أرسل لنا صورة |
يعد الشيخ هايل عوده السرور شخصية أردنية مرموقة وفريدة من الرعيل الأول جمعت ما بين الهم الوطني والعربي وبين الشأن السياسي والتعليمي قلما توفرت في غيره.
ولد المرحوم الشيخ هايل عام 1913 في منطقة الرويشد ، وكان المسؤول عن العائلة والده عودة السرور وكانوا في مرحلة البداوة ولم تستقر عشائرهم في ذلك الوقت ، وبرز شغفه بالتعلم وبالحياة العامة وفي المشاركة فيما يدور حوله من أحداث.
فتنبه لذلك والده المرحوم عودة السرور وأمن له مدرس في ذلك الوقت يسمى "خطيب" ليعلمه ويدرسه أصول القراءة والكتابة ويثقفه بالشؤون العامة ، وكان هذا الخطيب ينتقل مع البدو في حلهم وترحالهم وعندما تفتحت مداركه ومعارفه وتعلم أصول القراءة والكتابة بدأ بتثقيف نفسه فوصل لمرحلة من التعليم تتمثل في إجادته اللغة العربية بقواعدها وكذلك الفرنسية.
وفي مطلع شبابه بدأ بتولي مسؤوليات يساعده بها والده وكان يشجعه على ذلك وتولي في آخر حياة والده المرحوم عودة سرور مسؤولية قيادة عشائر المساعيد وقبائل أهل الجبل ، ثم لاحقاً دفع به إلى خوض الانتخابات النيابية ممثلاً لقبائل جبل العرب في ذلك الوقت ، حيث تقدم الشيخ هايل السرور للانتخابات في مجلس الشعب السوري وفاز في ذلك الوقت عدة مرات متتالية في المجلس ، إلى أن أصبح مراقباً للمجلس في تلك الفترة ، وشارك أيضاً في كافة الحركات الوطنية في ذلك الوقت.
وقد تحدث الشيخ برجس الحديد عن معرفته بالشيخ هايل سعد السرور قائلاً: سمعت عن الشيخ هايل السرور عندما كان عمري عشر سنوات منذ الطفولة كانوا أقاربي يتحدثون عن شجاعة هذا الرجل حيث كان يقاتل في فلسطين وكان على رأس مجموعة من شباب أهل الجبل وكان أخي هايل "المقصود هايل الحديد" رحمه الله على رأس مجموعة من أبناء البلقاء.
كون الصداقة التي كانت تربط بينهم التقى الاثنان وشكلوا وحدة واحدة وقاتلوا اليهود في معركة احتلال بلدة "بدو" غرب القدس حيث تقدمت المجموعة وسقط أخي أثناء القتال جريحاً وكانت جراحه بليغة فحمله من أرض المعركة الشيخ هايل السرور ومعه أقاربي وشباب من عشائر الدعجة وكان يقول أخي هايل: "أنا إصابتي بليغة شيخ هايل لا يوجد في أي فائدة" ولكن الشيخ هايل أصر أن يخليه من أرض المعركة رغم كثافة الرماية وكان ذلك من باب الوفاء والصداقة وذهب به إلى مستشفى رام الله ، ولكن أخي فارق الحياة قبل أن يصل المستشفى وكان أقاربي الذين كانوا مع أخي هايل يتحدثون عن هايل السرور ودماثة أخلاقه وشجاعته. وما التقيت الشيخ هايل السرور إلا بعد مرور خمسة عشر عاماً ، عندما كنت ضابطاً في سلاح الجو الملكي الأردني في قاعدة الحسين الجوية التي تقع بين المفرق وأم الجمال وكان ذلك اللقاء الأول بيننا وبقيت صديقاً له رغم اختلاف العمر بيننا إلى أن التقينا في مجلس الأعيان عام 1986 وكنت دائماً أجلس إلى جانبه وأسمع من حكمته وشعره وكان علم من أعلام الشعراء العرب حتى في سوريا ، والعراق والأردن والسعودية ، ما تذهب إلى مكان إلا وتسمع شعر الشيخ هايل السرور.
وأضاف الشيخ برجس الحديد قائلاً: بعد أن تقاعدت من سلاح الجو الملكي الأردني طبعاً لبست عباءة وذهبت في صلحة بين الزبن وبين الفواز والتقيت أخي رحمة الله عليه ولم يعرفني أبداً سلمت عليه وسأل عن حالي وعندما سأل عن أخي فقمت وسلمت عليه فضحك الجميع في الجاهة ، لا يمكن أن يعرف أحد هايل السرور وينساه شخصية راقية دمث الخلق ، سريع الخاطر ، سريع البديهة ، فارس ، وبقيت على اتصال معه حتى التقينا في مجلس الأعيان وكانت مواقفه دائماً وطنية وكان قومي حتى النخاع.
وتحدث الشيخ برجس الحديد عن القضاء العشائري عند هايل السرور قائلاً: أخذ القضاء العشائري وتدرب عليه عن والده عودة السرور ، وطبعاً بعد وفاة والده هو استلم القيادة وبدأ عندما احتلت تركيا الأردن تقريباً وكانت مسيطرة على الكرك والطفيلة والسلط وعمان وكانت تخضع للأنظمة والإدارة العثمانية ، أما الجزء الباقي المترامي الأطراف فكان يخضع للقضاء العشائري. ومعظمها مستمدة من الشريعة الإسلامية ، ولذلك جلس الحكماء من العشائر ووضعوا قانون لحماية الضيف وإنصاف الجميع وكان هايل السرور أحد قضاة العشائر البارزين وكان دائماً مع الحق لا تأخذه فيها لومة لائم.
وأضاف معالي المهندس سعد هايل السرور عن القضاء العشائري قائلاً: اتيح لي في حياتي الأولى أن أحضر المجالس التي كان يتناول فيها هايل السرور قضايا تتعلق في خصوم ما بين أفراد العشائر من مختلف أنحاء الممكلة فكان ينتدب لحل هذه القضايا وكان يميل إلى أن يحاول حل المشكلة بالتوافق ، وكان لا يلجأ إلى ما تقتضيه العادات العشائرية إلا إذا أعيته الحيلة في خلق التوافق ما بين الناس لأنه كان يقول لي أن التوافق يطيب خواطر الناس إذا لم يستطع فيفصل حسب العادات والأعراف المعروفة في ذلك الوقت ، وكان لا يحل قضية إلا ويسرد سوابق ليقنع الخاسر أو الرابح بأنهم ليسو الوحيدين وهذه دلالة الحكمة ولهذا يمتثلون للحكم دون أي مشاكل.
أما عن الدور الاجتماعي في حياة الراحل الشيخ هايل السرور ومساهمته في إصلاح ذات البين والعمل على توفير الخدمات العامة لمجتمع البداوة ، وأضاف معالي المهندس سعد هايل السرور قائلاً: كان هايل السرور متنبها لقضايا عديدة على رأسها قضايا الخدمات العامة للناس لكي يستقروا في الأرض فشجع أبناء تلك المناطق على الاستقرار بداية لأن المجتمع الذي كنا نسكن فيه كان مجتمع بادية حل وترحال فقد ساهم هايل السرور في استقرار وبناء تجمعات سكنية وقرى وتوفير الخدمات الأساسية اللازمة لهم ، لكن الذي كان يشغل باله هو موضوع التعليم حتى هذا انعكس علينا نحن أبنائه إذ لم يكن هنالك مدرسون وقد وفرهم لنا ، كانوا ينتقلون معنا ولم يهتم فقط بتعليم الأبناء الذكور فقد اهتم بتعليم البنات ، وهذا اهتمام بالمرأة ، وتعليمها وإعطائها حقوقها كاملة ، فقسم من شقيقاتي كان داعماً لهن أن يكملن دراستهن خارج الوطن. وقال معالي سعد هايل السرور : انه استمر عدة دورات في مجلس الشعب السوري لغاية م1957 ، وكان ذلك من جراء إيمانه بوحدة سوريا بقيادة هاشمية وقد اضطهد أيام الاستعمار ، وقد ذكر المغفور له جلالة الملك عبد الله المؤسس أنه عندما كان مطاردا من الإنجليز ومن الفرنسيين لدفاعه عن القضية العربية خبأه في بيته "العرين الهاشمي" أشهرا لكي لا يكون تحت سيطرة أي من الجهتين الاستعماريتين ، واتهم أيضاً من قبل أنصار المعسكر الشيوعي في ذلك الوقت بالتآمر بتحقيق هذه الوحدة فاعتقل وسجن وحكم عليه بالإعدام ولكنه بقي مؤمناً برسالته.
وأضاف الشيخ برجس الحديد حول هذا الموضوع قائلاً: إن البدوي لا يؤمن بالحدود ، وهكذا كان هايل السرور يؤمن بسوريا الكبرى ويؤمن أن الأردن وسوريا ولبنان بلد واحدة ، لأنه قومي حتى العظم ، وقد كان الشيخ هايل يهتم بقضايا الأمة العربية وليس الأردنية فقط وكانت الأمة دائماً في عقله ووجدانه وكان يحمل هم كل الأمة وأراه مكتئباً إذا حصل شيء ما في أي بلد من البلدان العربية وقد كان الشيخ هايل السرور شاعراَ ، ومن شعره الذي كان يرسله لابنه سعد يقول فيها نصائح: البارحة عيني سرى النوم عنه واهول عين سارية مثل مسراه عين ترش دموعها رشف شنه أو دلو تسحب فطر العيس برشاه يا سعد على أبوك ما أواه جنه بالضيق ما ضيع خويه وخلاه وقد وصف الشيخ برجس الحديد الشيح هايل السرور قائلاً: من أذكى الرجال الذين قابلتهم بحياتي ومن أشجعهم وكان شاعراً وكان دمث الخلق سريع الخاطر سريع البديهة لا يمل صديقه ابداً وبالنهاية رحمه الله وعليه رحمة واسعة. وقال معالي المهندس سعد هايل السرور بوالده: استطيع إلا أن أقول ما أشعر به بداخلي وما أشعر به لا استطيع أن اعبّر عنه واسكنه الله مع الأبرار والقديسين.
هكذا كان أبو عبد الله جامعاً بين الوجاهة العشائرية والوطنية والقومية في آن واحد حيث شارك في النضال على أرض فلسطين ودافع عن هذه الأمة وكان سياسياً بارعاً عمل من أجل هذا الوطن ومن أجل أبناء هذا الوطن.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|