خالد النجداوي .. التميز في العمل والحياة

خالد النجداوي
تمتاز الساحة الأردنية وعلى امتداد مراحل تاريخية متعاقبة، برجال بناة حقيقيين عملوا بصمت وهدوء، لا يبغون شيء غير خدمة أمتهم والمساهمة في تقدم وطنهم، فأتيحت لهم الفرص لذلك، ومن لم تدن منه سانحة شد الخطى إليها، ولم يقف في طابور الانتظار.


 هذا ما ميز الأردن رجالاً ونساءً، وقد توضح هذا الحال منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، حيث نهض وطن جدير بالانتماء والولاء والمستقبل المزدهر، مستفيقاً من عقود طويلة من الإهمال وغياب التنمية والمؤسسات المدنية، لينطلق نحو النماء والتطور بوتيرة متصاعدة رغم قلة الإمكانيات وندرة الموارد، معتمداً على عزم بنيه وبصيرة قادته، متحدياً كل الاحتمالات والرهانات الخاسرة، ليكون الأردن البلد الأنموذج، صورة زاهية لأمة بانية عاملة من أجل الحاضر والمستقبل، وواحة وارفة بالحرية والتقدم والتنمية الحضارية.

المهندس خالد النجداوي السلطي بامتياز، يعد صورة زاهية عن الشباب الأردني المتعلم والطامح إلى العمل الصادق والمنتج بعيداً عن الضجيج والفوضى، التي تؤثر على مسيرة الوطن وتضعف من بنية المجتمع وتبعده عن سبل المستقبل المنشود. فخالد أحمد الحامد المنتمي إلى عشيرة النجداوي وهي عشيرة سلطية عريقة قدمت للوطن رجالاً كباراً منذ نشأته، بقي مخلصاً لمدينته السلط ولوطنه الأردن الأغلى، منطلقاً إلى أمته العربية بوعي قومي يستند على وطنيته العميقة، وهذه كانت ضمانة نجاحه خلال مسيرة حياته منذ طفولته وحتى وفاته.

 ولد النجداوي في مقر إقامة عائلته في عمان، في الخامس عشر من شهر كانون الثاني عام 1934، في فترة تم شحذ الهمم فيها لتأسيس مؤسسات الدولة الناشئة، وهي مرحلة لم تكن سهلة فقد كابدت فيه البلاد والناس مصاعب اقتصادية وسياسية متعددة، بالإضافة إلى الأجواء الإقليمية غير المتقبلة، خاصة بوجود دول غربية مستعمر في المنطقة كبريطانيا وفرنسا، وما نتج عن هذا الواقع من توتر سياسي وعسكري، تأثرت وأثرت فيه الأردن، وهذه سمة للأردن دائماً.

تربى خالد النجداوي في بيت والده أحمد النجداوي الذي كان موظفاً في البريد الأردني، أما والدته فهي عائشة أديب الكايد العواملة حيث كان يشغل والدها منصب رئيس بلدية السلط في ذلك الحين، وقد تأثر خالد النجداوي بوالده الموظف الحكومي وبجده لأمه رئيس البلدية، وكان يرقب منذ شبابه الباكر الخطوات الثابتة للوطن في كل المجالات. وعندما أصبح في سن الدراسة التحق بمدرسة كلية الحسين بعمان وهي واحدة من أعرق المدارس في الأردن، وقد عرف بخلقه الرفيع والتزامه اللذين ميزا مسيرته الحياتية والعملية، كما تميز باجتهاده وتفوقه الدراسي فقد كان من أوائل الطلبة في صفه وفي كل المراحل الدراسية، وكان من ابرز معلميه الشيخ عبد العزيز الخياط، وقد تمكن من الحصول شهادة الثانوية بتفوق، حيث برع في المواد العلمية خاصة في الرياضيات التي أحبها وتميز بها.

رغب بدراسة الهندسة، فسافر إلى العراق عام 1951، حيث التحق بجامعة بغداد في كلية الهندسة ليدرس الهندسة الميكانيكية، وتعد جامعة بغداد من أوائل الجامعات العربية وأعرقها، ودرس فيها أجيال من الشباب العربي، وقد زامله في الدراسة في جامعة بغداد المهندس عبد الهادي المجالي والمهندس فخري حزينة، وفي جامعة بغداد تفتح وعيه السياسي وتمكن من تحصيل ثقافة واسعة، عكسها في دراسته وحياته حتى جعل من التفوق والتميز منهج حياته.

تخرج في جامعة بغداد حاصلاً على شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية عام 1955، في مدة قصيرة، حيث لم يزد عمره عند تخرجه عن الحادية والعشرين عاماً، ليعود بعدها إلى وطنه الأردن من أجل تحقيق حلمه في المساهمة في خدمة بلده، حيث بدأ مسيرته العملية من خلال التحاقه بوزارة الأشغال، وقد كان أحد رجالات الأردن الكبار الأوفياء وهو السيد بشارة غصيب داعماً لتعيينه في هذه الوزارة وهو لا يعرفه، لكنه أعجب بشخصيته وعلمه وثقافته وحبة لوطنه، وبذلك استهل النجداوي عمله بثقة كبيرة، وكان من أوائل المهندسين الميكانيكيين في الأردن، وتميز منذ يومه الأول في العمل بهمته العالية وحماسته في القيام بواجباته، وعمل على نقل خبراته وعلمه إلى الطواقم الفنية التي عمل معها.

أنتقل المهندس النجداوي في عام 1959 إلى شركة مصفاة البترول الأردنية المساهمة المحدودة، مع انضمامه إلى فريق عمل المصفاة، ونظراً للفته للانتباه بسبب نشاطه ومثابرته في العمل، فقد تم إرساله في دورة تدريبية مدة سنة إلى إيطاليا مع عدد من زملائه، وقد رافقته زوجته ليلى النجداوي خلال إقامته في إيطاليا، حيث عملا على تعلم اللغة الإيطالية وتمكنا من إتقانها، وكانت لهما اهتماماً بالموسيقى فقد تعلما الموسيقى إلى جانب تعلمهما اللغة الإيطالية. حيث عاد بعد أن أنهى دورته التدريبية إلى عمله في شركة المصفاة، وكان من أبرز المهندسين فيها، وتمكن من الترقى في عمله حتى وصل إلى منصب نائب مدير المصفاة للصيانة والمشاريع، وهو المنصب الذي كان يشغله حين قرر الاستقالة من عمله في المصفاة عام 1979 بعد مسيرة عمل فيها وصلت إلى عشرين عاماً. و النجداوي من أوائل المهندسين المنتسبين إلى نقابة المهندسين الأردنيين عند تأسيسها فقد كان رقم عضويته في النقابة ( 13 ) ليحتفظ بريادته في ميادين شتى، وقد مارس عضويته هذه من خلال نشاطاته النقابية بهدوء ورصانة التي تميز بهما في كل مجال، وقد عرف النجداوي بتعلقه بوطنه وعروبته، فخلال عمله في مصفاة البترول سنحت له فرصة العمل في شركة نفط الكويت ( koc) فسافر إلى دولة الكويت، وباشر عمله هناك، لكنه حين لاحظ أنه قد كتب إلى جانب اسمه كلمة « أجنبي « لم يستسغ ذلك، لذا قرر الاستقالة من عمله في شركة نفط الكويت والعودة إلى الوطن، وهذا يدلل على ما يتمتع به من حس وطني وقومي عميق حدد مسار حياته بشكل دائم.

بعد خروجه من شركة المصفاة الأردنية، تم تعيينه مديراً عاماً للشركة السورية الأردنية للصناعات، حيث عمل على تطوير عمل الشركة وتحسين منتجاتها بما ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني الأردني، حيث كان دائماً قريباً من موظفي وفنيي الشركة، لما عرف عنه من تواضع وسعة صدر وانحياز لقضايا العمال وحقوقهم، لذا تمتع بمحبة كبيرة من زملائه في العمل ومن رؤسائه أيضاً، لإخلاصه في العمل، ومواظبته على الإنجاز وسعيه لتحقيق الأفضل.

بعد أن غادر منصبه كمدير عام للشركة الأردنية السورية، قرر التفرغ لخوض تجربة العمل الحر، وهو عمل جديد عليه يحتاج إلى خبرة واسعة في هذا المجال، فلم يحالفه الحظ ليستمر في العمل الحر، لذا توقف عن ممارسته، وعاد للعمل العام من جديد، فقد تم تعيينه مديراً لمصانع الحسين للحديد والصلب، وقد وظف في منصبه الجديد خبراته الواسعة التي حصلها خلال حياته العملية الناجحة، وكان عمله في إدارة مصانع الحديد والصلب الأخير، حيث كان ختاماً موفقاً لمسيرته الوظيفية. وعلى صعيد العائلة فقد أنجب ولدين وثلاث بنات، أحسن تربتهم وتعليمهم، ليكون ذلك جزءاً من واجباته الأساسية.

أصيب النجداوي بضعف في عضلة القلب عام 1997 وقد رافقه هذه المرض حتى وفاته في الثلاثين من حزيران عام 2000، لينظم إلى كوكبة من رجالات الوطن الذين رغم وفاتهم بقوا مشاعل تستدل بها أجيال الوطن القادمة، تغمدهم الله بواسع رحمته.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).