عمر باشا آل الحصان اسم لامع في فضاء الذاكرة الوطنية، التي تشكلت من فسيفسائها من نجوم مضيئة من رجالات الوطن الأوفياء، الذين أخذوا على عاتقهم تحمل أعباء كبيرة، والنهوض بمسؤوليات مراحل صعبة من عمر الدولة الأردنية، وكانوا السفينة التي خاضت عباب البحر الهائج، ووصلت إلي بر الآمان بفضل ربابنتها من قادة آل هاشم.
لقد أسهم التناغم الكبير بين الرعية والقائد، في تمكين الوطن من تجاوز مصاعب متلاحقة وعقبات كأداء محلية وعربية ودولية، لتكون الأردن قلعة حصينة عصية على المؤامرات وكيد الكائدين. لذا كان عمر باشا آل الحصان من ممن تحدوا الواقع الاجتماعي والاقتصادي الصعب، وكرسوا حياتهم خدمة للناس والوطن، فاتحين الطريق على مصراعيه للأجيال القادمة من أجل الولوج إلى المستقبل، بخطى ثابتة، وبثقة أهلتهم للانطلاق قدما بالتنمية والبناء والتطوير.
كانت معان كما كانت على الدوام بوابة فتح ومنطلق أحداث كبيرة، ورحماً ولوداً لا يكف عن رفد الوطن بالرجال البناة الأشداء، فهي منذ فجر التاريخ بوابة بلاد الشام الجنوبية، ومفتاح حضارات تعاقبت على المنطقة، وسجلاً تاريخياً لازال كثير من كنوزه الحضارية تنتظر البحث والكشف والتحليل، فيكفي أن مدينة معان كانت بؤرة الدولة الأردنية الحديثة، حيث وضعت فيها اللبنة الأولى لمرحلة جديدة في تاريخ المنطقة برمتها، فهذه المدينة في يومنا الحاضر نجدها حاضرة في الفعل والإنجاز، لتكون كما قدر لها في كل عصر جوهرة لامعة على حافة الصحراء، وهمزة وصل تزداد أهميتها يوماً بعد يوم، مؤسسة على ماضٍ عريق، متطلعة في الوقت نفسه نحو مستقبل مشرق للوطن والأمة.
ولد عمر باشا سليمان مطر آل الحصان في مدينة معان عام 1889، ليواكب منذ طفولته المرحلة الصعبة التي عاشتها البلاد والمنطقة العربية، خاصة بعد تردي أحوال الدولة العثمانية السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتوجهات حكّام الباب العالي الجدد العنصرية، وعملها على بناء نظام حكم دكتاتوري يقوم على التتريك وتهميش القوميات غير العربية، والتنكيل بهم وفرض مزيد من الضرائب الجائرة والتجنيد الإجباري، وما عن ذلك كله من مشاعر سخط وغضب لدى العرب، أدت إلى انتفاضات وثورات، توجت بقيام الثورة العربية الكبرى، وكانت مدينة معان التي أصبحت أهم محطات سكة حديد الحجاز، من أكثر المناطق تأثراً بما آل إليه حال المنطقة تحت حكم الأتراك.
التحق عمر آل الحصان بالمدرسة في معان التي تطبق المناهج التركية، وبرز سريعاً كأحد الطلبة الأذكياء، الذين تميزوا بالتحصيل الدراسي المرتفع رغم صعوبة الأحوال الاقتصادية في تلك الفترة، وتمكن من مواصلة تعليمه حتى تخرج من التعليم العالي في العهد التركي، وقد أهله ما حصله من تعليم عالٍ نسبياً في تلك الفترة، لينطلق نحو الحياة العملية بكل قوة وحماس، حيث بدأ عمله في مجال الوظيفة الحكومية، عندما عين بوظيفة كاتب في دار الحكومة العثمانية في مدينة معان، التي لازالت تأن تحت السلطة التركية الحديدية.
خلال وظيفته هذه واكب عمر باشا آل الحصان الأحداث التي مهدت الطريق لقيام الثورة العربية الكبرى، ومعارك جيش الثورة في محيط معان، عندما توافدت عشائر جنوب الأردن للانخراط في جيش الثورة، مما أسهم في تحقيق انتصارات متلاحقة وحاسمة على الأتراك، وبعد قدوم الأمير عبد الله بن الحسين إلى معان على رأس قوة عسكرية، كان عمر آل الحصان من المؤيدين والمؤازرين لسعى الأمير لتأسيس دولة عربية في شرق الأردن تكون قاعدة لتحرير البلاد العربية من الاستعمار الغربي، بعد أن توافد عدد كبير من أحرار العرب لتأييد توجهات الأمير عبد الله بن الحسين.
بعد قيام الدولة الأردنية عام 1921، لعب عمر آل الحصان دوراً ملموساً في الإدارة المحلية، ضمن مؤسسات الدولة الناشئة، فقد نقل إلى منصب رئيس النظار في مدينة معان عام 1924، لينهض بجزء من أعباء التأسيس الأولى الصعبة، وبعد ما حققه من نجاح لافت، وبروز اسمه بشكل مشهود، تم تعيينه في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي بمنصب قائم مقام مدينة جرش، وهو عمل جعله على تواصل مباشر مع الناس، فقد تكمن من بناء علاقات وثيقة مع الأهالي ونال ثقتهم، ونقل بعد فترة إلى مدينة مادبا ليعمل قائم مقام، وهو منصب في الحكم المحلي كان من المناصب الرفيعة في تلك الفترة.
لقد تمكن عمر آل الحصان من تحقيق سمعة طيبة في عمله، نظراً لنجاحه في المواقع التي شغلها، فقد عرف بجديته وذكائه وإخلاصه وتفانيه في العمل، فكان من الطبيعي أن يحصد ثمار جهوده ونجاحه، فما كاد يدخل عقد الأربعينيات الماضي، حتى تم تعيينه متصرفاً لعدد من المدن الرئيسة في الإمارة، حيث عين متصرفاً للواء السلط، وهي واحدة من أهم الحواضر الأردنية، وأكثرها قرباً من العاصمة عمان، وتمكن من حل كثير من القضايا والمشاكل الاجتماعية والقانونية، بفضل صلاته القوية مع ناس ورجالات اللواء، ولما تحل به من أخلاق نبيلة وتوخيه للعدل والمصداقية. بعد ذلك نقل إلى حاضرة الكرك أكبر مدن الجنوب، ليكون متصرفاً للواء الكرك، وواصل مسيرته الناجحة كأحد أهم رجال الحكم المحلي في تلك المرحلة، حيث عمل على تمكين مؤسسات الدولة الفتية لتقوم بعملها في خدمة المواطنين، وتقديمه صورة إيجابية عن رجال الحكم المحلي، وتفعيل اللامركزية بما فيه مصلحة الأهالي والدولة.
بعد خروج البريطانيين من فلسطين، والأحداث العسكرية والسياسية التي تبعت ذلك، وما نتج عنه من إحكام اليهود سيطرتهم على الجزء الأكبر من البلاد، بعد نكبة عام 1948، وانضمام الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية، عين عمر آل الحصان حاكماً عسكرياً عاماً في الضفة الغربية، بموجب قانون الإدارة العامة، ليكون من مهامه الإشراف على الشؤون الإدارية في الضفة الغربية عام 1949، في ظل ظروف قاسية وشائكة عاشتها البلاد والمنطقة في تلك الآونة، وكانت هذه المسؤولية محطة نجاح جديدة تضاف إلى سجل نجاحات عمر باشا آل الحصان، الذي لم يعتد التميز وحسب بل أتقنه أيضاً.
عين عمر باشا آل الحصان أميناً لمدينة عمان في عام 1955، وهو منصب مهم قدم له خبرات جديدة، فقد أولى تطوير الخدمات في مدينة عمان وتحديث البني التحية جل عناية، وقد ترك بصمته في شوارع وميادين العاصمة، في فترة شهدت فيها المدينة زيادة مضطردة في سكانها مما شكل ضغطاً كبيراً على مواردها والبنية التحية فيها، وواصل مسيرته اللافتة، فقد عين عضواً في مجلس الاتحاد الأردني العراقي – الاتحاد الهاشمي – عام 1958، غير أن هذا الاتحاد لم يكتب له النجاح بسبب الانقلاب العسكري الدموي في العراق، والذي ذهب ضحيته عدد من رجال الدولة الأردنية وعلى رأسهم دولة رئيس الوزراء حينها إبراهيم هاشم.
حمل عمر آل الحصان حقائب وزارية مختلفة في فترات متعددة، ففي عام 1947 أصبح وزيراً للمواصلات والزراعة والتجارة، وبعد أن تمكن من تحمل أمانة هذه المسؤولية المتعددة، عين عام 1950 وزيراً للدفاع، في مرحلة اشتداد المواجهات شبه اليومية مع الجيش الإسرائيلي على خط المواجهة في الضفة الغربية وباقي الحدود الغربية، أما في عام 1955 فقد أصبح وزيراً للداخلية، وفي العام التالي أسندت إليه حقيبتا وزارة الداخلية والدفاع، وهذه الوزارات المهمة ذات الصفة السيادية، قادها باقتدار رغم الظروف العامة والخاصة التي عانت منها البلاد في خمسينيات القرن الماضي. خاض آل الحصان العمل التشريعي عندما أصبح عضواً في مجلس النواب عام 1950، وفي عام 1958 أصبح عضواً في مجلس الأعيان الأردني، وقد احتفظ بعضويته في مجلس الأعيان في ست دورات متتالية، أي حتى وفاته. كان لعمر آل الحصان نشاط حزبي ملحوظ فقد كان عضو الهيئة التأسيسية لحزب « الأمة « الذي ترأسه دولة الراحل سمير الرفاعي عام 1954، وقد عرف آل الحصان بنزاهته وحرصه على المال العام، وتقديمه المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وقد نال خلال حياته عدداً من الأوسمة الرفيعة، حيث نال وسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الاستقلال الأردني من الدرجة والأولى، ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى، ومن العراق نال وسام الرافدين ومن سوريا نال وسام الاستحقاق السوري بدرجة ممتاز.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|