‏إظهار الرسائل ذات التسميات س. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات س. إظهار كافة الرسائل

سليمان عويس ... شاعر الوطن

|0 التعليقات


رغم مرور عدد من السنوات، على وفاة شاعر الأردن الكبير سليمان عويس، فإن صدى أشعاره، ورنة مواويله تتردد في الذاكرة الشعبية، وما زال ذكره الطيب حاضراً بين النخب الثقافية والسياسية، فقد تمكن خلال حياته الحافلة بالعطاء والإبداع الشعري والأدبي، أن يحتل مساحة كبيرة ومرموقة بين شعراء وأدباء الأمة العربية، فهو ابن الأردن البار، المسكون بالقضايا القومية الكبرى، والحامل لهموم الناس البسطاء، والمعبر الأمين عن المعاناة اليومية للمواطن العادي، والمشغول حتى الأرق والتعب بما تتعرض له الأمة العربية من مؤامرات واعتداءات، فكان أردنياً نبيلاً متواضعاً، وعربياً أصيلاً رهن عمره وشعره للدفاع عن وطنه الصغير ووطنه الكبير، الممتد من المحيط إلى الخليج، ولعل مرد ذلك لتنشئته القومية، التي صبغت الأردنيين في مختلف المراحل، بالإضافة إلى انفتاحه على ما يجرى على ساحة الوطن العربي، وتواصله الأدبي والروحي مع بقاع البلاد العربية كافة، ترك بصماته الواضحة في نتاجه الإبداعي، وفي أفكاره ومواقفه الواضحة، التي لم يحابي فيها أحداً.

كان الشاعر سليمان عويس، على موعد مع الطبيعة البكر، والفضاء المتسع والنقي، فقد ولد بين جبال أجمل بلدات الأردن، وأكثرها سحراً وإلهاماً، حيث ولد في بلدة دبين في محافظة جرش العريقة، وكانت ولادته عام 1943م، وتفتحت عيناه منذ اللحظة الأولى على غابت الصنوبر وأشجار السرو وبساتين الزيتون، فكان خياله كعصفور يقفز من غصن إلى آخر، عندما كان عمره يتقدم عاماً بعد عام، فكانت الأرض الأردنية، وسكان القرى الطيبون، هم ملهمه الأول، وأول من ألقى في فؤاده كلمات الشعر، فكانت خطواته الصغيرة، وهو يلهو بين أشجار الغابات، ودروب البساتين، هي خربشاته البكر، وهو يذهب إلى مدرسته يومياً، وقد نشأ كفلاح حقيقي، تعلم مخاطبة ذرات التراب، وفسلات الزيتون، وشتلات البندورة اليانعة، فهو ابن الأرض المخلص، جمع في أعماقه ملامح أهله، وحمل همومهم وأوجاعهم، وكانت هذه مرتكزات حياته، التي لم يتخل عن أي منها في أي مرحلة من المراحل.

لقد تنازعت سليمان عويس منذ شبابه، الرغبة في الدراسة العلمية، والميول والموهبة الأدبية، فعمل على الموازنة بين هاتين الحالتين، فدرس المواد العلمية، وترك لقلمه الغوص في بحور الشعر، والتحليق في عوالم الخيال ولإبداع، وقد أنهى دراسته الثانوية بتفوق، ودفاتره مليئة ببدايات الكتابة التي تنوعت بين المقطوعات الشعرية، والخواطر النثرية والقصص القصيرة، لقد راودته أحلام كبيرة، وكان مقبلاً على الحياة، متوثباً لدخول المستقبل، واكتشاف مجاهل الأيام القادمة، وكان من حبي العلم، الباحثين عن تحصيله أينما كان، وفي سبيل هذه الغاية، سافر إلى جمهورية مصر العربية، في حدود عام 1964، وقد بادر في الالتحاق بجامعة القاهرة، التي تعد من أعرق الجامعات في البلاد العربية، وكانت مصر في تلك الفترة، تشهد حراكاً ثقافياً سياسياً وعسكرياً لافتاً، وقد أتاحت له القاهرة فرصة غنية، للتواصل مع عدد كبير من الكتاب والشعراء العرب، وفي جامعة القاهرة التحق بكلية التجارة، وتخصص بالمحاسبة والتأمين، وكانت الجامعة ميداناً للحراك السياسي القومي، الداعي للوحدة العربية، ومواجهة الخطر الصهيوني، والعمل على تحرير فلسطين، واستقلال الدول العربية، التي كانت حينها تحت الاستعمار الغربي، وقد تشبع سليمان عويس بالروح القومية التي بلغت أوجها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وقد شهد خلال وجوده في مصر حرب حزيران عام 1967، وقد قام بواجبه اتجاه أمته وقضيتها الجوهرية، حيث أسهم في المجهود الحربي بنفسه، وعمل على تعبئة عدد من الشباب العرب، لدعم الجبهة المصرية، واستمر ينهض بهذا الدور خلال حرب الاستنزاف، التي خاضتها مصر ضد إسرائيل بُعيد حرب حزيران.

تمكن الشاعر سليمان عويس من إنهاء دراسته الجامعية، عام 1968 حيث نال شهادة البكالوريوس في المحاسبة والتأمين، عاد بعدها إلى الأردن، أحب مكان في الكون إلى نفسه، وبعد أن استقر به الحال في بلده، عمل عويس موظفاً بتخصصه الذي عاد به من جامعة القاهرة، غير أن المبدع فيه نمي بشكل ملحوظ، فلم يستمر في عمله هذا طويلاً، فالتحق بمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، حيث عمل مذيعاً ومحرراً، وقد استمر في عمله بعض الوقت، عاد بعدها إلى وظيفته السابقة في المحاسبة، وبعد فترة من الزمن قرر التفرغ للكتابة، بعد أن ذاع صيته وأصبح شاعراً محترفاً، وقد مكنه هذا القرار من رفد الساحة الشعرية المحلية والعربية، بكم بكبير من القصائد المميزة.

لقد بدأ الأديب والشاعر سليمان عويس مشواره مع الأدب، من خلال كتابة القصة القصيرة، وقد بدأ بنشر أولى قصصه منذ أواخر عقد خمسينيات القرن الماضي، لكنه لم يستمر في كتابة القصة، حيث تفوق الشاعر في داخله على كل شيء، لذا تحول إلى كتابة الشعر منذ مطلع الستينيات الماضية، فتوجه لكتابة الشعر الفصيح، وتمكن من إنجاز ديوانين من الشعر الفصيح هما: ديوان العنقود 1973، وديوان غنيت بغداد 1981، لكن فقدانه لوالدته التي توفيت عام 1976، دفعه إلى كتابة الشعر العامي، وكان هذا الأخير سبب شهرته التي طافت الآفاق، حيث أخلص لهذا الشعر، الذي كان يشبه لون الأرض، ويلامس قلوب ومشاعر البسطاء والمثقفين، وقد كتب الشعر العامي مسرحيات ملحمية، ذات هاجس وطني نضالي، وقد عرف من خلال شعره العامي، بدفاعه عن الضعفاء، وتعريته للفساد والمفسدين، والدفاع عن وطنه ضد كل من حاول النيل من مسيرته وسمعته العالمية النقية.

أطل سليمان عويس على الناس بشكل يومي، من خلال زاويته الصحفية (موال) التي طاف بها الصحف اليومية كالدستور والرأي، وبصوته كل صباح عبر أثير الإذاعة الأردنية، وحفظ الأردنيون أشعاره ورددوها في أحاديثهم، واستشهدوا بها في حواراتهم المختلفة، وقد أصدر بالعامية ديوانين شعريين: ديوان مواويل رافضة 1978، وديوان بيروت كيف حالك 1985، وقد اهتم بالمسرح وكتب له ملحمة بعنوان (بارود) ومسرحية (حكاية بلدنا: حكاية قريتنا)، لقد كرس سليمان عويس حياته للكتابة، فكانت مشروعه الذي بذل في سبيله الغالي والنفيس، وكان تعلقه بهموم الناس، ووقوفه عند القضايا العربية الكبرى، ومساندته لجهود التحرر والنضال والمقاومة العربية، أن جعلته يوقف شعره على معالجة هذا الموضوع، حيث ابتعد من غير تقصد عن الشعر الغزلي، وشعر العاطفة الفردية، وهو الشاعر الرقيق، المتدفق المشاعر، فقد كان سريع التأثر جياش العاطفة، لكن إدراكه لواقع أمته المرير، وارتهانه لكلمته لتكون الرصاصة، التي تدافع عن الوطن والأمة، وتعبر عن حال الناس وأوجاعهم، أبعده عن الشعر الغزلي.

لقد آمن الشاعر سليمان عويس بالثقافة، سبيلاً لاستعادة الأمة لدورها الحضاري، والمعزز الحقيقي للاستقلال والتحرر، لذلك عمل على تأسيس دار نشر باسم دار المهد، وقد اصدر من خلالها مجلة فصلية باسم المهد أيضاً، وقد شارك في هيئة تحريرها الناقد الكبير الدكتور إحسان عباس، والروائي إلياس فركوح، والناقد الدكتور كمال ديب، في حين كان سليمان عويس رئيس التحرير، وقد شكلت هذه المجلة حالة فريدة في الساحة الثقافية المحلية في عقد الثمانينيات، وساهمت في تقديم إبداعات الكتاب الأردنيين بشكل مرضي للقارئ المحلي والعربي، لكن هذه المشاريع الرائدة، عانت من قلة الدعم وضعف الإمكانيات المادية، فلم يكتب لها الاستمرار رغم نجاحها الملحوظ، وقد عمل أيضاً مدير تحرير مجلة وسام التي تصدرها وزارة الثقافة، وهي مجلة متخصصة للأطفال.

شارك الشاعر سليمان عويس خلال مسيرته الإبداعية الزاخرة بالعطاء، في عدد كبير من المهرجانات والندوات الشعرية داخل الأردن وخارجه، وأعطت قصائده ومواويله المتميزة نكهة خاصة لمناسبتنا الوطنية، التي كانت تحملها أشعاره معبرة عن المواطن الأردني المخلص، وقد نال عدد من الجوائز، وتم تكريمه غير مرة، وتقديراً لعطائه المتميز وإبداعه المتفرد، منح وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، وكان دائم الكتابة والعطاء، لكن الأزمة القلبية التي ألمت به لم تمهله، فغادرنا وهو في ذروة إبداعه وهمته، حيث توفي في الثاني عشر من شهر كانون الأول عام 2005، ودفن في مسقط رأسه بلدة دبين. فرغم غيابه المفاجئ، يبقى صوته وشعره خالدين خلود كبار الشعراء، شعر دائم الخضرة كغابات حيث ولد وحيث وري الثرى.   

سعيد باشا الصليبي الفاعوري

|0 التعليقات
سعيد الصليبي

يعد حضور سعيد باشا الصليبي الفاعوري، في الذاكرة الوطنية، وفي التاريخ الاجتماعي والسياسي الأردني الحديث، واضحاً وعميق الأثر، فهو من فرسان المرحلة التي تكثفت فيها الأحداث، وغلب فيها تقلب الأحوال وتغير الدول، وتنازعتها صراعات إقليمية وعالمية، أدت إلى تغيير خريطة المنطقة العربية، وتشظي الحلم العربي بالوحدة والحرية.

هذا الامر   حتم على العرب خوض غمار معارك تحرر امتدت عدة سنوات إضافية، ضد التقسيم والاستعمار الغربي، وكانت القاعدة الحقيقية لهذا النضال، الرجال الأحرار من أبناء الأمة، بفضل حسهم الوطني، وانتمائهم العميق للقضايا القومية العامة، كما لعب هؤلاء الرجال الذين خبروا مراحل بالغة الصعوبة، وتصدوا لمؤامرات متلاحقة استهدفت الأمة ومقدراتها. وتبين سجلات التاريخ مدى تفاعل رجالات الأردن في الحراك السياسي النضالي، في المنطقة برمتها، فلقد شاركوا بمؤتمرات الرفض والصمود، في عدد من المدن العربية، وخاضوا معارك حاسمة، في الثورة العربية الكبرى والثورة السورية والثورة الفلسطينية، وفي الأردن تصدوا لسياسة الانتداب البريطاني، وبيع الأراضي للوكالة اليهودية.

كان سيعد باشا الصليبي من أبرز الزعماء العشائريين في السلط، فقد لعب دوراً اجتماعياً ونضالياً وسياسياً، استمر طوال سنوات عمره، وتجاوز بتأثيره ومشاركاته حدود الوطن، وظل مخلصاً لأفكاره وقيمه وما بدل ولا غير في يوم من الأيام، وهو المولود في مركز الحراك بمدينة السلط، التي شكلت لفترة ليست قصيرة، حاضرة من أهم حواضر جنوب بلاد الشام، وكانت المدينة الأكبر والأنشط وسط الأردن، منذ القرن الثامن عشر حتى إعلان عمّان عاصمة لإمارة شرق الأردن.

 فقد ولد في عام 1878 على أبواب القرن العشرين، ولم تكن أحوال الناس تلك الأيام جيدة، وقد استشرى الظلم والتعسف والإهمال، حيث مهدت هذه الأحوال لتحريك العرب باتجاه الثورة الشاملة. نشأ الصليبي في مدينة السلط، متمتعاً برعاية والده الذي يعد من أبرز رجالات البلقاء، فقد أعده والده للمهام الكبرى، عندما أولاه تربية خاصة، لا تختلف عن أقرانه، لكنه أدخله عالم الرجال والرجولة باكراً. ولأنه كان ميسور الحال، والبلاد تعاني ما تعانيه من ندرة المداس وعدم توفر المعلمين، عمل على استقدام شيخاً معلماً، ليقوم بتعليم أبنه سيعد تعليماً خاصاً في البيت، إدراكاً منه أن التعليم هو من أهم دعائم بناء مستقبل الأمة.

بعد أن أنهى دراسة الكتّاب المنزلية، الذي ناله خلال تعليم أولي تضمن القراءة والكتابة والحساب وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، لكنه لم يقف عند هذا الحد من التعليم، الذي كان كافياً حينها.

   رغب والده في أن يحظى سعيد بتعليم أكبر، وقد شجعه في ذلك ما تمتع به من ذكاء وفطنه وسرعة في التعلم، فالتحق بمدرسة الروم الأرثوذكس في حي الخضر بمدينة السلط، وكان دخوله للمدرسة مرحلة مهمة في بناء وعيه الوطني والقومي، فقد واصل دراسته فيها، حتى تمكن من إنهاء المرحلة الرشدية، وهي تسمية عثمانية لمرحلة تعليمية تعادل الابتدائية، حيث كان الدراسة تقسم إلى قسمين أو مرحلتين ابتدائية وثانوية، وكان من الطلبة المميزين في المدرسة، والذين لفتوا الانتباه لهم بتوقد ذكائهم، وقوة شخصيتهم، التي كشفت عن سمات الزعامة والقيادة في فترة مبكرة من العمر، وقد كون صداقات قوية مع عدد كبير من أبناء السلط في المدرسة، خاصة من أبناء السلط المسيحيين، فكان محبوباً ومقدراً من صغره.

التحق سعيد باشا الصليبي بركب الحياة العملية، بعد أن غادر المدرسة حاملاً شهادة المرحلة الرشدية، فاشترك مع أخوته في الأعمال والأنشطة التجارية، مستفيدين من الحركة النشطة في المدينة، التي كانت ذات صلات تجارية ناجحة، مع عدد من المدن كنابلس والقدس والكرك ودمشق، فكانوا أصحاب تجارة ناشطة وحضور اجتماعي فاعل، وقد نهل من مدرسة والده الكثير، حيث لمع اسمه شاباً متعلماً نسبياً قياساً بظروف تلك الفترة، ومشاركاً نشطاً في الفعاليات الاجتماعية والسياسية والعشائرية، فقد استقى من والده المعاملة الناجحة مع الناس، وكيفية حل قضاياهم ومشاكلهم، بتوخي العدل وتقديم المصلحة العامة على الخاصة. وقد تزوج بفتاة من عائلة الحمصي، وكان من ثمرة هذا الزوج أربعة أولاد: بهجت، عزت، رفعت، محمد، وابنة واحدة هي السيدة فائزة.

تمكن سعيد باشا الصليبي من بناء مكانته الاجتماعية، وتكريس حضوره الفاعل كأحد رجالات السلط الأفذاذ، فقد أنتخب رئيساً لمجلس بلدي السلط، وذلك عام 1918 خلال فترة الحكومة العربية في دمشق، وكان معه في عضوية هذا المجلس كل من: فرح أبو جابر، مصطفى الكردي، محمد الرشدان ومفلح المصطفى. وفي الدورة التالية من عام 1919 إلى عام 1920، تولى رئاسة مجلس البلدية بعضوية: فلاح الحمد، محمد صادق مهيار، صالح خليفة، عواد الكردي ومحمد رشدان. بعد خدمته في بلدية السلط كرئيس لمجلسها، لم يجد في نفسه غضاضة بالمشاركة في المجلس البلدي كعضو خلال الفترة 1925 – 1927 برئاسة نمر الحمود، وأيضاً خلال الفترة 1927 – 1928 و1929 – 1930 برئاسة عبد الله الداود.

عاد سعيد باشا الصليبي، وفاز بانتخابات رئاسة مجلس بلدي مدينة السلط عام 1947 – 1951، وعمل بمعيته في عضوية المجلس كل من: راجح المفلح، سري البسطامي، إبراهيم قطيش، عبد الله الفرح، محمد الساكت، عبد الحليم الحديدي وعبد الرحيم السالم الحياري، وكانت له لمسات واضحة في تنمية وتطوير مدينة السلط، والارتقاء بمستوى الخدمات، والعمل على توفير البنية التحتية الملائمة، التي تساعد في نمو المدينة واستيعاب أعباء توسع حددها وزيادة عدد سكانها، حيث عمل على الاهتمام بالتعليم بشكل خاص، مقدراً أهميته في خدمة مستقبل البلاد، مكان من أبرز إنجازاته في هذا المجال، خلال عمله رئيساً للبلدية، هو أن قام شخصياً بشراء لوازم بناء مدرسة السلط، من مدينة حيفا الفلسطينية حيث رافقه في هذه المهمة السيد علاء الدين طوقان، وقد ساهم جميع وجهاء السلط بجهود بناء المدرسة وتمويلها، حتى أصبحت رائدة المدارس في الأردن، وأول مدرسة ثانوية في شرق الأردن، حيث خرج الرعيل الأول وما تلاه من رجالات الأردن، في السياسة والاقتصاد والتربية، والمجالات الأخرى، كما عمل على شراء « ماتور « من مدينة بيروت، لضخ المياه من أجل تزويد أحياء المدينة بمياه الشرب بشكل بالطرق الحديثة.

تعددت الأدوار التي لعبها سيعد باشا، فكان من شيوخ البلقاء الذين تمتعوا بمكانة في مختلف مناطق البلاد، وكانت له كلمة مسموعة، ويدعى إلى كثر من المناسبات المهمة، فقد دعي للمشاركة في « الصلحة « بين قبيلتي بني صخر وبني حسن، والتي أقيمت في دمشق، وقد تحولت  الصلحة إلى مؤتمر سياسي، حيث صدر عنها بيان سياسي تضمن رفض تقسيم البلاد العربية بالإشارة إلى اتفاقية سايكس – بيكو، ورفض الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد طالب البيان بعودة ياسين باشا الهاشمي إلى عمله رئيساً لديوان الشورى الحربي.
 وكان الصليبي قد عمل في السابق لمدة قصيرة، مفتشاً في مالية مدينة الخليل. وفي فترة الحكومة العربية في دمشق، تم انتخابه عضواً عن السلط في مجلس الشورى في العهد الفيصلي، غير أن هذه الحكومة لم تعمر طويلاً، فقد حلت بعد احتلال الفرنسيين لدمشق، وقامت في البلقاء حكومة محلية لإدارة شؤون المنطقة، بعد الفراغ السياسي والإداري، حيث اختير عضواً في المجلس الشورى لهذه الحكومة، وهو المجلس الذي ترأسه متصرف السلط مظهر رسلان، وكان ذلك في شهر آب عام 1920.

خاض سعيد باشا الصليبي التجربة السياسية، وساهم في تأسيس هذا الحراك السياسي الوطني المبكر، حيث خاض انتخابات أول مجلس تشريعي أردني، وفاز عن مدينة السلط عام 1929، وفي مجال الأحزاب السياسية، فقد كان عضواً منتخباً في اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشعب عام 1933، وأصبح نائباً لرئيس المكتب الدائم العام للجنة التنفيذية، وقد عرف عنه الكرم وطيب النفس والخلاق العالية والتواضع، وأولى إعمار السلط جل عنايته، ولم يركن للراحة في يوم من الأيام، حتى وفاته عام 1951، فكان بحق من فرسان المرحلة الصعبة ورجالات التأسيس الكبار.

سليمان ارتيمة العبادي ... من فرسان الوطن الشجعان

|0 التعليقات
معالي السيد سليمان ارتيمة

عام 1971 صدرت الإرادة الملكية بتعيين سليمان ارتيمة عضواً في مجلس الأعيان الأردني، وقد انتخب من قبل أعضاء المجلس ليكون مساعداً لرئيس مجلس الأعيان، وعندما تم تشكيل مجلس الاتحاد الوطني عام 1972 أختير ليكون عضواً فيه، وبسبب صعوبة إجراء الانتخابات النيابية في الضفة الغربية، بعد الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967.

من أجل عدم تعطيل الحياة البرلمانية، تم تشكيل المجلس الوطني الاستشاري عام 1978، ومن جديد تم اختيار عضواً في المجلس الاستشاري، وتمكن من الاحتفاظ بمقعده في هذا المجلس لثلاث دورات متتالية، لما تمتع به من مكانة مرموقة رسمياً وشعبياً، بعد ذلك خاض الانتخابات البرلمانية التكميلية عام 1984 في عمان

يعد الجيش العربي الأردني ؛ المصنع الحقيقي للرجال الشجعان، فقد كان له بصمته الواضحة على رجالات الوطن في مختلف الميادين، الذين سنحت لهم الظروف أن ينهلوا من نبعه في البطولة والإقدام والإيثار، لينطلقوا بعد أن أنجزوا مهمتهم على خير وجه، إلى الحياة المدنية مكملين المسيرة، ومواصلين العمل من أجل الوطن، مهما كان نوع العمل ومستوى المهمة.

 منذ تأسيس الجيش الأردني، بُعيد إعلان قيام الدولة الأردنية عام 1921، على يد الأمير عبد الله الأول ابن الحسين، وهو يواجه ظروفاً محلية وإقليمية وعالمية صعبة وغاية في التعقيد والحساسية، حيث نهضت هذه المؤسسة الوطنية بأعباء كبرى، فاقت حجمه الحقيقي، وتسليحه البسيط في سنواته الأولى، وهذا ما جعل من الجيش الأردني الأكثر احترافاً في المنطقة، بالاعتماد على الطاقات البشرية ونوعية التدريب.

سليمان ارتيمة؛ لم يكن مجرد ضابط عادي، بل كان مميزاً بحرفيته وأدائه، مثقفاً جيد الاطلاع، وعرف بذكائه الحاد، ونظرته الإستراتيجية للواقع الماثل والمستقبل القادم. وينتمي إلى عشائر عباد المنتشرة على رقعة واسعة بين العاصمة عمان والسلط المدينة الناشطة ومحيطهما، حيث انعكست تربيته العشائرية على نشأته القومية العروبية، فقد كان مشغولاً بالقضايا الوطنية والعربية منذ شبابه الباكر، وهذا ما شكل البوصلة التي رسمت نهجه في الحياة العسكرية والمدنية، وجعلت منه شخصية وطنية كبيرة، لعبت دوراً بارزاً ومؤثراً في مختلف المواقع، بالإضافة إلى ما حظي به من حب وتقدير من قبل المسؤولين والأهالي، نظراً لتميزه وتفانيه وعمله من أجل المصلحة الوطنية العليا.

ولد سليمان ارتيمة في عمان عام 1925، عندما كانت الدولة الأردنية تواجه صعوبات مرحلة التأسيس الأولى، وقد تربى بين أفراد أبناء عمومته وعشيرته، ونشأ متشبعاً بحب الأرض وهو الذي جس بخطاه الصغيرة تفاصيل الطرقات والتلال والأراضي الزراعية، قبل أن يتوجه إلى المدرسة، ليبدأ رحلة تلقي العلم التي لم تكن ميسرة تلك الأيام، حيث عانت البلاد من قلة المدارس وندرة المعلمين.

 درس في مدارس عمان، وكان خلال العطل يساعد الأهل في الأعمال الزراعية، كحال أقرانه من طلاب تلك الفترة، ومع هذه الأعباء، فقد عرف عنه اجتهاده وتحصيله الدراسي العالي، لما اتسم به من ذكاء وفطنة وسرعة بديهة. وبعد أن تمكن من إنهاء دراسته الثانوية في عمان، دفعه حسه الوطني ووعيه القومي المبكر، إلى الانتساب للقوات المسلحة الأردنية، التي كانت بحاجة ماسة للشباب الأردني المتعلم والمتحمس للخدمة العسكرية، وقد أثبت خلال أشهر التدريب المرهقة، صلابة عوده والروح القتالية العالية التي ميزته.

خدم سليمان ارتيمة في عدة مواقع عسكرية، وتنقل في أكثر من مكان، وقد عين قائداً لوحدة من الجيش الأردني، تمركزت جنوب مدينة حيفا، وخلال فترة خدمته هذه، تعرف من قرب على ما تتعرض له فلسطين والأمة العربية لمؤامرة كبيرة، ولاحظ بألم شديد الانحياز الكبير والمكشوف من قبل البريطانيين لليهود، ودعهم عسكرياً، بالإضافة لمحاباتهم قانونياً على حساب العرب، وفتح باب الهجرة اليهودية على مصراعيه، وكان شاهداً على انتصار البريطانيين لليهود في المعارك والمناوشات، التي كانت تقع بين العمال العرب والمستوطنين اليهود، وكان هذا الواقع يثير حميته العربية، وهو الفارس الأردني الشجاع، فكان يمد العرب الفلسطينيين بما أمكنه من عتاد وذخيرة.

عندما اندلعت معارك الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، خاض الضابط سليمان ارتيمة إلى جانب زملائه ضباط وجنود الجيش الأردني، عدداً من المعارك الطاحنة والحاسمة مع القوات الإسرائيلية، وسطروا أروع صور البطولة، مثل معارك اللطرون وباب الواد والحي اليهودي وغيرها، أصيب على أرض المعركة، لكن ذلك لم يحل بينه وبين أداء واجبه على أكمل وجه.

 عاد يقاتل ذوداً عن حمى الوطن الغالي، حيث فعل ذلك بأكثر من طريقة، سواء في ميدان المعركة أو في نشاطاته المدنية والسياسية، كان الوطن هاجسه في كل مرحلة من المراحل، وهو ما ميز شخصيته وأفعاله طوال حياته الغنية بالأحداث والمنجزات، التي ارتبطت بعمله المخلص ومكانته الرسمية والاجتماعية.

 ونظراً لشجاعته ودعمه للثوار والمجاهدين الفلسطينيين، استحق عن جدارة وسام حرب فلسطين.

كان الضابط سليمان ارتيمة، ينتظر اليوم الذي يخرج فيه الضباط الإنجليز من الجيش، خاصة القائد الإنجليزي كلوب باشا، وهو ما تحقق على يد جلالة الملك الباني المغفور له الحسين بن طلال، الذي قام بتعريب قيادة الجيش الأردني عام 1956، هنا وجد ارتيمة حلمه يتحقق، وأن عليه المساهمة في تطوير الجيش من خلال تحصيل مزيد من العلوم العسكرية، لذا فقد أرسل للدراسة في كلية الأركان العراقية، وقد تخرج منها عام 1957، ليعود إلى صفوف الجيش العربي الأردني، مسلحاً بالفكر العسكري الحديث، ولم تكن هذه الدورة الأولى التي التحق بها، فطوال خدمته العسكرية شارك بعدد من الدورات المهمة محلياً وخارجياً، خاصة في بريطانيا وألمانيا، حيث درس العلوم العسكرية وتدرب على فنون القتال العصرية، وكان من نتيجة هذه الدورات، أن تمكن من تعلم اللغة الإنجليزية وإتقانها.

نال ارتيمة مناصب عسكرية مختلفة خلال خدمته منها قيادة كتيبة الحسين، وركن أول عمليات، لكنه أحيل على التقاعد عام 1959 مبكراً،ً بعد أحداث ما سمي بحركة الضباط الأحرار، بمحاولة عدد من ضباط الجيش استنساخ حركات في جيوش أخرى وبدعم منها، غير أنه أعيد للخدمة العسكرية بعد فترة، فهوالذي ينحاز دائماً لوطنه حتى في أحلك الظروف، فدخل الأمن العام، وعين مديراً لشرطة مدينة معان، وقد أثبت مقدرة لافتة في مهامه الجديدة، فبعد خدمته في معان، نقل إلى اربد مديراً لشرطتها، وكان من نتائج تميزه في الأمن العام، أن تم تعيينه نائباً لمدير عام الأمن العام، وفي عام 1966 أحيل على التقاعد بعد أن تم ترفيعه إلى رتبة فريق، تقديراً لجهوده وتميزه وخدمته العسكرية في الجيش وجهاز الأمن العام.

بدأ دخوله الحياة المدنية، بعد تقاعده مباشرة، فقد تفرغ لخدمة أهله وأبناء عشيرته، وتواصل مع الشباب، وقد كان أحد مؤسسي نادي ماركا الرياضي، وعرف عنه محبته للأرض والزراعة، لذا كان من أوائل عمل استصلاح الأراضي الزراعية في منطقة الأزرق الغنية بالمياه، فلقد آمن بأن الزراعة الناجحة سلاح آخر لحماية الوطن وصون استقلاله، كما زاد من حراكه الاجتماعي، خاصة في مجال الإصلاح الاجتماعي وإصلاح ذات البين، فتوسعت مكانته بين الناس، فأحاطه الناس بالمحبة والتقدير، وقد لازمه تقدير الناس وحبهم له طوال سنواته حياته وحتى يومنا هذا.

في عام 1971 صدرت الإرادة الملكية بتعيينه عضواً في مجلس الأعيان الأردني، وقد انتخب من قبل أعضاء المجلس ليكون مساعداً لرئيس مجلس الأعيان، وعندما تم تشكيل مجلس الاتحاد الوطني عام 1972 أختير ليكون عضواً فيه، وبسبب صعوبة إجراء الانتخابات النيابية في الضفة الغربية، بعد الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967، ومن أجل عدم تعطيل الحياة البرلمانية، تم تشكيل المجلس الوطني الاستشاري عام 1978، ومن جديد تم اختيار الباشا سليمان ارتيمة عضواً في المجلس الاستشاري، وتمكن من الاحتفاظ بمقعده في هذا المجلس لثلاث دورات متتالية، لما تمتع به من مكانة مرموقة رسمياً وشعبياً، بعد ذلك خاض الانتخابات البرلمانية التكميلية عام 1984 في عمان، غير أن النجاح لم يحالفه هذه المرة، لكنه استمر ينهض بواجباته اتجاه وطنه وناسه بنشاط وهمة كبيرين.

استحق سليمان ارتيمة التقدير والتكريم على أعلا المستويات، ونال عدداً من الأوسمة منها: وسام الكوكب ووسام النهضة ووسام الاستقلال، وتخليداً لذكراه أطلقت أمانة عمان اسمه على أحد شوارع العاصمة في عمان الشرقية. لم يتخل عن دوره في العمل والانجاز، حتى وفاته في الأول من كانون الثاني عام 2000، عن عمر ناهز الخامسة والسبعين عاماً، وبقي في البال بهي الحضور طيب الذكر. 

دولة سعيد باشا المفتي

|0 التعليقات
سعيد باشا المفتي

يعد سعيد المفتي من الشخصيات الأردنية المميزة من الرعيل الأول التي كان لها دور بارز في مجمل الأحداث الهامة في تاريخ الأردن المعاصر ، أو تلك التي تركت بصمات واضحة في شتى ميادين العمل السياسي الأردني ، سواء أكان عضواً في المجلس التشريعي ، أم نائباً في مجلس النواب ، أم وزيراً ، أم رئيساً للوزراء ، أم مواطناً عادياً كزعيم للشركس في الأردن.

ولد في عمان في عام 1898 وهو ينتمي إلى اسرة حبجوقة التي تنتمي بدورها إلى قبيلة القبرطاي ، ولكن لقب "المفتي" أصبح الكنية المعروفة للأسرة ، نسبة إلى جده سعيد الذي كان رجلاً كبيراً في قومه وقاضياً واسع النفوذ في المقاطعات الشركسية من بلاد القوقاز ، يتولى القضاء والإفتاء.

وقد كان مولده بعد وصول الأسرة إلى عمان بسنة واحدة ، حيث كان والده محمد أفندي رجلاً متعلماً ، تولى وظيفة مدير ناحية وقائم مقام في الأردن أيام الدولة العثمانية ، وكان صاحب أملاك وعقارات ، ومن هنا حرص على تعليم ابنائه. وقد تلقى المفتي دراسته الابتدائية في كتاتيب عمان ، ثم تابع دراسته الثانوية في المدرسة السلطانية "مكتب عنبر" بدمشق ، وكان من زملائه فيها صبحي أبو غنيمه ، وخلف التل ، وجلال القطب ، وتوفيق النجداوي ، وفي دمشق تعلم اللغة التركية.

كان المفتي يعتزم إتمام دراسته العليا في استانبول ، إلا أن وفاة والده في عام 1917 اضطرته إلى قطع الدراسة والعودة في العام التالي إلى عمان ، فقد كان كبير اخوته ، وكان لا بد له من تحمل مسؤوليات الأسرة والإشراف على أملاكها ، وقد ظهر توجهه السياسي منذ أيام الدراسة في دمشق ، إذ عثرت إدارة المدرسة على رسالة منه إلى أحد رفاقه ، تحدث فيها عن ظلم الحاكمين وسوء إدارتهم فألقي القبض عليه وبقي ثمانية عشر يوماً رهن التحقيق.

ورث سعيد المفتي عن أبيه مكانة اجتماعية مرموقة بين الشراكسة الذين كانوا يؤلفون معظم سكان بلدة عمان ، وكان لدراسته في دمشق أثر في تعزيز تلك المكانة. بل كان لتلك الدراسة أثر في توجهاته الوطنية والسياسية ، وقد برزت تلك التوجهات في تموز 1920 عندما عقد الملك فيصل عزمه على مقاومة الفرنسيين ، وخرجت النداءات من دمشق تدعو الأهليين إلى مقاومة الأعداء.

ففي تلك الأزمة الخطيرة زحفت قوة من أبناء العشائر بزعامة شيخ البلقاء سلطان العدوان وقوة أخرى من الشراكسة على رأسها ميرزا باشا وسعيد المفتي ، ووصلت القوتان إلى قرية المزيريب "قرب درعا" ، وهناك عرف القوم ما اسفرت عنه معركة ميسلون ، فعادوا أدراجهم. وعلى الرغم من أن سعيد المفتي كان ما يزال في الثانية والعشرين من عمره ، إلا أنه انتخب في آب 1920 ليمثل عمان في مجلس الشورى الذي تألف في فترة الحكومات المحلية ليساعد متصرف السلط في إدارة شؤون قضاء البلقاء ، لم يلبث الأمير عبدالله بن الحسين أن قدم من الحجاز إلى معان في أواخر شهر تشرين الثاني 1920 ، وأعلن أنه جاء ليتولى قيادة حركة المقاومة ضد الفرنسيين.
وسارع الوطنيون والأحرار لتأييد حركة الأمير والالتفاف حوله ، وكان سعيد المفتي في طليعة الذين بادروا إلى إعلان موقفهم المؤيد للحركة ، وقد تحدث المفتي عن تلك الفترة بقوله: بعد انتهاء الدولة الفيصلية عاشت شرقي الأردن في فوضى ، وفي ذلك الجو من الانقسام والحيرة المسيطرة علينا ، أرسلنا برقيات للشريف حسين نطلب منه أن يرسل أحد أنجالة لينقذنا من ذلك الوضع الصعب.

وسمع بطلبنا هذا ضابط بريطاني هو الكابتن برانتون ، الذي كان ينزل مع مفرزة من الجنود البغالة بجوار قلعة عمان ، فدعانا إلى مقره ، وكان من جملة الذين دعاهم واذكرهم الآن سعيد خير وطاهر الجقة ، وهددنا بصورة رسمية بأن لا نتصل بالحجاز مطلقاً" ، ولكننا رفضنا طلبه ولم تُجدً معنا تهديداته ، وفي اليوم التالي قمنا بمظاهرة احتجاج على برانتون ، وكانت النتيجة أنه غادر عمان مع مفرزته عائدين إلى اريحا.

وعند وصول الأمير عبدالله إلى عمان في بداية آذار 1921 ، كان سعيد المفتي في طليعة مستقبليه ومؤيديه ، بل أن الأمير أقام أياماً في منزله ، وقد تحدث معالي الدكتور فيصل الرفوع قائلاً :"اعتقد أن الجاهل لتاريخه كالجاهل لأباه وبالتالي لا بد من إعطاء هؤلاء الناس الذين بنوا الوطن العزيز والذي نتفيأ بظلاله وهو واحة أمن واستقرار في المنطقة كلها لا بد أن نستذكرهم ونجل وقفاتهم وعلى رأسهم دولة المرحوم سعيد باشا المفتي والذي مهما قلنا في إيجابياته لن نوافيه حقه فهو الآن في ذمة الله نسأل الله له الغفران ونسأل الله أن يدخله فسيح جناته".

وأضاف قائلاً: عندما جاء الأمير عبد الله الأول إلى الأردن لم تكن الأردن نهاية طموحه ، بل كان يريد إعادة ملك أخيه الملك فيصل وكان الأردني عبارة عن مرحلة لإعادة توحيد على الأقل أسيا العربية أو على الأقل سوريا الكبرى بما فيها العراق ، لكنه بكل أسف المؤامرات البريطانية والخطوط البريطانية والصهيونية أوقفت هذه الأحلام والطموحات المشروعة للهاشميين بقيادة الملك عبد الله الأول المؤسس عند حدودها لو أخذنا سيرة هذه الرجل فهو من الأعلام القلائل الذين ساهموا في تأسيس الدولة الأردنية وأنا أختلف مع أخي حين يقول زعيم شركسي هو ليس زعيماً شركسياً فحسب بل هو زعيم أردني عربي وبالتالي يجب أن نصف هذا الرجل أنه لم يكن يتحدث باسم الشراكسة كان يتحدث باسم الأردن ، ولم يكن يدافع عن الشراكسة بل كان يدافع عن الأردنيين حين صارع البريطانيين فيما يتعلق بالمعاهدة وحين رفض التوقيع على أي صلح مع إسرائيل وحين وقف مواقفه القومية المميزة ، فدولة سعيد باشا المفتي كان من مؤسسي حزب الشعب الأردني في آذار في سنة 1927 ، ولم يحضر جلسة مجلس المستشارين أو المجلس التشريعي للموافقة على المعاهدة الأردنية البريطانية التي وقعت سنة 1928 ، لأنه يرى من وجهة نظره بأن هذه المعاهدة مجحفة بحق الأردن كوطن وبحق أجيال الأردن ، فلم يحضر الاجتماع هو وأربعة نواب.

وقد بدأ حياته مبكراً بالحراك السياسي فقد كان أحد أعضاء مجلس النواب الأردني ، وشارك في معظم الوزارات ، وكان يدافع ويستطيع أن يتخذ القرارات التي لم يكن غيره يجرؤ على اتخاذها وكان ذا بعد نظر خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع بريطانيا والصلح مع إسرائيل.

ويضيف الدكتور الرفوع قائلاً: ماذا تقول عن رجل أسس الحزب الحر المعتدل في 1930 ـ 6 ـ 24 ، لم يكن يتجاوز عمره 32 سنة ، وكان عضواً فاعلاً في المؤتمر الشعبي لعام 1933 وكان من أشد المعارضين ليس لأجل المعارضة بل من أجل مصلحة الوطن وقضاياها في حكومة إبراهيم هاشم.

لقد اكتسب المفتي خبرة كبيرة في مجال السياسة وإدارة شؤون الحكم ، ومن هنا أسندت إليه رئاسة الوزارة الأردنية في نيسان 1950 ، لتكون أولى وزاراته الأربع التي ألفها في عقد الخمسينات ، تقلد سعيد المفتي العديد من الوزارات استمرت من نيسان سنة 1950 إلى حزيران سنة 1956 فهناك أربعة وزارات شكلها سعيد المفتي ، هذه الوزارات تم تشكيلها في ظل ظروف مميزة من تاريخ الأردن.

وقد أضافت السيدة جانيت المفتي في حديثها كان والدي كغيره من رجال الرعيل الأول ، كان عنده وطنه أولاً ، كان هؤلاء الرجال مدركين أطماع الصهيونية ، وأطماع الإنجليز في المنطقة كانت له مقولة مشهورة "تقطع يدي ولا أعقد صلحاً" كان لها ردود فعل كثيرة وقوية. ووصفه هزاع المجالي ، فقال أنه كان: "يشكل عنصر طمأنينة بالنسبة للجميع شأنه في كل الحكومات التي ألفها ، وهو يمتاز بطيبة وبساطة تقربانه للنفس ، كما أن بيته ومكتبه مفتوحان للجميع.

غير أنه يمتاز كذلك بقابلية عجيبة للأنفلونزا ، وكثيرا ما كانت تقعده هذه الوافدة - لا سيما في أيام الشتاء - عن العمل...".

وقد وصفت جانيت المفتي والدها: كان والدي خير رجل ، حكيماً ، كان مقلا بالكلام يضع الكلمة في مكانها وكان عاطفياً حريصاً ، الشيء الوحيد الذي استأسف عليه كان استشهاد ابنه عزمي وهذه أشعلته حزنا عليه. كما وصفه النائب الدكتور روحي شحالتوغ قائلاً: شخصيته المسلكية هي طبق الأصل عن شكله وشخصيته كان وسيماً طويلاً ، عريض المكنبين ، أبيض الوجه ، مهيب الجانب وأيضاً في مسلكية.

عاش سعيد المفتي حياة طويلة عريضة ، حياة حفلت بكل ما يمكن أن يقدمه بلد كالأردن من جاه ورفعة شأن ومكانة ، ومجالات للخدمة العامة. تسلم من المناصب ما يبلغ أقصى حدود الطموح: وزيراً ، ورئيس وزراء ، ونائباً ، ورئيساً لمجلس النواب ، وعيناً ، ورئيساً لمجلس الأعيان ، وعضواً لمجلس أمناء الجامعة ، ورئيساً له.

وفي جميع المناصب التي شغلها ، كان الإنسان العالي الجناب ، عنصر طمأنينة وثبات ، حائزاً على ثقة الجميع واحترام الجميع. كان شأنه في دنيا السياسة كشأنه في حياته العادية: اعتدال في المواقف ، واحترام للمثل ، وتمسك بالمبادئ والقيم ومكارم الأخلاق ، والبعد عن كل ما يشين.

اعتزل الحياة السياسية في عام 1974 وهو في السادسة والسبعين من العمر ، وأمضى السنوات الخمس عشرة الأخيرة من حياته ، بين أهله وأحبائه وأصدقائه ، موضع التجلة والاعتبار ، يعتبر سعيد المفتي واحداً من أبرز رجال الحكم والسياسة الذين عرفهم الأردن فقد كان حقاً في طليعة أبناء الأردن الذين يفاخر بهم الوطن ، رجل مبادئ ومثل وقيم ، تكاد لا تمسُّ سيرة حياته شائبة ، وتكاد لا تجد بين معاصريه إلا من يشيد بمناقبه ومزاياه ، تغمد الله فقيد الأردن الكبير دولة المرحوم سعيد باشا المفتي بواسع رحمته ورضوانه واسكنه فسيح جناته.

الدكتور سلطان أبو عرابي

|0 التعليقات
د. سلطان أبو عرابي

تقاس حضارة الشعوب والأمم بما لديها من مفكرين ومبدعين وعلماء ، وقد برز في الدولة الأردنية العديد من الرجالات الذين أغنوا حقل الإبداع والإنتاج العلمي ومن أبرز هؤلاء الرجالات الأستاذ د. سلطان أبو عرابي العدوان ، رئيس جامعة اليرموك ، ورئيس الجمعية الكيميائية الأردنية والأمين العام لاتحاد الكيميائيين العرب ، حيث تجاوزت شهرته حدود الأردن والوطن العربي ليذيع صيته في العالم أجمع.

ولد د. سلطان أبو عرابي في قرية أم الدنانير العام 1950 وهو أحد أبناء الشيخ توفيق أبو عرابي شيخ القبيلة حيث كان والده تاجراً معروفاً في ذلك الوقت وكان متعلماً فهو من أوائل الأشخاص الذين أتموا ختم القرآن الكريم وحفظه ، وارتبط بعلاقة طيبة مع الحكومة ومع المحافظ والمتصرف كونه وجيها عشائريا ومرجعا لكل شخص إذا أشكل عليه أمر ما ، يلجأ إليه كل الناس وتُحل عنده كل الأمور ، وقدم لنجله سلطان كل الدعم ليتابع دراسته ويكمل تعليمه حتى لو كلفه ذلك بيع جميع أملاكه.

وتعد قبيلة العدوان من أعرق قبائل العرب حيث كان لها شأن عظيم على مدار التاريخ ، عرفت بقوة الشكيمة وشدة المراس وهم أصحاب فروسية وشجاعة وسيادة ومنعة ، و تبوأت منزلة رفيعة ومكانة بارزة بين القبائل في مناطق انتشارها. 

وتشير الوثائق العثمانية بصدور إرادة سنية "سلطانية" محفوظة في الأرشيف العثماني في استانبول بأن والي سوريا محمد راشد باشا رفع إلى جناب المقام العالي لمنح بعض المشايخ في جهات حوران والبلقاء والكرك بنياشين من صنف النيشان المجيدي من الدرجتين الرابعة والخامسة مقرونة بالفرمان السلطاني العالي وذلك بتاريخ 27 آب م1867 ، وهم شيخ مشايخ حوران: محمود المحمد ، شيخ عشيرة الصقر عرسان ، شيخ السلط حسين الصبح ، شيخ مشايخ الكرك مجلي المجالي ، شيخ العدوان أبو عرابي ، شيخ عشيرة العباد كايد (كايد الختالين) وقدمت هذه التوصية من رئيس التحريرات في الباب العالي إلى الصدر الأعظم كي يتم رفعها للسلطان عبد العزيز لإصدار الفرمان بالنياشين ، وجاءت الإرادة بمنح شيخ العدوان أبو عرابي وساما (نيشان مجيدي من الدرجة الرابعة) صادرا من قبل السلطان عبد العزيز والصدر الأعظم بتاريخ الأول من تشرين الثاني م1868 وذلك تقديراً لجهود شيخ العدوان أبو عرابي المميزة في منطقة البلقاء. 

كان الشيخ هزاع أبو عرابي من عشيرة الكايد العدوان يمتلك طاحونة تقع بوادي الرميمين وكان سلامة العساف يمتلك طاحونة تقع بوادي السير ، وقدر الرحالة "سيلاه ميرل" العام 1877 عدد أفراد عشيرة العدوان بحوالي 2000 نسمة 400و خيمة. 

ووصف الرحالة الإنجليزي "تريسترام" العام م1863 قبيلة العدوان بأنها ذات اعتداد كبير ، وقوية الوشائج ، وقبيلة عريقة تستطيع أن تعود سلسلة نسبها إلى 600 سنة على الأقل ، كما وجد أن الشيخ قبلان العدوان كان دليلاً سياحياً ممتازاً ، مستنير العقل ، كما أنه يقدر جمال الطبيعة ، وله معرفة وثيقة بالبلاد ، ولذلك كان يشعر هذا الرحالة وهو في صحبة الشيخ قبلان أنه مع رجل مخلص وذكي. 

ووصف الشيخ د. سلطان أبو عرابي قريته أم الدنانير قائلا: "ولدت سنة م1950 في قرية أم الدنانير والدي فلاح ومزارع ولكنه شيخ العشيرة وكانت أم الدنانير قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها (150) نسمة وعشت حياة ابن القرية ولم تكن هناك مدرسة في القرية في ذلك الوقت". 

أكمل د. سلطان أبو عرابي دراسته الابتدائية في مدرسة عين الباشا ثم قام والده الشيخ توفيق أبو عرابي بالضغط على الحكومة حيث تم إنشاء مدرسة صغيرة في أم الدنانير و وصفها د. أبو عرابي قائلاً: "انتقلنا من عين الباشا إلى أم الدنانير حيث بدأت المدرسة بغرفة واحدة وكان فيها ستة صفوف وكان فيها مدرس واحد ، عندما يرتاح المدرس نصف ساعة كان يطلب مني الأستاذ أن أدرس الصفوف واسمه فزاع العبادي وهو من دير علا وكان يحمل شهادة المترك ثم أكمل الثانوية في ما بعد وحصل على شهادة الهندسة وتم تعيينه في وزارة الأشغال وتقاعد بعد سبع سنوات من العمل" ، تابع د. سلطان أبو عرابي دراسته الإعدادية في مدرسة صويلح الإعدادية وكان من الطلاب الأوائل وبعد أن اجتاز امتحان المترك ذهب وتابع دراسته في كلية الحسين الثانوية بالقرب من جبل الحسين وقد تخرج منها العام م1969 ليلتحق بالجامعة ، ومن أبرز زملائه في الدراسة النائب محمود الخرابشه و د. سمير الفاعوري.

كانت رغبة د. سلطان أن يدرس الهندسة لكن هذا التخصص لم يكن موجوداً في الجامعة الأردنية في ذلك الوقت حيث كانت حديثه النشأة ثم قرر أن يدرس العلوم في السنة الأولى وفي السنة الثانية اختص في علم الكيمياء ، فقد نشأة علاقة احترام وتقدير ومحبة بينه وبين مدرس مادة الكيمياء في المدرسة فأحب أن يدرس الكيمياء لأنه يحترم مدرسه الذي علمه مبادئها. 

تخرج د. أبو عرابي من الجامعة العام م1973 ، وعندما كان في السنة الأخيرة له في الجامعة قامت الجامعة بتسيير رحلة حج إلى الديار المقدسة لشهر واحد وكان د. سلطان أحد الطلاب المشاركين فيها ، وبعد عودته قام بمراسلة الجامعات الأمريكية ليتابع دراساته العليا ، عَمًل مدرساً في مدرسة البقعة لفترة ، ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليحصل من جامعة ميشجان الغربية على درجة الماجستير في الكيمياء العضوية العام م1977 ، وتابع دراسته ليحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية من جامعة ميشجان - آن آربر في الولايات المتحدة الأميركية العام م1982 ، بعد ذلك عاد د. أبو عرابي إلى وطنه الأردن وعَمًل مدرساً في جامعة اليرموك وحول ذلك تحدث قائلاً: رجعت إلى الأردن وإلى اليرموك كان مجموع الراتب الذي أتقاضاه (390) دينارا وكان عدد طلاب اليرموك يتراوح بين 1500( - )2000 طالب وعدد المدرسين 70( - )80 ، وكانت جامعة اليرموك عبارة عن مبنى واحد وهو المبنى القريب من البوابة الشمالية ، وكان رئيس الجامعة د. عدنان بدران وكان هناك سكن للأساتذة الجامعيين وباقي الحرم الجامعي كان عبارة عن مستنبت أشجار زيتون وأشجار تين وأشجار حرجية. 

عمل د. أبو عرابي مديراً لدائرة النشاط الطلابي في جامعة اليرموك في الفترة ما بين العامين 1987 - م1989 ثم حصل على إجازة تفرغ علمي وذهب للعمل في جامعة البحرين وأمضى فيها عامين لينتقل بعد ذلك إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران ودرّس فيها ثلاث سنوات بعد ذلك عاد إلى جامعة اليرموك في الفترة ما بين العامين 1993 - م1995 ثم عاد ثانية إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وأمضى فيها عامين آخرين قام بتدريس طلاب الماجستير والدكتوراه ، لينوي بعد ذلك العودة للعمل في جامعة اليرموك حيث أصبح رئيساً لقسم الكيمياء وعميداً لشؤون الطلبة. 

في بداية العام 2002 جاء تعيين "أبو يزن" رئيساً لجامعة إربد الأهلية حتى العام 2005 وخلال وجوده رئيساً لجامعة إربد الأهلية حقق لها انطلاقة مميزة من خلال إقامة علاقات مع جامعات عربية وأجنبية وبفضل نجاحه في تطوير جامعة إربد الأهلية طلب منه رئيس وزراء الأردن آنذاك السيد فيصل الفايز أن يرأس جامعة الطفيلة التقنية وحول ذلك تحدث د. أبو عرابي قائلاً: عندما طلب مني السيد فيصل الفايز أن أكون رئيساً لجامعة الطفيلة التقنية أحسست أنني أمام تحد كبير ، بالنسبة لي هناك مسافة لا يستهان بها بين منزلي في إربد وجامعة الطفيلة وأيضاً كانت الجامعة حديثة إذن عليَّ أن أبدأ من الصفر نظراً لضيق الإمكانات المادية المحدودة ، فقمت بالاستعانة بعمداء من الجامعات الأردنية الأخرى واستقطبنا أساتذة متميزين وقام جلالة الملك عبد الله الثاني بزيارة الجامعة وأوضحت له المشاكل والعراقيل والصعوبات التي تواجه الجامعة فأمر بتقديم منحة عاجلة بمبلغ مليوني دينار وهذه المنحة ساعدتنا في بناء مختبرات لكلية الهندسة ثم بدأنا بطرح عطاءات المختبرات والتجهيزات وقمنا ببناء عمادة لشؤون الطلبة وأنشأنا مبنى للرئاسة وكنت أتابع حركة العمران مع المهندسين يوما بيوم ، وعملت جاهداً على إنشاء خمس كليات و(20) برنامج بكالوريوس وأرسلنا (72) مبعوثا إلى أعرق الجامعات ونجحت في الحصول على منح دراسية من جامعات أمريكية وألمانية لـ (22) طالبا مبتعثا. وبدأت جامعة الطفيلة بداية صعبة ولكن بعد أربع سنوات كانت من الجامعات التي لها اسم على الخارطة العالمية. 

تبرز اهتمامات د. سلطان أبو عرابي في كل مجالات الحياة وفي كل القطاعات فهو الأكاديمي البارع والأردني البار بوطنه فجاء سعيه لتأسيس برنامج (اعرف وطنك) الذي يعقد في فصل الربيع ويضم عمداء شؤون الطلبة وعدداً من الطلبة من كل الجامعات الأردنية ، حيث يتم عقد ندوة سياسية في منطقة ضانا يشارك بها عدد من رؤساء الوزراء السابقين وهذا دليل على السعي الجاد والفعال لإنعاش السياحة في الأردن. 

بعد أن أمضى د. أبو عرابي أربع سنوات في جامعة الطفيلة التقنية جاء تعيينه رئيساً لجامعة اليرموك وهي الجامعة التي بدأ منها حياته العملية ومنذ اليوم الأول الذي بدأه في اليرموك بدأ بمرحلتين من البناء والتطوير أولهما: مرحلة استقطاب الأساتذة المتميزين حيث قام بتعيين (170) استاذاً جامعياً في مختلف الكليات. 

وثانيهما: الابتعاث حيث بدأ ببرنامج ابتعاث الطلاب الأوائل في البكالوريوس والماجستير ابتعاثا داخليا وخارجيا والبدء بفتح برنامج الدراسات العليا في العديد من التخصصات. 

ويفتخر د. سلطان أبو عرابي بالملك الهاشمي عبد الله الثاني بن الحسين ويعتبر نفسه جندياً مخلصاً للعرش الهاشمي أينما حل وارتحل فهو على الدوام يقول إن جلالة الملك عبد الله الثاني ولد ليكون ملكاً فهو العاقل المتعقل وصاحب الرؤية المستنيرة المبنية على إرث تاريخي كبير قام بنقل الأردن إلى عصر التحديث والإصلاح ومواكبة جديد التطورات والإصلاحات وتنمية الموارد البشرية وشهد الأردن في عهد جلالته نقلة نوعية في مختلف مجالات الحياة ، فحقاً (الإنسان أغلى ما نملك) في نظر الهاشميين. 

كما عَمًل عطوفة "أبو يزن" مع دولة السياسي المحنك وصاحب مدرسة السياسة الأردنية دولة السيد زيد الرفاعي حيث كان رئيساً لمجلس أمناء جامعة اليرموك فقال فيه: "دولة أبو سمير مدرسة في الأخلاق والطيب فخلال اجتماعاتنا في مجلس الأمناء يلتقي بنا ويكون حديثه جميلا ويعطي فرصاً للمتحدثين للتعبير عن أرائهم ووجهات نظرهم وهو صاحب الفضل الكبير في تطوير جامعة اليرموك والوصول إلى ما وصلت إليه الآن". 

عندما يقف المرء ليذكر الخبرات الإدارية والجوائز العلمية واللجان التي كان د. سلطان أبو عرابي أحد أعضائها ، والكم الهائل من أبحاثه المنشورة لا يستطيع أن يحصي من أين يبدأ وأين ينتهي حيث حصل على منحه دراسية من السوق الأوروبية المشتركة لإجراء بحوث في بريطانيا وألمانيا كما حصل على الجائزة التقديرة للمؤتمر الأمريكي للدراسات المتقدمة ونال وسام التقدم العلمي من مؤسسة الشراكة العلمية الدولية (روسيا) نظراً لمساهمته في تطوير العلوم في الأردن والدول العربية والعديد من الجوائز والمنح وهو عضو مجلس أمناء جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية والتي يقول فيها د. أبو عرابي: "جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية تعد جامعة مرموقة على مستوى الوطن العربي وشرف لي أن أمثل بلدي الأردن في هذه الجامعة فلها دور كبير جداً في إرساء دعائم الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب والمخدرات ومكافحتها ولها العديد من الدورات الأمنية ورئيس مجلس الأمناء الأمير نايف بن عبد العزيز شخص قوي ومطلع على واقع الأمن والاستقرار وأهدافه المستقبلية". بالإضافة إلى شغلهً عضوية مجلس أمناء جميع الجامعات التي عَمًل بها في الأردن وخارجه ، كما كانت له مشاركة في ما يزيد على مئة مؤتمر علمي متخصص في حقل الكيمياء في جميع دول العالم وله ما يزيد على الخمسين بحثاً منشورا في مجلات علمية عالمية محكَّمة ومختصة. 

وهكذا فإن الشيخ د. سلطان أبو عرابي العدوان يسعى لوصل ليله بنهاره من أجل تطوير أي مكان يعمل به وهو على قدر عالْ من الأخلاق وسمو النفس ، حيث جمع صفات أبناء الشيوخ والنبلاء مع سعة التفكير والعلم النافع ، ليصبح منصب رئيس الجامعة وصفاً لصيقاً به وقريناً له.