الشيخ المجاهد عودة أبو تايه

الشيخ عودة أبو تايه

إن الحديث عن عودة أبو تايه هو حديث عن شخصية وطنية وقومية من الرعيل الأول ، وأحد الرجال الذين شعروا بمسؤولية الهم القومي فانتسب للثورة العربية الكبرى استجابة لهذا الهم فنقش على جدار الزمن أروع ملامح البطولة والشرف وسجل في صفحات التاريخ العربي المعاصر حكايا النضال ورسم في الذاكرة العربية صور البطولة والتضحية والفداء.

ولد عودة أبو تايه في الصحراء الأردنية في منطقة الجفر حوالي عام 1870 ، والده الشيخ حرب أبو تايه وأمه عمشة أيضا من نفس العائلة ، ونشأ مثل كل أبناء البادية ابتدأ برعاية الأغنام ثم برعاية الإبل ، ثم توفي والده حرب وهو في سن الرابعة عشر وتولى زعامة القبيلة فقد تولى زعامة القبيلة في سن مبكرة لأن أخاه الكبير محمد الذي كان هو الشيخ لفترة قصيرة قُتل في أحد المعارك مما أدى إلى أن يتولى عودة الزعامة وهو في سن الرابعة عشر فالشيخ عودة أثبت نبوغا وقدرة على القيادة وبرزت صفاته الشخصية القيادية في سن مبكر ، ولكن كان يناصب الدولة العثمانية العداء منذ الصغر وعلى مدار الأيام وباستمرار دون أي تردد فعندما جاءت الثورة العربية الكبرى بقيادة الهاشميين كانت فرصة مواتية له ليس فقط للإنتقام ولكن ليتصرف بعقيدته وما عرف عنه من مناكفة للدولة العثمانية لأنها ظالمة وكانت إدارتها فاسدة وكانت تسعى لتجهيل الناس وكان هو ضد هذا الوضع بالكامل وكان ينتظر الفرصة وكانت الثورة العربية الكبرى وكان من أوائل من انتظم تحت لواء الثورة العربية الكبرى وساهم في أعمالها.

وقال المؤرخ الأردني محمود عبيدات: إن الحديث عن الشيخ عودة أبو تايه هو الحديث عن تاريخ هذه الأمة ، وتاريخ هذا الوطن ، وعن دور الأردنيين في حالة النهوض الوطني والقومي الشعب الأردني بطبيعته ومنذ العصر الوسيط كان دائماً يندد باستراتيجية الولاء للأمة العربية ويعتز بشرف الولاء الوطني والقومي ضمن هذه الأجواء كان عودة أبو تايه واختصرها بعبارة قالها الدكتور مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري الأسبق "عودة أبو تايه قبيلة في رجل".

عودة أبو تايه تعلم مفاهيم الفلسفة العربية ليست على طريقتنا نحن وإنما على طريقته الخاصة من خلال سلوكيه هي في الأساس إرث تاريخي موجود في تاريخه ، وأضاف المؤرخ محمود عبيدات قائلاً: انه عندما اجتمع الشيخ عودة أبو تايه بجلسته مع الأمير عبد الله وكان روبرت صموئيل حاضر في الجلسة وسأل روبرت صموئيل الشيخ عودة أبو تايه أنه كيف تحول من إنسان يمارس الغزو إلى مرحلة النضال والقتال وتحرير بلادك ، وهنا كانت المشاعر القوية الموجودة بدبلوماسية البدوي الذي لا يقبل ممارسة الإذلال في عملية السلوكية حيث رد عليه بعنف قائلاً له عندما كنت أقوم بعملية الغزو كنت أغزو القوي لمناصرة الضعيف وكنت أدافع عن نفسي وأدافع عن عشيرتي وأدافع عن أهلي ، أطرد القوة التي تريد أن تسيطر علي وأناصر الضعيف لكن أنت ماذا تعمل هنا في بلادنا كنت أنا أغزو أبناء عمومتي لكن أنت ماذا تعمل هنا في بلاد العرب.

وصرخة عودة معروفة كان له صرختان اجتماعية وعسكرية ، الصرخة الاجتماعية كان ينظر إلى أبناء عائلته وأبناء العشائر الأخرى فيشاهد شاب وصل عمره السابعة والعشرين وغير قادر أن يتزوج كان يقدم المهر ويقيم عرساً جماعياً للفقراء الموجودين في منطقته.
وتحدث الدكتور فواز أبو تايه من البيئة التي خرج منها عودة أبو تايه قائلاً: لا شك أيضا أن المرحوم حرب أبو تايه كان على مستوى من حيث الوضع العشائري وقوته ونفوذه في المنطقة لكن الظروف تغيرت ، فقد واجه عودة أبو تايه من الظلم العثماني والملاحقة طيلة حياته من البداية حتى النهاية ، كان طريد السلطة العثمانية إلى أن جاءته فرصة الثورة العربية الكبرى ليحرر بها بلده ونفسه وعشيرته ، وكانت تربطه أيضاً صداقات مع زعامات الكرك وعلى رأسهم حسين الطراونة ورفيفان المجالي ومن بني صخر مثقال الفايز وجزاع بن نويرس وكذلك له صداقات مع أبناء القرى والمدن مثل صداقته مع كليب الشريدة وصداقته مع أوائل الشهداء الزعماء أصحاب الأسماء الكبيرة طلال ابن حريدين ، واستشهد وهو في طريقه لتحرير دمشق حيث كان من أكبر وأعز أصدقائه وأكثرهم أهمية ولعب دوراً كبيراً في الثورة العربية الكبرى.

وتحدث المؤرخ محمود عبيدات عن الحكمة والشعر عند عودة أبو تايه بماحصل عليه من كلامه حيث مما ذكر عنه:"يا أهل إذا قمنا على قدم وساق ، وخضنا غمار الحرب لنحرر الاستقلال ونكون أمة عربية مستقرة ونحن نرفض كل سيطرة أجنبية رفضا باتاً ، يا حضرة المندوب السامي روبرت صموئيل ماذا تعملون في بلادنا ألا تقومون بغزو الأقطار البعيدة وامتلاكها والتحكم بها ألا تعتبرون عملكم غزواً يفوق غزوات البدو المحدودة في السلب والنهب ، في جسدي أثنان وعشرون جرحاً أعزها علي الجروح الأخيرة التي كانت من أجل عز العرب ولن أبخل على أمتي وقومي بما تبقى من سليم في جسدي والله على ما أقول شهيد".

ومن شهادة الأمير زيد في عودة ابوتايه أن مهمة لورنس العرب كانت مهمة عسكرية مخابراتية ، وأنه ظلم عودة أبو تايه فكل ما يقوم به عودة أبو تايه من انتصارات كان يسنده لنفسه ويكتب فيه التقارير بأنني قمت بكذا وكذا وكان معي عودة أبو تايه وكان معي فلان وفلان ولكن عودة أبو تايه هو الذي يقود المعارك وهو الذي حرر الجولان ، وهو الذي حرر حوران أيضاً.

وتحدث المؤرخ محمود عبيدات عن الدور النضالي للشيخ عودة أبو تايه قائلاً: أن عودة أبو تايه كان الشخص الوحيد من زعماء العشائر الذي كانت السلطات التركية تطارده والشخص الوحيد من زعماء القبائل الذي كان يرفض قرارات الإدارة التركية ، والشخص الوحيد الذي كان يرى نفسه أنه أعلى بكثير من الوالي العثماني الذي كان موجوداً لأنه ابن هذا الشعب الحريص على أهله وبلده.

ويذكر فايز الغصين عبارة مشهورة للشيخ عودة عندما بدأ بتحرير الشام قائلاً :"عندما دخل عودة أبو تايه ومسك طقم الأسنان الذي كان مصنوع من قبل الطاقم الطبي العثماني كسره وقال سوف أنهي آخر مرحلة من مراحل الحكم العثماني بهذا بدأ بتحرير الشام وهم ما يزالون في منطقة الوجه" ، ويقول مصطفى طلاس في كتابه عن الثورة العربية الكبرى أن الاستراتيجية العسكرية التي وضعها عودة أبو تايه تدرس الأن في الجامعات والكليات العسكرية العالمية.

وتحدث الدكتور فواز أبو تايه عن الجانب الاجتماعي والإنساني من حياة الشيخ عودة أبو تايه قائلاً: يروى عن الشيخ عودة أبو تايه قصص ترقى إلى الأساطير والمبالغة أنه تزوج 28 زوجة ، ولكن الأهم من ذلك علاقات عودة أبو تايه مع زعماء بلاد الشام مع سلطان باشا الأطرش ومع إبراهيم هنانو ، ومحمد الشريقي ، وسعيد باشا خير ، فقد كانوا جميعهم يقيمون مظاهرات ضد التنسيق البريطاني الفرنسية في المنطقة ، يضاف لذلك تقوى الله عودة أبو تايه وهو على سرير الموت أوصى بأمرين أن لا يقام به أربعين لأن فيه مبالغة ونفاق وأيضا بإقامة ضريح على قبره ، وقد وصف المؤرخ محمود عبيدات عودة أبو تايه قائلا إن عودة أبو تايه يجب أن يصنف من الشهداء وأنا أرى أن وفاته ليست طبيعية حيث قيل أنه أصيب بالسرطان في معدته ، ولكن أنا أقول أن البريطانيين تآمروا على صحته ، وأُقيم هذه الشخصية أنها تاريخية ونموذجية وتمثل فعلاً حالة فريدة في الذاكرة الأردنية ، وأنا أعتبر أنه كان بياناً تحريضياً للأمة وللأردن.

ويصفه الدكتور فواز أبو تايه قائلاً: أنه كان رمز للمرحلة التي مرت بها أمتنا وكانت مرحلة واعدة ومع الأسف اجهضت بالعديد من العوامل. هكذا كان الشيخ عودة أبو تايه صاحب عقيدة يؤمن بها إيماناً راسخاً لا يتزعزع وذلك من خلال قوله: "في جسدي أثنان وعشرون جرحاً أعزها علي الجروح الأخيرة ، التي كانت من أجل عز العرب ، ولن أبخل على أمتي وقومي بما تبقى من سليم في جسدي .. والله على ما أقول شهيد" ، تغمد الله فقيد الأردن الكبير الشيخ المجاهد عودة أبو تايه بواسع رحمته ورضوانه.
تعليقات (فيس بوك)
1تعليقات (بلوجر)

1 التعليقات:

  • Unknown يقول :
    25 ديسمبر 2011 في 2:19 م

    تغمد الله فقيد الأردن الكبير الشيخ المجاهد عودة أبو تايه بواسع رحمته ورضوانه.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).