‏إظهار الرسائل ذات التسميات خ. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خ. إظهار كافة الرسائل

خالد الساكت .. ناسك الحياة وضمير الأدباء

|0 التعليقات
خالد الساكت

أطل الشاعر والسياسي خالد الساكت، على الدنيا من رابية عالية من روابي مدينة السلط العريقة، وكأنه جاء محملاً برؤاه الخاصة للإبداع والحياة، فكان من خلال مسيرته الحياتية والأدبية والسياسية، قد ثبت اختلافه مع السائد، وثورته الداخلية الرافضة للواقع الماثل الذي آل إليه العرب، منذ انقضاء الربع الأول من القرن الماضي، وهو العروبي الذي تجذرت فيه القومية العربية منذ نعومة أظفاره.

صاحب مبدأ لا يحيد عنه،   عرف بمواقفه الواضحة، والمعاكسة للتيار في كثير من الأحيان،  تميز بالجرأة والمصداقية، والمقدرة على تحمل نتائج هذه المواقف الثابتة.

وقد عبر عن أفكاره، من خلال توجهاته السياسية والفكرية، التي برزت في شعره وكتاباته الصحفية والنثرية، وعن طريق المواجهة المباشرة مع عدد من المسؤولين، الذي عمل معهم أو اصطدم به خلال حياته العملية.

ولد  الساكت عام 1927، في مدينة السلط التي كانت بؤرة النشاط التجاري، ومركزاً علمياً رائداً، توج بتأسيس مدرسة السلط الثانوية، الأولى في الإمارة، وقد واكب الساكت منذ ولادته، مرحلة تأسيس الإمارة، فنشأ وسط عائلة معروفة في السلط، متوسطة الأحوال المعيشية، فوالده كان تاجراً بسيطاً، وقد كان صاحب دكان صغيرة في المدينة.

أتاحت  الظروف، أن يتمتع بطفولته كسائر أبناء السلط ..يلهو في حاراتها ويلعب في أزقتها، ويرافق والده خلال عمله في الدكان، وقد أرسله والده إلى الكتّاب، ليتعلم القراءة والكتابة والحساب، وقد عوضت الكتاتيب في تلك المرحلة قلة المدارس، وندرة المدرسين، وتميز بالذكاء وسرعة البديهة منذ سنواته الأولى،   تمكن من حفظ القرآن الكريم، وهو في سن الخامسة، وقد كان هذا دليل على قدراته المتميزة.

التحق خالد الساكت بالمدرسة الابتدائية في السلط، وكان من الطلبة اللافتين، الذين حظوا بإعجاب وتقدير المعلمين، وقد أظهر حباً كبيراً للقراءة بعمر مبكرة، حتى أن والده كان يرقب برضا، حصول خالد على النقود من الدكان، خلال مساعدته له، ليشتري بها كتبا يقرأها، وقد شجعه والده على القراءة، ودعمه لمواصلة دراسته، فبعد أن أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية، انتقل إلى مدرسة السلط الثانوية، من أجل إكمال دراسته، وقد تتلمذ في هذه المدرسة على يد خيرة من التربويين، الذين كان لهم دور كبير، في بناء الأردن الحديث في مختلف الميادين منهم: محمد أديب العامري، وصفي التل، حسني فريز، حمد الفرحان وخليل السالم، وكان لهذه النخبة أثرها العميق في بناء وجدانه، وتوجهاته القومية وإيمانه بالوحدة العربية، وقد شارك بالمظاهرات والمسيرات، التي كان يقوم بها طلبة المدرسة، المناهضة للاستعمار الغربي، والمحذرة من تدهور الأوضاع في فلسطين.

حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1944، حيث مكنته هذه الشهادة، من الدخول إلى الحياة العملية بثقة كبيرة، وهو الذي آمن على الدوام، أن حفظ الوطن وخدمته، يصب في الحلم الكبير، وهو الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، فتم تعيينه في وزارة الصحة، وقد عمل موظفاً في هذه الوزارة حتى عام 1948، حيث غادرها منتقلاً إلى وزارة الخارجية خلال الفترة من عام 1948 إلى عام 1952، وكان الساكت جريئاً لا تأخذه في الحق لومة لائم، ويجاهر بآرائه بوضوح، وبروح ساخرة أحياناً، لذا لم يكن من أصحاب الحظوة لدى المدراء والمسؤولين، وقد دفعه فكره القومي، للانتساب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وقد كان لأفكار ونشاطه السياسي، أن أدخلته السجن غير مرة، وتم الاستغناء عن خدماته أكثر من مره، غير أن هذه الأحداث لم تغير من مواقفه، ولم تخفف من جرأته.

أكمل خالد الساكت دراسته الجامعية، في جامعة الأزهر بالقاهرة، وقد تمكن خلال وجوده في مصر، من التواصل مع عدد كبير من الأدباء المصريين والعرب، وبالأخص الشعراء، الذين ارتبط معهم بصداقات متينة استمرت سنوات طويلة، من أمثال فاروق شوشه، رجاء النقاش، أبو المعاطي أبو النجا، أحمد عبد المعطي حجازي، وصلاح عبد الصبور، وفي المقابل كانت له صداقات خاصة ومتميزة في لبنان، منهم الشاعر الكبير ادونيس، خليل الحاوي، عصام العبد الله، وعدد من رموز الثقافة العربي من أمثال محمد الفيتوري، مما يدلل على المكانة الكبيرة التي تمتع بها خالد الساكت محلياً وعربياً، فهو شاعر رصين، عبر عن هموم المواطن العادي، وكان لسان حال النخب المثقفة، واتسم شعره بالرؤية الثاقبة، والهواجس الوطنية والقومية، فهو لم يغادر هذه المنطقة طيلة حياته.

وقد ترك خالد الساكت حزب البعث، عندما اكتشف تحول الفكرة القومية، إلى فكرة مصلحية ضيقة عند عدد من قيادات الحزب، فاستقال منه، لكنه لم يتخل عن فكره القومي. وقد تمكن من دراسة الماجستير، تخصص علم النفس التربوي، في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نال درجة الماجستير هذه عام 1963، وكان قبل ذلك قد بدأ العمل في وزارة التربية والتعليم، حيث قضى فيها أطول فترة، حيث عمل مدرساً في مدرسة السلط الثانوية، فقد عشق التعليم وكان العمل الأقرب إلى نفسه، فكان له تأثير في جيل وأكثر من طلبة مدرسة السلط، وكذلك مدرسة كلية الحسين في عمان، وقد تدرج في وزارة التربية والتعليم من مدرس إلى أن أصبح مستشاراً للوزير، وكان يعبر عن هذا المنصب بروحه الساخرة: ( أنا المستشار الذي لا يستشار ).

تم تعيينه مستشاراً ثقافياً في السفارات الأردنية في كل من دمشق وبيروت والجزائر وليبيا، فكان بمثابة وزارة ثقافة متنقلة، حيث تمكن من استقطاب رموز الأوساط الثقافية والعلمية في هذه البلدان، وتواصل مع المثقفين العرب، وكان حاضراً ومشاركاً في الندوات والمؤتمرات الثقافية التي أقيمت في تلك الدول. وعُرف الساكت بعنده وصلابة موقفه وزهده بالحياة، فقد كان على علاقة وثيقة بدولة المرحوم وصفي التل، حيث عرض عليه منصباً وزارياً، فاعتذر الساكت كونه لا يتقن المجاملات على حد قوله. وقد شكلت فلسطين محور اهتمامه، فقد حمل قضيتها في مواقفه المختلفة، في حين أثرت فيه حرب الخليج الثانية تأثيراً كبيراً، وأصابت حلمه بالوحدة العربية في العمق، وقد ظهر ذلك جلياً في شعره الذي واكب هذه المرحلة.

ورغم دخوله السجن مرتين، وتم فرض الإقامة الجبرية عليه ثلاث مرات، لأفكاره ومواقفه، فقد عرف بإخلاصه للوطن، وتفانيه في العمل، وهو الذي عمل في أكثر من موقع، فبالإضافة وزارت الصحة والخارجية والتربية والتعليم، عمل في وزارة العدل، والإذاعة والتلفزيون في فترة إدارة وصفي التل، مشرفاً على برنامج ( مع أدبنا الجديد ) مع زميله المرحوم الشاعر عبد الرحيم عمر، وكان الساكت له دور كبير في تأسيس مكتبة أمانة عمان، من خلال تمكنه من تحصيل منحه ألمانية لتأسيس هذه المكتبة، التي تعد الآن درة قلب العاصمة عمان. وخلال حياته الأدبية والصحفية، نشر عدداً كبيراً من الدواوين الشعرية، والمقالات والكتابات النثرية، بالإضافة لسيرته الذاتية، التي نشر أجزاءً منها في جريدة الرأي الأردنية، ومن دواوينه الشعرية: لماذا الحزن 1975، لماذا الخوف 1983، المخاض 1987، الذي يأتي العراق 1992، الأنهار والشمس 1992، عبوس وشموس 1993، الزلزال قادماً 1993، تستيقظ القبور 1994، والمسيرة 1996، وفي النثر أصدر ( مرايا صغيرة في جزأين، وكتاب ( لكي لا تتذكر )، و( المساعد في الإعراب ) بالاشتراك مع روكس بن زائد العزيزي، وله مخطوطات تنتظر التحقيق والطبع. وبعد حياة حافلة بالعطاء والمواقف الصادقة، توفي الشاعر والأديب الكبير خالد الساكت، في 14 حزيران عام 2006، وترك برحيله فراغاً كبيراً، ويتعاظم فقده مع مرور الأيام، لكنه ترك لنا إرثاً إبداعياً وفكرياً لا يفنى، فقد سطر اسمه مع كبار الأدباء العرب، وسيبقى أحد رموز الحركة الثقافية الأردنية، التي تنظر لحياته ومنجزه بعين التقدير والإجلال.

خير الدين المعاني ... رجل الاقتصاد والبناء

|0 التعليقات

يعد الحديث عن المرحوم خير الدين المعاني حديثاُ عن شخصية وطنية مرموقة من الرعيل الأول ، لها انجازات عظيمة في عالم الإدارة الحديثة والتنمية في المجال الاقتصادي على الصعيدين الوطني والعربي ، فقد كان الأستاذ خير الدين المعاني رجلاً عالي الهمة متوقد العزيمة لا يعرف المستحيل مشغولاً دائماً برفع قدرة القطاع الخاص وتوجيهه نحو التميز والتفوق ومواكبة آخر ما توصلت له تقنيات العمل في المؤسسات المختلفة مساهماً في تأسيس وبناء اقتصاد الدولة الأردنية مقدماً الكثير من العطاء والانجاز في العديد من المؤسسات الاقتصادية ، فقد عاش السيد خير الدين المعاني في قلوب وأسماع أبناء هذه الأمة ، مسطراً لنفسه تاريخاً زاخراً بقي محط اهتمام عدد كبير من الأشخاص المهتمين برجالات الرعيل الأول وسيرهم. فقد برز المرحوم خير الدين المعاني في تاريخ الأردن كأحد الرجالات الذين سجل الشعب الأردني أعمق معاني الاحترام والتقدير ، مع أن تفاصيل حياتهم لا نجدها إلا بعد رحيلهم عنا ، إما في مذكراتهم ، حيث تنشر بعد قضاء الله بهم ، وإما في كتب أو في مقالات ودراسات صحفية يقوم بمهمة كتابتها وطنيون مهتمون بتدوين سير حياة رجالات الأردن المخلصين ليبقى ذكرهم محفوظاً في ذاكرة الوطن.

وفي مدينة معان التي تقع على حافة البادية إلى الجنوب من عمان عاصمة الأردن ، ولد المرحوم خير الدين المعاني وعلى مقربة من معان تقع أذرح التي جرى فيها التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، أما الحميمة التي جرى فيها التخطيط للثورة التي أدت إلى انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية فتقع بين معان والعقبة وقد كانت معان مركزاً سياسياً وتجارياً لسلطة المعينيين لوقوعها على الطريق الرئيس بين الجزيرة العربية وبلاد الشام ونزلت بها جيوش المسلمين في القرن السابع الميلادي وهي في طريقها لمعركة (مؤتة) ووصفها الجغرافيون العرب بأنها مدينة صغيرة سكنها بنو أمية وعشائرها من سبعة بطون وكان موسم الحج يقسمها إلى قسمين.

ولمدينة معان صلة وثيقة بتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية حيث كان منطلقاً لأحداث تاريخية كبيرة فقد وصل المغفور له الأمير عبد الله بن الحسين ثائراً على ما حل بالشام من ظلم الفرنسيين في محاولة لجلالة الملك المؤسس رحمه الله استرداد ذلك الحكم الاستقلالي وذلك عام 1920 وإلى مدينة معان وصل أحرار العرب من سوريا ولبنان وفلسطين من أجل التواصل مع الملك المؤسس لتحرير البلاد. وعند الحديث عن مدينة معان حاضرة التاريخ لا يفوتنا أن نذكر المرحوم خير الدين المعاني فجده كان أحد الولاة الذين تم تعيينهم في الأردن من قًبَل الدولة العثمانية ووالده كان محامياً ناجحاً ومن أقدم المحامين في الأردن وعمل حاكماً إدارياً في الطفيلة في عهد الملك المؤسس جلاله المغفور له الملك عبد الله بن الحسين. وسيراً على نهج والده فقد تم تعيين الأستاذ خير الدين المعاني كحاكم إداري في عهد جلالة الملك الحسين رحمه الله. وقد انتقل السيد خير الدين المعاني للعمل في دولة قطر وعُرًف عن أبي عمر بأنه رجل عصامي وعملي قدم الكثير من الجهد وعاش حياة مشرفة مليئة بالصناعات والاقتصاد الوطني ، دل ذلك على حجم الاستثمارات التي أنشأها داخل وطنه حيث كان ذلك هدفاً سامياً بالنسبة له ويذكر أن السيد المعاني ساهم بإنشاء ستة شركات كبرى في مجال المقاولات والأبنية الجاهزة والألمنيوم والمستحضرات الطبية والتجارة العامة.

عُرف عن المرحوم خير الدين المعاني المثابرة حيث كان لا يكل ولا يمل. ومن أبرز صفاته إدارته للوقت وإدراكه لأهمية الوقت ، وبالتالي يمكن ترجمته إلى مال ، إلى عمل وبالتالي إلى اقتصاد ، فالوقت محدود ولكن المال غير محدود وبالتالي الحرص على الوقت ربما كان أهم من الحرص على المال ، التزامه المهني كان واضحاً ومحدداً وقد تميز بالهدوء والسكينة والتأني وهذه أيضاً سمات تبعد الإنسان عن الزلل أو عن الشطط أو القول الذي لا لزوم له ، ومع ذلك كان حازماً في اتخاذ القرار ، كوَّن صلات وصداقات إيجابية مميزة مع الجميع داخل وخارج الأردن. تواضعه كان مرموقاً وعفة لسانه كانت معروفة لدى الجميع.

عُرف عن المرحوم خير الدين المعاني بأنه رجل نظيف رجل يعلم ما يريد ، رجل أمين حريص على أموال الناس وحريص على بلده وعلى توجهه القومي والعربي.

وقد اقترن المحامي خير الدين المعاني بالسيدة صبحية خرينو التي تحول اسمها إلى صبحية المعاني عام 1955 هذه الإنسانة الفاضلة الكاملة الوفية ، زميلة عمره في الدراسة رفيقة دربه وشبابه وشريكة حياته في فكره وعمله الاقتصادي والإداري. للسيدة الإنسانة كان لها الأثر الكبير في تمييز شخصيته في كل مجال أعطاه أو خدم فيه ، فالمرأة الحكيمة العالمة هي نموذج يحتذى بها ، فالزوجة المخلصة هي صبحية المعاني رفيقة دربه وحاملة مشعل فكره ، وما زالت. و كان لها دور كبير أيضاً في هذا الفكر ، وفي خلق هذه الشخصية الرائدة ، فوراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة. وقد تعرفت عليه في المجلس الثقافي البريطاني في عمان حيث كانوا يتعلمون فيه اللغة الانجليزية. ومما يجدر ذكره أن السيدة صبحية المعاني قد ولدت في حيفا وذلك عام 1931 وقد أكملت دراستها في دار المعلمات في القدس حاصلة على شهادة الدبلوم في التربية لتعمل بعد ذلك في حقل التدريس في مدارس البنات منذ 1951 إلى عام 1955 أي العام الذي تزوجت فيه.

بعد نكبة فلسطين عام 1948 انتقلت عائلة السيدة صبحية إلى لبنان وبدعوة من جلالة الملك المؤسس عبد الله الأول حضر والدها إلى الأردن ليعمل في خط سكة الحديد الحجازي وفي عام 1976 شغلت السيدة صبحية منصب مدير عام للشركة العربية للمستحضرات الطبية والزراعية وفي عام 1997 شغلت السيدة صبحية مقعدها في مجلس الأعيان حتى عام 2005م. بالإضافة إلى شغلها عضوية العديد من اللجان المالية والاقتصادية والبيئية والصحية.

وللمرحوم خير الدين المعاني ابنه ونجلان عمر وعلي وهما مهندسان وهما الآن يديران مشاريعهم المتعددة على الرغم من تفرغ الابن الأكبر عمر لوظيفته العليا كأمين لعمان الكبرى. لا يمكن اعتبار رحيل خير الدين المعاني رحيلاً لأحد رجالات الاقتصاد الأردني والعربي فقط وإنما رحيل يعكس حجم الخسارة التي سيعيشها الاقتصاد العربي وهو يفتقد واحداً من أعلامه المشهورين بنمائه وتطوره ، فالراحل لم يساعد في وضع الاقتصاد الأردني على خريطة العالم فحسب بل أسس حالة فريدة من المثابرة والعمل المميز متمسكاً بمبادئه وإنسانيته ووطنه ومستغلاً كل ما يمكن استغلاله لإنهاض الاقتصاد الأردني. توفي المرحوم خير الدين المعاني في حزيران لعام 1981 في حادث سيارة أثناء إشرافه على أحد مشاريعه في مدينة الموصل شمال العراق.تغمد الله رجل الاقتصاد والبناء المرحوم خير الدين المعاني بواسع رحمته ورضوانه.