محمود الكايد الحياصات .. عميد الصحافة الأردنية

محمود الكايد
يعد الحديث عن شخصية الراحل محمود الكايد "أبو عزمي" حديث عن أبرز أعلام الصحافة الذين كان لهم تأثير إيجابي مباشر على المستوى الإعلامي والصحافي في مراحل مهمة في تاريخ الصحافة المحلية ، فهو واحد من أبرز الشخصيات الأردنية الذين ارتبطوا بتاريخ الأردن وبنيانه ويسجل له إلى جانب مجموعة من الصحفيين الأوائل والقدماء سعيهم الدؤوب لتأسيس صحيفة الرأي الأردنية. ونحن اليوم إذ نكتب عن شخصية محمود الكايد فما هي إلا محاولة متواضعة وبسيطة لذكر بعض الجوانب المهمة لأبي العزم فهو الرجل صاحب الكلمة الموقف حيث أمضى نصف قرن من الزمان في دفاعه عن قضايا وطنه وأمته العربية وهو الرجل الموقف الذي امتاز بصفات الرجال الحقة كالوفاء والحلم وشدة التحمل بالإضافة لكونه موضع احترام وتقدير في كل مكان يحل به ، فشخصيته الفذه وفكره النيًّر أسهم في إثراء الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في الدولة الأردنية.

وقد جاء في كتاب الأستاذ محمود عبيدات مقوله لمؤرخ وفيلسوف فرنسي يدعى مسيولبري قال فيها: "لو لم تظهر حضارة العرب على مسرح التاريخ لتأخرت حضارة أوروبا عدة قرون". وقال الزعيم الكوري "كيم إيل سونغ": أنتم أمة عريقة جذورها في التاريخ باينة كالشمس في وضح النهار وتملك أمتكم مقومات الوجود الأبدي ولكم في التاريخ أكثر من نهضة ولم أجد أمة أغنت الإنسانية برواد أفذاذ مثل أمتكم العربية" ، وهذه المقولة تنطبق على الراحل أبو عزمي الذي أمضى حياته مناضلاً بقلمه وسيرته تحمل في طياتها كل معاني الشرف والإباء والنخوة قدم الكثير ولم ينتظر أجراً ما توانى يوماً عن خدمة وطنه وأمته ، مواصلاً الليل بالنهار فهو بحق عميد الصحافة الأردنية.

ولد محمود الكايد عام م1933 في مدينة السلط الأردنية ودخل الكتاب وهو في الخامسة من عمره ثم التحق بمدرسة السلط مصنع الرجال وأول ثانوية في الأردن وهي المدرسة التي تخرج منها العديد من رجالات الأردن الأوفياء والأشاوس ومن بينهم الراحل أبو عزمي الذي كوّن ثقافته السياسية في فترة مبكرة وذلك بفضل تأثير عدد من المعلمين الذين درسوا في العراق وسوريا ، فانتسب للحزب الشيوعي وأصبح ناشطاً في العمل السياسي. أُعتقل أكثر من مرة وذلك بسبب انتمائه للحزب الشيوعي وهناك وفي معتقل الجفر الصحراوي زامل كلاً من يعقوب زيادين وفائق رواد ، وبشير البرغوثي ومنير شفيق وفايز الروسان وفتحي البطاينة والكثير الكثير من رواد العمل الحزبي. وفي عام 1965 خرج من السجن بموجب قانون عفو عام في حكومة الشهيد وصفي التل بعد أن أمضى فيه ثمانية أعوام. عُين أبو عزمي موظفاً في وزارة الإعلام ثم عمل في دائرة المطبوعات والنشر لمدة ست سنوات وكان يذهب إلى دمشق بحكم عمله فدرس الحقوق في جامعة دمشق بين عامي 1968 و1970م ولكن ظروف قيام حرب أيلول حالت بينه وبين إكمال دراسته.

في عام م1974 عُين أبو العزم مديراً لتحرير جريدة الرأي وبعد مرور عامين تسلم رئاسة تحريرها ، ثم دخل الكايد الحكومة وزيراً للثقافة في حكومة علي أبو الراغب بين عامي 2000 - 1002 وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين. يعد الكايد واحداً من رواد الإعلام والصحافة والحركة الثقافية الأردنية وقد شغل منصب وزيراً للثقافة ونقيباً للصحفيين الأردنيين لثلاث دورات ومديراً عاماً للإتحاد الوطني وعضو لجنة تنفيذية للاتحاد الوطني وعضو لجنة الميثاق الملكية ، وعضو المجلس الوطني الاستشاري ، وهو يحمل وسام الاستقلال من الدرجة الأعلى ووسام الحسين للعطاء المتميز من الدرجة الأولى ، وميدالية الحسين للتفوق الصحافي.

لقد نشأ محمود الكايد نشأة الصحفي العصامي حيث انخرط في ميدان الإعلام بكفاءة مشهود له بها فهو الابن البار الذي ما توانى يوماً عن خدمة وطنه ومليكه ورفع شأن الصحافة والإعلام عالياً ملتزماً بقيم التسامح والعدالة في عمله الصحفي فأُعتبر حاله فريدة وظاهرة قد لا تتكرر في الصحافة الأردنية ، فهو العصي عن النسيان ، حجز مكانهُ في مقدمة الصحفيين الأردنيين كونه حر الفكر والتفكير جريء الرأي والموقف لا يخاف في قول الحق لومة لائم فأتاحت له مناصبه التي تقلدها الوقوف المباشر على معاناة الناس من أبناء وطنه فكان الشامخ الذي لا يُكسر ، الحر الأبي ، العزيز في قلوب كل من عرفه أو سمع به وسيبقى حاضراً في ذاكرة الناس جميعاً. يقال... من السهل على الإنسان أن يصعد إلى القمة ولكن من الصعوبة بمكان أن يبقى هناك. وأبو عزمي وصل القمة وبقي فيها.

وقد أجمع العديد من الشخصيات الوطنية الذين يتبوأون مناصب قيادية هامة في الدولة الأردنية على أن أبو عزمي محمود الكايد واحداً من الناس الذين تستمر ذكراهم خالدة بين الناس جميعاً ورغم أنه غائباً إلا أنه حاضراً بأخلاقه ومواقفه وبطولاته فهو لن يتحول إلى ماضي بل سيبقى حاضراً ونبراساً لكل باحث يهتدي بنوره إلى الدرب كل سائل وباحث ، مواقفه وأعماله ستخلده ومبادئه الوطنية وقوميته شاهدان على ذلك. قيل عنه المناضل والمناضل ليس فقط من يتواجد في ساحة القتال ويواجه الأعداء ولكن قد يكون النضال بالقلم أيضاً فأبو عزمي كان مناضلاً وطنياً كبيراً وعلى أكثر من جبهة خصوصاً جبهة الدفاع عن حرية الكلمة فأعطى الكثير من جهده واجتهاده وعرقه في سبيل وطنه وقضايا أمته وقد كان للقضية الفلسطينية حظ وفير لديه.

الرجال العظماء هم من يصنعون التاريخ والراحل محمود الكايد ضع تاريخاً مشرفاً لنفسه ليكون قدوة للأجيال القادمة في السير على نهجه وعلى خطاه. وقد تتلمذ على يديه عدد كبير من الصحفيين الأردنيين اللذين ما قصدوه بحاجة إلا ووجدوه مستجيباً وما استشاروه في أمر إلا ووجدوه مصيباً وصادقاً. قال فيه دولة السيد طاهر المصري رئيس مجلس الأعيان الأردني: يعد المرحوم محمود الكايد قامة عز لم تنحن إلا لله ، كان وطنياً سمت في شخصه الوطنية في أسمى وأعف مراميها كما كان عربياً تجسدت في ذاته العروبة في أبهى معانيها ، تدرج في العطاء من القمة إلى القمة فاستحق الثناء والتكريم في مماته كما في حياته مناضلاً ما ادعى يوماً شرف الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية والكرامة والعدل حيث كان كلامه موقفاً مثلما كان صمته موقفاً كذلك ، وهو من أسهم صادقاً في تعزيز شرافة النضال سياسياً وإعلامياً وثقافياً وإنسانياً وعلى كل صعيد ، راق نبيل محترم ومثله يرحمه الله من يحق له ولأسرته أن يفخر ويفخروا جميعاً بأنه وبرغم حساسية ميادين العمل التي خاضها بشرف لم يحد يوماً عن جادة الصواب وحرمة الكلمة وقدسية معانيها ، رحل محمود الكايد وترك لأهله وللسلط مدينته ومسقط رأسه ولنا وللوطن كله إرثاً طيباً يداوي أسانا على فراقه وذلك هو شأن الكبار في كل زمان ومكان.

وقال رئيس مجلس النواب دولة السيد فيصل الفايز في الراحل محمود الكايد: لطالما بقيت مقتنعاً بأن التقييم الحقيقي للرجال إنما هو مرتبط بغيابهم لا بحضورهم وهاهنا أجدني أنظر إلى أبي عزمي الصديق العزيز والكبير وأجده يؤيد هذه الرؤية لدي يعتبر أبو عزمي رجلاً وابناً منتمياً لتراب الوطن قدم الكثير له من التضحيات والعطاء حيث كان نموذجاً لجيل كامل من الصحفيين وأصحاب الرأي وجميع المنضوين في مسيرة العمل العام ثابتاً على الحق مخلصاً للحقيقة.

أما رئيس الوزراء الأسبق على أبو الراغب فقد قال بشخصية الراحل أبو عزمي: صنع أبو عزمي بمواقفه الثابتة مدرسة فريدة فجرأته كانت موشحه بالمرونة والمواجهة ، كان رحمه الله يحني مواقفه ولا ينحني بموقفه فهو العذب في مرونته والصابر إلى حد الأولياء والحاسم كالسيف كان عربياً حتى العظم وإنسانياً حتى التزمت. كان يمل من الإطالة في أي شيء ويفتنه الحب وتكثيف الأفكار والإقلال في الحديث والتمسك بعفة اللسان.

انتقل الراحل محمود الكايد إلى رحمته تعالى يوم الاثنين 31 ـ 5 ـ م2010 في عمان بعد حياة حافلة بالعطاء ، وهكذا فقد كان الراحل محمود الكايد واحداً من أبرز رجال الصحافة والإعلام الذين حققوا نجاحات مرموقة في مختلف الأصعدة ، كان مثقفاً واسع الأفق عظيم المآثر والمكارم رأى في السياسة والصحافة الوسيلة لخدمة الوطن.
تعليقات (فيس بوك)
1تعليقات (بلوجر)

1 التعليقات:

  • كاتب حر يقول :
    23 ديسمبر 2011 في 3:11 م

    رحمة الله عليك يا عميدنا ...

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).