الدكتور سعيد مصطفى وهبي التل .. رجل التطوير والتحديث

د. سعيد التل
تزخر الأرض الأردنية برجالاتها الشوامخ الذي ساهموا في بناء الأردن تحت قيادة هاشمية حكيمة، فأخذوا على عاتقهم شرف الولاء والانتماء مقدمين الغالي والنفيس فداءً لوطنهم وأمتهم هم وآباؤهم من قبلهم، وعند الحديث عن شخصية علم ورمز من رموز الدولة الأردنية فإن المرء يحار من أين يبدأ وأين ينتهي، وربما قد لا يجد الكلمات التي يستحقها أو الوصف الذي يجب أن يوصف به، أنقول أنه ابن شاعر الأردن (عرار)؟ أم نقول أنه شقيق الشهيد وصفي التل؟ أم نقدمه بإنجازاته الكبيرة التي صنعها خلال تنقله في الحقائب الوزارية المتعددة إنه الدكتور سعيد التل (أبو نواف).

ولد الدكتور سعيد مصطفى وهبي التل في مدينة إربد عام 1934م وهو ينحدر من عائلة عريقة ومعروفة وهي عائلة التل أما عن أصول عشيرة التل فقد ذكر اللفتنانت فريدرك بيك في كتابه «تاريخ شرقي الأردن وقبائلها» أن اسم التل التصق بعشيرة آل التل لأنه عندما قَدِمَ جدّهم من الحجاز إلى شرقي الأردن نزل في عمّان واتخذ من التل الذي تقع عليه القلعة مسكناً له فأطلق اسم التل عليه وعلى نسله من بعده، ولم يلبثوا أن غادروا عمان بعد أكثر من ثلاثين عاماً من سكناهم فيها ليستقروا في إربد وليصبحوا من أعرق عشائرها.

لقد تقلد أفراد عشيرة التل العديد من المناصب القيادية في الدولة الأردنية، ومن أبرز رموز هذه العائلة شاعر الأردن مصطفى وهبي التل (عرار) الذي يصنف في تاريخ الأدب الأردني على أنه أبرز الأدباء والمثقفين الأردنيين حيث التزم بقضايا الوطن والمواطن فدافع عن الناس وعن حقوقهم ليكون قمة شامخة يشار لها بالبنان في تجسيده لمعاني الشرف والرجولة فهو بحق الرجل الموقف وصاحب الكلمة الصادقة فوجد في الشعر متنفساً للتعبير عن الواقع فتألق في إبداعاته وأبداع في عطاءته وهكذا فقد سار نجله وصفي (شهيد الأردن) على خطى والده فرفض الظلم وثار عليه فانتهج العمل السياسي سبيلاً لإعادة الحقوق المسلوبة لأصحابها مدركاً وفي وقت مبكر خطر المشروع الصهيوني على الأمة العربية فقضى شهيداً ورمزاً للانتماء والولاء لوطنه وعروبته.

لقد تحمل الشهيد وصفي التل المسؤولية في وقت وظرف صعبين فكان الأقدر على ذلك فأحبه جميع الأردنيين بصدق لأنه هو سبقهم في ذلك فشعر بأبناء وطنه الأردنيين الذين كان يراهم على الدوام رموز الأصالة والطيبة والعطاء.

وبالعودة للحديث عن أحد أبناء عائلة التل وهو الدكتور سعيد التل نجده أنه لم يختلف عن والده وشقيقه في تبني المبادئ والأفكار الهامة التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن من خلال اتخاذه العديد من القرارات أثناء تنقله في المواقع القيادية الهامة.

حصل الدكتور سعيد التل على شهادة الدراسة الثانوية عام 1951م ثم نال شهادة الثانوية المصرية عام 1953 وقد تابع تعليمه في جامعة عين شمس في مصر ليحصل منها على درجة البكالوريوس في الرياضيات والتربية عام 1957م ونال درجة الماجستير في التربية عام 1960 والدكتوراه في فلسفة التربية من جامعة بتسبرغ في الولايات المتحدة الأميركية عام 1963م. ثم عمل معلماً في مدارس إربد وفي دار المعلمين في حواره ثم مديراً لدار المعلمين في عمان في الفترة ما بين (1951-1965)م بعد ذلك انتقل ليعمل مستشاراً ثقافياً في بيروت من (1965-1969)م ثم عَمِل أستاذاً جامعياً في الجامعة الأردنية من (1969-1972)م وعميداً لكلية التربية في الجامعة الأردنية من (1973-1980) قبل أن يستلم حقيبة وزارة المواصلات ليجيء بعد ذلك وزيراً للإعلام في حكومة الشريف عبد الحميد شرف المشكلة في 19/12/1979م، ثم شغل نفس المنصب في حكومة الدكتور قاسم الريماوي المشكلة في 3/7/1980م، ثم شغل منصب وزير التربية والتعليم في حكومة الرئيس مضر بدران المشكلة في 28/8/1980م والتي استمرت حتى عام 1984 وخلال هذه الفترة تولى رئاسة المؤتمر العام الثاني والعشرون لليونسكو ثم شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي في تعديل جرى في 1/12/1993 على حكومة الدكتور عبد السلام المجالي المشكلة في 29/5/1993م. وفي عام 1989 عُين عضواً في مجلس الأعيان ليعود بعد ذلك وفي عام 1991 وزيراً للتعليم العالي إضافة لعمله كعين.

ترك الدكتور سعيد التل بصمات واضحة مهمة تدرج تحت مسمى السعي الدؤوب لتطوير الوزارات التي شغلها فعندما شغل منصب وزير المواصلات قام بتأسيس البريد الأردني وعندما كان وزيراً للإعلام في حكومتي الشريف عبد الحميد شرف والدكتور قاسم الريماوي عَمِلَ على تأسيس مجلس التوجيه الوطني للإشراف على وسائل الإعلام ووضع سياسة لها وتنفيذها كما قام بإطلاق اسم (بترا) على وكالة الأنباء الأردنية المشهورة، وخلال شغله منصب وزير التربية والتعليم في حكومة السيد مضر بدران الثالثة عَمِل الدكتور التل على تطبيق مبدأ اللامركزية في الإدارات التربوية، كما قام بإدخال مفهوم كليات المجتمع إلى النظام التربوي الأردني ووضع امتحان شامل للطلبة الذين يكملون الدراسة منها، بالإضافة إلى قيامه بتأسيس متحف الكتاب المدرسي والذي يعتبر الأول من نوعه في العالم كونه يضم نماذج متنوعة من المناهج التي اعتمدت سابقاً في المدارس الأردنية، وبسبب قصر المدة التي بقي خلالها وزيراً للتعليم العالي فإنه لم يستطع تحقيق الإنجازات والأهداف التي كان يطمح لها والتي بلا شك ستكون لا تقل في الأهمية عن انجازات الدكتور التل التي حققها أثناء تنقله في الوزارات المتنوعة التي شغلها.

ونظراً لجهده الدؤوب وسعيه المتواصل من أجل تطوير وتنمية المواقع القيادية التي شغلها في الدولة الأردنية، ولأن لكل مجتهد نصيب فقد حصل الدكتور سعيد التل على العديد من الأوسمة المهمة من عدد من الدول منها وسام الأرز اللبناني ووسام جوقة الشرف الفرنسي ووسام الكوكب الأردني والكثير من الأوسمة الأخرى.

يعد أبو نواف واحداً من أبرز الشخصيات الأردنية الذين آمنوا بانتمائهم للأرض الأردنية أرضاً وشعباً وقيادةً وثقته بالأردن والأردنيين لا حدود لها ذلك لأنهم انتهجوا مبادئ الثورة العربية الكبرى (ثورة العرب) كدستور لحياتهم، كما آمن الدكتور التل بضرورة الوحدة العربية التي تضمن اتحاد كل أقطار الأقاليم الخمسة التي يتكون منها الوطن العربي، فشخصيته القومية والعروبية جعلته يقف ليقول: أنا أرى أن الوحدة العربية يجب أن تبدأ في اتحاد أقطار كل إقليم من أقاليم الوطن العربي ومن هذا المنطلق أطمح وأتطلع لأن يكون الأردن دولة في اتحاد لدول الهلال الخصيب أي أن يكون في اتحاد فدرالي مع سوريا والعراق ولبنان وفلسطين العربية.

قام الدكتور سعيد التل وبمشاركة مجموعة من أصدقائه بتأسيس جامعة عمان العربية للدراسات العليا وصار رئيساً لها بالإضافة إلى عضوية مجلس أمناء الكلية العربية ولأن رجل المواقف ويقدم الكثيرون أن ينتظر مقابل فقد قام بإهداء مكتبه الخاصة والتي تحوي أصنافاً من الكتب القيمة والهامة كهدية منه إلى جامعة عمان العربية للدراسات العليا.

إن الدراسة الواعية والمنصفة لشخصية الدكتور سعيد التل تبين لنا أننا أمام شخصية وطنية حدد لنفسه موقعاً وموقفاً من كل الظروف المحيطة به، هكذا هو سعيد التل رجلاً أثبت في كل المواقع التي تقلدها قدرته على العطاء وتقديم النفع لكل صاحب حاجة فهو دائم البحث عن الحق والعدالة وهو الصادق في أفعاله وأقواله.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).