‏إظهار الرسائل ذات التسميات العبادي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العبادي. إظهار كافة الرسائل

سليمان ارتيمة العبادي ... من فرسان الوطن الشجعان

|0 التعليقات
معالي السيد سليمان ارتيمة

عام 1971 صدرت الإرادة الملكية بتعيين سليمان ارتيمة عضواً في مجلس الأعيان الأردني، وقد انتخب من قبل أعضاء المجلس ليكون مساعداً لرئيس مجلس الأعيان، وعندما تم تشكيل مجلس الاتحاد الوطني عام 1972 أختير ليكون عضواً فيه، وبسبب صعوبة إجراء الانتخابات النيابية في الضفة الغربية، بعد الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967.

من أجل عدم تعطيل الحياة البرلمانية، تم تشكيل المجلس الوطني الاستشاري عام 1978، ومن جديد تم اختيار عضواً في المجلس الاستشاري، وتمكن من الاحتفاظ بمقعده في هذا المجلس لثلاث دورات متتالية، لما تمتع به من مكانة مرموقة رسمياً وشعبياً، بعد ذلك خاض الانتخابات البرلمانية التكميلية عام 1984 في عمان

يعد الجيش العربي الأردني ؛ المصنع الحقيقي للرجال الشجعان، فقد كان له بصمته الواضحة على رجالات الوطن في مختلف الميادين، الذين سنحت لهم الظروف أن ينهلوا من نبعه في البطولة والإقدام والإيثار، لينطلقوا بعد أن أنجزوا مهمتهم على خير وجه، إلى الحياة المدنية مكملين المسيرة، ومواصلين العمل من أجل الوطن، مهما كان نوع العمل ومستوى المهمة.

 منذ تأسيس الجيش الأردني، بُعيد إعلان قيام الدولة الأردنية عام 1921، على يد الأمير عبد الله الأول ابن الحسين، وهو يواجه ظروفاً محلية وإقليمية وعالمية صعبة وغاية في التعقيد والحساسية، حيث نهضت هذه المؤسسة الوطنية بأعباء كبرى، فاقت حجمه الحقيقي، وتسليحه البسيط في سنواته الأولى، وهذا ما جعل من الجيش الأردني الأكثر احترافاً في المنطقة، بالاعتماد على الطاقات البشرية ونوعية التدريب.

سليمان ارتيمة؛ لم يكن مجرد ضابط عادي، بل كان مميزاً بحرفيته وأدائه، مثقفاً جيد الاطلاع، وعرف بذكائه الحاد، ونظرته الإستراتيجية للواقع الماثل والمستقبل القادم. وينتمي إلى عشائر عباد المنتشرة على رقعة واسعة بين العاصمة عمان والسلط المدينة الناشطة ومحيطهما، حيث انعكست تربيته العشائرية على نشأته القومية العروبية، فقد كان مشغولاً بالقضايا الوطنية والعربية منذ شبابه الباكر، وهذا ما شكل البوصلة التي رسمت نهجه في الحياة العسكرية والمدنية، وجعلت منه شخصية وطنية كبيرة، لعبت دوراً بارزاً ومؤثراً في مختلف المواقع، بالإضافة إلى ما حظي به من حب وتقدير من قبل المسؤولين والأهالي، نظراً لتميزه وتفانيه وعمله من أجل المصلحة الوطنية العليا.

ولد سليمان ارتيمة في عمان عام 1925، عندما كانت الدولة الأردنية تواجه صعوبات مرحلة التأسيس الأولى، وقد تربى بين أفراد أبناء عمومته وعشيرته، ونشأ متشبعاً بحب الأرض وهو الذي جس بخطاه الصغيرة تفاصيل الطرقات والتلال والأراضي الزراعية، قبل أن يتوجه إلى المدرسة، ليبدأ رحلة تلقي العلم التي لم تكن ميسرة تلك الأيام، حيث عانت البلاد من قلة المدارس وندرة المعلمين.

 درس في مدارس عمان، وكان خلال العطل يساعد الأهل في الأعمال الزراعية، كحال أقرانه من طلاب تلك الفترة، ومع هذه الأعباء، فقد عرف عنه اجتهاده وتحصيله الدراسي العالي، لما اتسم به من ذكاء وفطنة وسرعة بديهة. وبعد أن تمكن من إنهاء دراسته الثانوية في عمان، دفعه حسه الوطني ووعيه القومي المبكر، إلى الانتساب للقوات المسلحة الأردنية، التي كانت بحاجة ماسة للشباب الأردني المتعلم والمتحمس للخدمة العسكرية، وقد أثبت خلال أشهر التدريب المرهقة، صلابة عوده والروح القتالية العالية التي ميزته.

خدم سليمان ارتيمة في عدة مواقع عسكرية، وتنقل في أكثر من مكان، وقد عين قائداً لوحدة من الجيش الأردني، تمركزت جنوب مدينة حيفا، وخلال فترة خدمته هذه، تعرف من قرب على ما تتعرض له فلسطين والأمة العربية لمؤامرة كبيرة، ولاحظ بألم شديد الانحياز الكبير والمكشوف من قبل البريطانيين لليهود، ودعهم عسكرياً، بالإضافة لمحاباتهم قانونياً على حساب العرب، وفتح باب الهجرة اليهودية على مصراعيه، وكان شاهداً على انتصار البريطانيين لليهود في المعارك والمناوشات، التي كانت تقع بين العمال العرب والمستوطنين اليهود، وكان هذا الواقع يثير حميته العربية، وهو الفارس الأردني الشجاع، فكان يمد العرب الفلسطينيين بما أمكنه من عتاد وذخيرة.

عندما اندلعت معارك الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، خاض الضابط سليمان ارتيمة إلى جانب زملائه ضباط وجنود الجيش الأردني، عدداً من المعارك الطاحنة والحاسمة مع القوات الإسرائيلية، وسطروا أروع صور البطولة، مثل معارك اللطرون وباب الواد والحي اليهودي وغيرها، أصيب على أرض المعركة، لكن ذلك لم يحل بينه وبين أداء واجبه على أكمل وجه.

 عاد يقاتل ذوداً عن حمى الوطن الغالي، حيث فعل ذلك بأكثر من طريقة، سواء في ميدان المعركة أو في نشاطاته المدنية والسياسية، كان الوطن هاجسه في كل مرحلة من المراحل، وهو ما ميز شخصيته وأفعاله طوال حياته الغنية بالأحداث والمنجزات، التي ارتبطت بعمله المخلص ومكانته الرسمية والاجتماعية.

 ونظراً لشجاعته ودعمه للثوار والمجاهدين الفلسطينيين، استحق عن جدارة وسام حرب فلسطين.

كان الضابط سليمان ارتيمة، ينتظر اليوم الذي يخرج فيه الضباط الإنجليز من الجيش، خاصة القائد الإنجليزي كلوب باشا، وهو ما تحقق على يد جلالة الملك الباني المغفور له الحسين بن طلال، الذي قام بتعريب قيادة الجيش الأردني عام 1956، هنا وجد ارتيمة حلمه يتحقق، وأن عليه المساهمة في تطوير الجيش من خلال تحصيل مزيد من العلوم العسكرية، لذا فقد أرسل للدراسة في كلية الأركان العراقية، وقد تخرج منها عام 1957، ليعود إلى صفوف الجيش العربي الأردني، مسلحاً بالفكر العسكري الحديث، ولم تكن هذه الدورة الأولى التي التحق بها، فطوال خدمته العسكرية شارك بعدد من الدورات المهمة محلياً وخارجياً، خاصة في بريطانيا وألمانيا، حيث درس العلوم العسكرية وتدرب على فنون القتال العصرية، وكان من نتيجة هذه الدورات، أن تمكن من تعلم اللغة الإنجليزية وإتقانها.

نال ارتيمة مناصب عسكرية مختلفة خلال خدمته منها قيادة كتيبة الحسين، وركن أول عمليات، لكنه أحيل على التقاعد عام 1959 مبكراً،ً بعد أحداث ما سمي بحركة الضباط الأحرار، بمحاولة عدد من ضباط الجيش استنساخ حركات في جيوش أخرى وبدعم منها، غير أنه أعيد للخدمة العسكرية بعد فترة، فهوالذي ينحاز دائماً لوطنه حتى في أحلك الظروف، فدخل الأمن العام، وعين مديراً لشرطة مدينة معان، وقد أثبت مقدرة لافتة في مهامه الجديدة، فبعد خدمته في معان، نقل إلى اربد مديراً لشرطتها، وكان من نتائج تميزه في الأمن العام، أن تم تعيينه نائباً لمدير عام الأمن العام، وفي عام 1966 أحيل على التقاعد بعد أن تم ترفيعه إلى رتبة فريق، تقديراً لجهوده وتميزه وخدمته العسكرية في الجيش وجهاز الأمن العام.

بدأ دخوله الحياة المدنية، بعد تقاعده مباشرة، فقد تفرغ لخدمة أهله وأبناء عشيرته، وتواصل مع الشباب، وقد كان أحد مؤسسي نادي ماركا الرياضي، وعرف عنه محبته للأرض والزراعة، لذا كان من أوائل عمل استصلاح الأراضي الزراعية في منطقة الأزرق الغنية بالمياه، فلقد آمن بأن الزراعة الناجحة سلاح آخر لحماية الوطن وصون استقلاله، كما زاد من حراكه الاجتماعي، خاصة في مجال الإصلاح الاجتماعي وإصلاح ذات البين، فتوسعت مكانته بين الناس، فأحاطه الناس بالمحبة والتقدير، وقد لازمه تقدير الناس وحبهم له طوال سنواته حياته وحتى يومنا هذا.

في عام 1971 صدرت الإرادة الملكية بتعيينه عضواً في مجلس الأعيان الأردني، وقد انتخب من قبل أعضاء المجلس ليكون مساعداً لرئيس مجلس الأعيان، وعندما تم تشكيل مجلس الاتحاد الوطني عام 1972 أختير ليكون عضواً فيه، وبسبب صعوبة إجراء الانتخابات النيابية في الضفة الغربية، بعد الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967، ومن أجل عدم تعطيل الحياة البرلمانية، تم تشكيل المجلس الوطني الاستشاري عام 1978، ومن جديد تم اختيار الباشا سليمان ارتيمة عضواً في المجلس الاستشاري، وتمكن من الاحتفاظ بمقعده في هذا المجلس لثلاث دورات متتالية، لما تمتع به من مكانة مرموقة رسمياً وشعبياً، بعد ذلك خاض الانتخابات البرلمانية التكميلية عام 1984 في عمان، غير أن النجاح لم يحالفه هذه المرة، لكنه استمر ينهض بواجباته اتجاه وطنه وناسه بنشاط وهمة كبيرين.

استحق سليمان ارتيمة التقدير والتكريم على أعلا المستويات، ونال عدداً من الأوسمة منها: وسام الكوكب ووسام النهضة ووسام الاستقلال، وتخليداً لذكراه أطلقت أمانة عمان اسمه على أحد شوارع العاصمة في عمان الشرقية. لم يتخل عن دوره في العمل والانجاز، حتى وفاته في الأول من كانون الثاني عام 2000، عن عمر ناهز الخامسة والسبعين عاماً، وبقي في البال بهي الحضور طيب الذكر. 

نمر باشا العريق العبادي

|0 التعليقات
أرسل لنا صورة

تفاجئنا شخصية نمر باشا العريق العبادي، بوعيها السياسي المبكر، المستند على فهم قومي تحرري عميق، في ظل ظروف عامة في تلك الفترة، أقل ما توصف به: سيادة الأمية وندرة التعليم، واستشراء ممارسات التجهيل من قبل حكومة جماعة الاتحاد والترقي التركية العنصرية.

كان نصيب شرقي الأردن من الإهمال والتنكيل كبيراً، وليس أدل على ذلك من الثورات والاحتجاجات، التي حدث في هذه النواحي، وأبرزها ثورة الكرك المعروفة « بالهية « سنة 1910، غير أن موقع الأردن، وتفاعل سكانه من بدو وفلاحين وحضر، مع الأحداث العامة، وصلاتهم القوية مع المناطق المحيطة، كفلسطين والشام وبيروت، جعلهم أصحاب نهج قومي، يهدف للاستقلال والوحدة، حيث ربطوا مصير بمشروع النهضة العربية، وبضرورة أن يحكم العرب أنفسهم بأنفسهم، وكان الشيخ نمر باشا العريق، مثالاً ناصعاً ومتقدماً لهذا الوعي، الذي قرنه بالمواقف المعلنة، والتي تم توثيقها، حيث بين بشكل لا يقبل الشك، انخراط الأردنيين، في الجهود العربية الساعية إلى توحيد الصف، ورفض سلطة دول الانتداب الغربية.

لقد أغفل كثير من الباحثين والمؤرخين، توثيق سيرة نمر باشا العريق، رغم أن عدداً من المصادر أشارت إلى بعض من مواقفه، التي تعد علامة على صعيد المنطقة العربية، والتي تؤشر على وعي متقدم، في مرحلة مضطربة وضبابية من تاريخ البلاد العربية، منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وما رافق ذلك من أحداث غيرت شكل المنطقة إلى الأبد. ومع ذلك أغفلت مراحل عديدة من حياة هذا الشيخ المناضل، الذي كان له شأن كبير ومشهود في مرحلة التأسيس وما قبلها، ويعد الشيخ نمر من أبرز شيوخ مشايخ قبيلة بني عباد، التي تعد من أكبر القبائل الأردنية عدداً، وترجع بعض المصادر نسب العبادي إلى تميم، ومصادر أخرى تشير إلى احتمالية أن يكونوا امتداداً لسلالة بنو عباد الأندلسية، التي ترجع إلى قبيلة لخم اليمنية، حيث كانت تنوخ تدعى عباد، في حين يذكر كتاب ( شرقي الأردن وقبائلها ) عباد كونها فرع تنوخ من جذمية من جرم الطائية من طي اليمانية، ويسكن العبابيد وسط المملكة في العاصمة عمان وضواحيها كمرج الحمام ووادي السير، وفي محافظة البلقاء في عدد من البلدات والقرى.

ولد الشيخ نمر باشا العريق عام 1868، في فترة المخاضات العسيرة التي واجهتها الأمة من المحيط إلى الخليج، وكانت ولادته في بلدة « عيرا « في محافظة البلقاء، موطن أهله وأجداده، وهي تقع في الجنوب الغربي من مدينة السلط، وقد تكون كلمة سريالية بمعنى مستيقظ، أو بمعنى مدينة، وقيل أنها سميت على اسم ابنة أحد السلاطين القدامى، وفيها وادي عمرو – وادي البيره – حيث يذكر أن القائد المسلم عمرو بن العاص أقام فيها، أثناء فتوحات الشام وحكمها، وهي بلدة جميلة مطلة على غور الأردن، وذات موقع استراتيجي عسكري مهم، حيث كان لرجالها ومرتفعاتها دوراً بارزاً في معركة الكرامة الخالدة، عندما تمركزت المدفعية الأردنية التي دكت العدو فيها.

نشأ نمر العريق العبادي، في بيت والده، الذي كان شيخاً حظي بتقدير كبير، داخل عشيرته وخارجها، وقد ربى ابنه نمر منذ صغره على الفروسية، المتمثلة باستخدام السيف، واستعمال البندقية في أول عهد المنطقة بها، وركوب الخيل، فاتسمت تربيته بالصرامة والشدة، وقد تلقى تعليماً بسيطاً من خلال الكتّاب، غير أن علومه الحقيقية، تلقها من مدرسة الحياة، التي دخلها باكراً، حيث كان ملازماً لوالده، مما أسهم بدرجة كبيرة في نمو شخصيته القيادية، وبروز وعيه من خلال معرفته الكبيرة بالقضايا العامة، وصلاته مع عدد كبير من الشيوخ والوجهاء والشخصيات العربية، وقد مكنه ذلك من بناء مواقفه القومية اللافتة، التي جاور من خلالها مواقف كبار القوميين العرب، وكان على استعداد دائم للدفاع عن مبادئه، وتقدم الثمن المطلوب، ولا يساوم عليها أو يبدلها بتبدل الظروف وتغير الأحوال.

استلم زعامة عشيرته بعد وفاة والده، وسرعان ما ذاع صيته، وقصده الناس من مناطق متعددة، وقد أعتبر شيخ مشايخ بني عباد بعد وفاة شيخ مشايخها ابن ختلان، وكان له دور معروف مع شيوخ البلقاء، في إدارة الأمور فيها خلال الفراغ السياسي والإداري، في أعقاب سقوط الحكومة العربية في دمشق عام 1918، كما كان فاعلاً في حل القضايا بين الناس، سواء بالقضاء العشائري، أو من خلال إحلال الصلح مكان الخصام، وإصلاح ذات البين، وكان دائم التنقل في البلقاء والكرك وجبل عجلون، وكانت له صلات طيبة وعلاقات وثيقة مع شخصيات ووجهاء من فلسطين، حيث تردد على القدس ونابلس وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية، وكان محبوباً ومقرباً من الناس، يتعامل مع الكبير والصغير، ويسعى إلى إحقاق الحق، ورفع الظلم، والعمل للصالح العام.

كرس الشيخ نمر باشا العريق العبادي حياته للعمل العام، وخدمة عشيرته ووطنه خلال تلك المرحلة، ولم يهدف من وراء ذلك لجاه أو مال، بل سعى طوال حياته للدفاع عن الحرية العامة، وتحقيق حلم الاستقلال والوحدة العربية. فعندما أرسلت الحكومة الأمريكية لجنة كنغ – كرين إلى دمشق، لتقصي مطالب ورغبات أهالي المنطقة عام 1919، توجه وفد من شيوخ ورجالات شرقي الأردن، الذين كانوا على تواصل مع أعضاء النادي العربي السوري، وقد تجلت مطالب رجالات شرقي الأردن، بالمطالبة بالاستقلال وبوحدة سوريا الطبيعية، ورفض وعد بلفور، والوقوف في وجه الهجرة اليهودية، والتحذير من مخاطرها المتزايدة، التي يتعدى خطرها حدود فلسطين، وقد وثقت اللجنة حوارها مع الشيخ نمر العريق العبادي، على النحو الآتي: 
س: من أجبركم على الحضور؟
ج: أجبرتنا عاطفتنا العربية، وحبنا لمجد قوميتنا، ولو كانت المسافة أضعاف ذلك لما تأخرنا، وإننا مستعدون لفداء مالنا وأرواحنا وأولادنا في سبيل استقلالنا.
س: من أين تأخذون الأموال؟
ج: من المحل الذي يره أبو غازي ( الملك فيصل الأول )
س: وإذا لم يمكنه تدارك الأموال اللازمة؟
ج: نبيع كل ما نملكه ونقدمه له.
س: وإذا لم يكن الاستقلال؟
ج: نطلبه بهذا، وأشار إلى السيف.

ويستمر حوار اللجنة مع الشيخ نمر العريق، حول حقوق الأقليات، فيثب لهم أن لا تفرقة بين أبناء الشعب، ويضرب لهم أمثلة عن وجود أعضاء مسيحيين في مجلس الإدارة في البلقاء، ويرفض في الحوار الموثق، القبول بدولة انتداب، ويؤكد قدرة أبناء المنطقة على إدارة شؤونهم بأنفسهم، ويعلن من جديد رفض الهجرة اليهودية، التي تهدف إلى الاستيلاء على الأرض، وتشريد أهلها. وهذا موقف متقدم لشيخ جليل، قاده وعيه المستنير، إلى التعبير عن ضمير كل عربي حر، في كل زمان وكل مكان.

ساند الشيخ نمر باشا العريق، جهود الأمير عبد الله المؤسس، في تأسيس إمارة شرق الأردن، وكان مقرباً من سمو الأمير، وتقديراً لمكانته العشائرية والوطنية، ولما يحمله من فكر قومي حر، فقد أنعم عليه الأمير عبد الله المؤسس، بلقب باشا، ليكون أول من نال هذا اللقب من شيوخ ووجهاء عباد، وكان ذلك عام 1923 بموجب مرسوم أميري، وقد كان نمر باشا عضواً في المؤتمر الوطني عام 1928، ممارساً لدوره الوطني والسياسي، الذي أسهم في وضع الدولة الأردنية الناشئة، على طريق بناء المؤسسات الوطنية العصرية. ومن صفاته التي عرف بها، قوة شخصيته وكرمه وفكره القومي الواعي، وقد توفي هذا الشيخ المناضل نمر باشا العريق العبادي عام 1936، وقد شكلت وفاته خسارة كبيرة، فلم يعوض فقده غير ذريته الصالحة وعمله الخيّر، الذي يجعل ذكره الطيب دائم الحضور، ومحط فخر واعتزاز عميقين.   

الدكتور عبد السلام العبادي

|0 التعليقات
د. عبد السلام العبادي

لكل أمة تاريخ يصنعهُ العظماء من رجالاتها ونحن هنا في الأردن على قدر أهل العزم ، فالأرض الأردنية من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها ولاَّدةً لرجال عًظام كانوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم ومن بين هذه الشخصيات الأردنية معالي الدكتور عبد السلام العبادي الذي شغل منصب وزير للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية لبضع سنوات في حكومات مختلفة بالإضافة إلى تقلده العديد من المناصب القيادية في العديد من المؤسسات والدوائر الرسمية. 

ولد معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي في مدينة عمان عام م1943 ونشأ وترعرع لدى أسرة محافظة وملتزمة بالشريعة الإسلامية ثم أكمل دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في المدرسة العلوية وكلية الحسين في عمان عام م1959 ، لينتقل إلى جامعة دمشق التي حصل منها على شهادة الليسانس في الشريعة الإسلامية ثم عاد إلى الأردن ليعمل مدرساً في المدارس الثانوية لمدة ثلاث سنوات ، ولكن طموحه دفعه للانتقال إلى جامعة الأزهر فحصل منها على درجة الماجستير في الفقه المقارن بامتياز من كلية الشريعة والقانون هناك ثم حصل على شهادة الدبلوم التمهيدي للماجستير في التاريخ الإسلامي من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سنة ,1968 نال درجة الدكتوراه في الفقه المقارن بمرتبة الشرف الأولى مع التوجيه بطباعة الرسالة وتبادلها مع الجامعات العالمية من كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر عام 1972 ، بعدها عَمًل كعضو هيئة تدريس في الجامعة الأردنية في كلية الشريعة لمدة عشر سنوات. 

أما عن نسب عائلة العبادي (العبابيد) فإن كتب الأنساب والعشائر تذكر أن عائلة عبّاد أو بني عباد أو العبادي من أكبر العشائر الأردنية ويسكنون في مناطق الوسط الأردني ما بين سيل الزرقاء إلى سيل نهر الأردن وقيل في المثل للإشارة إلى كثرتهم "عباد من السيل إلى السيل" وأورد فريدرك .ج. بيك في كتابه "شرقي الأردن وقبائلها" أن عشائر عبَّاد من بين قبائل منطقة البلقاء ، وأشار إلى الرواية التي تردهم إلى قبيلة تنوخ ، أو أنهم فرع منها ويعزز فريدرك .ج. بيك في كتابه الرواية التي ترد العبابيد إلى بني طريف من جذام من العرب القحطانية ويشير إلى رواية أخرى تردهم إلى جذيمة من قبيلة طيء. 

وتنقسم عبّاد (العبابيد) إلى فريقين كبيرين وهما: الجرومية: وتضم مناطق ما بين سيل الزرقاء إلى سيل وادي شعيب وهي منطقة العارضة (عارضة عبَّاد) وعيرا والبيرة ويرقا ووادي شعيب وجلعد والرميمين وأجزاء من الأغوار مثل معدّي وغور الأردن وغور داميا والملاحة وجزء من منطقة دير علا. 

ثانياً: الجبورية: وتضم عشائر ما بين سيل وادي شعيب إلى وادي الشتا ومرج الحمام والبحاث وبيادر وادي السير ووادي السير والبصَّه وعراق الأمير ووادي الشتا وأبو السوس وبدر الجديدة وماحص وبلال وأم الأسود ودابوق والرباحيه وأجزاء من خلدا. 

وقد ورد في كتاب الصفوه لمؤلفه المحامي طلال بن الشيخ حسين البطاينة أن العبابيد من قبائل الأردن الكبيرة التي كان لها شأن يذكره التاريخ ، حالفوا وتحالفوا ، حاربوا وحوربوا ، وحافظوا على قوتهم وكيانهم وأراضيهم وصمدوا في وجه الحروب والغزوات إلى أن استقر الأمر بقيام الدولة الأردنية الحديثة وانخراط القبائل والعشائر الأردنية في هذه الدولة ومد الأيدي لبناء الوطن الحديث. 

وبالعودة للحديث عن مسيرة معالي الدكتور عبد السلام العبادي يجد القارئ أنه قد تنقل في الكثير من الوظائف ذات الطبيعة الفقهية والشرعية ففي عام م1982 عَمًل وكيلاً لوزارة الأوقاف (أميناً عاماً لها) ثم مديراً عاماً لمؤسسة إدارة وتنمية أموال الأيتام. 

ونظراً لما تمتع به معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي من صفات الاعتدال والوسطية ودماثة الخلق وهدوء جم في شخصيته كان محط اختيار الحكومات الأردنية التي تعاقبت في الفترة ما بينت عامي 1993 إلى م2001 حيث شغل منصب وزيراً للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ، وليس غريباً على شخص عَرف أحكام الدين والتزم بها ودرسها وحصل على أعلى الشهادات فيها إلا وأن يكون للعمل الخيري حظ وفير لديه ، فتراه قد عَمًل في المجال الخيري التطوعي أمينًا عاماً للهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية ورئيساً للجنة التعاون والتنسيق مع الشعوب الإسلامية منذ عام م1987 حيث دمج نشاطهما في نشاطات الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية عندما أسست سنة 1990م. 

صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيين معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي رئيساً لجامعة آل البيت عام م2004 بعد أن كان رئيساً لمجلس أمنائها. ثم عاد وزيراً للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية عام م2005 ليتم في العام الذي يليه إعادة تعيينه رئيساً لجامعة آل البيت الأردنية. 

عُرف الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي بنبل أخلاقه وكريم صفاته فهو الشخص الذي يلاقي الناس جميعاً بوجه مشرق ، بابه مفتوح على مصراعيه لكل مراجع أو مستفتْ أو متعلم يلقى الناس بكل تواضع فلا تفارقه ابتسامته العذبة الهشة له عبق خاص يجبرك على حبه واحترامه يحب ولا يكره ، يتواضع ولا يتكبر يجمع ولا يفرق يعيش بساطة الحياة ، يتدافع إليه البسطاء والفقراء والعامة فيكلم كلاً منهم على قدر ثقافته وعلمه ويقضي لهم مصالحهم دون تذمر أو ترفع عنهم فهذا التعامل البسيط البعيد عن التكلف ينم عن شخصية ونفسية عالية عظيمة القدر ، فهو الرمز والرقم الكبير في المعادلة الإسلامية.

حقق معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي خلال تسلمه لحقيبة وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية العديد من الإنجازات وفي ذلك فقد تحدث معالي الدكتور العبادي قائلاً: أذكر بعض هذه الانجازات وفي عناوين كبيرة دون تفصيل إنجاز الإعمار الهاشمي الثالث للمسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة والذي تم بتبرع شخصي من جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه وذلك من خلال لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة بالإضافة إلى إحالة عطاءات تنفيذ المرحلة الأولى لمشروع تطوير مقامات الصحابة في المزار والتي تشمل مسجد جعفر بن أبي طالب ومقام زيد بن حارثة رضي الله عنهما بكلفة 2 مليون دينار ومشروع مسجد أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه في الأغوار الشمالية بكلفة 4 ملايين ، ومسجد إربد الكبير وإنجاز إعداد المخططات الخاصة ببقية المقامات والمساجد وذلك من خلال اللجنة الملكية لإعمار مساجد ومقامات الصحابة الشهداء وعشرات المشروعات الاستثمارية في مختلف مناطق المملكة ، إضافة إلى تطوير عملية الحج إسكاناً ونقلاً والبدء بالمشروع الشامل لتأهيل الوعظ وإنشاء مركز الحاسب الآلي في وزارة الأوقاف وتنظيم وتطوير العمل في دور القرآن الكريم والمدارس الشرعية وإصدار أسبوعية إعلامية عن وزارة الأوقاف باسم "الضياء" وتطوير العمل في مجلة "هدى الإسلام" والإعداد لطبعة جديدة للمصحف الشريف كما عَمًل على إحياء كتب التراث الإسلامي". 

جاءت الإرادة الملكية السامية بتكليف معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي لشغل منصب مستشار للشؤون الإسلامية والدينية عام م2006 بالإضافة إلى تعيينه بمنصب الأمين (مديراً عاماً) لمجمع الفقه الإسلامي الدولي. وهو الآن يعمل وزيراً للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية نظراً للجهود التي يبذلها من أجل تطوير عمل الوزارة وإعادة هيكلة عمل الأجهزة فيها. يعرفه الناس بأسلوبه الجميل وعطفه على الضعيف ومواساته للمكلوم ويرأب صدع المنكسر ويجدد ثقته بمن أخطأ ثم رجع عنه ، ما رفع صوته على أحد ولا عنفه ، بل يسعه بخلقه. يحمل معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي فكراً نيراً في علم الفقه وأصوله والشريعة ومقاصد التشريع نابعاً من صميم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فكرا يحمل آفاقاً ويفتح أبواباً للدارسين ، كما أنه صاحب الحضور البارز في المنتديات والمؤتمرات الإسلامية في الأردن وبمختلف بلدان العالم حيث يساهم بفكره ورأيه متحدثاً وكاتباً يعرض جوانب من مبادئ الإسلام وتعاليمه كما يقدم بمقترحاته حلولاً للمشكلات والقضايا المعروضة.

لقد شغل معالي الدكتور العبادي العديد من المراكز والمهمات العلمية والعامة منذ بداية تدرجه الوظيفي حتى الآن ، فقد كان أحد أعضاء مجمع الفقه الإسلامي الدولي ممثلاً للمملكة الأردنية الهاشمية منذ بداية تأسيسه وحتى الآن وهو عضو في مجلس الإفتاء الأردني وعضو المجلس الأعلى للإعلام حتى عام م2005 ، وعضو مجلس التربية والتعليم لعدة مرات ، وكان له مشاركات عديدة في مؤتمرات علمية وندوات أكاديمية في مجالات الفكر الإسلامي المعاصر والدعوة والتربية والاقتصاد الإسلامي والفقه والزكاة والحوار بين الأديان ، شارك في إعداد المناهج والكتب المدرسية والإشراف عليها في الأردن وسلطنة عُمان بالإضافة إلى إشرافه على العديد من الرسائل العلمية في الدراسات العليا الماجستير والدكتوراه في بضع جامعات ، وهو عضو في لجنة الخبراء الدولية التي درست مشروع قانون الزكاة وتطويره ، وعضو في مجلس التصنيف الشرعي للوكالة الإسلامية للتصنيف وشارك في الاجتماعات التأسيسية لصندوق تثمير الأوقاف التابع للبنك الإسلامي للتنمية ، تم تعيينه عضواً في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بموجب قرار من رئيس مجلس وزراء جمهورية مصر العربية ، وتم اختياره نائباً لرئيس الهيئة الشرعية للرقابة والتصنيف التابع للمجلس العام للبنوك والمؤسسات الإسلامية بالإضافة إلى اختياره رئيساً للمجلس الاستشاري الأعلى للتقريب بين المذاهب الإسلامية المتعددة. واختير رئيساً للجمعية العمومية للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ، بالإضافة إلى عضوية العديد من اللجان والمجالس والهيئات الإدارية والتي يصعب إحصائها وذكرها. ونتيجة للجهود التي يبذلها معالي الأستاذ الدكتور خلال تنقله في العديد من المناصب ولأنه لكل مجتهد نصيب فقد كان من الطبيعي أن يكافأ بأن يحصل على العديد من الأوسمة والجوائز التقديرية منها وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى سنة م1993 ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الثانية سنة م1987 ووسام الحسين بن طلال للعطاء المتميز سنة م2000 ووسام الثقافة والعلوم من الطبقة الأولى من جمهورية مصر العربية سنة م1992 ووسام الجمهورية من الدرجة الثالثة من جمهورية السودان الديمقراطية وجائزة غاندي وكنج وكير الدولية سنة م2003 وحصل أيضاً على الميدالية الفضية لمنظمة الحماية الدولية سنة م2004 ونال جائزة الدولة التقديرية والتشجيعية لعام م2006 في حقل العلوم الاجتماعية في مجال دراسات في الفكر الإسلامي بالإضافة إلى الكثير الكثير من الأوسمة والجوائز.

ولمعالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي مؤلفات علمية عديدة ومنشورة وقد شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لوزارة التربية والتعليم في المملكة الأردنية الهاشمية ومن أهم مؤلفاته العلمية: الإيمان بين الآيات القرآنية والحقائق العلمية ، دور الاقتصاد الإسلامي في أحداث نهضة معاصرة مع آخرين ، الضمان الاجتماعي بين الشريعة الإسلامية والنظم الوضعية ، الرعاية الأردنية الهاشمية للقدس والمقدسات الإسلامية فيها ، كتاب الثقافة الإسلامية لمعاهد المعلمين وعدداً من كتب التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية ، فقه المعاملات محاضرات ألقيت في معهد الدراسات المصرفية ، خمسة وأربعون بحثاً قدمت للعديد من المؤتمرات والندوات العلمية وهذه الأبحاث تناولت مواضيع كثيرة تهم المسلم في حياته فجاءت في مواضيع الفقه الإسلامي وأمور المال والاقتصاد ، الملكية في الإسلام ، حاجات الإنسان الأساسية وارتباطها بالأوضاع المعاصرة ، الزكاة ، التقريب بين المذاهب ، العولمة ، ضبط الرقابة الشرعية في ضبط أعمال البنوك ، بالإضافة إلى العديد من المواضيع الهامة والأبحاث الإسلامية التي أعدها دون كلل أو ملل فتراه قد أعطى جهده ووقته لخدمة وطنه وأمته وعروبته ينشر العلم والمعرفة دون أن تلهيه صغائر الدنيا. أطال الله في عمر معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي.