‏إظهار الرسائل ذات التسميات ن. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ن. إظهار كافة الرسائل

نمر باشا العريق العبادي

|0 التعليقات
أرسل لنا صورة

تفاجئنا شخصية نمر باشا العريق العبادي، بوعيها السياسي المبكر، المستند على فهم قومي تحرري عميق، في ظل ظروف عامة في تلك الفترة، أقل ما توصف به: سيادة الأمية وندرة التعليم، واستشراء ممارسات التجهيل من قبل حكومة جماعة الاتحاد والترقي التركية العنصرية.

كان نصيب شرقي الأردن من الإهمال والتنكيل كبيراً، وليس أدل على ذلك من الثورات والاحتجاجات، التي حدث في هذه النواحي، وأبرزها ثورة الكرك المعروفة « بالهية « سنة 1910، غير أن موقع الأردن، وتفاعل سكانه من بدو وفلاحين وحضر، مع الأحداث العامة، وصلاتهم القوية مع المناطق المحيطة، كفلسطين والشام وبيروت، جعلهم أصحاب نهج قومي، يهدف للاستقلال والوحدة، حيث ربطوا مصير بمشروع النهضة العربية، وبضرورة أن يحكم العرب أنفسهم بأنفسهم، وكان الشيخ نمر باشا العريق، مثالاً ناصعاً ومتقدماً لهذا الوعي، الذي قرنه بالمواقف المعلنة، والتي تم توثيقها، حيث بين بشكل لا يقبل الشك، انخراط الأردنيين، في الجهود العربية الساعية إلى توحيد الصف، ورفض سلطة دول الانتداب الغربية.

لقد أغفل كثير من الباحثين والمؤرخين، توثيق سيرة نمر باشا العريق، رغم أن عدداً من المصادر أشارت إلى بعض من مواقفه، التي تعد علامة على صعيد المنطقة العربية، والتي تؤشر على وعي متقدم، في مرحلة مضطربة وضبابية من تاريخ البلاد العربية، منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وما رافق ذلك من أحداث غيرت شكل المنطقة إلى الأبد. ومع ذلك أغفلت مراحل عديدة من حياة هذا الشيخ المناضل، الذي كان له شأن كبير ومشهود في مرحلة التأسيس وما قبلها، ويعد الشيخ نمر من أبرز شيوخ مشايخ قبيلة بني عباد، التي تعد من أكبر القبائل الأردنية عدداً، وترجع بعض المصادر نسب العبادي إلى تميم، ومصادر أخرى تشير إلى احتمالية أن يكونوا امتداداً لسلالة بنو عباد الأندلسية، التي ترجع إلى قبيلة لخم اليمنية، حيث كانت تنوخ تدعى عباد، في حين يذكر كتاب ( شرقي الأردن وقبائلها ) عباد كونها فرع تنوخ من جذمية من جرم الطائية من طي اليمانية، ويسكن العبابيد وسط المملكة في العاصمة عمان وضواحيها كمرج الحمام ووادي السير، وفي محافظة البلقاء في عدد من البلدات والقرى.

ولد الشيخ نمر باشا العريق عام 1868، في فترة المخاضات العسيرة التي واجهتها الأمة من المحيط إلى الخليج، وكانت ولادته في بلدة « عيرا « في محافظة البلقاء، موطن أهله وأجداده، وهي تقع في الجنوب الغربي من مدينة السلط، وقد تكون كلمة سريالية بمعنى مستيقظ، أو بمعنى مدينة، وقيل أنها سميت على اسم ابنة أحد السلاطين القدامى، وفيها وادي عمرو – وادي البيره – حيث يذكر أن القائد المسلم عمرو بن العاص أقام فيها، أثناء فتوحات الشام وحكمها، وهي بلدة جميلة مطلة على غور الأردن، وذات موقع استراتيجي عسكري مهم، حيث كان لرجالها ومرتفعاتها دوراً بارزاً في معركة الكرامة الخالدة، عندما تمركزت المدفعية الأردنية التي دكت العدو فيها.

نشأ نمر العريق العبادي، في بيت والده، الذي كان شيخاً حظي بتقدير كبير، داخل عشيرته وخارجها، وقد ربى ابنه نمر منذ صغره على الفروسية، المتمثلة باستخدام السيف، واستعمال البندقية في أول عهد المنطقة بها، وركوب الخيل، فاتسمت تربيته بالصرامة والشدة، وقد تلقى تعليماً بسيطاً من خلال الكتّاب، غير أن علومه الحقيقية، تلقها من مدرسة الحياة، التي دخلها باكراً، حيث كان ملازماً لوالده، مما أسهم بدرجة كبيرة في نمو شخصيته القيادية، وبروز وعيه من خلال معرفته الكبيرة بالقضايا العامة، وصلاته مع عدد كبير من الشيوخ والوجهاء والشخصيات العربية، وقد مكنه ذلك من بناء مواقفه القومية اللافتة، التي جاور من خلالها مواقف كبار القوميين العرب، وكان على استعداد دائم للدفاع عن مبادئه، وتقدم الثمن المطلوب، ولا يساوم عليها أو يبدلها بتبدل الظروف وتغير الأحوال.

استلم زعامة عشيرته بعد وفاة والده، وسرعان ما ذاع صيته، وقصده الناس من مناطق متعددة، وقد أعتبر شيخ مشايخ بني عباد بعد وفاة شيخ مشايخها ابن ختلان، وكان له دور معروف مع شيوخ البلقاء، في إدارة الأمور فيها خلال الفراغ السياسي والإداري، في أعقاب سقوط الحكومة العربية في دمشق عام 1918، كما كان فاعلاً في حل القضايا بين الناس، سواء بالقضاء العشائري، أو من خلال إحلال الصلح مكان الخصام، وإصلاح ذات البين، وكان دائم التنقل في البلقاء والكرك وجبل عجلون، وكانت له صلات طيبة وعلاقات وثيقة مع شخصيات ووجهاء من فلسطين، حيث تردد على القدس ونابلس وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية، وكان محبوباً ومقرباً من الناس، يتعامل مع الكبير والصغير، ويسعى إلى إحقاق الحق، ورفع الظلم، والعمل للصالح العام.

كرس الشيخ نمر باشا العريق العبادي حياته للعمل العام، وخدمة عشيرته ووطنه خلال تلك المرحلة، ولم يهدف من وراء ذلك لجاه أو مال، بل سعى طوال حياته للدفاع عن الحرية العامة، وتحقيق حلم الاستقلال والوحدة العربية. فعندما أرسلت الحكومة الأمريكية لجنة كنغ – كرين إلى دمشق، لتقصي مطالب ورغبات أهالي المنطقة عام 1919، توجه وفد من شيوخ ورجالات شرقي الأردن، الذين كانوا على تواصل مع أعضاء النادي العربي السوري، وقد تجلت مطالب رجالات شرقي الأردن، بالمطالبة بالاستقلال وبوحدة سوريا الطبيعية، ورفض وعد بلفور، والوقوف في وجه الهجرة اليهودية، والتحذير من مخاطرها المتزايدة، التي يتعدى خطرها حدود فلسطين، وقد وثقت اللجنة حوارها مع الشيخ نمر العريق العبادي، على النحو الآتي: 
س: من أجبركم على الحضور؟
ج: أجبرتنا عاطفتنا العربية، وحبنا لمجد قوميتنا، ولو كانت المسافة أضعاف ذلك لما تأخرنا، وإننا مستعدون لفداء مالنا وأرواحنا وأولادنا في سبيل استقلالنا.
س: من أين تأخذون الأموال؟
ج: من المحل الذي يره أبو غازي ( الملك فيصل الأول )
س: وإذا لم يمكنه تدارك الأموال اللازمة؟
ج: نبيع كل ما نملكه ونقدمه له.
س: وإذا لم يكن الاستقلال؟
ج: نطلبه بهذا، وأشار إلى السيف.

ويستمر حوار اللجنة مع الشيخ نمر العريق، حول حقوق الأقليات، فيثب لهم أن لا تفرقة بين أبناء الشعب، ويضرب لهم أمثلة عن وجود أعضاء مسيحيين في مجلس الإدارة في البلقاء، ويرفض في الحوار الموثق، القبول بدولة انتداب، ويؤكد قدرة أبناء المنطقة على إدارة شؤونهم بأنفسهم، ويعلن من جديد رفض الهجرة اليهودية، التي تهدف إلى الاستيلاء على الأرض، وتشريد أهلها. وهذا موقف متقدم لشيخ جليل، قاده وعيه المستنير، إلى التعبير عن ضمير كل عربي حر، في كل زمان وكل مكان.

ساند الشيخ نمر باشا العريق، جهود الأمير عبد الله المؤسس، في تأسيس إمارة شرق الأردن، وكان مقرباً من سمو الأمير، وتقديراً لمكانته العشائرية والوطنية، ولما يحمله من فكر قومي حر، فقد أنعم عليه الأمير عبد الله المؤسس، بلقب باشا، ليكون أول من نال هذا اللقب من شيوخ ووجهاء عباد، وكان ذلك عام 1923 بموجب مرسوم أميري، وقد كان نمر باشا عضواً في المؤتمر الوطني عام 1928، ممارساً لدوره الوطني والسياسي، الذي أسهم في وضع الدولة الأردنية الناشئة، على طريق بناء المؤسسات الوطنية العصرية. ومن صفاته التي عرف بها، قوة شخصيته وكرمه وفكره القومي الواعي، وقد توفي هذا الشيخ المناضل نمر باشا العريق العبادي عام 1936، وقد شكلت وفاته خسارة كبيرة، فلم يعوض فقده غير ذريته الصالحة وعمله الخيّر، الذي يجعل ذكره الطيب دائم الحضور، ومحط فخر واعتزاز عميقين.   

الشيخ الجليل الدكتور ناصر الدين الأسد

|0 التعليقات
ناصر الدين الأسد
نتحدث اليوم عن شخصية أردنية مرموقة وفريدة ، من الرعيل الأول ، فهو أستاذ قدير وعالم جليل وأديب مبدع اشتمل نتاجه على الشعر والتاريخ الأدبي ، ونقده ، كما اشتمل على البحث العلمي ، والدراسات اللغوية وتحقيق الكتب التراثية فضلاً عن الترجمة ، كثيرة هي المحطات الهامة والأدوار المميزة التي لعبتها هذه الشخصية بتاريخ الأردن فهو الرئيس المؤسس للجامعة الأردنية ، الوزير المؤسس لوزارة التعليم العالي في الأردن ، والرئيس المؤسس للمجمع الملكي لبحوث الحضارات الإسلامية مؤسسة آل البيت.

ولد العالم الجليل الدكتور ناصر الدين الأسد في مدينة العقبة عام م1922 التي كانت تابعة آنذاك للحجاز وكانت حينئذ قرية صغيرة ، جميع بيوتها من (اللبن) ما عدا بيتا واحدا بناه والده بطلب من جلالة الملك فيصل حين كان لا يزال أميراً وقائداً للجيوش العربية الشمالية.

ويقول الدكتور ناصر الدين الأسد "وُلدت في العقبة من أمام البحر ومن حول الرمل وخلف جبال شاهقة تنتهي بجبال رم العجيبة ومن أجل هذا أنا ابن البحر والرمل والجبل ، أنا ابن الفضاء الرحب والمدى الممتد الذي لا ينتهي إلى غاية". وتعلم ناصر في معظم مدارس هذه البلاد نتيجة تنقل اسرته لسبب عمل والده حتى أنهى الصف الثانوي الثاني في عمان ، في مدرسة كانت تسمى المدرسة (العسبلية) وهذه المدرسة كانت مواجهة للمدرج الروماني ، وكان بجوارها الديوان الأميري ، وكان الطلاب أحياناً كثيرة يفاجؤون بسمو الأمير عبد الله قبل أن يصبح ملكاً فكان سمو الأمير عبد الله بن الحسين يمر بهم وهم في الطابور الصباحي للمدرسة ويداعبهم جميعاً ويسألهم أسئلة لغوية يعجزون بطبيعة الحال عن إجابتها ، وقضى بعدها 4 سنوات في الكلية العربية في القدس ، ثم بعد الثانوية العامة أو شهادة الاجتياز للتعليم العالي درس سنتين في الكلية العربية نفسها ونال شهادة الدراسة الجامعية المتوسطة ومعها دبلوم تربية وتعليم ، ثم ذهب بعد ذلك إلى القاهرة. أما عن الدكتور طه حسين فكان يحضر مجالسه في بيته حتى أنه عندما كان يتأخر عن بعض مجالسه ، كان سكرتيره فريج شحادة يتصل به ويسأل عن سبب غيابه.

وقد عمل الدكتور ناصر الدين الأسد في الدائرة الثقافية في جامعة الدول العربية ونشاطه الثقافي في جامعة الدول العربية ، هو أول نشاط قامت به جامعة الدول العربية والإدارة الثقافية هي الإدارة الأولى بعد الإدارة السياسية في طبيعة الحال التي نشأت في ظل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وأول معاهدة عقدت بين البلاد العربية هي المعاهدة الثقافية وهذا يدلنا على مدى عناية أصحاب القرار في ذلك الوقت بالجانب الثقافي عناية كبيرة.

وكان أحمد الشقيري رحمه الله تعالى ، قد كلفه أن ينشىء إدارة فلسطين ، فأخذ يبحث عن بعض الشباب حينئذ ، من أجل أن يستعين بهم في العمل في إدارة فلسطين ، فكانت بينه وبين الدكتور الأسد معرفة محدودة ثم في مجلس يبدو أنه سأل الجالسين عن من يستعين بهم من الشباب فذكروا اسمه فطلبه وعينه في إدارة فلسطين ، ومكث فيها أشهرا قليلة ثم أخذته الإدارة الثقافية وقيل له حينئذ ان مكانك هنا في الإدارة الثقافية ، وفي الإدارة الثقافية قام بأعمال كثيرة.

وبالنسبة لجهود الدكتور الاسد في تأسيس الجامعة الاردنية فبعد أن عاد من عمادة كلية الآداب والتربية إلى جامعة الدول العربية لأنه كان معاراً من جامعة الدول العربية ، حينما عاد إليها ، كان في زيارة المرحوم عبد الوهاب المجالي ، رحمه الله تعالى ، وكان وزيراً في حكومة وصفي التل ، فقال له: ألم يخبرك فلان بما طلبناه منك ، لماذا تأخرت علينا؟ وفلان هذا كان وزيراً في وزارة وصفي التل ، فقال له: لم يخبرني بشىء ولذلك لم أستطع أن أجيبكم ولم أتأخر عليكم لأني لم أعرف ما الأمر.

قال: نحن نريدك أن تأتي إلى الجامعة الاردنية إلى عمان وتنشئ جامعة هناك ، فجهز نفسه وقال له: بشرط أن أكون معاراً من جامعة الدول العربية ، وصارحه به بعد ذلك المرحوم وصفي التل حين ذهب إلى عمان وسأله: لماذا طلبت أن تكون معاراً؟ فقال له: أنت تعلم هذا السبب.

هذه أول جامعة تنشأ في البلد وهي جامعة ليس لها سابقة في الاردن والناس هنا صورتهم عن الجامعة من الداخل صورة مبهمة ، لعلهم يظنون أنها مدرسة كبيرة فأحب أن أتجنب جميع المداخلات وأن أهددهم بسيف الإعارة ، وأنني أترك في أي لحظة إذا تدخلوا في شؤون الجامعة ولكن الحسين رحمه الله لم يسمح لأحد بالتدخل في التعليم العالي ، واستمرت الجامعة بقوة الاستمرار إلى أن وصلنا الآن إلى ما وصلنا إليه.

وقد ساهم كذلك الدكتور الأسد في تأسيس المجمع الملكي لبحوث الحضارة مؤسسة آل البيت وفي ذلك تحدث قائلاً: هي فكرة أيضا راودت الحسين رحمه الله وراودت سمو الأمير الحسن ، وتعاونا معاً على بلورة الفكرة وانتهيا بعد مؤتمر عقد لهذه الغاية وهو إنشاء إما جامعة تسمى باسم الجامعة الهاشمية وإما مؤسسة بحث علمي للحضارة الإسلامية تسمى مؤسسة آل البيت فغلب إنشاء مؤسسة لـ آل البيت للبحث العلمي على أن تكون خطوة قبل إنشاء الجامعة الهاشمية وفوجئت بجلالة الحسين رحمه الله يوجه إلي رسالة يطلب مني تأسيس مؤسسة آل البيت وتولي رئاستها فعكفت مع بعض إخواني على بلورة تصور واضح لها وعرضته على جلالته واخترنا أعضاء لها وسميناها بالإضافة إلى مؤسسة آل البيت المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية وعرضت الأمر على جلالته وقلت لجلالته: لقد أنشئت الجامعات وأنشئت صروح متعددة في الاردن والآن آن الأوان لتنشأ الأكاديمية على نمط الأكاديمية البريطانية والفرنسية فراقه الأمر وذكرت له أن المقابل العربي الأكاديمي هو المجمع وأن التسمية الصحيحة هي المجمع الملكي.

وقد أضاف الدكتور الأسد حول دوره في تأسيس وزارة التعليم العالي قائلاً: في سنة 1985 في أوائل شهر نيسان شكل دولة زيد الرفاعي إحدى حكوماته المتكررة ، واختارني جلالة الحسين لأنشئ أيضا وزارة التعليم العالي وكان قبل وزارة التعليم العالي في الاردن مجلس للتعليم العالي ، لكنه بكل أسف كان اسماً بغير مسمى لم يكن له أي نشاط حقيقي ولا أي عمل أو إنجاز ، فحين أنشأنا وزارة التعليم العالي أخذت أدرس وزارة التعليم العالي في البلاد العربية وما يناظرها في بعض البلاد الأجنبية حتى البلاد التي لا توجد فيها وزارة باسم وزارة التعليم العالي ، وأخذت أدرس كل هذا ثم أرسيت هذه الوزارة على هذه الأسس الحديثة: أولا أن تكون سنداً في استقلال الجامعات ، لا تتدخل في استقلال الجامعات إطلاقاً وإنما تساند هذا الاستقلال ، وهذه السياسة لجميع الجامعات ، وكان في الاردن حينئذ ، جامعتان ، الجامعة الاردنية وجامعة اليرموك ثم أنشأنا بعد ذلك جامعتين في أثناء وزارتي هما جامعة مؤتة وجامعة العلوم والتكنولوجيا ، ثم بعد ذلك شاء الله أن أكون أيضاً سبباً في إنشاء الجامعات الخاصة التي استوعبت عشرات الآلاف من الطلبة الاردنيين والعرب ، ولولاها لخرج هؤلاء الطلبة إلى الجامعات الاجنبية وكلفوا الاردن تكاليف عالية.

وفي مجال العمل الدبلوماسي عمل الدكتور الأسد سفيراً للأردن في السعودية ، وفي ذلك أضاف قائلاً: وفي الحقيقة كانت مهمة شاقة فلأن أول سفير كان هو سماحة السيد محمد أمين الشنقيطي ، هذا الشيخ المهيب والوقور ، وكانت صلاته مع السلطات السعودية ومع أمراء البيت السعودي علاقة وثيقة جداً ، فذهبت بعده ووجدت أنه كل شيء هناك حقيقة ، لكنه ناصرني وساعدني بالكثير ، على أي حال استغرب أن أكون سفيراً بعد النشاط العلمي والنشاط الأكاديمي والثقافي.

اما عن علاقته بالراحل الملك الحسين فبين الدكتور الاسد انه قد كانت تربطه بالملك الحسين رحمه الله علاقة وثيقة.. "ففي الحقيقة الملك الحسين نموذج لا يكاد يتكرر بين زعماء الأمة العربية والإسلامية أيضاً وكان عالمياً في زعامته. على أي حال علاقتي به كانت علاقة الولاء لهذا الزعيم والقائد الكبير وكنت أحس من حين إلى حين بل في أكثر الأحيان بأنه يحمل لي كثيرا من المودة والحب والأمثلة على ذلك متكررة ، وذكرت كيف أنه ناصر الجامعة الاردنية وحمى استقلالها وكيف أنه بعد ذلك أنشأ مؤسسة آل البيت وأنشأ وزارة التعليم العالي فلو سألت عن طبيعة العلاقة بيني وبين هذا الزعيم القدير فهي طبيعة الشخص الذي يؤمن بزعامته ، بزعامة هذا الزعيم ويواليه". وحول تكريمه من طه حسين أضاف: لم يكن تكريماً لشخصي الخاص بل لأنه في تلك السن لم يكن الدكتور طه حسين يعرفني وانما نلت جائزة تسمى جائزة طه حسين للأول في اللغة العربية في (ليسانس) يعني ذلك البكالوريوس فأنا كنت الطالب الأول في البكالوريوس سنة (1947) وبحكم هذه الأولية نلت جائزة الدكتور طه حسين.

تمثل حياة الدكتور ناصر الدين الأسد ، محطات تضيق بها الصفحات ، فهو رحالة وضع رحاله في مواقع عديدة ليؤسس منابر علم ومعرفة مما يجعله رجل تأسيس بامتياز.

المفتي والعالم نوح القضاة

|1 التعليقات
الشيخ نوح القضاة
حين يحار المرء ماذا يكتب أو من أين يبدأ عند الحديث عن شخصية عالم جليل وظاهرة فريدة من نوعها بين العلماء في الأردن والعالمين العربي والإسلامي يوقن السامع أننا بصدد الحديث عن شخصية المرحوم الشيخ الدكتور نوح علي سلمان القضاة ، فهو بحق ظاهرة تستحق التعميم. حيث حياته كانت مليئة بالنضال والتضحية وسيرته كلها شرف وإباء وتقى ، ما توانى عن خدمة دينه وأمته لحظة واحدة ولم يتخاذل في المواقف العصيبة والمصيرية. ولا بد من التأكيد على أن سماحة الشيخ نوح القضاة ذكراه حيّة وخالدة ، فهو لم ولن يصبح غائباً بل سيظل علماً مرفوعاً فوق سارية الإحسان والعطاء فأعماله وفتاويه ومواقفه ستبقى ماثلة أمامنا ونسال الله له حُسن الجزاء فللعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ، ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام.

ولد سماحة الشيخ الدكتور نوح علي سلمان القضاة رحمه الله ، في بلدة عين جنة في محافظة عجلون عام م1939 ، نشأ في بيت علم وتقى وورع لأسرة علمية معروفة بالعلم والفضل حيث كان والده الشيخ علي سلمان رحمه الله فقيهاً شافعياً ، أجازه في علومه ومعارفه كبار علماء الشام في طليعتهم الشيخ علي الدقر ، وقد علّم أبناءه الأربعة العلوم الشرعية والعربية قبل أن يبعث بهم إلى الشام لتلقي العلوم الشرعية على أيدي علمائها.

درس الشيخ نوح المرحلة الابتدائية في الأردن ثم سافر إلى دمشق عام م1954 وقضى هناك سبع سنوات في معهد العلوم الشرعية ، التابع للجمعية الغراء التي أسسها شيخ والده ، الشيخ علي الدقر رحمه الله حيث أكمل فيها الدراسة الإسلامية من المرحلة الإعدادية حتى نهاية المرحلة الثانوية ، وتخرج منها عام م1961 ، وبعد إتمام دراسته الثانوية في المدرسة الغراء التحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق ومكث فيها أربع سنوات 1961( - 1965م) وحصل فيها على الشهادة الجامعية في الشريعة.

وفي عام م1977 سافر إلى القاهرة للحصول على درجة الماجستير في الفقه المقارن ، حيث درس أصول الفقه على يد العلامة الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الخالق ، والفقه المقارن على يد الشيخ حسن الشاذلي ، واستمع إلى محاضرات في التصوف لشيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله ، وحصل على درجة الماجستير من جامعة الأزهر ، وقدم رسالة في جامعة الأزهر بعنوان "قضاء العبادات والنيابة فيها" بإشراف الدكتور محمد الأنبابي وذلك عام م1980 كما حصل على درجة الدكتوراه من جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام م1986 ، وقدم رسالته بعنوان "إبراء الذمة من حقوق العباد" وكان المشرف على رسالته الشيخ صالح العلي الناصر رحمه الله ، ثم الشيخ الدكتور صالح الأطرم.

عمل في سلك القوات المسلحة برتبة ملازم أول ، (مرشد ديني) وعمل بجانب الشيخ عبد الله العزب الذي خلفه في منصب الإفتاء في عام م1972 وبقي في منصبه متدرجاً في الرتب العسكرية ، حتى عام م1992 ، حيث أنهى خدماته برتبة لواء وفي عام م1992 ، عُين قاضياً للقضاة في الأردن ، ثم استقال بعد عام واحد ، فتفرغ للتدريس في حلقات علمية في مسجده وعمل أستاذاً جامعياً في الشريعة الإسلامية في جامعتين اليرموك وجرش ثم وفي عام م1996 عُين سفيراً للمملكة الأردنية الهاشمية لدى إيران حتى عام م2001 ثم عَمًلَ مديراً لإدارة الفتوى في دولة الإمارات العربية المتحدة وقد ذكره العلماء هناك بكل خير حتى أن كل وسائل الإعلام وخطباء المساجد والعلماء يرجعون إلى فتواه الشهيرة بان السائق الذي يقود مركبته فوق الحد المسموح به ويلقى مصرعه يعتبر في عداد المنتحرين ، كما عَمًلَ مستشاراً لوزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية ومستشاراً لوزير التعليم العالي حتى عام م2007 ثم صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه مفتياً عاماً للمملكة الأردنية الهاشمية ، وبقي في منصبه حتى قدّم استقالته في شهر شباط عام 2010م. لقد قام سماحة الشيخ الدكتور نوح القضاة ، ومنذ تعيينه مفتياً في القوات المسلحة عام م1972 بإصدار آلاف من الفتاوى لأسئلة تهتم بكل جوانب الحياة وقد تم نشرها في المجلة الإسلامية للقوات المسلحة بعنوان (التذكرة) بالإضافة إلى محاضرات ومؤلفات ومقالات حول موضوعات متنوعة وفي شتى مجالات الحياة ، وقد سعى جاهداً ليترك بصمة واضحة تميز بها الجيش الأردني ، حيث سعى لإيجاد إمام في كل وحدة عسكرية ليؤم أفراد وحدته العسكرية ويلقي دروساً دينية وكان يرتب لهذا الإمام برامج ودورات إسلامية إضافية في الفقه الشافعي وتفسير القران والحديث والعقيدة ، كما أسس في الجيش كلية الأمير الحسن للدراسات الإسلامية حيث يقوم خريجوها بالتوجيه الديني في الجيش وبرتبة عسكرية تبدأ من رتبة ملازم.

لقد كان الشيخ الجليل نوح القضاة شخصية فريدة ليس لها مثيل وكذلك فان رحيله لم يكن رحيلاً عادياً فهو القريب إلى قلوب كل المسلمين الواعظ الراشد الرصين الطيب الحكيم الزاهد المداوم على عبادة ربه الورع التقي طاهر القلب والسريرة المحب لكل طالب علم ، والباقي من السلف الصالح ، كان على الإطلاق انجح الوعاظ والدعاة ، الجامع للصفوف والرافع للهمم أحب أن يرى جباه المسلمين عالية شامخة ولكنه غادر في وقت قد نكون أحوج إليه أكثر من أي وقت مضى. فكيف يمكن لمن كان الأقرب للناس ومشاركهم أفراحهم وأتراحهم أن يسلوه فأفعاله وصدقاته التي قدمها في حياته والتي انتفع بها عدد كبير من الناس ستبقى شاهد عيان على إنسانيته وورعه ، وهذا الكم الهائل من المتعلمين والمثقفين الذين اخذ بيدهم ليبين لهم طريق الحق من الباطل سيبقون الذاكرين والمترحمين على روحه الطاهرة ، ما راح الشيخ نوح وقد ترك لنا درةً من أبنائه الذين يسيرون على نهج والدهم فهم ورَثة والدهم في الأخلاق والإحسان ، ما راح نوح القضاة وقد شارك في تشجيع جنازته ألوف مؤلفة من الناس المحبين والبارين له والذاكرين له على الدوام.

لم يكن الشيخ نوح داعية وعلاّمة ورجل دين وواعظ وسياسي محنك فحسب بل كان قارئاً لمستقبل هذه الأمة الإسلامية وفق شريعة الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومن يسير على نهج سماحة نوح القضاة فانه لم ولن يضل طريقه في حياته الدنيا ، وقد عُرف سماحة الشيخ نوح القضاة ، بغيرته على مستقبل العالم الإسلامي حيث كان يتألم لما يعاني منه هذا العالم من صعوبات ومعوقات وخاصة في الإطار الذاتي.

لقد عرفت الفقيد الكبير سماحة الشيخ نوح سلمان القضاة لأول مرة عند استضافتي له في برنامج يبث عبر أثير الإذاعة الأردنية الغراء قبل عامين وفي حقيقة الأمر كنت قد سمعت عنه الشيء الكثير فرسمت له صورة في مخيلتي كونه عالماً معروفاً ولكن اتضح لي بأن الصورة التي رسمتها له كانت جزءاً من شيئاً كبيراً يحار المرء في إدراك أبعاد شخصيته فهو عالماً جليلاً وفقيهاً مستنيراً ، متواضعاً وزاهداً يتطلع إلى مرضاة الله عز وجل ، وأنا هنا وفي هذا المقام أقول بأن نوح القضاة كان بحق رجل تنحني الرؤوس لمثله احتراماً وتقديراً كيف لا فهو المعلم والمربي والداعية والمجاهد لا يخشى في الله لومة لائم ، ضرب أروع الأمثلة في الذود عن حياض الإسلام والمسلمين.

كان نعي وفاته بمثابة زلزال هزّ كيان جميع المسلمين في هذه الأمة العظيمة فكتب فيه أعمدة الرأي والثقافة فذكروا مناقبه الحميدة وترحموا على روحه الطاهرة فقد كتب فيه الأستاذ محمد حسن التل قائلاً: إن رحيل الشيخ نوح شكَّل خسارة كبيرة ليس على مستوى الوطن فقط ، بل على مستوى الأمة وترك رحيله في القلب غصة عميقة ، ولكنه الموت قانون الله تعالى فرضه على عباده جميعاً والذي لم يستثن منه حتى نبيه وحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي نقف أمامه راضين محتسبين (إنك ميت وإنهم ميتون).

أما رئيس مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور عبد اللطيف عربيات قال فيه: إن سماحة المرحوم الشيخ نوح سلمان ليس بحاجة إلى تعريف لأنه العالم والعامل الصادق فيما يفعل ويقول ، وهو الذي شغل أكثر من موقع وعرفناه بتقواه وصدقه وأمانته ومن شاهد جنازته لاحظ كم يحبه ويحترمه أبناء شعبه ويقدرون العلماء الصادقين المنتمين لدينهم وأمتهم.

من جانبه أشار رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية الدكتور عبد الناصر أبو البصل إلى أن الأمة الإسلامية فقدت عالماً من كبار علماء العالم الإسلامي والدعاة الكبار أصحاب البصمات الواضحة وكان له برنامج يشكل مدرسة خاصة أنشأها في الأردن ضمن مدرسة الوسطية والاعتدال وضمن أسس ثابتة فيها المرونة والسعي وجمع كلمة العالم الإسلامي.

بدوره أكد الدكتور محمد خازر المجالي أن الشيخ نوح يعتبر مدرسة وليس مجرد عالًم من علماء الأمة فهو مدرسة حقيقية في العلم والأدب والأخلاق والتواضع والزهد وقد ترك بصمات كبيرة في كافة المواقع سواء في القوات المسلحة أو القضاء أو السلك الدبلوماسي سائلاً الله القدير أن يعوض الأردن والأمة الإسلامية خيراً لأن الشيخ نوح القضاة يعتبر أحد القدوات النادرة في هذا الزمن فقد كان مثال العالًم العامل رحمه الله.

وتحدث سعادة النائب الأسبق الشيخ عبد المنعم أبو زنط فقال: برحيل صاحب السيرة العطرة الشيخ القضاة لم يخسر أردن الحشد والرباط هذا العالم الجليل فحسب بل خسره المسلمون عالمياً حيث عُرف بغزارة عمله وسمو أخلاقه.

انتقل الشيخ نوح القضاة إلى جوار ربه راضياً مرضياً في 19 كانون الأول لعام م2010 تاركاً إرثاً لا يستهان به من الكتب والمؤلفات لكل المسلمين مهما اختلفت أوطانهم ومنابتهم.

فمن ابرز مؤلفاته: قضاء العبادات والنيابة فيها ، إبراء الذمة من حقوق العباد ، محاضرات في الثقافة الإسلامية ، المختصر المفيد في شرح جوهر التوحيد ، شرح المناهج في الفقه الشافعي كيف تخاطب الناس ، لم تغب شمسنا بعد ، صفات المجاهدين ، مولد الهادي صلى الله عليه وسلم.

كان سماحة الشيخ نوح سلمان القضاة يحمل صفات الرجل المسؤول أمام الله وأمام الناس فيما سُئل عنه ولديه أخلاقاً وصفات يجدر بكل مسؤول في بلدنا العزيز التحلي بها اذكر منها انه وفي عهد نوح القضاة أعادت دائرة الإفتاء عام م2009 ما يقدر بنصف مليون دينار إلى خزينة الدولة وهذا المبلغ كان فائضاً من ميزانيتها ، وعندما كان يقوم سماحته بزيارة دور الأيتام كان يأخذ قارورة الماء الخاصة به حتى لا يشرب من المياه التي هي حق للأيتام وعند قيامه بإعداد المقالات الإسلامية الخاصة به والتي تهدف إلى إصلاح الناس فانه يحضر الأقلام والأوراق معه من منزله حتى لا يستخدم شيء من أملاك الدولة لمصالحة الشخصية مهما كانت بسيطة الثمن ، وله العديد من المواقف والتي يجب علينا أن نقتدي به فيها وان تسير على نهجه.

وأخيرا ستبقى لنا يا شيخنا الجليل نبراساً تضيء لنا معالم الطريق لنهتدي بهديك فأنت المعلم والمربي والداعية ، رحمك الله وأسكنك مع الشهداء والصديقين ومع من أحببت وحسن أولئك رفيقا ، وإنا على فراقك لمحزنون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ونعزي أنفسنا وآلك الكرام بقول رسول الله (ص) إن لله ما أعطى ولله ما اخذ فاصبروا واحتسبوا... فان لكل اجل كتاباً وأنا لله وأنا إليه راجعون ، لك تحايا كل من عرفك وكل من سمع بك فهم في الدار الدنيا وأنت في الدار الآخرة.