معالي السيد سليمان عرار ... رجل المهمات الصعبة

سليمان عرار


لكل وطن رجالاته الأوفياء الذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتعمير من أجل إيجاد الحياة الفضلى للأجيال القادمة وتمجيداً لسيرة سلسلة من رواد الأردن وتقديراً لمواقفهم الخالدة ودفاعهم عن الوطن والأمة وعرفاناً بما قدموه لوطنهم وأمتهم من خدمات جلّى ، وإسهامات كبيرة في سيرته ، لتبقى معالم مضيئة على طريق الأجيال القادمة من أبناء وطننا العزيز.

فالحديث عن الشخصيات الأردنية هو حديث عن رجال عظام كان عطاؤهم موصولاً ، فقد كان الهدف العام بالنسبة إليهم هدفاً سامياً يؤدونه خدمة للوطن وللأمة لا لتحقيق المنافع الخاصة وإن كنا نقرأ سيرة حياة هذه الكوكبة من رجالات الأردن وروادها فإنما نقرأ بهم أيضاً سيرة غيرهم من الكواكب التي أضاءت سماء الأردن وزرعوا للمجد بذوراً على امتداد تراب هذا الوطن الغالي ، وفي أنحائه المختلفة من شتى أصولهم ومنابتهم. ويعد السيد سليمان عرار واحداً من أهم الرجالات في الدولة الأردنية حيث ترك بصمة واضحة تسجل له في تاريخ وطننا العزيز.

تقع مدينة معان على حافة البادية إلى الجنوب من عمان وعلى مقربة من معان تقع أذرح التي جرى فيها التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، أما الحميمة والتي جرى فيها تخطيط الثورة التي أدت إلى انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية فتقع بين معان والعقبة وقد كانت معان مركزاً أساسياً وتجارياً لسلطة المعينين لوقوعها على الطريق الرئيسي بين الجزيرة العربية وبلاد الشام ونزلت بها جيوش المسلمين في القرن السابع الميلادي وهي في طريقها لمعركة (مؤتة) ووصفها الجغرافيون العرب بأنها مدينة صغيرة سكنها بنو أمية وعشائرها من سبعة بطون وكان موسم الحج يقسمها إلى قسمين.

ولمدينة معان صلة وثيقة بتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية حيث كانت منطلقاً لأحداث تاريخية كبيرة فقد وصل المغفور له الأمير عبدالله بن الحسين ثائراً على ما حل بالشام من ظلم الفرنسيين في محاولة لجلالة الملك المؤسس رحمه الله استرداد ذلك الحكم الاستقلالي وذلك عام (1920) وإلى مدينة معان وصل أحرار العرب من سوريا ولبنان وفلسطين من أجل التواصل مع الملك المؤسس لتحرير البلاد.

ولد السيد سليمان عطاالله عرار في مدينة معان عام (1934) وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة وادي موسى وفي معان ووادي موسى أنهى المرحلة الإعدادية ليبدأ المرحلة الثانوية في الكلية الإسلامية في عمان وينهى المرحلة ذاتها في مسقط رأسه معان. ومن هناك أي من مدينة معان إلى مصر لدراسة التوجيهي المصري بعد أن أكمل المرحلة الثانوية قرر الالتحاق بالجامعة لدراسة الأدب العربي كونه ومنذ نعومة أظفاره ظهرت لديه ملكة الشعر فقد كان حافظاً لمعظم القصائد البدوية المغناة وكان نظمه للقصائد الشعرية وفي فترة مبكرة من مراحل حياته دليلاً عما يتحلى به من ثقافة واسعة وسمو الإحساس.

ومما يجدر ذكره أن سليمان عرار قد تميز عن أبناء جيله بما كان يتمتع به من قدرة عالية على كتابة مواضيع الإنشاء وكان أساتذته في المدرسة وفي الكلية الإسلامية يشيدون بالمواضع الإنشائية التي كان يكتبها من حيث الأسلوب والصياغة.

رغب سليمان عرار بدارسة الأدب العربي ولكنه أخذ بنصيحة صديقْ لوالده عندما قال له: "يا بني الأدب العربي لا يحتاج إلى دراسة ويمكنك أن تتثقف به من خلال مطالعاتك وكتاباتك ، وأنا أنصحك بدراسة صنعة تستفيد منها ، وأقرب هذه الدراسات هي الحقوق" وبالفعل فقد درس الحقوق في جامعة الإسكندرية آخذاً بنصيحة صديق والده.

أكمل سليمان عرار دراسته الجامعية وعاد مباشرة إلى الأردن ليعمل في ديوان المحاسبة وفي عام (1961) وتحديداً في حكومة المرحوم وصفي التل عَمًدَ سليمان عرار ليقدم طلباً للعمل في وزارة الخارجية فتم تعيينه ملحقاً في السعودية والجزائر والرباط ثم نُقل إلى عمان ليعمل في وزارة الداخلية وذلك عام (1971م) كمتصرف لواء (مساعداً لمحافظ الكرك) وبعد ذلك النقل عمل على تقديم استقالته ليأتي مديراً للمؤسسة الصحفية الأردنية ورئيساً لتحرير جريدة الرأي الأردنية بعدها جرى انتخابه نقيباً للصحفيين الأردنيين حيث صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه عضواً في المجلس الوطني الاستشاري بتاريخ 5 ـ 4 ـ 1978 وكذلك للمرة الثانية في 20 ـ 1 ـ ,1980

عَمًل سليمان عرار مديراً لمكاتب الاتحاد الوطني حيث أتاح له هذا العمل فرصة زيارة مختلف مناطق الأردن. وقد صدرت الإرادة الملكية السامية بتاريخ 13 ـ 7 ـ 1976 بتعيين سليمان عرار وزيراً للداخلية فعندما كان يقوم بتأدية مناسك العمرة اتصل معه دولة السيد مضر بدران وأبدى رغبته بأن يكون سليمان عرار وزيراً في حكومته فجاء وزيراً للداخلية. وبتاريخ 20 ـ 2 ـ 1979 صدرت الإرادة السامية بتعيينه وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء وفي العام التالي جاء وزيراً للزراعة ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء وذلك عام ,1980

طالب سليمان عرار بتشكيل الأحزاب وذلك عندما تم تعيينه وزيراً للداخلية بتاريخ 28 ـ 8 ـ 1980 وفي ذلك يقول: "عندما كنت وزيراً للداخلية طالبت بتشكيل الأحزاب وقد قابلت أنا والدكتور سعيد التل وعلي السحيمان جلالة الحسين وطلبنا إلى جلالته السماح بتشكيل أحزاب وكان جلالته متفهماً جداً لطلبنا ، إلا أن الوقت ربما لم يكن مناسباً ، هذا ما كان عام (1981) وأذكر أننا في الاجتماع الثاني مع جلالة الحسين استمر نقاشنا في الموضوع الساعة العاشرة صباحاً حتى الخامسة مساء هذا بالإضافة إلى حديث أجراه معي التلفزيون الأردني حول موضوع تشكيل الأحزاب وذكرت حينها أنني من المؤيدين لإعادة العمل بقانون الأحزاب وأنه لو كان هناك قانون للأحزاب لكنت أول من سعى لتأسيس حزب فالإنسان عندما يكون في العمل العام قد يتعرض للتجريح ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يتم العمل العام؟ وكيف تتشكل الأحزاب بالعالم؟ اعتقد أن الطموح وارد بل وضروري جداً ولكن للأسف أن الهمس والحسد والكلام المبطن تظهر نوايا اعتقد أنه من الضروري تجاوزها.

رفض سليمان عرار وصفه بالإقليمية وفي ذلك قال: "أنا عربي مسلم ولكن لا تغفلني عروبتي عن صفات يختص الإقليم وأنا لا أستطيع أن أتحدث عن أمزجة شعوب أخرى وإن كان حبي وانتمائي للأردن كبيراً وهذا ليس له علاقة بالإقليمية وهي مرفوضة تماماً ويذكرني الفيلسوف لينين قوله لن تكون أممياً ما لم تكن وطنياً فمن لا يحب أطفاله لا يمكن أن يحب أطفال غيره. ومن لا يحب الأردن لا يحب العرب ولا المسلمون ، وأنا أعتز بأردنيتي ولا أفضل على طعامي طعاماً وأن حبي لبلدي لا علاقة له أبداً بالمفهوم البعيد عن العروبة والوحدة العربية.

ساهم سليمان عرار في الحقل التطوعي الخيري فقد تم انتخابه رئيساً لجمعية أبناء معان الخيرية بعمان بتاريخ 19 ـ 4 ـ 1981 كما أنه كان أحد أعضاء جمعية الصديق الخيرية بالزرقاء لأبناء معان منذ أن كان مدير عام الاتحاد الوطني العربي الأردني ، وهو يرى أنه ومن خلال العمل في القطاع الخاص تستطيع أن تكشف كل عيوب القطاع العام وإحباطاته وبيروقراطيته وفوضاه.

لقد عصفت بحياة سليمان عرار العديد من الظروف الصعبة أبرزها وفاة ابنه محمد رحمه الله حيث غمره هذا الحدث بالحزن وأصبح قريباً إلى الزهد مسكوناً ومغموراً بالحزن الشديد والحدث الآخر هو حادثة الطائرة التي كادت أن تودي بحياته وفي ذلك يقول سليمان عرار: "هذه الخواطر مرت أمامي بزخم أحداثها كشريط أستطيع أن أقول عنها أنها نوع من المذكرات لكنها ليست مذكرات بقدر ما هي تداعيات جرت إليها الحالة. ولا شك وأنا في الطائرة انتابني خوف شديد جرني لأتذكر المرة الأولى التي خفت بها في حياتي عندما كنت طفلاً لكن ما حصل في السماء لم يكن خوف أطفال بل وقائع حصلت أمامي ذكرتني بكل ما حدث لي لأسرد هذه القصة التي تمنيت لو كانت أطول مما خرجت عليه لكنني في نفس الوقت خشيت أن تفقد عامودها الفقري.

عُرف عن سليمان عرار أن مظهره الخارجي عابس وجاد جداً في الوقت نفسه تجده مرحاً ومحباً للنكت وجلسته ممتعة.

يُسجل لأبي محمد بأنه رجل المهمات الصعبة والمواقف الجريئة فهو لم يجامل على حساب وطنه بل ظل الأردن هاجسه الدائم والدائب المتجدد يعشق العمل ويقدس تراب هذا الوطن.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).