الشاعر النبطي سلمان سعيفان الصويص ... شاعر المدينتين

|0 التعليقات


كان شاهداً على مفاصل مهمة من تاريخ المنطقة، وكان لسليقته الشعرية دورها الكبير في التعبير عن مكنوناته وعن المؤثرات الاجتماعية والسياسية التي عايشها وجهاً لوجه، فقد كان ابن المرحلة المتقلبة المليئة بالأحداث والتحولات، واستطاع بفضل ما تمتع به من موهبة حقيقة أصيلة، وبعد نظر وبصيرة عميقة، وما حمله في قلبه من محبة للناس والوطن، استطاع أن يسكن قلوب الناس وأن يعمر في ذاكرتهم ويبقى حاضراً بذكره الطيب، وبشعره الذي كلما تعتق زادت قيمته وارتفع مستواه، وهو ابن البيئة الأردنية الغنية بالتفاصيل، حيث للمكان حضوره القوي في وجدانه وشعرة وحياته، فلقد عنى له المكان الشيء الكثير، ولم يكن تعلقه في المكان إلا شكلاً من أشكال حبه وانتمائه لوطنه، الذي كرس حياته للدفاع عنه بالكلمة والموقف والحب، فكان مثالاً رائعاً للأصالة والشعر وكرم النفس.

الشاعر النبطي سلمان سعيفان الصويص حالة فريدة في شعره وحياته، فقد قسم حياته بين مدينتين: مادبا والفحيص، فكانتا عنده كالجناحين لا يستطيع التحليق بأحدهما دون الآخر، حتى لقب بشاعر المدينتين: مدينة مادبا ومدينة الفحيص، وقد ولد سلمان الصويص في مدينة الفحيص مع دخول القرن العشرين، حيث ولد عام 1902، والبلاد تخضع لأسوأ فترات الحكم العثماني. وينتمي الشاعر سلمان إلى عشيرة الصويص – الصويصات – وهي عشيرة مسيحية من العشائر المعروفة في الفحيص، حيث تذكر المصادر التاريخية أن أصل العشيرة يرجع إلى اليمن، حيث هاجروا بعد انهيار سد مأرب إلى بصرى الشام، ثم استقروا في منطقة القسطل الأردنية، وقد اسلم بعض أفراد العشيرة مثل ابن جرار، وقد سكنوا الدير قرب الفحيص، بعدها انتقلوا إلى السلط، لفترة من الزمن، بعد معركة حامية مع أحد أمراء الإقطاع في العهد العثماني، غير أنه عاد كثير منهم إلى الفحيص وأقاموا فيها بعد استتباب الحال فيها.

كان والد شاعرنا ،الشيخ سعيفان الصويص، ويعد أحد وجهاء عشيرته، وفي شبابه هاجر إلى قرية « نامر « في حوران، ويعد سكان هذه القرية على صلة قرابة بعيدة بعشيرة الصويصات، حيث عمل عندهم وتزوج إحدى بناتهم وهي فتاة عرفت بجمالها ونبل أخلاقها، لكنه عاد بعد ذلك بفترة إلى مسقط رأسه الفحيص مع زوجته، وأنجبا سلمان وزيدان ومزيد، وكلهم قالوا الشعر وأحبوه، حتى مزيد الذي هاجر إلى تشيلي في ثلاثينيات القرن الماضي، بقي محباً للشعر وناظماً له رغم نجاحه كرجل أعمال كبير في المهجر، وقد اضطر والده أن ينتقل بالعائلة إلى مدينة مادبا في أعقاب الهجوم الكبير الذي شنه عسكر الأتراك على الفحيص عام 1918، الذي دفع غالبية أهالي الفحيص اللجوء إلى القدس، وقد بقوا هناك ستة أشهر حتى خرج الأتراك من البلاد، بعد انتصار الثورة العربية الكبرى، وخلال إقامة العائلة في مادبا تزوجت شقيقة الشاعر سلمان « حنة « من سلامة الجميعان وتزوجت « نصرة « من سلمان المطالقة، وقد يكون زواج شقيقتيه في مادبا السبب الرئيسي ليختار الشاب سلمان سعيفان الإقامة في مادبا، فقد عاد والده وباقي أفراد العائلة إلى الفحيص بعد عقد من الإقامة في مادبا.

لقد تمكن الشاعر سلمان الصويص من الدراسة في مدرسة السلط إلى الصف الرابع الابتدائي، وقد حال اضطراب الأوضاع وانتقال العائلة إلى مادبا من إكماله لدراسته، لكنه تعلم على نفسه واعتبر الحياة جامعته التي نهل منها معارفه وخبراته الكبيرة، وقد طابت له الإقامة في مادبا على مقربة من أختيه، وقد شهدت المدينة نشاطاً وازدهاراً كبيرين، خاصة بعد تأسيس إمارة شرق الأردن، حيث ازدهرت الزراعة والتجارة وتربية المواشي، وكانت لها علاقات تجارية مع مدن فلسطينية ومع دمشق، وقد شجعت هذه الأحوال المزدهرة سلمان سعيفان الصويص على افتتاح متجره في مادبا، الذي ما لبث أن تحول إلى ملتقىً للأصدقاء ومحبي الشعر وكأنما أصبح صالوناً أدبياً شعبياً، وقد نمت تجارته في حي « الكرادشة « في مادبا، وقام بشراء أرضاً شمال المدينة، وعمل على بناء بيت خاصه به، وهو البيت الذي أقام به الفترة الباقية من إقامته في مادبا التي وصلت إلى نصف قرن ( د. صالح الحمارنة. ديوان العلالي ).

لقد تزوج سلمان الصويص في مادبا، وكانت مسقط رأس كل أبنائه وبناته، حيث تعلق جميع أفراد عائلته بهذه المدينة الرائعة، وقد وصفها ابنه عادل وعلاقتها بشعر والده بقوله: «لم تغب مادبا منذ بدايات القرن المنصرم عن حضورها الفاعل على المسرح الاجتماعي والثقافي والسياسي الأردني، فكانت لمادبا نكهة خاصة، جمعت بين عبق البداوة والفروسية والفكر السياسي والديني. وهذا ما ظهر في أشعاره «. وقد نال سلمان تقدير واحترام أهالي مادبا مما زج به في دائرة الحدث، فقد زرع في نفسه حب مادبا وارتبط بها منذ وصلها في شبابه الباكر، حتى صار يستقي من ما يجري في مادبا موضوعات شعره، وقد عدت قصائده سجلاً للأحداث المهمة في مادبا منذ عشرينيات القرن الماضي، وقد وجد نفسه في بؤرة الحدث منذ نظم قصيدة الأولى، التي ألفاها عام 1920، وانتقد فيها فتية من المذهب الأرثوذوكسي ورغبتهم بالتحول إلى المذهب الكاثوليكي مقابل مبلغ من المال، وقد انتشرت هذه القصيدة كالنار في الهشيم، وكانت بوابة لمساجلات شعرية عديدة بينهم وبين مجموعة من شعراء مادبا وغيرها من أمثال الشاعر سالم القنصل والشاعر سلامة الغيشان. كان للمساجلات الشعرية التي برزت في مادبا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، الخاصة التي دارت بين سلمان الصويص وسالم القنصل وسلامة الغيشان، دورها الاجتماعي والاقتصادي، وصار لها متابعين داخل مادبا وفي عدد من المدن الأردنية، ومازالت هذه المساجلات حاضرة في الأذهان، ويرددها كبار السن في مناطق مختلفة، وأصبح سلمان من شعراء مادبا المحبوبين، وذاع صيته بسرعة كبيرة، ولم يفكر بمغادرة مادبا التي أقام فيها نصف قرن، غير أن أولاده كبروا واضطرتهم ظروف عملهم الإقامة في عمان، وقامت الحكومة باستملاك بيته في مادبا، وحولته إلى مبنى لمديرية التربية والتعليم، فقرر الشاعر سلمان مغادرة مادبا التي أحب وطاب له المقام فيها، وانتقل إلى جبل الهاشمي في عمان، حيث قام بشراء منزل وعمل على افتتاح متجر يبيع فيه أصناف عديدة من ضمنها « الدخان الهيشي «.

لم يتقبل الشاعر سلمان العيش في عمان، ولم ترق له الحياة فيها فقرر تركها والعودة إلى مسقط رأسه الفحيص، وبذلك عاد إلى مدينته الجميلة الفحيص عام 1975 بعد غياب دام خمسين عاماً، وإن كانت صلته فيها دائمة لم تنقطع يوماً فأهله وأشقاؤه فيها، وقد اتخذ من منزل كبير بناه ولده عادل في بستان العائلة في منطقة الحمّر المليئة بالأشجار من صنوبر وسرو وبلوط، مسكن له مع ولديه، ويواصل سلمان سعيفان الصويص حياته، فقد بقي على صلة قوية بالناس في مادبا والفحيص، وحاضراً في كل المناسبات الاجتماعية، واستمر في نظم الشعر في المناسبات الوطنية والاجتماعية ومساجلة أصدقائه شعرياً، وقد واكبت عودته إلى الفحيص عودة أخوه الشاعر زيدان بعد تقاعده من دائرة الجمارك وتركه للتجارة في عمان، فعاد الشقيقان إلى مسقط الرأس بعد سنين من الإقامة خارج البلدة.

لقد عرف سلمان الصويص – أبو عادل – بمعرفته الواسعة بالقضاء العشائري، فأصبح مرجعاً لكثير من الأهالي في القضاء العشائري وفي كثير من القضايا الأخرى، فكان يقوم بفض النزاعات وحل المشاكل التي تعرض عليه وإصلاح ذات البين، مما زاد في محبتهم له وتقديرهم لدوره ومكانته، فكان رأيه مقدراً ويثقون في حكمه في كثير من الأمور والقضايا، وقد تقدم به العمر فغلب على شعره الحكمة الاجتماعية، وزاد تعلقه بأسرته وأخوته، وكان دائم القلق عليهم يتابع أخبارهم ويتألم لأقل مكروه يصيبهم، وقد ألم به حزن شديد لوفاة زوجته ورفيقة دربه عام 1995، ولم يرغب بالعيش بعدها، فزهد بكل شيء، ولزم بيته حتى وفاته عام 2003، وقد تجاوز عمره المائة سنة، ورغم عمره الطويل بقي متمتعاً بصحة جيدة وذاكرة متوقدة، وقد حزنت بفقده مدينتي مادبا والفحيص، وبقي جسر التواصل الذي لا ينقطع وصله أبداً.

عشيرة المبيضين

|0 التعليقات



نـُبذة عن عشيرة المبيضين

تقول رواية أوردها كتاب " معجم العشائر الأردنية " للدكتور الصيدلاني عبد الرؤوف الروابده إنَّ الجدَّ المؤسِّـس لعشيرة المبيضين المنتشرة في منطقة الكرك في جنوب الأردن ينحدر من أعقاب رجل من عشيرة آل الجعبري الخليلية كان قد ارتحل إلى الكرك قبل حوالي «250» عاماً، وكان يمتهن التجارة واشتهر بين الناس كأحد القضاة العشائريين الموثوقين .

وتقول الرواية إن إسم المبيضين التصق بأعقاب ونسل جَدِّهم بسبب ما عُرف عنه من عدلٍ في أحكامه في القضايا العشائرية فكان إذا حكم لشخص أولمجموعة خرجوا يطوفون بين الناس يحملون راية بيضاء ويدعون الله عز وجل أن « يُبَيِّضَ » وجه القاضي الذي حكم بالعدل، ولم يلبث أن أصبح أعقابه ونسله يعرفون باسم « المبيضين »2222 .

وتقول رواية إن الجدَّ المؤسِّـس لعشيرة المبيضين إسمه طه وكان له ثلاثة أولاد هم سليمان وراشد اللذين تشكـَّـلت من أعقابهما عشيرة المبيضين، أما الولد الثالث وأسمه حسن فهوالجدُّ المؤسِّـس لعشيرتي الفاعوري والقطيشات في السلط، ويذكر السيد حسن علي عودة المبيضين أنه أودع لدى المكتبة الوطنية شجرة للعشيرة مؤرخة في 30 / 3 / 2004 م تشير إلى أن نسب المبيضين ينتهي إلى الإسم الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الشهيد السبط الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وتجدر الإشارة إلى أن عشيرة المبيضين هي إحدى عشائر تجمُّع عشائر الغساسنة في منطقة الكرك الذي يضمُّ أيضا عشائر الضمور والسحيمات والعضايلة والصعوب والكركيين « الكركي » والبواليز والجراجرة والبنويين « البنوي » والسميرات .

صالح المصطفى التل.. صاحب أول بيان انتخابي في تاريخ الانتخابات الأردنية

|0 التعليقات

ولد صالح المصطفى اليوسف الملحم التل في منتصف القرن التاسع عشر لوالد كان من كبار مُلاك الأراضي في إربد، وكأترابه التحق صالح باحد كتاتيب إربد؛ ليتعلم قراءة القرآن الكريم، ثمَّ انتقل كما يذكر الأديب يعقوب العودات»البدوي الملثم»في كتابه»عرار.. شاعر الأردن»إلى مدرسة خاصة كان والده مصطفى وراء إنشائها على الرغم من أنه كان أميَّـا ونال صالح منها الشهادة الابتدائية، ودرس صالح المصطفى الحقوق وأصبح من أشهر المحامين في إربد ومن أبرز رجالات الحركة الوطنية العربية التي تصدَّت لمظالم حكومة حزب الاتحاد والترقـِّي الذي كان غالبية قادته من يهود الدونمة ومن الماسونيين، وخاض صالح المصطفى التل المعركة الانتخابية التي جرت في 20 / 8 / 1912 م«العهد العثماني»لانتخاب ممثل لواء حوران في مجلس الولاية العمومي،»المقصود بالولاية ولاية بلاد الشام أوسوريا الطبيعية التي تضمُّ سوريا، لبنان، شرقي الأردن، فلسطين»، وينقل كتاب»قضاء عجلون 1864 ـ 1918 م»لمؤلفه الدكتور عليان عبد الفتاح الجالودي عن جريدة المقتبس الصادرة في 6 / 2 / 1912 م نص البيان الانتخابي للمرشح صالح المصطفى العجلوني«التل»الذي نشره تحت عنوان «هذه خـُـطــَّـتي إذا صرتُ مبعوثا»«كلمة مبعوث مرادفة لكلمة نائب»، وحمل البيان الذي يُعتبر أول بيان انتخابي في تاريخ الانتخابات الأردنية الوعود والمطالب التالية :. 
  • السعي لتعميم المعارف، ونشر العلوم الدينية والفقهية.
  • تأسيس المكاتب«المدارس»الابتدائية للذكور، ومكتب رشدي»ثانوية»في كل قضاء.
  • تعمير المساجد والمعابد الخربة المهجورة وتعيين مرشدين»أئمة»وموظفين وخدَّام لها.
  • تنظيم أصول الزراعة على النسق الحديث، والعمل على تأسيس مكتب زراعي. 
  • جعل التعليم الابتدائي وغرس الأشجار إجباريا.
  • العمل على تعمير الأنهار وإظهار الينابيع الخربة وحفر الآبار الأرتوازية.
  • توزيع الأراضي المحلولة والموات على الأهالي وإسكانهم فيها.
  • العمل على مدِّ شعبة من خط حيفا الحجازي«سكة الحديد»لقضاء عجلون. 
  • العمل على إنشاء حمـَّـام صحي في موقع المخيبة الطبيعي. 
  • إنشاء مكتب صناعي لترقية الصناعة والتجارة.
  • تشكيل قضاء جديد يضمُّ ناحيتي كفرنجة وبني حسن لتوفير الراحة للأهالي. 


ولم يحالف النجاح أيا من مرشحي الحركة الوطنية حيث قامت السلطات بتزوير الانتخابات لصالح مرشحين كان يدعمهم حزب الاتحاد والترقـِّـي الذي كان يسيطر عليه يهود الدونمة والماسونيون.

ويذكر الدكتور عليان عبد الفتاح الجالودي في كتابه«قضاء عجلون 1864 ـ 1918 م»«ص 367»، أن صالح المصطفى التل مضى على خطى والده فأسَّس في عام 1916 م مدرسة ابتدائية خاصة في إربد سمّاها»المدرسة الصالحية العثمانية»تضمُّ إثني عشر صفا دراسيا، ويذكر صالح المصطفى التل في أوراقه الخاصة أنه من قبيل تشجيع الطلاب غير المقتدرين على الدراسة في مدرسته الصالحية كان يتقاضى البيض والدجاج والصيصان والقمح والشعير بدلا عن الأقساط النقدية، وكان من تلاميذ المدرسة بكره مصطفى وهبي التل«عرار»«أبووصفي»ومحمد صبحي أبوغنيمة»الطبيب لاحقا»والشاعر الشعبي الشهير الحاج مصطفى السكران.

وبعد خروج الأتراك من المنطقة العربية التحق صالح المصطفى التل بالحكومة العربية التي تأسَّـست بزعامة الملك فيصل بن الحسين واتخذت من دمشق عاصمة لها، وبعد نجاح المستعمرين الفرنسيين بتواطؤ مع المستعمرين الإنجليز في القضاء على الحكومة العربية الفيصلية في دمشق شارك صالح المصطفى التل في المؤتمر الذي عقده رجالات شمال الأردن الذي كان يعرف بقضاء عجلون وقرَّروا فيه تحدِّي الإنجليز وتشكيل»حكومة قضاء عجلون العربية»برئاسة القائم مقام علي خلقي حسين الشرايري وكان صالح المصطفى التل أحد أعضاء الحكومة.

عمر باشا سليمان مطر آل الحصان

|0 التعليقات


عمر باشا آل الحصان اسم لامع في فضاء الذاكرة الوطنية، التي تشكلت من فسيفسائها من نجوم مضيئة من رجالات الوطن الأوفياء، الذين أخذوا على عاتقهم تحمل أعباء كبيرة، والنهوض بمسؤوليات مراحل صعبة من عمر الدولة الأردنية، وكانوا السفينة التي خاضت عباب البحر الهائج، ووصلت إلي بر الآمان بفضل ربابنتها من قادة آل هاشم.

 لقد أسهم التناغم الكبير بين الرعية والقائد، في تمكين الوطن من تجاوز مصاعب متلاحقة وعقبات كأداء محلية وعربية ودولية، لتكون الأردن قلعة حصينة عصية على المؤامرات وكيد الكائدين. لذا كان عمر باشا آل الحصان من ممن تحدوا الواقع الاجتماعي والاقتصادي الصعب، وكرسوا حياتهم خدمة للناس والوطن، فاتحين الطريق على مصراعيه للأجيال القادمة من أجل الولوج إلى المستقبل، بخطى ثابتة، وبثقة أهلتهم للانطلاق قدما بالتنمية والبناء والتطوير.

كانت معان كما كانت على الدوام بوابة فتح ومنطلق أحداث كبيرة، ورحماً ولوداً لا يكف عن رفد الوطن بالرجال البناة الأشداء، فهي منذ فجر التاريخ بوابة بلاد الشام الجنوبية، ومفتاح حضارات تعاقبت على المنطقة، وسجلاً تاريخياً لازال كثير من كنوزه الحضارية تنتظر البحث والكشف والتحليل، فيكفي أن مدينة معان كانت بؤرة الدولة الأردنية الحديثة، حيث وضعت فيها اللبنة الأولى لمرحلة جديدة في تاريخ المنطقة برمتها، فهذه المدينة في يومنا الحاضر نجدها حاضرة في الفعل والإنجاز، لتكون كما قدر لها في كل عصر جوهرة لامعة على حافة الصحراء، وهمزة وصل تزداد أهميتها يوماً بعد يوم، مؤسسة على ماضٍ عريق، متطلعة في الوقت نفسه نحو مستقبل مشرق للوطن والأمة.

ولد عمر باشا سليمان مطر آل الحصان في مدينة معان عام 1889، ليواكب منذ طفولته المرحلة الصعبة التي عاشتها البلاد والمنطقة العربية، خاصة بعد تردي أحوال الدولة العثمانية السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتوجهات حكّام الباب العالي الجدد العنصرية، وعملها على بناء نظام حكم دكتاتوري يقوم على التتريك وتهميش القوميات غير العربية، والتنكيل بهم وفرض مزيد من الضرائب الجائرة والتجنيد الإجباري، وما عن ذلك كله من مشاعر سخط وغضب لدى العرب، أدت إلى انتفاضات وثورات، توجت بقيام الثورة العربية الكبرى، وكانت مدينة معان التي أصبحت أهم محطات سكة حديد الحجاز، من أكثر المناطق تأثراً بما آل إليه حال المنطقة تحت حكم الأتراك.

التحق عمر آل الحصان بالمدرسة في معان التي تطبق المناهج التركية، وبرز سريعاً كأحد الطلبة الأذكياء، الذين تميزوا بالتحصيل الدراسي المرتفع رغم صعوبة الأحوال الاقتصادية في تلك الفترة، وتمكن من مواصلة تعليمه حتى تخرج من التعليم العالي في العهد التركي، وقد أهله ما حصله من تعليم عالٍ نسبياً في تلك الفترة، لينطلق نحو الحياة العملية بكل قوة وحماس، حيث بدأ عمله في مجال الوظيفة الحكومية، عندما عين بوظيفة كاتب في دار الحكومة العثمانية في مدينة معان، التي لازالت تأن تحت السلطة التركية الحديدية.

 خلال وظيفته هذه واكب عمر باشا آل الحصان الأحداث التي مهدت الطريق لقيام الثورة العربية الكبرى، ومعارك جيش الثورة في محيط معان، عندما توافدت عشائر جنوب الأردن للانخراط في جيش الثورة، مما أسهم في تحقيق انتصارات متلاحقة وحاسمة على الأتراك، وبعد قدوم الأمير عبد الله بن الحسين إلى معان على رأس قوة عسكرية، كان عمر آل الحصان من المؤيدين والمؤازرين لسعى الأمير لتأسيس دولة عربية في شرق الأردن تكون قاعدة لتحرير البلاد العربية من الاستعمار الغربي، بعد أن توافد عدد كبير من أحرار العرب لتأييد توجهات الأمير عبد الله بن الحسين.

بعد قيام الدولة الأردنية عام 1921، لعب عمر آل الحصان دوراً ملموساً في الإدارة المحلية، ضمن مؤسسات الدولة الناشئة، فقد نقل إلى منصب رئيس النظار في مدينة معان عام 1924، لينهض بجزء من أعباء التأسيس الأولى الصعبة، وبعد ما حققه من نجاح لافت، وبروز اسمه بشكل مشهود، تم تعيينه في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي بمنصب قائم مقام مدينة جرش، وهو عمل جعله على تواصل مباشر مع الناس، فقد تكمن من بناء علاقات وثيقة مع الأهالي ونال ثقتهم، ونقل بعد فترة إلى مدينة مادبا ليعمل قائم مقام، وهو منصب في الحكم المحلي كان من المناصب الرفيعة في تلك الفترة.

لقد تمكن عمر آل الحصان من تحقيق سمعة طيبة في عمله، نظراً لنجاحه في المواقع التي شغلها، فقد عرف بجديته وذكائه وإخلاصه وتفانيه في العمل، فكان من الطبيعي أن يحصد ثمار جهوده ونجاحه، فما كاد يدخل عقد الأربعينيات الماضي، حتى تم تعيينه متصرفاً لعدد من المدن الرئيسة في الإمارة، حيث عين متصرفاً للواء السلط، وهي واحدة من أهم الحواضر الأردنية، وأكثرها قرباً من العاصمة عمان، وتمكن من حل كثير من القضايا والمشاكل الاجتماعية والقانونية، بفضل صلاته القوية مع ناس ورجالات اللواء، ولما تحل به من أخلاق نبيلة وتوخيه للعدل والمصداقية. بعد ذلك نقل إلى حاضرة الكرك أكبر مدن الجنوب، ليكون متصرفاً للواء الكرك، وواصل مسيرته الناجحة كأحد أهم رجال الحكم المحلي في تلك المرحلة، حيث عمل على تمكين مؤسسات الدولة الفتية لتقوم بعملها في خدمة المواطنين، وتقديمه صورة إيجابية عن رجال الحكم المحلي، وتفعيل اللامركزية بما فيه مصلحة الأهالي والدولة.

بعد خروج البريطانيين من فلسطين، والأحداث العسكرية والسياسية التي تبعت ذلك، وما نتج عنه من إحكام اليهود سيطرتهم على الجزء الأكبر من البلاد، بعد نكبة عام 1948، وانضمام الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية، عين عمر آل الحصان حاكماً عسكرياً عاماً في الضفة الغربية، بموجب قانون الإدارة العامة، ليكون من مهامه الإشراف على الشؤون الإدارية في الضفة الغربية عام 1949، في ظل ظروف قاسية وشائكة عاشتها البلاد والمنطقة في تلك الآونة، وكانت هذه المسؤولية محطة نجاح جديدة تضاف إلى سجل نجاحات عمر باشا آل الحصان، الذي لم يعتد التميز وحسب بل أتقنه أيضاً.

عين عمر باشا آل الحصان أميناً لمدينة عمان في عام 1955، وهو منصب مهم قدم له خبرات جديدة، فقد أولى تطوير الخدمات في مدينة عمان وتحديث البني التحية جل عناية، وقد ترك بصمته في شوارع وميادين العاصمة، في فترة شهدت فيها المدينة زيادة مضطردة في سكانها مما شكل ضغطاً كبيراً على مواردها والبنية التحية فيها، وواصل مسيرته اللافتة، فقد عين عضواً في مجلس الاتحاد الأردني العراقي – الاتحاد الهاشمي – عام 1958، غير أن هذا الاتحاد لم يكتب له النجاح بسبب الانقلاب العسكري الدموي في العراق، والذي ذهب ضحيته عدد من رجال الدولة الأردنية وعلى رأسهم دولة رئيس الوزراء حينها إبراهيم هاشم.

حمل عمر آل الحصان حقائب وزارية مختلفة في فترات متعددة، ففي عام 1947 أصبح وزيراً للمواصلات والزراعة والتجارة، وبعد أن تمكن من تحمل أمانة هذه المسؤولية المتعددة، عين عام 1950 وزيراً للدفاع، في مرحلة اشتداد المواجهات شبه اليومية مع الجيش الإسرائيلي على خط المواجهة في الضفة الغربية وباقي الحدود الغربية، أما في عام 1955 فقد أصبح وزيراً للداخلية، وفي العام التالي أسندت إليه حقيبتا وزارة الداخلية والدفاع، وهذه الوزارات المهمة ذات الصفة السيادية، قادها باقتدار رغم الظروف العامة والخاصة التي عانت منها البلاد في خمسينيات القرن الماضي. خاض آل الحصان العمل التشريعي عندما أصبح عضواً في مجلس النواب عام 1950، وفي عام 1958 أصبح عضواً في مجلس الأعيان الأردني، وقد احتفظ بعضويته في مجلس الأعيان في ست دورات متتالية، أي حتى وفاته. كان لعمر آل الحصان نشاط حزبي ملحوظ فقد كان عضو الهيئة التأسيسية لحزب « الأمة « الذي ترأسه دولة الراحل سمير الرفاعي عام 1954، وقد عرف آل الحصان بنزاهته وحرصه على المال العام، وتقديمه المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وقد نال خلال حياته عدداً من الأوسمة الرفيعة، حيث نال وسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الاستقلال الأردني من الدرجة والأولى، ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى، ومن العراق نال وسام الرافدين ومن سوريا نال وسام الاستحقاق السوري بدرجة ممتاز.