محمد البشير العواملة .. شهيد الواجب ونصير صحة الفقراء

الطبيب والسياسي محمد البشير
وصف بأنه الطالب الذي يستوعب كل ما يلقى عليه بسرعة مدهشة وسجل له إفراطه في تبرعه لصندوق المحتاجين والقيام بإنشاء المشاريع من أجل تحسين أوضاع المسنين كما عمل على افتتاح دور المسنين وتقديم الخدمة اللازمة لهم.

وأثناء دراسته في دمشق تعرف إلى قادة الأحزاب وفصائل الحركة الوطنية السورية حيث كان ناشطاً في تلك الأجواء ، تمتع بالسمعة الطيبة والخلق الحسن حيث كان شخصاً طيباً مليئاً بالحيوية نذر نفسه لخدمة وطنه والناس.

ولد محمد عبد الرحمن البشير بمدينة السلط في عام 1925 والده كان أحد وجهاء عشيرة العواملة في مدينة السلط حيث كان الناس يلجأون إليه للفصل في الخلافات القائمة وحل القضايا العشائرية والزراعية.

تلقى تعليمه الابتدائي في الكتاب ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية ومنها تابع دراسته في مدرسة السلط الثانوية حيث حصل على شهادة الدراسة الثانوية عام 1943 وكان من زملائه في مقاعد الدراسة بعض الشخصيات الأردنية التي شغلت العديد من المناصب في الدولة الأردنية أمثال محمد نزال العرموطي ، وسامي حمارنة وحمدي الساكت وشوكت تفاحة وأحمد مساعدة وغازي القماز وبشير محمد الحسين.

بعد ذلك عين كاتباً للرسائل في وزارة الداخلية في محافظة الكرك ثم ترك عمله وذهب لمتابعة دراسته الجامعية حيث التحق بجامعة دمشق لدراسة الطب وتخرج منها عام ,1952

ثم عاد إلى وطنه الأردن ليعمل طبيباً في وزارة الصحة في مدينة السلط وقد سافر الدكتور محمد البشير إلى الديار المقدسة كرئيس لبعثة الحج الأردنية ، ثم أصبح مديراً للصحة. التحق الدكتور محمد البشير بجامعة عين شمس ليختص بالطب الشرعي والسموم. وهو يعتبر بحق مؤسس الطب الشرعي في الأردن.

باشر الدكتور محمد البشير عمله الوزاري بتاريخ 28 ـ 10 ـ 1970 كوزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء وذلك في حكومة الرئيس وصفي التل الخامسة والأخيرة وعندما أجري أول تعديل على هذه الحكومة استلم الدكتور محمد البشير حقيبة وزارة الصحة وذلك في 22 ـ 5 ـ 1071 وهو المنصب نفسه الذي شغله في حكومة الرئيس أحمد اللوزي الأول ، وفي حكومته الثانية أسند إليه حقيبة وزارة المواصلات وخلال هذه الفترة تم اختيار الدكتور محمد البشير كعضو في اللجنة التنفيذية العليا في الاتحاد الوطني وذلك عام ,1972

وعاد محمد البشير في 13 ـ 7 ـ 1976 ليستلم للمرة الثالثة حقيبة وزارة الصحة في حكومتي الرئيس مضر بدران الأول والثانية. ومما يجدر ذكره أنه وفي عام 1971 عين الدكتور البشير مديراً لإدارة مستشفى الجامعة الأردنية فقام بواجبه حق قيام.

في حياة البشير العديد من الانجازات والشواهد التي بقيت قائمة مخلدة لذكره حتى بعد استشهاده أثناء قيامه بواجبه الوطني الذي حرص على أدائه على أكمل وجه حيث تم استدعاءه في التاسع من شباط عام 1977 لمرافقة الملكة علياء في جولتها في الجنوب ، واعتلى طائرة الهيليوكبتر بمعية الملكة علياء ، كل من: بدر الدين ظاظا ، والدكتور مهند الخص ، وطارت بهم الطائرة إلى مستشفى الطفيلة ثم عادت ، لتواجه عاصفة قوية وسقطت واستشهد جميع من فيها ، بعد ذلك تم تشييع الشهداء وتم دفنهم في المقابر الملكية.

وقد حمل اسمه اليوم أحد اهم المستشفيات الحكومية وأكبرها في الأردن وهو مستشفى البشير الذي يزوره كل يوم الآلاف من الفقراء والمحتاجين حيث يتلقون الرعاية الصحية على أكمل وجه.

لقد آمن الدكتور البشير بالتعليم العالي وحث أبنائه على تلقي تعليمهم في أكبر الجامعات لذلك فقد كان بمثابة المثل الأعلى والقدوة الحسنة التي يقتدى بها ، وقد اقترن الدكتور محمد البشير بالسيدة هيفاء مسعود ملحيس التي تخرجت من معهد دار المعلمات بالقدس عام 1948 وأصبحت معلمة في مدينة نابلس وقد كانت بحق ناشطة سياسية واجتماعية تبوأت العديد من المواقع المهمة وقد أنجبت كوكبة من الأبناء وهم الدكتور مازن وهو طبيب اختصاص في الأسرة من جامعة ليفربول والدكتور عوني ، أخصائي جراحة القلب ووزير صحة سابق ونائب سابق واقتصادي والدكتور عبد الرحمن أخصائي نسائية وتوليد وأطفال الأنابيب والأجنة والمهندس بلال تخصص في هندسة البيئة والدكتور صلاح الدين وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق من جامعة ماجيل في كندا وقد شغل العديد من المناصب الوزارية آخرها وزارة الخارجية ، في حكومة المهندس نادر الذهبي ، والمهندس عامر خريج الجامعة الأردنية هندسة معمارية ، والذي فاز بعضوية مجلس أمانة عمان عام 2007 بأغلبية ساحقة وانتخب نائباً لأمين عمان.

وقد جاء في مذكراته التي كتبها موصياً أبنائه بها: "قيمة وجود الإنسان فيما يحققه في هذه الدنيا على مدى حياته من مثل وأهداف ، ولقد عملت جهدي بكل إخلاص وتفانْ لإنشاء أبناء صالحين خلقاً وعملاً ، وأدعو الله أن يتمكنوا من أن يقدموا لأمتهم وأسرهم وأبنائهم ما يرضي الله سبحانه وتعالى. وأدعو الله أن يرحم الوالد لأنه أخلص في تربيتي وضحى في سبيل تقدمي. وإني أؤمن أنه لا يمكن أن يكون الرجل صالحاً لأمته إن لم يصلح أبناءه ، فقد نذرتكم لله وللوطن فكونوا خير وحدات ديناً وخلقاً وعلماً".

وقد نشأ البشير في بيئة غنية بالأخلاق الحسنة فعاش حياة بسيطة يكللها طيب المعاملة ومشاركة الآخرين جميع مناسباتهم وصدق اللسان وتعميق الصلات بالآخرين وقد اقيم للدكتور محمد البشير ومن رافقة من الشهداء وهم بدر الدين ظاظا والمقدم مهند الخص حفل تأبين بقصر الثقافة بتاريخ 20 ـ 3 ـ 1977 بمناسبة مرور أربعين يوماً على استشهادهم وقد حضره الأمير الحسن وعدد من رؤساء الوزارات السابقين وذوي الشهداء وممثلي الفعاليات الرسمية والشعبية ورؤساء الهيئات الدبلوماسية. وقد ألقوا العديد من الكلمات التي أشادوا فيها بالشهداء ومآثرهم ومناقبهم.

وأمضى الدكتور محمد البشير أكثر من نصف حياته طبيباً مجداً وضع القسم الذي أقسمه نصب عينيه ساعد الفقراء والمحتاجين على التغلب على أمراضهم ناذراً نفسه وعلمه للدفاع عنهم. وتخليداً لذكراه فقد أطلقت أمانه عمان الكبرى اسمه على الشارع الذي كان يسكنه في عمان ، كما وكرمته وزارة الصحة لتطلق اسم مستشفى البشير على مستشفى الأشرفية سابقاً.

رحم الله الشهيد محمد البشير ورحم جميع الشهداء اللذين استشهدوا معه.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).