مريود مصطفى وهبي التل ... رجل لن ينساه التاريخ

مريود التل
يعد الحديث عن شخصية المرحوم مريود مصطفى وهبي التل حديثا عن إحدى الشخصيات الوطنية والقومية المعروفة والتي تركت بصمات لا تنسى في جميع المواقع والمناصب التي شغلها خلال قيامه بواجبه أثناء خدمة وطنه ومليكه. 

ولد السيد مريود التل في مدينة إربد عام م1930 ومن الجدير بالذكر أن اسمه جاء نسبة للمجاهد أحمد مريود أحد قادة الثورة السورية. وقد تلقى تعليمه في المرحلة الابتدائية في مدينة السلط عام م1936 ثم انتقل بعد ذلك إلى مدارس عمان لمتابعة دراسته والعودة ثانية إلى السلط ثم إلى مدينة إربد ليكمل المرحلة الثانوية فيها. 

وبعد أن أكمل المرحلة الثانوية عَمًلَ مدرساً لمدة عامين في مدرسة الصريح وذلك عام 1950 لينتقل بعد ذلك إلى وزارة الاقتصاد ليعمل فيها بعد ذلك سافر إلى بريطانيا لمتابعة دراسته الجامعية فدرس السياسة والاقتصاد حيث حاز على دبلوم في التعاونيات من كلية لفترة في انجلترا ثم عاد إلى الأردن عام م1956 وقد واصل العمل في وزارة الاقتصاد ثم أعيد للعمل في وزارة التخطيط ثم في وزارة الخارجية حيث تم إرساله في بعثه إلى أميركا حصل خلال وجوده هناك على شهادة الماجستير مع مرتبة الشرف في الاقتصاد من جامعة بتسبرغ وتابع الدكتوراه إلا أن مدة البعثة قد انتهت قبل مناقشة أطروحته والتي كانت تحمل مسمى "دور المعونات الدولية والخارجية في تنمية بلدان العالم الثالث" وذلك عندما اضطر رئيس الوزراء الأسبق بهجت التلهوني لإعادة السيد مريود التل إلى الأردن لحاجة وزارة الخارجية له. 

نشأ السيد مريود التل في بيت شاعر الأردن الكبير مصطفى وهبي التل ذلك البيت الذي كان الشعر والأدب أهم أركانه فعرار كان دائم البحث عن الحق والعدالة وقد تحدث المؤرخ محمود عبيدات في شخصية عرار قائلاً: يعد مصطفى وهبي التل صاحب الكلمة الموقف بكل ما تعني هذه الكلمة من معاني الرجولة وشرف الانتماء. فقصائده رافضة لكل ما هو مألوف لدى البعض وخارجة عن قوانينهم ، وثائرة ضد تقاليدهم وأعرافهم والقصيدة عنده متحركة أبداً وناقمة أبداً ، ومنهمكة في كثير من الأحيان والكلمة داخل البيت لها قالبها الخاص ونكهتها المميزة ، فلقد كان دائم البحث عن الحق والعدالة وكان دائماً صادقاً في حديثه مؤمناً إيماناً قوياً بمبادئه وآرائه ، مدافعاً عنها بقوة الرجال ، وصدق المناضلين وكان يحس بالحاجة الماسة إلى تغيير أنماط الحياة المعيشة والاجتماعية وتعب كثيراً في سبيل إيقاظ الحس بالظلم ، فاصطدم مع الكثيرين مرات عديدة ، لأنهم لا يرون في أفكاره خدمة لمصالحهم بل هي الضد لأهوائهم وطموحاتهم غير المشروعة ، كان طرفاً قوياً في عملية تطوير الوعي والحس الاجتماعيين ، إيماناً بدور الأديب كواحد من أرقى وسائل الاتصال بالشعب فكان بحق الشاعر الذي خلَّد في شعره حب الوطن وتغنى بربوعه ومجَّد أبطاله. 

وهو بحق الشاعر الذي ملأ الحياة الأردنية بروائع الإبداع حتى أصبح في مقدمة شعراء الرؤية الكبار حر الفكر والتفكير جريء الرأي والموقف ، لا يخاف في قول الحق لومة لائم ، فأتاحت له مناصبه في الداخلية والعدلية ، والقضاء ، الوقوف المباشر على معاناة الناس من أبناء بلده فكان سيفهم الذي لا ينكسر. 

وقد تأثر مريود التل بوالده الشاعر الكبير عرار وحول ذلك تحدث قائلاً: لقد تأثرت بوالدي كثيراً خاصة أنني كنت قريباً منه حتى آخر أيام حياته فأخذت عنه جرأته وصراحته ووضوحه وقد كنت فخوراً به وأضاف قائلاً: أهم ما في شعر "عرار" أن يعني الارتباط بالأرض والمكان هذا شيء أساسي للتعلق بالأرض و"عرار" يتحدث من خلال شعره عن مواقع في الأردن وميزته أنه ربط نفسه بالأرض التي هي أساس كل شيء في الحياة. 

وأن ما ذكره عرار في شعره من أماكن أردنية لم يكن من الممكن أن يعرفها أحد إلا من سكن فيها وقد أشهرها للناس فهو أول من ذكر "رم" التي أصبحت لها أهمية سياحية وقد حلل "عرار" واقع المجتمع الأردني والوضع السياسي الذي يسود هذا المجتمع ومن يقرأ شعره يجد أنه ينطبق تماماً على واقعنا الحالي. فأشعاره كلها تعجبني لا أجد هناك من قصيدة أفضًّلُها على الأخرى لأن لكل منها مناسبة وهدفاً ووراء كل منها قضية وواقع. 

والسيد مريود التل هو شقيق رئيس وزراء الأردن الأسبق الشهيد وصفي التل الذي يعد رمزاً من رموز الهوية الأردنية أسهم بصناعتها والتعبير عن وجدانها سياسياً وثقافياً واجتماعياً واعياً باستمرار للوحدة بين الأقطار العربية وخاصة أقطار بلاد الشام ولا أحد منا ينسى الدور الذي لعبه الشهيد وصفي التل في الدفاع عن الدولة الأردنية ومسيرتها وبناء مؤسساتها والحفاظ على نظامها السياسي وحمايته ، فقد غرس في عقول الأردنيين وقلوبهم العديد من القيم الوطنية والإنسانية التي تعزز روح الانتماء والولاء للوطن وقيادته الهاشمية المجيدة كما عُرف عنه تميزه بذكاء وحكمة ووعي سياسي ، ويتجاوز في أغلب المرات الظروف والأحداث آنذاك. 

وقد تحدث دولة السيد أحمد اللوزي في شخصية الشهيد وصفي التل قائلاً: وصفي الشهيد رحمه الله ولد مع مولد الأردن فتصوروا هذه البداية العظيمة ، مولد إنسان فارس مع مولد وطن عظيم عزيز ، ووالله منذ ولد الوطن ما كان وطن الأردنيين وحدهم ، ولا كان وطن السوريين وحدهم ، ولا كان وطن المسلمين وحدهم بل كان وطن الرسالة ووطن النهضة ووارث النهضة والرسالة. 

أما حب وصفي للأرض وللناس في هذا الوطن ، فهو مجبول على المحبة رقيق الأحاسيس ، عفوي التصرف مع كل الناس ، رقيق الحاشية تطيب الحياة معه وتزهو به حبه للأرض عشق ، لماذا هذا العشق؟ رحم الله شاعر الأردن عرار ، لم يترك جبلاً ولا سهلاً ولا غوراً ولا بادية ولا مدينة ولا حاضرة إلا تغزل بها ، ولا عشباً ولا خربوشاً ولا نواراً ولا دحنوناً ولا زعتراً إلا وتغزل به وعشقه. 

عُرف عنه أنه كان رجلاً مؤمناً بأمته وبوطنه إيماناً عميقاً ، لم يهتز لحظة واحدة أو ينتابه الشك في أحلك الأيام ، آمن بالعقل البشري فلم تصل إلى قناعته أية قضية إلا وخضعت لتحليل عقلاني شامل وقد صمد وكافح ضد جميع الشعارات التي انتهت بتضليل الجماهير العربية حيث كان رجل دولة واضح الرسالة صادقاً في كل مواقفه وأقواله مما جعله قادراً على تحمل مسؤولياته القيادية في تحقيق الأهداف المنشودة وحشد كل الطاقات اللازمة لها. 

في كل ذلك كان وصفي رمزاً وقدوة لشقيقه مريود التل الذي كان دائماً يفتخر ويعتز بتاريخه المشرف. تقلد السيد مريود التل العديد من المناصب الحكومية الرفيعة وشغل مجموعة من الوظائف فقد عمل مدرساً ومديراً لمدرسة ابتدائية ومحاسباً بوزارة الاقتصاد ومجلس الإعمار ثم شغل منصب رئيس قسم المنظمات الدولية بوزارة الخارجية ، وفي عام 1966 أصبح رئيساً للجنة الاقتصادية والاجتماعية في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة. 

وفي 20 ـ 7 ـ م1967 عُين وزيراً مفوضاً في ألمانيا الغربية وذلك حتى 20 ـ 6 ـ 1968 حيث نقل للعمل في تونس. وفي 22 ـ 7 ـ م1970 أسند إليه منصب رئيس التشريفات الملكية وفي 29 ـ 10 ـ م1970 عُين أميناً عاماً للديوان الملكي الهاشمي ومن م1971 وإلى 1972 شغل منصب السكرتير الشخصي لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه. ليصبح بعد ذلك مستشاراً اقتصادياً لجلالة الملك ثم عَمًلَ رئيساً لديوان الموظفين ومستشاراً لدولة السيد زيد الرفاعي ورئيساً للمنظمة التعاونية الزراعية. 

ساهم في تأسيس مجلة "الأفق" وذلك عام 1982 كما ساهم بتأسيس "الميثاق" عام ,1996 وفي عام 1954 عَمًدَ السيد مريود التل بالتعاون مع المحامي محمود المطلق على نشر كتاب والده عرار الذي يحمل مسمى عشيات وادي اليابس. 

كرَّس المرحوم مريود التل حياته للخدمات العامة وقد عُرف بصلابته ونظافة مسلكه وتصديه للفساد والمفسدين فهو سليل عائلة عريقة فقد عُرف عن عائلة التل والتي قطنت مدينة إربد بعد أن قَدًم جدهم من الحجاز وحل في مدينة عمان ثم نزحوا منها إلى مدينة إربد ، عُرفوا بأخلاقهم الكريمة وتمسكهم بالعادات الأصيلة فتجدهم يشغلون العديد من المراكز والمناصب القيادية في الدولة الأردنية. 

برز منهم العديد من رجالات الدولة الأردنية أمثال: شاعر الأردن الكبير عرار ، وابنه الشهيد وصفي التل ورائد الصحافة الأردنية المرحوم حسن التل ، وبطل معركة القدس عبد الله التل والمجاهد خلف التل ، وعبد القادر التل ، والمحامي عبد الرؤوف التل رئيس بلدية إربد الكبرى ورئيس التحرير المسؤول بجريدة الدستور الأستاذ محمد حسن التل. 

والسيد مريود التل أحد أفراد هذه العائلة الذي عُرف بإنتمائه لوطنه وأمته متأثراً بمواقف والده وسعيه الدائم لإحقاق الحق وتمسكه بموقفه وقضيته والدفاع عنها لذلك تجد والده شاعر الأردن "عرار" قد تعرض للكثير من النفي والسجن. 

ومما يجدر ذكره أن السيد مريود التل رفض المشاركة في إحدى الحكومات وذلك لقناعته بأن أي وزارة ليس لها برنامج عمل وأعضاؤها ليسوا ملتزمين ومتجانسين بالفكر والتوجه لا ينتظر منها أن تقوم بأي عمل جدي يستهدف الصالح العام. ل

قد قدم مريود مصطفى وهبي التل صفحة ناصعة في تاريخ الأردن والأمة العربية في كل عَمًلْ قام به وفي كل منصب تقلده فهو لم يبخل والأردن لم ينسه فسجَّله في سجل أبطاله ومبدعيه والوطنيين من أبنائه ، إن سيرة حياة مريود التل تُعًّلم أبناء الأردن كيف يكون الانتماء للوطن وللأمة وتعلمهم كيف يكون الصدق في شرح المواقف كونه يمثل الذاكرة الوطنية نظراً لما ساهم به في عملية النضال والبناء وفي هذا المقام نستذكر ما قاله دولة الأستاذ زيد الرفاعي عن إعادة قراءة تاريخ الأردن حيث قال: وإنه لما يبعث السرور في النفس ، أننا بدأنا نرى خلال السنوات الماضية ، جهوداً خيَّرة مباركة بذلت وما تزال ، من أجل إعادة قراءة تاريخ الأردن من خلال إحياء سيرة حياة أولئك الرجال الذين أسهموا في حمل أمانة المسؤولية وبناء الوطن ، ورفد مسيرته بكل ما لديهم من طاقات وإبداع وأخلاق ومروءات ، أينما كانت مواقعهم هؤلاء الرجال الذين لهم دور بارز وفاعل ومؤثر في تاريخ الأردن من خلال مشاركتهم في صنع الأحداث التي مرَّ بها الوطن. 

فلكل أمة تاريخ عظيم يصنعه العظماء من أبنائها فالحديث عن مريود التل هو حديث عن أحد الرجال العظام الذين كان عطاؤهم موصولاً فكان الهدف العام بالنسبة لهم هدفاً سامياً يؤدونه لخدمة وطنهم فهو السهل الممتنع فمن السهل ذكر شخصيته النقية والقوية وخلقه المستقيم الذي أصبح مشهوداً له به ولكنه كان الممتنع في التحدث عن نفسه أو الترويج لها. توفي أبو طارق في آذار عام م2004 عن أربعة وسبعين عاماً قضاها في خدمة وطنه والذود عن حماه.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).