معالي السيد سليمان ارتيمة |
عام 1971 صدرت الإرادة الملكية بتعيين سليمان ارتيمة عضواً في مجلس الأعيان الأردني، وقد انتخب من قبل أعضاء المجلس ليكون مساعداً لرئيس مجلس الأعيان، وعندما تم تشكيل مجلس الاتحاد الوطني عام 1972 أختير ليكون عضواً فيه، وبسبب صعوبة إجراء الانتخابات النيابية في الضفة الغربية، بعد الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967.
من أجل عدم تعطيل الحياة البرلمانية، تم تشكيل المجلس الوطني الاستشاري عام 1978، ومن جديد تم اختيار عضواً في المجلس الاستشاري، وتمكن من الاحتفاظ بمقعده في هذا المجلس لثلاث دورات متتالية، لما تمتع به من مكانة مرموقة رسمياً وشعبياً، بعد ذلك خاض الانتخابات البرلمانية التكميلية عام 1984 في عمان
يعد الجيش العربي الأردني ؛ المصنع الحقيقي للرجال الشجعان، فقد كان له بصمته الواضحة على رجالات الوطن في مختلف الميادين، الذين سنحت لهم الظروف أن ينهلوا من نبعه في البطولة والإقدام والإيثار، لينطلقوا بعد أن أنجزوا مهمتهم على خير وجه، إلى الحياة المدنية مكملين المسيرة، ومواصلين العمل من أجل الوطن، مهما كان نوع العمل ومستوى المهمة.
منذ تأسيس الجيش الأردني، بُعيد إعلان قيام الدولة الأردنية عام 1921، على يد الأمير عبد الله الأول ابن الحسين، وهو يواجه ظروفاً محلية وإقليمية وعالمية صعبة وغاية في التعقيد والحساسية، حيث نهضت هذه المؤسسة الوطنية بأعباء كبرى، فاقت حجمه الحقيقي، وتسليحه البسيط في سنواته الأولى، وهذا ما جعل من الجيش الأردني الأكثر احترافاً في المنطقة، بالاعتماد على الطاقات البشرية ونوعية التدريب.
سليمان ارتيمة؛ لم يكن مجرد ضابط عادي، بل كان مميزاً بحرفيته وأدائه، مثقفاً جيد الاطلاع، وعرف بذكائه الحاد، ونظرته الإستراتيجية للواقع الماثل والمستقبل القادم. وينتمي إلى عشائر عباد المنتشرة على رقعة واسعة بين العاصمة عمان والسلط المدينة الناشطة ومحيطهما، حيث انعكست تربيته العشائرية على نشأته القومية العروبية، فقد كان مشغولاً بالقضايا الوطنية والعربية منذ شبابه الباكر، وهذا ما شكل البوصلة التي رسمت نهجه في الحياة العسكرية والمدنية، وجعلت منه شخصية وطنية كبيرة، لعبت دوراً بارزاً ومؤثراً في مختلف المواقع، بالإضافة إلى ما حظي به من حب وتقدير من قبل المسؤولين والأهالي، نظراً لتميزه وتفانيه وعمله من أجل المصلحة الوطنية العليا.
ولد سليمان ارتيمة في عمان عام 1925، عندما كانت الدولة الأردنية تواجه صعوبات مرحلة التأسيس الأولى، وقد تربى بين أفراد أبناء عمومته وعشيرته، ونشأ متشبعاً بحب الأرض وهو الذي جس بخطاه الصغيرة تفاصيل الطرقات والتلال والأراضي الزراعية، قبل أن يتوجه إلى المدرسة، ليبدأ رحلة تلقي العلم التي لم تكن ميسرة تلك الأيام، حيث عانت البلاد من قلة المدارس وندرة المعلمين.
درس في مدارس عمان، وكان خلال العطل يساعد الأهل في الأعمال الزراعية، كحال أقرانه من طلاب تلك الفترة، ومع هذه الأعباء، فقد عرف عنه اجتهاده وتحصيله الدراسي العالي، لما اتسم به من ذكاء وفطنة وسرعة بديهة. وبعد أن تمكن من إنهاء دراسته الثانوية في عمان، دفعه حسه الوطني ووعيه القومي المبكر، إلى الانتساب للقوات المسلحة الأردنية، التي كانت بحاجة ماسة للشباب الأردني المتعلم والمتحمس للخدمة العسكرية، وقد أثبت خلال أشهر التدريب المرهقة، صلابة عوده والروح القتالية العالية التي ميزته.
خدم سليمان ارتيمة في عدة مواقع عسكرية، وتنقل في أكثر من مكان، وقد عين قائداً لوحدة من الجيش الأردني، تمركزت جنوب مدينة حيفا، وخلال فترة خدمته هذه، تعرف من قرب على ما تتعرض له فلسطين والأمة العربية لمؤامرة كبيرة، ولاحظ بألم شديد الانحياز الكبير والمكشوف من قبل البريطانيين لليهود، ودعهم عسكرياً، بالإضافة لمحاباتهم قانونياً على حساب العرب، وفتح باب الهجرة اليهودية على مصراعيه، وكان شاهداً على انتصار البريطانيين لليهود في المعارك والمناوشات، التي كانت تقع بين العمال العرب والمستوطنين اليهود، وكان هذا الواقع يثير حميته العربية، وهو الفارس الأردني الشجاع، فكان يمد العرب الفلسطينيين بما أمكنه من عتاد وذخيرة.
عندما اندلعت معارك الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، خاض الضابط سليمان ارتيمة إلى جانب زملائه ضباط وجنود الجيش الأردني، عدداً من المعارك الطاحنة والحاسمة مع القوات الإسرائيلية، وسطروا أروع صور البطولة، مثل معارك اللطرون وباب الواد والحي اليهودي وغيرها، أصيب على أرض المعركة، لكن ذلك لم يحل بينه وبين أداء واجبه على أكمل وجه.
عاد يقاتل ذوداً عن حمى الوطن الغالي، حيث فعل ذلك بأكثر من طريقة، سواء في ميدان المعركة أو في نشاطاته المدنية والسياسية، كان الوطن هاجسه في كل مرحلة من المراحل، وهو ما ميز شخصيته وأفعاله طوال حياته الغنية بالأحداث والمنجزات، التي ارتبطت بعمله المخلص ومكانته الرسمية والاجتماعية.
ونظراً لشجاعته ودعمه للثوار والمجاهدين الفلسطينيين، استحق عن جدارة وسام حرب فلسطين.
كان الضابط سليمان ارتيمة، ينتظر اليوم الذي يخرج فيه الضباط الإنجليز من الجيش، خاصة القائد الإنجليزي كلوب باشا، وهو ما تحقق على يد جلالة الملك الباني المغفور له الحسين بن طلال، الذي قام بتعريب قيادة الجيش الأردني عام 1956، هنا وجد ارتيمة حلمه يتحقق، وأن عليه المساهمة في تطوير الجيش من خلال تحصيل مزيد من العلوم العسكرية، لذا فقد أرسل للدراسة في كلية الأركان العراقية، وقد تخرج منها عام 1957، ليعود إلى صفوف الجيش العربي الأردني، مسلحاً بالفكر العسكري الحديث، ولم تكن هذه الدورة الأولى التي التحق بها، فطوال خدمته العسكرية شارك بعدد من الدورات المهمة محلياً وخارجياً، خاصة في بريطانيا وألمانيا، حيث درس العلوم العسكرية وتدرب على فنون القتال العصرية، وكان من نتيجة هذه الدورات، أن تمكن من تعلم اللغة الإنجليزية وإتقانها.
نال ارتيمة مناصب عسكرية مختلفة خلال خدمته منها قيادة كتيبة الحسين، وركن أول عمليات، لكنه أحيل على التقاعد عام 1959 مبكراً،ً بعد أحداث ما سمي بحركة الضباط الأحرار، بمحاولة عدد من ضباط الجيش استنساخ حركات في جيوش أخرى وبدعم منها، غير أنه أعيد للخدمة العسكرية بعد فترة، فهوالذي ينحاز دائماً لوطنه حتى في أحلك الظروف، فدخل الأمن العام، وعين مديراً لشرطة مدينة معان، وقد أثبت مقدرة لافتة في مهامه الجديدة، فبعد خدمته في معان، نقل إلى اربد مديراً لشرطتها، وكان من نتائج تميزه في الأمن العام، أن تم تعيينه نائباً لمدير عام الأمن العام، وفي عام 1966 أحيل على التقاعد بعد أن تم ترفيعه إلى رتبة فريق، تقديراً لجهوده وتميزه وخدمته العسكرية في الجيش وجهاز الأمن العام.
بدأ دخوله الحياة المدنية، بعد تقاعده مباشرة، فقد تفرغ لخدمة أهله وأبناء عشيرته، وتواصل مع الشباب، وقد كان أحد مؤسسي نادي ماركا الرياضي، وعرف عنه محبته للأرض والزراعة، لذا كان من أوائل عمل استصلاح الأراضي الزراعية في منطقة الأزرق الغنية بالمياه، فلقد آمن بأن الزراعة الناجحة سلاح آخر لحماية الوطن وصون استقلاله، كما زاد من حراكه الاجتماعي، خاصة في مجال الإصلاح الاجتماعي وإصلاح ذات البين، فتوسعت مكانته بين الناس، فأحاطه الناس بالمحبة والتقدير، وقد لازمه تقدير الناس وحبهم له طوال سنواته حياته وحتى يومنا هذا.
في عام 1971 صدرت الإرادة الملكية بتعيينه عضواً في مجلس الأعيان الأردني، وقد انتخب من قبل أعضاء المجلس ليكون مساعداً لرئيس مجلس الأعيان، وعندما تم تشكيل مجلس الاتحاد الوطني عام 1972 أختير ليكون عضواً فيه، وبسبب صعوبة إجراء الانتخابات النيابية في الضفة الغربية، بعد الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967، ومن أجل عدم تعطيل الحياة البرلمانية، تم تشكيل المجلس الوطني الاستشاري عام 1978، ومن جديد تم اختيار الباشا سليمان ارتيمة عضواً في المجلس الاستشاري، وتمكن من الاحتفاظ بمقعده في هذا المجلس لثلاث دورات متتالية، لما تمتع به من مكانة مرموقة رسمياً وشعبياً، بعد ذلك خاض الانتخابات البرلمانية التكميلية عام 1984 في عمان، غير أن النجاح لم يحالفه هذه المرة، لكنه استمر ينهض بواجباته اتجاه وطنه وناسه بنشاط وهمة كبيرين.
استحق سليمان ارتيمة التقدير والتكريم على أعلا المستويات، ونال عدداً من الأوسمة منها: وسام الكوكب ووسام النهضة ووسام الاستقلال، وتخليداً لذكراه أطلقت أمانة عمان اسمه على أحد شوارع العاصمة في عمان الشرقية. لم يتخل عن دوره في العمل والانجاز، حتى وفاته في الأول من كانون الثاني عام 2000، عن عمر ناهز الخامسة والسبعين عاماً، وبقي في البال بهي الحضور طيب الذكر.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|