عبد الرؤوف سالم الروابدة ... الحكيم

عبد الرؤوف الروابدة


ان الحديث عن عبد الرؤوف الروابدة هو حديث عن أحد رجالات الرعيل الأول الذين تبوأوا مسؤوليات كبيرة في الدولة الأردنية ، وكرس حياته جندياً مخلصاً شجاعاً مدافعاً عن ثرى الأردن. فهو علم من أعلام الأردن إستطاع نقش أسمه بحروف من نور في تاريخنا المعاصر عبر مسيرته الحافلة بالشجاعة والكرامة والإنتماء والتضحيات. إنه الرجل القائد الذي يصعب أن تؤرخ سيرته ومسيرة حياته ، إنه الرجل الزعيم ببساطة خصاله وسمو أفعاله فالقيادة والزعامة عندما تجتمعان في رجل فإنما تصنعان منه رجلاً كبيراً فيه من شمولية المناقب والصفات ، ما يحتل مساحة أوسع من أن تفيها حقها الأحاديث. فالحديث عن أبي عصام هو السهل الممتنع فمن السهل الحديث عن شخصيته النقية والقوية وعن نظافة مسلكه وخلقة ، وأصبح مشهوداً له بذلك. ولكنه كان الممتنع في الحديث عن نفسه أو الترويح لها أو السماح بالمس بكرامته أو كرامات الناس مهما اختلف معهم ، فهو أحد الرجالات الذين بنوا الأردن وشيدوه وعمروه وحرسوه بدمائهم وترفعهم وسموهم وتساميهم. إنه السياسي البارع الذي أدار ظهره للصيدلة لينخرط في العمل السياسي حاملاً ذاكرة المكان الوطنية بكل جوانبها مجسداً رؤى وتطلعات الهاشميين. تميز بقدرته على القراءة الاستباقية للمواقف والقضايا ووضع الحلول الإبداعية للمواقف وتدارك الأزمات ، أطلق عليه جلالة المغفور له الملك الحسين لقب البلدوزر فكان أغلى الأوسمة التي حصل عليها في حياته إنه عبد الرؤوف سالم الروابدة من مواليد قرية الصريح ـ اربد عام 1939 نشأ في أسرة ريفية بسيطة تعمل في الزراعة غير أن والده كان له بعض الاهتمامات بالتجارة على مستوى القرية. بعد أن أتم السيد عبد الرؤوف الروابدة حفظه لكتاب الله التحق بمدرسة الحصن ليبدأ دراسته الابتدائية عام (1946) وذلك لعدم وجود مدرسة في قرية الصريح آنذاك حيث درس فيها (9) سنوات ليعود عام 1954 ليلتحق مع زملائه في الصف التاسع ثم انتقل إلى ثانوية اربد ليدرس فيها الصفين العاشر والحادي عشر ومن الجدير بالذكر أن الروابدة كان من أوائل المترك الأردني حيث تم إرساله في بعثه دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت ليختص بدراسة علوم الصيدلة على الرغم من أنه كان يطمح بأن يكون استناداً للغة العربية أو القانون ولكن كان قرار وزارة التربية والتعليم حينها بإرسال الأول قي بعثه دراسية حسب ما تراه الوزارة ضرورياً. لذلك درس السيد الروابدة الصيدلة ليتخرج من الجامعة عام 1962 بتقدير ممتاز بعد ذلك تم تعيينه في وزارة الصحة كمفتش للصيدليات. وكان يطلق على هذا المنصب في ذلك الوقت (صيدل الحكومة) فكان من مهامه الإشراف على استيراد الأدوية وتداولها والإشراف على فتح الصيدليات ، ولعدم وجود كيميائيين في الوزارات الأخرى كان يتولى الإشراف على استيراد كل مادة كيماوية فلا يمكن تمريرها عن طريق الجمارك إلا بتوقيع صيدل الحكومة. وبتاريخ 19 ـ 6 ـ 1964 أصبح رئيساً لقسم الصيدلة بوزارة الصحة وقد كان من أصغر الأردنيين في تاريخ الأردن الذين يصبحون رؤساء أقسام ، بعد ذلك بنحو ثلاثة أعوام عمًد الروابدة إلى إنشاء مديرية الصيدلة واللوازم وقد أصبح مديراً لها وبقي فيها تسعة أعوام ليأتي مديراً لدائرة التخطيط والعلاقات الخارجية بوزارة الصحة ، بعد ذلك أنشئت جامعة اليرموك فتم إعارته للعمل فيها بمنصب الأمين العام أي مدير عام الإدارة والخدمات.

وعندما شكل مضر بدران حكومته الأولى جاء عبد الرؤوف الروابده وزيراً للمواصلات وذلك عام 1976 وفي العام الذي يليه وبعد استشهاد الدكتور محمد البشير أحيلت للسيد الروابدة حقيبة وزارة الصحة إلى جانب وزارة المواصلات وبعد إجراء التعديل الوزاري أصبح الروابده وزيراً للصحة إلى أن استقالت الحكومة في 19 ـ 12 ـ ,1979

أصبح عبد الرؤوف الروابده عضواً في المجلس الوطني الاستشاري الأول والثاني والثالث إذ أن احتلال الضفة الغربية حال دون إجراء انتخابات نيابية في الأردن ولكن الأردنيين كانوا بحاجة إلى إحياء الحياة الديمقراطية في ضوء تعذر إجراء الانتخابات النيابية فألف جلالة المغفور له الملك الحسين ما يسمى بالمجلس الوطني الاستشاري الذي استمر ستة سنوات بمعدل ثلاث دورات وكل دورة مدتها سنتان عمل السيد عبد الرؤوف الروابده فيه بمعدل دورتين ونصف ، لأنه وفي نهاية هذه الفترة تم تعيينه أميناً للعاصمة عام 1983 فاضطر حينها لترك المجلس الوطني الاستشاري. وفي أمانة العاصمة قدم الكثير من الانجازات فعمل على إصلاح الشوارع وتطوير المباني وزراعة الأشجار وإنشاء الحدائق العامة وإنشاء المكتبات وصالات الاجتماعات وتطوير البنية التحتية وغيرها الكثير من الإنجازات.

وفي عام 1987 كان الراوبدة أول شخص يتولى منصب أمين عمان الكبرى قبل ذلك أدخلته الحكومة على القطاع الخاص فكان رئيساً لمجس إدارة شركة الفوسفات ولأنها المساهم الرئيسي في شركة الأسمدة أصبح نائب رئيس مجلس إدارة شركة الأسمدة أيضاً.

وقد تحدث الروابده عن شخصية الملك الباني جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه فقال: "لا يستطيع أي إنسان أن يكون مثل الملك الحسين بن طلال فهو شخصية فذَّه وبالرغم من إيماننا بالقضاء والقدر إلا أننا تصورنا أننا سوف نموت قبله نظراً لشخصيته القيادية لذلك كانت فجيعتنا كبيرة بوفاته وفي الوقت نفسه اطمأنَّا عندما تسلم جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية. وقد كان الملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراه داعماً لجهودنا في أمانة عمان وأنا أذكر أن أفضل وسام حصلت عليه في حياتي عندما قال لي جلالة الملك في أحد الاجتماعات العامة "أنت بنيت لي عاصمة افتخر بها أمام رؤساء الدول الذين يزورون الأردن" فهو القائد الذي يقدر عمل مرؤوسيه وعندما استقلت كان من كرمه أن جاء جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه إلى مكتب أمين العاصمة ، أمين عمان الكبرى ليقول لي جلالة المغفور له الملك الحسين لمن تركت الأمانة؟ فكان جوابي أني أعطيت قمة ما عندي للأمانة ، والديمقراطية عادت فأتًح لي المجال أن أترشح للانتخابات النيابية ، هذه العلاقة المميزة بين القائد وجنوده ولذلك فلم أسمع من الملك الحسين طيب الله ثراه نقداً واحداً فشخصيته شمولية فإن تكلمت عن الإبداع ستجده عنده وإن تكلمت عن المستقبلية فهي موجودة عنده. وفي عهد جلالة الملك عبد الله الثاني أكرمني جلالته بأن أكون أول رئيس وزراء في عهده".

وخلال مسيرة حياة دولة السيد عبد الرؤوف الروابده نلاحظ قدرته على فتح قنوات الاتصال الشعبي وجهده المتواصل نحو تحسين مستوى الرعاية الصحية والعمل على توسيع مظلة التأمين الصحي وتحسين الطرق الزراعية وبناء شبكة طرق رئيسية في المملكة.

وفي 8 ـ 6 ـ م1994 استلم الروابده حقيبة وزارة التربية والتعليم فعمل على تحسين رواتب العاملين وتعديل النظام المالي للمعلمين بالإضافة إلى منصب وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء ، وفي العام الذي يليه أصبح نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للتربية والتعليم.

دافع الروابده عن حقوق المواطنين وكان مصراً على إعادة الحقوق لأصحابها ورأى أنه لابد من إيصال صوت المواطن للمسؤول فشارك في عضوية مجلس النواب منذ عام 1989 إلى الآن بالإضافة إلى عضوية مجلس الأعيان الأردني التاسع عشر.

للروابده العديد من المؤلفات منها الوجيز في علم الدواء وعلم الصيدلة لمساعدي الصيادلة ، علم الجراثيم لمساعدي الصيادلة ، علم الفيزيولوجي لمساعدي الصيادلة ، الانتخابات النيابية بين النظرية والتطبيق والتربية والمستقبل. وقد حصل دولة السيد عبد الرؤوف الروابده على العديد من الأوسمة خلال مسيرة عمله الحافلة بالنجاح والتقدم ومن هذه الأوسمة وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى ، ووسام الشرف بمرتبة ضابط أكبر من الجمهورية الإيطالية عام 1983 ، ووسام الاستحقاق من جمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1984 ، ووسام الشرف الفضي الأكبر من جمهورية النمسا عام م1987 ، ووسام التربية الممتاز عام 1997 ، ووسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى 1999 ، ووسام إيزابيلا كوتوليكا بدرجة الصليب العظيم من المملكة الأسبانية عام 1999 ، ووسام التفوق الملكي النرويجي من الدرجة الأولى عام م2000 ، ووسام الاستحقاق الوطني الفرنسي من الدرجة الأولى عام 2000م.

ويُسجل الروابده بأنه رجل الدولة المخلص في ولائه للقيادة الهاشمية من خلال تكريس جهده وولائه وانتمائه وأدائه المتواصل لخدمة الوطن وتحقيق التقدم والنهضة فالحديث عن شخصية عبد الرؤوف الروابده تعتبر حديث عن شخصية وطنية فذة تركت بصمات واضحة في الذاكرة الوطنية الأردنية حيث حقق نجاحات كبيرة في مراكز قيادية تولاها في مجالات السلطة الثقافية والسياسية والاجتماعية والتربوية والصحية والخدمية فهو يشكل مفصلاً مهماً في تاريخ الدولة الأردنية. تعمد إلى ترك أعلى المناصب الرسمية ليعود إلى قبة البرلمان فمن هناك يستطيع خدمة الوطن والناس ممارساً دوره الرقابي والتشريعي.

وتحدث عبد الرؤوف الروابده واصفاً جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني بن الحسين بعد مرور عشر سنوات على توليه سلطاته الدستورية قائلاً: يُعدّ جلالة الملك عبد الله الثاني قائداً جديد يَخْلًف رمزاً عربياً وعالمياً تعلقت به القلوب وهو يبني الأردن واحة أمن واستقرار ، صارع أمواج الخطوب المدلهمة فصرعها وخرج الأردن منها جميعاً أقوى من حين أحاطت به وتسلم الراية خليفة شاب أحاطته القلوب بالحب متوسمة فيه الخير متوقعة منه قيادة السفينة بنجاح في بحار متلاطمة. استقر الحكم الدستوري في لحظات ، ونهد أبو الحسين للمهمة العسيرة فالتوقعات كثيرة والآمال كبيرة والأعباء عديدة فأعلن أنه على الثوابت الوطنية أمين ، يحمل الرسالة كابرا عن كابر لا تلين له قناة مهما أدلهمت الخطوب.

فاخترق المحافل الدولية تسبقه جهود أبي عبد الله فعززها واثبت أن القيادة على العهد باقية ، وأضاف إليها قدرة فائقة متميزة على مخاطبة الآخرين بلغة يفهمونها واهتمامات يرعونها ، وكان ديدنه الحديث الواثق الواعي عن فلسطين وقضيتها ، قضيتنا ، والأخطار التي تهدد المنطقة والعالم بسبب الظلم الذي وقع ويقع كل يوم على أهلها ، يهدر حقوقهم الإنسانية ويعزز فكر التطرف في كل مكان ، واستطاع بجهد جهيد ، عززه تفويض العرب له النطق باسمهم وفق مبادرتهم ، فاقتنع العالم أن لا حل للقضية إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة تتمتع بسيادتها العامة على شعبها وأرضها في فلسطين وعاصمتها القدس ، وإعطاء الفلسطينيين حقهم في العودة وفق قرارات الأمم المتحدة.

وتساوق مع هذا الجهد العربي والدولي ، جهد داخلي امتد لجميع المجالات وكل المواقع ، وفق رؤية مستقبلية شمولية ، غايتها الإنسان الأردني ، ثروتنا الطبيعية التي لا تعدلها ثروة ، والاستثمار في خدمة الإنسان الأردني واستشراف حاجاته وتطلعاته ، لقد تم التوسع في الخدمات أفقيا وعموديا بتسارع فاق التوقعات ، وكان للتوجيه في هذا الاتجاه يسبق الحكومات ويسابق الزمن للوصول إلى الخدمة المثلى بأيسر الطرق وأسهلها ، حتى ظن الناس أن الأردن دولة رفاه فازداد الطلب وتنامي التوقع وتزايد الإنجاز وتسارع.

وكان الاهتمام في أقصى مجالات ببناء ثقافة وطنية تعزز الانتماء للوطن والإخلاص للعمل والتقييم بالإنجازات والإبداع فيه. فالوطن لا يبنى إلا بجهد أبنائه ولا يتم البناء إلا بالاجتهاد لحصد نتيجة العزم"فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم" فمن زرع حصد ومن سار على الطريق وصل ، والانتماء الوطني حالة ضميرية يصدقها العمل الجاد لخير الوطن الذي يجب أن يبقى الاهتمام بشؤونه وقضاياه في مقدمة الاهتمامات عند الجميع "فالوطن أولاً" وفي كل المجالات ، وأهله كل واحد لجميع أبنائه مهما اختلفوا في العرق أو الدين أو الجنس أو الثقافة أو الأصل ، وهم جميعاً لسانهم واحد"كلنا الأردن" هويتنا فيه واحدة جامعة لا تقبل الإقصاء ، ووحدتنا الوطنية عزيزة على الاختراق من كل الطامعين أو المزاودين. هذا الوطن واحد مملوك على الشيوع غير قابل للقسمة ، الكل فيه شريك وله دور ، نساؤه كما رجاله عناصر البناء الواحد الذي لا يطغى فيه دور على دور وتمكين المرأة حق للوصول إلى المجتمع المتكامل ، والشباب عدة المستقبل عناصر التغيير ، لهم دورهم وحقهم في التعبير عن تطلعاتهم وطموحاتهم وتحمل المسؤولية بالتدريب عليها وممارستها.

عشر من السنين غيرت المعالم إلى الأفضل عززت البناء وأضافت له مداميك عديدة ، والورشة مستمرة لا تقبل البطء أو التوكل ، وعناية القائد لا تقبل التواني أو التأجيل ، شعارنا كان يجب أن ينجز بالأمس وليس في الغد ، وهو يطلب منا جميعاً أن نغذ الخطى نحو المستقبل ولا ننتظره ، وأن نفتح آفاق الرؤية على القادم وهو كثير متسارع ، نستقبله ونطوره وفق رؤانا وحاجاتنا دون انغلاق يفقدنا المشاركة في عناصر التقدم والنماء ودون إغراق يخرجنا عن قيمنا الثابتة وموروثنا الحضاري.

عشر سنوات شهدنا فيها الكثير ، ودعاؤنا للمولى أن يحفظ القائد بعين رعايته التي لا تنام حتى يقود المسيرة من نجاح إلى نجاح ، وأن يمد في عمره ويمتعه بوافر الصحة واطراد النجاح وأن يقر عينه بعضده الحسين والهاشميين والشرفاء أنه سميع مجيب".

أما عن أمنية أبي عصام في حياته فتحدث قائلاً: أنا أتمنى لعصام أن يعيش عمره وحياته وأن يستفيد من تجاربي لأنهم خلقوا لزمان غير زماننا لذلك أنا أتمنى عليه أن يحذو حذوي ويستمر باتصاله بالناس ويعتمد على الإنجاز والخبرة العامة وأن يتجاوز إساءة من يسيء له وأتمنى لوطني الأردن أن يبقى كما هو وأن يفتخر كل مواطن بانتمائه لوطنه وأملي أن يبقى جلاله الملك عبد الله الثاني على عهده القائد والرمز الذي يزود الأردنيين وأمته العربية بمعاني العز والمجد.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).