الدكتور فوزي الملقي |
إن الحديث عن فوزي الملقي هو حديث عن شخصية وطنية مرموقة من الرعيل الأول ، ساهمت بدور مميز في سياسة الإصلاح الاقتصادي ، وفي إدخال تجربة الديمقراطية إلى الأردن فقد كان قلبه مليء بحب الوطن والشعب ولديه الحماس والكفاءة والتواضع ، كما كان لديه القوه ، وقد اكتسب هذه القوة من محبة الناس له ، كما أنه أحس بهموم الأمة وتأثر بها شخصياً ، لأنه عاصرها منذ نعومة أظفاره ينتمي فوزي الملقي إلى أسرة عربية تعود بأصولها إلى مدينة حماة في سوريا ، وقد انتقل جده ووالده من حماة إلى دمشق ، وأقاموا في حيَّ الميدان.
وأهالي الميدان كانوا يمارسوا التجارة في مادتين المادة الأولى هي الحبوب مثل الشعير والعدس والمادة الثانية هي الأقمشة ولذلك انتقل جده ووالده إلى ممارسة هاتين المهنتين وكان يأتي بالحبوب من سهول حوران فكان إذا ينتقل والده عيد الملقي في هذه المناطق في مناطق حوران ، واهتدى في النهاية إلى إربد التي أخذ منها الحبوب وأصبح يعرف أهلها وأخيرا قرر الاستقرار في إربد ، وجاء بأسرته إلى إربد وفيها ولد فوزي ، ففوزي ولد سُنَّة 1909 في إربد حيث كانت بلدة صغيرة.
بدأ فوزي الملقي دراسته في مدرسة إربد عام م1916 التي اصبح يطلق عليها فيما بعد "مدرسة تجهيز إربد" حيث كان في إربد مدرسة ابتدائية ومدرسة اعدادية بالمفهوم العثماني أي للصف السادس الابتدائي تقريباً والحقيقة أنه التحق بالمدرسة عام 1916 يعني بعدما بلغ عمره سبع سنوات مع قيام الثورة العربية الكبرى تقريباً.
وكان فوزي من الأوائل وكانت العادة أن يدرس من الأردن إثنان إلى الجامعة الأمريكية في بيروت ، الأول والثاني وكان فوزي من هؤلاء الذين ذهبوا إلى بيروت وحصل فوزي على شهادة (B.S.C) أي البكالوريوس في العلوم سنة 1932 وفي هذه الفترة عاصر مجموعة من الشباب الأردني الذين درسوا في بيروت.
ويقول المرحوم سليمان النابلسي بمذكراته بحياة الجامعة الأمريكية حتى عام 1931 لم يكن فيها أكثر من 18 طالب أردني وهذا عدد كبير بالنسبة للأردن ، وهؤلاء الشباب عندما عادوا عملوا في الدولة أردنية وأصبحوا يشكلون نواة الحركة الوطينة في الأردن حيث كان لهم دور في التفكير السياسي في نشر الوعي السياسي في الأردن.
وقد تحدث الدكتور على محافظه قائلاً: أن فوزي الملقي في الحقيقة كان من هذا الجيل الذي أسس البدايات للوعي السياسي والتعليم السليم القويم في الأردن لأن هؤلاء هم الذين اشتغلوا في المدارس الثانوية في الأردن وربوا الأجيال اللاحقة من الأردنيين.
وعند عودته للأردن بعد تخرجه عين معلماً في وزارة المعارف الأردنية عام 1932 ، لمدة ست سنوات ، وقد درس في مدرسة الكرك ومدرسة السلط ، وعمان.
وفتحت أمامه آفاق للإتصال بالشباب الأردني الذين لهم إتجاهات سياسية فتشكلت عصبة الشباب الأردني المثقف من فضل الدلقموني ، وسليمان النابلسي ، وعبد الحليم عباس ، وأديب عباسي ، وغالب القسوس ، وصلاح طوقان.
أما عن علاقة فوزي الملقي بالأمير عبدالله فيبدو أن الأمير سمع عنه الكثير من ابي الهدى وبعض رجال القصر من خلال الندوات التي كانوا يحضرونها ، وتعرف الأمير إليه أكثر عندما كان فوزي مديراً لمدرسة عمان القريبة من فندق فيلادلفيا الذي كان الأمير يقيم فيه ، إذ كان الأمير يتردد بشكل مستمر إلى المدرسة لحضور الطابور الصباحي ، فتعرف عن قرب على فوزي الملقي ، وهذه المرحلة من حياته العملية كانت ذات اثر كبير في حياته ومستقبله.
وقدمت الحكومة البريطانية منحة دراسية لأحد الطلبة الأردنيين للحصول على درجة الدكتوراه في الطب البيطري ، وقد نُسب اسم فوزي المقلي لهذه المنحة بناءً على دراسته للعلوم الطبيعية ، فسافر في عام م1939 إلى جامعة رويال دين في أدنبره ، وصادف في ذلك الوقت قيام الحرب العالمية الثانية ، فبقي في أدنبره حتى عام 1942 ، حصل خلالها على درجة دكتور في الطب البيطري.
وتعذر على فوزي بعد أن أنهى دراسته العودة إلى الأردن بسبب ظروف الحرب ، فانتهز الفرصة وانتسب إلى جامعة كامبردج لدراسة القانون السياسي والاقتصادي.
وعاد فوزي الملقي إلى عمان سنة 1943 في ظروف صعبة عن طريق البحر ، وعند عودته إلى الأردن استقبله الأمير في قصره وأمر بتعيينه رئيساً لدائرة البيطرة في الأردن ، وعين فوزي في عام 1944 مستشاراً اقتصادياً لرئيس الوزراء توفيق أبو الهدى ثم عينه أبو الهدى في وظيفة في غاية الحساسية في الحرب العالمية الثانية وهي "التموين" مديراً عاماً للتموين لضبط حركة الأسعار وانتقال البضائع.
وقد تحدث معالي إبراهيم عز الدين وعقد مقارنة بينه وبين الرؤساء الأفاضل والبناة الأفاضل الذين أنشأوا الأردن مع الملك المؤسس حقيقة أن الأردن حظي منذ إنشاؤه سنة 1921 بعدد كبير من رؤساء الحكومات الذين كان لهم دور أساسي في الإمبراطورية العثمانية ومن ثم في عدة مواقع أخرى وخدموا هذا البلد بكثير من الإخلاص الشىء الذي يفرق فوزي باشا الملقي عن رؤساء الحكومة الذين سبقوه بأنه هو الوحيد من مواليد القرن العشرين.
وقد عمل"الملقي"سفيرا لعدة عواصم في العالم ، حتى بعدما أصبح رئيساً للوزراء عمل سفيراً في مصر ، ثم أصبح مندوبا للأردن في هيئة الأمم المتحدة وقبل ذلك عمل سفيرا في أوروبا لعدة مرات ، فالعمل الدبلوماسي كان أحسن جزء من تكوينه أستطيع أن أقول يمكن في تكوينه الثقافي بالطبع أتيح له أن ينظم عقله علميا أتيح له الإنفتاح على الأفكار المختلفة نتيجة تعرضه للفكر الغربي وثم أيضا أتيح له القدرة والعيش في مناطق يستطيع منها أي يستشف العالم الجديد كيف يسير.
أما عن عمل فوزي الملقي في المجال السياسي ، فقد تحدث الدكتور علي محافظه قائلاً: دخل فوزي الملقي الحكومة لأول مرة وزيراً للمواصلات في وزارة توفيق أبو الهدى ، ويلاحظ أن توفيق أبو الهدى كان قد عهد إليه بهذه الوزارة ليصار إلى تدريبه وإكسابه الخبرة ، حيث قام رئيس الوزراء في عام 1948 بالتخلي عن وزارة الخارجية التي كان يقوم بأعبائها ، وعُين فوزي الملقي وزيراً لها ، إضافة إلى وزارة المواصلات ليحمل أعباء وزارتين معاً.
أما عن علاقة فوزي الملقي بالملك حسين فقد تحدث الدكتور على محافظه قائلاً: عمل فوزي الملقي سفيرا في باريس وسفيرا في لندن عمله سفيرا في لندن أتاح له فرصة اللقاء مع ملك المستقبل وهو الأمير الحسين بن طلال في تلك الفترة من الزمن فتوثقت العلاقة بين الأمير حسين وفوزي الملقي خصوصاً أنه اصبح مسؤولاً عن معظم أموره كما أنه تأثر بالروح القومية السائدة في الوطن العربي وساهم فوزي الملقي في نقل هذه المشاعر إلى الأمير أثناء لقاءاتهما المتكررة فأصبح فوزي يعرف الملك معرفة دقيقة كما أصبح الملك القادم يعرف فوزي معرفة دقيقة وأعتقد أن هذا لعب دورا مهما في التقارب الذهني ومناقشة قضايا الأردن وهذا سهل عملية اختياره وعقد عليه ويبدو أن الملك الشاب الذي تولى الحكم أعتقد أن هذا الشخص المناسب الذي يمكن أن يطبق أفكاره لأن الملك الحسين عندما تولى الحكم جاء بأفكار جديدة أيضا هو عاش في بريطانيا وشاهد نظام الحكم في بريطانيا وجاء بأفكار يريد أن ينقل الشعب الأردني إلى الحضارة الجديدة إلى المفاهيم الجديدة ربما كان في ذهنه أن طبيعة الحكم يجب أن يغير شكل الحكم يجب أن يتغير يعني يجب أن يعطي الحكم دفعة من الليبرالية دفعة من الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي.
واضاف الدكتور علي محافظه قائلاً: هذا الرجل بعد أن ترك الوزراة أصبح وزيرا للبلاط من 1954 - 1956 ثم بعد ذلك كان يفضل العمل الدبلوماسي فذهب إلى مصر وعمل سفيرا حتى عام1958.
وخلال الأعوام 1957 ، 1958 تعرض لشىء من الإضطهاد ورقابة في البيت لسبب ليس له علاقة فيه ، وظل خارج الحكم لسنة 1961.
وفي عام1961 عين مندوبا عن الأردن لدى الأمم المحدة لبضعة أشهر ثم توفاه الله في مطلع عام 1962حقيقة شخصية فوزي الملقي في ذاكرة الأردنيين شخصية محببة مقبولة من كل الأطراف لأنه حاول فعلا أن يجمع الأضداد في بعض الأحيان ولم يقبل أن ينحاز إلى أي جهة أعجبت به المعارضة كما أعجبت به الموالاة فهو رجل إصلاح حقيقي وهو رجل غير صدامي وكان يفضل الدبلوماسية على الصدام وخلط الصراع الداخلي بين رؤساء الحكومات الذين شكلوا كتلا وتجمعات اتخذت أسماء حزبية مثل حزب الأمة وحزب العهد هو لم يقبل بذلك.
ووصفه معالي إبراهيم عز الدين قائلاً: هو شخصية كانت محببة وليبرالية وتعرف العالم لكن أريد أن أقول أيضا أنه أعطى وصف لما كان يحدث. هكذا كان فوزي الملقي من أبرز رجالات الأردن ، امتاز بروحه العربية الصافية وعواطفه القوية ، فقد جاهد في سبيل بلاده ، دمث الأخلاق ، لطيف المعشر والحديث ، يتميز بدبلوماسيته البارعة واسلوبه البارز في الحياة والعمل ، كما يعتبر من الساسة البارزين القلائل الذين جمعوا بين الإخلاص لبلادهم والوفاء لمتطلبات السياسية.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|