عبدالهادي المجالي ... القلعة

عبدالهادي المجالي
لكل وطن رجالاته الأوفياء الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتعمير من أجل إيجاد الحياة الفضلى للأجيال القادمة وتمجيداً لسيرة سلسلة من رواد الأردن وتقديراً لمواقفهم الخالدة ودفاعهم عن الوطن والأمة وعرفاناً بما قدموه لوطنهم وأمتهم من خدمات جُلىّ ، وإسهامات كبيرة في مسيرته ، وتبقى معالم مضيئة على طريق الأجيال القادمة من أبناء وطننا العزيز.

وعن هذه الشخصية والتي يشدنا عبق الكرك اليها ، يخبر عن استمرار بقاء رجالها على عهد الاردن فمن إرفيفان الى هزاع إلى حابس إلى عبد السلام ، نتحدث اليوم عن رجل سار على درب محتذيا بخطى من سبقوه الا وهو عبد الهادي المجالي تلك الشخصية وطنية الفذَّه وصاحبة الفكر والموقف ، قائد سلاح الهندسة الملكي في معركة الكرامة عام 1968 ورئيس مجلس النواب الحالي والقائد العسكري والسياسي ، والسفير الاسبق للأردن في الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسس حزب العهد.

ولد عبد الهادي عطاالله المجالي في مدينة الكرك عام 1934 وأكمل دراسته الابتدائية في مدرسة الكرك الثانوية ، بعد ذلك انتقل إلى عمان ليكمل دراسته الثانوية في كلية الحسين وهناك في عمان وجد الرعاية والاهتمام من شقيقة الدكتور عبد السالم المجالي رئيس الوزراء السابق والذي كان يعمل طبيباً في القوات المسلحة الأردنية ، وكذلك شقيقهم المرحوم عبد الوهاب المجالي ، وبعد أن حصل عبد الهادي على شهادة الدراسة الثانوية (المترك) والتي تؤهله لإكمال دراسته الجامعية سافر إلى سوريا لدراسة الطب وعند تعذر التسجيل في كلية الطب سافر إلى العراق فاختار دراسة الهندسة وكان ذلك عام 1952 وتخرج منها عام 1957م.

وهناك وفي العراق أعجبته فكرة حزب التحرير وذلك نظراً لكونه حزب عصري حيث كان يرأسه الدكتور عبد العزيز الخياط ، وعَمًلَ رئيساً لتحرير مجلة (صوت الكلية) هذه المجلة التي كان هدفها حث الشباب على السعي للتمسك بالعادات والاهتمام بالثقافة والعلم. لذلك وأثناء فترة دراسته الجامعية عَمًدَ فقط إلى المشاركة في النشاطات التي يقيمها حزب التحرير.

وتحدث عبد الهادي المجالي في لقاء مع مؤلفة كتاب بعيداً عن السياسة ، حول حياته العملية فقال: بعد عودتي إلى وطني باشرت عملي مساعداً لمدير أشغال محافظة العاصمة السيد حمد الله النابلسي. وبعد شهرين عينت مديراً لأشغال لواء معان ومديراً بالوكالة للواء الكرك وكنت مسؤولاً في ذلك الوقت عن الفي موظف وكان عمري آنذاك 22 عاماً ، فالظروف جعلتنا نتحمل المسؤولية منذ البداية وكنت أعمل لوحدي رغم صعوبة الاتصالات فعلمتني المسؤولية أشياء أهمها الاعتماد على النفس ، وخلال وجودي في معان كان فيها لواء عسكري بقيادة محمد أحمد سليم ، وكانت وفود عسكرية تزور اللواء وكنت من خلال عملي في معان أقدم مساعدات لاحتياجات اللواء وفي إحدى زيارات مدير أركان القوات المسلحة صادق الشرع إلى معان دعيت إلى حفل عشاء حضرة اللواء الشرع وعرض علي الالتحاق بالقوات المسلحة ، فرفضت الفكرة بداية وكان من الموجودين في حفل العشاء الدكتور غازي بقاعين وهو طبيب أسنان وطبيب أخرى عسكري وقد أعجبني مظهرهما باللباس العسكري فنقلت للواء الشرع موافقتي على الالتحاق بالقوات المسلحة شريطة أن أعين بنفس الرتبة العسكرية التي يحملها الطبيبان وهي رتبة نقيب (رئيس سابق) وهذا ما حصل بالفعل حيث ذهبت إلى قائد سلاح الهندسة خالد الطراونة وأخبرته بتعييني واختار لي موقعاً في دائرة الأشغال العامة وكانت الدائرة في ذلك الوقت ركناً صغيراً تابعاً لمديرية اللوازم العامة وكانت طبيعة العمل طرح عطاءات والإشراف عليها.

وبداية شعرت بالاختناق لكنني قررت نسيان الماضي لأبدأ مرحلة عمل جديدة ، وبعد فترة طلبت للتدريب العسكري في القيادة العامة في العبدلي وكانت الدورة مكثفة جداً وفي اللحظة التي بدأت أعمل بها بدأت أفكر بكيفية رفع مستوى الهندسة في قواتنا المسلحة حيث أن الطاقات والكفاءات متوفرة ورغم الصعوبات التي واجهتنا إلا أننا بدأنا بالمعالجة الداخلية ومن خلال قسم خاص استحدثناه بدأنا نعتمد على أنفسنا ونعين مهندسين جدداً وبالتدريج استطعنا إنشاء مديرية وكان العميد محمد توفيق الروسان مدير تموين وقد شجعني ودعمني ولكثرة مشاريع التموين تم إنشاء مديرية أشغال العسكريين عام م1959 فأصبحت دائرتنا مديرية وأصبحت مساعداً تنفيذياً لهذه المديرية ، وفي عام 1960 أرسلت في دورة إلى انجلترا لمدة 26 شهراً وعدت برتبة رائد عام 1962 لنبدأ بتحقيق طموح آخر حيث تم ضم سلاح الهندسة إلى الأشغال وأصبح سلاح الهندسة الملكي وكان قائده رجب أبو طالب واستمريت بالعمل في السلاح حتى عام 1967 حيث أصبحت قائداً لسلاح الهندسة وكان قوياً ولديه مشاريع ضخمة وكان نقطة إشعاع في القوات المسلحة وخلال وجودي بالسلاح دخلت دورة قادة الكتائب لمدة شهرين وكنت الأول على دفعتي وأصبحت على قناعة من خلال هذه الدورة أن أكثر الأشخاص الذين يستطيعون الإبداع هم الأشخاص الذين لديهم تفوق علمي لأن العسكرية تحتاج إلى عمليات حسابية ، حيث كنت الجامعي الوحيد بمجال الهندسة في ذلك الوقت عندما د خلت معترك الحياة العسكرية ومنها أعتقد جاءت فكرة إنشاء جامعة مؤتة حيث شجعت على إقامة مثل هذه الجامعة عندما كنت مسؤولاً في القوات المسلحة ليقيني أن العسكرية علم وليست فقط حمل السلاح وتدرجت في المواقع العسكرية الهامة حيث عينت مساعداً لرئيس الأركان حتى عام 1979 واستمررت رئيس أركان لمدة ثلاث سنوات.

وعندما عرض عليّ جلالة المغفور له الملك الباني الحسين بن طلال منصب سفير في واشنطن قال لي: إننا بحاجة لك في واشنطن وأن علاقاتنا مع الأمريكان ليست كما يجب وهي أكثر من %60 علاقات عسكرية وكونك سفيراً عسكرياً ممكن أن تتحسن العلاقات فقلت لجلالته: إذا كان الأمر بالنسبة لي موضوع وظيفة فإنني سعيد جداً أنني وصلت لرتبة فريق ورئيس أركان وقد فهمت في ذلك الوقت أن تكليفي لم يكن ترضية وإنما وجودي في هذا الموقع السياسي قوة في السلك الدبلوماسي واستمريت لمدة سنتين سفيراً في واشنطن.

لقد مارس عبد الهادي المجالي عام 1983 العمل في مجال الدراسات العسكرية الإستراتيجية وفي عام 1985 جرى تعيينه مديراً للأمن العام لمدة أربع سنوات وقد عمل على تنظيم هذا الجهاز وتطويره ولأن الله قد حبا الأردن وطن الأحرار بالحياة الديمقراطية والقدرة على التعبير عن الرأي وحق المواطنين بتشكيل الأحزاب ولأن النظام السياسي في الأردن من أفضل الأنظمة بالعالم العربي فقد عَمًد السيد عبد الهادي المجالي. مع عدد من الشخصيات الأردنية على تشكيل حزب العهد وقد تم انتخابه أميناً للحزب وهو يرى أن العمل الحزبي من أصعب الأعمال التي يمارسها الإنسان وذلك لعدم سهولة اكتشاف ما يدور في عقول الناس.

وها هو عنبرة الكرك وأحد أبراج قلعتها يختار قبة البرلمان ليستطيع محاكاة متطلبات واقع الحاجات المتزايدة ولأن إحساسه بالمسؤولية يحتم عليه مسؤولية إيجاد تيار وسطي وطني تجتمع حوله كافة الزعامات الوطنية ليثبت وبابتسامته الهادئة وعمق نظره وحضوره المهيب أن الأردن موطن الرجال الذين تحملوا مسؤولية البناء والتطوير في شتى الميادين من أجل الوصول إلى حياة أفضل والسعي إلى مراتب العز ، فمنذ عام 1997 وهو النائب المدافع عن حقوق الناس الذي يحص على إيصال صوت المواطن لكل مسؤول من خلال إشتراكه في مجلس النواب الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر الذي يشغل الآن رئاسته بالإضافة إلى رئاسة كتلة جبهة العمل الوطني البرلماني الوطني ، ليتم تصنيف عبد الهادي المجالي في صفوة الرجال الذين خدموا بلدهم على كافة الأصعدة وفي مختلف الميادين فمواقفه الثابتة وعطائه المستمر للمواطن فَعُرف بطيبته وكرمه وتواضعه وسمو أخلاقه فسعيه لتأسيس التيار الوطني الأردني كان من أجل تأصيل محبة الأردنيين لوطنهم ولجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم.

وكان عبد الهادي المجالي قد استلم حقيبة وزارة الأشغال العامة في الأردن عام 1996 ليتم في العام الذي يليه انتخابه عضواً في مجلس النواب.

إن ثمة محطات كثيرة ومواقف جليلة يمكننا التوقف أمامهما في تجربة عبد الهادي المجالي...محطات تبدأ من حبه الكبير الملفت للنظر لوطنه وقيادته ، وإخلاصه لهما فتراه قد قدم رأيه وقدر الأمور أفضل تقدير فكان أبرز رجالات الأردن. امتاز بروحه العربية الصافية وعواطفه القوية لطيف المعشر والحديث يتميز بدبلوماسيته البارعة وأسلوبه البارز في الحياة والعمل كما يعتبر من الساسة البارزين القلائل الذين جمعوا بين الإخلاص لبلادهم والوفاء لمتطلبات السياسة.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).