شفيق أرشيدات

شفيق أرشيدات

ان الحديث عن شفيق ارشيدات هو حديث عن شخصية أردنية وطنية وقومية مرموقة من الرعيل الأول.

فهناك محطات بارزة وهامة في حياته ، فهو رمز من الرموز الوطنية ورجل من رجالها المخلصين ، وفارس من فرسانها الأوفياء الذين قدموا للوطن خلاصة فكرهم وجهدهم وسخي عطائهم.

ولد الاستاذ شفيق ارشيدات عام 1918 في اربد من أبوين عربيين وأسرة فلاحية تعمل في الزراعة ، وتعلم شفيق ارشيدات القراءة والكتابة وختم القرآن في كتاتيب اربد ، وأكمل الدراسة الابتدائية والثانوية المتوسطة "الإعدادية" في مدرسة اربد عام 1936 كغيره من رجالات الأردن ومن ثم ذهب إلى السلط وانهى الدراسة الثانوية العامة عام م1938 وكما هو معروف كانت المدرسة الوحيدة الثانوية في إمارة شرق الأردن حيث تخرج منها ومن ثم ذهب للدراسة في دمشق حيث درس الحقوق وحصل على ليسانس في الحقوق.

وانخرط في ورش سياسية وهو طالب في الحقوق كان له نشاط واضح وملموس في الإنضمام لمجموعة صبحي أبو غنيمة الذي كان قائداً للشبيبة وللحركة الوطنية آنذاك. إضافة إلى العرب الذين أتوا من العراق والمغرب العربي وكانوا في دمشق وكانوا يتبادرون إلى الحوار واللقاء ، وقد تحدث الدكتور علي محافظة عن عوامل تكوين شخصيته قائلا:أحداث فلسطين كانت ملتهبة عام 1936 حيث بدأت الثورة في فلسطين واتخذ الشباب الأردني منها موقفاً واضحاً بعضهم التحق بالثورة وتركوا المدارس وبعضهم الآخر شكلوا جمعيات من جملتها جمعية الحرية الحمراء التي كان شفيق عضواً فيها ومؤسسا لها لدعم الثورة الفلسطينية.

وتحدث معالي الدكتور صالح ارشيدات عن عوامل التكوين السياسي والفكري لشفيق ارشيدات قائلا: هو فعلاً تأثر كثيراً بالجو العام الذي كان بالمنطقة تأثر بالقوميين تأثر بأفكار الأرسوزي القومية الشاملة وبتحليله العلمي للقومية العربية اي بعد أن اندحرت تركيا بعد 400 سنة من الاستعمار والجثوم على أرض العالم العربي كان هناك شعور يتكون داخل كل صدور الشباب العربي وهو التوجه نحو إيجاد حلم يجمع كل العرب الذين تأثروا بالاستعمار طيلة هذه الفترة وكانت القومية العربية بمفهمومها البسيط وهي وحدة عربية ذات استقلال تعمل لمصلحة الشعوب التي فسرت لاحقاً بعدة شعارات كانت هذه حلم الشباب الذين كان كل من يأتي ويتحدث بالقضايا القومية كان من ضمن هذه المجموعة التي انضم لها والدي طبعاً كان هناك كثير من الشباب العائدين من أوروبا والذين تشبعوا بالأفكار الاشتراكية والوطنية والقومية في فرنسا مثل ميشيل عفلق أيضا كان لهم زوايا وكانت هذه الزوايا هي التي تجمع الشباب من مختلف الدول العربية ويكون الحوار.

أما عن مجلس النواب والانتخابات في الأردن فقد تحدث معالي الدكتور صالح ارشيدات قائلا: قبل عام 1945 كان والدي يعتقد أن الإنتخابات هي الطريقة المثلى لتمثيل الناس وإيصال أصواتهم وأن الجهات العليا والسلطات المختلفة كانت تؤمن أن الإنتخابات هي وسيلة شعبية متميزة تعطي صاحبها الشعبية كونه منتخبا في أن يقول أنه حق لصالح الناس ففي عام 1945 استطاع الشباب القادمون الجدد أن يغيروا معالم مدينة اربد من خلال عملهم الدؤوب.

وفي عام 1949 كان ارشيدات أحد مؤسسي الحزب العربي الأردني وهو امتداد للحزب العربي الفلسطيني وكانت القضية الفلسطينية هي السقف وهي المقياس وهي المعيار وكان العمل الشعبي السياسي يرتبط بالقضية الفلسطينية خلال فترة الخمسينات ، وهذه مرحلة جاءت بعد الإنتخابات. الإنتخابات الأولى كانت عام 1947 وكان والدي عمره 30 عاماً ، ونجح فيها وكانت الحقيقة أنه شاب جديد قادم ومتحمس وشجاع يطرح قضايا الناس ودخل على جو ليس سهلاً.

وكان قدومه لمجلس النواب من جانب شخصي بالدرجة الأولى ولكن العائلة مهمة دائما وهي امتداد نسبي إذا ما قورنت بالجنوب أو الوسط ، ولكن العشائر الأردنية في الشمال مترابطة متصاهرة هناك نسب وهناك التزام تجاه قضايا اجتماعية وسياسية ولذلك استطاع من خلال هذا العمل المنظم الإنساني الوطني المنظم أن يصل إلى مجلس النواب عام 1947 واستطاع أن يكون رئيسا للجنة القانونية وكان هو والمرحوم عبد الحليم النمر اللذين شكلا نواة المعارضة الأردنية السياسية التي تبحث بقضايا الناس ولا تبحث بقضايا أخرى بمعنى آخر كانت المعارضة في السابق لها معان وطنية متميزة سياسية ووطنية...الخ.

أول انتخابات نيابية في فلسطين والأردن تمهيداً لقيام الوحدة بين الضفتين ، نزل شفيق ارشيدات إلى الإنتخابات مع جميع زملائه الذين يمثلون تيار عام في الأردن فنجح في تلك الإنتخابات وكان مع غيره يمثل لواء اربد في تلك الفترة عندما طرحت مسألة الوحدة بين الضفتين وكان هو وعبد الحليم النمر الوحيدين اللذين عارضا قيام هذه الوحدة بينما أهل الضفة الغربية وافقوا عليها وكان لهم وجهة نظر تتمثل في أن تبقى فلسطين كيانا سياسيا قائما بذاته على أي حال هذا موقف متقدم لشفيق ارشيدات وعبد الحليم النمر في بداية الوحدة بين الضفتين.

فقد دام هذا المجلس سنة واحدة فقط عام 1951 ثم انحل وكان من أقوى المجالس النيابية في تلك الفترة من الزمن ، وفي 1951 أجريت انتخابات جديدة تدخل فيها توفيق أبو الهدى ونجح شفيق ارشيدات وحدث تطورات بالأردن في عهد الملك حسين رحمه الله منها تعريب قيادة الجيش وانهاء المعاهدة الأردنية البريطانية.

وكان يرى شفيق ارشيدات ضرورة تحرر الأردن من الهيمنة البريطانية وأن يكون الأردن دولة مستقلة وأن يتبنى شعارات الثورة العربية وهي شعارات الوحدة والتضامن العربي وغير ذلك من الأمور ويعبر بذلك عن تطلعات الشعب الأردني الجديدة ، لهذا السبب شكّل شفيق ارشيدات وعبد الحليم النمر والعديد من الشخصيات الفلسيطينة التي انضمت إليهم ، عام 1954 الحزب الوطني الاشتراكي وكان منهم حكمت المصري وأنور الخطيب وعدد من قيادات الضفة الغربية لكن هذا التشكيل السياسي في الأردن كان يعبر عن طموحات جديدة.

وفي 2 ـ 5 ـ 1953 شكل فوزي الملقي أول حكومة في عهد الملك حسين رحمه الله وكانت حكومة ليبرالية تضم الشباب وكان شفيق ارشيدات وعبد الحليم النمر أعضاء في هذه الحكومة.

وبدأت الحياة السياسية واضحة في حكومة فوزي الملقي التي ظهر فيها حرية التعبير ، وحرية الصحافة ، والسماح للأحزاب بالنشاط السياسي ، وعدم تطبيق قوانين الدفاع إلا في حالة الضرورة القصوى وغير ذلك من الأمور التي كانت في غاية الأهمية طبعا كان شفيق ارشيدات وآخرون يمثلون هذا التيار.

أما عن العمل في مجال الصحافة وحرية التعبير عن الرأي فقد تحدث معالي الدكتور صالح ارشيدات قائلا: الحقيقة كان يعتقد أن الصحافة وسيلة متميزة في نقل الأفكار وايصالها للناس لذلك كان لا يترك وسيلة إلا يساهم فيها من أجل أن يعمل في الكتابة أو المشاركة في الكتابة أو على إصدار الصحف أو المجلات ، وفي عام 1949 ، بعدما عمل محررا لعدد من الصحف والمجلات ، وأصدر مجلة الميثاق وكان هو صاحبها ورئيس تحريرها ، بالإضافة إلى المحامي ضيف الله الحمود والمحامي محمود المطلق وفايز الروسان ، استمر هذا الزخم في التعبير عن الأفكار السياسية الوطنية من خلال الصحافة فكتب في كل المجالات وهي ما زالت قائمة بعد قيام وزارة الثقافة بإعادة نشرها.

وأضاف الدكتور علي محافظة قائلا: في فترة مبكرة من عام 1952 كان نقيباً للمحامين الأردنيين فلا عجب فيما بعد أن أصبح أميناً عاماً لإتحاد المحامين العرب عام 1963 ، ونجح فيه على نطاق واسع وأصبح شفيق ارشيدات ليس شخصية أردنية فقط بل شخصية عربية معروفة على صعيد الوطن العربي ، فعرف في دمشق وعُرف في القاهرة وانتقل من دمشق إلى القاهرة وتولى الأمانة العامة لإتحاد المحامين العرب وبقي فيها حتى جاء للأردن في السبعينات وعين عضواً في مجلس الأعيان. ووصفه الدكتور صالح ارشيدات قائلاً: أنه كان ودودا وصبوراً وشجاعاً يقف مع المظلومين وكان عادلاً في كل القضايا التي يستلمها أو حاول أن يتصدى لها وكان مفكراً وصاحب فكر.

تغمد الله الفقيد الكبير معالي الأستاذ شفيق ارشيدات بواسع رحمته ورضوانه.
تعليقات (فيس بوك)
1تعليقات (بلوجر)

1 التعليقات:

  • Unknown يقول :
    25 ديسمبر 2011 في 2:01 م

    تغمد الله الفقيد الكبير معالي الأستاذ شفيق ارشيدات بواسع رحمته ورضوانه.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).