رافع شاهين |
رافع شاهين أكثر من إعلامي بارز وحسب، بل تمكن من خلال جهوده الشخصية وما تمتع به من موهبة حقيقية وذكاء إعلامي لافت للانتباه، وبفضل جهوده المتواصلة والتي واكب خلالها التلفزيون الأردني منذ تأسيسه، أن يكون الإعلامي الأكثر شهرة وحضوراً، متمتعاً بشعبية واسعة تجاوزت حدود الأردن.
ونال ما نال؛ في فترة لم تأخذ فيها الفضائيات مكانتها كما هي اليوم، حيث أصبحت الشهرة والشعبية سهلة المنال، وتبنى وفي يوم وليلة، هنا ندرك الركائز الصلبة التي أنشأ عليها رافع شاهين مكانته بين كبار الإعلاميين العرب، معتمداً على المتاح القليل من الإمكانيات المادية.
براعة في توظيف الطاقات البشرية، من موهبة وحضور محبب، بالإضافة إلى سعة الاطلاع والثقافة الموسوعية المتجددة. أسهمت في تمكن التلفزيون الأردني منذ انطلاقته عام 1969 من احتلال مكانة مرموقة في الساحة الإقليمية، بفضل إعلاميين مبادرين أمثال رافع شاهين.
لم يتمكن مذيع وإعلامي أردني من تحقيق شعبية كبيرة والمحافظة عليها، طوال مسيرة عمل وصلت إلى ثلاثين عاماً، ويبقى حتى بعد غيابه حاضراً في الذاكرة والوجدان الأردني والعربي، كما فعل رافع شاهين الذي يعد بحق فاصلة مهمة في تاريخ الإعلام الأردني، فهو متعدد المواهب، يجدد في شكل برامجه وفي أسلوب تقديمه، بما كفل له البقاء في الواجهة، بل وتوسيع قاعدة جماهيريته وبالتالي تكريس مكانة التلفزيون الأردني لدى المشاهد المحلي والعربي، منذ سبعينيات القرن الماضي حتى مطلع القرن الحادي والعشرين، فقد ترك بغيابه فراغاً كبيراً يحتاج تعويضه لفترة ليست بالقصيرة، وهذا مأمول في الكوادر الأردنية الشابة، المؤهلة لأخذ مكانتها إذا ما أتيحت لها الفرصة السانحة والمساحة الكافية.
كان رافع شاهين ابن المرحلة الصعبة بكل ما فيها من مآس وآلام، فقد ولد عام 1943 في بلدة بيسان الواقعة شمال غرب فلسطين، وسط سهل بيسان الشهير بخصوبته واتصاله مع سهل نهر الأردن، وكانت فلسطين تشهد أحداثاً عسكرية وسياسية ناتجة عن انكشاف المؤامرة الغربية، الهادفة لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين بعد تشريد شعبها بالقوة، وقد تفتحت عينه على هذا الواقع المؤسف، فبعد خسارة العرب لحرب ال 48 فيما سمي بالنكبة الفلسطينية، اضطرت عائلة رافع شاهين اللجوء إلى الأردن، ولا شك أن الطفل رافع شاهين احتفظ في ذاكرته النقية، بصور المأساة وويلات اللجوء في ظروف حرب شرسة، أطاحت بالحلم العربي بالوحدة والازدهار، وأضاعت جزءاً كبيراً من فلسطين، وقد وصلت العائلة إلى الأردن واستقرت بعد فترة في مدينة الزرقاء القريبة من العاصمة عمان.
عاش رافع شاهين طفولته وشبابه في مدينة الزرقاء التي أحبها وأقام فيها فترة طويلة، حيث درس في مدارسها، وقد تميز منذ المرحلة الابتدائية بنشاطاته اللامنهجية، فقد كان فاعلاً في الإذاعة المدرسية، وحاضراً في الاحتفالات والمناسبات الوطنية التي تقيمها مدارس وزارة التربية والتعليم، ولعل هذه المرحلة قد وضعت رافع شاهين على مسار الإعلام دون أن يخطط لذلك، غير أن موهبته الواضحة وقوة شخصيته وبشاشته المحببة، جعلت منه شخصية مرغوبة وذات حضور كبير منذ كان طالباً مجتهداً، لقد بنى شخصيته الإعلامية على المحبة وتقدير جهد وخبرة الآخرين، ومحاولته الإفادة منها قدر المستطاع، لذا ومع تفتح وعيه شاباً، أدرك أن الإعلام الوطني هو سبيله الوحيد، في الكشف عن قدراته الكبيرة، ونظرته الثاقبة اتجاه المستقبل فقد كان متفائلاً على الدوام، وتواقاً للعمل والإبداع مهما كبرت المصاعب وزادت المعيقات.
رافق رافع شاهين تأسيس التلفزيون الأردني الذي أطلق بثه عام 1969، ليكون مؤسسة وطنية على قدر كبير من الأهمية، خاصة أن الظروف السياسية والعسكرية كانت مضطربة على صعيد المنطقة العربية برمتها، وكان الأردن يتعرض لظلم إعلامي كبير، هدف إلى النيل من صموده والتقليل من دوره الكبير الذي فاق حجمه الاقتصادي والعسكري، لذا كان التلفزيون الأردني جبهة وطنية صلبة سعت لكشف الحقائق ورد المكائد، وقد أدرك رافع شاهين بذكائه وحسه الوطني، المسؤولية الملقاة على جيله من الإعلاميين الشباب، فقد كان أول وجه ظهر على شاشة التلفزيون الأردني، فهو بذلك منتج وطني حقيقي، وعمل على التتلمذ على عدد من كبار الإعلاميين العرب، من أمثال الإعلامي الشهير شريف العلمي، الذي كان يقدم برنامجه ذائع الصيت « سين وجيم « حيث عمل معه رافع شاهين في الإعداد للبرنامج، وهذا مكنه من الإمساك بأسرار برامج المسابقات الثقافية، مما ساعده في تحقيق حلمه الخاص.
كان سر نجاح رافع شاهين ومحافظته على مقعده في قمة هرم التميز لفترة طويلة، توازي فترة عمله في التلفزيون الأردني بالإضافة لعدد من التلفزيونات العربية، حيث وصلت ما يزيد عن ثلاثين عاماً، هو تعدد مواهبه، ومقدرته على تقديم ما هو جديد ومختلف، فقد بدأ مسيرته في تقديم البرامج الرياضية، من أبرزها برنامج « عالم المصارعة « حيث كان يقوم بالتعليق على نزالات المصارعة العالمية بصوته وتعليقاته الحماسية، حتى أصبح هذا البرنامج من أكثر البرامج مشاهدة في سبعينيات وثمانيات القرن الماضي، ومن هنا أخذ اسمه يلمع بسرعة كبيرة، وبعد نجاحه في هذا البرنامج النوعي، قام بتقديم برنامج كبير ومتنوع في مجال الرياضة وهو برنامج « الرياضة والشباب « الذي قدم من خلاله الأخبار الرياضية محلياً وعربياً وعالمياً، وكان يقدم متابعات ناجحة وتغطيات شاملة، ويقوم بالتعليق على الأحداث الرياضية ببراعة من خلال ثقافته الواسعة، حيث غطى برنامجه هذا فراغاً كبيراً في هذا المجال الذي يعني قطاعاً واسعاً من الشباب ومحبي الرياضة بشكل عام.
شكل ابتكاره لبرنامج المسابقات الثقافية الشهير « فكر وأربح « نقطة انطلاق جديدة لرافع شاهين ضمن مشروعه الإعلامي الكبير، مستفيداً من خبرة من سبقه في هذا المجال كشريف العلمي والدكتور عمر الخطيب، حيث تميز بقربه من الناس بكافة مستوياتهم وشرائحهم، فقد كان مرحاً وقريباً من قلوب المشاهدين، مما جعله الأفضل والأكثر متابعة، وتميز برنامج « فكر وأربح « بتنوع فقراته، وقدرتها على شد انتباه المتسابق والجمهور، وتحقيق المتعة والفائدة من خلال المعلومة الجديدة والفكرة المغايرة، وقد أدرك شاهين من خلال برامجه مدى توافر أبناء الوطن على مواهب جادة ومتنوعة، لكنها بحاجة إلى كشف مبكر عنها ورعايتها ضمن الإمكانيات المتاحة. فأطلق برنامجه الذي حظي برواج كبير، وكانت أهدافه بغاية الأهمية، فقد خرج على المشاهدين ببرنامج « مواهب « الذي جال فيه محافظات ومدن المملكة، كاشفاً عن المواهب في الغناء والموسيقى، والتمثيل والرسم وغيرها من الفنون الجميلة، وكان لهذا البرنامج الذي قدم في أكثر من دورة برامجية، دوره في كشف عدد كبير من المواهب، التي أصبحت فيما بعد قامات فنية كبيرة، قدمت للوطن الكثير من المنجزات في هذا المجال.
دفعت نجاحات رافع شاهين عدداً من محطات التلفزيون في دول الخليج العربي، إلى استقطابه للعمل لديها، فقام بالإعداد والإشراف على عدد من برامج المسابقات الثقافية، التي قدمت بنجاح على شاشات تلفزيونات دول الخليج، وكانت هذه شهادة نجاح عربية لهذا الإعلامي الأردني الفذ، الذي لم يبخل على وطنه الأردن أو وطنه العربي الكبير بشيء، فقد كان مبادراً ومستجيباً، ساعياً لتحقيق التميز دون سواه في أي موقع عمل فيه، وهذا أحد أسرار نجاحه، والمحبة الكبيرة التي حظي بها، وقد استمر يقدم برامج المسابقات الثقافية بأشكال وقوالب مبتكرة، بالإضافة إلى « فكر وأربح « قدم برنامج « جرب حظك « وبرنامج « خمسة على خمسة « وهي برامج كرست مسيرته الإعلامية الناجحة وزادت من رصيد متابعيه محلياً وعربياً.
عين رافع شاهين مديراً للإذاعة الأردنية عام 1988، وفي عام 1989 عين مستشاراً في رئاسة الوزراء في عهد حكومة دولة عبد السلام المجالي، عاد بعدها لبرامج المسابقات من خلال برنامج « جائزة المليون ليرة « الذي أعده وقدمه على شاشة التلفزيون السوري عام 2000، الذي يعد خطوة كبيرة توجت مسيرته الطويلة، حيث لقي البرنامج نجاحاً لافتاً خاصة لدى المشاهدين في سوريا ولبنان والأردن، فكان بحق أنموذج الإعلامي الأردني المتميز.
غير أن المرض الخبيث تسلل إلى جسده خفية، فأصيب بسرطان المعدة وهو في قمة عطائه، وخضع لعملية استئصال للمعدة، لكن المرض اللعين عاوده بعد فترة، مما أدى إلى وفاته يوم الأحد 4 آذار عام 2001، وقد شيع جثمانه من مسجد الشهيد الملك عبد الله الأول في العبدلي، وشكلت وفاته صدمة كبيرة للوسط الإعلامي والثقافي ولمحبيه على امتداد الوطن الكبير.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|