حماد أبو جاموس الدعجة

حماد أبو جاموس

كانت منطقة المحطة ورغدان ومحيط سقف السيل، بالإضافة لماركا، الدعامات الرئيسية التي شيدت عليها ركائز عاصمة الأردن الحديث، فقد كان حماد أبو جاموس ابن هذه الأرض، حمل لون ترابها، وسعى مع الرواد والأحفاد لبناء مستقبلها المدهش.

اجتهد بصفته  طالبا للعلم المجد، والعسكري المحترف، الذي نافح عن الأرض والإنسان، وخاض أشرس المعارك ضد جيش الاحتلال في فلسطين، وعلى أسوار القدس، وعندما تحمل أعباء المناصب المدنية، كان محط الثقة وموضع الأمل، حيث عرف بالجدية في العمل، وبخلقه الرفيع، مواقفه المدروسة.

ينتمي حماد إلى عشيرة أبو جاموس إحدى عشائر الدعجة، ويعد والده من أبرز شيوخها، فهو من كبار ملاكي الأراضي، لكن هذا الواقع لم يمنحه طفولة مختلفة ومريحة، فقد كان جميع أفراد العائلة يعملون في الزراعة، لذا عمل حماد في الزراعة كغيره من أبناء عمومته. 

فقد ولد حماد أبو جاموس عام 1936 في ماركا الشمالية، ولم تكن في منطقته مدرسة رسمية، فالتحق مع مجموعة من أبناء هذه النواحي بالكتّاب.

كان عليه قطع المسافة بين ماركا الشمالية والجنوبية مشياً على الأقدام، لمسافة تصل إلى ستة كيلومترات، ليتلقى المعارف الأساسية في هذا الكتّاب، كالقراءة والكتابة والحساب والقرآن الكريم، ويقوم بالتدريس إمام المسجد في الحي، في حين تلقى علومه الحياتية من خلال مضافة والده، التي يجتمع فيها رجال العشيرة، للتباحث في شؤونهم، وحل كثير من مشاكلهم وقضاياهم .

أكسبه العمل بيده في الزراعة منذ نعومة أظفاره، حب الأرض وإدراك قيمتها التي لا تقدر بثمن، كما كان لهذه المرحلة المبكرة دور في قدرته على مواجهة الحياة، لذا علمته الاعتماد على النفس، والقدرة على تقبل الظروف الصعبة، وتحويلها إلى منجز متميز.

بعد افتتاح أول مدرسة حكومية في منطقة شرق عمان، وهي مدرسة الفتح الثانوية في المحطة، التحق حماد بهذه المدرسة، حيث تم قبوله في الصف الثاني، وكان دائماً ينال المركز الأول في التحصيل الدراسي، وقد أمضى في مدرسة الفتح سبع سنوات، حيث حولت بعد ذلك إلى مدرسة عسكرية، تابعة للجيش العربي الأردني، وقد تم اختيار الطلبة الأوائل في المدرسة ليلتحقوا بالجيش، وكان حماد أبو جاموس من بينهم، غير أن مدرسه للغة الإنجليزية، الأستاذ عبد الكريم الشيخ، عارض دخول حماد الجيش كضابط بهذه السن، وذلك نظراً لتميزه في الدراسة، خاصة في اللغة الإنجليزية، فقد كان يدرس شكسبير وميلتون وعدداً من الشعراء والأدباء الإنجليز، وهو لم يزل في الصف السادس الابتدائي، حيث كان يعطيه المعلم دروساً إضافية على ضوء السراج في البيت، وقد تمكن وهو في هذه السن، من ترجمة بعض النصوص من الإنجليزية إلى العربية وبالعكس ببراعة كبيرة، وتمكن أستاذه من إقناع أهله بنقله إلى الكلية العلمية الإسلامية، المدرسة الأهلية الأبرز في تلك المرحلة، فكان له ذلك، وقد درس فيها حتى نال شهادة المترك – الثانوية العامة – عام 1958، وقد نال هذه الشهادة بتفوق ملحوظ.

بعد حصوله على الثانوية العامة، كانت لديه رغبة كبيرة لدراسة الهندسة الميكانيكية، وقد أعد العدة من أجل السفر إلى أمريكا من لهذه الغاية، لكن الجيش العربي الأردني، كان بحاجة ماسة إلى مجموعة من الشباب الأردني المؤهل، فعرضوا عليه بعثة دراسية لدراسة الطب في بريطانيا، فقبل هذا العرض لكنه لم يرغب في دراسة الطب، لذا رفض هذا التخصص، وقرر دراسة الهندسة الميكانيكية في بريطانيا، فسافر إلى بريطانيا والتحق بكلية « تشيلسي « في لندن، وبقي فيها حتى العام 1961، حيث تخرج في الكلية حاصلاً على الدبلوم في الهندسة الميكانيكية، وقد زامل خلال دراسته في لندن كلا من: طلال الفايز وناظم خير وبشارة قعوار وهاشم الطراونة وزهير قاقيش، وكذلك الفنان نبيل صوالحة، الذي ترك هندسة الطيران، وقرر دراسة التمثيل، وخلال هذه الفترة، تعرف حماد أبو جاموس على زوجته الاسكتلندية، فخطبها ومن ثم تزوجها بعد أن أنهى دراسته، وقد أنجب منها بنتين: سلوى وهو مهندسة ميكانيكية، ورندا وهي حقوقية تعيش في ألمانيا، أما أبنه أمجد فهو مهندس ميكانيكي، عمل مع والده في تسيير أعمالهم الخاصة.

عاد أبو جاموس إلى الجيش بعد دراسته في بريطانيا، ومنح رتبة ملازم، وقد بعث في دورات عليا، منها دورة في الإدارة العليا في كلية العلوم البريطانية، ودورات متوسطة وطويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الجيش اختير للعمل الإداري في القيادة العامة، لكنه رفض وفضل العمل بتخصصه ميدانياً، فخدم في المشاغل العسكرية المركزية في الزرقاء، والتي أصبحت في ما بعد مشاغل الأمير فيصل الرئيسية، وخلال عمله رئيساً لفريق عمل، قام فريقه بتجميع أول سيارة مميزة، قدمت كهدية لسمو الأمير فيصل، بمناسبة عيد ميلاده، بحضور جلالة المغفور له الحسين بن طلال وجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، الذي كان أميراً حينها، وقد كان حماد ضابط سير عمل وإنتاج، ومسؤولاً عن أقسام الميكانيك.

نقل حماد أبو جاموس إلى الجبهة الشرقية، فعمل ركناً فنياً للجبهة الشرقية، التي كان قائدها الشريف ناصر بن جميل، وقد عرضت على أبو جاموس مناصب كثيرة، لكنه اختار الخدمة في الضفة الغربية، حيث عين قائداً لمشاغل الميدان الثاني، في منطقة أريحا لمساندة القدس، وقد سكن هناك حتى قيام حرب حزيران عام 1967، وقد شارك في هذه الحرب، حيث قصف الجيش الإسرائيلي، مقر قيادته في منطقة النبي موسى، وكاد أن يستشهد، عندما دمر مقره بالكامل بالنابالم، فقد استشهد عدد من الضباط والجنود، غير أن وجوده في المقر البديل أنقذ حياته، وقد حاول صد الطائرات الإسرائيلية بالأسلحة المتوفرة، حتى بالمسدسات، لكن عدم توفر غطاء جوي مصري، كما كان مقرراً في القيادة العربية المشتركة، كشف الدبابات والمدرعات الأردنية، وأصبحت صيداً للطائرات الإسرائيلية، فدمر معظمها، مما أسهم في سقوط الضفة الغربية.

شارك حماد أبو جاموس في المعارك التي خاضها الجيش بعد حرب 1967، منها معركة الكرامة وحرب عام 1973، وقد نال عدداً من الأوسمة نظير شجاعته وإقدامه، ولتميز خدمته العسكرية، في كل المواقع التي خدم فيها، حيث نال وسام الاستقلال ووسام الكرامة، وكذلك وسام الاستحقاق العسكري، وقد أحيل على التقاعد عام 1984، وكان وقتها في سلاح الصيانة الملكي، وقد تميزت خدمته العسكرية بالحرفية العالية، وترك أثراً طيباً بين الجنود والضباط الذين عرفوه أو خدموا معه، فقد كان متواضعاً ومقرباً من الجميع، وقد مكنته خبراتها الواسعة، التي امتلكها من خلال دراسته وخدمته الغنية في القوات المسلحة الأردنية، من التوجه إلى الحياة المدنية، مسلحاً بأسباب النجاح والتميز.

قام حماد أبو جاموس بتأسيس شركة هندسية خاصة بالكهرباء والميكانيك، بعد ذلك تم تعيينه في مجلس أمانة العاصمة، وكان فاعلاً في معظم اللجان المهمة فيها، وقد خاض الانتخابات النيابية، وفاز بها عام 1993، وكرس نفسه لخدمة أبناء منطقته، والارتقاء بأداء مجلس النواب، في التشريع والرقابة، وقد كان نجاحه في الانتخابات كبيراً ولافتاً، حيث نال ما يشبه الإجماع من قبل سكان دائرته كاملة، وعندما كلف دولة عبد الكريم الكباريتي بتشكيل الحكومة، أسندت لأبو جاموس وزارة التنمية الاجتماعية، وهو عضو في مجلس النواب، وقد حالت ظروف محلية وإقليمية، دون استمرار الحكومة في عملها، وقد تم اختياره عضواً في مجلس الأعيان، تقديراً لخدماته الكبيرة وخبراته المتعددة.

زرع أثره الطيب في النفوس والأماكن، منذ كان طالباً في مدرسة الفتح، مروراً بدراسته في الغرب، وحتى أصبح عميد هندسة، وقائداً ومديراً للكلية الفنية، وعدة وحدات فنية أخرى ورئيس معلمين، كان مثال رجل الدولة المنتمي لوطنه وقيادته، ومقرباً من الناس. عرف بكرمه ونظافة يده. وقد أصيب بنوبة قلبية حادة، أدت إلى وفاته يوم السبت في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 2008، عن عمر ناهز الاثنين وسبعين عاماً، لكنه رغم غيابه المفاجئ، ترك عملاً صالحاً وذكراً طيباً، لا ينقطعا أبد الدهر. 
تعليقات (فيس بوك)
1تعليقات (بلوجر)

1 التعليقات:

  • غير معرف يقول :
    19 نوفمبر 2012 في 10:27 م

    الله يرحمك يا عمنا العزيز يجعل مثواك الجنه

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).