقيقة هذا هو رجل الدولة الواثق بالتاريخ المشرف لهذا البلد. فالأرض الأردنية تنجب العباقرة والمبدعين على الصعيد المحلي والعربي والدولي وهم من نحتاجهم دائماً لتتويج مسيرتنا المضيئة ، فهؤلاء قدوتنا وامتدادنا في الماضي القريب واليوم إذ ننهل من مدرسة مليكنا عبد الله الثاني فإننا نذكر أياديهم البيضاء وفاءً لمن بنى وأعطى لهذا البلد وهذه الأمة ، الأمة التي نعتز في الأردن بالانتماء لها قولاً وعملاً ويسجل لأبي سمير بأن بحق رجل وطن ودولة وجد مكانه بين رجالات الأردن الكبار وبين قادة المنطقة العظام الذين يحتلون مكان الصدارة في ذاكرة التاريخ والأجيال ، ولم يكن زيد الرفاعي يوماً جالساً على الشرفات يمتع ناظره بالوطن بل كان في خضم الأحداث يديرها ويوجهها ليكون الوطن رائعاً وجميلاً لكل أبنائه ومريديه سلك طريق الحق والصدق والإخلاص فكان صاحب حس شخصي وشعور بالمسؤولية وتحمل للواجب.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).