سعد العلي البطاينة

سعد البطاينة

إن الحديث عن شخصية الشيخ سعد العلي البطاينة شيخ مشايخ بني جهمة هو حديث عن شخصية أردينة مرموقة من الرعيل الأول ساهمت بدور مميز وحضور قوي في مسيرة الحياة السياسية والاجتماعية مدة لا تقل عن (30) عاماً فقد كان له دوراً بارزاً في مجمل الأحداث الهامة في تاريخ الأردن المعاصر أو تلك التي تركت بصمات واضحة في شتى ميادين العمل السياسي والاجتماعي الأردني وقد عرف عن سعد العلي مواقفه الوطنية والقومية الثابتة.

ولد المرحوم سعد العلي في قرية البارحة قرب مدنية اربد وعاش في منتصف القرن التاسع عشر ، وتوفي في أوائل الثلاثينات ونشأ بجو عشائري وكان مع أهلة من كبار المزارعين كما هو حال كل أبناء الأردن في ذلك الزمان ، كان لقبه شيخ مشايخ بني جهمة وقد اعتمد من السلطة التركية العثمانية آنذاك كزعيم لهذه الناحية وعين عضواً في مجلس إدارة القضاء وعين حسب ما ظهر في المصادر القديمة ثماني مرات ابتدءاً من سنة (1896) وكان معه في تلك المجالس الزعماء من الشمال الأردنيين مثل عبد القادر الشريدة وكليب الشريدة وكايد المفلح أو سلطي الإبراهيم وغيرهم من الزعماء.

كان طويل القامة ، شخصيته قوية ، مهتم بنفسه وصلب واشتهر جداً بكلامه وكان يعرف عنه مساعدته للناس من يطرق الباب يجد المساعدة مهما كان نوع هذه المساعدة ، كان يدعم الفقراء والمساكين هذا معروف عنه ، باب مضافته كانت مفتوحة للجميع وبكل الأوقات ، كان على صله دائمة مع زعماء البلاد ووجهائها وله دور كبير في إصلاح ذات البين وأشتهر أيضاً بهدوء أعصابة عند المهمات الصعبة ويشهد له بذلك العديد من أبناء المنطقة ومنهم الشيخ سالم العناقرة بذلك.

أما عن دور الشيخ سعد البطاينة في قتال الفرنسيين وطرد الاستعمار فقد تحدث الدكتور عارف سعد البطاينة قائلاً: الواقع أنه على أثر انهيار الدولة العثمانية وانسحابها من المنطقة كان لابد من قيام زعامات لضبط الأمور ، فقد انسحبت الدولة الحاكمة وأصبحت المنطقة خالية فقامات الزعامات لتهتم بشؤون البلاد وكان اهتمام الوالد الشيخ سعد العلي في منطقة الشمال كبيراً فقد شارك في الكثير مع الجماعات الأردنية في جميع المناطق في النضال ضد الاستعمار حتى يحملون البلد إلى شاطئ الأمان بعد انسحاب الأتراك طبعاً من أهم المؤتمرات ، كان مؤتمر أم قيس فقد تم فيه تشكيل حكومة محلية والتي شكلها المرحوم علي خلقي ومن الذين حضروا المؤتمر طبعاً قويدر عبيدات ، وسليمان السودي ، وسالم الهنداوي وغيرهم من الزعماء عندما تشكلت حكومة علي خلقي كان سعد العلي أحد أعضاء أول مجلس إداري ، وتشريعي عام 1920 ولكن كما اقرأ في كتب التاريخ لم يجتمع هذا المجلس مرة واحدة ، فقد جرت انتخابات وفي كانون الثاني انتخب سعد العلي عضواً في المجلس التشريعي ومن زملائه في هذا المجلس الشيخ ناجي العزام ، وسليمان السودي ، و تركي كايد عبيدات ، ونجيب فركوح ، و سالم الهنداوي وغيرهم من الشخصيات في ذلك الزمان ، الذين ذهبوا إلى معان لإستقبال الأمير عبد الله والشيخ سعد العلي البطاينة كان أحدهم ، فقد كان من المستقبلين للأمير عبد الله.

وقد نصح رئيس الحكومة وهو علي خلقي الشرايري بالتجاوب مع الأمير بشأن تحرير سوريا من الاستعمار الفرنسي وكان مشايخ الأردن يشجعون رئيس الحكومة أن يمشي بكل قواه. الأمير عبد الله أنذاك ، منحه لقب الباشوية وفي البارحة في بيته استضاف في ذلك الزمان الأمير عبد الله وكان بمعيته الأمير شاكر ، وأيضاً اشترك الشيخ سعد العلي في مؤتمر "قم" الذي حضره مشايخ الأردن وهناك تقرر فيه الهجوم على معسكرات الجيش البريطاني والمستعمرات اليهودية وكان الهدف أيامها ، القضاء على وعد بالفور.

أما عن مجمل الأحداث السياسية التي مرت بها المنطقة فقد تحدث المؤرخ محمود عبيدات قائلا: بعد اكتشاف المؤامرة الفرنسية الصهيونية البريطانية ، استطيع القول إن مؤامرة الغرب على الأمة العربية بشكل عام ، واتفاقية سايكس بيكو التي أرادت أن تقسم بلاد الشام إلى دويلات فقد كانت مؤامرة عام 1916 تسعى إلى تقسيم هذه الدول العربية حتى لا تفكر من جديد بالانتشار على مستوى العالم فكريا أو ثقافياً ونشر هذا الفكر القومي لذلك بدأت هذه المؤامرة في اتفاقية سايكس بيكو بوضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي والأردن والعراق تحت الانتداب البريطاني.

وهذه الحالة كانت موجودة عند زعماء بلاد الشام بشكل عام وكان هناك عملية التنوير في شمال الأردن يقود هؤلاء المشايخ ففي 8 ـ آذار ـ 1920 عندما أعلن المؤتمر السودي المملكة العربية وذهبوا المشايخ إلى الشمال لتهنئة الملك فيصل ، وكان يجتمع مع كل منطقة وعندما اجتمع مع مشايخ الشمال ، استنجد بهم الأمير فيصل وقال عجلون أمانة في أعناقكم وهذه كلمة مشهورة للملك فيصل ومسك كايد المفلح ومسك يد سليمان السودي ونظر للباشوات الآخرين وقال لهم عجلون أمانة في أعناقكم وبعدها عندما انتقلوا إلى درعا واجتمعوا عند سعد الحريري وقالوا أمانة الملك فيصل يجب المحافظة على عجلون وهذه أمانة فلذلك عقد مؤتمر قم وقالوا نريد أن نثبت لليهود وللبريطانيين بان هذه المستعمرات التي تقام في الشمال الفلسطيني لابد من تدميرها وأيضاً هذه المستعمرات المقامة في "سمخ وطبريا" ومنطقة تل الثعالب لابد من تدميرها أيضاً وهناك كان مجموعة من الضباط الأردنيين وضباط العرب في داخل السكنات العسكرية ومن بينهم محمد الهندي ، وتم الاتفاق مع محمد الهندي عند وصول هذه القوات إلى منطقة تل الثعالب.

وفعلاً عندما اقتربوا إلى المعسكر كان الحماس لم يتم عملية التسليم وإنما حدث عملية القتال وكانت المعركة يقودها كايد المفلح العبيدات ومن جانب البريطاني يقودها "كركبرايت - سرنتفل" فهذه المعركة شكلت تدميراً كبيراً للعدو وشكلت قصيدة الدوقراني وهي وثيقة تتضمن مئة بيت من الشعر يجسد فيها الدوقراني الدور البطولي والنضالي للعائلات التي شاركت في القتال ضد العدو.

وشرعت المضافات أبوابها ومنها مضافة سعد العلي البطاينة وبعد ذلك فتحت مضافة سليمان السودي ، فهؤلاء الناس استقبلوهم استقبال رائع وتشكلت حكومة اربد المحلية ورفضوا مشايخ الشمال وعلى رأسهم علي خلقي الشرايري أن يذهبوا إلى السلط للاجتماع مع المندوب السامي ، ومن منطلق أن الشمال أكبر من الغرب ولذلك عقد اجتماع خاص بهم في منطقة أم قيس وتم في الاجتماع معهم الإنفاق على تشكيل حكومة محلية ، هذا الانتماء القومي عند هؤلاء المشايخ لم يكتفوا بحكومة اربد.

فالذي يقرأ حكومة اربد يجد بأن حدود منطقة اربد أو حدود حكومة اربد تنتهي في منطقة الجولان ، من جهة الجنوب وتنتهي من جهة الجنوب الغرب حتى تصل إلى منطقة العرقوب وحدود الجولان بكاملها ، هذا يذكرهم بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام عندما حدد الأجناد "وقال جند الأردن" فهؤلاء المشايخ عندما حددوا حكومة اربد ، وحدودها كانت بهذا الشكل من هنا كانت المؤامرة عليها وردوا على هذه المؤامرة بان ميزانية حكومة اربد موظفة توظيفاً كاملاً لصالح المجاهدين وربما لشراء الأسلحة وطبعاً علي خلقي الشرايري والمجلس التشريعي الذي كان سعد البطاينة عضواً فيه ثم أصبح عضواً في المجلس التشريعي المنتخب وبعثوا رسائل إلى حكومة السلط وإلى حكومة الكرك بأن ليس هذا هو الهدف التشريعي الاستراتيجي لأن نقيم ثلاث حكومات بل الهدف الاستراتيجي أن نقيم حكومة واحدة لذلك نطالب منكم ان نجتمع حتى نشكل حكومة واحدة وقالوا أن هذه الحكومات عبارة عن مؤامرة ، لذلك لابد من الاتصال مع الشريف الحسين بن علي واتفقوا وبعثوا رسائل بالاتصال مع مشايخ عمان الذي منهم سعد خير وسعيد المفتي وانتقوا بإرسال رسائل إلى الشريف الحسين بأن يرسل أحد أنجاله ليقود عهد المملكة الفيصلية من جديد.

فعندما نتحدث عن سعد البطاينة وكأننا نتحدث عن الرعيل الأول بكاملة كان جميعهم يمثلون فعلاً قمة المرجعية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والخلقية بكل تفاصيلها سعد البطاينة قد يتصف بصفات مميزة فقد كان ابنه نجيب أول شهيد على الأرض الليبية فقد ذهب إلى ليبيا مع الجيش التركي من أجل محاربة الايطاليين ومن ثم لم يتمكن الجيش التركي بطبيعته الصمود أمام الاستعمار الايطالي وخلع نجيب سعد العلي بدلته العسكرية ولبس لباس الميدان واتفق مع السنوسيين مجموعة من القادة على إعلان الثورة وسميت الثورة السنوسية للجبل الأخضر فلذلك هذا الإنسان عندما يأتيه خبر استشهاد ابنه يقول الحمد لله الذي شرفني بإستشهاده.

هكذا كان الشيخ سعد العلي البطاينة جامعاً بين الوجاهة العشائرية والوطنية والقومية في آن واحد ، تغمد الله فقيد الأردن الكبير المرحوم الشيخ سعد العلي البطاينة بواسع رحمته ورضوانه.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).