‏إظهار الرسائل ذات التسميات ي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ي. إظهار كافة الرسائل

يوسف شويحات .. طبيب من رواد العمل الخيري

|0 التعليقات
يوسف الشويحات

شهدت مدينة مادبا نهضة الحديثة، منذ القرن التاسع عشر، خاصة مع هجرة العشائر المسيحية من الكرك، واستقرارها في المدينة، التي كانت حتى ذلك الوقت، خربة أثرية قليلة السكان، تحيط بها أراضٍ زراعية واسعة في مختلف الاتجاهات، تنبت فيها قرى مزدهرة، ومع بدء الاستقرار الحديث في أطلال المدينة القديمة، أخذت الحياة تبعث في المدينة من جديد، مرتكزة على تاريخها العميق، الذي وصلت فيه إلى مستوى رفيع في الفنون والثقافة، خاصة في الفترتين الرومانية والبيزنطية، وما سبقها من حضور قوي في الأحداث التي اجتاحت المنطقة، عندما كانت تمثل قلب الحضارة المؤابية، في العصر الحديدي.

ولد الطبيب والمؤرخ يوسف شويحات، في مدينة مادبا خلال فترة عصيبة مرت بها الأمة، حيث كانت المنطقة ترزح تحت نير تسلط حكام تركيا الاتحاديين، ومعاناة الناس من رعايا الدولة في كل مكان. حيث كانت ولادته كما وثق ذلك في مذكراته، في الأول من تشرين الثاني عام 1906، وقد نشأ في جو أسري ريفي، فقد كان بكر والده سليم شويحات، الذي كان إنساناً بسيطاً، متوسط الحال، وكانت مادبا بالنسبة ليوسف مسقط الرأس، ومربى الطفولة مهوى الفؤاد، فيها لعب، وترعر بين تلالها وسهولها الشاسعة الخصبة، وكان من حسن حظه أن ألحقه والدة بمدرسة دير اللاتين في مادبا، وكان ذلك عام 1916، وكان معلمه في المدرسة في تلك الفترة المضطربة، معلم تركي. ( محمود أبو زبيد. الأطباء الكتّاب في الأردن في القرن العشرين ).

فرضت السلطات تركية تدريس اللغة التركية في المدارس العربية، وقد تمكن من تحصيل بعض التعليم الأولي، خلال أيام معدودة، غير أن الأحداث تسارعت، عندما اقتحمت القوات التركية المدينة، نتيجة تذمر الأهالي من حجم الضرائب المرهق والتجنيد الإجباري الجائر، وكان أهله من بين المقاومين لهذه الممارسات التعسفية، فكان أن أقدم عسكر الأتراك، على إلقاء القبض على والده وجده وجدته وأبن عمه، حيث تم نفيهم إلى تركيا، في حين تمكنت والدته من الهرب مع ولديها وابن وابنة عمه، والتجأت إلى قبيلة بني حميدة، حيث كانت مضاربهم تنتصب جنوب مادبا، وبذلك انقطع عن المدرسة مدت سنتين، حتى عام 1918 بعد الهدنة وخروج الأتراك من المنطقة، بعد انتصارات جيش الثورة العربية الكبرى، عندها بدأت الأمور بالعودة إلى الاستقرار، وقد تمكن من تم نفيهم من العودة إلى ديارهم، وبذلك عاد يوسف شويحات إلى مدرسة دير اللاتين بعد افتتاحها من جديد عام 1919.

درس يوسف شويحات مدة ثلاث سنوات في دير اللاتين، حيث انتقل بعدها للدراسة في مدرسة الفرير، في مدينة بيت لحم، بسبب قلة المدارس في الأردن في تلك المرحلة، وكان التدريس في تلك المدرسة باللغة الفرنسية، حيث تعلم مبادئ تلك اللغة، لكنه لم يطل الإقامة هناك، حيث انتقل إلى مدرسة كلية ( الكاردينال فراري ) في عمان، وهي مدرسة تراسانطة حالياً، التي تدرس باللغة الإنجليزية، وتعلم بالإضافة إلى ذلك أساسيات اللغة الإيطالية، وقد بقي في هذه المدرسة حتى حصل على شهادة الثانوية العامة، التي كانت تسمى « المترك « وكانت تعتبر شهادة متقدمة في تلك الفترة، حيث كان بإمكانه الحصول على وظيفة جيدة، لكنه فضل اختيار طريق العلم الصعبة، لذا سافر إلى بيروت، والتحق هناك بالجامعة الأمريكية، حيث حصل على قبول في كلية الطب، لكن الظروف السيئة لاحقته، فمرض مما اضطره للتوقف عن متابعة دراسته الجامعية وهو في بداية الطريق، لكنه تمكن من العودة لدراسة الطب في جامعته في العام التالي، وفي عام 1933 حصل على شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة.

عاد يوسف شويحات إلى مدينته مادبا، وعمل طبيباً فيها مدة ثمانية شهور، لكنه قرر الالتحاق ضمن تخصصه بشركة بترول العراق، وخلال عمله في هذه الشركة الكبيرة، تمكن من القيام بجولة أوروبية عام 1938، وفي هذه المرحلة ظهرت ميوله الفنية والأدبية، وقام برسم عدد من اللوحات الزيتية، كما كان مطالعاً للكتب بشكل كبير، ومحباً لرياضة الصيد، وتحنيط الحيوانات بالأساليب العلمية، وقد استمر عمله في شركة بترول العراق، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث استقال منها، وانتقل إلى القدس حيث عمل طبيباً في مستشفى الحكومي في المسكوبية في القدس، وبعد أشهر من عمله هذا، عاد إلى مسقط رأسه مدينة مادبا، وقام بافتتاح عيادة خاصة له، وكان يستقبل المرضى في عيادته، ويتقاضى أجراً قليلاً، ويتجاوز عن الفقير منهم، وفي عام 1947 انتقل إلى عمّان، ومنها إلى مستشفى المسكوبية مرة ثانية، لتغطية النقص فيها، بعد سفر الجراح البريطاني.

يسجل للطبيب يوسف شويحات، مبادرته في تأسيس أول مستشفى خيري للولادة في عمان، من خلال استخدمه مطبخ مدرسة الصناعة المكون من ثلاث غرف، وبعد نجاح المستشفى تم نقلها إلى موقع مستشفى الدكتور ( بارنيل ) القريب من المستشفى الإيطالي، وأصبحت تتسع لعشرين سريراً، ونظراً لحبه لعمل الخير ومساعدة الناس، كان يشرف على هذه المستشفى مجاناً، وعندما وقعت نكبة فلسطين عام 1948، وتدفق اللاجئون الفلسطينيون، بادر شويحات بالتطوع من أجل تقديم خدمات الإسعاف والمعالجة للنازحين.

رغب يوسف الشويحات بتحصيل مزيد من العلم والمعارف في مجال تخصصه، لذا سافر إلى بريطانيا في بعثة دراسية، في تخصص الخدمات الطبية، وشمل التخصص الأمومة والطفولة والصحة المدرسية، وقد عكس ما تعلمه في تحسين واقع الخدمات الطبية في وطنه، فتحولت مستشفى الولادة إلى مركز لتدريب القابلات تحت إشراف وزارة الصحة، وكان له دور بارز في إدخال الصحة المدرسية، عن طريق وزارة التربية والتعليم، والتأمين الصحي، وقد أخذت الحكومة بمعظم الأفكار التي قدمها، من أجل تطوير القطاع الصحي في المملكة، وقد اشتمل عمله في وزارة الصحة، على طبيب عيادة، وجراح وطبيب شرعي، وطبيب أمانة عمان، وطبيب المدارس، وعضواً في اللجان الطبية. لكنه قرر الاستقالة من العمل الحكومي عام 1952، وخلال هذه الفترة ساهم في بناء مستشفى الهلال الأحمر النسائي في عمان.

حظي الطبيب يوسف شويحات بشرف معالجة أفراد من العائلة المالكة، كما كان له دور مؤثر في تأسيس نقابة الأطباء عام 1954، بالإضافة لمساهمته في إنشاء مجمع النقابات، وقد كان له حضور نقابي كبير، فقد انتخب نائباً للنقيب في إحدى الدورات، وفي دورة أخرى أصبح رئيساً للجنة العلمية في النقابة حتى عام 1963، ويعد من أكثر المبادرين في إنشاء المستشفيات والمؤسسات الطبية الوطنية، فقد لعب دوراً مع عدد من زملائه في تأسيس الجمعية الأهلية لبنك الدم، وكان ذلك عام 1958، وقد تسلم رئاسة هذه الجمعية المهمة عام 1963، وشغل أيضاً منصب سكرتير اتحاد الجمعيات الخيرية الأردني. وقد واجهه عارض صحي عام 1963، حيث أصيب بنوبة قلبية، ونتيجة لذلك تخلى عن كثير من نشاطاته المتعددة، وتفرغ لمهنته كطيب، وظل مخلصاً لعمله هذا حتى لحظاته الأخيرة.

كان من أنشطته في غير مجال الطب، إنكبابه على القراءة والكتابة، فقد كان مثقفاً من طراز رفيع، وكاتباً متميزاً ترك عدداً من الأبحاث المهمة منها: ( الأكلامبسيا ) وهو بحث علمي عن تسمم الحامل، و( تفسير الأحلام ). وقد أصدر ثلاثة كتب هي: ( العزيزات في مادبا ) وكتاب ( العرب وتراثهم ) وكتاب ( دور العرب في ثقافة العالم وحضارته ) وعدد من الكتب والأبحاث غير المنشورة، وبقي يوسف شويحات يقوم بعمله كطبيب، ويمضي ما تبقى من وقت في المطالعة وكتابة الأبحاث وتأليف الكتب، حتى توفي عام 1979، تاركاً أثره الطيب باقياً عبر الزمن.

يوسف العظم .. شاعر الأقصى

|0 التعليقات
يوسف العظم

يعد يوسف العظم واحداً من أبرز أعلام الفكر الإسلامي، ومربياً فاضلاً جمع في شخصيته، أبعاداً متنوعة وعميقة، جعلت منه من رجالات المراحل الصعبة، فلقد أسهم في البناء السياسي والفكري والتربوي الأدبي في الأردن.

امتد أثر الراحل العظم   إلى عدد من الدول المجاورة، حيث كان لما حصله من علوم ومعارف، وما تمتع به من مواهب أدبية، وفصاحة لسان ودفء المعشر، دوراً في قربه من الناس، وسبباً في المكانة المرموقة التي حظي بها في مدينة معان، وعلى امتداد الوطن، بالإضافة إلى حضوره على الساحتين العربية والإسلامية، فلقد شكلت مراحل حياته المختلفة، انعكاساً للمراحل الاجتماعية والسياسية والفكرية التي مرت بها المنطقة العربية، منذ النصف الثاني من القرن الماضي.

ولد يوسف العظم في مدينة معان جنوب الأردن، التي كانت عبر التاريخ محطة لأحداث كبيرة، كونها بوابة شبه الجزيرة العربية الشمالية، وأبرز محطات طريق الحج الإسلامي، وكان لها مكانة تاريخية وسياسية حديثة، منذ انطلاق الثورة العربية الكبرى، والبؤرة الأولى في تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921. وقد كانت ولادته عام 1931، وينتسب إلى عائلة صغيرة تعود في أصولها إلى أسرة دمشقية، هاجر عدد من أبنائها في أواخر الحقبة العثمانية، حيث كان منهم تجار وفنيين، وكان أن أقام نفر قليل في مدينة معان الجنوبية ذات الصبغة البدوية العشائرية، وقد قاسى يوسف العظم من الفقر خلال طفولته وشبابه، حيث كان والده رجلاً فقيراً يعمل في شركة نفط العراق، لكنه مع ذلك أرسل ابنه إلى الكتّاب في المدنية، حيث تعلم القراءة والكتابة والحساب، وحفظ سوراً من القرآن الكريم.

بعد أن أمضى سنتين في الكتّاب، التحق بالمدرسة في المدينة التي كانت حينها مجرد بلدة كبيرة، وقد توفي والده وهو في عمر صغيرة، وكان من شأن ذلك أن يقضي على أحلامه في مواصلة دراسته، بسبب اشتداد وقع الفقر بعد خسارته لوالده، ولعدم توفر مدارس ثانوية في معان في تلك الفترة، لكن والدته أصرت على أن يكمل ابنها المجتهد دراسته، فغادر معان باتجاه العاصمة عمان، حيث التحق بالمدرسة الثانوية، وقد اضطر للعمل في الورش والمحلات التجارية، وعمل حارساً ليلياً، من أجل الإنفاق على نفسه ومساعدة عائلته، مما علمه الاعتماد على النفس منذ شبابه الباكر، وقد واجه الظروف الصعبة بجلد وصبر كبيرين، حتى تمكن من تحقيق غايته، فنال شهادة الثانوية العامة بتفوق عام 1948، وكان بمقدوره تحصيل وظيفة جيدة بهذه الشهادة، لكنه رغب في تحصيل مزيد من العلم والمعرفة.

سافر يوسف العظم إلى العراق، ودرس فيها بكلية الشريعة مدة سنتين، وبعد تخرجه فيها، انتقل إلى مصر حيث التحق بجامعة الأزهر، حيث درس اللغة العربية وآدابها، ونال شهادة اللسانس عام 1953، وبعد ذلك مباشرة درس في جامعة عين شمس لمدة عام، ليحصل على دبلوم عالٍ في التربية عام 1954، وقد أتاحت له فترة دراسته في القاهرة الفرصة للتواصل مع عدد كبير، من أعلام الفكر والدعوة الإسلامية، حيث جالسهم ونهل من علمهم، وتمكن خلال فترة قصير من بناء صداقات قوية معهم، لما تميز به من ذكاء وثقافة واسعة، وقدرة على الخطابة والمحاججة، فقد لازم سيد قطب، ويوسف القرضاوي، وأحمد العسال، والبهي الخولي، وعبد العزيز كامل، وخلال دراسته في بغداد لازم الشيخ محمد محمود الصواف.

بدأ يوسف العظم نشر مقالاته في الصحف والمجلات وهو طالب في بغداد، وحين انتقل إلى القاهرة لدراسة اللغة العربية في الأزهر، أخذ ينشر في مجلة الرسالة وهو في سن العشرين، وهي المجلة التي نشرت لكبار الكتاب، من أمثال طه حسين والعقاد والرافعي وسيد قطب، وهذا دليل على ما تمتع من موهبة حقيقة في الكتابة الصحفية، بالإضافة لرتكازه على مواقف إسلامية ثابتة، لم يحد عنها في أي مرحلة من مراحل حياته، وهذا ما حفظ له تقديره ومكانته بين الناس البسطاء والسياسيين والمفكرين، كما أن تمتعه بالموهبة الأدبية في كتابة الشعر والقصة والمقالة، ومشاركته الواسعة في عدد كبير من الندوات والمؤتمرات، وقدراته في مجال الخطابة، التي أوجدت له جمهورا عريضا من المتابعين، كلها عوامل أسهمت في بناء شعبيته الكبيرة، دخل الوطن وخارجة على أسس سليمة استمرت حتى يومنا هذا.

بعد إنهاء دراسته في جامعة الأزهر وجامعة عين شمس، عاد إلى الأردن وقد عمل في مجال التعليم، وهي المهنة التي أوقف لها معظم سنوات عمره، رغم انشغالاته السياسية والصحفية، حيث عمل مدرساً في الكلية العلمية الإسلامية في عمان، وذلك خلال الفترة الممتدة من عام 1954 إلى عام 1962، وكان يرى أن التعليم الواعي هو أساس بناء المجتمعات، لكنه مع ذلك لم يتخل عن قلمه في الحقلين الأدبي والصحفي، فقام بتأسيس صحيفة الكفاح الإسلامي، ورغم الصعوبات المالية الكبيرة، استمرت هذه الصحيفة في الصدور بين عامي 1956 و1958، حيث توقفت لأسباب كثيرة.

ونظراً لمواقفه الإسلامية الثابتة، والمعارضة في كثير من الأحيان لبعض السياسات الحكومية، فقد تعرض للتوقيف والسجن عدد من المرات، خاصة في فترة خمسينيات القرن الماضي، وقد زامل في سجنه شخصيات حزبية معارضة، من مشارب مختلفة منها الشيوعي والبعثي، حيث ارتبط معهم بذكريات وصداقات عميقة منهم: فؤاد نصار رئيس ومؤسس الحزب الشيوعي، البعثي سليمان الحديدي، والشيوعي فريد القسوس.

بقي يوسف العظم مخلصاً لرسالته التربوية، لذا قام بتأسيس ( روضات براعم الأقصى ) والتي حولها بعد ذلك إلى مدرسة خاصة هي ( مدارس الأقصى ) في ستينيات القرن الماضي، التي تعد من أعرق المدارس الخاصة في الأردن، وقد بقي يديرها مدة تزيد عن خمسة وثلاثين عاماً. خاض العظم غمار الانتخابات النيابية عن مدينة معان عام 1963، ورغم قلة عدد أفراد عائلته، إلا أن مكانته بين الناس، وقربه منهم منحه فوزاً مستحقاً في هذه الانتخابات، وقد عمل على خدمة أهل مدينته، وخدمة قضايا الأمة، خاصة القضية الفلسطينية، ولم يحد عن مبادئه، حتى أنه كان يحجب الثقة عن الحكومات التي عاصرها، إخلاصه لرؤاه وفكره الخاص الملتزم بالتيار الإسلامي، وقد خاض الانتخابات للمرة الثانية وفاز بها عام 1967، كما حقق فوزاً في الانتخابات النيابية عام 1989، ليكون واحداً من أبرز البرلمانيين الأردنيين، ورغم معارضته لبعض السياسات الحكومية، إلا أنه كان ناشطا في اللجان المختلفة، فقد كان مقرراً للجنة التربية والتعليم، وعضواً في لجنة الشؤون الخارجية.

دخل يوسف العظم الحكومة عام 1990، حين أسندت إليه حقيبة وزارة التنمية الاجتماعية، حيث نهض بأعباء هذه المسؤولية بكفاءة عالية، مستنداً لفكره ونهجه الإسلامي. شارك يوسف العظم في عشرات الندوات والمؤتمرات والمواسم الثقافية، في عدد من الدول الأجنبية، منها الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا. وفي مجال الكتابة الأدبية، أوقف جزءاً كبيراً من شعره للأقصى، حيث اعتبر القدس جوهر القضية الفلسطينية، حتى لقب بشاعر الأقصى، وأصدر عدداً من الدواوين الشعرية منها: « في رحاب الأقصى « و « رباعيات فلسطينية « و « أناشيد وأغاريد للجيل المسلم» وغيرها، وله مجموعة قصص ذات طابع إسلامي هادف، ومؤلفات في الثقافة الإسلامية والتربوية، ودراسات دينية معمقة.

في السنوات الأخيرة من حياته، قلل كثيراً من أنشطته بسبب حالته الصحية، لكنه ظل مخلصاً لنهجه ولقلمه، فلم ينقطع عن الكتابة الأدبية والصحفية، غير أن المرض اشتد عليه، لذا نقل إلى المستشفى التخصصي، وبعد خروجه منعه الطبيب من الوضوء لخطورته على صحته، فكان يتيمم ويصلي، فلم ينقطع عن صلاته في أحلك الظروف، وفي يوم وفاته سمح له الطبيب بالوضوء، وبعد أن توضأ وأحرم للصلاة توفي على سجادة الصلاة وهو مستغرق في صلاته، وقد توفي يوم الأحد 29/ 7/ 2007 عن عمر ناهز السادسة والسبعين عاماً، حيث خلف أرثاً كبيراً في الأدب والصحافة والثقافة الإسلامية، وبالإضافة لمساهماته في الفكر الإسلامي والعمل السياسي والوطني، وشكلت وفاته خسارة كبيرة للوطن والأمة.

يعقوب حنا العودات ... البدوي الملثم

|0 التعليقات
يعقوب حنا العودات
يعتبر يعقوب حنا العودات (البدوي الملثم) أحد أهم رواد الحركة الثقافية والأدبية في الأردن. فقد كرس حياته للإنتاج الأدبي والثقافي ، فأغنى المكتبة الوطنية والعربية بمؤلفات مهمة عملت على رصد الحركة الأدبية خلال فترة مهمة من تاريخ الدولة الأردنية. لذلك فإن أديباً ومفكراً أردنياً مثل يعقوب العودات وهو يعد بحق أبرز مؤسسي الحركة الثقافية في الأردن يستحق منا أكثر من مجرد تقديم إضاءة حول مسيرة حياته التي تستحق الوقوف عندها.

ولد يعقوب حنا العودات في مدينة الكرك عام 1909م. والده حنا العودات أول رئيس لبلدية الكرك في العهد العثماني ووالدته هي هدباء بنت جابر العودات. تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة طائفة الروم الأرثوذكس ومدرسة (الإليانس) الأمريكية ومدرسة المعارف في الكرك ، توفي والده وهو في العاشرة من عمره مما اضطره للإنقطاع عن مواصلة دراسته وقد ورد في مذكراته قوله: توفي والدي ولي من العمر عشر سنوات وعشنا بؤساء وبعدها أنهيت دراستي الابتدائية حالت والدتي - رحمها الله - دون متابعتي الدراسة ، لحاجتها وشقيقتي لمن يمدُّ لهما يد العون ويدفع عنهما غائلة الجوع ولذا فقد اضطررت للعمل تاجراً لكي أستطيع تأمين القوت لأسرتي الصغيرة ، واصلت العمل سبع سنوات عشت خلالها عيشة الزهد والتقشف وكافحت كفاحاً متواصلاً في سبيل اللقمة الحمراء ، والمستقبل الزاهر الذي ينتظرني ، وعلى صوت المؤذن كنت استيقظ مع كل فجر ، لأعد الشاي والفلافل للعمال المبكرين لأعمالهم خارج المدينة ، فأظل في حركة مستمرة حتى يأوي الناس إلى مخادعهم فأغلق باب متجري المتواضع واستسلم للنوم.

ورغم قسوة الظروف التي ألمت بالبدوي الملثم إلا أنه أصر على متابعة دراسته ولو على نفسه وبمساعدة أساتذة المدرسة الأميرية في الكرك تمكن من التقدم لامتحان الشهادة الإعدادية واجتيازها بتفوق بعد ذلك التحق بمدرسة إربد الثانوية حيث أمضى فيها سنتين ليحصل منها على شهادة الدراسة الثانوية ، التحق يعقوب العودات بالجامعة السورية في دمشق - جامعة دمشق - ولكن نظراً للظروف الصعبة فإنه لم يستطع إكمال دراسته الجامعية.

عُين يعقوب العودات معلماً في وزارة المعارف - وزارة التربية والتعليم - وقد درّس مادتي الأدب العربي والتاريخ في العديد من مدارس المملكة كمدارس عمان وسوف وجرش والرمثا لمدة ستة سنوات. بعد ذلك انتقل للعمل ككاتباً في المجلس التشريعي وبعدها بأربع سنوات نقل إلى ديوان رئاسة الوزراء. ثم نُقل سكرتيراً معاراً للمجلس التشريعي وبعد ثماني سنوات أمضاها في الوظيفة الحكومية في شرقي الأردن قدم استقالته وسافر إلى القدس ليعمل مترجماً في قلم الترجمة بدائرة السكرتير العام لحكومة فلسطين مدة ثلاث أعوام ، وأثناء إقامته في القدس تزوج من رفيقة دربه السيدة نجلاء إبنة الصحافي المعروف بولس شحادة. عاد إلى شرقي الأردن مع أعداد اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة عام م1948 ، حيث تم تعيينه في ديوان المحاسبة في وزارة المالية وفي عام 1950 شد الرحال إلى أمريكا الجنوبية حيث أمضى فيها نحو سنتين. وعند عودته إلى ارض الوطن عاد ليشغل وظيفته في وزارة المالية والتي بقي فيها إلى أن تم إحالته على التقاعد في أواخر عام 1968م. بعد ذلك انتقل للعمل في دولة الكويت في إحدى الشركات وبقي هناك بضعة شهور ثم عاد إلى وطنه الأردن لينشغل بأمور الكتابة والتأليف.

عَمًلَ يعقوب العودات على نشر إنتاجه الأدبي في العديد من الصحف والمجلات العربية وذلك بتواقيع مستعارة مثل: أبو بارودة ، حماد البدوي ، فتى مؤاب ، أبو نظارة ، فتى البادية ، نواف" ولكنه وفي عام 1926 استقر على توقيعه الشهير الذي عُرف به وهو (البدوي الملثم) أما السبب وراء اختياره هذا المسمى فقد ورد في مذكراته قوله: حملت مقالاتي وكتبي التي صدرت بتوقيع البدوي الملثم وراح العاملون في حقل أدبنا المعاصر يتساءلون: من يكون صاحب هذا التوقيع المستعار؟ وبعد أن حسروا اللثام عن صاحبه أخذوا يمطرونني بتساؤلهم: كيف وقعت على هذا التوقيع ورداً عن تساؤلهم أقول: تعود بي الذاكرة إلى عام م1926 العام الذي شرعت أنشر فيه نفثات قلمي في صحف سورية وفلسطينية بتواقيع مستعارة ، ظلت حائرة قلقة في نفسي واذكر منها: "أبو بارودة ، حماد البدوي أبو نظارات ، نواف ، فتى مؤاب ، فتى البادية. وذات يوم كنت أتنزه بمفردي على طريق السيل في مسقط رأسي ، فلمحت بدوياً ملثماً على ظهر ناقة تسير به خبباً... والمحجن في يده ، فطربت لمنظر هذا البدوي الرائع وعزمت من توي على أن يكون البدوي الملثم هو توقيعي المستعار".

لقد قدَّم البدوي الملثم للمكتبة العربية واحداً وعشرين كتاباً مطبوعاً بالاضافة إلى العديد من المخطوطات الهامة فتراه قد أبدع في مجالات الشعر والمقال والقصة والنقد والتأريخ والتربية.

وتحدث البير أديب صاحب مجلة الأديب البيروتية فقال في يعقوب العودات: إن مجلة الأديب التي لم تشعر بالخسارة المعنوية والمادية التي لحقت بها قدر ما تشعر بها اليوم بوفاة صديقها الغالي البدوي الملثم ، لتدلي شهادة الحق أمام الرأي العام المنكر معترفة بأن البدوي الملثم ، بما بذله من جهوده الجبارة من أجل إقالة عثرة (الأديب) وإنهاضها من كبوتها المادية المتلاحقة ، وتأمين الإعلانات لها من بعض الدول العربية واستقطاب المشتركين والمناصرين لها من كل ديار له فيها صداقة ، هو في الندرة القليلة الضئيلة من الأصدقاء الأوفياء الذين لا تعوض خسارتهم.

ويرى الدكتور كامل سوافيري أن: البدوي الملثم كان كوكباً مشرقاً في سماء الأدب لا في الأردن فحسب بل في الوطن العربي ، وكان من الأفراد القلائل الذين حققوا مجدهم بأنفسهم وشقوا طريقهم في الحياة بجهادهم الشخصي لم يتوكأوا وأعلى أحد ولم يعتمدوا على مال ولا جاه ، لقد أدمى قدميه على الصخر وأحنى مقلتيه على الورق ، أرّقه المجد وأضناه الدرس فقطع الفيافي وجاز البحار وجاب البلاد يستخلص ألوان المعرفة ويستقصي جوانب البحث وينقب عن الجواهر فيخرج على الناس بمؤلفاته وآثاره التي تنطق بما بذل من جهد وتشهد بما احتمل في سبيلها من وصب ، وما أعظم نضال الذين يبنون مجدهم بأنفسهم ويرفعون بنيانهم بسواعدهم. إنهم النجوم ، إنهم الرواد الذين يفتحون لنا النافذة ويعبَّدون الطرق لنسلك سبيلهم وننهج نهجهم ، إنهم الذين ننحني إجلالاً بما كابدوا ، وإكباراً لما قدموا ، وبهم نفاخر الأمم وتباهي الأجيال وتعتز الأوطان.

وعدّ محمد أديب العامري الاهتمام بالسير والتراجم من مزايا العودات ، يقول: "ومن مزايا البدوي الملثم أن أدبه كان - على النمط الحديث - أدب دراسة ومعاناة ، وقد شدّه إلى ذلك فطرته كأديب سيرْ أو أديب تراجم.

أما وحيد بهاء الدين فقد قال فيه: يعد البدوي الملثم رائداً في المضمار الذي قدر له أن يخوضه ويفتح قلاعه ويثبت وجوده فيه بجدارة واستحقاق.

ويرى الدكتور محمود السمرة (أن مؤلفات العودات تتضمن الكثير من الصفات التي يجب أن تتوفر في كتابة السيرة وفي الصدق والتحليل الدقيق والحيوية والأسباب والبعد عن الاستطراد.

وتحدث وزير الثقافة السيد نبيه شقم في شخصية العودات فقال: إن الأديب الراحل العودات استطاع بصبره وكفاحه أن يحقق شهرة واسعة في عالم الإبداع وتجلياته فهو مثقف موسوعي رشح قلمه بالروائع من سير وتراجم وفكر وأدب متنقلاً داخل الوطن وخارجه بحثاً عن المعرفة.

عُرف العودات بحرصه الشديد على متابعة دراسته وبصبره وجلده وقدرته على تحمل الصعاب وحُسن تقديره للأمور وعُرف أيضاً بأخلاقه الحسنة وبذكائه الوقاد.

وله العديد من شهادات الحق التي أدلى بها معاصروة فقال فيه عارف العارف: ما دخلت عليه مرة في بيته إلا ورأيته وراء مكتبه دائباً ، جاداً مسطراً ، باحثاً ، كاتباً ومؤلفاً ، فقد أغنى المكتبة العربية بعدد كبير من كتبه ومؤلفاته وإني لأشهد في غير محاباة أو مغالاة أنني ما دخلت عليه إلا ورأيته جاداً ويروح يقرأ لي آخر ما توصل إليه من سطور حول هذا أو ذاك من المواضيع التي كان يعالجها.

وتحدث الدكتور زياد الزعبي في كتابه يعقوب العودات البدوي الملثم فقال: ظهر للعودات في حياته تسعة عشر كتاباً ، ظهر أولها وهو "إسلام نابليون" عام 1937 (يقع في إطار الكتب التاريخية) وآخرها رسائل إلى ولدي خالد عام م1970 وطبع له بعد رحيله كتابان: "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين" عام م1975 و "رواد من الأدب المعاصر" عام 1995 وترك العودات إضافة إلى هذه الكتب عدداً من المؤلفات المخطوطة وقد أطلعت على مخطوطتين لكتابين غير مكتملين ، أولهما عن "عنترة" والثاني عن "مي زيادة" وذكر الدكتور محمود السمرة في كلمته التي ألقاها في حفل تأبين العودات مخطوطات أخرى منها: عريس الخلود فوزي المعلوف ، وأبو القاسم الشابي: النغم الحزين في شعرنا المعاصر ، والشاعر الثائر: ولي الدين يكن ، وشواعر العروبة ، والناظر في مجمل الكتب التي قدمها العودات للمكتبة العربية يجد أن معظمها يقع في باب أدب السير والتراجم" ولكن ما ينبغي أن يشار إليه هو أن تراجم العودات وسيره لم تكن تراجم أو سير محضة بل مزجت أحياناً بصورْ من البحث والدراسة وأخرى بعناصر من التوثيق والتسجيل ما جعل بعضها مراجع رئيسة في بابها كما هي الحال في كتابه الضخم: الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية الذي يمثل موسوعة مهمة اشتملت على مناحي تاريخية واجتماعية وأدبية وفكرية بحثية إضافة إلى عناصر عديدة تسجيلية توثيقية لحياة العرب في أمريكا الجنوبية وكذلك فإن كتابه "عرار شاعر الأردن ، يمثل مرجعاً مهماً عن حياة هذا الشاعر وأشعاره وآثاره فقد تقصى فيه الأخبار والحكايات والمواقف والنوادر والكتب التي وضعها العودات عن شعراء وأدباء ومفكرين هي أغلب كتبه نذكر بعضها: الغواني في شعر إبراهيم طوقان ، شاعر الطيارة فوزي المعلوف ، البستاني والإلياذه هو ميرس ، شكري شعشاعة الإنسان والأديب ، عبد العزيز الرشيد مؤرخ الكويت الأول ، القافلة المنسية ، من أعلام الفكر والأدب في فلسطين وهناك كتابات مترجمان عن الإنجليزية: الناطقون بالضاد في أمريكا الشمالية ، أصراع أم تعاون في فلسطين.

لقد كان الراحل العودات من أهم أدبائنا الرواد الذين أثروا المكتبة العربية بإنتاجهم الأدبي والفكري ، توفي العودات في منزله في عمان في الثالث والعشرين من شهر أيلول 1971م.