خير الدين المعاني ... رجل الاقتصاد والبناء


يعد الحديث عن المرحوم خير الدين المعاني حديثاُ عن شخصية وطنية مرموقة من الرعيل الأول ، لها انجازات عظيمة في عالم الإدارة الحديثة والتنمية في المجال الاقتصادي على الصعيدين الوطني والعربي ، فقد كان الأستاذ خير الدين المعاني رجلاً عالي الهمة متوقد العزيمة لا يعرف المستحيل مشغولاً دائماً برفع قدرة القطاع الخاص وتوجيهه نحو التميز والتفوق ومواكبة آخر ما توصلت له تقنيات العمل في المؤسسات المختلفة مساهماً في تأسيس وبناء اقتصاد الدولة الأردنية مقدماً الكثير من العطاء والانجاز في العديد من المؤسسات الاقتصادية ، فقد عاش السيد خير الدين المعاني في قلوب وأسماع أبناء هذه الأمة ، مسطراً لنفسه تاريخاً زاخراً بقي محط اهتمام عدد كبير من الأشخاص المهتمين برجالات الرعيل الأول وسيرهم. فقد برز المرحوم خير الدين المعاني في تاريخ الأردن كأحد الرجالات الذين سجل الشعب الأردني أعمق معاني الاحترام والتقدير ، مع أن تفاصيل حياتهم لا نجدها إلا بعد رحيلهم عنا ، إما في مذكراتهم ، حيث تنشر بعد قضاء الله بهم ، وإما في كتب أو في مقالات ودراسات صحفية يقوم بمهمة كتابتها وطنيون مهتمون بتدوين سير حياة رجالات الأردن المخلصين ليبقى ذكرهم محفوظاً في ذاكرة الوطن.

وفي مدينة معان التي تقع على حافة البادية إلى الجنوب من عمان عاصمة الأردن ، ولد المرحوم خير الدين المعاني وعلى مقربة من معان تقع أذرح التي جرى فيها التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، أما الحميمة التي جرى فيها التخطيط للثورة التي أدت إلى انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية فتقع بين معان والعقبة وقد كانت معان مركزاً سياسياً وتجارياً لسلطة المعينيين لوقوعها على الطريق الرئيس بين الجزيرة العربية وبلاد الشام ونزلت بها جيوش المسلمين في القرن السابع الميلادي وهي في طريقها لمعركة (مؤتة) ووصفها الجغرافيون العرب بأنها مدينة صغيرة سكنها بنو أمية وعشائرها من سبعة بطون وكان موسم الحج يقسمها إلى قسمين.

ولمدينة معان صلة وثيقة بتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية حيث كان منطلقاً لأحداث تاريخية كبيرة فقد وصل المغفور له الأمير عبد الله بن الحسين ثائراً على ما حل بالشام من ظلم الفرنسيين في محاولة لجلالة الملك المؤسس رحمه الله استرداد ذلك الحكم الاستقلالي وذلك عام 1920 وإلى مدينة معان وصل أحرار العرب من سوريا ولبنان وفلسطين من أجل التواصل مع الملك المؤسس لتحرير البلاد. وعند الحديث عن مدينة معان حاضرة التاريخ لا يفوتنا أن نذكر المرحوم خير الدين المعاني فجده كان أحد الولاة الذين تم تعيينهم في الأردن من قًبَل الدولة العثمانية ووالده كان محامياً ناجحاً ومن أقدم المحامين في الأردن وعمل حاكماً إدارياً في الطفيلة في عهد الملك المؤسس جلاله المغفور له الملك عبد الله بن الحسين. وسيراً على نهج والده فقد تم تعيين الأستاذ خير الدين المعاني كحاكم إداري في عهد جلالة الملك الحسين رحمه الله. وقد انتقل السيد خير الدين المعاني للعمل في دولة قطر وعُرًف عن أبي عمر بأنه رجل عصامي وعملي قدم الكثير من الجهد وعاش حياة مشرفة مليئة بالصناعات والاقتصاد الوطني ، دل ذلك على حجم الاستثمارات التي أنشأها داخل وطنه حيث كان ذلك هدفاً سامياً بالنسبة له ويذكر أن السيد المعاني ساهم بإنشاء ستة شركات كبرى في مجال المقاولات والأبنية الجاهزة والألمنيوم والمستحضرات الطبية والتجارة العامة.

عُرف عن المرحوم خير الدين المعاني المثابرة حيث كان لا يكل ولا يمل. ومن أبرز صفاته إدارته للوقت وإدراكه لأهمية الوقت ، وبالتالي يمكن ترجمته إلى مال ، إلى عمل وبالتالي إلى اقتصاد ، فالوقت محدود ولكن المال غير محدود وبالتالي الحرص على الوقت ربما كان أهم من الحرص على المال ، التزامه المهني كان واضحاً ومحدداً وقد تميز بالهدوء والسكينة والتأني وهذه أيضاً سمات تبعد الإنسان عن الزلل أو عن الشطط أو القول الذي لا لزوم له ، ومع ذلك كان حازماً في اتخاذ القرار ، كوَّن صلات وصداقات إيجابية مميزة مع الجميع داخل وخارج الأردن. تواضعه كان مرموقاً وعفة لسانه كانت معروفة لدى الجميع.

عُرف عن المرحوم خير الدين المعاني بأنه رجل نظيف رجل يعلم ما يريد ، رجل أمين حريص على أموال الناس وحريص على بلده وعلى توجهه القومي والعربي.

وقد اقترن المحامي خير الدين المعاني بالسيدة صبحية خرينو التي تحول اسمها إلى صبحية المعاني عام 1955 هذه الإنسانة الفاضلة الكاملة الوفية ، زميلة عمره في الدراسة رفيقة دربه وشبابه وشريكة حياته في فكره وعمله الاقتصادي والإداري. للسيدة الإنسانة كان لها الأثر الكبير في تمييز شخصيته في كل مجال أعطاه أو خدم فيه ، فالمرأة الحكيمة العالمة هي نموذج يحتذى بها ، فالزوجة المخلصة هي صبحية المعاني رفيقة دربه وحاملة مشعل فكره ، وما زالت. و كان لها دور كبير أيضاً في هذا الفكر ، وفي خلق هذه الشخصية الرائدة ، فوراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة. وقد تعرفت عليه في المجلس الثقافي البريطاني في عمان حيث كانوا يتعلمون فيه اللغة الانجليزية. ومما يجدر ذكره أن السيدة صبحية المعاني قد ولدت في حيفا وذلك عام 1931 وقد أكملت دراستها في دار المعلمات في القدس حاصلة على شهادة الدبلوم في التربية لتعمل بعد ذلك في حقل التدريس في مدارس البنات منذ 1951 إلى عام 1955 أي العام الذي تزوجت فيه.

بعد نكبة فلسطين عام 1948 انتقلت عائلة السيدة صبحية إلى لبنان وبدعوة من جلالة الملك المؤسس عبد الله الأول حضر والدها إلى الأردن ليعمل في خط سكة الحديد الحجازي وفي عام 1976 شغلت السيدة صبحية منصب مدير عام للشركة العربية للمستحضرات الطبية والزراعية وفي عام 1997 شغلت السيدة صبحية مقعدها في مجلس الأعيان حتى عام 2005م. بالإضافة إلى شغلها عضوية العديد من اللجان المالية والاقتصادية والبيئية والصحية.

وللمرحوم خير الدين المعاني ابنه ونجلان عمر وعلي وهما مهندسان وهما الآن يديران مشاريعهم المتعددة على الرغم من تفرغ الابن الأكبر عمر لوظيفته العليا كأمين لعمان الكبرى. لا يمكن اعتبار رحيل خير الدين المعاني رحيلاً لأحد رجالات الاقتصاد الأردني والعربي فقط وإنما رحيل يعكس حجم الخسارة التي سيعيشها الاقتصاد العربي وهو يفتقد واحداً من أعلامه المشهورين بنمائه وتطوره ، فالراحل لم يساعد في وضع الاقتصاد الأردني على خريطة العالم فحسب بل أسس حالة فريدة من المثابرة والعمل المميز متمسكاً بمبادئه وإنسانيته ووطنه ومستغلاً كل ما يمكن استغلاله لإنهاض الاقتصاد الأردني. توفي المرحوم خير الدين المعاني في حزيران لعام 1981 في حادث سيارة أثناء إشرافه على أحد مشاريعه في مدينة الموصل شمال العراق.تغمد الله رجل الاقتصاد والبناء المرحوم خير الدين المعاني بواسع رحمته ورضوانه.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).