مازن العجلوني .. العسكرية والسياسة والإبداع الرياضي

مازن الععجلوني

ينتمي مازن العجلوني إلى مدرسة الفداء والبطولة، فلقد تشرب الروح العسكرية، والارتباط بالأرض العربية، وتربى على الشجاعة والإقدام، وحب التضحية بالغالي والنفيس، دفاعاً عن الحقوق العربية.

كان صاحب روح قومية وثابة، وفكر عسكري محترف، ورؤية سياسية مشهود لها، فكان من القلة الذين رأوا في صون الوطن وحمايته، خط الدفاع الأول عن الأمة العربية، الساعية لنيل استقلالها وحريتها، وقد شكل والده اللواء محمد علي العجلوني، المدرسة الأولى التي نهل منها حب الأرض، والانتماء للأمة العربية، واتخاذ طريق النضال المسلح والنضال الفكري، سبيلاً لمواجهة المخططات الغربية، الهادفة إلى النيل من مقدرات البلاد العربية، ومصادرة حريات شعوبها، فقد كان والده من أبرز رجالات جيله خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتميز بذكاء متفرد، مقدرته كبيرة في التحصيل الدراسي، مما أسهم في انتقاله من بلدته عنجرة في منطقة جبل عجلون، إلى الأستانة – اسطنبول – عاصمة الإمبراطورية العثمانية.

لقد تأثر مازن العجلوني بوالده، الذي أصبح ضابطاً كبيراً في الجيش العثماني، بعد أن درس العلوم العسكرية على نفقة الدولة العثمانية لتميزه، وكان والده يراقب تصرفات جماعة الإتحاد والترقي التي سيطرت على مقاليد الحكم، وكان معظمهم من يهود الدونمة، الذين تسلطوا على رعايا الدولة خاصة العرب، مما دفعه للتخلي عن مصبه العسكري، والهرب من أجل الالتحاق بجيش الثورة العربية، فتم القبض عليه في المرة الأولى وسجن، لكنه تمكن من الهرب في المرة الثانية، والتحق بجيش الثورة العربية الكبرى، وشارك في المعارك التي خاضها، بعد ذلك شارك في معركة ميسلون إلى جانب القائد يوسف العظمة، ضد الجيش الفرنسي، وبعد سقوط الحكومة العربية في دمشق، عاد إلى عمان، وعمل على المساهمة بتأسيس الجيش العربي الأردني، كما رافق الملك المؤسس، ووصل إلى رتبة لواء، وتسلم منصب وزاري.

هذه مدرسة مازن العجلوني، الذي ولد عام 1924 في عمان، وقد نشأ في هذه العاصمة الصاعدة، والتصق بها حتى غدت، صورة ناصعة من حياته الحافلة بالإنجاز، وقد التحق بمدرسة العجلوني، ودرس فيها المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وكان من صغره متميزاً، لافتاً للانتباه، وكان من الطلبة الأوائل في المدرسة، وبعد الإعدادية انتقل إلى مدرسة المطران، لدراسة المرحلة الثانوية، وقد نال في مدرسة المطران شهادة الثانوية العامة، وكان خلال دراسته من أبرز لاعبي كرة القدم في الأردن، حيث لعب لنادي الأردن الشهير حينها، حتى العام 1953، وقد نال رئاسة المنتخب الأردني لكرة القدم، خلال أول دورة عربية رياضية، فساعدته بنيته الرياضية، في التميز في حياته العسكرية في ما بعد.

التحق مازن العجلوني بصفوف الجيش العربي - القوات المسلحة الأردنية - بُعيد حرب 1948، مدفوعاً بما ترسخ في وعيه منذ تربيته الأولى، وقد أدرك حاجة وطنه وأمته، لجهود الشباب المتعلم في القوات المسلحة، حيث تم إيفاده إلى بغداد، لدراسة العلوم العسكرية، في الكلية العسكرية العراقية، وبذلك دخل الجيش برتبة ملازم، وبعد خدمة ناجحة في مواقعه العسكرية، تم اختياره عام 1955، ليكون مرافقاً لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، وفي عام 1956 تم ترفيعه إلى رتبة رائد، وتسميته كبير مرافقي المغفور له الملك الحسين بن طلال، وقد عرف بإخلاصه وتميزه كعسكري محترف، وتفانيه في العمل، وقد رافق المغفور له الملك الحسين في أحلك الظروف وأعقد المواقف. وقد تسلم بعد ذلك قيادة كتيبة المشاة الثامنة، المتمركزة في الضفة الغربية، حيث تميز بقربه من جنوده، ومواجهته للمخاطر ببسالة وإقدام.

عمل خلال الفترة من عام 1957 وحتى العام 1958، ملحقاً عسكرياً في السفارة الأردنية في تركيا، وعندما عاد إلى الأردن، تم تعيينه سكرتيراً عسكرياً في القيادة العامة للقوات المسلحة، وخلال الأحداث المؤسفة لبعض ضباط الجيش عام 1959، تم اعتقاله باعتباره أحد الضباط الذين أطلق عليهم « الضباط الأحرار « وبعد الإفراج عنه، تم تعيينه بوظيفة مدنية، حيث اسند إليه منصب المساعد الإداري لأمين العاصمة عام 1965، ونظراً لخبرته في مجال الرياضة، وتقديراً لدوره كلاعب سابق في صفوف المنتخب الوطني، عين رئيساً لإتحاد كرة القدم ورئيساً لإتحاد كرة السلة، وقد عمل من خلال هذه المهام، على تنمية كرة القدم وكرة السلة، ونظراً لتربيته القومية، وانتمائه الوطني العميق، فقد أوجعه ضياع فلسطين، وهو الجندي المحترف، وأحد القادة الذين نافحوا عن تراب فلسطين، لذا فقد التحق بالعمل الفدائي، وعمل على تنفيذ عدد من العمليات الفدائية داخل الأراضي المحتلة، وقد هاجمته طائرة إسرائيلية في إحدى المرات، ونجا من الموت بأعجوبة.

وأعيد مازن العجلوني إلى الخدمة في عام 1968،  حيث ألحق بجهاز الأمن العام، وأنيط به منصب المفتش العام في مديرية الأمن العام عام 1969، بعد ذلك تمت إعادته إلى الخدمة العسكرية في الجيش، برتبة عقيد، ونال منصبه السابق، كبير مرافقي المغفور له الملك الحسين بن طلال، حيث مكنته هذه الفترة من تفعيل خبراته المتعددة، التي اكتسبها خلال مناصبه المختلفة، وفي عام 1970، تم ترفيعه إلى رتبة عميد، وعين نائباً للحاكم العسكري، خلال فترة أمنية حرجة مرت فيها البلاد، وكانت هذه الفترة بداية مرحلته مع المناصب الوزارية، حيث أسندت إليه حقيبة وزارة الداخلية في العام نفسه، وقد شهدت الأردن في تلك الفترة تعاقب متسارع للحكومات، ففي عام 1971 أصبح وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء.

لقد شكلت مناصبه العسكرية والمدنية والمتعددة، محطات نجاح لافتة كونت شخصيته، وتوجت منجزه المتنوع، مما جعل منه من أهل الحظوة، محبوباً من القادة والناس، ويعمل لصالح بلده وأهله، ولا تأخذه في الحق لومة لائم، وكان على الدوام أهل للثقة، وعلى قدر المسؤولية مهما كانت، لذا اختير بتاريخ 1/11/ 1971 عضواً في مجلس الأعيان، وكان من الأعضاء النشطاء، الذين يبادرون للعمل ويسعون إلى تحقيق الإنجاز، وعدم الاكتفاء بما تم انجازه سابقاً.

عاد إلى إشغال المناصب الوزارية، عندما دخل الحكومة من جديد، حيث عاد وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، خلال الفترة من 29/11/1971 وحتى 21/8/1972، وقد شكل عقد السبعينيات من القرن الماضي، حضوراً قوياً لمازن العجلوني على الساحة السياسية المحلية، وكان من رجالات الوطن، الذين يبادرون لتلبية نداء الواجب، غير عابئين بالصعوبات والمشاق التي تتطلبها تلك المبادرة، وكان يسعى للتميز في كل مكان عمل فيه، فكان له ذلك.

 وقد نال نتيجة لذلك التقدير والتكريم على المستويات كافة، وليس أدل على هذا المنجز فرادته، من الأوسمة العديدة التي نالها، حيث نال مازن العجلوني عدد من الأوسمة رفيعة الشأن نذكر منها: وسام الاستقلال، ووسام النهضة، ووسام الكوكب، كذلك نال من جمهورية مصر العربية، وسام بور سعيد، وذلك في أعقاب معركة عام 1956، المعروفة بالعدوان الثلاثي، لمساهمته الميدانية في المعركة، وبقي رائد الرياضية الأردنية، والعسكري المحنك، ورجل الأمن البارز، والمناضل الشجاع، والسياسي عميق الانتماء، ممسكاً بعهد الولاء، طوال سنوات عمره، ولم ينقطع عن العمل والإنجاز في مرحلة من المراحل، حتى بعد تركه للعمل العام، حتى توفاه الله عام 1989، فرحل راضياً مرضياً، زارعاً في القلوب حب الأرض، تاركاً فينا عمله الطيب الذي لا تذبل ثماره أبد الدهر.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).