‏إظهار الرسائل ذات التسميات من رجالات عمان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من رجالات عمان. إظهار كافة الرسائل

مازن العجلوني .. العسكرية والسياسة والإبداع الرياضي

|0 التعليقات
مازن الععجلوني

ينتمي مازن العجلوني إلى مدرسة الفداء والبطولة، فلقد تشرب الروح العسكرية، والارتباط بالأرض العربية، وتربى على الشجاعة والإقدام، وحب التضحية بالغالي والنفيس، دفاعاً عن الحقوق العربية.

كان صاحب روح قومية وثابة، وفكر عسكري محترف، ورؤية سياسية مشهود لها، فكان من القلة الذين رأوا في صون الوطن وحمايته، خط الدفاع الأول عن الأمة العربية، الساعية لنيل استقلالها وحريتها، وقد شكل والده اللواء محمد علي العجلوني، المدرسة الأولى التي نهل منها حب الأرض، والانتماء للأمة العربية، واتخاذ طريق النضال المسلح والنضال الفكري، سبيلاً لمواجهة المخططات الغربية، الهادفة إلى النيل من مقدرات البلاد العربية، ومصادرة حريات شعوبها، فقد كان والده من أبرز رجالات جيله خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتميز بذكاء متفرد، مقدرته كبيرة في التحصيل الدراسي، مما أسهم في انتقاله من بلدته عنجرة في منطقة جبل عجلون، إلى الأستانة – اسطنبول – عاصمة الإمبراطورية العثمانية.

لقد تأثر مازن العجلوني بوالده، الذي أصبح ضابطاً كبيراً في الجيش العثماني، بعد أن درس العلوم العسكرية على نفقة الدولة العثمانية لتميزه، وكان والده يراقب تصرفات جماعة الإتحاد والترقي التي سيطرت على مقاليد الحكم، وكان معظمهم من يهود الدونمة، الذين تسلطوا على رعايا الدولة خاصة العرب، مما دفعه للتخلي عن مصبه العسكري، والهرب من أجل الالتحاق بجيش الثورة العربية، فتم القبض عليه في المرة الأولى وسجن، لكنه تمكن من الهرب في المرة الثانية، والتحق بجيش الثورة العربية الكبرى، وشارك في المعارك التي خاضها، بعد ذلك شارك في معركة ميسلون إلى جانب القائد يوسف العظمة، ضد الجيش الفرنسي، وبعد سقوط الحكومة العربية في دمشق، عاد إلى عمان، وعمل على المساهمة بتأسيس الجيش العربي الأردني، كما رافق الملك المؤسس، ووصل إلى رتبة لواء، وتسلم منصب وزاري.

هذه مدرسة مازن العجلوني، الذي ولد عام 1924 في عمان، وقد نشأ في هذه العاصمة الصاعدة، والتصق بها حتى غدت، صورة ناصعة من حياته الحافلة بالإنجاز، وقد التحق بمدرسة العجلوني، ودرس فيها المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وكان من صغره متميزاً، لافتاً للانتباه، وكان من الطلبة الأوائل في المدرسة، وبعد الإعدادية انتقل إلى مدرسة المطران، لدراسة المرحلة الثانوية، وقد نال في مدرسة المطران شهادة الثانوية العامة، وكان خلال دراسته من أبرز لاعبي كرة القدم في الأردن، حيث لعب لنادي الأردن الشهير حينها، حتى العام 1953، وقد نال رئاسة المنتخب الأردني لكرة القدم، خلال أول دورة عربية رياضية، فساعدته بنيته الرياضية، في التميز في حياته العسكرية في ما بعد.

التحق مازن العجلوني بصفوف الجيش العربي - القوات المسلحة الأردنية - بُعيد حرب 1948، مدفوعاً بما ترسخ في وعيه منذ تربيته الأولى، وقد أدرك حاجة وطنه وأمته، لجهود الشباب المتعلم في القوات المسلحة، حيث تم إيفاده إلى بغداد، لدراسة العلوم العسكرية، في الكلية العسكرية العراقية، وبذلك دخل الجيش برتبة ملازم، وبعد خدمة ناجحة في مواقعه العسكرية، تم اختياره عام 1955، ليكون مرافقاً لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، وفي عام 1956 تم ترفيعه إلى رتبة رائد، وتسميته كبير مرافقي المغفور له الملك الحسين بن طلال، وقد عرف بإخلاصه وتميزه كعسكري محترف، وتفانيه في العمل، وقد رافق المغفور له الملك الحسين في أحلك الظروف وأعقد المواقف. وقد تسلم بعد ذلك قيادة كتيبة المشاة الثامنة، المتمركزة في الضفة الغربية، حيث تميز بقربه من جنوده، ومواجهته للمخاطر ببسالة وإقدام.

عمل خلال الفترة من عام 1957 وحتى العام 1958، ملحقاً عسكرياً في السفارة الأردنية في تركيا، وعندما عاد إلى الأردن، تم تعيينه سكرتيراً عسكرياً في القيادة العامة للقوات المسلحة، وخلال الأحداث المؤسفة لبعض ضباط الجيش عام 1959، تم اعتقاله باعتباره أحد الضباط الذين أطلق عليهم « الضباط الأحرار « وبعد الإفراج عنه، تم تعيينه بوظيفة مدنية، حيث اسند إليه منصب المساعد الإداري لأمين العاصمة عام 1965، ونظراً لخبرته في مجال الرياضة، وتقديراً لدوره كلاعب سابق في صفوف المنتخب الوطني، عين رئيساً لإتحاد كرة القدم ورئيساً لإتحاد كرة السلة، وقد عمل من خلال هذه المهام، على تنمية كرة القدم وكرة السلة، ونظراً لتربيته القومية، وانتمائه الوطني العميق، فقد أوجعه ضياع فلسطين، وهو الجندي المحترف، وأحد القادة الذين نافحوا عن تراب فلسطين، لذا فقد التحق بالعمل الفدائي، وعمل على تنفيذ عدد من العمليات الفدائية داخل الأراضي المحتلة، وقد هاجمته طائرة إسرائيلية في إحدى المرات، ونجا من الموت بأعجوبة.

وأعيد مازن العجلوني إلى الخدمة في عام 1968،  حيث ألحق بجهاز الأمن العام، وأنيط به منصب المفتش العام في مديرية الأمن العام عام 1969، بعد ذلك تمت إعادته إلى الخدمة العسكرية في الجيش، برتبة عقيد، ونال منصبه السابق، كبير مرافقي المغفور له الملك الحسين بن طلال، حيث مكنته هذه الفترة من تفعيل خبراته المتعددة، التي اكتسبها خلال مناصبه المختلفة، وفي عام 1970، تم ترفيعه إلى رتبة عميد، وعين نائباً للحاكم العسكري، خلال فترة أمنية حرجة مرت فيها البلاد، وكانت هذه الفترة بداية مرحلته مع المناصب الوزارية، حيث أسندت إليه حقيبة وزارة الداخلية في العام نفسه، وقد شهدت الأردن في تلك الفترة تعاقب متسارع للحكومات، ففي عام 1971 أصبح وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء.

لقد شكلت مناصبه العسكرية والمدنية والمتعددة، محطات نجاح لافتة كونت شخصيته، وتوجت منجزه المتنوع، مما جعل منه من أهل الحظوة، محبوباً من القادة والناس، ويعمل لصالح بلده وأهله، ولا تأخذه في الحق لومة لائم، وكان على الدوام أهل للثقة، وعلى قدر المسؤولية مهما كانت، لذا اختير بتاريخ 1/11/ 1971 عضواً في مجلس الأعيان، وكان من الأعضاء النشطاء، الذين يبادرون للعمل ويسعون إلى تحقيق الإنجاز، وعدم الاكتفاء بما تم انجازه سابقاً.

عاد إلى إشغال المناصب الوزارية، عندما دخل الحكومة من جديد، حيث عاد وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، خلال الفترة من 29/11/1971 وحتى 21/8/1972، وقد شكل عقد السبعينيات من القرن الماضي، حضوراً قوياً لمازن العجلوني على الساحة السياسية المحلية، وكان من رجالات الوطن، الذين يبادرون لتلبية نداء الواجب، غير عابئين بالصعوبات والمشاق التي تتطلبها تلك المبادرة، وكان يسعى للتميز في كل مكان عمل فيه، فكان له ذلك.

 وقد نال نتيجة لذلك التقدير والتكريم على المستويات كافة، وليس أدل على هذا المنجز فرادته، من الأوسمة العديدة التي نالها، حيث نال مازن العجلوني عدد من الأوسمة رفيعة الشأن نذكر منها: وسام الاستقلال، ووسام النهضة، ووسام الكوكب، كذلك نال من جمهورية مصر العربية، وسام بور سعيد، وذلك في أعقاب معركة عام 1956، المعروفة بالعدوان الثلاثي، لمساهمته الميدانية في المعركة، وبقي رائد الرياضية الأردنية، والعسكري المحنك، ورجل الأمن البارز، والمناضل الشجاع، والسياسي عميق الانتماء، ممسكاً بعهد الولاء، طوال سنوات عمره، ولم ينقطع عن العمل والإنجاز في مرحلة من المراحل، حتى بعد تركه للعمل العام، حتى توفاه الله عام 1989، فرحل راضياً مرضياً، زارعاً في القلوب حب الأرض، تاركاً فينا عمله الطيب الذي لا تذبل ثماره أبد الدهر.

عوني بلال قاسم .. من صقور سلاح الجو الأردني

|0 التعليقات
اللواء عوني بلال قاسم

لقد أدرك سمو الأمير المؤسس عبد الله الأول بن الحسين، أهمية بناء القدرات العسكرية لإمارة شرق الأردن، نظراً للظروف العسكرية والسياسية التي تمر بها المنطقة، ولعدم توفر الإمكانيات المادية والقوى البشرية المؤهلة، تم إيلاء القوات المسلحة البرية الأولوية، لكن لا يعني ذلك تأخر تشكيل نواة السلاح الجوي كثيراً، فلقد حتمت الظروف المحيطة، أن تضطلع الأردن بمهام، وتواجه أعباء تفوق حجمها وقدراتها، حيث كانت البلاد العربية تقع تحت هيمنة القوى الاستعمارية الغربية، وإدارة دول الانتداب، ومن هذه الدول بريطانيا التي انتدبت على فلسطين والأردن والعراق.

وقد عملت بريطانيا على إقامة قاعدة جوية في الأردن عام 1931، وكان لهذه القاعدة دور في إدارك أهمية هذا السلاح الحديث للأردن، حيث قامت الأردن بتأسيس نواة لهذا السلاح عام 1950، كانت بمثابة ذراع جوية أردنية، كانت تسمى ( الفيلق الجوي العربي ) وتم تدريب طيارين أردنيين في بريطانيا، التي اعتبرت الأفضل عالمياً في تلك المرحلة في هذا المجال، وقد ظهرت مساهمة سلاح الجو الناشئ لأول مرة، خلال تفوقه بمعركة البحر الميت عام 1964، على الطيران الإسرائيلي الحديث وصاحب الخبرة، وأيضاً في مواجهات معركة السموع 1966، وحرب حزيران 1967.

يعد اللواء عوني بلال قاسم، من أبرز ضباط وقادة سلاح الجو، وهو من رجالات العشائر الشركسية، التي لعبت دوراً مؤثراً خلال مراحل تأسيس الدولة المختلفة، حيث أضافوا غنى عميقاً في التركيبة الديموغرافية للأردن، واسهم وجودهم في توسيع أفق التنوع الثقافي، وقدموا منذ انخراطهم في النسيج الوطني الاجتماعي، رجالات تميزوا بالولاء والإخلاص، والقدرة على القيام بالمهام الصعبة في أحلك الظروف، وأقصي المواقف. ينتمي عوني بلال إلى عشيرة ( قالة ) أو( غالة ) الشركسية، التي كانت تتميز بما تميز به الشركس عبر تاريخهم الطويل بالفروسية والشجاعة، حيث انخرط عدد كبير من أبناء العشائر الشركسية، في القوات المسلحة الأردنية، وفي مختلف التشكيلات البرية والجوية، فقدموا ولا زالوا يقدمون الجنود والضباط والقادة والشهداء الأبرار.

ولد اللواء عوني بلال قاسم قالة في عام 1945، وقد زاملت ولادته مرحلة الاستقلال، والتي تحولت بعدها إمارة شرق الأردن إلى المملكة الأردنية الهاشمية، حيث بدأت مرحلة جديدة من مسيرة الأردن في تكريس الدولة والنهوض بالتنمية في كل الميادين. نشأ عوني بلال في مسقط رأسه مدينة عمان، التي كانت تشهد حراكاً بشرياً لافتاً، اقتران بالأحداث السياسية الكبرى في المنطقة، وتربى على أخلاق الفرسان، التي توارثها الشركس جيلاً بعد جيل، فكان منذ صغره شجاعاً وكريم النفس، محباً لوطنه ومخلصاً لقيادته، وقد التحق بالمدرسة في عمان ودرس المرحلة الابتدائية، ومن ثم درس المرحلة الثانوية، حتى نال شهادة الثانوية العامة من مدرسة رغدان الثانوية، وكان من بين الطلبة المتفوقين، حسب مستوى التحصيل الدراسي في تلك المرحلة، وقد أهلته هذا الشهادة للحصول على وظيفة جيدة، حيث قام بعدد من الأعمال.

تعلق عوني بلال منذ صغره بالمغامرة، ولا شك وراودته أحلام الطيران في سماء الوطن، وكان له أن حقق هذه الأمنية، عام 1964 عندما التحق بسلاح الأردني الفتي، حيث دخل هذا السلاح كتلميذ مرشح، وبعد ذلك أرسل في بعثة إلى بريطانيا، وبذلك نال تدريب عالٍ على الطيران، في سلاح الجو الملكي البريطاني، وبعد أن أنهى بعثته التدريبية بتفوق، عاد إلى الوطن ليصبح ملازم طيار، وكان ذلك عام 1966 وقد تميز كطيار صاحب مهارات قتالية متميزة، وكضابط عرف بعسكريته المنضبطة، وأفكاره الإدارية التي أكسبته ثقة قادته، ومكنته من التقدم بشكل مضطرد، وخلال فترة ليست بالطويلة، أصبح عوني بلال قائد سرب، في مرحلة تميزت بالمواجهات المباشرة مع سلاح الجو الإسرائيلي، فكان كغيره من صقور سلاح الجو الأردني، شجاعاً لا يخشى المواجهات غير المتكافئة تقنياً، متجاوزاً بمهاراته تفوق الطائرات الإسرائيلية الحديثة.

بعد نجاحه كقائد سرب مقاتل، أصبح قائد قاعدة جوية، حيث توسعت صلاحياته، وقد أولى تطوير قاعدته العسكرية جل عنايته، كما ركز على ضرورة حصول الطيارين على تدريب مستمر، يرتقي بمستواهم المهاري، ويساعدهم على تطوير قدراتهم، من خلال اطلاعهم على احدث الأساليب والأسلحة الجديدة في هذا المجال، وقد انعكست جهوده في تطوير سلاح الجو الأردني بشكل عام، حيث تم تعيينه بعد هذه المرحلة مديراً للعمليات الجوية، وهذا الموقع وسع صلاحياته في مجال تحسين وتطوير قدرات سلاح الجو، الذي أصبح رغم قلة عدد الطائرات وقدمها نسبياً، من أقوى أسلحة الجو في المنطقة، بسبب مهارة الطيارين، والخبرات الكبيرة التي اكتسبوها، خلال المواجهات المباشرة وشبه اليومية، في عقد الستينيات من القرن الماضي، مع سلاح الجو الإسرائيلي الأكثر تطوراً في المنطقة.

أصبح عوني بلال قاسم ملحقاً عسكرياً، في السفارة الأردنية في باريس، حيث ركز على تمتين العلاقات العسكرية بين الأردن وفرنساً، خاصة في مجال الطيران، وعندما أنهى عمله كملحق عسكري، عاد إلى الأردن حيث أسند إليه منصب المفتش العام لسلاح الجو الأردني، وقد عرف عنه عنايته بأدق التفاصيل، وجديته في سعيه لتطوير قدرات هذا السلاح الحديث، صاحب الأثر الحاسم في معارك العصر التقني، وقد تدرج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة لواء.

تم تعيينه بعد ذلك مساعداً لرئيس أركان سلاح الجو الأردني للعمليات والدفاع الجوي. ويؤكد كل من عمل برفقته على ما تمتع به من جدية كبيرة، وتواضع عميق، حيث كان رغم تميزه بالانضباط العسكري الحازم، طيباً وقريباً من رفاقه في السلاح، يعامل الجميع بالإنصاف وبأخلاق الفرسان، وهذا جعله مقرباً ومحبوباً من الجنود والضباط والقادة، فكان دائماً محط الثقة ومعقد الأمل، ومؤهلاً بخبراته وتفانيه وقدراته للقيام بمهام أي منصب عسكري بكفاءة عالية، جعلته موضع الإعجاب والتقدير.

أصبح اللواء عوني بلال قائداً لسلاح الجو الأردني ( رئيساً لأركان سلاح الجو ) وكان ذلك في الخامس من كانون الأول عام 1993، فيكون قد توج خدمته العسكرية المتميزة، بوصوله إلى هذا المنصب الرفيع، الذي مكنه من مواصلة جهوده في الارتقاء بإمكانيات سلاح الجو، وجعله في طليعة الأسلحة المماثلة في المنطقة. وقد نال خلال خدمته العسكرية درجة الماجستير في العلوم العسكرية.

نظراً لما تمتع به من قدرات قيادية متميزة، وللجهود الكبيرة التي بذلها منذ انضمامه لسلاح الجو، منح اللواء عوني بلال قاسم وسام الاستحقاق، وكذلك منح وسام الاستقلال، ووسام الكوكب الأردني، ووسام النهضة، غير أن العمر لم يطل بهذا الصقر الأردني، حيث فارقنا باكراً، فخلال وجوده في مدينة واشنطن في زيارة رسمية، وهو ينهض بأعباء منصبه الجديد رئيساً لأركان سلاح الجو، تعرض لنوبة قلبية مفاجئة، أدت إلى وفاته في واشنطن، في الثامن والعشرين من كانون الثاني عام 1994، وقد كانت وفاته فاجعة تركت في النفوس حزنا عميقا وغصة كبيرة، فهو فقيد وطن، وخسارة لقائد خبير. وقد نعاه جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال إلى الشعب الأردني، وأمر جلالته بدفنه في المقابر الملكية، حيث شيع جثمانه بعد وصوله إلى عمان رجالات الأردن عسكريين ومدنيين، وبقي اسم اللواء عوني بلال قاسم قاله في التاريخ العسكري الأردني، مدون في سجلات الوفاء والفخار، بماء الذهب كأحد أبطال الجيش العربي الأردني، سياج هذا الوطن العزيز.

الموسيقار عامر ماضي

|0 التعليقات
عامر ماضي

كانت الموسيقى لغته الأولى، والفضاء الرحب، الذي حلقت فيه أحلامه، منذ حط برأسه على حكايات عمّان العتيقة، ولم تتوقف برحيله المفجع، الذي أخذه من بيننا على حين غرة.

يعد الفنان الموسيقي عامر ماضي، ركيزة أساسية في بناء الحركة الموسيقية الأردنية، حيث تخرج على يديه عدد كبير من الفنانين المحليين، من عازفين ومطربين، وقد انتشرت هذه المواهب، المدربة أكاديمياً وعملياً، في أرجاء الوطن العربي، ليسهموا في النهضة الفنية عربياً، ولم يقتصر جهده في التدريس والتلحين، بل عمل على تأسيس الفرق الموسيقية المحترفة، والتي غطت النقص الكبير، والتي ضمت عازفين أكاديميين، ومواهب حقيقية في الموسيقى والغناء.

ينتسب عامر إلى أسرة ماضي التي سكنت مدينة العقبة، حيث تمتع جده بمكانة عشائرية نافذة، فقد ذاعت شهرته كقاضٍ عشائري عدل وعدول، وتميزت أحكامه بتحريها العدل، مما منحه قدرة على تنفيذ هذه الأحكام، نظراً لمكانته، وثقة الناس به، وقد ولد والد عامر ماضي في مفتتح القرن الماضي، وعمل مع الجيش الإنجليزي مأمور إشارة، ليكتسب الخبرة اللازمة، التي مكنته من العمل في البريد الأردني في بدايات مرحلة التأسيس، وكان ينقل الرسائل الخاصة بسمو الأمير عبد الله الأول ابن الحسين، مما جعله مقرباً من سمو الأمير، فعندما أحب فتاة شركسية، وحالت الظروف الاجتماعية دون زوجهما، أخذها إلى الديوان الأميري، وهي طريقة في الزواج متبعة لدى الشركس، فعمل الأمير على تزويجهما، بل كان أحد الشهود على هذا الزواج، حرصاً منه على إنجاح هذا الرباط بينهما، وكان ذلك عام 1939، وعرف والده بقدرته بالعزف على العود، ووالدته تعلمت العزف على الأكورديون، وهي الآلة التي يستخدمها الشركس في رقصاتهم التراثية.

ولد عامر ماضي عام 1953، في عمان العامرة بالحياة والنشاط، وقد حظي بأجواء العائلة المنفتحة، التي كان للموسيقى فيها حضورها البهي، رغم النظرة الاجتماعية في تلك المرحلة، غير المشجعة لمثل هذه الأنشطة، خاصة للرجال، فرغم نشأته في بيت موسيقي، إلا أن توجهه للعزف واحتراف الموسيقى، لم يكن سهلاً أو مرحبا به، حتى داخل بيت العائلة، لكن عندما بدأ شقيقه مالك بالعزف على العود، فتح لموهبته طريقاً لم تكن سهلة في يوم من الأيام، وقد أثر به المكان العماني بدرجة كبيرة، حيث سكنت العائلة في جبل القلعة حي القيسية، ومن ثم سكنوا في جبل الحسين، قبل أن ينتقلوا إلى جبل التاج، ثم استقرت العائلة في شارع الهاشمي، على مقربة من المدرج الروماني، وقد سهل عليه ذلك متابعة الحفلات الموسيقية، التي كانت تقام على المدرج بين فترة وأخرى، ولا شيك أنه نهل من تربيته البيتية، ما أسهم في بناء موهبته وصقلها منذ صغره، فقد كان يستمع بعمق لعزف شقيقه مالك، ومن ثم يوضح له بعض الأخطاء التي وقع فيها، من خلال فطرته الموسيقية، وقد مكنته هذه الفطرة، من قيادته نحو الحرفية العالية التي وصل إليها. ( صخر حتر بتصرف )

بدأ عامر ماضي مسيرته الاحترافية في مجال الموسيقى، عندما أنتظم في دراسة العود عام 1968، على يد الأستاذ عبد الكريم عوض، في المركز الوطني الواقع بالقرب من سينما عمان، ويعطي دورات في موضوعات مختلفة، أما خطواته العملية في مجال الدراسة الأكاديمية للموسيقى، فقد أخذت مسارها الحقيقي، عندما التحق بالمعهد الموسيقي الأردني 1972، وفي هذه المعهد غير عامر ماضي اختصاصه بآلة العود، والتي أتقنها على يد عبد الكريم عوض، واختص بآلة التشيللو، وكان معلمه على هذه الآلة الأستاذ يوسف نصرة، وقد دفعته هذه المرحلة للتفكير بدراسة الموسيقى على مستوى أكثر احترافاً، فسافر مع شقيقه مالك إلى القاهرة، حيث التحقا بالمعهد العالي للموسيقى العربية، وقد حصل على الثانوية الموسيقية، ولم يكتف عامر بهذه الشهادة، بل قرر مواصلة الدراسة الجامعية، لذا نال شهادة البكالوريوس بعد أربع سنوات دراسة، اختصاص خلالها بآلة التشيللو، وبتقدير ممتاز، وكان تخرجه عام 1979، وخلال وجوده في مصر للدراسة، أرتبط بعدد من كبار الموسيقيين المصريين، وقد استمرت هذه العلاقة المثمرة حتى وفاته.

برزت موهبة عامر ماضي في التلحين في عمر مبكرة نسبياً، لكنها ترسخت بشكل مميز بعد دراسته الأكاديمية، وقد جمع بين الممارسة العملية والدراسة الأكاديمية، لذا كان يعمل في الإذاعة الأردنية، خلال العطل الصيفية، حيث لحن عدداً كبيراً من الأغاني، التي ظهرت بأصوات أشهر مطربي تلك الفترة، من أمثال: إسماعيل خضر، فهد النجار، صبري محمود، سهام الصفدي وفؤاد حجازي، وقد عمل بعد احترافه للموسيقى، على تشكيل فرق فنية، لعبت دوراً بارزاً مؤثراً في تنشيط الحركة الفنية الموسيقية في الأردن، ومن هذه الفرق، فرقة أوتار عمان، وكان من مؤسسي رابطة الموسيقيين الأردنيين عام 1980، وقد تمخض عنها فرقة النغم العربي، وفرقة خماسي الرابطة، وأوركسترا الصغار.

عمل عامر ماضي بعد تخرجه في القاهر، في الإذاعة الأردنية، بالقسم الموسيقي، غير أنه لم يستمر أكثر من عام وشهرين، فلقد غلبته روح الفنان، الذي يتمرد على رتابة الوظيفة، لذا استقال من الإذاعة، ودخل شريكاً مع صالح السقاف في مؤسسة « أضواء الفن « للإنتاج الفني، وقدم أعمالا موسيقية درامية للمسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، للكبار والصغار. وكان له نشاط نقابي واضح، فقد عمل على تأسيس رابطة الموسيقيين الأردنيين، ونظراً للمكانة الفنية التي تمتع بها، وللمحبة الصادقة التي حظي بها، ترأس رابطة الموسيقيين منذ تأسيسها عام 1980، لمدة ست دورات متتالية، وقد تمكن خلال قيادته هذه الرابطة، من تحقيق مكاسب فنية ونقابية للموسيقيين الأردنيين، ووحد جهودهم للارتقاء بالمستوى الفني، ورعاية المواهب الجديدة، ودعمها من أجل رفد الساحة المحلية بأجيال جديدة من الموسيقيين الأردنيين.

لقد حقق   ماضي جزءاً كبيراً من أحلامه، عندما أسس فرقة النغم العربي، وهي أول فرقة موسيقية غنائية، تعنى بالتراث الموسيقي، ولقيت هذه الفرقة نجاحاً ملحوظاً، منذ المهرجان الموسيقي الأول للرابطة عام 1982، وقد عمل بالتعاون مع زملائه، على تأسيس أوركسترا الأردن السيمفونية، بعد أن كانت حلماً بعيد المنال، وكانت ثمرة للتشارك بين رابطة الموسيقيين وقسم الموسيقى في جامعة اليرموك، حيث تكون جيل من الموسيقيين الأكاديميين الشباب، فقد ضمت الأوركسترا ما يزيد عن عشرين عازفاً، أما أوركسترا الصغار، فقد تشكلت من مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات إلى 16 سنة، لخلق أجيال جديدة من الموسيقيين الشباب، الذين يعول عليهم مستقبل الموسيقى في الأردن.

أسس عامر ماضي في مؤسسة أضواء الفن، فرعاً تربوياً، أطلق عليه اسم ( مركز دار الفن ) وكان لهذا الفرع نشاط موسيقي درامي، ارتبط إلى حد بعيد بالمسرح الأردني، بعد ذلك أطلق على هذا الفرع اسم ( مسرح الفوانيس ) وأصبح يضم كل من المسرحي خالد الطريفي، والمسرحي نادر عمران، والموسيقي عامر ماضي، وبادر أيضاً إلى تأسيس فرقة فوانيس للصغار على غرار الأوركسترا الأردنية، وقدمت هذه الفرقة مسرحيات للصغار، كان الدور الرئيسي فيها للصغار أنفسهم.

كان الفنان عامر ماضي، أبرز الناشطين على الساحة الفنية الأردنية في عصرها الذهبي، وكان صاحب رسالة سامية،  لم يهدف من ورائها إلى مكاسب مادية، لقد كان فناناً أصيلاً بكل ما للكلمة من معنى، وكان مجدداً بوعي عميق، بالموروث الموسيقي العربي، وقد تتلمذ على يديه عدداً كبيراً من خيرة الموسيقيين الأردنيين، الذين حملوا راية الفن إلى آفاق المستقبل المشرق. لقد غادرنا عامر ماضي وهو في ذروة عطائه، حيث غيبه الموت المفاجئ من بيننا، فقد توفي في السادس عشر من شهر كانون الثاني عام 2009، وما زال مكانه شاغراً يؤكد على المساحة الكبيرة التي احتلها في الحركة الفنية الأردنية، وما زالت القلوب تجدد حبها له، فقد خلد اسمه بفنه الباقي، ومن خلال الأجيال التي أثر بها، ووضعها على سكة الإنجاز المتميز.

حماد أبو جاموس الدعجة

|1 التعليقات
حماد أبو جاموس

كانت منطقة المحطة ورغدان ومحيط سقف السيل، بالإضافة لماركا، الدعامات الرئيسية التي شيدت عليها ركائز عاصمة الأردن الحديث، فقد كان حماد أبو جاموس ابن هذه الأرض، حمل لون ترابها، وسعى مع الرواد والأحفاد لبناء مستقبلها المدهش.

اجتهد بصفته  طالبا للعلم المجد، والعسكري المحترف، الذي نافح عن الأرض والإنسان، وخاض أشرس المعارك ضد جيش الاحتلال في فلسطين، وعلى أسوار القدس، وعندما تحمل أعباء المناصب المدنية، كان محط الثقة وموضع الأمل، حيث عرف بالجدية في العمل، وبخلقه الرفيع، مواقفه المدروسة.

ينتمي حماد إلى عشيرة أبو جاموس إحدى عشائر الدعجة، ويعد والده من أبرز شيوخها، فهو من كبار ملاكي الأراضي، لكن هذا الواقع لم يمنحه طفولة مختلفة ومريحة، فقد كان جميع أفراد العائلة يعملون في الزراعة، لذا عمل حماد في الزراعة كغيره من أبناء عمومته. 

فقد ولد حماد أبو جاموس عام 1936 في ماركا الشمالية، ولم تكن في منطقته مدرسة رسمية، فالتحق مع مجموعة من أبناء هذه النواحي بالكتّاب.

كان عليه قطع المسافة بين ماركا الشمالية والجنوبية مشياً على الأقدام، لمسافة تصل إلى ستة كيلومترات، ليتلقى المعارف الأساسية في هذا الكتّاب، كالقراءة والكتابة والحساب والقرآن الكريم، ويقوم بالتدريس إمام المسجد في الحي، في حين تلقى علومه الحياتية من خلال مضافة والده، التي يجتمع فيها رجال العشيرة، للتباحث في شؤونهم، وحل كثير من مشاكلهم وقضاياهم .

أكسبه العمل بيده في الزراعة منذ نعومة أظفاره، حب الأرض وإدراك قيمتها التي لا تقدر بثمن، كما كان لهذه المرحلة المبكرة دور في قدرته على مواجهة الحياة، لذا علمته الاعتماد على النفس، والقدرة على تقبل الظروف الصعبة، وتحويلها إلى منجز متميز.

بعد افتتاح أول مدرسة حكومية في منطقة شرق عمان، وهي مدرسة الفتح الثانوية في المحطة، التحق حماد بهذه المدرسة، حيث تم قبوله في الصف الثاني، وكان دائماً ينال المركز الأول في التحصيل الدراسي، وقد أمضى في مدرسة الفتح سبع سنوات، حيث حولت بعد ذلك إلى مدرسة عسكرية، تابعة للجيش العربي الأردني، وقد تم اختيار الطلبة الأوائل في المدرسة ليلتحقوا بالجيش، وكان حماد أبو جاموس من بينهم، غير أن مدرسه للغة الإنجليزية، الأستاذ عبد الكريم الشيخ، عارض دخول حماد الجيش كضابط بهذه السن، وذلك نظراً لتميزه في الدراسة، خاصة في اللغة الإنجليزية، فقد كان يدرس شكسبير وميلتون وعدداً من الشعراء والأدباء الإنجليز، وهو لم يزل في الصف السادس الابتدائي، حيث كان يعطيه المعلم دروساً إضافية على ضوء السراج في البيت، وقد تمكن وهو في هذه السن، من ترجمة بعض النصوص من الإنجليزية إلى العربية وبالعكس ببراعة كبيرة، وتمكن أستاذه من إقناع أهله بنقله إلى الكلية العلمية الإسلامية، المدرسة الأهلية الأبرز في تلك المرحلة، فكان له ذلك، وقد درس فيها حتى نال شهادة المترك – الثانوية العامة – عام 1958، وقد نال هذه الشهادة بتفوق ملحوظ.

بعد حصوله على الثانوية العامة، كانت لديه رغبة كبيرة لدراسة الهندسة الميكانيكية، وقد أعد العدة من أجل السفر إلى أمريكا من لهذه الغاية، لكن الجيش العربي الأردني، كان بحاجة ماسة إلى مجموعة من الشباب الأردني المؤهل، فعرضوا عليه بعثة دراسية لدراسة الطب في بريطانيا، فقبل هذا العرض لكنه لم يرغب في دراسة الطب، لذا رفض هذا التخصص، وقرر دراسة الهندسة الميكانيكية في بريطانيا، فسافر إلى بريطانيا والتحق بكلية « تشيلسي « في لندن، وبقي فيها حتى العام 1961، حيث تخرج في الكلية حاصلاً على الدبلوم في الهندسة الميكانيكية، وقد زامل خلال دراسته في لندن كلا من: طلال الفايز وناظم خير وبشارة قعوار وهاشم الطراونة وزهير قاقيش، وكذلك الفنان نبيل صوالحة، الذي ترك هندسة الطيران، وقرر دراسة التمثيل، وخلال هذه الفترة، تعرف حماد أبو جاموس على زوجته الاسكتلندية، فخطبها ومن ثم تزوجها بعد أن أنهى دراسته، وقد أنجب منها بنتين: سلوى وهو مهندسة ميكانيكية، ورندا وهي حقوقية تعيش في ألمانيا، أما أبنه أمجد فهو مهندس ميكانيكي، عمل مع والده في تسيير أعمالهم الخاصة.

عاد أبو جاموس إلى الجيش بعد دراسته في بريطانيا، ومنح رتبة ملازم، وقد بعث في دورات عليا، منها دورة في الإدارة العليا في كلية العلوم البريطانية، ودورات متوسطة وطويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الجيش اختير للعمل الإداري في القيادة العامة، لكنه رفض وفضل العمل بتخصصه ميدانياً، فخدم في المشاغل العسكرية المركزية في الزرقاء، والتي أصبحت في ما بعد مشاغل الأمير فيصل الرئيسية، وخلال عمله رئيساً لفريق عمل، قام فريقه بتجميع أول سيارة مميزة، قدمت كهدية لسمو الأمير فيصل، بمناسبة عيد ميلاده، بحضور جلالة المغفور له الحسين بن طلال وجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، الذي كان أميراً حينها، وقد كان حماد ضابط سير عمل وإنتاج، ومسؤولاً عن أقسام الميكانيك.

نقل حماد أبو جاموس إلى الجبهة الشرقية، فعمل ركناً فنياً للجبهة الشرقية، التي كان قائدها الشريف ناصر بن جميل، وقد عرضت على أبو جاموس مناصب كثيرة، لكنه اختار الخدمة في الضفة الغربية، حيث عين قائداً لمشاغل الميدان الثاني، في منطقة أريحا لمساندة القدس، وقد سكن هناك حتى قيام حرب حزيران عام 1967، وقد شارك في هذه الحرب، حيث قصف الجيش الإسرائيلي، مقر قيادته في منطقة النبي موسى، وكاد أن يستشهد، عندما دمر مقره بالكامل بالنابالم، فقد استشهد عدد من الضباط والجنود، غير أن وجوده في المقر البديل أنقذ حياته، وقد حاول صد الطائرات الإسرائيلية بالأسلحة المتوفرة، حتى بالمسدسات، لكن عدم توفر غطاء جوي مصري، كما كان مقرراً في القيادة العربية المشتركة، كشف الدبابات والمدرعات الأردنية، وأصبحت صيداً للطائرات الإسرائيلية، فدمر معظمها، مما أسهم في سقوط الضفة الغربية.

شارك حماد أبو جاموس في المعارك التي خاضها الجيش بعد حرب 1967، منها معركة الكرامة وحرب عام 1973، وقد نال عدداً من الأوسمة نظير شجاعته وإقدامه، ولتميز خدمته العسكرية، في كل المواقع التي خدم فيها، حيث نال وسام الاستقلال ووسام الكرامة، وكذلك وسام الاستحقاق العسكري، وقد أحيل على التقاعد عام 1984، وكان وقتها في سلاح الصيانة الملكي، وقد تميزت خدمته العسكرية بالحرفية العالية، وترك أثراً طيباً بين الجنود والضباط الذين عرفوه أو خدموا معه، فقد كان متواضعاً ومقرباً من الجميع، وقد مكنته خبراتها الواسعة، التي امتلكها من خلال دراسته وخدمته الغنية في القوات المسلحة الأردنية، من التوجه إلى الحياة المدنية، مسلحاً بأسباب النجاح والتميز.

قام حماد أبو جاموس بتأسيس شركة هندسية خاصة بالكهرباء والميكانيك، بعد ذلك تم تعيينه في مجلس أمانة العاصمة، وكان فاعلاً في معظم اللجان المهمة فيها، وقد خاض الانتخابات النيابية، وفاز بها عام 1993، وكرس نفسه لخدمة أبناء منطقته، والارتقاء بأداء مجلس النواب، في التشريع والرقابة، وقد كان نجاحه في الانتخابات كبيراً ولافتاً، حيث نال ما يشبه الإجماع من قبل سكان دائرته كاملة، وعندما كلف دولة عبد الكريم الكباريتي بتشكيل الحكومة، أسندت لأبو جاموس وزارة التنمية الاجتماعية، وهو عضو في مجلس النواب، وقد حالت ظروف محلية وإقليمية، دون استمرار الحكومة في عملها، وقد تم اختياره عضواً في مجلس الأعيان، تقديراً لخدماته الكبيرة وخبراته المتعددة.

زرع أثره الطيب في النفوس والأماكن، منذ كان طالباً في مدرسة الفتح، مروراً بدراسته في الغرب، وحتى أصبح عميد هندسة، وقائداً ومديراً للكلية الفنية، وعدة وحدات فنية أخرى ورئيس معلمين، كان مثال رجل الدولة المنتمي لوطنه وقيادته، ومقرباً من الناس. عرف بكرمه ونظافة يده. وقد أصيب بنوبة قلبية حادة، أدت إلى وفاته يوم السبت في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 2008، عن عمر ناهز الاثنين وسبعين عاماً، لكنه رغم غيابه المفاجئ، ترك عملاً صالحاً وذكراً طيباً، لا ينقطعا أبد الدهر. 

أرسلان رمضان بكج

|0 التعليقات
أرسلان بكج

كان متقد الذكاء منذ صغره، صاحب إحساس رقيق، قاده إلى عوالم من الفكر والبحث والإبداع، وتمكن بفضل جهوده الاستثنائية وأفكاره الخلاقة، من ترك إرث متنوع وفريد، مبني على حب الأرض الأردنية، والولاء الحقيقي لتاريخها وعمق حضارتها، وتقديره لدور قيادتها في بنائها والذود عنها، لتكون أنموذجاً فريداً ومؤثراً في المنطقة والعالم، فكان أرسلان رمضان واحداً من الرجال الذين تركوا بصمة خاصة بهم، وأبوا أن يغادروا هذه الدنيا دون أن يكون لهم فيها ما يبقى يذكر بهم جيلاً بعد جيل، فقد قاسى في حياته ظروفاً صعبة، وعاصر خلال مسيرته العملية أحداثاً جساماً، تعرضت لها المنطقة بشكل عام والأردن بشكل خاص، وقد أسهمت هذه الأحداث والتحولات في ربطه ببلده برابط المحبة والكرامة والعشق، فأنطلق في مشروعه في الإبداع والبحث، وفي الخدمة العسكرية من إدراكه لواجباته المختلفة، وأن الرجال الكبار مناط بهم المهام العظيمة، والقدوة الحسنة التي تسهم في البناء والتربية.

يعود أرسلان رمضان بكج بنسبه إلى إحدى العشائر الشركسية الأردنية، التي قدمت إلى البلاد في أعقاب احتلال الروس لأرض أجدادهم في القفقاس الشمالية الغربية، فقد احتلت روسيا القيصرية بلاد الشركس المسلمين، في حدود عام 1846 مما اضطر الشراكسة إلى ترك بلادهم، والهجرة في الديار الإسلامية للحفاظ على دينهم، وقد وصلت عشائر منهم واستقرت في عدد من المدن الأردنية، ومن أبرزها مدينة عمّان حيث سمي حي المهاجرين العريق باسمهم، وقد انصهروا في المجتمع الأردني، حتى أصبحوا من أهم مكونات هذا المجتمع، وأحد عوامل قوته ومنعته، فتمكن أرسلان من استلهام كل هذه العوامل والأحداث، وحولها إلى عشق وانتماء عميق لأمته ووطنه وأهله.

ويعد الفنان والباحث أرسلان رمضان عمّاني بكل ما في الكلمة من معنى، فقد ولد فيها عام 1934، ونشأ في كنف والده رمضان مامقة بكج، حيث تمتع برعايته والده فهو أبنه البكر، حيث كانت تسكن العائلة في حي المهاجرين في عمان، وقد عاش أرسلان سنواته الأولى بهدوء وسهولة، لكن لم تمهله الأقدار طويلاً، فما أن بلغ السادسة من عمره، حتى فجع بموت والده، فأصبح طفلاً يتيماً فجأة، ولا شك أن هذه الحادثة قد تركت أثرها العميق في نفسه، وهو في تلك العمر الصغيرة، ولم يخفف عنه وجع الفقد، غير رعاية والدته له ولإخوته، وخلال هذه الفترة التحق بمداس عمان، من أجل تحصيل العلم والمعرفة، وكان قد تشرب تفاصيل مدينة عمان، التي أخذت بالتوسع بشكل متسارع، وهذا جعل منها مدينة حية وضاجة بالحياة، بعد أن تحولت إلى مدينة جاذبة، وواعدة بمستقبل جاء كما خطط له.

بعد دراسته الصفوف الأولى في مدارس عمان، أتيحت له الفرص للانتقال إلى مدينة نابلس، وهناك التحق بمدرسة النجاح، من أجل إكمال دراسته فيها، وقد منحته هذه التجربة فرصة الاعتماد على نفسه أكثر، والاشتباك مع محيط جديد، وأن يتعرف على أصدقاء جدد، وعندما أنهى الصف السادس الابتدائي، لم يتمكن من إكمال دراسته لعدة ظروف، مما اضطره لمغادرة المدرسة، والاستعداد لخوض غمار الحياة العملية، بكل ما تحمل من مصاعب ومعاناة، خاصة وهو يدخلها صغيراً، ولكن بفكر متقد وطموحات كبيرة، وقد تمكن من تحقيق الخطوة الأولى من أحلامه، عندما قرر الالتحاق بالجيش العربي – القوات المسلحة الأردنية – في فترة بالغة الدقة سياسياً وعسكرياً في المنطقة، فقد أنضم إلى صفوف الجيش الأردني عام 1948، والجيش يخوض معارك حامية الوطيس مع القوات الإسرائيلية، في حرب الإنقاذ في فلسطين، ويبين أن انخراطه في هذا التوقيت في القوات المسلحة، عمق الانتماء والولاء للوطن والقضايا العربية، واستعداده للتضحية بروحه من أجل ما يؤمن به، فكان له شرف خوض عدد من معارك الجيش في فلسطين، وقد أدخلته هذه الحرب وما جرته على المنطقة برمتها من ويلات، في خضم المرحلة الحارة، فاكتوى بنارها وتوجع من نواتجها، التي لم تتوقف حتى يومنا هذا.

بعد تلك المرحلة انتقل أرسلان رمضان مامقة بكج، للخدمة في صفوف الحرس الملكي الخاص، في الديوان الملكي الهاشمي العامر، وقد أهله ما تمتع به من بنية جسدية مثالية، وحسن سيرته وانضباطه، بالإضافة لذكائه وشجاعته، لأن يكون ضمن تشكيلات الحرس الملكي الخاص، وكان بفضل ذلك قريباً من جلالة المغفور له الحسين بن طلال، وكان واحداً من ضباط الحرس الخاص المميزين، فبالإضافة لحرفيته العالية كعسكري محنك، كان متواضعاً وبسيطاً ومقرباً من رفاقه من مختلف الرتب العسكرية، وله مكانة بين أصدقائه وكل من عرفه، لصدقه وآمنته، ومحبته للحياة والفرح، وهو المعروف بجديته وبحثه الدائم عن الجديد المبدع، وخلال عمله في الحرس الملكي، رافق عدداً من الشخصيات العالمية في جولات سياحية وبحثية في ربوع الأردن، وقد فتح ذلك عينه على الكنز الكبير الذي تخبئه الأرض الأردنية، وقد أكتسب أساليب البحث العلمي والميداني، من خلال مرافقته لكتاب وفنانين وباحثين غربيين.

لم يتجاوز أرسلان رمضان الصف السادس الابتدائي، إلا أنه تمكن بفضل ذكائه وعمله على نفسه واجتهاده، من تحقيق مكانة في الكتابة والبحث والتصوير والتصميم والرسم، لم يبلغها كثير من الأكاديميين والمختصين، وهذا دليل على أصالة موهبته، ومقدرته على تطوير نفسه، وتوظيف التقنيات الحديثة، في عمله الفني والبحثي. فبعد خدمة ثمانية عشر عاماً في الحرس الملكي، أحيل على التقاعد بناءً على طلبه الخاص، وكان هذا التقاعد محطة أساسية لكي ينطلق باتجاه تحقيق أحلامه في الفن والكتابة، فقد كان عاشقاً ولهاً للطبيعة الأردنية، ومن هواة الصيد، وقد قاده وعيه إلى ضرورة ضبط هذه الهواية، من أجل المحافظة على البيئة، وما تحتويه من طيور وحيوانات برية، فأسهم في تأسيس « نادي الصيد الملكي « الذي تحول فيما بعد إلى « الجمعية الملكية لحماية الطبيعة « والتي تأخذ على عاتقها حماية الطبيعة بمكوناتها، وتأسيس المحميات الطبيعية، وتنظيم الصيد بما يحفظ الأنواع، ويحمي الحيونات المهددة بالانقراض.

قام أرسلان رمضان بتأليف باكورة أعماله، عندما أنجز كتابه الأول « صور من التراث الأردني الفلسطيني « وقد صدر بثلاث لغات: الإنجليزية، والفرنسية بالإضافة للعربية، ضم صور لشخصيات وأماكن وأحداث، منذ عام 1910، وتبعه بكتاب عمان بين « الأمس واليوم « وصدر بالإنجليزية والعربية، ونال الكتاب درع مدينة عمان، واشتمل الكتاب على مقارنة بين صور قديمة لعمان بأخرى حديثة صورها أرسلان لنفس الأماكن، لتوضيح مدى تطور عمان وازدهارها السريع، أما كتابه « طيور الأردن « والذي صدر عام 1992 بالعربية والإنجليزية، فقد استغرق إنجازه خمس سنوات من التجوال والمراقبة، من أجل التقاط الصور المطلوبة، وتوثيق هذه الطيور، والتعريف بها بشكل علمي ميسر، كما أصدر كتاب آخر بعنوان « طيور في سماء الأردن « هو إصدار خصصه للأطفال عام 1994، وفي عام 2002 أصدر كتابه « عمّان تاريخ وصور « أما كتابه « جلالة الملك المؤسس عبد الله بن الحسين « فقد صدر عام 2004، وصدر كتابه « أعلام ورايات الهاشميين « عام 2006، كما عمل على إنجاز « بوسترات عن الملوك الهاشميين « 2006، وقد نشر كتابه الأخير بعنوان « صور من ذاكرة الأردن « عام 2008، وقد تشرف بإهداء المغفور له الملك الحسين بن طلال، نسخ من كتبه الأولى بشكل مباشر، وحظيت جهوده بتقدير ومباركة المغفور له.

أنجز أرسلان رمضان أكثر من ثلاثمئة من بطاقات المعايدة تضم صور لطبيعة الأردنية، ومارس صيد السمك والرسم، وأهتم باقتناء اللوحات، وجمع الطوابع والكتب النادرة، بالإضافة لحبه للسفر وزيارة المتاحف العالمية، واهتمامه بالتراث الشركسي في الأردن، وأقام عدداً من المعارض الفنية، وقد نال خلال حياته مجموعة من الأوسمة الرفيعة منها: وسام الاستقلال الأردني، وسام الأرز من الجمهورية اللبنانية، وسام من الجمهورية التونسية، وسام من المملكة المغربية، وسام من الجمهورية الإيرانية، ووسام من المملكة الماليزية، بالإضافة إلى درع أمانة عمان، ودرع الجمعية الشركسية. أصيب أرسلان رمضان بمرض السرطان العضال، وعانى في آخر أيامه، حتى توفي في الثالث عشر من كانون الثاني عام 2011، وما زال فقده حاراً وموجعاً، رحمه الله بواسع رحمته.