‏إظهار الرسائل ذات التسميات 1934. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات 1934. إظهار كافة الرسائل

أرسلان رمضان بكج

|0 التعليقات
أرسلان بكج

كان متقد الذكاء منذ صغره، صاحب إحساس رقيق، قاده إلى عوالم من الفكر والبحث والإبداع، وتمكن بفضل جهوده الاستثنائية وأفكاره الخلاقة، من ترك إرث متنوع وفريد، مبني على حب الأرض الأردنية، والولاء الحقيقي لتاريخها وعمق حضارتها، وتقديره لدور قيادتها في بنائها والذود عنها، لتكون أنموذجاً فريداً ومؤثراً في المنطقة والعالم، فكان أرسلان رمضان واحداً من الرجال الذين تركوا بصمة خاصة بهم، وأبوا أن يغادروا هذه الدنيا دون أن يكون لهم فيها ما يبقى يذكر بهم جيلاً بعد جيل، فقد قاسى في حياته ظروفاً صعبة، وعاصر خلال مسيرته العملية أحداثاً جساماً، تعرضت لها المنطقة بشكل عام والأردن بشكل خاص، وقد أسهمت هذه الأحداث والتحولات في ربطه ببلده برابط المحبة والكرامة والعشق، فأنطلق في مشروعه في الإبداع والبحث، وفي الخدمة العسكرية من إدراكه لواجباته المختلفة، وأن الرجال الكبار مناط بهم المهام العظيمة، والقدوة الحسنة التي تسهم في البناء والتربية.

يعود أرسلان رمضان بكج بنسبه إلى إحدى العشائر الشركسية الأردنية، التي قدمت إلى البلاد في أعقاب احتلال الروس لأرض أجدادهم في القفقاس الشمالية الغربية، فقد احتلت روسيا القيصرية بلاد الشركس المسلمين، في حدود عام 1846 مما اضطر الشراكسة إلى ترك بلادهم، والهجرة في الديار الإسلامية للحفاظ على دينهم، وقد وصلت عشائر منهم واستقرت في عدد من المدن الأردنية، ومن أبرزها مدينة عمّان حيث سمي حي المهاجرين العريق باسمهم، وقد انصهروا في المجتمع الأردني، حتى أصبحوا من أهم مكونات هذا المجتمع، وأحد عوامل قوته ومنعته، فتمكن أرسلان من استلهام كل هذه العوامل والأحداث، وحولها إلى عشق وانتماء عميق لأمته ووطنه وأهله.

ويعد الفنان والباحث أرسلان رمضان عمّاني بكل ما في الكلمة من معنى، فقد ولد فيها عام 1934، ونشأ في كنف والده رمضان مامقة بكج، حيث تمتع برعايته والده فهو أبنه البكر، حيث كانت تسكن العائلة في حي المهاجرين في عمان، وقد عاش أرسلان سنواته الأولى بهدوء وسهولة، لكن لم تمهله الأقدار طويلاً، فما أن بلغ السادسة من عمره، حتى فجع بموت والده، فأصبح طفلاً يتيماً فجأة، ولا شك أن هذه الحادثة قد تركت أثرها العميق في نفسه، وهو في تلك العمر الصغيرة، ولم يخفف عنه وجع الفقد، غير رعاية والدته له ولإخوته، وخلال هذه الفترة التحق بمداس عمان، من أجل تحصيل العلم والمعرفة، وكان قد تشرب تفاصيل مدينة عمان، التي أخذت بالتوسع بشكل متسارع، وهذا جعل منها مدينة حية وضاجة بالحياة، بعد أن تحولت إلى مدينة جاذبة، وواعدة بمستقبل جاء كما خطط له.

بعد دراسته الصفوف الأولى في مدارس عمان، أتيحت له الفرص للانتقال إلى مدينة نابلس، وهناك التحق بمدرسة النجاح، من أجل إكمال دراسته فيها، وقد منحته هذه التجربة فرصة الاعتماد على نفسه أكثر، والاشتباك مع محيط جديد، وأن يتعرف على أصدقاء جدد، وعندما أنهى الصف السادس الابتدائي، لم يتمكن من إكمال دراسته لعدة ظروف، مما اضطره لمغادرة المدرسة، والاستعداد لخوض غمار الحياة العملية، بكل ما تحمل من مصاعب ومعاناة، خاصة وهو يدخلها صغيراً، ولكن بفكر متقد وطموحات كبيرة، وقد تمكن من تحقيق الخطوة الأولى من أحلامه، عندما قرر الالتحاق بالجيش العربي – القوات المسلحة الأردنية – في فترة بالغة الدقة سياسياً وعسكرياً في المنطقة، فقد أنضم إلى صفوف الجيش الأردني عام 1948، والجيش يخوض معارك حامية الوطيس مع القوات الإسرائيلية، في حرب الإنقاذ في فلسطين، ويبين أن انخراطه في هذا التوقيت في القوات المسلحة، عمق الانتماء والولاء للوطن والقضايا العربية، واستعداده للتضحية بروحه من أجل ما يؤمن به، فكان له شرف خوض عدد من معارك الجيش في فلسطين، وقد أدخلته هذه الحرب وما جرته على المنطقة برمتها من ويلات، في خضم المرحلة الحارة، فاكتوى بنارها وتوجع من نواتجها، التي لم تتوقف حتى يومنا هذا.

بعد تلك المرحلة انتقل أرسلان رمضان مامقة بكج، للخدمة في صفوف الحرس الملكي الخاص، في الديوان الملكي الهاشمي العامر، وقد أهله ما تمتع به من بنية جسدية مثالية، وحسن سيرته وانضباطه، بالإضافة لذكائه وشجاعته، لأن يكون ضمن تشكيلات الحرس الملكي الخاص، وكان بفضل ذلك قريباً من جلالة المغفور له الحسين بن طلال، وكان واحداً من ضباط الحرس الخاص المميزين، فبالإضافة لحرفيته العالية كعسكري محنك، كان متواضعاً وبسيطاً ومقرباً من رفاقه من مختلف الرتب العسكرية، وله مكانة بين أصدقائه وكل من عرفه، لصدقه وآمنته، ومحبته للحياة والفرح، وهو المعروف بجديته وبحثه الدائم عن الجديد المبدع، وخلال عمله في الحرس الملكي، رافق عدداً من الشخصيات العالمية في جولات سياحية وبحثية في ربوع الأردن، وقد فتح ذلك عينه على الكنز الكبير الذي تخبئه الأرض الأردنية، وقد أكتسب أساليب البحث العلمي والميداني، من خلال مرافقته لكتاب وفنانين وباحثين غربيين.

لم يتجاوز أرسلان رمضان الصف السادس الابتدائي، إلا أنه تمكن بفضل ذكائه وعمله على نفسه واجتهاده، من تحقيق مكانة في الكتابة والبحث والتصوير والتصميم والرسم، لم يبلغها كثير من الأكاديميين والمختصين، وهذا دليل على أصالة موهبته، ومقدرته على تطوير نفسه، وتوظيف التقنيات الحديثة، في عمله الفني والبحثي. فبعد خدمة ثمانية عشر عاماً في الحرس الملكي، أحيل على التقاعد بناءً على طلبه الخاص، وكان هذا التقاعد محطة أساسية لكي ينطلق باتجاه تحقيق أحلامه في الفن والكتابة، فقد كان عاشقاً ولهاً للطبيعة الأردنية، ومن هواة الصيد، وقد قاده وعيه إلى ضرورة ضبط هذه الهواية، من أجل المحافظة على البيئة، وما تحتويه من طيور وحيوانات برية، فأسهم في تأسيس « نادي الصيد الملكي « الذي تحول فيما بعد إلى « الجمعية الملكية لحماية الطبيعة « والتي تأخذ على عاتقها حماية الطبيعة بمكوناتها، وتأسيس المحميات الطبيعية، وتنظيم الصيد بما يحفظ الأنواع، ويحمي الحيونات المهددة بالانقراض.

قام أرسلان رمضان بتأليف باكورة أعماله، عندما أنجز كتابه الأول « صور من التراث الأردني الفلسطيني « وقد صدر بثلاث لغات: الإنجليزية، والفرنسية بالإضافة للعربية، ضم صور لشخصيات وأماكن وأحداث، منذ عام 1910، وتبعه بكتاب عمان بين « الأمس واليوم « وصدر بالإنجليزية والعربية، ونال الكتاب درع مدينة عمان، واشتمل الكتاب على مقارنة بين صور قديمة لعمان بأخرى حديثة صورها أرسلان لنفس الأماكن، لتوضيح مدى تطور عمان وازدهارها السريع، أما كتابه « طيور الأردن « والذي صدر عام 1992 بالعربية والإنجليزية، فقد استغرق إنجازه خمس سنوات من التجوال والمراقبة، من أجل التقاط الصور المطلوبة، وتوثيق هذه الطيور، والتعريف بها بشكل علمي ميسر، كما أصدر كتاب آخر بعنوان « طيور في سماء الأردن « هو إصدار خصصه للأطفال عام 1994، وفي عام 2002 أصدر كتابه « عمّان تاريخ وصور « أما كتابه « جلالة الملك المؤسس عبد الله بن الحسين « فقد صدر عام 2004، وصدر كتابه « أعلام ورايات الهاشميين « عام 2006، كما عمل على إنجاز « بوسترات عن الملوك الهاشميين « 2006، وقد نشر كتابه الأخير بعنوان « صور من ذاكرة الأردن « عام 2008، وقد تشرف بإهداء المغفور له الملك الحسين بن طلال، نسخ من كتبه الأولى بشكل مباشر، وحظيت جهوده بتقدير ومباركة المغفور له.

أنجز أرسلان رمضان أكثر من ثلاثمئة من بطاقات المعايدة تضم صور لطبيعة الأردنية، ومارس صيد السمك والرسم، وأهتم باقتناء اللوحات، وجمع الطوابع والكتب النادرة، بالإضافة لحبه للسفر وزيارة المتاحف العالمية، واهتمامه بالتراث الشركسي في الأردن، وأقام عدداً من المعارض الفنية، وقد نال خلال حياته مجموعة من الأوسمة الرفيعة منها: وسام الاستقلال الأردني، وسام الأرز من الجمهورية اللبنانية، وسام من الجمهورية التونسية، وسام من المملكة المغربية، وسام من الجمهورية الإيرانية، ووسام من المملكة الماليزية، بالإضافة إلى درع أمانة عمان، ودرع الجمعية الشركسية. أصيب أرسلان رمضان بمرض السرطان العضال، وعانى في آخر أيامه، حتى توفي في الثالث عشر من كانون الثاني عام 2011، وما زال فقده حاراً وموجعاً، رحمه الله بواسع رحمته.

عبدالهادي المجالي ... القلعة

|0 التعليقات
عبدالهادي المجالي
لكل وطن رجالاته الأوفياء الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتعمير من أجل إيجاد الحياة الفضلى للأجيال القادمة وتمجيداً لسيرة سلسلة من رواد الأردن وتقديراً لمواقفهم الخالدة ودفاعهم عن الوطن والأمة وعرفاناً بما قدموه لوطنهم وأمتهم من خدمات جُلىّ ، وإسهامات كبيرة في مسيرته ، وتبقى معالم مضيئة على طريق الأجيال القادمة من أبناء وطننا العزيز.

وعن هذه الشخصية والتي يشدنا عبق الكرك اليها ، يخبر عن استمرار بقاء رجالها على عهد الاردن فمن إرفيفان الى هزاع إلى حابس إلى عبد السلام ، نتحدث اليوم عن رجل سار على درب محتذيا بخطى من سبقوه الا وهو عبد الهادي المجالي تلك الشخصية وطنية الفذَّه وصاحبة الفكر والموقف ، قائد سلاح الهندسة الملكي في معركة الكرامة عام 1968 ورئيس مجلس النواب الحالي والقائد العسكري والسياسي ، والسفير الاسبق للأردن في الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسس حزب العهد.

ولد عبد الهادي عطاالله المجالي في مدينة الكرك عام 1934 وأكمل دراسته الابتدائية في مدرسة الكرك الثانوية ، بعد ذلك انتقل إلى عمان ليكمل دراسته الثانوية في كلية الحسين وهناك في عمان وجد الرعاية والاهتمام من شقيقة الدكتور عبد السالم المجالي رئيس الوزراء السابق والذي كان يعمل طبيباً في القوات المسلحة الأردنية ، وكذلك شقيقهم المرحوم عبد الوهاب المجالي ، وبعد أن حصل عبد الهادي على شهادة الدراسة الثانوية (المترك) والتي تؤهله لإكمال دراسته الجامعية سافر إلى سوريا لدراسة الطب وعند تعذر التسجيل في كلية الطب سافر إلى العراق فاختار دراسة الهندسة وكان ذلك عام 1952 وتخرج منها عام 1957م.

وهناك وفي العراق أعجبته فكرة حزب التحرير وذلك نظراً لكونه حزب عصري حيث كان يرأسه الدكتور عبد العزيز الخياط ، وعَمًلَ رئيساً لتحرير مجلة (صوت الكلية) هذه المجلة التي كان هدفها حث الشباب على السعي للتمسك بالعادات والاهتمام بالثقافة والعلم. لذلك وأثناء فترة دراسته الجامعية عَمًدَ فقط إلى المشاركة في النشاطات التي يقيمها حزب التحرير.

وتحدث عبد الهادي المجالي في لقاء مع مؤلفة كتاب بعيداً عن السياسة ، حول حياته العملية فقال: بعد عودتي إلى وطني باشرت عملي مساعداً لمدير أشغال محافظة العاصمة السيد حمد الله النابلسي. وبعد شهرين عينت مديراً لأشغال لواء معان ومديراً بالوكالة للواء الكرك وكنت مسؤولاً في ذلك الوقت عن الفي موظف وكان عمري آنذاك 22 عاماً ، فالظروف جعلتنا نتحمل المسؤولية منذ البداية وكنت أعمل لوحدي رغم صعوبة الاتصالات فعلمتني المسؤولية أشياء أهمها الاعتماد على النفس ، وخلال وجودي في معان كان فيها لواء عسكري بقيادة محمد أحمد سليم ، وكانت وفود عسكرية تزور اللواء وكنت من خلال عملي في معان أقدم مساعدات لاحتياجات اللواء وفي إحدى زيارات مدير أركان القوات المسلحة صادق الشرع إلى معان دعيت إلى حفل عشاء حضرة اللواء الشرع وعرض علي الالتحاق بالقوات المسلحة ، فرفضت الفكرة بداية وكان من الموجودين في حفل العشاء الدكتور غازي بقاعين وهو طبيب أسنان وطبيب أخرى عسكري وقد أعجبني مظهرهما باللباس العسكري فنقلت للواء الشرع موافقتي على الالتحاق بالقوات المسلحة شريطة أن أعين بنفس الرتبة العسكرية التي يحملها الطبيبان وهي رتبة نقيب (رئيس سابق) وهذا ما حصل بالفعل حيث ذهبت إلى قائد سلاح الهندسة خالد الطراونة وأخبرته بتعييني واختار لي موقعاً في دائرة الأشغال العامة وكانت الدائرة في ذلك الوقت ركناً صغيراً تابعاً لمديرية اللوازم العامة وكانت طبيعة العمل طرح عطاءات والإشراف عليها.

وبداية شعرت بالاختناق لكنني قررت نسيان الماضي لأبدأ مرحلة عمل جديدة ، وبعد فترة طلبت للتدريب العسكري في القيادة العامة في العبدلي وكانت الدورة مكثفة جداً وفي اللحظة التي بدأت أعمل بها بدأت أفكر بكيفية رفع مستوى الهندسة في قواتنا المسلحة حيث أن الطاقات والكفاءات متوفرة ورغم الصعوبات التي واجهتنا إلا أننا بدأنا بالمعالجة الداخلية ومن خلال قسم خاص استحدثناه بدأنا نعتمد على أنفسنا ونعين مهندسين جدداً وبالتدريج استطعنا إنشاء مديرية وكان العميد محمد توفيق الروسان مدير تموين وقد شجعني ودعمني ولكثرة مشاريع التموين تم إنشاء مديرية أشغال العسكريين عام م1959 فأصبحت دائرتنا مديرية وأصبحت مساعداً تنفيذياً لهذه المديرية ، وفي عام 1960 أرسلت في دورة إلى انجلترا لمدة 26 شهراً وعدت برتبة رائد عام 1962 لنبدأ بتحقيق طموح آخر حيث تم ضم سلاح الهندسة إلى الأشغال وأصبح سلاح الهندسة الملكي وكان قائده رجب أبو طالب واستمريت بالعمل في السلاح حتى عام 1967 حيث أصبحت قائداً لسلاح الهندسة وكان قوياً ولديه مشاريع ضخمة وكان نقطة إشعاع في القوات المسلحة وخلال وجودي بالسلاح دخلت دورة قادة الكتائب لمدة شهرين وكنت الأول على دفعتي وأصبحت على قناعة من خلال هذه الدورة أن أكثر الأشخاص الذين يستطيعون الإبداع هم الأشخاص الذين لديهم تفوق علمي لأن العسكرية تحتاج إلى عمليات حسابية ، حيث كنت الجامعي الوحيد بمجال الهندسة في ذلك الوقت عندما د خلت معترك الحياة العسكرية ومنها أعتقد جاءت فكرة إنشاء جامعة مؤتة حيث شجعت على إقامة مثل هذه الجامعة عندما كنت مسؤولاً في القوات المسلحة ليقيني أن العسكرية علم وليست فقط حمل السلاح وتدرجت في المواقع العسكرية الهامة حيث عينت مساعداً لرئيس الأركان حتى عام 1979 واستمررت رئيس أركان لمدة ثلاث سنوات.

وعندما عرض عليّ جلالة المغفور له الملك الباني الحسين بن طلال منصب سفير في واشنطن قال لي: إننا بحاجة لك في واشنطن وأن علاقاتنا مع الأمريكان ليست كما يجب وهي أكثر من %60 علاقات عسكرية وكونك سفيراً عسكرياً ممكن أن تتحسن العلاقات فقلت لجلالته: إذا كان الأمر بالنسبة لي موضوع وظيفة فإنني سعيد جداً أنني وصلت لرتبة فريق ورئيس أركان وقد فهمت في ذلك الوقت أن تكليفي لم يكن ترضية وإنما وجودي في هذا الموقع السياسي قوة في السلك الدبلوماسي واستمريت لمدة سنتين سفيراً في واشنطن.

لقد مارس عبد الهادي المجالي عام 1983 العمل في مجال الدراسات العسكرية الإستراتيجية وفي عام 1985 جرى تعيينه مديراً للأمن العام لمدة أربع سنوات وقد عمل على تنظيم هذا الجهاز وتطويره ولأن الله قد حبا الأردن وطن الأحرار بالحياة الديمقراطية والقدرة على التعبير عن الرأي وحق المواطنين بتشكيل الأحزاب ولأن النظام السياسي في الأردن من أفضل الأنظمة بالعالم العربي فقد عَمًد السيد عبد الهادي المجالي. مع عدد من الشخصيات الأردنية على تشكيل حزب العهد وقد تم انتخابه أميناً للحزب وهو يرى أن العمل الحزبي من أصعب الأعمال التي يمارسها الإنسان وذلك لعدم سهولة اكتشاف ما يدور في عقول الناس.

وها هو عنبرة الكرك وأحد أبراج قلعتها يختار قبة البرلمان ليستطيع محاكاة متطلبات واقع الحاجات المتزايدة ولأن إحساسه بالمسؤولية يحتم عليه مسؤولية إيجاد تيار وسطي وطني تجتمع حوله كافة الزعامات الوطنية ليثبت وبابتسامته الهادئة وعمق نظره وحضوره المهيب أن الأردن موطن الرجال الذين تحملوا مسؤولية البناء والتطوير في شتى الميادين من أجل الوصول إلى حياة أفضل والسعي إلى مراتب العز ، فمنذ عام 1997 وهو النائب المدافع عن حقوق الناس الذي يحص على إيصال صوت المواطن لكل مسؤول من خلال إشتراكه في مجلس النواب الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر الذي يشغل الآن رئاسته بالإضافة إلى رئاسة كتلة جبهة العمل الوطني البرلماني الوطني ، ليتم تصنيف عبد الهادي المجالي في صفوة الرجال الذين خدموا بلدهم على كافة الأصعدة وفي مختلف الميادين فمواقفه الثابتة وعطائه المستمر للمواطن فَعُرف بطيبته وكرمه وتواضعه وسمو أخلاقه فسعيه لتأسيس التيار الوطني الأردني كان من أجل تأصيل محبة الأردنيين لوطنهم ولجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم.

وكان عبد الهادي المجالي قد استلم حقيبة وزارة الأشغال العامة في الأردن عام 1996 ليتم في العام الذي يليه انتخابه عضواً في مجلس النواب.

إن ثمة محطات كثيرة ومواقف جليلة يمكننا التوقف أمامهما في تجربة عبد الهادي المجالي...محطات تبدأ من حبه الكبير الملفت للنظر لوطنه وقيادته ، وإخلاصه لهما فتراه قد قدم رأيه وقدر الأمور أفضل تقدير فكان أبرز رجالات الأردن. امتاز بروحه العربية الصافية وعواطفه القوية لطيف المعشر والحديث يتميز بدبلوماسيته البارعة وأسلوبه البارز في الحياة والعمل كما يعتبر من الساسة البارزين القلائل الذين جمعوا بين الإخلاص لبلادهم والوفاء لمتطلبات السياسة.

جورج حداد ... شيخ الصحافيين

|0 التعليقات
جورج حداد
يعد الحديث عن شخصية الراحل جورج حداد "أبو أدونيس" حديثا عن أبرز رواد الحركة الثقافية والإعلامية الأردنية ، فهو المثقف والسياسي والحزبي والصحافي الجريء ، فارس الكلمة الحرة التي أعلت بنيان مسيرة نضال عاشها قلباً وقالباً مشرعاً قلمه ليكتب بمداده إيمانه بالوحدة العربية والقضية الفلسطينية حيث كشف في وقت مبكر خطر الصهيونية وتهديدها للأمن القومي للعرب وناهض الصهيونية ورفض وجودها ، وخشي من تهويد المسيحية فدافع عن ديانته كما دافع عن المقدسات المسيحية والإسلامية من ادعاءات وأكاذيب الغرب ، وظل حتى أنفاسه الأخيرة مؤمناً بأمته العربية وبقدرتها على إعادة هيكلة ذاتها وعودة العزة والمجد والفخر لها كونها أمة تستحق ذلك فهي أمة الكرامة والكبرياء. 

قيل عنه إنه أبرز كاتب في جريدة "الدستور" الغراء وهو شيخ الصحافيين فيها حيث كانت زاوية "هزة غربال" والتي ينتظرها رقم قياسي من القراء كل يوم خميس شاهد عيان على أن الكاتب "جورج حداد" شكل ظاهرة غير عادية بملامسته للواقع وبطرحه قضايا اجتماعية سياسية فكرية واقعية بميزة خاصة تجمع بين عمق الموضوع وبساطة أبي أدونيس وعفويته وجمالية عبارته وكلماته الغنية بطيبة الفلاح البار لوطنه وبإيماءات الأخ والصديق والابن المقرب. 

ولد جورج حداد في مدينة السلط العام م1934 وتابع تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدرسة العروبة في إربد وكان من أصدقائه في الدراسة: زياد أو غنيمة وسامح الرجال وغسان زيتون ، وبعد ذلك حصل على شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها من جامعة بيروت العربية ثم عمل في وزارة التربية والتعليم لمدة خمسة عشر عاماً في محافظة إربد وقراها لينتقل بعد ذلك إلى عمان العام م1971 للعمل في القسم السياسي في الإذاعة الأردنية كمعلق سياسي حيث عمل على إعداد برنامج عبري موجه وكان برنامجه الوحيد الذي نجح في العالم العربي بشهادة جامعة الدول العربية ، بعد ذلك عَمًل محللاً سياسياً في التلفزيون الأردني ، كما عمل كاتباً سياسياً بشكل يومي في صحيفة الرأي منذ تأسيسها وحتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي ، ثم انتقل للعمل في صحيفة "الدستور" ككاتب يومي واستمر فيها حتى مماته. 

وخلال فترة عمله في التلفزيون الأردني قام الراحل حداد بتأسيس القسم العبري وعُين رئيساً له وكانت لأعماله من نشرات إخبارية وتعليقات سياسية آنذاك التأثير الأكبر داخل المتجمع الإسرائيلي حتى وصفته غولدا مائير إبان حرب العام م1973 قائلة: "بتاريخ دولة إسرائيل لم تتعرض لحرب نفسية شرسة كالتي شنها تلفزيون الأردن" ثم عين مديراً لدائرة الأخبار في التلفزيون العام م1974 ومن ثم مستشاراً سياسياً في وزارة الإعلام. 

كان الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية مولعاً بقراءة مقالات الراحل حداد ، نظراً لغنى محتواها بالأفكار والمبادئ القيمة لدرجة يجد القارئ نفسه متلهفاً لقراءة أفكار أبي أدونيس الذي لم تحد بوصلة قلبه يوماً عن سمو الأفكار والاعتزاز بالهوية الأردنية ليضرب أروع المثل بالوضوح والشجاعة ودقة الموقف وصلابة الرأي في القضايا الحساسة والمصيرية. 

جمعته علاقة طيبة مع الشهيد الراحل "وصفي التل" رئيس وزراء الأردن وكان أبو أدونيس ينظر إليه على أنه قومي عربي والتقى هذان الثنائي بوطنيتهما وعشقهما للتراب الأردني ومحبة الناس والوقوف على همومهم وأوجاعهم ، وفي حديث له عن الشهيد وصفي التل قال أبو أدونيس: وصفي قومي عربي ظُلم كثيراً أراد أن يكون الأردن قوياً كركيزة ومنطلقاً لوحدة الهلال الخصيب. وأضاف في حديث له مع الأستاذ ماجد الأمير قائلاً: كان وصفي قومياً وقائداً عربياً وفلسطين كانت محور حياته ، والثأر لهزيمة العام 1967 كان أيضاً محور حياته وكان الشهيد التل ضابطاً في الجيش السوري العام م1948 واعتقله حسني الزعيم وسجنه ، وهو أحد أعضاء حركة القوميين العرب ، حيث عمل في الجيش البريطاني بناء على حركة القوميين العرب التي طلبت من العديد من أعضائها الانتساب للجيش البريطاني واستغلال التدريب فيه ، وفي العام م1948 أصبح وصفي قائداً في جيش الإنقاذ العربي وأراد أن يواصل القتال ضد اليهود رغم إعلان الهدنة لكن حسني الزعيم اعتقله". 

انضم الراحل جورج حداد إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي وفي حديث له عن نشاطه الحزبي قال: الحزب القومي السوري الاجتماعي لم يؤيد الوحدة بين مصر وسوريا لكنه لم يعمل ضدها ، ولا نعتقد أن العالم العربي أمه واحدة بل هو أربعة أقاليم لأربعة شعوب هي: الهلال الخصيب ، الجزيرة العربية ، وادي النيل "مصر والسودان" والمغرب العربي ، والأصل أن يتم توحيد كل إقليم على حدة ثم تتشكل جبهة عربية واحدة ، لهذا السبب لم نؤيد وحدة مصر وسوريا لأننا نؤمن بوحدة الهلال الخصيب في البداية وباقي الأقاليم. 

أما عن نكبة العام م1948 وما تبعها من مساعدات قدمها أهالي إربد لأشقائهم اللاجئين فجاء قوله: "بدأنا بتقديم المساعدات لهم من أهل المنطقة ولأول مرة دخل إلى قاموسنا مصطلح "لاجئين" ، وذهب العديد من رجال إربد للجهاد في فلسطين مستقلين شاحنات نقل "تركّات" ، والحياة كانت بسيطة في ذلك الوقت حيث كانت مدن إربد والسلط قرى كبيرة وكانت الحياة خالية من الضغوط المادية لكنها مليئة بالقيم الروحية والخلقية وقبل العام م1948 كان ارتباط إربد بحيفا وطبريا ودمشق أكثر من ارتباطها بعمان والكرك في الشؤون الحياتية والاقتصادية والاجتماعية. 

وخلال فترة الخمسينيات كان هناك العديد من الأحزاب المتنوعة في أفكارها ومبادئها وكان العمل الحزبي ضرورة أساسية في حياة الأفراد كالمأكل والمشرب والملبس ومن أبرز الأحزاب التي كانت موجودة في تلك الفترة: الحزب الشيوعي ، حزب البعث ، الإخوان المسلمين ، الحزب القومي السوري الاجتماعي. 

وتابع أبو أدونيس قائلاً: أبو غريبة قال لي أن المعلمين في فلسطين كانوا يحرضون تلاميذهم على عدم استعمال كلمة فلسطين وذلك رفضاً لمؤامرة التقسيم "سايكس بيكو" وحتى العام م1936 كانت بلاغات الثورة في فلسطين توقع باسم (الثورة السورية - فلسطين) ، إن المؤتمرات التي عقدت في القدس في العامين 1919 1920و عقدت باسم (المؤتمر السوري - فلسطين) وأحد هذه المؤتمرات كانت برئاسة هاشم الأتاسي الذي أصبح بعد ذلك رئيساً للجمهورية السورية ، أما مؤتمر القدس الذي عقد العام 1920 فقرر بالإجماع رفض انسلاخ فلسطين عن سوريا ويدلل على النظرة الوحدوية للناس أن الشيخ كايد المفلح العبيدات (أول شهيد أردني على أرض فلسطين) قاد عشيرته العام 1920 لقتال اليهود في فلسطين ، فالشيخ لم يذهب للقتال لأن الفلسطينيين شعب شقيق بل ذهب لأنه كان يعتبر نفسه وعشيرته والأردنيين والفلسطينيين شعباً واحداً. 

برز اهتمام الراحل حداد بكتابة الأغنية الأردنية التي رسمت طريق التراث الأصيل وكانت كلمات أغانيه تبث عبر أثير العديد من الإذاعات العربية للتأكيد على جمالية التراث الأردني الذي ساهم أبو أدوينس بتحديد معالمه. 

لقد شكَّل غياب "جورج حداد" عن ساحة العمل الصحفي - تاركا تراثاً عظيماً بأهميته ومضمونه للأجيال القادمة ، ليبقى مكانه في صحيفة "الدستور" الغراء خالياً من فكره المتألق وذوقه الراقي الرفيع - فجيعة في القلب لكل من عرفه أو سمع به ، حيث هبّ أصحاب الفكر والسياسة لذكر مناقبه وصفاته فقد قال فيه الأستاذ محمد حسن التل رئيس التحرير المسؤول بجريدة "الدستور": "من أصعب الأمور على النفس والروح أن يتهاوى من تحبهم ومن عشت في ساحاتهم واحداً تلو الآخر ، فقد كان أبو أدونيس مدرسة في الصحافة النظيفة ، والفكر العروبي النظيف وشكل حالة خاصة في هذه الميادين على امتداد عقود طويلة". 

"أما رئيس مجلس الأعيان السيد طاهر المصري فقال فيه: جورج حداد عاش من أجل رسالة آمن بها وبقي ناسكاً زاهداً في الحياة ليكون مثالاً يحتذى به في الخلق والعفة ونظافة اليد والفكر ، فالأمة بدون رسالة تكون أمة تائهة وضائعة ، وقد دعا الراحل جورج حداد إلى العمل على نهوض الأمة من خلال تحديد وتجديد تلك الرسالة العظيمة التي حققت فيها الأمة أكبر انجازاتها". 

وحول رحيل أبي أدونيس تحدث الشاعر حيدر محمود قائلاً: "إذا كانت "الصحافة" مدارس متعددة الاتجاهات والميول والأفكار ، فإن "الدستور" بالذات تبقى المدرسة التي جعلت من الحوار الهادئ الرصين عنوانها الرئيسي ومن الطبيعي أن يحضر في هذا السياق الراحلون الكبار: محمود الشريف ، وكامل الشريف ، وجمعة حماد ، ليكونوا في طبيعة الكوكبة التي أسست لذلك النهج من تآلف الألوان على اختلافها وتداخلها وتفاعلها جنباً إلى جنب مع أبي بلال ، وأبي أدونيس وغيرهما من هذه الأسرة الكريمة "أسرة الدستور" لتُخرج مواكب كثيرة وكبيرة من الذين لم يفسد اختلاف آرائهم وتوجهاتهم للود قضية". 

وتحدث وزير الإعلام والاتصال الأستاذ طاهر العدوان قائلاً: "بقي الراحل جورج حداد على الدرب الذي اختاره بعناد ورجولة ، يصوغ كلماته ومبادئه وأفكاره وأحياناً عواطفه وكأنها طقس ديني فهو يعتقد أن فهم ووعي خطورة "المؤامرة اليهودية" يجب أن يكونا جزءاً من تفسير تردي حياة ومصائر العرب الذين يعانون من الانقسام والهزائم". 

أما د. رؤوف أبو جابر وهو أحد الأصدقاء المقربين من الراحل حداد فتحدث قائلاً: "سعدت بصداقتي لأبي أدونيس هذه السنين الطوال وكنت أقدر له هذه الجولات في عالم الصحافة دفاعاً عن العروبة ونهضتها وكنت أعتز بحملاته الشجاعة في الدفاع عن عروبة القدس ومؤسساتها وأهمية قيام كل عربي بواجبه في صيانة أوقافها سواء الإسلامية أو المسيحية منها لأنها الذخيرة والتراث الذي سيعين أهل القدس في الصمود على أرضهم ومواجهة هذا العدوان الاستيطاني الغادر ، كان جورج - رحمه الله - عربياً وكانت له نفثات مستحبة رغم شدتها لأنها كانت تصدر عن نفس نبيلة مدعومة بالمحبة والرجاء والإيمان بأن الحق أقوى ولو طال الزمن". 

وهكذا شكل رحيل "جورج حداد" خسارة فادحة كونه أبرز الكتّاب القلائل المتسلحين بثقافة واسعة وبنظرة ثاقبة لأدق الأمور المتعلقة بالمصير العربي وكشف زيف العدو الصهيوني ، غاب فارس الكلمة الصادقة وشيخ الكتّاب الأردنيين وعميد الصحافيين الأشاوس لكن ذكراه باقية بيننا نستطلعها بقراءة كتاباته المتسمة بدرجة الوعي العالية وبكل معاني الصدق والالتزام.

الدكتور سعيد مصطفى وهبي التل .. رجل التطوير والتحديث

|0 التعليقات
د. سعيد التل
تزخر الأرض الأردنية برجالاتها الشوامخ الذي ساهموا في بناء الأردن تحت قيادة هاشمية حكيمة، فأخذوا على عاتقهم شرف الولاء والانتماء مقدمين الغالي والنفيس فداءً لوطنهم وأمتهم هم وآباؤهم من قبلهم، وعند الحديث عن شخصية علم ورمز من رموز الدولة الأردنية فإن المرء يحار من أين يبدأ وأين ينتهي، وربما قد لا يجد الكلمات التي يستحقها أو الوصف الذي يجب أن يوصف به، أنقول أنه ابن شاعر الأردن (عرار)؟ أم نقول أنه شقيق الشهيد وصفي التل؟ أم نقدمه بإنجازاته الكبيرة التي صنعها خلال تنقله في الحقائب الوزارية المتعددة إنه الدكتور سعيد التل (أبو نواف).

ولد الدكتور سعيد مصطفى وهبي التل في مدينة إربد عام 1934م وهو ينحدر من عائلة عريقة ومعروفة وهي عائلة التل أما عن أصول عشيرة التل فقد ذكر اللفتنانت فريدرك بيك في كتابه «تاريخ شرقي الأردن وقبائلها» أن اسم التل التصق بعشيرة آل التل لأنه عندما قَدِمَ جدّهم من الحجاز إلى شرقي الأردن نزل في عمّان واتخذ من التل الذي تقع عليه القلعة مسكناً له فأطلق اسم التل عليه وعلى نسله من بعده، ولم يلبثوا أن غادروا عمان بعد أكثر من ثلاثين عاماً من سكناهم فيها ليستقروا في إربد وليصبحوا من أعرق عشائرها.

لقد تقلد أفراد عشيرة التل العديد من المناصب القيادية في الدولة الأردنية، ومن أبرز رموز هذه العائلة شاعر الأردن مصطفى وهبي التل (عرار) الذي يصنف في تاريخ الأدب الأردني على أنه أبرز الأدباء والمثقفين الأردنيين حيث التزم بقضايا الوطن والمواطن فدافع عن الناس وعن حقوقهم ليكون قمة شامخة يشار لها بالبنان في تجسيده لمعاني الشرف والرجولة فهو بحق الرجل الموقف وصاحب الكلمة الصادقة فوجد في الشعر متنفساً للتعبير عن الواقع فتألق في إبداعاته وأبداع في عطاءته وهكذا فقد سار نجله وصفي (شهيد الأردن) على خطى والده فرفض الظلم وثار عليه فانتهج العمل السياسي سبيلاً لإعادة الحقوق المسلوبة لأصحابها مدركاً وفي وقت مبكر خطر المشروع الصهيوني على الأمة العربية فقضى شهيداً ورمزاً للانتماء والولاء لوطنه وعروبته.

لقد تحمل الشهيد وصفي التل المسؤولية في وقت وظرف صعبين فكان الأقدر على ذلك فأحبه جميع الأردنيين بصدق لأنه هو سبقهم في ذلك فشعر بأبناء وطنه الأردنيين الذين كان يراهم على الدوام رموز الأصالة والطيبة والعطاء.

وبالعودة للحديث عن أحد أبناء عائلة التل وهو الدكتور سعيد التل نجده أنه لم يختلف عن والده وشقيقه في تبني المبادئ والأفكار الهامة التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن من خلال اتخاذه العديد من القرارات أثناء تنقله في المواقع القيادية الهامة.

حصل الدكتور سعيد التل على شهادة الدراسة الثانوية عام 1951م ثم نال شهادة الثانوية المصرية عام 1953 وقد تابع تعليمه في جامعة عين شمس في مصر ليحصل منها على درجة البكالوريوس في الرياضيات والتربية عام 1957م ونال درجة الماجستير في التربية عام 1960 والدكتوراه في فلسفة التربية من جامعة بتسبرغ في الولايات المتحدة الأميركية عام 1963م. ثم عمل معلماً في مدارس إربد وفي دار المعلمين في حواره ثم مديراً لدار المعلمين في عمان في الفترة ما بين (1951-1965)م بعد ذلك انتقل ليعمل مستشاراً ثقافياً في بيروت من (1965-1969)م ثم عَمِل أستاذاً جامعياً في الجامعة الأردنية من (1969-1972)م وعميداً لكلية التربية في الجامعة الأردنية من (1973-1980) قبل أن يستلم حقيبة وزارة المواصلات ليجيء بعد ذلك وزيراً للإعلام في حكومة الشريف عبد الحميد شرف المشكلة في 19/12/1979م، ثم شغل نفس المنصب في حكومة الدكتور قاسم الريماوي المشكلة في 3/7/1980م، ثم شغل منصب وزير التربية والتعليم في حكومة الرئيس مضر بدران المشكلة في 28/8/1980م والتي استمرت حتى عام 1984 وخلال هذه الفترة تولى رئاسة المؤتمر العام الثاني والعشرون لليونسكو ثم شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي في تعديل جرى في 1/12/1993 على حكومة الدكتور عبد السلام المجالي المشكلة في 29/5/1993م. وفي عام 1989 عُين عضواً في مجلس الأعيان ليعود بعد ذلك وفي عام 1991 وزيراً للتعليم العالي إضافة لعمله كعين.

ترك الدكتور سعيد التل بصمات واضحة مهمة تدرج تحت مسمى السعي الدؤوب لتطوير الوزارات التي شغلها فعندما شغل منصب وزير المواصلات قام بتأسيس البريد الأردني وعندما كان وزيراً للإعلام في حكومتي الشريف عبد الحميد شرف والدكتور قاسم الريماوي عَمِلَ على تأسيس مجلس التوجيه الوطني للإشراف على وسائل الإعلام ووضع سياسة لها وتنفيذها كما قام بإطلاق اسم (بترا) على وكالة الأنباء الأردنية المشهورة، وخلال شغله منصب وزير التربية والتعليم في حكومة السيد مضر بدران الثالثة عَمِل الدكتور التل على تطبيق مبدأ اللامركزية في الإدارات التربوية، كما قام بإدخال مفهوم كليات المجتمع إلى النظام التربوي الأردني ووضع امتحان شامل للطلبة الذين يكملون الدراسة منها، بالإضافة إلى قيامه بتأسيس متحف الكتاب المدرسي والذي يعتبر الأول من نوعه في العالم كونه يضم نماذج متنوعة من المناهج التي اعتمدت سابقاً في المدارس الأردنية، وبسبب قصر المدة التي بقي خلالها وزيراً للتعليم العالي فإنه لم يستطع تحقيق الإنجازات والأهداف التي كان يطمح لها والتي بلا شك ستكون لا تقل في الأهمية عن انجازات الدكتور التل التي حققها أثناء تنقله في الوزارات المتنوعة التي شغلها.

ونظراً لجهده الدؤوب وسعيه المتواصل من أجل تطوير وتنمية المواقع القيادية التي شغلها في الدولة الأردنية، ولأن لكل مجتهد نصيب فقد حصل الدكتور سعيد التل على العديد من الأوسمة المهمة من عدد من الدول منها وسام الأرز اللبناني ووسام جوقة الشرف الفرنسي ووسام الكوكب الأردني والكثير من الأوسمة الأخرى.

يعد أبو نواف واحداً من أبرز الشخصيات الأردنية الذين آمنوا بانتمائهم للأرض الأردنية أرضاً وشعباً وقيادةً وثقته بالأردن والأردنيين لا حدود لها ذلك لأنهم انتهجوا مبادئ الثورة العربية الكبرى (ثورة العرب) كدستور لحياتهم، كما آمن الدكتور التل بضرورة الوحدة العربية التي تضمن اتحاد كل أقطار الأقاليم الخمسة التي يتكون منها الوطن العربي، فشخصيته القومية والعروبية جعلته يقف ليقول: أنا أرى أن الوحدة العربية يجب أن تبدأ في اتحاد أقطار كل إقليم من أقاليم الوطن العربي ومن هذا المنطلق أطمح وأتطلع لأن يكون الأردن دولة في اتحاد لدول الهلال الخصيب أي أن يكون في اتحاد فدرالي مع سوريا والعراق ولبنان وفلسطين العربية.

قام الدكتور سعيد التل وبمشاركة مجموعة من أصدقائه بتأسيس جامعة عمان العربية للدراسات العليا وصار رئيساً لها بالإضافة إلى عضوية مجلس أمناء الكلية العربية ولأن رجل المواقف ويقدم الكثيرون أن ينتظر مقابل فقد قام بإهداء مكتبه الخاصة والتي تحوي أصنافاً من الكتب القيمة والهامة كهدية منه إلى جامعة عمان العربية للدراسات العليا.

إن الدراسة الواعية والمنصفة لشخصية الدكتور سعيد التل تبين لنا أننا أمام شخصية وطنية حدد لنفسه موقعاً وموقفاً من كل الظروف المحيطة به، هكذا هو سعيد التل رجلاً أثبت في كل المواقع التي تقلدها قدرته على العطاء وتقديم النفع لكل صاحب حاجة فهو دائم البحث عن الحق والعدالة وهو الصادق في أفعاله وأقواله.

معالي السيد سليمان عرار ... رجل المهمات الصعبة

|0 التعليقات
سليمان عرار


لكل وطن رجالاته الأوفياء الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتعمير من أجل إيجاد الحياة الفضلى للأجيال القادمة وتمجيداً لسيرة سلسلة من رواد الأردن وتقديراً لمواقفهم الخالدة ودفاعهم عن الوطن والأمة وعرفاناً بما قدموه لوطنهم وأمتهم من خدمات جلّى ، وإسهامات كبيرة في سيرته ، لتبقى معالم مضيئة على طريق الأجيال القادمة من أبناء وطننا العزيز.

فالحديث عن الشخصيات الأردنية هو حديث عن رجال عظام كان عطاؤهم موصولاً ، فقد كان الهدف العام بالنسبة إليهم هدفاً سامياً يؤدونه خدمة للوطن وللأمة لا لتحقيق المنافع الخاصة وإن كنا نقرأ سيرة حياة هذه الكوكبة من رجالات الأردن وروادها فإنما نقرأ بهم أيضاً سيرة غيرهم من الكواكب التي أضاءت سماء الأردن وزرعوا للمجد بذوراً على امتداد تراب هذا الوطن الغالي ، وفي أنحائه المختلفة من شتى أصولهم ومنابتهم. ويعد السيد سليمان عرار واحداً من أهم الرجالات في الدولة الأردنية حيث ترك بصمة واضحة تسجل له في تاريخ وطننا العزيز.

تقع مدينة معان على حافة البادية إلى الجنوب من عمان وعلى مقربة من معان تقع أذرح التي جرى فيها التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، أما الحميمة والتي جرى فيها تخطيط الثورة التي أدت إلى انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية فتقع بين معان والعقبة وقد كانت معان مركزاً أساسياً وتجارياً لسلطة المعينين لوقوعها على الطريق الرئيسي بين الجزيرة العربية وبلاد الشام ونزلت بها جيوش المسلمين في القرن السابع الميلادي وهي في طريقها لمعركة (مؤتة) ووصفها الجغرافيون العرب بأنها مدينة صغيرة سكنها بنو أمية وعشائرها من سبعة بطون وكان موسم الحج يقسمها إلى قسمين.

ولمدينة معان صلة وثيقة بتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية حيث كانت منطلقاً لأحداث تاريخية كبيرة فقد وصل المغفور له الأمير عبدالله بن الحسين ثائراً على ما حل بالشام من ظلم الفرنسيين في محاولة لجلالة الملك المؤسس رحمه الله استرداد ذلك الحكم الاستقلالي وذلك عام (1920) وإلى مدينة معان وصل أحرار العرب من سوريا ولبنان وفلسطين من أجل التواصل مع الملك المؤسس لتحرير البلاد.

ولد السيد سليمان عطاالله عرار في مدينة معان عام (1934) وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة وادي موسى وفي معان ووادي موسى أنهى المرحلة الإعدادية ليبدأ المرحلة الثانوية في الكلية الإسلامية في عمان وينهى المرحلة ذاتها في مسقط رأسه معان. ومن هناك أي من مدينة معان إلى مصر لدراسة التوجيهي المصري بعد أن أكمل المرحلة الثانوية قرر الالتحاق بالجامعة لدراسة الأدب العربي كونه ومنذ نعومة أظفاره ظهرت لديه ملكة الشعر فقد كان حافظاً لمعظم القصائد البدوية المغناة وكان نظمه للقصائد الشعرية وفي فترة مبكرة من مراحل حياته دليلاً عما يتحلى به من ثقافة واسعة وسمو الإحساس.

ومما يجدر ذكره أن سليمان عرار قد تميز عن أبناء جيله بما كان يتمتع به من قدرة عالية على كتابة مواضيع الإنشاء وكان أساتذته في المدرسة وفي الكلية الإسلامية يشيدون بالمواضع الإنشائية التي كان يكتبها من حيث الأسلوب والصياغة.

رغب سليمان عرار بدارسة الأدب العربي ولكنه أخذ بنصيحة صديقْ لوالده عندما قال له: "يا بني الأدب العربي لا يحتاج إلى دراسة ويمكنك أن تتثقف به من خلال مطالعاتك وكتاباتك ، وأنا أنصحك بدراسة صنعة تستفيد منها ، وأقرب هذه الدراسات هي الحقوق" وبالفعل فقد درس الحقوق في جامعة الإسكندرية آخذاً بنصيحة صديق والده.

أكمل سليمان عرار دراسته الجامعية وعاد مباشرة إلى الأردن ليعمل في ديوان المحاسبة وفي عام (1961) وتحديداً في حكومة المرحوم وصفي التل عَمًدَ سليمان عرار ليقدم طلباً للعمل في وزارة الخارجية فتم تعيينه ملحقاً في السعودية والجزائر والرباط ثم نُقل إلى عمان ليعمل في وزارة الداخلية وذلك عام (1971م) كمتصرف لواء (مساعداً لمحافظ الكرك) وبعد ذلك النقل عمل على تقديم استقالته ليأتي مديراً للمؤسسة الصحفية الأردنية ورئيساً لتحرير جريدة الرأي الأردنية بعدها جرى انتخابه نقيباً للصحفيين الأردنيين حيث صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه عضواً في المجلس الوطني الاستشاري بتاريخ 5 ـ 4 ـ 1978 وكذلك للمرة الثانية في 20 ـ 1 ـ ,1980

عَمًل سليمان عرار مديراً لمكاتب الاتحاد الوطني حيث أتاح له هذا العمل فرصة زيارة مختلف مناطق الأردن. وقد صدرت الإرادة الملكية السامية بتاريخ 13 ـ 7 ـ 1976 بتعيين سليمان عرار وزيراً للداخلية فعندما كان يقوم بتأدية مناسك العمرة اتصل معه دولة السيد مضر بدران وأبدى رغبته بأن يكون سليمان عرار وزيراً في حكومته فجاء وزيراً للداخلية. وبتاريخ 20 ـ 2 ـ 1979 صدرت الإرادة السامية بتعيينه وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء وفي العام التالي جاء وزيراً للزراعة ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء وذلك عام ,1980

طالب سليمان عرار بتشكيل الأحزاب وذلك عندما تم تعيينه وزيراً للداخلية بتاريخ 28 ـ 8 ـ 1980 وفي ذلك يقول: "عندما كنت وزيراً للداخلية طالبت بتشكيل الأحزاب وقد قابلت أنا والدكتور سعيد التل وعلي السحيمان جلالة الحسين وطلبنا إلى جلالته السماح بتشكيل أحزاب وكان جلالته متفهماً جداً لطلبنا ، إلا أن الوقت ربما لم يكن مناسباً ، هذا ما كان عام (1981) وأذكر أننا في الاجتماع الثاني مع جلالة الحسين استمر نقاشنا في الموضوع الساعة العاشرة صباحاً حتى الخامسة مساء هذا بالإضافة إلى حديث أجراه معي التلفزيون الأردني حول موضوع تشكيل الأحزاب وذكرت حينها أنني من المؤيدين لإعادة العمل بقانون الأحزاب وأنه لو كان هناك قانون للأحزاب لكنت أول من سعى لتأسيس حزب فالإنسان عندما يكون في العمل العام قد يتعرض للتجريح ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يتم العمل العام؟ وكيف تتشكل الأحزاب بالعالم؟ اعتقد أن الطموح وارد بل وضروري جداً ولكن للأسف أن الهمس والحسد والكلام المبطن تظهر نوايا اعتقد أنه من الضروري تجاوزها.

رفض سليمان عرار وصفه بالإقليمية وفي ذلك قال: "أنا عربي مسلم ولكن لا تغفلني عروبتي عن صفات يختص الإقليم وأنا لا أستطيع أن أتحدث عن أمزجة شعوب أخرى وإن كان حبي وانتمائي للأردن كبيراً وهذا ليس له علاقة بالإقليمية وهي مرفوضة تماماً ويذكرني الفيلسوف لينين قوله لن تكون أممياً ما لم تكن وطنياً فمن لا يحب أطفاله لا يمكن أن يحب أطفال غيره. ومن لا يحب الأردن لا يحب العرب ولا المسلمون ، وأنا أعتز بأردنيتي ولا أفضل على طعامي طعاماً وأن حبي لبلدي لا علاقة له أبداً بالمفهوم البعيد عن العروبة والوحدة العربية.

ساهم سليمان عرار في الحقل التطوعي الخيري فقد تم انتخابه رئيساً لجمعية أبناء معان الخيرية بعمان بتاريخ 19 ـ 4 ـ 1981 كما أنه كان أحد أعضاء جمعية الصديق الخيرية بالزرقاء لأبناء معان منذ أن كان مدير عام الاتحاد الوطني العربي الأردني ، وهو يرى أنه ومن خلال العمل في القطاع الخاص تستطيع أن تكشف كل عيوب القطاع العام وإحباطاته وبيروقراطيته وفوضاه.

لقد عصفت بحياة سليمان عرار العديد من الظروف الصعبة أبرزها وفاة ابنه محمد رحمه الله حيث غمره هذا الحدث بالحزن وأصبح قريباً إلى الزهد مسكوناً ومغموراً بالحزن الشديد والحدث الآخر هو حادثة الطائرة التي كادت أن تودي بحياته وفي ذلك يقول سليمان عرار: "هذه الخواطر مرت أمامي بزخم أحداثها كشريط أستطيع أن أقول عنها أنها نوع من المذكرات لكنها ليست مذكرات بقدر ما هي تداعيات جرت إليها الحالة. ولا شك وأنا في الطائرة انتابني خوف شديد جرني لأتذكر المرة الأولى التي خفت بها في حياتي عندما كنت طفلاً لكن ما حصل في السماء لم يكن خوف أطفال بل وقائع حصلت أمامي ذكرتني بكل ما حدث لي لأسرد هذه القصة التي تمنيت لو كانت أطول مما خرجت عليه لكنني في نفس الوقت خشيت أن تفقد عامودها الفقري.

عُرف عن سليمان عرار أن مظهره الخارجي عابس وجاد جداً في الوقت نفسه تجده مرحاً ومحباً للنكت وجلسته ممتعة.

يُسجل لأبي محمد بأنه رجل المهمات الصعبة والمواقف الجريئة فهو لم يجامل على حساب وطنه بل ظل الأردن هاجسه الدائم والدائب المتجدد يعشق العمل ويقدس تراب هذا الوطن.