سعد جمعة ... السياسي والدبلوماسي البارع

سعد جمعة


إن الحديث عن سعد جمعة هو حديث عن رئيس وزراء الأردن ووزير البلاط والسفير وعضو مجلس الأعيان والكاتب المؤلف صاحب الأسلوب البليغ فقد كان لامع الذكاء وفي ثانوية السلط كان الأول في صفه دائماً لا ينافسه في ذلك أحد.


ولد سعد جمعة في مدينة الطفيلة عام 1916 وهو من والد كردي جاء من دمشق ومن الصالحية تحديداً جاء والده إلى الأردن في اثناء العهد العثماني وعمل موظفاً في قائمية المقام في الطفيلة ، درس سعد جمعة الابتدائية في الطفيلة ثم انتقل بعدها إلى الكرك ثم إلى عمان لإنهاء الدراسة الثانوية ، ثم انتقل إلى السلط حيث مدرسة السلط ، التي كانت تخرج الطلبة للثانوية العامة حيث تخرج منها عام 1929 وتخرج منها بتفوق حتى أنه كان الأول على دفعته إلا أنه لم يستطع إكمال دراسته الجامعية مباشرة وذلك لضيق الأوضاع المادية لسعد جمعة ووالده وبالتالي اضطر للعمل لفترة من الوقت فعمل موظفاً في دائرة الأشغال العامة آنذاك وفي الأربعينات انتقل إلى دمشق وهناك حصل على شهادة ليسانس في الحقوق من جامعة دمشق عام 1947.

تعد شخصية سعد جمعة شخصية وطنية بامتياز وشخصية واكبت مرحلة مهمة في تاريخ الأردن بالنسبة لفترة التكوين ربما شخصية لها علاثة بأنه كان واعياً جداً في زمن الإمارة أيضاً مولده كان متزامناً مع انطلاق الثورة العربية الكبرى.

أما إذا تحدثنا عن التدرج الوظيفي في حياة سعد جمعة ، فقد كان شانه شأن معظم طلبة الحقوق عندما يرجعون إلى الأردن كانوا يعملون في حقل المحاماة فالمرحوم سعد جمعة تدرب في مكتب محاماة وعمل فيه فترة من الوقت ، كما بدأ بالعمل في المجال الصحافي وأصدر جريدة الحق آنذاك وكان له اهتمام بالثقافة وهو كان من كبار الأدباء وكان من اصحاب المقالات المشهورة ، إضافة إلى ذلك إن سعد جمعة في بداية الأربعينات كان يكتب في جريدة تسمى جريدة الجزيرة وهذا تحديداً في 1940 ، حيث كانت تصدر من عمان وكان له مقال بعنوان من إربد وكان مذيلاً بتوقيع مجهول وهذه المقالات التي تناول فيها بعض القصائد والمقالات والتحليلات بالنقد.

ثم انتقل سعد جمعة عام 1948 وعُين رئيساً للشعبة السياسية في وزارة الخارجية عام 1949. وفي عام 1950 - 1954 عمل سكرتيراً لرئاسة الوزراء ثم وكيلاً لوزارة الداخلية وفي عام 1957 عين محافظاً للعاصمة وفي عام 1958 - 1959 عمل وكيلاً لوزارة الخارجية ، وأيضاً في عام 1959 - 1965 عمل سفيراً في مختلف دول العالم في دول كبيرة ومهمة في ذلك الوقت ففي البداية عمل سفير في بيروت ثم عمل سفيراً في سوريا ثم سفيراً في الولايات المتحدة الأمريكية ثم تدرج بعد ذلك فعمل في 1 ـ 4 ـ 1965 وزيراً للبلاط الملكي.

بعد أن أصبح سعد جمعة رئيساً للوزارء لم ينقطع عن عمله السياسي بل استمر في العمل السياسي ، ففي 1 ـ 11 ـ 1967 عين في مجلس الأعيان ولأكثر من مرة ، كما عمل بين عامي 1969 - 1970 سفيراً لدى بريطانيا وايضاً كما اسند له جلالة الملك الحسين مهمة رئيس الوفد الأردني للسعودية واليمن ولبنان وذلك للتباحث في مشروع المملكة المتحدة عام 1978 حتى استمر في عملة السياسي وفيما بعد تفرغ لبعض الأعمال الثقافية التي تلت نكسة عام 1967 حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها في 19 ـ 8 ـ 1979.

وذكر عن حرب 67 والتي ذكرها المؤرخ القدير سليمان الموسى في كتابه من الرعيل الأول حيث زار سعد جمعة في عام 1969 وكان في ذهنه سؤالان اثنان ، هما : كيف أقدمت مصر على خوض هذه الحرب وهل كان هنالك استعداد عربي كفيل لخوض هذه المعركة؟ ، والسؤال الثاني: كيف اقدمت الأردن على خوض هذه الحرب فمن المعروف أن الأردن لعبت دوراً مشرفاً في هذه الحرب وتمثل ذلك بتوقيع الأردن اتفاقية الدفاع العربي المشترك من خلال ذهاب جلالة الملك الحسين وتوقيع هذا الاتفاق في القاهرة.

وهنا لعب سعد جمعة دوراً كبيراً من خلال التنسيق بين جلالة الملك الحسين والتنسيق مع جمال عبدالناصر ايضاً لتوحيد الجبهة العربية لتتمكن من الوقوف في وجه العدوان الغاشم فلا بد من وقفة عربية جامدة صلبة لتتمكن من الانتصار في هذه الحرب ، حرب 67 فلعب دوراً كبيراً في الإتصال بمصر والتنسيق من أجل الوصول إلى منظومة عربية موحدة أو جبهة عربية موحدة تستطيع أن تقف في هذه الحرب صفاً واحداً.

أما عن موقف الأردن من حرب 67 فقد تحدث الدكتور رياض حمودة قائلاً: إن موقف الأردن كما هو دائماً كان موقفاً مشرفاً مع الأشقاء العرب. ومن يعود إلى حرب 1967 يدرك أن موقف الأردن كان موقفاً مشرفاً بغض النظر عن نتائج هذه الحرب إرهاصات هذه الحرب ربما تعود إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي العربية والإعتداءات هذه المرة بالتحديد على سوريا لأن سوريا كانت تتحالف مع من يفترض أن يقود المشروع القومي العربي لأن ثمة تحالفاً عربياً كان يجمع بين مصر وسوريا.

العدو الإسرائيلي هاجم مجموعة من القرى السورية في 1967 هذا الأمر لم يرق لمصر بالمطلق وكان جمال عبدالناصر متحمساً لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سوريا وبالمقابل أيضاً يجب أن يكون واضحاً لدينا أنه لم يكن هناك إجماع عربي سياسي في تلك الفترة بمعنى أنه ثمة انقسام داخل الصف العربي كان طلائع هذا الإنقسام العالمي بين المعسكرين المعسكر الذي يطلق عليه المعسكر التقدمي إن جاز التعبير ، المعسكر الآخر يطلق عليه المعسكر اليميني أو المعسكر الرجعي.

وكانت نظرة سعد جمعة إن الأردن لم يكن بإمكانه أن يقف متفرجا من هذه الحرب ، ولكن دخوله الحرب كان يعني أنه شريك العرب في محنتهم فإذا انتصروا فهو شريكهم في النصر وإذا انهزموا فهو شريكهم في الهزيمة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على بعد النظر السياسي الي تتجلى به القيادة الهاشمية وربما أيده به سعد جمعة بالرغم من المخاوف التي أشرت إليها أن هذه الحرب حرب مفاجئة للعرب لأن التنسيق بين الدول العربية في تلك الفترة كان ضعيفاً للغاية وأن العداء المبطن بحكم الخلاف الأيديولوجي بين بعض الدول العربية كان له اثر سلبي على هذه المواقف.

أما إذا تحدثنا عن شخصية سعد جمعة الأديب والمفكر فقد وصفها الدكتور لؤي البواعنة بأنها شخصية فريدة قلما تجد رئيساً للوزراء سياسياَ ودبلوماسياً وفي نفس الوقت أديباً وشاعراً ومثقفاً وبالتالي فإن شخصية سعد جمعة عرض للقارئ العربي الأحداث التي وقعت في تلك الفترة.

حيث قال في بداية كتابه المؤامرة ومعركة المصير هذه خواطر حزينة حبستها في صدري زمناً واردت البوح فيها قبل اليوم غير أن المشاغل السياسية حالت دونما اريد حتى شاء الله لي أن اشهد كارثة الخامس من حزيران بعيني وأذني وكياني كله وأن أعاني ساعات الفجيعة وساعات الهزيمة لحظة وراء لحظة ما أود أن أشير له هنا أن هذا الكتاب قرأ بشكل كبير من قبل شخصيات سياسية وأدبية على مستوى.

وقد قال سعد جمعة عن هذا الكتاب ما يلي: "قلت في هذا الكتاب كل شيء عن كل شيء في كل مكان في العالم العربي وعن كل ما له أو كان له دور في الهزيمة أيضاً هذا من الكتب الهامة والتي يجب على الجميع أن يقرأ مثل هذا الكتاب للحيلولة دون الوقوع في مثل ما وقعنا فيه في نكسة 1967.

وقد وصف الدكتور رياض حموده كتابات ومؤلفات سعد جمعة قائلاً: هذه الكتابات لها ميزة خاصة من بين الكتابات هذه الكتابات لا تؤرخ فقط لمرحلة كما هو الحال بنفس شخص ليس له علاقة بالأحداث ترى شخصاً رئيساً للوزراء عايش الفترة بكل حذافيرها وكان المسؤول الأول في تلك الفترة بالإضافة على خبراته السابقة وثقافته الواسعة ونفسه الأدبي في الكتابة. وأؤكد بأن سعد جمعة في كتابه المؤامرة ومعركة المصير وضع اصابعه على العديد من الأسئلة التي يمكن لمؤرخ أو الباحث أن يطرقها في هذا الاتجاه وربما تحليلاته لها علاقة بالصراع الحضاري وهذا شيء مهم جداً يعني النظرة التي قدمها في كتابه المؤامرة ومعركة المصير تدل أن نظرته لم تكن نظرة ضيقة وأن الصراع كان صراعاً تاريخياً وربما أيضاً مسالة مهمة بالنسبة لتحليله لهزيمة العرب في 1967 هو أن جاهزية العرب لم تكن بالمستوى المطلوب وأن جمال عبد الناصر كان مخدوعاً بالوعودات التي قدمها له الروس فعكس سعد جمعة طبيعة تلك الظروف التي أحاطت بالمعركة.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).