عشيرة العواملة

|0 التعليقات


نسبُ عشيرة العواملة

هناك أكثر من رواية حول نسب عشيرة العواملة السلطية ، رواية أوردها كتاب ( قاموس العشائر في الاردن وفلسطين ) لمؤلفه الباحث حنا عمَّاري تذكر أن عشيرة العواملة ارتحلت من القسطل إلى السلط قبل حوالي 250 عاما ، ونزل جَدُّهم الأوَّلُ احمد الملقب بالعامل في برج الخيار أحد أبراج قلعة السلط ، وقد عُـرفت المنطقة التي سكنت فيها باسم حارة أو محلة العواملة وسكنت فيها العديد من العشائر السلطية توزَّعت على مجموعتين ، الأولى اصطلح على تسميتها بالعوامله التحتا وتضمُّ عشائر الحمدان وأبو حمُّور والعمايره والحلايله والنجداوي ، والمجموعة الثانية أصطلح على تسميتها بالعوامله الفوقا وتضمُّ عشائرَ العطيَّات والكلوب والجدوع والحدايده ( آل الحديدي ) الذين يعودون بنسبهم إلى سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما .

ويُعزِّزُ كتاب ( تاريخ شرقي الأردن وقبائلها ) لمؤلفه الضابط الإنجليزي فردريك بيك الرواية التي تذكر أن العواملة ارتحلوا قبل حوالي 250 عاما ( 1730 م (وكان عددهم حوالي 550 نسمة من القسطل إلى السلط ليستقرَّ جَدُّهم الملقب بالعامل في برج الخيار وهو أحد أبراج قلعة السلط ، ويشيرُ بيك إلى أن الجدَّ المؤسس للعواملة أعقب حمدان وأعقب حمدان أحمد وأعقب أحمد مصطفى ويوسف وأعقب مصطفى سليم وبشير ومحمد وسالم وأعقب يوسف حمد وكايد وحسين وبركات ومن أعقاب هؤلاء تشكَّلت عشيرة العواملة السلطية .

وتذكرُ رواية أوردها كتاب ( العشائر الأردنية والفلسطينية ووشائج القربى بينها ) لمؤلفه الباحث احمد أبو خوصة أن زعامة العواملة في الحمدانيين (الحمدان) الذين ارتحل جَدُّهم أحمد الحمداني من حلب بعد قتله لأحد أمراء الشهابيين واستقرَّ في القسطل القريبة من زيزيا (جنوب عمان ) ، فلحقت به مجموعة من الشهابيين وتمكنوا من قتله طعناً بالرماح ، فتوزَّع أعقابه بعد مقتله بين السلط في الأردن وبين سانور القريبة من حنين ويعرفون بآل الجرار ، ويرجعُ نسب الحمدانيين (الحمدان ) إلى الحمدانيين الذين كانت لهم دولة في حلب بزعامة سيف الدولة الحمداني ومن مشاهيرهم الشاعر والفارس الذي جمع بين السيف والقلم أبو فراس الحمداني ، ويذكرُ كتاب ( موسوعة القبائل العربية ) لمؤلفه الباحث عبد عون الروضان أنَّ نسب الحمدانيين ( بنو حمدان) يرجع إلى حمدان بن حمدون أحد رجال تغلب بن وائل بن قاسط إبن هنب بن أفعى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان جد العرب العدنانية .

ويُعزِّزُ هذا النسب بيتٌ من شعر الفارس الحمداني أبو فراس الحمداني يقول فيه :

وقد علمتْ ربيعة ُ من نزار ٍ       بأنا الرأسُ والناسُ الذنابُ

ويوردُ الأديبُ المؤرِّخ روكس بن زائد العُزيزي في الجزء الأول من كتابه ( قاموس العادات واللهجات والأوابد الاردنية ) روايةً تشير إلى أن العواملة ربما ينحدرون من جبل عامل " جبل عاملة "، وتتوزَّع قرى وأراضي بلاد عاملة على لبنان وفلسطين ، وربما تتعزَّزُ رواية العُـزيزي بما أورده المؤرِّخ مصطفى مراد الدبَّـاغ في الجزء السادس من القسم الثاني من كتابه ( بلادنا فلسطين ) عن وجود مجموعة من عرب الحمدان في بلدة قَدَس التي تقع ضمن قرى وأراضي بلاد عاملة ( بلاد جبل عامل ) والتي تقع ما بين قريتي المالكية والنبي يوشع على الحدود اللبنانية ، ويذكر الدبَّـاغ أن قبيلة عاملة نزلت الجبل الذي عرف باسمها في جنوبي لبنان وشمالي فلسطين بعد الفتح العربي الإسلامي مع العديد من القبائل والعشائر التي نزلت فلسطين آنذاك كجذام والأشعريين وبني عامر والجرامقة والغساسنة ، ويذكرُ الدبَّاغُ في الجزء الأول من القسم الأول من كتابه ( بلادنا فلسطين) أن قبيلة عاملة نزلت فلسطين قبل الإسلام مع الهجرات العربية التي سبقت الإسلام ، ويذكر أن أذينه بن السَّمَيْدَعْ بن عاملة كان له نفوذ وشأن في فلسطين في العصور السابقة وهو الذي نزلت عنده قبيلة سليح القضاعية العدنانية بقيادة الحِذرجان بن سلمة ، ويذكرُ الدبَّـاغ أن قبيلة عاملة القحطانية التي ترجِّحُ بعض الروايات انتساب عشيرة العواملة إليها كانت تنزل المنطقة الجنوبية الشرقية للبحر الميت ثم ارتحلت إلى لبنان واستقرَّت في المنطقة الجبلية التي عرفت باسمها ( جبل عامل ) حيث لا يزال فيها وجود لهم ، وتلتقي قبائل عاملة وجذام ولخم في جَدٍ واحدٍ هو عدي ابن الحارث حيث تشكَّلت من أعقاب ابنه الحارث قبيلة عاملة، ومن ابنه عمرو قبيلة جذام ، ومن أعقاب ابنه مالك قبيلة لخم .

ويورد كتاب ( قبائل بني قيس القديمة والحديثة ) لمؤلفه أحمد موسى صالح فسفوس رواية تذكر أن عشيرة العواملة من العشائر القيسية في السلط التي خرجت من جبل الخليل أو التي ترتبط بعشائر القيسية ويذكر أن عشيرة العواملة ترتبط بعشيرة العملة في بيت أولا الخليل ، ويذكر الباحث أحمد موسى صالح فسفوس في كتابه ( جذور في التاريخ القبائل العربية القديمة والحديثة ) أن جدَّ عشيرة العواملة أحمد الذي كان يلقب بالعامل قدم من القسطل في فلسطين إلى برج الخيار بالسلط وزعامتهم في دار حمدان الذين جاء جدهم أحمد الحمداني من حلب فتوزَّع أولاده في الأردن وفلسطين ، فقسم في السلط والآخر ذهب إلى صانور ( جنين ) بفلسطين وهم آل جرار .

ويشير كتاب ( عشائر شمالي الأردن ) للدكتور محمود محسن فالح مهيدات إلى وجود علاقة بين عشيرة العواملة مع عشيرة الشقران والجراروة ، ويذكر أن الشقران والجراروه هم بطن من الصبر من غسان من القحطانية من نسل شقران بن عمرو بن حريم بن حارثة بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد بن بنت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ من نسل قحطان ، ويذكر أنهم نزحزا بعد خراب سد مأرب إلى بلاد الشام واستقرُّوا في القسطل من البلقاء شرقي الأردن ، ولهم أقارب في بيت راس هم الخيلات ، وفي السلط يدعون العواملة ، وفي ريمه في حوران سوريا وجاسم يدعون الجرو .

تعارف السلطيون على تقسيم مدينتهم على ثلاث تجمُّعات سكـَّـانية أطلقوا على كل تجمُّـع إسم الحارة أو المحلة ، وهي حارة أو محلة العواملة وحارة أو محلة وادي الأكراد وحارة أو محلة القطيشات ، وينبغي أن أشدَّ الإنتباه إلى أن العديد من المراجع يلتبس عليها الأمر وتخلط بين العشيرة وبين الحارة فتعتبر جميع العشائر التي تسكن في الحارة بما فيها العشائر المسيحية فروعا من العشيرة التي تحمل الحارة إسمها مع أن لكل عشيرة جذورها الخاصة بها ، وقد وقع في هذا الإلتباس أكثر من باحث وكمثال على ذلك فقد اعتبر أحد الباحثين في كتاب له أن سكان حارة العواملة من عشائر الحمدان والعمايرة والنجداوي والحدايده والجدوع والكلوب والزعبية وأبو حمور وبعض العشائر المسيحية من عشيرة العواملة مع أن الرابط بينها هو الحلف بحكم السكن في حارة واحدة وليس الإلتقاء في النسب .

خليل خريسات ... كلل مسيرته بالعطاء والولاء والمحبة

|0 التعليقات
خليل خريسات
خليل خريسات اسم يتردد صداه في الذاكرة الوطنية، فهو من رجالات الوطن الأوفياء الذين يمتد أثرهم الطيب كالصدقة الجارية، فقد وزع سني عمره على خريطة الوطن، ليشكل من خلال تنقلاته ووظائفه المتعددة فسيفساء رائعة من العمل المخلص والانتماء الصادق، مختطاً طريقه إلى النجاح والتميز من خلال محبة الناس، والصدق في التعامل وتقصى العدل والمساواة في حل القضايا، وتقديم الخدمات للناس في مختلف المحافظات، ساعياً للمساهمة في بناء الثقة وتكريس مؤسسية عمل الدولة، فلم يدخر في إتقان عمله سبيلاً، ولم يظن على تراب الوطن بنقطة عرق حقيقية، فقد كان مثالاً يحتذى في الصدق والتواضع والعمل الناجح، وبقي محافظاً على نهجه حتى وفاته.

لم تكن مدينة السلط عنده مسقط الرأس ومربى الطفولة والشباب وحسب، بل كانت نبض القلب وفضاء الروح، والصورة الأبهى التي بقي يرسمها طوال حياته، فقد ولد فيها في السابع عشر من شهر تموز عام 1938، وكانت السلط حينها حاضرة بارزة، وتتمتع بتنوع ديموغرافي وثقافي ثري، مما جعلها منارة لا تنطفئ في سماء الوطن، وقد شكلت كل هذه السمات عوامل إثراء نهلت منها شخصيته، التي لفتت الانتباه وأهلته لخوض عباب الحياة الصعبة وتحقيق التميز فيها، وقد زادته صلابة في المواقف التي تتطلب الشجاعة في المواجهة، وكذلك لين وطيبة قلب جعلتا منه إنساناً رقيقاً صاحب روح شفافة.

ينتمي خليل صالح حسن إلى عشيرة الخريسات التي تعود إلى قبيلة سعد من منطقة الطائف في الحجاز، وتقول الرواية أن جد الخريسات جاء من الطائف وأقام في عمان بوادي خريس الذي يعرف اليوم بوادي الحدادة، وقد رحل واستقر في السلط منذ ثلاثمئة عام، وقد سميت العائلة التي نتجت عنه بالخريسات، وأصبح لهذه العائلة امتداد في جنوب الأردن وشماله، من خلال تنقل بعض أبناء هذه العائلة في أكثر من مكان، وقد كان نصيب خليل خريسات في التنقل والترحال كبيراً، فقد قاده العمل الحكومي للعمل في أماكن عديدة من مدن وبلدات الوطن. دخل إلى المدرسة في عمر السادسة، مفتشاً عن مفتاح المستقبل القادم، ولا شك أنه كان يحمل إلى غرفته الصفية أحلام وشقاوات طفولته في ساحة البيت وأزقة الحارة، متطلعاً إلى الأيام القادمة بثقة وفرح، هكذا أنهى المرحلة الابتدائية، لينتقل بعدها إلى دراسة المرحلة الثانوية، التي تمكن في نهايتها من الحصول على شهادة الثانوية العامة، وكان ذلك عام 1957 من مدرسة السلط، حائزاً إعجاب معلميه، فقد كان محبوباً ومقرباً من الجميع طلبة ومدرسين، وهذه ميزة احتفظ بها أينما ذهب.

كانت الثانوية العامة كافية في تلك الفترة ليحصل خليل الخريسات على وظيفة مناسبة، فقد عين معلماً في مدارس وزارة التربية والتعليم عام 1958، ليدخل الحياة العملية بوقت مبكر، ونظراً لإدراكه لأهمية العلم في بناء الوطن وتقدمه، فقد قرر مواصلة تعليمه الجامعي، دون أن يخل بعمله الوظيفي، لذا انتسب لجامعة بيروت العربية من أجل دراسة الحقوق، وقد تمكن عام 1968 من نيل شهادة الليسانس في الحقوق من جامعة بيروت العربية، وكانت مسيرة العملية وفي وزارة التربية والتعليم ناجحة، عمل خلالها مدرساً ومدير مدرسة وإدارياً، وقد تمت إعارته إلى إمارة أبو ظبي في والإمارات العربية المتحدة، في قوة دفاع أبو ظبي، حيث عمل خلال مدة إعارته التي وصلت إلى ست سنوات، على تأسيس قسم الثقافة العسكرية وعين مديراً له، وكانت له بصماته الواضحة في هذا المجال في هذه الإمارة العزيزة.

لم يكن خليل خريسات ليضيع فرصة لتلقي مزيداً من العلم والمعرفة، فالتحق بمركز الدراسات في القاهرة، ليدرس مدة سنة ( دراسة عليا ) عام 1971، كما عمل خلال فترة خدمته في التربية والتعليم على الالتحاق بالجامعة الأردنية، ليدرس دبلوم عالي في التربية والتعليم، وقد كانت مدة الدراسة سنتين، ونال بعدها شهادة الدبلوم هذه عام 1976، وفي هذا العام انتقل خليل خريسات للعمل في وزارة الزراعة، حيث عين مستشاراً قانونياً ومديراً لشؤون الموظفين، وقد استمر عمله في وزارة الزراعة خلال الفترة من 1976 وحتى 1979، ويعد هذا العمل خبرة جديدة أضافها إلى سيرته العملية، وكان من الأشخاص القلائل الذين يتركون بصمات نجاحهم وتميزنهم، في أي عمل يقومون به أو أي مهمة يكلفون بها.

كان عام 1979 يحمل معه تحولاً كبيراً في مسيرته الوظيفية، فقد انتقل إلى وزارة الداخلية، ليعمل حاكماً إدارياً برتبة متصرف في مركز الوزارة، وكانت هذه الوظيفة الجديدة تتسق مع تخصصه الأكاديمي، وكانت فضاءً جديداً يكشف المزيد من قدراته وخبراته المتعددة، ففي عام 1980 عين متصرفاً ومساعداً لمحافظ البلقاء وهو عمل جعله في مواجهة مباشرة مع الناس من مختلف المستويات، وأن يتصدى لحل مشاكلهم ومواجهة قضياهم بهدوء متقصياً العدل من خلال نصوص القوانين وروح هذه النصوص، فاكتسب المحبة الصادقة وحقق النجاح والتميز في عمله، وخلال هذه الفترة عين رئيساً للجنة بلدية عين الباشا، كما عين مسؤولاً عن خدمات مخيم البقعة وذلك ما بين عامي 1980 و1982.

عاد خليل خريسات للعمل متصرفاً في مركز وزارة الداخلية، خلال الفترة من عام 1982 وحتى عام 1984، حيث تسلم عدة مهام ضمن هذه الفترة منها: مدير مديرية السلامة العامة ومدير مكتب وزير الداخلية، وكانت هذه المهام تتطلب قدراً كبير من المعرفة والخبرة في التعامل مع المراجعين من جهة ومع كبار رجال الدولة من جهة أخرى، حيث يعد عمله هذا ركيزة أساسية في وزارة الداخلية، التي تنهض بأعباء كبيرة، يزداد ثقلها مع تقدم الحياة وتعقد العلاقات، وكان خريسات مثالاً يعز نظيره في التواضع والجرأة، والقيام بمسؤولياته بكفاءة عالية، جعلته دائماً محط الأنظار وموضع الثقة والتقدير.

انتقل إلى ثغر الأردن الجنوبي، عندما عين عام 1984 متصرفاً للواء العقبة حينها، وكانت العقبة وما زالت واحدة من أكثر المدن نشاطاً وحيوية، وقد وظف فيها خبرته الكبيرة التي اكتسبها في وظائفه المختلفة، وقد واصل العمل في العقبة حتى عام 1988، وخلال هذه المدة وبحكم وظيفته أصبح رئيساً للجنة بلدية العقبة من عام 1985 وحتى 1987، كما عين عضواً في مجلس إدارة سلطة إقليم العقبة، وبذلك يكون قدم خدم في أهم مؤسسات مدينة العقبة، حيث عرف عنه حماسته الكبيرة في العمل، وقدرته على تحفيز المحيطين به للعمل بكل نشاط وجدة.

نقل خليل خريسات للعمل متصرفاً في مدينة مادبا عام 1988 وسرعان اكتسب رضا ومحبة كل من عرفه وعمل معه، وتمكن من تمتين الصلة بين المواطن ومؤسسة الحكم المحلي، غير أن المقام لم يطل به في مادبا، حيث عين عام 1989 مديراً للجنسية والإقامة وشؤون الأجانب في وزارة الداخلية، وتعد مسؤوليات هذا المنصب ذات حساسية كبيرة وتعقيدات ليست بالسهلة، لكنه كان دوماً أهلاً للثقة وعلى قدر المسؤولية مهما صعبت وعظم شأنها، ونظراً لنجاحاته المتواصلة والمضطردة، عين محافظاً وأميناً عاماً لوزارة الداخلية عام 1993، وكان هذا المنصب الرفيع والمهم دليلاً على ما تمتع به خليل خريسات من قدرات إدارية وصفات قيادية، أهلته ليكون الرجل الثاني بوزارة كبرى وسيادية، وتتويجاً لمسيرته العملية الناجحة واللافتة التي بدأها معلماً في وزارة التربية والتعليم.

احتفظ خليل خريسات بمنصبه أميناً عاماً لوزارة الداخلية مدة  زادت عن السنتين، أي حتى إحالته على التقاعد عام 1995، بعد رحلة عملية حافلة بالمتاعب والنجاحات والتحولات، لكنه مع ذلك لم يركن للراحة، بل واصل القيام بواجبه أينما دعي له، فقد أصبح مستشاراً لمؤسسة المدن الصناعية منذ عام 1995 وحتى نهاية عام 2004، كما اختير عضواً في لجنة مجلس أمانة المؤقتة عام 2007، وخلال مسيرته العملية شارك في عدد كبير من الدورات المتخصصة منها: دورات في الإدارة المتوسطة والطويلة وفي معهد الإدارة العليا، بالإضافة لدورة في الإدارة المحلية في ألمانيا. عانى في أشهر عمره الأخيرة من مرض عضال واجهه بصبر وصمت حتى وفاته في الثاني من شباط عام 2009، ومازال رغم غيابه مكتمل الحضور بيننا، لما تمتع به من محبة وتقدير وعمل صالح يبقى يذكر به وتزاد ذكراه عبقاً مع مرور الأيام.  

كاسب صفوق الجازي ... هيبة الأبطال و حدة الصقر

|0 التعليقات
كاسب الجازي
لحضوره هيبة الأبطال، ولنظرته حدة الصقر، يحمل في ذاكرته قصص البادية وإيقاع الصحراء، جاعلاً من طفولته الصعبة بوابته الواسعة لولوج معارج الحياة، بما فيها من متاعب وعقبات وصعاب، فكان دائماً عالي الهمة، وثق بالمستقبل ثقته بإيمانه الراسخ، ناظراً إلى الأرض الأردنية باعتبارها بوابة الأمة والقلعة الحصينة ضد الطامعين بالعرب وخيراتهم، وقد سعى طوال حياته العامرة بالمنجزات والمواجهات الحاسمة، من أجل الذود عن هذا الحمى، وحفظه للأجيال القادمة، وهو هاجس حمله الأردنيون جيلاً بعد جيل.

 أحب الخدمة العسكرية منذ نعومة أظفاره، ورغب بأن يصبح جندياً قبل الأوان وكأنه يسابق الزمن، فلقد ارتبطت العسكرية بالفروسية لدى القبائل البدوية، لذا أقبلوا على الجيش الأردني وتميزوا فيه جنداً وقادة، وسطروا على خطوط النار وفي ساحات الوغى أروع صور البطولة والفداء، فرووا بدمائهم أسوار القدس، وكانوا في طليعة مواكب الشهداء البررة.

كاسب صفوق الجازي نمر من نمور البادية، وقمر في فضاء الصحراء فاقع اللمعان، فهو ابن الظروف والبيئة القاسية، التي جعلت منه فارساً شديد المراس من فرسان القوات المسلحة الأردنية، ولم يكن أحد شهود العصر على أحداث حاسمة وحسب، بل كان مشاركاً فيها وحاضراً في منجزها. ولد كاسب الجازي على سيف الصحراء، حيث كانت ديار معان ومحيطها مضارب قبيلة الحويطات المؤثرة في التاريخي الأردني المعاصر، وتعد عشيرة الجازي أكبر عشائر هذه القبيلة العربية الممتدة عبر الزمان والمكان، فكانت ولادته في حدود عام 1928 أي بعيد تأسيس إمارة شرق الأردن بسنوات قليلة، وتعد منطقة « غدير أبو صفاه « القريبة من الجفر مسقط رأسه، حيث كانت هذه النواحي – الجفر والجرباء وغدير أبو صفاه والحميمة – من أبرز مناطق القبيلة، تتحرك فيها مضاربهم حسب فصول السنة وتعاقب المواسم، وقد شكلت هذه المناطق بالإضافة لمعان الفضاء الذي شكل مخزونه وبنى شخصيته، وشحذ الذاكرة العبقة بالأصالة التي لازمته طوال حياته.

تربى كاسب صفوق الجازي في بيئة جافة عانى الناس فيها من صعوبات العيش، وتنقل مع عشيرته بحثاً عن الماء والخصب، ونهل من والده وأهله صفات الشجاعة والكرم والإيثار، والتضحية بالغالي والنفيس صوناً للأرض والعرض، ولم تتوافر في مضارب العشيرة مدارس، غير أنه تلقى تعليماً أولياً فيما عرف بالكتّاب، على يد شيخ دين قدم من الطفيلة، كان يعلم الأطفال القراءة والكتابة والحساب وحفظ عددا من السور، وبعد أن كبر التحق بمدرسة جديدة فتح في منطقة الجفر، وتعلم فيها على يد الأستاذ محمد العسلي، وكان من بين رفاقه في المدرسة - كما يذكر ذلك الدكتور مهند مبيضين – اللواء صايل حمد الجازي وكايد ذيابات، وقد درس كاسب الجازي في هذه المدرسة حتى الصف الثالث الابتدائي، ولم تتح له فرصة إكمال دراسته في تلك المرحلة، فأنخرط في حياة القبيلة بعمر مبكرة.

ما إن بلغ كاسب الجازي عمر الثانية عشرة من عمره، حتى قرر مغادرة مضارب العشيرة والذهاب إلى منطقة المفرق، بحثاً عن فرصة عمل، يساعد فيها أهله ويعيل نفسه، وكان ذلك عام 1940، ليعمل بحفر الخنادق للجيش البريطاني، غير أن هذا العمل لم يرق له، فسعى إلى تحقيق حلمه من خلال الالتحاق بالجيش العربي – القوات المسلحة الأردنية – غير أن طلبه جوبه بالرفض وذلك لصغر سنه، لكنه لم يفقد الأمل انتظر الفرصة السانحة، فقد قام في عام 1943 بمقابلة كلوب باشا قائد الجيش، الذي أعجب بشخصيته وحماسته فجنده وأرسله للتدريب، وقد باشر التدريب في مدرسة التدريب العسكري في العبدلي، وكان على رأس هذه المدرسة في تلك الفترة الشريف محمد هاشم.

حقق كاسب الجازي تميزاً لافتاً في التدريب، وكان من الجنود المتفوقين، ونتيجة لما حققه من تميز تم تعيينه مدرباً عسكرياً للمشاة، السلاح الأبرز في تلك المرحلة، وقد ترك بصمته العسكرية على عدد كبير من الجنود، الذين دربهم وغرس فيهم صفات الانتماء والشجاعة والتفاني بالخدمة، وقد استمر يعمل مدرباً في مدرسة التدريب مدة سنتين، بعدها انتقل إلى سرايا المشاة، وكانت حينها من ثلاث كتائب وحاميتين، وقد خدم في السرية الأولى التي قادها النقيب فارس العبد، وكان مقرها مدينة رفح قبل أن تأتيها الأوامر لتنتقل إلى مدينة القدس، وبعدها نقلت إلى عمان ومنها تحركت إلى الشمال حيث تمركزت على جسر المجامع وجسر الشيخ حسين، وكان لها دور كبير في حماية تلك المنطقة.

وكان كاسب صفوق الجازي شاهداً ومشاركاً في بطولات الجيش الأردني في فلسطين خلال حرب الـ 48، خاصة في المعارك التي خاضها الجيش مع القوات الإسرائيلية في حي الشيخ جراح وباب الواد واللطرون، وقد حقق الجيش الأردن على قلة عدده وضعف تسليحه انتصارات كبيرة على الإسرائيليين، غير أن الهدنة التي فرضت على العرب غيرت الموازين، حيث تمكن الصهاينة من حشد قوات كبيرة جلبت من أوروبا وأسلحة ثقيلة متطورة، وكان من نتيجة ذلك أن خسر العرب الحرب، واحتفظ الجيش الأردني بالضفة الغربية والقدس، بعد أن سطر صفحات من البطولة الأسطورية، واستشهد عدد من رفاقه وأصدقائه على أسوار القدس منهم: مهاوش مذيب وعايض الجازي وساري عوض الدراوشة، وفارس محمد العبد وسلطان عليق العودات الجازي ومن أبناء عمومته سالم عودة الجازي ومدلول راعي الحصان الجازي.

واكب الجازي تطوير الجيش الأردني بعد حرب الـ 48، والتوسع بتشكيل الكتاب والتسليح قد المستطاع، وقد رقي إلى رتبة رقيب، ونظراً لسمعته العسكرية الطيبة وشجاعته وتفوقه على صعيد التخطيط وفي الميدان، فقد تم تنسيبه من قبل قائد الكتيبة ضمن دورة المرشحين الأولى، وقد اجتاز الدورة بكفاءة كبيرة، والتحق بعد أن أنهى الدورة عام 1951 بكتيبة الحسين الثانية، التي تمركزت في كفار عصيون قرب الخليل، وقد استمر بتطوير قدراته العلمية والعملية بجد كبير، ففي عام 1955 أرسل في دورة لتعلم اللغة الإنجليزية في بريطانيا، لكنه أضطر لقطع دورته بعد عام واحد والعودة، نتيجة تداعيات قرار تعريب قيادة الجيش الأردني، وتوتر العلاقة العسكرية مع بريطانيا.

خدم بعدها في الكتيبة الثانية في القصور الملكية، وتم إيفاده في دورة تدريبية عام 1958 إلى العراق، لكنه عاد إلى الأردن قبيل الانقلاب العسكري الدموي في العراق، وخاض كاسب الجازي حرب الـ 67 مع رفاق السلاح في الجيش الأردني، حيث كان برتبة مقدم وقائد كتيبة في لواء الحسين بن علي في العقبة، وقد قام المغفور له الملك الحسين بن طلال بالتوقيع على وثيقة القيادة العربية المشتركة في القاهرة عشية الحرب، وتعيين الفريق عبد المنعم رياض – المصري – قائداً للجبهة الأردنية، فوجد الأخير الخطط العسكرية معدة سلفاً ومركزها مدينة القدس، متضمنة الدفاع حتى آخر جندي ضد أي هجوم يستهدف القدس، وقد تضمنت الخطة ضرب تل أبيب إذا لزم الأمر، غير أن النكسة وقعت سريعاً بسبب عدم قدرة سلاح الطيران المصري تغطية الأجواء كما كان مخططاً، بعد أن دمر من قبل الإسرائيليين، فخسر العرب الحرب مرة أخرى، وتركت الخسارة مرارتها لدى العسكريين والمدنيين.

تم إعادة تنظيم الجيش من جديد فتشكلت فرقتان الأولى بقيادة مشهور الجازي والثانية بقيادة عاطف المجالي، وأصبح كاسب قائداً للواء الأميرة عالية، وكان برتبة مقدم، وعين قائداً لمحور عمليات وادي شعيب وكان محور العارضة بقيادة قاسم المعايطة وكذلك محور سويمة بقيادة بهجت المحيسن، فكان أحد أبرز قادة معركة الكرامة الخالدة 1968، التي حقق الجيش الأردني من خلالها الانتصار العربي الأول على الجيش الإسرائيلي وكسر أسطورته، وأعاد الثقة لدي الجيش والعرب، بعد ذلك أصبح قائداً للواء الحرس الملكي، وبعد أن تم ترفيعه إلى رتبة عقيد عين قائداً للفرقة الثالثة الملكية، وقد عهد إليه بتشكل الفرقة الرابعة الملكية. هذا وقد عين في أحداث أيلول 1970 حاكماً عسكرياً لمدينة عمان. حيث أحيل على التقاعد عام 1977 وهو برتبة لواء.

عين عضواً في مجلس الأعيان الأردني شباط 1977 واستمر عضواً في هذا المجلس عدة دورات برلمانية خلال الأعوام 2000 و2001 و2003. ولكاسب الجازي من الأبناء: ممدوح وعبد العزيز ويوسف ومحمد وصفوق وزهرة وإيمان وسناء، بقي الفارس كاسب صفوق الجازي قابضاً على عهد الولاء والإخلاص للوطن والقيادة حتى توفاه الله في نهاية شهر حزيران عام 2010.

الملك الحسين بن طلال و الملكة دينا بعد زواجهما عام 1955

|0 التعليقات








السيد د. عبد الله نويفع الشديفات ... شكر وعرفان

|0 التعليقات
خولة الطيب - المفرق - الأعوام تنصرم ... والأيام تتوالى ... والأقدار المجهولة فلا ندري متى نقدم الى الله تعالى ؟ في احرانا بوقفة صادقة نستجلي فيها حياتنا ووقفاتنا وأعمالنا نتأمل فيها دقائق اعمالنا وصغائر أخطاؤنا . 

فما هي إلا أيام قليلة وسنقف على مشارف نهاية هذا العام الميلادي بما حمله لنا من ثقل وراحة ، من حزن وسرور ، من تشاؤم وأمل ، إلا أنه يبقى لنا بصيص أمل نرى من خلاله اشراقة شمس ترنو لتضيء مكان بأكمله . فلتكن هذه الاشراقة أشخاص مجهولون اصروا وعزموا إلا أن يرسمو الابتسامة والفرحة والتفاؤل على وجوه الآخرين من خلال مد يد العون لهم . 

اخص بذكري السيد د. عبد الله نويفع الشديفات ذاك الاب الروحي لكل مواطن محتاج . فلم يغلق بابه بوجه أحد وما من يد امتدت له الا كان لها عونا وسندا. 

ففي هذا العام أنشأ السيد عبد الله الشديفات مؤسسة " عبد الله نويفع الشديفات للتنمية الفكرية وخدمة المجتمع المحلي " لتكون رائدة في مجالات شتى منها نشر الوعي والثقافي والحضاري للمواطنين من كافة انحاء المملكة . وقد امتدت رؤاه في انشاء هذه المؤسسة لتتخطى الوعي الثقافي والحضاري فقط بل وساهمت بمساعدة الكثير الكثير من المحتاجين . 

فلم يغب عن فكره الأيتام اللذين هم بحاجة لحضن دافئ فدعاهم إلى حفل افطار قد أقامه في رمضان الماضي ليشاركهم حلاوة لحظة الافطار التي ينتظرها كل صائم ، وساهمت المؤسسة أيضا في نشر البسمة والابتهاج لمرضى السرطان في مستشفى الأمل ، ولم يتعدى خيره إلى أولئك المحتاجين فقط بل بحث عن من هم بحاجة لأكثر من ذلك للمساعدة ولكنهم اكتنفو ثوب الاستحياء من السؤال . فاستطاع السيد عبد الله أن يصل اليهم ويمدهم بجميع الأدوات الكهربائية التي هم بحاجتها ، فقدمها لهم كهدية العيد من محلات ( عبد الله نويفع للمفروشات ) وامتد عطائه ايضا للتواصل مع طلابنا الأعزاء ورأى بهم اشراقة مستقبل أردننا الكريم فقدم لهم الحقائب المدرسية ممتلئة بالأدوات القرطاسية اللازمة . وغير ذلك أكثر 

لكم هو جميل وجود أمثالك في وطننا الحبيب الغالي ليساعد بعضنا الآخر ليمسك كل منا الأخر لنقف في وجه الأزمات الحياتية . 
فعلى صاحب النظر النافذ أن يزود من نفسه لنفسه ومن حياته لموته ومن شبابه لهرمه ومن صحته لمرضه فما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا سوى الجنة والنار ، ومن أصلح ما بينه وبين ربه كفاه وما بينه وبين الناس من صدق في سريرته حسنت علانيته . 
جعله في ميزان حسناتك .

أحمد المحايري .. طبيب مؤسس ومبادر جاد

|0 التعليقات
رافق تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، بذل جهود خاصة من أجل استقطاب الكفاءات من الأقطار العربية المجاورة، فقد كانت الديار الأردنية أكثر المناطق العربية التي عانت من نتائج إهمال الدولة العثمانية، للبلاد العربية الخاضعة لسيطرتها طيلة قرون أربعة، فلا وجود لمدارس ثانوية ولا معاهد علمية وبالتأكيد لا وجود لجامعات، فكان من نتيجة ذلك أن عانت البلاد من تدن ملحوظ في التعليم الثانوي، وندرة عدد من حصلوا تعليماً جامعياً من أبناء المنطقة، وقد أثر ذلك بشكل واضح على تراجع البلاد وتعثر التنمية الحقيقية والشاملة فيها.

كان على مؤسسات الدولة الناشئة أن تعتمد على القلة من أبناء الوطن الذي حصلوا على تعليم متوسط في مدارس القدس ودمشق، وخريجي مدرسة السلط الثانوية فيما بعد، وكان على الدولة السعي لاستقطاب الكفاءات اللازمة للسير قدماً في بناء ركائز التنمية، وتلبيه حاجات الناس للخدمات خاصة في مجالي التعليم والصحة لأهميتهما وتماسهما المباشر مع حياة الناس اليومية ومستقبل البلاد.

تعد التخصصات الطبية من أكثر التخصصات ندرة خاصة قبيل التأسيس والعقدين الأوليين اللذين تلا إعلان التأسيس، وهو واقع عانت منه المنطقة العربية برمتها، لكنها أكثر وضوحاً في شرقي الأردن، فسعت الإدارة الأردنية إلى جذب عدد من المختصين في مجالات مختلفة، كما أن كثيرا من هذه الكفاءات وفدت إلى الأردن برغبتها، من أجل العمل والإقامة، مستفيدة من الوضع المستقر في البلاد، بعكس ما يحيط بها من بلدان تعاني من اضطرابات سياسية وعسكرية ناتجة عن الاستعمار الغربي، وقد شجعت هذه الأحوال على قدوم ثوار ومناضلين، وأصحاب اختصاصات نادرة إلى شرق الأردن، وكان من بين هؤلاء الطبيب المعروف أحمد المحايري، الذي كانت له بصمات واضحة في مجال الطب خاصة في شمالي الأردن.

ولد الطبيب أحمد محمد المحايري في مدينة دمشق العريقة في أواخر القرن التاسع عشر، تحديداً في عام 1898، وكانت دمشق عندها واحدة من أنشط الحواضر العربية القابعة تحت السيطرة العثمانية، وكانت عاصمة ولاية الشام الممتدة حتى أطراف الحجاز جنوباً حتى تركيا شمالاً، ومن تخوم العراق شرقاً إلى إطلالة على البحر الأبيض المتوسط، فكثرت فيها المدارس مقارنة بغيرها من حواضر الولاية.

نشأ أحمد المحايري في دمشق وتشبع بالروح الوطنية التي سادت في تلك الفترة، فقد درس في مدارسها وجال بخطاه حاراتها القديمة، وتمكن من إنهاء دراسة المرحلتين الابتدائية والثانوية، وكان من الطلبة المتفوقين حيث لفت الانتباه بذكائه وفطنته وسرعته في التعلم، مما سهل عليه خوض غمار مرحلة دراسية أكثر صعوبة، فقد كان التفوق عنده حالة راسخة وسمت جميع مراحل حياته المختلفة.

بعد حصوله على الثانوية العامة، قاده تفوقه ليلتحق بالمعهد الطبي العربي في دمشق.

كان هذا المعهد المتخصص من المراكز العلمية النادرة في المنطقة بتلك الفترة، وتمكن من خلال مواظبته واجتهاده من الحصول على شهادة الدبلوما في الطب العام في شهر تشرين عام 1921، أي في العام نفسه الذي أسس فيه الأمير عبد الله بن الحسين إمارة شرق الأردن، وبعد تخرجه مباشرة انتقل من دمشق إلى الحجاز وأقام في مكة المكرمة، حيث عين طبيباً خاصاً لولي عهد ملك الحجاز الشريف الحسين بن علي الأمير علي بن الحسين، وكان ذلك في الحادي والعشرين من شهر كانون الأول عام 1921، وحيث لازم الأسرة الهاشمية في الحجاز حتى أواخر عام 1922، حيث غادر باتجاه شرق الأردن، التي استقطبت عدداً كبيراً من العرب المقيمين في الحجاز، بالإضافة لمجموعة من الحجازيين الذين لحقوا بالأمير عبد الله بن الحسين.

لدى وصله إلى الأردن استقر الطبيب أحمد المحايري في مدينة اربد، وكانت البلاد بحاجة لعدد كبير من الأطباء، فتم تعيينه طبيباً في عجلون ومنطقة الكورة في شمالي الأردن، وكان يتحرك في منطقة واسعة من خلال مركز عمله هذا، فتعرف على عدد كبير من الناس، وأحب الأردن طبيعة وأهلاً وقيادة، وفي عام 1926 عين طبيباً حكومياً في اربد في الأول من آذار عام 1925، وقد مارس عمله بنشاط كبير وبمهنية عالية، لكنه قرر تقديم استقالته في الثامن عشر من حزيران 1926، ليتفرغ لعمل طبي كبير حيث كرس وقته للعمل على مكافحة بعض الأمراض الوبائية، خاصة مرضي الملاريا والتراخوما، وكان هذان المرضان منتشران في شمالي الأردن في تلك الفترة، لذا بقي متحركاً في المنطقة الممتدة بين اربد وعجلون، يقوم خلالها بعلاج هؤلاء المرضى وتوعيتهم للوقاية من هذه الأمراض.

حصل الطبيب أحمد المحايري على الجنسية الأردنية بتاريخ 30/3/1930، وقد جاء ذلك بموجب قانون الجنسية النافذ، وفي سياق استقطاب الخبرات والكفاءات العربية، التي كان لها أثر كبير في العمل وتطوير الخدمات في المؤسسات بمختلف المجالات، وكان رغم انشغالاته المتعددة مخلصاً لمهنته النبيلة، فقد عمل على افتتاح عيادته الخاصة في مدينة اربد عام 1926، وتقع العيادة على تل اربد مقابل دار البلدية، على مقربة من الوسط التجاري للمدينة الذي يعبره شارع الهاشمي من الغرب إلى الشرق، وتعد عيادته من أوائل العيادات الطبية الخاصة في اربد، لذا هو من الأطباء الذين كانت لهم جهود تأسيسية واضحة في قطاع الصحة في الأردن، في فترة عانت فيها البلاد من ضعف الإمكانيات، وعدم توفر البنية التحتية المناسبة، فكان يعمل الأطباء في ظروف صعبة.

كان للطبيب المحايري نشاط وطني وسياسي، وعرف بميوله الإسلامية التي تأطرت بانضمامه لحركة الأخوان المسلمين في أربعينيات القرن الماضي، وقد أصبح رئيساً لشعبة الأخوان المسلمين في اربد في أواخر الخمسينيات من القرن نفسه، وهذا يؤكد نهجه في الحياة، حيث جمع بين العمل كطبيب وسياسي ومزارع كبير ومستثمر واعٍ، فهو دائم الحركة والنشاط، ثابت على مبادئه التي نشأ وشب عليها، وتمتع بالمحبة والتقدير من كل من عرفه أو تعامل معه. فقد عمل طبيباً لدى بلدية اربد بناءً على طلب من رئيس البلدية في خمسينيات القرن الماضي، وعمل خلال هذه الفترة على تنظيم الأمور الصحية في المدينة، وخاصة ما يتعلق بسلامة الغذاء، ومراقبة المحال والمطاعم لمراعاة الشروط الصحية المطلوبة، استقال المحايري من عمله في البلدية، ليتفرغ لمرضى عيادته التي شهدت ازدهاراً كبيراً، حيث كان يتقاضى أجوراً رمزية، وأحياناً يعالج المحتاجين مجاناً، مما قربه من الناس وحببهم فيه.

تميز أحمد المحايري بأنشطته الزراعية الكبيرة، فقد قام باستصلاح وزراعة ما يقرب من ألف دنم من الأرضي في منطقة الأغوار الشمالية، كان يزرع فيها الموز والحمضيات، حيث أحب الأرض وعشق الزراعة التي رأى فيها مستقبل الأمة وضمانة التنمية في البلاد.

اشتهر الطبيب المحايري ببناء البيوت على الطراز الشامي التراثي، وهي بيوت مبنية من الحجر ومكونة من طابقين وبفسحة داخلية جميلة، وقد عمّر هذا البيت عام 1923 الذي يطل على حديقة غناء بمساحة دنمين، وقد تم استئجار هذا المبنى فيما بعد من قبل وزارة التربية والتعليم وحولته إلى مدرسة إعدادية للبنات، واستثمر في هذا المجال حيث قام ببناء عشرة بيوت حجرية في موقع حيوي من المدينة، أضفت على اربد طابعاً جمالياً خاصاً، بالإضافة لتشيده لعدد من المخازن والمحال التجارية، التي كان من بينها مكتبة الهلال وهي أول موزع للصحف والمجلات الأردنية والعربية في اربد، مثل صحف الدفاع والجهاد وفلسطين والمنار ورسالة الأردن، وقد أقام عدد من رجالات الحكم المحلي في اربد بالبيوت التي بناها من أمثال: بهجت التلهوني وسعيد الدرة، وثروت التلهوني، وسامي شمس الدين، ونجيب الشريدة، وصبحي الموقت.

أدخل المحايري تقنيات جديدة في الزراعة، واستعمل المضخة لري الأرضي التي استصلحها، ومن أوائل من افتتح موقعاً لقطع حجارة البناء في اربد، وأنشأ الكسارات في الحصن عام 1965، وكان ناشطاً في العمل الخيري من خلال جمعية الهلال الأحمر الأردني وجمعية الملك حسين الخيرية، و بقي عاملاً بنشاط وهمة حتى وفاته في الثالث عشر من شهر آب عام 1967. فكان من المؤسسين الكبار، الذين تركوا أعمالاً مشهودة تذكر بهم وتخلد أسماءهم.

عيسى أبو دلهوم .. عايش تحولات القرون في الشرق !

|0 التعليقات

التاريخ الشفهي؛ يزخر بإرث عظيم وبكنوز مخبوءة، تختفي أسرارها برحيل رواتها الثقات، مما يحرم الأمة من جوانب مهمة من تاريخها غير المدون، فتذوب ركائز نهضت عليها حضارة الأمة ورسخت ثقافتها وحضورها المتواصل، ومن بين هذه المحفوظات المهددة بالخطر، ما يتعلق بمنجزات شخصيات وطنية فذة، عاشت وعملت بصمت بسبب ظروف متعددة، أبعدتها عن الإعلام والتدوين، فحفظتها القلوب النقية، ونقشتها الذاكرة الشعبية في أماسي الحكايات والتذكر، فلولا ذلك لكانت خسارتنا في هذا الجانب كبيرة وصعبة التعويض.

إن سيرة الشيخ عيسى أبو دلهوم، تعد تصويراً لشخصية فريدة، عايشت مراحل مهمة من الحراك العربي من أجل الحرية، وواكبت ثورة العرب الكبرى وجهود تأسيس الدولة الأردنية على يد نجل شريف مكة ومنقذ العرب الشريف الحسين بن علي، الأمير المؤسس عبد الله بن الحسين، فقد سجلت الروايات كما أفادنا الأديب ممدوح أبو دلهوم أن الشيخ عيسى بن عبيد الله بن محسن الدلاهمة أبو دلهوم ، قد ولد في حدود عام 1868، في مرحلة كانت فيها المنطقة تأن تحت ثقل قرون من الحكم العثماني، الذي أهمل العرب خاصة في أواخر عهده ونكل بهم. لقد ولد الشيخ عيسى أبو دلهوم في قصر شبيب التاريخي الذي يتوسط مدينة الزرقاء اليوم، وهو قصر يعود للأمير شبيب، فالشيخ عيسى هو سليل الأمير شبيب ابن مهيد الذي شيد هذا القصر، وكانوا أجداده من كبار ملاكي أراضي غرب عمان، خاصة في مناطق دابوق وصويلح وشفا بدران والشميساني، ولا شك أن هذا الإرث الكبير من التقاليد والقيم المتعلقة بالزعامة العشائرية، قد كونت منظومة أساسية في نشأتة وأسهمت في بناء شخصيته الفذة.

تربى في كنف والده الشيخ عبيد الله فأخذ عنه الكثير من صفات التي ميزته كالشجاعة والكرم وطيب النفس والإيثار، وهي سمات أهلته للزعامة العشائرية، بالإضافة لما تميز به من ذكاء وفطنه وسرعة بديهة، وكان قد تعلم الفروسية منذ طفولته، فكان يجوب الأراضي الممتدة من الزرقاء حتى غربي عمان على صهوة حصانه دون كلل أو ملل، وتعلم ومن والده وشيوخ تلك الفترة الذين خبرهم صغيراً وشاباً الكثير من أمور الحياة، فعرف القضاء العشائري، وأخذ عنهم كيف يقوم على الناس ويخدمهم ويحل مشاكلهم، وحفظ الشعر النبطي، ودون في ذاكرته كثير من قصص البطولة التي زخرت بها البادية في مراحل مختلفة، فكان أنموذجاً لفرسان عصره، بزعامته المتوارثة وبتواضعه وقربه من الناس، لتكريسه حياته لخدمتهم إكرامهم، وتقدم المساعدة لمن يحتاجها، فلا يبخل بغالٍ أو نفيس.

تميز الشيخ عيسى كقاضٍ عشائري ذائع الصيت، وهو عمل أوقف عليه سنوات عمره الطويلة التي امتدت على قرنين زاخرين بالأحداث الجسام، وقد سعى إليه طلاب الحق من مختلف مناطق الأردن، وبعضهم قصده من خارج البلاد، لما عرف عنه من تحري العدل مهما كان نيله صعباً، ولمعرفته العميقة بشؤون القضاء، حتى عد حجة لا يشق له غبار في هذا المجال، حيث كان للقضاء العشائري دوراً رئيسياً معوضاً عن غياب المؤسسات المدنية، خاصة في الحقبة العثمانية، حيث تحولت العشيرة إلى مؤسسة حكم محلي، وتجاوزت وظيفتها الاجتماعية بحكم الظروف الواقعية، وقد كفل له القضاء مكانة اجتماعية واسعة النطاق، فكان شيخاً مهيباً، أحبه الناس وسعوا إليه.

عرف الشيخ عيسى بإصلاح ذات البين، فكثيراً ما كان يدفع من جيبه الخاص نقوداً ليصلح خلافاً أو يساعد محتاجاً، فقد عرف بأنه كريم معطاء، يجزل العطاء لكل مستحق أو صاحب حاجة، فقد كان من الملاكين الكبار للأراضي الخصبة والواسعة الممتدة بين شفا بدران وصويلح وماحص ودابوق والشميساني، فكانت له قرية حيث أقام وقد سميت باسمه – قرية عيسى – أقام بها ديوانه الشهير الذي عرف بين الناس باسم ( عراق عيسى ) وقد نتج عن مبادراته المالية اتجاه كل من يقصده، وعطاياه المتواصلة وولائم الخير التي كان يقيمها، أن أخذت أراضيه بالتناقص المطرد، من قبل المرابين الذين عرفوا بجشعهم في تلك الفترة، فخسر كثيراً من الأراضي الزراعية، خاصة في سنوات القحط عندما ازداد قُصّاده من أصحاب الحاجة.

كان الشيخ أبو دلهوم مقرباً من المغفور لهم بإذن الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين، والملك طلال بن عبد الله والملك الحسين بن طلال، وكان صديقاً للأمير شاكر بن زيد، وعلى صلة قوية بزعماء القبائل الأردنية من أمثال ماجد العدوان وسلطان العلي ومثقال الفايز ونهار الرقاد وعبد ربه العساف وعبد الله اللوزي وحمد أبو حيدر وذوقان الحسين، غيرهم الكثير من الشيوخ والوجهاء ورجالات الوطن الرواد، فقد كان على علاقة وطيدة مع رؤساء الحكومات ورجال الدولة من قادة الجيش والدرك وعدد من الوزراء ومسؤولي الحكم المحلي، فهو بمكانته وما يقوم به من خدمات عامة ولما تمتع به من رأي سديد وكلمة مقدرة، كان معاضداً لمؤسسات الدولة ولرجال الحكم، فكثيراً ما يطلبون مشورته، أو يوكلون له بعض المهام التي تتطلب حكمة وقدرة على التقدير وحسن التصرف، فيحل قضايا شائكة بخبرته ومصداقيته العاليتين، فهو بحق من الرجال الكبار الذين عاصروا مراحل صعبة.

 ذكر المرحوم سعيد بينو، أنه عندما وصل الشيشان إلى الأردن عام 1906، مهاجرين من بلادهم في القفقاس، نتيجة لتنكيل الروس بهم بعد احتلال بلادهم، وعندما أسس الأمير عبد الله إمارة شرق الأردن عام 1921، طلب من العشائر التي تقطن الشفا وصويلح تخصيص الأراضي حول عين صويلح للشيشان إكراماً لهم، ولحاجتهم إلى الإقامة قرب مصادر المياه، فسارع زعماء العشائر بتنفيذ رغبة الأمير عن طيب خاطر فذلك من شيمهم، وقد قدر الأمير مبادرتهم فأكرمهم، حيث قام بإهداء الشيخ عيسى منطقة « جناعة « في محافظة الزرقاء حالياً، وهذا يدلل على ما تمتع به هذا الشيخ الجليل من مكانة مؤثرة، فكان كثرى هذا الوطن معطاءً بلا منة، متقبلاً بتواضع، يدرك أن السياج الحقيقي للوطن هو تماسك نسيجه الاجتماعي الذي يشد بعضه بعضاً كالبنيان المرصوص.

أقامت عشيرة الدلاهمة بجوار عشائر الشيشان والشركس وعشائر من العدوان والسلطية، وتدلل الروايات أن الدلاهمة عاضدوا الأمير عبد الله بن الحسين في جهود تأسيس إمارة شرق الأردن، كما أن الشيخ عيسى أبو دلهوم شارك في استقبال الأمير عبد الله لدى وصوله إلى عمان قادماً من معان، وفي عام 1924 كان له دور ملحوظ مع شيوخ العشائر ورجالات البلاد في استقبال الشريف الحسين بن علي ملك الحجاز، الذي زار عمان لفترة من الوقت. لقد عاش الشيخ عيسى عمراً طويلاً، حيث امتد عمره على مدى ثلث القرن التاسع عشر وثلثي القرن العشرين، معاصراً أحداثاً كبيرة وتحولات حاسمة شهدتها المنطقة، وعرف بزهده وتقواه والتزامه بالفروض ومعرفته الجيدة بالعبادات.

اضطر الشيخ عيسى إلى ترك قرية عيسى – دابوق – وهجر ديوانه عراق عيسى، بعد ضياع أراضيه التي أخذها التجار بما عرف حينها ، بالفايض وهو نوع من الربا ساد في تلك الفترة، فغادر هذه المناطق في أواخر أربعينيات القرن الماضي، ليقيم في قرية جناعة في محافظة الزرقاء، حيث كرمه أخواله بني حسن أحسن تكريم، ,هكذا فعل أنسباؤه بني صخر، وبقي مقيماً في جناعة حتى وفاته عام 1970، ورغم أن سنوات طويلة مرت على وفاته فإنه مازال حياً حاضراً بفضل الذاكرة الشعبية والذكر الطيب.