د. عبدالله نسور ( أبو زهير ) |
يأتي من رحم الربيع الأردني، الذي لا بدّ وأن يزهر، يوما ما مطلع العام المقبل وقد أوجدنا برلمانا قويا ونظيفا، وعند ذلك سيذهب الدكتور عبد الله النسور لحياة كفافها الفرح على ما أنجز، واليقين بأنه خدم وطنه، في زمن كان يتذرع به الكثيرون عن الدور الوطني بحجة أن المرحلة يكتنفها من الضباب ما يجعل الأفق بالكاد ملموح. فاختار البعض البعد، والبعض لجأ للترويج لنفسه وكأن الوطن في النفس الأخير ولا يقوى إلا به.
أما وقد امتثل النسور لرغبة ولي الأمر، بحدسه الوطني وحبه لبلده، فإنه مطالب بان يحقق لنا جميعا الحلم، وفي سيرته ما يجعله قادرا على أن يُبقي اسمه في الذاكرة مع ذوي الانجاز، وهو المتقلب في المواقع والمتعدد الخبرات، والدقيق في الملاحظة، وفي سيرته ما يجب أن يُذكر به الناس ويعاد ويقال، كي نعرف أي رئيس يقودنا للانتقال الديمقراطي.
تكوينه المعرفي يعود لمدرسة السلط والجامعة الأميركية «انتميت فيها للخط القومي». لم يطل البقاء في التربية والتعليم، فدخل دوائر الدولة بشكل سريع، ولم يغادر السلط قط، فالتزمها ولزمته «لم يكن معي مبلغ لشراء أرض في عمان» وطيلة حياته ظل منزل أبو زهير في مدخل السلط، على ربوة متوسطة الارتفاع مقصد الأحبة وطالبي الحاجات، وسكنته السلط واتهم بحبه المتشدد لأبنائها يوم كان نائبا لرئيس حكومة سابق، لكنه لم يكن يوما مقاولا أو صاحب رغبة بجمع المال.
هو من مواليد العام 1939 في ضاحية «منطقة بطنا» حيث بيت جده لوالدته، أما والده عبد الكريم فعمل مزارعا، و»امتهن عدة مهن وكان يتاجر بالمواشي مع نابلس ويملك بقالة وملحمة». وقد اودع طفولته وذكرياتها الكثيرة الغارقة بالتفاصيل في منطقة الجدعا والعيزرية في السلط. ، وفي السلط وحدها يعرف المرء نفسه بالحي لا بالمدينة.
تلقى النسور في كتاب الشيخ محمد الجالودي، وكان معه في الكتاب عدد من أبناء جيله ومنهم د. عبد الله الحياري، وعبد الحميد الكايد الضرغام وأحمد الشيخ سالم، وطفل اسمه حازم محمد الفلاح يقول أنه لم يسمع عنه لليوم وحاول تقصي أخباره إلا أنه لم يفلح بذلك البحث.
انتقل لمدرسة السلط ومديرها آنذاك حسني فريز، وبرأيه كانت مدرسة مدهشة في بنائها إلا أن الطريق كانت وعرة فما كان من والدي إلا أن امتطى فرسه وأردفني خلفه»، «وضعوني بالصف الثاني وبقيت بالسلط ونجحت بالمترك بعد الصف الحادي عشر».
من معلميه بالسلط الأستاذ حسن البرقاوي وحكمت الساكت وجميل شاكر الخانجي، واحمد كلوب وعدنان ابو عودة وعبد الرؤوف اللبدي وشوكت تفاحة والعالم الفقيه الشيخ محمد أمين زيد الكيلاني ومحمد رسول الكيلاني.
مدرسة السلط آنذاك كانت ملاجلا للأفكار والنشاط السياسي، وفيها صقلت شخصيته، وفي ذاكرته بين العام 1947 والتخرج من مدرسة السلط يذكر أنه رأى الملك المؤسس رأي العين وكان قد دعي لبيت عمدة السلط وأحد شيوخها ورموزها آنذاك الحاج عبد الله باشا الداوود.
مدرسة السلط بدت يومها عين الأردن وفيها يذكر أن التعليم يقوم على مبدأ «تصفية الطلاب»، أي يتم التخلص من الاقل قدرة، وكان البقاء للأفضل، وأذكر «كم من الصبيان المبدعين الأذكياء الذين تركوا المدرسة بسبب ضيق العيش». ومن تلك الفترة يذكر العام 1948 حين «كنا نقف على منطقة النقطة وهي الطريق المتجهة لفلسطين، رأينا الجيش العربي والعراقي في طريقهما لفلسطين اعتبارا من 15 أيار 1948 ولا أنسى حين جاءت أخبار الانتصار الأردني على جبل المكبر وباب الواد وخرج كل الناس يصلون لله صلاة الشكر ويجوبون الشوارع مذكرين بفلسطين».
الانتصار ما لبث أن أخذ اسما آخر وهو النكبة؛ «اذكر مجيء اللاجئين خصوصا من الشريط الساحلي والمدن القريبة من الساحل وأذكر استقبال السلطية لهم وكيف قسموا بيوتهم وغرفهم وأحواشهم وزادهم مع إخوانهم المهجرين ولا أنسى مطلقا ذلك الحدث الذي أصاب الروح بندبة كبيرة».
العام 1956 أرسل أبو زهير ببعثة لدراسة الرياضيات والإحصاء في الجامعة الأميركية ببيروت، وكان معه في تلك المرحلة عبد الله باشا الحياري و جهاد البرغوثي ومصطفى الحياري المؤرخ المعروف ويونس شناعة ونائل العجلوني وداود خلف ومهدي الفرحان وسليمان العمري وعبد الرؤوف الروابدة «جاءنا أخا مسلما ومتزوجا»، وسبقنا علي السحيمات وزياد مراد وعبد الرحيم ملحس وآخرون.
فكريا وسياسيا الجامعة الاميركية كانت تستقطب الافضل للدراسة والتثقيف. واستضافت الجامعة رموزا ثقافية مثل عمر ابو ريشة ونزار قباني وسهيل ادريس؛ «وعلمني إحسان عباس ومن المؤثرين بنا زين نورالدين زين وأنيس فريحة وشارل مالك.
في بيروت سكن مع عبد الله الحياري وجهاد البرغوثي والمهندس جرير الدجاني، وفي آخر سنتين استقل بشقة مفروشة بسبب تحسن أحواله المادية.
في الجامعة الأميركية كان هناك شاب لامع له حضور هو عبد الحميد شرف، وفي ذلك الوقت كان لاجئا سياسيا بلبنان، ومطلوبا للسلطات الاردنية، فاستقطبنا لحركة القوميين العرب لأنها الحزب الناصري الوحيد المتاح، فانضمننا في هوى عبد الناصر وطروحاته الوحدوية. وحين أعلنت الوحدة انطلق مع مجموعة من الطلبة للشام «لنرى رجل الحلم وقد رأينا عبد الناصر في ساحة أبو رمانة وعدنا وقد تحقق الحلم».
عاد العام 1960 لعمان بعد التخرج وعين في المعهد العالي لدار المعلمين، وحين تحققت السلطات أنه حزبي قومي عربي نقل إلى الضفة الغربية للتدريس في قلقيلية.
تزوج أبو زهير العام 1963 من السيدة هالة خليفات «زواجا تقليديا» انجبا دالا، وزهير ومنصور ومن زواجه الثاني من السيدة ابتسام الحياري أنجبا المحامي حسام ومأمون وندى ومحمد خير ومنتصر.
عاد لعمان وتدرج بمناصب تربوية ومن ثم أرسل ببعثة دراسية للولايات المتحدة في دراسة ماجستير بالإدارة وعاد العام 1970 لينضم للجمعية العلمية الملكية «كنت من أول موظفيها وبقيت ثلاث سنوات».
ما لبث النسور أن عين مستشارا ثقافيا في فرنسا ومندوبا مناوبا عن الاردن لدى اليونسكو، وفي هذه الاثناء التحق بجامعة السوربون لدراسة الدكتوراه في التخطيط.
عين بعدها مديرا للموازنة العامة ثم وكيلا لوزارة المالية فمديرا عاما لضريبة الدخل. وفي هذه المواقع «حاولت إحداث إصلاحات في هذه المؤسسات الحساسة وخاصة في دائرة الموازنة والضريبة»، وهو يدافع عن سيرته العملية بقوله «كنت مصرا على أن أرسي قواعد المؤسسة وليس نمط إدارة المرفق».
قصة التوزير لأول مرة مرتبطة بوجوده رئيسا لمجلس إدارة جريدة الشعب، إذ عينه احمد عبيدات رئيسا لمجلس إدارة الشركة العام 1984 فحسن الجريدة واتفق مع ناجي العلي ليرسل رسما كاريكاتيريا لينشره يوميا على الصفحة الأولى و»ابتدعنا زاوية أخبار اليوم: أسرار الغد».
ذات يوم زار ياسر عرفات الأردن قادما بالسيارة من العراق، ورأى جريدة الشعب وكان فيها كاريكاتير لناجي العلي، ولما وصل شكا للرئيس عبيدات فما كان من عبيدات إلا أن «اتصل منرفزا قائلا: الرئيس عرفات عاتبني على الكاريكتير... وشرحت الموقف وسألني وينك؟ قلت بالجريدة وقال بعدك للآن. قلت نعم. وطلبني للبيت وأبلغني بنيته بالتعديل، قال: تستطيع المجيء، قلت نعم، ودخلت حكومته وزيرا للتخطيط، وهذا التعديل دخل به د. هاني خصاونة وفرحي عبيد وهشام الخطيب».
بقي النسور بالحكومة حتى انفجرت أزمة حرية الإعلام واستقالت السيدة ليلى شرف من الحكومة؛ «السبب كان لأن أحدهم كتب مقالة عن العشائرية فأرسلت برقيات ضد الكاتب ووجه الملك الحسين رسالة جاء فيها أن من يناصب العشائرية العداء «ليس مني»، والسيدة ليلى اعتبرت أن في ذلك تكميما لافواه الكتاب فاستقالت استقالة مدوية سجلت لها بكل تقدير، إذ ندر ان يقدم وزير استقالته بسبب موقف كهذا أخلاقي أو مبدئي».
في مجلس وزراء حكومة عبيدات يستذكر النسور عدة قضايا «اولا عودة العلاقات مع مصر بعد انقطاعها بعد كامب ديفيد، وقدرة عبيدات وصلابته في زحزحة رموز في الدولة عن مواقعها منهم علي غندور ومحمد كمال وعمر عبد الله».
بعد حكومة عبيدات بثلاث سنوات دخل بحكومة زيد الرفاعي وزيرا للتخطيط وخرج بتعديل وزاري العام 1986 ثم جاءت هبة نيسان 1989 فاستدعاه سمو الأمير زيد بن شاكر ليدخل وزيرا للتربية والتعليم، ورأيه في الامير زيد أنه «فارس بخلفية عسكرية وهو غاية بالديمقراطية والذهنية المتفتحة والثقة بالنفس».
استقال النسور من حكومة الشريف زيد وخاض انتخابات المجلس النيابي الحادي عشر العام 1989، وفي رأي النسور أن «البرلمان القوي آنذاك اقتضى حكومات قوية –بدران والمصري والامير زيد- ومن لوازم قوة الحكومة قوة البرلمان وضعف البرلمان يؤدي لضعف الحكومات».
حكومة مضر بدران الرابعة برأيه كانت «أفضل حكومات برلمان 1989 وحكومة الشريف كانت أفضل حكومات الاردن على مدى تاريخه وحكومة المصري غاية بالانفتاح والديمقراطية والليبرالية وضمت طيفا واسعا من التوجهات الوطنية النظيفة».
حكومة طاهر المصري لم تدم طويلا بسبب مؤتمر مدريد «تجمع أكثر من ثلثي مجلس النواب ووقعوا عريضة تطالب باسقاط الحكومة». ويسجل للرئيس المصري أنه نصح الملك الحسين بالابقاء على مجلس النواب، آنذاك كان ابو زهير رئيسا للكتلة الوطنية وهي أكبر تجمع وتكتل برلماني أسهم بشكل واضح في استقرار حكومة المصري.
قصة الذهاب لمدريد حسمت في جناح بفندق الأردن؛ «كان ياسر عرفات مدعوا ودخل المرافق وأعطاه ورقة فيها كلام غيّر لونه. وقال عارفين أيه؟ قلنا لا: قال سورية قبلت مبادرة بوش، وكانت متمنعة لمدة ثمانية اشهر ولم نكن نعلم كحكومة اردنية إلا من الضيف الفلسطيني وهنا سبب الإحراج لنا».
آنذاك أحرج الأردن وكان على الرئيس المصري إما ان يجمع البرلمان المجاز ويحيطه بالتطورات ونوايا الأردن ويحصل على موافقته للمقبل سياسيا، او يمضي حتى يعود البرلمان للانعقاد بعد ثلاثة اشهر.
كان رأي النسور أن الثقة التي حصلت عليها حكومة المصري في ظل واقع مختلف، وأن ما استجد يستدعي دعوة البرلمان واخذ الموافقة؛ «وكنت أعتقد ان المصري حاول جهده لدعوة البرلمان لكن لم يصل لتلك النتيجة، فارتأيت أن الحكومة لا تستطيع أن تمضي في هذا المسار وأشهد ان المصري تفهم وجهة نظري، فعرضت استقالتي وقبلت».
يكشف النسور أن الرئيس أحمد عبيدات كان في القصر عند التعديل على حكومة طاهر المصري «وقد علمت فيما بعد أن الرئيس المصري قدم استقالته وأن الملك كلف أحمد عبيدات بتشكيل الحكومة فلم يوافق عبيدات ولم يتح لي أن اتحقق من هذا من الرئيس عبيدات نفسه».
بعد ذلك جاءت حكومة الأمير زيد بن شاكر على إثر مذكرة ثلثي النواب ضد حكومة المصري، فكلف النسور بوزارة الصناعة والتجارة وبقي حتى استقال في صيف 1993 ليخوض انتخابات المجلس النيابي 12 ليشترك بعدها بحكومة عبدالكريم الكباريتي وزيرا للتعليم العالي، ثم جاء مع عبد السلام المجالي نائبا للرئيس ووزيرا للإعلام والتنمية الإدارية، وفي العام 1997 عين عينا وبقي حتى العام 2001.
بعدها وحتى 2009 لم يشترك النسور بأي منصب عام، حتى عين في 2009 بإرادة ملكية سامية عينا «بمعية دولة أبو نشأت الذي ترأسني نائبا ووزيرا وعينا وهي رفقة طويلة فيها من الحب الكثير».
العام 2010 ترشح لمجلس النواب المنحل، وفي مقابلته للزميلة الغد في صورة قلمية كان مصرا على الفوز، وقد فاز برقم متواضع، وبرغم أن الجديد في سيرته هو صوته اليقظ في البرلمان المنحل، والذي شدد فيه أبو زهير على محاربة الفساد والإصلاح والحريات، فإن ذلك كان كافيا ليعدل من صورته وأن يجعل منه جزءا من الحل للمرحلة المقبلة، ليعود اليوم رئيسا لحكومة مصير البلد معلق بقدرتها على انجاز مهمة واحدة فقط.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|