يوسف العظم .. شاعر الأقصى

يوسف العظم

يعد يوسف العظم واحداً من أبرز أعلام الفكر الإسلامي، ومربياً فاضلاً جمع في شخصيته، أبعاداً متنوعة وعميقة، جعلت منه من رجالات المراحل الصعبة، فلقد أسهم في البناء السياسي والفكري والتربوي الأدبي في الأردن.

امتد أثر الراحل العظم   إلى عدد من الدول المجاورة، حيث كان لما حصله من علوم ومعارف، وما تمتع به من مواهب أدبية، وفصاحة لسان ودفء المعشر، دوراً في قربه من الناس، وسبباً في المكانة المرموقة التي حظي بها في مدينة معان، وعلى امتداد الوطن، بالإضافة إلى حضوره على الساحتين العربية والإسلامية، فلقد شكلت مراحل حياته المختلفة، انعكاساً للمراحل الاجتماعية والسياسية والفكرية التي مرت بها المنطقة العربية، منذ النصف الثاني من القرن الماضي.

ولد يوسف العظم في مدينة معان جنوب الأردن، التي كانت عبر التاريخ محطة لأحداث كبيرة، كونها بوابة شبه الجزيرة العربية الشمالية، وأبرز محطات طريق الحج الإسلامي، وكان لها مكانة تاريخية وسياسية حديثة، منذ انطلاق الثورة العربية الكبرى، والبؤرة الأولى في تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921. وقد كانت ولادته عام 1931، وينتسب إلى عائلة صغيرة تعود في أصولها إلى أسرة دمشقية، هاجر عدد من أبنائها في أواخر الحقبة العثمانية، حيث كان منهم تجار وفنيين، وكان أن أقام نفر قليل في مدينة معان الجنوبية ذات الصبغة البدوية العشائرية، وقد قاسى يوسف العظم من الفقر خلال طفولته وشبابه، حيث كان والده رجلاً فقيراً يعمل في شركة نفط العراق، لكنه مع ذلك أرسل ابنه إلى الكتّاب في المدنية، حيث تعلم القراءة والكتابة والحساب، وحفظ سوراً من القرآن الكريم.

بعد أن أمضى سنتين في الكتّاب، التحق بالمدرسة في المدينة التي كانت حينها مجرد بلدة كبيرة، وقد توفي والده وهو في عمر صغيرة، وكان من شأن ذلك أن يقضي على أحلامه في مواصلة دراسته، بسبب اشتداد وقع الفقر بعد خسارته لوالده، ولعدم توفر مدارس ثانوية في معان في تلك الفترة، لكن والدته أصرت على أن يكمل ابنها المجتهد دراسته، فغادر معان باتجاه العاصمة عمان، حيث التحق بالمدرسة الثانوية، وقد اضطر للعمل في الورش والمحلات التجارية، وعمل حارساً ليلياً، من أجل الإنفاق على نفسه ومساعدة عائلته، مما علمه الاعتماد على النفس منذ شبابه الباكر، وقد واجه الظروف الصعبة بجلد وصبر كبيرين، حتى تمكن من تحقيق غايته، فنال شهادة الثانوية العامة بتفوق عام 1948، وكان بمقدوره تحصيل وظيفة جيدة بهذه الشهادة، لكنه رغب في تحصيل مزيد من العلم والمعرفة.

سافر يوسف العظم إلى العراق، ودرس فيها بكلية الشريعة مدة سنتين، وبعد تخرجه فيها، انتقل إلى مصر حيث التحق بجامعة الأزهر، حيث درس اللغة العربية وآدابها، ونال شهادة اللسانس عام 1953، وبعد ذلك مباشرة درس في جامعة عين شمس لمدة عام، ليحصل على دبلوم عالٍ في التربية عام 1954، وقد أتاحت له فترة دراسته في القاهرة الفرصة للتواصل مع عدد كبير، من أعلام الفكر والدعوة الإسلامية، حيث جالسهم ونهل من علمهم، وتمكن خلال فترة قصير من بناء صداقات قوية معهم، لما تميز به من ذكاء وثقافة واسعة، وقدرة على الخطابة والمحاججة، فقد لازم سيد قطب، ويوسف القرضاوي، وأحمد العسال، والبهي الخولي، وعبد العزيز كامل، وخلال دراسته في بغداد لازم الشيخ محمد محمود الصواف.

بدأ يوسف العظم نشر مقالاته في الصحف والمجلات وهو طالب في بغداد، وحين انتقل إلى القاهرة لدراسة اللغة العربية في الأزهر، أخذ ينشر في مجلة الرسالة وهو في سن العشرين، وهي المجلة التي نشرت لكبار الكتاب، من أمثال طه حسين والعقاد والرافعي وسيد قطب، وهذا دليل على ما تمتع من موهبة حقيقة في الكتابة الصحفية، بالإضافة لرتكازه على مواقف إسلامية ثابتة، لم يحد عنها في أي مرحلة من مراحل حياته، وهذا ما حفظ له تقديره ومكانته بين الناس البسطاء والسياسيين والمفكرين، كما أن تمتعه بالموهبة الأدبية في كتابة الشعر والقصة والمقالة، ومشاركته الواسعة في عدد كبير من الندوات والمؤتمرات، وقدراته في مجال الخطابة، التي أوجدت له جمهورا عريضا من المتابعين، كلها عوامل أسهمت في بناء شعبيته الكبيرة، دخل الوطن وخارجة على أسس سليمة استمرت حتى يومنا هذا.

بعد إنهاء دراسته في جامعة الأزهر وجامعة عين شمس، عاد إلى الأردن وقد عمل في مجال التعليم، وهي المهنة التي أوقف لها معظم سنوات عمره، رغم انشغالاته السياسية والصحفية، حيث عمل مدرساً في الكلية العلمية الإسلامية في عمان، وذلك خلال الفترة الممتدة من عام 1954 إلى عام 1962، وكان يرى أن التعليم الواعي هو أساس بناء المجتمعات، لكنه مع ذلك لم يتخل عن قلمه في الحقلين الأدبي والصحفي، فقام بتأسيس صحيفة الكفاح الإسلامي، ورغم الصعوبات المالية الكبيرة، استمرت هذه الصحيفة في الصدور بين عامي 1956 و1958، حيث توقفت لأسباب كثيرة.

ونظراً لمواقفه الإسلامية الثابتة، والمعارضة في كثير من الأحيان لبعض السياسات الحكومية، فقد تعرض للتوقيف والسجن عدد من المرات، خاصة في فترة خمسينيات القرن الماضي، وقد زامل في سجنه شخصيات حزبية معارضة، من مشارب مختلفة منها الشيوعي والبعثي، حيث ارتبط معهم بذكريات وصداقات عميقة منهم: فؤاد نصار رئيس ومؤسس الحزب الشيوعي، البعثي سليمان الحديدي، والشيوعي فريد القسوس.

بقي يوسف العظم مخلصاً لرسالته التربوية، لذا قام بتأسيس ( روضات براعم الأقصى ) والتي حولها بعد ذلك إلى مدرسة خاصة هي ( مدارس الأقصى ) في ستينيات القرن الماضي، التي تعد من أعرق المدارس الخاصة في الأردن، وقد بقي يديرها مدة تزيد عن خمسة وثلاثين عاماً. خاض العظم غمار الانتخابات النيابية عن مدينة معان عام 1963، ورغم قلة عدد أفراد عائلته، إلا أن مكانته بين الناس، وقربه منهم منحه فوزاً مستحقاً في هذه الانتخابات، وقد عمل على خدمة أهل مدينته، وخدمة قضايا الأمة، خاصة القضية الفلسطينية، ولم يحد عن مبادئه، حتى أنه كان يحجب الثقة عن الحكومات التي عاصرها، إخلاصه لرؤاه وفكره الخاص الملتزم بالتيار الإسلامي، وقد خاض الانتخابات للمرة الثانية وفاز بها عام 1967، كما حقق فوزاً في الانتخابات النيابية عام 1989، ليكون واحداً من أبرز البرلمانيين الأردنيين، ورغم معارضته لبعض السياسات الحكومية، إلا أنه كان ناشطا في اللجان المختلفة، فقد كان مقرراً للجنة التربية والتعليم، وعضواً في لجنة الشؤون الخارجية.

دخل يوسف العظم الحكومة عام 1990، حين أسندت إليه حقيبة وزارة التنمية الاجتماعية، حيث نهض بأعباء هذه المسؤولية بكفاءة عالية، مستنداً لفكره ونهجه الإسلامي. شارك يوسف العظم في عشرات الندوات والمؤتمرات والمواسم الثقافية، في عدد من الدول الأجنبية، منها الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا. وفي مجال الكتابة الأدبية، أوقف جزءاً كبيراً من شعره للأقصى، حيث اعتبر القدس جوهر القضية الفلسطينية، حتى لقب بشاعر الأقصى، وأصدر عدداً من الدواوين الشعرية منها: « في رحاب الأقصى « و « رباعيات فلسطينية « و « أناشيد وأغاريد للجيل المسلم» وغيرها، وله مجموعة قصص ذات طابع إسلامي هادف، ومؤلفات في الثقافة الإسلامية والتربوية، ودراسات دينية معمقة.

في السنوات الأخيرة من حياته، قلل كثيراً من أنشطته بسبب حالته الصحية، لكنه ظل مخلصاً لنهجه ولقلمه، فلم ينقطع عن الكتابة الأدبية والصحفية، غير أن المرض اشتد عليه، لذا نقل إلى المستشفى التخصصي، وبعد خروجه منعه الطبيب من الوضوء لخطورته على صحته، فكان يتيمم ويصلي، فلم ينقطع عن صلاته في أحلك الظروف، وفي يوم وفاته سمح له الطبيب بالوضوء، وبعد أن توضأ وأحرم للصلاة توفي على سجادة الصلاة وهو مستغرق في صلاته، وقد توفي يوم الأحد 29/ 7/ 2007 عن عمر ناهز السادسة والسبعين عاماً، حيث خلف أرثاً كبيراً في الأدب والصحافة والثقافة الإسلامية، وبالإضافة لمساهماته في الفكر الإسلامي والعمل السياسي والوطني، وشكلت وفاته خسارة كبيرة للوطن والأمة.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).