‏إظهار الرسائل ذات التسميات ع. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ع. إظهار كافة الرسائل

المجاهد الشيخ عبد الحميد حميدي الدخيل النميري النعيمي .. أحد قادة الثورة العربية الكبرى

|0 التعليقات


شكلت الفترة الزمنية الممتدة منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، حتى منتصف القرن العشرين، ميداناً خصباً لبروز عدد من المجاهدين العظام، الذين تحملوا أعباء المرحلة الصعبة، وقدموا أرواحهم قبل أموالهم، دفاعاً عن الأمة وصوناً لكرامتها، من خلال النضال المسلح من أجل استقلال البلاد العربية، وصناعة مستقبل أفضل للعرب في وطنهم الممتد، وقد شكلت بلاد الشام وحدة جغرافية واجتماعية، جعلت منها كياناً موحداً على مر التاريخ، وقد سمح هذا الواقع الثري، لحراك ديموغرافي واسع النطاق، ويعد سهل حوران مع هضبة الجولان حتى منطقة مرجعون، نطاقاً جغرافياً وبشرياً حيوياً واحداً، حتى أن عدداً من رجال هذا الإقليم، طالبوا بالانضمام إلى الأردن، والخلاص من قبضة الفرنسيين، وقد كان لمجاهدي الأردن دوراً بازاً في المقاومة الشعبية في سوريا ضد فرنسا، واستشهد عدد منهم في المعارك الطاحنة التي خاضوها، دفاعاً عن الأرض العربية، وقد استضافت بلدات وقرى الشمال الأردني، الثوار العرب الملاحقين من قبل المستعمر، فالتحمت الأرواح وتوحدت المصائر، فكانت الأردن الداعم والحامي والسند.

يعد المناضل عبد الحميد النعيمي، واحداً من أولئك المجاهدين الكبار، الذين صدقوا عهدهم وما بدلوا ولائهم، حتى عد مثالاً فريداً للفداء والتضحية من أجل الوطن، وهب للدفاع عن بلداته ومدنه، بغض النظر عن المخاطر المحدقة، وبعد المسافة عن مسكنه، فقد كان يرى أنه لا يمكن حماية البيت دون حماية الوطن الكبير.  ولد المناضل عبد الحميد النعيمي عام 1894، في الزمن الحرج، حيث تستعد المنطقة لأحداث جسام غيرت شكلها حتى اليوم، وتربعت قريته ومسقط رأسه ( إسبته ) على ربوة من ربوات هضبة الجولان، على مقربة من مدينة القنيطرة، وكانت عشيرته من العشائر البدوية المشهود لها بالفروسية والكرم، والحراك في المنطقة المحيطة، وقد تربى عبد الحميد على الفروسية والشجاعة، وحمل السلاح من سيف وبندقية منذ نعومة أظفاره، وقد تلقى تعليماً أولياً من خلال الكتّاب، حيث تميز بالذكاء والفطنة، والسرعة في التعلم واكتساب المعارف، وقد أتيحت له الفرصة فيما بعد ليلتحق بمدرسة التجهيز في دمشق.

 كان عبد الحميد النعيمي من بين الطلبة الملفتين للانتباه، فقد وقع عليه الاختيار، مع عدد من الطلبة العرب من قبل الحكومة التركية، ليدخل الكلية الحربية في اسطنبول، فسافر بناءً على ذلك إلى عاصمة الإمبراطورية العثمانية، ودخل الكلية الحربية عام 1916، وتلقى علومه العسكرية فيها، وخدم في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، مع عدد من الضباط العرب، منهم محمود الفاعور وأحمد مرويد وعلى خلقي الشرايري، وقد بقي في اسطنبول حتى خروج القوات التركية من بلاد الشام عام 1918، حيث عاد بعدها مع زملائه إلى دمشق وانضم للجيش العربي الشمالي، التابع للحكومة العربية التابعة للملك فيصل بن الحسين، بعد انتصار جيش الثورة العربية الكبرى على الأتراك، وكانت عشيرة النعيمي وعشائر المنطقة المحيطة، قد عملت على تسليح جيش الثورة العربية، من خلال جمع التبرعات، وبيع حلي النساء، بالإضافة لتطوع عدد من المجاهدين للقتال مع جيش الثورة العربية الكبرى.

عمل عبد الحميد ضمن الجيش الفيصلي في مدينة درعا، التي شهدت إعادة تشكيل وتنظيم القوات العربية، عاد بعدها إلى دمشق ليشهد إعلان المملكة العربية واعتلاء الملك فيصل العرش، غير أن الفرنسيين هاجموا سوريا، وتمكنوا من دخول دمشق في أعقاب خسارة العرب لمعركة ميسلون عام 1920، التي خاضها عبد الحميد بكل شجاعة، وقد نجا بأعجوبة خلال المعركة، وقام بالإشراف على سحب قوات اللواء السادس، تحت القصف الشديد، واضطر عبد الحميد إلى مغادرة قريته مع أفراد عشيرته، بعد أن خاضوا معركة حامية، مع القوات الفرنسية في منطقة مرجعيون، حيث قرروا الانضمام للأمير عبد الله بن الحسين، الذي وصل مدينة معان على رأس قوة عسكرية، تلبية لدعوات رجالات بلاد الشام، وقد كان عبد الحميد من بين مستقبلي الأمير عبد الله في معان، وخلال ذلك وضع هو ورفاقه الأمير بواقع العمليات العسكرية ضد الفرنسيين، وقد طلب الأمير استمرار مشاغلة المستعمرين على أطراف نهر اليرموك، حيث قامت القوات الشعبية من قرى الشمال الأردني وقرى حوران والجولان بمهاجمة الفرنسيين في الزوية والاستيلاء عليها ومعاقبة الخونة، لكنهم انسحبوا بتوصية من علي خلقي الشرايري، بعد أن علم بتقدم قوات فرنسية كبيرة باتجاههم.

أنظم عبد الحميد النعيمي إلى الأمير عبد الله، الذي وصل مدينة عمان، وعمل على تأسيس إمارة شرق الأردن، وقد أسهم النعيمي بتأسيس نواة الجيش العربي الأردني، الذي عد نواة لجيش عربي كبير، من أجل تحرير الأرض العربية، وساعد في جمع الأموال لتسليح الجيش، وقد باع جواهر وحلي نساء عشيرته من أجل ذلك، وكان من بين هذه الأسلحة المدفع الموجود حالياً أمام قصر رغدان، وقد تركت هذه الواقعة أثراً طيباً في نفس الأمير عبد الله بن الحسين، وكان النعيمي قد دخل الجيش برتبة ملازم أول، وبعد ذلك تم ترقيته إلى رتبة رئيس _ نقيب _ حيث أمضي في الجيش مدة أربع سنوات، غير أن الفرنسيين استمروا بملاحقته، والمطالبة بتسليمه لتنفيذ حكم الإعدام بحقه، وهو حكم أصدرته المحكمة العسكرية بحقه غيابياً، أعقاب معركة الزوية، وقتل حاكمها وعدد من جنود فرنسا، وقد هدد الفرنسيين المندوب السامي البريطاني باتخاذ إجراءات حازمة في حال عدم تسليمه لهم، فقام البريطانيون بتسليمه لهم عن طريق درعا، حيث نقل إلى سجن القلعة، وتم إعادة محاكمته من جديد، وطالت فترة محاكمته إلى مدة أربع سنوات، حيث صدر عفو عام عن السجناء السياسيين، فأفرج عنه ووضع في الإقامة الجبرية في مسقط رأسه ( إسبته ).

عمل المناضل عبد الحميد النعيمي، على دفع أبنائه للانضمام للجيش الأردني، فكان أن حملوا جميعهم شعار الجيش العربي، وبقي النعيمي وطنياً صلباً، ويناضل في كل المواقع، فكان من المناهضين للانتداب البريطاني، ومن المعارضين لمعاهدة عام 1928، وكان ولاؤه لقيادته الهاشمية ولاءً مطلقاً، عبر عنه بشكل عملي طوال سنوات عمره الطويلة، واستمر قابضاً على جمرة الانتماء للأمة والأرض العربية، وربى أولاده على الشجاعة وحب الوطن، وقد استشهد أبنه موسى في القدس خلال معارك الجيش الأردني على أسوار القدس في حرب حزيران عام 1967، ولم يزده ذلك إلا فخراً وعزة، وهو من رهن شبابه وكهولته خدمة لقضايا أمته، ولم يتخلى عن دوره النضالي في مرحلة من الراحل، فحمل السلاح في معارك مختلفة، وقاتل في سوريا وفلسطين ولبنان، وشارك علي خلقي الشرايري، في السفر إلى الهند للعمل على الإفراج عن الضباط العرب الذين أسروا في معركة ( كوت العمارة ) في العراق عام 1915، ونقلوا إلى المعتقلات البريطانية في الهند، حيث تم نقلهم إلى مصر، من أجل إعادة تدريبهم، لضمهم إلى الجيش العربي الشمالي.

بعد مرحلة التدريب تم نقل أول كتيبة من هذه القوة إلى العقبة، وقد تم تثبيت رتبهم العسكرية عليهم، فاستقبل الملك فيصل في دمشق، كل من علي الشرايري وعبد الحميد النعيمي، وشكرهم على جهودهم الكبيرة، كما تجدر الإشارة إلى أن النعيمي، كان أحد ضباط الدرك الاحتياطي، الذي تم تشكيله في بداية مرحلة التأسيس، ووضع تحت قيادة القائد عبد الرحمن سليم، لكن هذه القوة لم تعمر كثيراً، حيث تم حلها وتشكيل القوة السيارة، التي ضمت مجموعة من أفضل الضباط منهم: عمر لطفي، صبحي العمري، عبد القادر الجندي، سعيد عمون، محمود الهندي، محمد النجداوي، حسين المدفعي، شكري العموري، منيب الطرابلسي، محمد جانبك، سعيد اسحاقات، عبد الكريم الحص، عبد الحميد النعيمي وأحمد التل.

لقد شكل المناضل عبد الحميد النعيمي، حالة فريدة تعددت صورها في تاريخ الأردن الحديث، فقد مثلت سنوات عمره التي تجاوزت الثمانون عاماً، صفحات ناصعة في سفر البطولة الأردنية، التي لا تقف عند حد أو مرحلة، وسيبقى عبد الحميد النعيمي في بؤرة الذاكرة على مر الأجيال، فلم يغب عنا رغم وفاته يوم الجمعة في الرابع من كانون الثاني عام 1974، حيث أقيمت له جنازة عسكرية شاركت فيها موسيقات القوات المسلحة، وكبار الضباط والفعاليات الرسمية والشعبية، وشيوخ ووجهاء العشائر من الأردن خارجه.

عبد الله العكشه ... عصامي امتلك فروسية الكلمة وصلابة الموقف

|0 التعليقات


يمكن النظر لمسيرة حياة الشاعر والسياسي عبد الله العكشة، باعتبارها صورة زاهية، عن مرحلة تاريخية كبيرة وبالغة الأثر، في البنية السياسية والاجتماعية، وفي التحولات الكبرى، التي تركت آثار مخالبها في بلدان المنطقة كلها، وقد وجد عدد من المهتمين بحياة هذا الشاعر النبطي الفذ، تشابهاً ملحوظاً مع حياة شاعر الأردن المتمرد مصطفى وهبي التل – عرار – حتى لقب بعرار الجنوب، فلقد تميز العكشة بتمرده على السائد، وتمسكه بالبساطة والزهد، ومناصرته للضعفاء والمهمشين، وعدم سقوطه في إغواء المناصب والوظائف العالية، وعاش منافحاً عن مبادئه، مدافعاً عن أمته وحريتها ووطنه واستقلاله، ودفع في سبيل ذلك ثمناً غالياً، ولم يغير من نهجه هذا طوال سنوات عمره.

يعد عبد الله العكشة علماً من أعلام الكرك، واحد أبرز رجالات العشائر المسيحية في الكرك، منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى منتصفه، وقد انتشرت قصائده ومآثره بين الناس، من جنوب البلاد حتى شمالها، ولأنه ولد في الفترة التي عانت فيها المنطقة من إهمال الدولة العثمانية، وغياب المؤسسات في أبسط صورها، لذا لم يتم التثبت من تاريخ ولادة معظم أبناء هذه الفترة، لكن الدكتور فريد العكشة ابن عبد الله العكشة يشير في مقدمته لديوان والده (عرس البويضا ) أن والده ولد في الكرك نحو عام 1880، ولا شك أنه جاء إلى هذه الدنيا، والبلاد العربية ترزح تحت ثقل سحابة سوداء من الإهمال والتجهيل، وقد عانى الناس من الفقر وضيق ذات اليد، لذا لم تكن طفولة عبد الله العكشة تختلف عن حياة أطفال القرويين والمزارعين في الكرك، فلقد قاسى صعوبة الواقع منذ تفتح وعيه، وأفضل ما تمتع به في طفولته المبكرة، هو اللعب في حواري الكرك، والركض في دروبها الترابية، غير أن هذه الفترة لم تدم طويلاً، حيث كان ينتزع الأطفال من لهوهم، ويدفع بهم للمساعدة في أعمال الكبار، خاصة في الزراعة، ورعي المواشي، وبعض الأعمال التجارية، فكان أن غادر عبد الله العكشة، طفولته باكراً ليواجه الحياة بما تحمل من مصاعب وقسوة.

لم تكن المدارس الرسمية أو الخاصة متوفرة كما هي اليوم، فلقد شكلت ندرتها عائقاً كبيراً أمام الراغبين في العلم، وهذا ما دفعه لبذل المستحيل للحصول على التعليم بأي شكل من الأشكال، وكان أن أسعفه الحظ بدخوله مدرسة الروم الأرثوذكس، مما وفر له فرصة عز نظيرها لتحقيق حلمه في التحصيل العلمي، ولم يكن في المدرسة مجرد طالب مجتهد، بل تميز بقوة الشخصية، والنباهة والموهبة الأدبية، ما جعله مقرباً من مدرسيه، وقد كان لمعلمه سلامة القسوس تأثيرًٌ واضحٌ على توجهاته الأدبية والفكرية، وعرف بولعه بالقراءة، حتى كان يطلب من والده أن سمح له برعي الغنم، ليتمكن من المطالعة بهدوء الطبيعة، وقد رافق المعلمة هدباء الصناع في قراءة الصلاة في الكنيسة، وعندما أخذ منه راعي الكنيسة الكتاب، الذي يقرأ فيه وسلمه للمعلمة هدباء، اشتكى الأمر للمعلم سلامة الذي أعاد الكتاب إليه.

تعرض مشروعه في تلقي العلم للإحباط، وواجهته مصاعب كبيرة، فلا مدارس ثانوية في الكرك، والناس حينها لا تدرك أهمية العلم، وحالت الظروف دون أن يرسله والده إلى مدرسة في القدس، كما هو حال من يرغبون في إكمال دراستهم في تلك الأيام، لكن مع كل هذه العقبات، لم يتخل عن حلمه، وقرر التعلم على نفسه، وهو الذي اعتاد مكابدة الحياة من بواكير شبابه، وخلال هذه المرحلة بدأت موهبته الشعرية بالظهور، وأخذت قصائده الأولى تصل إلى الناس، ويذكر الدكتور فريد العكشة، أن والده كان يصاب بالغيرة من كل متعلم أو محصل للمعرفة الجديدة، فعندما سمع شابا مقدسيا يتحدث الفرنسية مع الأجانب في الكرك، أسرع إلى راعي الكنيسة الإيطالي، الذي يتقن الفرنسية والإنجليزية بالإضافة للإيطالية، وطلب منه بإلحاح أن يعلمه هذه اللغات، فعلمه مبادئها، وأضطر أن يدرس على نفسه، ويمارس هذه اللغات حتى وإن أخطأ، فتمكن بتفانيه من إتقانها محادثة وكتابة، وكان يستخدمها خلال مرافقته للسياح في البتراء والكرك، كدليل وحارس، حتى عودتهم إلى القدس.

لم تقف طموحاته في العلم عند هذا الحد، ونظراً لعدم قدرته على الإلتحاق بمعاهد علمية، فقد قرر دراسة القانون على نفسه، مع صديقه عودة القسوس، فكانا يدرسان كتب القانون، ويتناقشان فيها، حتى تمكن من تحصيل معرفة قانونية واسعة، مكنته من امتهان المحاماة والتميز فيها، رغم عدم حصوله على مؤهل علمي فيها، وقد عرف كمحام ٍ متميز لا يشق له غبار، وكان له دور نضالي مشهود ضد ممارسات الحكومة التركية، وهو الذي عاش ما قاساه أهله من وراء هذه السياسة، وقد كتب رسالة إلى الصدر الأعظم في اسطنبول، يشرح فيها فساد الحكام في الكرك، وقد غير في خط يده، وتركها دون اسم أو توقيع، ومع ذلك بعد أشهر حقق معه المتصرف، واتهمه بكتابة الرسالة، وقام بنفيه إلى الطفيلة، فأرسل إليها مع جنديين تركيين، ولم يحاول الفرار، فقد تميز بالشجاعة والقدرة على تحمل النتائج.

أسهم عبد الله العكشة في تحويل عشيرته، من المذهب المسيحي الشرقي إلى الغربي، على إثر موقف راعي الكنيسة من ولعه بالمطالعة، وقد تزوج ثلاث مرات أولها عام 1901 حيث تزوج بفتاة من عائلة الحجازين، والثانية من عائلة الزعمط من السلط، والثالثة عام 1917 من عائلة أبو عقلة من بيت لحم. 

واستمر في مواجهة الظلم التركي للعرب، وعندما فرضت ( السخرة ) على العرب، نظم قصيدة تدعو لرفض هذا الحكم الجائر، وقرأها على شيوخ الكرك، فتبنوا دعوته وأرسلوا البرقيات التي تطالب برفع هذا الظلم، حتى استجابت الحكومة وتم رفع السخرة عن الكرك، ونتيجة لنهجه المناهض للدولة التركية، هو وشقيقه خليل وعدد من رجالات الكرك ومادبا، تم إلقاء القبض عليهم ونفيهم إلى منطقة قوزان في تركيا، ولم يتمكنوا من العودة إلى الوطن، إلا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وقاسى خلال هذه الفترة ويلات الحرب، فعبر عن هذه المعاناة في قصيدة مؤثرة.

خلال فترة الحكومة العربية، في عهد الملك فيصل، عين عبد الله العكشة عضواً في محكمة الكرك، غير أن هذه الفترة لم تدم طويلاً، فبعد سقوط الحكومة العربية في دمشق، وقيام حكومة محلية في الكرك، انتخب عضواً في المجلس العالي في حكومة الكرك، وقد واكب قدوم الأمير عبد الله بن الحسين إلى معان ومن ثم عمان، وتأسيسه لإمارة شرق الأردن عام 1921، ويعد العكشة من رجالات مرحلة التأسيس، فقد عين في بدايات تلك المرحلة عضواً في محكمة بداية اربد، ودلت هذه الوظائف الأخيرة على تقدير لخبرته القانونية، رغم عدم تحصله على مؤهل علمي، ومع ذلك حافظ على مبادئه، ورفضه لظلم الاستعمار الغربي للبلاد العربية، وخسر في سبيل ذلك وظيفته في المحكمة، عندما رفض تسليم مجاهدين سوريين التجأوا إلى الأردن، إلى الفرنسيين، بعد أن تبين له أنهم مناضلون شرفاء، وقاوم إلحاح المعتمد البريطاني، فتم الاستغناء عنه، فلم يفت ذلك في عضده، وبقي على رأيه وموقفه.

عاد عبد الله العكشة بعد خروجه من محكمة اربد إلى الكرك، وزاول العمل في المحاماة، مدافعاً عن أصحاب الحق، فكان يرفض الدفاع عن أي شخص ليس بصاحب حق، ولا يغريه المال أو الجاه، فقد كان زاهداً، يعيش يومه، ويحتمل الأحزان والخسارات مهما كانت قاسية، حيث تقبل مقتل ابنه البكر بشارة وهو في ريعان الشباب، واحتسبه عند الله، فكان مؤمناً بالقضاء والقدر، وعندما توفي أحد أطفاله الصغار، وفي بيته ضيوف لم يظهر عليه أي شيء. 

ونظراً لخبرته القانونية المشهودة، عين عضواً في لجنة وضع قانون مجلس النواب، في بداية مرحلة التأسيس، ولم يتفق رأيه مع رأي رئيس اللجنة إبراهيم هاشم، فحلت اللجنة وعندما أعيد تشكيلها لم تضم عبد الله العكشة، وخاض الانتخابات النيابية أكثر من مرة، لكنه لم يتمكن من دخول المجلس، وقد قدم للحكومة شكوى مع إثباتات، تبين أنه تم ترسيبه في الانتخابات، لكن شكواه لم تلق الاهتمام، وبقي يعمل في مهنة المحاماة حتى عام 1952، عندما أقنعه ابنه الدكتور فريد بالتقاعد، وعرف في حياته بحبه للعمل في الزراعة، فعمل بيديه دون كلل، وحافظ على حبه للمطالعة بشكل لافت، واستمر متمسكاً بمبادئه ومواقفه، حتى وفاته في عمان في السابع من شباط عام 1956.

عوني بلال قاسم .. من صقور سلاح الجو الأردني

|0 التعليقات
اللواء عوني بلال قاسم

لقد أدرك سمو الأمير المؤسس عبد الله الأول بن الحسين، أهمية بناء القدرات العسكرية لإمارة شرق الأردن، نظراً للظروف العسكرية والسياسية التي تمر بها المنطقة، ولعدم توفر الإمكانيات المادية والقوى البشرية المؤهلة، تم إيلاء القوات المسلحة البرية الأولوية، لكن لا يعني ذلك تأخر تشكيل نواة السلاح الجوي كثيراً، فلقد حتمت الظروف المحيطة، أن تضطلع الأردن بمهام، وتواجه أعباء تفوق حجمها وقدراتها، حيث كانت البلاد العربية تقع تحت هيمنة القوى الاستعمارية الغربية، وإدارة دول الانتداب، ومن هذه الدول بريطانيا التي انتدبت على فلسطين والأردن والعراق.

وقد عملت بريطانيا على إقامة قاعدة جوية في الأردن عام 1931، وكان لهذه القاعدة دور في إدارك أهمية هذا السلاح الحديث للأردن، حيث قامت الأردن بتأسيس نواة لهذا السلاح عام 1950، كانت بمثابة ذراع جوية أردنية، كانت تسمى ( الفيلق الجوي العربي ) وتم تدريب طيارين أردنيين في بريطانيا، التي اعتبرت الأفضل عالمياً في تلك المرحلة في هذا المجال، وقد ظهرت مساهمة سلاح الجو الناشئ لأول مرة، خلال تفوقه بمعركة البحر الميت عام 1964، على الطيران الإسرائيلي الحديث وصاحب الخبرة، وأيضاً في مواجهات معركة السموع 1966، وحرب حزيران 1967.

يعد اللواء عوني بلال قاسم، من أبرز ضباط وقادة سلاح الجو، وهو من رجالات العشائر الشركسية، التي لعبت دوراً مؤثراً خلال مراحل تأسيس الدولة المختلفة، حيث أضافوا غنى عميقاً في التركيبة الديموغرافية للأردن، واسهم وجودهم في توسيع أفق التنوع الثقافي، وقدموا منذ انخراطهم في النسيج الوطني الاجتماعي، رجالات تميزوا بالولاء والإخلاص، والقدرة على القيام بالمهام الصعبة في أحلك الظروف، وأقصي المواقف. ينتمي عوني بلال إلى عشيرة ( قالة ) أو( غالة ) الشركسية، التي كانت تتميز بما تميز به الشركس عبر تاريخهم الطويل بالفروسية والشجاعة، حيث انخرط عدد كبير من أبناء العشائر الشركسية، في القوات المسلحة الأردنية، وفي مختلف التشكيلات البرية والجوية، فقدموا ولا زالوا يقدمون الجنود والضباط والقادة والشهداء الأبرار.

ولد اللواء عوني بلال قاسم قالة في عام 1945، وقد زاملت ولادته مرحلة الاستقلال، والتي تحولت بعدها إمارة شرق الأردن إلى المملكة الأردنية الهاشمية، حيث بدأت مرحلة جديدة من مسيرة الأردن في تكريس الدولة والنهوض بالتنمية في كل الميادين. نشأ عوني بلال في مسقط رأسه مدينة عمان، التي كانت تشهد حراكاً بشرياً لافتاً، اقتران بالأحداث السياسية الكبرى في المنطقة، وتربى على أخلاق الفرسان، التي توارثها الشركس جيلاً بعد جيل، فكان منذ صغره شجاعاً وكريم النفس، محباً لوطنه ومخلصاً لقيادته، وقد التحق بالمدرسة في عمان ودرس المرحلة الابتدائية، ومن ثم درس المرحلة الثانوية، حتى نال شهادة الثانوية العامة من مدرسة رغدان الثانوية، وكان من بين الطلبة المتفوقين، حسب مستوى التحصيل الدراسي في تلك المرحلة، وقد أهلته هذا الشهادة للحصول على وظيفة جيدة، حيث قام بعدد من الأعمال.

تعلق عوني بلال منذ صغره بالمغامرة، ولا شك وراودته أحلام الطيران في سماء الوطن، وكان له أن حقق هذه الأمنية، عام 1964 عندما التحق بسلاح الأردني الفتي، حيث دخل هذا السلاح كتلميذ مرشح، وبعد ذلك أرسل في بعثة إلى بريطانيا، وبذلك نال تدريب عالٍ على الطيران، في سلاح الجو الملكي البريطاني، وبعد أن أنهى بعثته التدريبية بتفوق، عاد إلى الوطن ليصبح ملازم طيار، وكان ذلك عام 1966 وقد تميز كطيار صاحب مهارات قتالية متميزة، وكضابط عرف بعسكريته المنضبطة، وأفكاره الإدارية التي أكسبته ثقة قادته، ومكنته من التقدم بشكل مضطرد، وخلال فترة ليست بالطويلة، أصبح عوني بلال قائد سرب، في مرحلة تميزت بالمواجهات المباشرة مع سلاح الجو الإسرائيلي، فكان كغيره من صقور سلاح الجو الأردني، شجاعاً لا يخشى المواجهات غير المتكافئة تقنياً، متجاوزاً بمهاراته تفوق الطائرات الإسرائيلية الحديثة.

بعد نجاحه كقائد سرب مقاتل، أصبح قائد قاعدة جوية، حيث توسعت صلاحياته، وقد أولى تطوير قاعدته العسكرية جل عنايته، كما ركز على ضرورة حصول الطيارين على تدريب مستمر، يرتقي بمستواهم المهاري، ويساعدهم على تطوير قدراتهم، من خلال اطلاعهم على احدث الأساليب والأسلحة الجديدة في هذا المجال، وقد انعكست جهوده في تطوير سلاح الجو الأردني بشكل عام، حيث تم تعيينه بعد هذه المرحلة مديراً للعمليات الجوية، وهذا الموقع وسع صلاحياته في مجال تحسين وتطوير قدرات سلاح الجو، الذي أصبح رغم قلة عدد الطائرات وقدمها نسبياً، من أقوى أسلحة الجو في المنطقة، بسبب مهارة الطيارين، والخبرات الكبيرة التي اكتسبوها، خلال المواجهات المباشرة وشبه اليومية، في عقد الستينيات من القرن الماضي، مع سلاح الجو الإسرائيلي الأكثر تطوراً في المنطقة.

أصبح عوني بلال قاسم ملحقاً عسكرياً، في السفارة الأردنية في باريس، حيث ركز على تمتين العلاقات العسكرية بين الأردن وفرنساً، خاصة في مجال الطيران، وعندما أنهى عمله كملحق عسكري، عاد إلى الأردن حيث أسند إليه منصب المفتش العام لسلاح الجو الأردني، وقد عرف عنه عنايته بأدق التفاصيل، وجديته في سعيه لتطوير قدرات هذا السلاح الحديث، صاحب الأثر الحاسم في معارك العصر التقني، وقد تدرج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة لواء.

تم تعيينه بعد ذلك مساعداً لرئيس أركان سلاح الجو الأردني للعمليات والدفاع الجوي. ويؤكد كل من عمل برفقته على ما تمتع به من جدية كبيرة، وتواضع عميق، حيث كان رغم تميزه بالانضباط العسكري الحازم، طيباً وقريباً من رفاقه في السلاح، يعامل الجميع بالإنصاف وبأخلاق الفرسان، وهذا جعله مقرباً ومحبوباً من الجنود والضباط والقادة، فكان دائماً محط الثقة ومعقد الأمل، ومؤهلاً بخبراته وتفانيه وقدراته للقيام بمهام أي منصب عسكري بكفاءة عالية، جعلته موضع الإعجاب والتقدير.

أصبح اللواء عوني بلال قائداً لسلاح الجو الأردني ( رئيساً لأركان سلاح الجو ) وكان ذلك في الخامس من كانون الأول عام 1993، فيكون قد توج خدمته العسكرية المتميزة، بوصوله إلى هذا المنصب الرفيع، الذي مكنه من مواصلة جهوده في الارتقاء بإمكانيات سلاح الجو، وجعله في طليعة الأسلحة المماثلة في المنطقة. وقد نال خلال خدمته العسكرية درجة الماجستير في العلوم العسكرية.

نظراً لما تمتع به من قدرات قيادية متميزة، وللجهود الكبيرة التي بذلها منذ انضمامه لسلاح الجو، منح اللواء عوني بلال قاسم وسام الاستحقاق، وكذلك منح وسام الاستقلال، ووسام الكوكب الأردني، ووسام النهضة، غير أن العمر لم يطل بهذا الصقر الأردني، حيث فارقنا باكراً، فخلال وجوده في مدينة واشنطن في زيارة رسمية، وهو ينهض بأعباء منصبه الجديد رئيساً لأركان سلاح الجو، تعرض لنوبة قلبية مفاجئة، أدت إلى وفاته في واشنطن، في الثامن والعشرين من كانون الثاني عام 1994، وقد كانت وفاته فاجعة تركت في النفوس حزنا عميقا وغصة كبيرة، فهو فقيد وطن، وخسارة لقائد خبير. وقد نعاه جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال إلى الشعب الأردني، وأمر جلالته بدفنه في المقابر الملكية، حيث شيع جثمانه بعد وصوله إلى عمان رجالات الأردن عسكريين ومدنيين، وبقي اسم اللواء عوني بلال قاسم قاله في التاريخ العسكري الأردني، مدون في سجلات الوفاء والفخار، بماء الذهب كأحد أبطال الجيش العربي الأردني، سياج هذا الوطن العزيز.

الموسيقار عامر ماضي

|0 التعليقات
عامر ماضي

كانت الموسيقى لغته الأولى، والفضاء الرحب، الذي حلقت فيه أحلامه، منذ حط برأسه على حكايات عمّان العتيقة، ولم تتوقف برحيله المفجع، الذي أخذه من بيننا على حين غرة.

يعد الفنان الموسيقي عامر ماضي، ركيزة أساسية في بناء الحركة الموسيقية الأردنية، حيث تخرج على يديه عدد كبير من الفنانين المحليين، من عازفين ومطربين، وقد انتشرت هذه المواهب، المدربة أكاديمياً وعملياً، في أرجاء الوطن العربي، ليسهموا في النهضة الفنية عربياً، ولم يقتصر جهده في التدريس والتلحين، بل عمل على تأسيس الفرق الموسيقية المحترفة، والتي غطت النقص الكبير، والتي ضمت عازفين أكاديميين، ومواهب حقيقية في الموسيقى والغناء.

ينتسب عامر إلى أسرة ماضي التي سكنت مدينة العقبة، حيث تمتع جده بمكانة عشائرية نافذة، فقد ذاعت شهرته كقاضٍ عشائري عدل وعدول، وتميزت أحكامه بتحريها العدل، مما منحه قدرة على تنفيذ هذه الأحكام، نظراً لمكانته، وثقة الناس به، وقد ولد والد عامر ماضي في مفتتح القرن الماضي، وعمل مع الجيش الإنجليزي مأمور إشارة، ليكتسب الخبرة اللازمة، التي مكنته من العمل في البريد الأردني في بدايات مرحلة التأسيس، وكان ينقل الرسائل الخاصة بسمو الأمير عبد الله الأول ابن الحسين، مما جعله مقرباً من سمو الأمير، فعندما أحب فتاة شركسية، وحالت الظروف الاجتماعية دون زوجهما، أخذها إلى الديوان الأميري، وهي طريقة في الزواج متبعة لدى الشركس، فعمل الأمير على تزويجهما، بل كان أحد الشهود على هذا الزواج، حرصاً منه على إنجاح هذا الرباط بينهما، وكان ذلك عام 1939، وعرف والده بقدرته بالعزف على العود، ووالدته تعلمت العزف على الأكورديون، وهي الآلة التي يستخدمها الشركس في رقصاتهم التراثية.

ولد عامر ماضي عام 1953، في عمان العامرة بالحياة والنشاط، وقد حظي بأجواء العائلة المنفتحة، التي كان للموسيقى فيها حضورها البهي، رغم النظرة الاجتماعية في تلك المرحلة، غير المشجعة لمثل هذه الأنشطة، خاصة للرجال، فرغم نشأته في بيت موسيقي، إلا أن توجهه للعزف واحتراف الموسيقى، لم يكن سهلاً أو مرحبا به، حتى داخل بيت العائلة، لكن عندما بدأ شقيقه مالك بالعزف على العود، فتح لموهبته طريقاً لم تكن سهلة في يوم من الأيام، وقد أثر به المكان العماني بدرجة كبيرة، حيث سكنت العائلة في جبل القلعة حي القيسية، ومن ثم سكنوا في جبل الحسين، قبل أن ينتقلوا إلى جبل التاج، ثم استقرت العائلة في شارع الهاشمي، على مقربة من المدرج الروماني، وقد سهل عليه ذلك متابعة الحفلات الموسيقية، التي كانت تقام على المدرج بين فترة وأخرى، ولا شيك أنه نهل من تربيته البيتية، ما أسهم في بناء موهبته وصقلها منذ صغره، فقد كان يستمع بعمق لعزف شقيقه مالك، ومن ثم يوضح له بعض الأخطاء التي وقع فيها، من خلال فطرته الموسيقية، وقد مكنته هذه الفطرة، من قيادته نحو الحرفية العالية التي وصل إليها. ( صخر حتر بتصرف )

بدأ عامر ماضي مسيرته الاحترافية في مجال الموسيقى، عندما أنتظم في دراسة العود عام 1968، على يد الأستاذ عبد الكريم عوض، في المركز الوطني الواقع بالقرب من سينما عمان، ويعطي دورات في موضوعات مختلفة، أما خطواته العملية في مجال الدراسة الأكاديمية للموسيقى، فقد أخذت مسارها الحقيقي، عندما التحق بالمعهد الموسيقي الأردني 1972، وفي هذه المعهد غير عامر ماضي اختصاصه بآلة العود، والتي أتقنها على يد عبد الكريم عوض، واختص بآلة التشيللو، وكان معلمه على هذه الآلة الأستاذ يوسف نصرة، وقد دفعته هذه المرحلة للتفكير بدراسة الموسيقى على مستوى أكثر احترافاً، فسافر مع شقيقه مالك إلى القاهرة، حيث التحقا بالمعهد العالي للموسيقى العربية، وقد حصل على الثانوية الموسيقية، ولم يكتف عامر بهذه الشهادة، بل قرر مواصلة الدراسة الجامعية، لذا نال شهادة البكالوريوس بعد أربع سنوات دراسة، اختصاص خلالها بآلة التشيللو، وبتقدير ممتاز، وكان تخرجه عام 1979، وخلال وجوده في مصر للدراسة، أرتبط بعدد من كبار الموسيقيين المصريين، وقد استمرت هذه العلاقة المثمرة حتى وفاته.

برزت موهبة عامر ماضي في التلحين في عمر مبكرة نسبياً، لكنها ترسخت بشكل مميز بعد دراسته الأكاديمية، وقد جمع بين الممارسة العملية والدراسة الأكاديمية، لذا كان يعمل في الإذاعة الأردنية، خلال العطل الصيفية، حيث لحن عدداً كبيراً من الأغاني، التي ظهرت بأصوات أشهر مطربي تلك الفترة، من أمثال: إسماعيل خضر، فهد النجار، صبري محمود، سهام الصفدي وفؤاد حجازي، وقد عمل بعد احترافه للموسيقى، على تشكيل فرق فنية، لعبت دوراً بارزاً مؤثراً في تنشيط الحركة الفنية الموسيقية في الأردن، ومن هذه الفرق، فرقة أوتار عمان، وكان من مؤسسي رابطة الموسيقيين الأردنيين عام 1980، وقد تمخض عنها فرقة النغم العربي، وفرقة خماسي الرابطة، وأوركسترا الصغار.

عمل عامر ماضي بعد تخرجه في القاهر، في الإذاعة الأردنية، بالقسم الموسيقي، غير أنه لم يستمر أكثر من عام وشهرين، فلقد غلبته روح الفنان، الذي يتمرد على رتابة الوظيفة، لذا استقال من الإذاعة، ودخل شريكاً مع صالح السقاف في مؤسسة « أضواء الفن « للإنتاج الفني، وقدم أعمالا موسيقية درامية للمسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، للكبار والصغار. وكان له نشاط نقابي واضح، فقد عمل على تأسيس رابطة الموسيقيين الأردنيين، ونظراً للمكانة الفنية التي تمتع بها، وللمحبة الصادقة التي حظي بها، ترأس رابطة الموسيقيين منذ تأسيسها عام 1980، لمدة ست دورات متتالية، وقد تمكن خلال قيادته هذه الرابطة، من تحقيق مكاسب فنية ونقابية للموسيقيين الأردنيين، ووحد جهودهم للارتقاء بالمستوى الفني، ورعاية المواهب الجديدة، ودعمها من أجل رفد الساحة المحلية بأجيال جديدة من الموسيقيين الأردنيين.

لقد حقق   ماضي جزءاً كبيراً من أحلامه، عندما أسس فرقة النغم العربي، وهي أول فرقة موسيقية غنائية، تعنى بالتراث الموسيقي، ولقيت هذه الفرقة نجاحاً ملحوظاً، منذ المهرجان الموسيقي الأول للرابطة عام 1982، وقد عمل بالتعاون مع زملائه، على تأسيس أوركسترا الأردن السيمفونية، بعد أن كانت حلماً بعيد المنال، وكانت ثمرة للتشارك بين رابطة الموسيقيين وقسم الموسيقى في جامعة اليرموك، حيث تكون جيل من الموسيقيين الأكاديميين الشباب، فقد ضمت الأوركسترا ما يزيد عن عشرين عازفاً، أما أوركسترا الصغار، فقد تشكلت من مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات إلى 16 سنة، لخلق أجيال جديدة من الموسيقيين الشباب، الذين يعول عليهم مستقبل الموسيقى في الأردن.

أسس عامر ماضي في مؤسسة أضواء الفن، فرعاً تربوياً، أطلق عليه اسم ( مركز دار الفن ) وكان لهذا الفرع نشاط موسيقي درامي، ارتبط إلى حد بعيد بالمسرح الأردني، بعد ذلك أطلق على هذا الفرع اسم ( مسرح الفوانيس ) وأصبح يضم كل من المسرحي خالد الطريفي، والمسرحي نادر عمران، والموسيقي عامر ماضي، وبادر أيضاً إلى تأسيس فرقة فوانيس للصغار على غرار الأوركسترا الأردنية، وقدمت هذه الفرقة مسرحيات للصغار، كان الدور الرئيسي فيها للصغار أنفسهم.

كان الفنان عامر ماضي، أبرز الناشطين على الساحة الفنية الأردنية في عصرها الذهبي، وكان صاحب رسالة سامية،  لم يهدف من ورائها إلى مكاسب مادية، لقد كان فناناً أصيلاً بكل ما للكلمة من معنى، وكان مجدداً بوعي عميق، بالموروث الموسيقي العربي، وقد تتلمذ على يديه عدداً كبيراً من خيرة الموسيقيين الأردنيين، الذين حملوا راية الفن إلى آفاق المستقبل المشرق. لقد غادرنا عامر ماضي وهو في ذروة عطائه، حيث غيبه الموت المفاجئ من بيننا، فقد توفي في السادس عشر من شهر كانون الثاني عام 2009، وما زال مكانه شاغراً يؤكد على المساحة الكبيرة التي احتلها في الحركة الفنية الأردنية، وما زالت القلوب تجدد حبها له، فقد خلد اسمه بفنه الباقي، ومن خلال الأجيال التي أثر بها، ووضعها على سكة الإنجاز المتميز.

الشيخ عبدالقادر أحمد التل

|0 التعليقات
الشيخ عبد القادر التل

يعد الشيخ عبدالقادر أحمد التل أحد رجال السياسة والإدارة حيث كانت له مشاركة فاعلة في العديد من المؤتمرات الوطنية والعربية والإسلامية المعروفة التي شهدتها البلاد وذلك خلال الحكم العثماني والفيصلي وقيام الإمارة الأردنية وإعلان المملكة.

ولد الشيخ عبدالقادر أحمد في إربد عام م1876 وتخرج من المدرسة السلطانية في دمشق وينحدر عبدالقادر التل (الزيداني) من سلالة عائلة التل الأردنية والتي قدَّمت للأردن رجالات عظام ورثوا عن ذويهم شرف الانتماء والولاء لهذه الأرض فأخذوا على عاتقهم مسؤولية الذود عن الحمى وقدموا أرواحهم ليبقى الأردن صامداً أمام نائبات الدهر فمنهم وصفي التل ومصطفى وهبي التل (عرار) وحسن التل ومريود التل وخلف التل.

ويعتبر الشيخ عبد القادر التل أبرز رجالات عشيرة آل التل (التلول) في إربد ففي عام (1908) كان ممثلاً لشمال الأردن في المجلس العمومي الأول لولاية سوريا. جاءت مشاركة الشيخ عبد القادر التل في مؤتمر عجلون والذي عقد في يوم 11 تشرين الثاني م1919 من أجل مناقشة قرار وعد بلفور الذي فرضته دول الاستعمار على المنطقة بهدف تقسيم الأمة وإضعاف وحدتها. فما كان من الرجالات الأردنية إلا شجب هذا الوعد ورفضه وذلك نظراً لطبيعة العلاقة التي تجمع الأشقاء الأردنيين (منطقة شرق النهر) بالفلسطينيين (منطقة غرب النهر) فعملوا على رفع برقية للخارجية البريطانية موقعه من 120 شخصية من منطقة الشمال الأردني أبرزهم عبد القادر التل ومصطفى الجازي ، وبرهم السماوي وكايد المفلح العبيدات وسليمان السودي ومصطفى المفتي. وأكدت مصادر عديدة أن الذين تحدثوا في هذا المؤتمر هم راشد الخزاعي وكايد المفلح العبيدات وعبد القادر التل وسلطي الإبراهيم.

كان عبد القادر التل أحد أعضاء مجلس سنجق عجلون وذلك عام م1914 وقد أبدى ارتياحه لنشاط جمعية العربية الفتاة وذلك في أول منشور للجمعية نقله له الطالب في مكتب عنبر بدمشق مصطفى وهبي التل فما كان منه إلا أن طلب من مصطفى التل ومن محمد صبحي أبو غنيمة تزويده بجميع المناشير والبيانات التي تصدر عن هذه الجمعية السرية. يقول الأستاذ محمود العبيدات في أوراقه: "في 30 كانون الأول 1914 عقد اجتماع لمجلس قضاء عجلون وقد تركز النقاش على فقدان المواد الغذائية الأساسية وفقدان المحروقات والتوقف عن مصادرة المؤن والمحاصيل المتبقية في مخازن التجار ومحاربة الجراد أما حاكم القضاء فقد كان هدفه من هذا الاجتماع إعلان التعبئة العامة حيث دخلت تركيا الحرب العالمية الأولى وطلبت من جميع فئات المكلفين في الجندية أن يتقدموا للانخراط في صفوف الجيش. فطلب عبدالقادر التل من عضوي مجلس القضاء كايد المفلح وسليمان السودي الاجتماع في منزله لمناقشة الوضع القائم فاتفقوا على إرسال أحمد الموسى إلى درعا وحملوه رسالة إلى الشيخ فاضل المحاميد ليضعهم في صورة الأحداث المستجدة وعاد الموفد بعد يومين يحمل رسالة من الشيخ المحاميد يعلمهم فيها أن اللجنة العليا لجمعية العربية الفتاة اجتمعت وقررت العمل إلى جانب تركيا لكي تقاوم التدخل الأجنبي وكان هذا موقفاً عربياً التزم به عبدالقادر التل والزعامات الشمالية".

وصل الأمير فيصل إلى مدينة دمشق وهناك رفع العلم العربي على دار السرايا وتم تشكيل أول حكومة عربية وتم إلغاء التشكيلات الإدارية التركية ليتم تقسيم سورية إلى ثمانية ألوية وجاء تعيين عبدالقادر التل كمدير للمالية في إربد. وعندما عقد مؤتمر قم في نيسان م1920 في ديوان الشيخ ناجي العزام كان للشيخ عبد القادر التل مشاركة فاعلة بالإضافة إلى العديد من زعماء ووجهاء ومشايخ منطقة الشمال الأردني. ومنهم عبدالمجيد الدلقموني ، محمد السمرين خريس ، شحادة التل ، سعد العلي البطاينة ، وعبدالرحمن إرشيدات وغيرهم. كما كان للشيخ عبدالقادر التل مشاركة فاعلة في المؤتمر الوطني الأردني والذي عُقد في عمان 25 تموز م1928 واستضاف المؤتمر الوطني الثالث عام 1930م.

عقد المؤتمر العربي الإسلامي في القدس في 7 كانون الأول م1931 وفي هذا المؤتمر تم اعتبار القضية الفلسطينية قضية عربية إسلامية قومية وكان الشيخ عبد القادر التل عضواً في لجنة جمع الموارد المالية والتبرعات وعضواً في لجنة الأماكن المقدسة والبراق ، بعد ذلك دعت لجنة الدفاع عن فلسطين في سوريه إلى عقد مؤتمر شعبي في بلودان عام 1937 كان الشيخ عبد القادر التل أحد الممثلين للواء عجلون.

ولا بد هنا من التطرق إلى موقف الشيخ عبدالقادر التل والدور العظيم الذي قام به مع ناجي العزام لإنقاذ مدينة إربد من التدمير حيث عزمت القوات الإنكليزية على نصب مدافعها على تل شيعر المطل على مدينة إربد من الجهة الغربية حيث جاءت هذه القوات من الأغوار الشمالية باتجاه منطقة الوسطية وإربد وكانت القوات التركية قد احتلت خطأً دفاعياً من بلدة (زبدا) غربي إربد وصولاً إلى بلدة (بيت رأس) وجاء الترتيب على أن يتم تدمير مدينة إربد بهدف القضاء على الحامية التركية المتواجدة فيها وعندما جاء القائد الإنجليزي إلى ديوان ناجي العزام أرسل الشيخ ناجي العزام رسولاً إلى الشيخ عبدالقادر التل ليبلغه بنوايا القائد الإنجليزي فهب عبد القادر التل وعدداً من الزعامات المحلية للقاء القائد الانجليزي وطلبوا منه عدم قصف المدينة خوفاً على السكان فوافق القائد الانجليزي على طلبهم.

في 20 تشرين الأول من عام م1942 تم انتخاب المجلس التشريعي الخامس وقد نجح الشيخ عبدالقادر في هذه الانتخابات وأصبح ممثلاً للواء عجلون وكان معه أيضاً موسى العواد الحجازي وعيسى العوض بالإضافة إلى سالم الهنداوي.

وأضاف الأستاذ محمود عبيدات قائلاً: انتخب عبدالقادر التل عضواً في لجان الرد على خطاب العرش في 14 تشرين الثاني م1942 وفي 4 حزيران م1943 وفي 5 تشرين الثاني م1944 وانتخب عضواً في اللجنة الإدارية للمجلس التشريعي في جلسته الثانية للدورة العادية بتاريخ 14 تشرين الثاني م1942 وانتخب أيضاً عضواً في اللجنة المالية ، الجلسة الأولى للدورة العادية الثالثة وشكل عبد القادر التل كتلة برلمانية ضمت: حسين الطراونة وسالم الهنداوي وحمد بن جازي وفوزي المفتي ، أتم هذا المجلس مدته الدستورية عام م1945 ثم مُدد له سنتين أخريين فاستمر في عمله حتى إعلان الدستور الجديد سنة م1947 وهذا المجلس هو الذي أعلن استقلال البلاد وبايع الملك عبدالله بن الحسين بالمُلك في 25 أيار م1946 والمجلس التشريعي هو آخر المجالس التشريعية ، لتبدأ مع الملكية مرحلة جديدة من الحياة التشريعية بمجلسين: مجلس الأعيان ومجلس النواب وتحت اسم (مجلس الأمة) وقد حدد أعضاء مجلس النواب بعشرين عضواً ومجلس الأعيان بعشرة أعضاء ، وقد كان مجلس النواب الأول مميزاً في أعضائه وكانت انتخابات هذا المجلس حرة إلى حد بعيد ومن بين أعضاء هذا المجلس: هاشم خير وسعيد المفتي عن لواء البلقاء ، عبد الحليم النمر وصالح المعشر عن قضاء السلط ، عبد القادر التل وشفيق إرشيدات وأمين أبو الشعر عن قضاء إربد ، خليل العمارين عن قضاء الكرك ، عاكف الفايز عن بدو الشمال ، حمد بن جازي عن بدو الجنوب وكان هاشم خير رئيساً لهذا المجلس وعند وفاته أنتخب عبد القادر التل رئيساً للمجلس ، وقد تم حل مجلس النواب ابتداءً من 1 كانون الثاني م1950 وذلك بهدف إجراء انتخابات جديدة لتشمل الضفتين بعد الوحدة.

عُرف الشيخ عبدالقادر التل بعفته ونظافة مسلكه فكان نزيهاً شريفاً صاحب خبرة اقتصادية حيث قال فيه الشيخ تركي الكايد العبيدات "كان أخي عبدالقادر عضواً بارزاً في المجلس التشريعي ، ويتميز عن غيره بأنه كان صديقاً للجميع ، وكان الأمير عبدالله من المعجبين بمداخلاته ، وصفق له مرة في المجلس عندما طالب بتحويل نفقات المعتمد البريطاني ، وبناءً على ذلك كانت رغبتنا مؤكدة على ترشيحه لمجلس النواب ، فاتفقت مع الباشا سليمان السودي الروسان والمربي الكبير حسين الطوالبة على دعمه في الانتخابات".

دعا الشيخ عبدالقادر التل وجهاء ومشايخ منطقة الشمال الأردني إلى مطالبة الحكومة باعتماد دستور للبلاد وتأسيس مجلس نيابي وبالفعل اجتمع وجهاء العشائر في ديوان آل التل يوم 27 حزيران م1926 وتم في هذا الاجتماع تنظيم وفد يتكون من عشرين شخصية أردنية من وجهاء العشائر في جميع المناطق الأردنية ليزوروا رئيس الوزراء ويخبروه بمطالبهم.

وهكذا فإن المتتبع لمسيرة الشيخ عبد القادر التل يجده قد بقي واقفاً صامداً معتزاً بوطنيته رغم شدة الرياح التي عصفت به خلال المواقع والمناصب العديدة التي شغلها وتنقل بها فالتزم بآرائه ودافع عنها خلال سنوات عمله ، ولكنه وفي أواخر سني حياته اعتزل الحياة السياسية وتفرغ للعمل الاجتماعي لحين وفاته عام 1962م. 

رحم الله الشيخ عبدالقادر أحمد التل وأسكنه فسيح جناته.