حسني فريز ... رائد الحركة الشعرية في الأردن

الشاعر حسني فريز
يُعد الحديث عن شخصية الشاعر حسني فريز حديثا عن أحد شعراء الجيل الرائد فقد عُرف عنه امتلاكه لملكة الشعر والنثر عدا عن ذلك فقد تنوع إنتاجه الأدبي فقد كتب الشعر والقصة والمقال النقدي وأسس للمسرح الشعري وكتب أيضاً الحواريات والأوبريتات والتمثيليات والزجل الشعبي والأغاني وله الكثير من المؤلفات باللغة الإنجليزية وكتب للأطفال الأناشيد والقصص والحكايات.

ولد حسني فريز في مدينة السلط عام 1907 ونشأ فيها ودرس في كتاتيبها وفي المدرسة الحكومية العثمانية ثم في المعهد الهاشمي وتخرج في مدرسة السلط الثانوية في عام 1927 ، بعد ذلك أرسل في بعثة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وقد تخرج فيها سنة 1932 وبدأ عمله في التدريس لمواد التاريخ والجغرافيا والأدب في مدينة السلط ثم في مدينة الكرك حيث أمضى فيها عامين نظم خلالهما أغلب قصائد ديوانه الأول هياكل الحب. وعندما عاد من مدينة الكرك عام 1938 عمل مديراً لمدرسة السلط الثانوية ومفتشاً في المعارف ثم عُينّ مراقباً للاستيراد والتصدير عام م1952 وبعد ست سنوات أحيل للتقاعد وفي عام 1959 أعيد حسني فريز إلى الخدمة بوظيفة مساعد وكيل وزارة التربية ثم وكيلاً للوزارة بعد ثلاث سنوات أحيل بعدها إلى التقاعد مرة أخرى فعين مستشاراً أدبياً في وزارة الإعلام.

جاء جده حسين بن مصطفى خزنه كاتبي من دمشق وأقام في مدينة السلط وكان له دكان (بقال) وكان له معرفة بالتجارة أما والده فقد ولد في مدينة السلط عام ,1885 وكان له إلمام بعدة حرف فقد كان نحاتاً بارعاً وكذلك كان صاحب فكاهة.

وعلى الرغم من الأحداث الصاخبة التي كانت تعج بها الساحة السياسية إلا أنه لم يكن له مشاركة سياسية مباشرة ولكنه عبر عن مواقفه السياسية بالشعر الذي كان يحكي هموم الناس والتعبير عن أحوالهم والدعوة إلى الوحدة العربية. جاءت ثقافة حسني فريز وحسه الأدبي مما قرأه من الأدب العربي القديم والأدب الأوروبي وتأثره بالأساليب الشعرية عند شوقي ومطران وحافظ إبراهيم وبشارة الخوري والرصافي والزركلي.

أتقن حسني فريز اللغة الإنجليزية فقد ترجم أساطير الإغريق والرومان ورابندارانات طاغور وكذلك الكتب المدرسية وقد ساهم وشارك في العديد من المؤتمرات والندوات الدولية في مجال الثقافة والتربية. وعلى الصعيد المحلي فقد كان له إسهامات في مجالس الأميرعبد الله الأدبية وقد أصدر ما يزيد على عشرين كتاباً في مختلف الفنون الأدبية ، وامتاز بنشاطه الأدبي الغزير. وشعره محكم النسيج متين الأسلوب جزل في اللفظ وقوي العبارة عميق الوجدان وثقافة متمكنة ولعل السبب في ذلك يعود لتأثره بالقرآن الكريم حيث كان مواضباً على تلاوة القرآن وحفظه. كانت مجموعة هياكل الحب والتي أصدرها عام م1938 أول مجموعة شعرية أصدرها وثاني مجموعة شعرية لشاعر أردني حيث كانت الأولى للشاعر فؤاد الخطيب والتي كانت تحمل عنوان "أغاني الصبا" وفي هذه المجموعة "هياكل الحب" انتمى حسني فريز إلى المدرسة الرومانسية فعمل الشاعر على إعلاء شأن العاطفة في الحب ومجّد الموسيقى والخيال ودعا إلى رجوع الشاعر لذاته والتعبير عن شاعريته بطريقة رقيقه وشفافة ومما يجدر ذكره أن حسني فريز قد كتب قصائد هذا الديوان في فورة شبابه فكانت قصائده عاصفة العاطفة واسعة الخيال تميل إلى الترميز وفضاء المعنى.

وفي عام 1954 أصدر مجموعته الثانية (بلادي) حيث كانت تضم قصائد وطنية ألقاها في مناسبات سياسية مختلفة تحكي عن قضايا العروبة بصدق العاطفة وفي عام م1978 أعاد طباعة المجموعتين في ديوان واحد حمل عنوان (هياكل الحب) وقد ألف العديد من المسرحيات التي بقيت بصمة واضحة لاهتمام حسني فريز بالمسرح الشعري وتطويره وهي: الطوفان ، مع الألهه على الأكروبول والحب يعلو ومريم وبرباس ، والوليمة ، وهزلية الشاعر والتاجر.

كان الشاعر حسني فريز شاعراً وأديباً ومربياً قديراً ومفكراً نقد ما يدور حوله من خلال شعره وقصائده وسعى أيضاً ومن خلال قصائده إلى الإصلاح والتعديل معبراً عن صدق انتمائه لقيم الخير والحق والعدالة. كتب قصائد في العديد من المناسبات الوطنية والمحلية وكذلك في المناسبات القومية فكتب عن الثورة العربية الكبرى وعن القضية الفلسطينية وثورة الجزائر وبور سعيد. وعن سلخ لواء الإسكندرون وغيرها من القضايا الوطنية.

أطلق على نفسه لقب (فتى جلعاد) في البدايات وقد أهتم بالشعر الشعبي فعمل على إصدار ديوان" غزل وزجل" عام 1977 وقد اشتمل على ثلاثة أوبريتات وهي"موال الحب ، الشاعر ، ليلى" وفيها مجموعة من الأناشيد والقصائد للأطفال وله خمس روايات وثلاث مجموعات قصصية وكتابات في السيرة ومسرحيتان نثريتان وخمسة كتب مترجمة وثلاثة كتب باللغة الإنجليزية وثلاث مجموعات قصصية للأطفال وكذلك فقد شارك في تأليف عدد كبير من الكتب المدرسية لجميع المراحل الدراسية وفي موضوعات مختلفة وله كتابات مشتركة مع روكس العزيزي ومحمود العابدي وجميل علوش وله كتابات في العديد من الصحف والمجلات والدوريات.

تأثر حسني فريز في قصائده بعدد من الشعراء العرب وهو بحق يعد أحد أهم الرواد في الحركة الشعرية في الأردن وهي امتداد لحركة الشعر العربي و يمكن للقارئ أن يلاحظ السمات الفنية والسرد الدرامي والعاطفة الغزيرة المتأججة والصورة الشعرية واللغة الكافية في قصائد حسني فريز.

وأشار المحققان أن في كتاب"الأعمال الشعرية الكاملة لحسني فريز" فقالوا: كان فريز يؤلف بحس المعلم والمربي الغيور والناقد المحب والمفكر المشتعل حماسة ومصداقية لانتصار قيم الحق ومبادئ الجمال ومواقف الخير. فلقد قدس الحب في شعره وغنى للوحدة القومية والحلم العربي ونقد الواقع الاجتماعي وساهم في التأليف التربوي والكتب المدرسية للمراحل المختلفة أيما إسهام.

أما التشكيل الفني في قصائد فريز فهو قائم على اعتماده البحور الشعرية الخليلية ومجزوءاتها وتمجيد هذه البحور إلى حد مهاجمة الشعر الحر في مواقف كثيرة ومعروفة عدا عن تأثره بفحول الشعراء العرب وله قصائد عارض فيها قصائدهم وهو من الرواد في الحركة الشعرية في الأردن والتي كانت امتداد لحركة الشعر العربي ، فمن الطبيعي أن يكون الشعر في الأردن صدى متأثراً ومعكوساً عن اتجاهات الشعر وأبنيته في المدارس الأدبية في كل من مصر ولبنان والعراق وسوريا ويمكن أن نلاحظ مجموعة من السمات الفنية في البناء المعماري لقصائد حسني فريز عامة ومنها: السرد الدرامي الذي يقدم القصيدة في بناء قصصي والحوار المسرحي ، والغنانية الرحبة والعاطفة المتأججة ، واللغة الكافية لنقل المعنى الأول والصورة الشعرية القريبة غير المركبة. فلقد كان رحمه الله يعلي أمر الرؤيا في القصيدة بوجدان ساخن وكأنه يرى في القصيدة أداة تغيير فعالة.رحم الله الشاعر الأردني الكبير حسني فريز وأسكنه فسيح جناته..
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).