‏إظهار الرسائل ذات التسميات 1923. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات 1923. إظهار كافة الرسائل

عبد الكريم الغرايبة .. الشيخ المعلم

|0 التعليقات
عبدالكريم الغرايبة
هو شيخ المؤرخين الأردنيين وأول من حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ في الدولة الأردنية، عُرف بأنه عربي الهوى وأردني الانتماء فأصبح موضع الاقتداء والتقدير ومحط احترام الآف مؤلفة من الأفراد والأشخاص الذين عرفوه عن كثب فأصبح لقب (المعلم) قريناً له، إنه المعلم الفاضل والأستاذ الدكتور عبد الكريم الغرايبة.

ولد عبد الكريم الغرايبة في العشرين من حزيران من عام 1923 في قرية المغير شمال محافظة إربد وهو الابن الأكبر لشيخ عشيرة الغرايبة المرحوم محمود باشا الخالد الذي كان يعمل مديراً لناحية عجلون ثم أصبح قائمقام في عدة مناطق منها جرش ومأدبا وفي فترة الأربعينيات شغل منصب رئيس بلدية إربد، وخلاصة القول أن الدكتور عبد الكريم الغرايبة وُلد لعائلة معروفة ومرموقة، وتقدر العلم والمتعلمين.

وحول ولادته تحدث الدكتور عبد الكريم الغرايبة قائلاً: ولدت في قرية المغير بالقرب من إربد وكان عدد سكان القرية لا يزيد عن 200 نسمة وأُطلق عليَّ اسم عبد الكريم كغيري من الأطفال الذين ولدوا في تلك الفترة نسبة إلى عبد الكريم الخطابي المغربي الذي قاد ثورة ضد الاسبان وهزم جيشهم وأسس جمهورية الريف بعدها تم اعتقاله ونفيه إلى جزيرة في المحيط الهندي إلى أن قام المصريون بتهريبه وعاش في مصر إلى حين وفاته.

تلقى الدكتور عبد الكريم الغرايبة تعليمه الأولي (مبادئ الحساب والقراءة والكتابة) في كتّاب القرية على يد الشيخ علي الخليل الحوراني ودرس الصفوف الأول والثاني والثالث في عدة مدن أردنية وذلك بحكم تنقل والده في عمله من مكان لآخر وتعدد مواقع إقامته، أما الصفوف من الرابع إلى الثامن فقد أتمها في إربد وبعد اجتياز الصف الثامن انتقل إلى مدينة السلط وذلك عام 1939م حيث التحق بمدرستها الثانوية العتيدة والتي تخرج منها معظم رجالات الرعيل الأول في الدولة الأردنية الغراء وهناك – في السلط – أتم الصفين التاسع والعاشر وتخرج منها حاصلاً على شهادة الدراسة الثانوية عام 1941 وكان أحد الطلاب العشر الأوائل في دفعته وقد زامل كل من أحمد الهنداوي وجميل زريقات وفؤاد قاقيش ويعقوب الزيادين – مع حفظ الألقاب – بعد ذلك انتقل لمتابعة دراسته الجامعية في بيروت فقد كان احد طلاب الجامعة الأمريكية المرموقة وملأت والده رغبة شديدة بأن يدرس نجله الطب ليصبح طبيباً معروفاً في مدينة إربد وليزداد فخر ذويه وعائلته به وبالفعل فقد التحق عبد الكريم الغرايبة عام 1944م بكلية الطب استجابة لرغبة والده وخلال أحد دروس التشريح شعر الدكتور عبد الكريم الغرايبة بحمى شديدة تجتاح جسده فما كان منه إلا أن انهار وسقط على الأرض فتم إرساله إلى غرفة الإنعاش الفوري. وقد تبين أنه مصاب بمرض الحمى الوافدة والتي انتشرت أثناء الحرب العالمية الثانية وهي حمى الدنجي فتم فرض الحجر الصحي عليه وبعد أن استرد صحته وعافيته، عاد لمتابعة دراسته اكتشف بأنه قد فاته الشيء الكثير من الدروس والمحاضرات وليس لديه أي فرصة للحاق بزملائه حين ذلك اتخذ قراراً مصيرياً صعباً وهو الانسحاب من كلية الطب والالتحاق بكلية الآداب لدراسة التاريخ.

وقد تحدث السيد رؤوف أبو جابر عن شخصية الدكتور عبد الكريم الغرايبة ومعرفته به في الجامعة الأمريكية قائلاً: لا زلت اذكر لقائي الأول بالدكتور عبد الكريم الغرابية كما لو أنه حصل في الأمس القريب فقد توجهت في أوائل تشرين الثاني سنة 1942 إلى بيروت للدراسة في الجامعة الأميركية وكان من الطبيعي أن يبدأ نشاطي الاجتماعي بمحاولة التعرف على الطلبة الأردنيين الذين كان عددهم لا يزيد عن الثلاثين وفي مقدمتهم عبد الكريم الشاب النشيط الأشقر الذي لا تهدأ له حركة بعد أن أصبح خلال سنة من الالتحاق بالجامعة خبيراً بالأمور وبأوضاع الأردنيين في الحرم الجامعي وقد شعرت منذ أيام صداقتنا الأولى تلك أن لدينا اهتمامات مشتركة من بينها الأخبار الأردنية والسياسة العربية والكتب القديمة مما أضفى على الجلسات التي كنا نحضرها مع الأصدقاء الآخرين جواً مرحاً ضاحكاً تضفي عليه شخصية عبد الكريم وذاكرته القوية لتفصيلات الأحداث والسيَّر نكهة مشاغبية خاصة تشغلنا لبعض الوقت عن صعوبات الحياة التي كنا نعيشها في بيروت أيام الحرب العالمية الثانية.

حصل الدكتور عبد الكريم الغرايبة على درجة البكالوريوس في التاريخ عام 1947م وعاد إلى أهله واستقبلوه بحفاوة بالغة بعدها قام بمراسلة جامعة لندن ليقوم بدراسة الدكتوراه فيها وبالفعل فقد قوبل طلبه بالموافقة بعد أن نجح في اجتياز امتحان الكفاءة لخريجي الماجستير حيث أنه لم يكن حاصلاً إلا على درجة البكالوريوس وقد قامت الحكومة بإبتعاثه بمنحة حكومية خلال سنوات دراسة الدكتوراه مقابل الحصول على تعهد منه بالعمل لدى الحكومة بعد إكمال الدراسة، وقد تتلمذ في جامعة لندن على يد أساتذة معروفين منهم البروفسور ماكس مالوان والدكتور برنالد لويس والدكتور جوردون ستايلد.

وفي فترة دراسته في لندن وتحديداً في عام 1948م تقدم عبد الكريم الغرايبة بشكوى ضد كلوب باشا حيث قام الدكتور الغريبة بإرسال رسالة إلى رئيس وزراء بريطانيا آنذاك كليمنت أتلي طالبهُ فيها بإخراج كلوب باشا من الأردن ولكنه أجاب بأن الأردن بلد مستقل ولا يمكننا التدخل في ذلك و أن كلوب باشا متعاقد مع الدولة الأردنية.

بحث الدكتور عبد الكريم الغرايبة في رسالته للدكتوراه عن العلاقات التجارية بين انجلترا والدولة العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وكان من الطلاب القلائل الذين استخدموا مراسلات التجار المحفوظة في المتحف البريطاني كما استفاد من المصادر العربية المتعلقة بالموضوع، عاد الدكتور عبد الكريم الغرايبة إلى وطنه عام 1951م ليعمل مفتشاً في دائرة الآثار الأردنية التي كان يرأسها المرحوم لانكستر هاردنج وخلال هذه الفترة كانت الجامعة الأمريكية تطرح برنامجاً للقيام بأبحاث تاريخية جغرافية لمنطقة بلاد الشام لمدة ستة أشهر وبالفعل فقد التحق بالجامعة الأمريكية في نيسان عام 1953م واتصلت جامعة دمشق وعرضت عليه التدريس فيها بلقب أستاذ زائر في تاريخ العرب الحديث لمدة سنتين ليعود بعد ذلك إلى وطنه الأردن للعمل بمنصب رئيس لقسم التشريع في ديوان الموظفين وبعد شهرين جاء طلب إلى الحكومة الأردنية من الحكومة السورية ليقوم الدكتور الغرايبة بالتدريس في جامعة دمشق نظراً لحاجة الجامعة لجهده العلمي وفي عام 1956م عاد الدكتور الغرايبة إلى عمان ليتم تعيينه مديراً عاماً لدائرة الآثار، وأثناء وجوده في سوريا نشر الدكتور الغرايبة مجموعة من المؤلفات العامة منها: تطور مفهوم النضال العربي ضد الاستعمار 1959م مقدمة تاريخ العرب الحديث 1960 والجزيرة العربية والعراق 1960 ، أفريقيا العربية في القرن العشرين 1960، العرب والأتراك في التاريخ 1960، سوريا في القرن التاسع عشر 1971م.

انتقل في بداية عام 1962 للعمل في جامعة الرياض وهناك استطاع التعرف على تاريخ الدولة السعودية وقيامها وبعد البحث واستيفاء المعلومات الهامة تمكن من إعداد كتاب يحمل مسمى (قيام الدولة السعودية الأولى) وبعد أن أمضى سنة دراسية في السعودية عاد إلى الأردن في الفترة التي يتم فيها إنشاء الجامعة الأردنية ولأنه أول من حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ فقد كان من الطبيعي أن يتم تعيينه في الجامعة الأردنية منذ نشأتها فعمل فيها أستاذاً مساعداً ثم مشاركاً ثم أستاذ شرف حتى تقاعده من العمل عام 1997م.



تنقل الدكتور الغرايبة في العديد من المواقع الأكاديمية خلال عمله في الجامعة الأردنية فمن رئيس لقسم التاريخ إلى عميد لكلية الآداب لأربع مرات إلى نائب رئيس الجامعة لشؤون التخطيط والعلاقة مع المجتمع، ومشهود للدكتور الغرايبة أنه كان يمضي سنة التفرغ العلمي في البحث والدراسة والتأليف وتعلم اللغات الأخرى.

وتحدث الدكتور محمد عدنان البخيت حول شخصية الدكتور عبد الكريم قائلاً: «يدرك من يعرف الدكتور الغرايبة أنه لا يستسلم إطلاقاً للمسلّمات بل يبحث ويكشف المستور وليس هناك حدود في شغفه للبحث عن الحقيقة حتى عن معاني أسماء الأفراد والأمكنة والأزمنة ومن هنا جاءت صلته الكبيرة مع القواميس والمعجم ولا تنطلي عليه المعاني المشتركة، فيمكن بكل يسر، في إطار علم التاريخ أن يشار إليه على أنه (ديكارت) الدراسات التاريخية في البلاد العربية بامتياز»

يعد الدكتور عبد الكريم الغرايبة واحداً من جيل العمالقة ورجلاً أصيلاً ووفياً فذكائه الوقاد وأخلاقه العالية وإخلاصه المطلق ووطنيتهُ الصادقة جعلت منه نموذجاً يجدر بالجميع السير على خطاه ولأنه المعلم ومربي الأجيال فقد قام عدد من زملائه في العمل وطلابه الذين نهلوا من معين خلقه ومعرفته وعلمه بإعداد كتاب تكريمي للدكتور عبد الكريم الغرايبة عام 1988م حمل مسمى «بحوث ودراسات مهداة إلى عبد الكريم غرايبة بمناسبة بلوغه الخامسة والستين. كما وقامت بلدية إربد الكبرى بتكريم المؤرخ الدكتور عبد الكريم الغرايبة كونه أبرز المؤرخين الأردنيين وأهم ركائز الحركة الثقافية الأردنية، فقد عُرف أبو رائد من خلال سيرة حياته الطويلة الحافلة بالإنتاج والعطاء والإخلاص والصدق ولكي ننصفه يجب القول أنه الأردني العروبي الصادق إنه الشيخ المعلم.

صدر للدكتور الغرايبة كتاب عام 1984 يعتبر مرجعاً هاماً لكل باحث ومهتم وهو تاريخ العرب الحديث 1200-1350هـ كما صدر له كتاب موسوم بـ (العرب وأمريكا، 2009) وقد تحدث الدكتور رؤوف أبو جابر واصفاً هذا الكتاب فقال: هذا الكتاب يستشرف آفاق المستقبل بعد أن يلم بأحداث الماضي وهو نتاج فكر واسع منقح يرى «أن المستقبل أهم من حاضرنا ونحن إذ نستمتع بهذه الثورة الفكرية نطلب إلى صديقنا الوفي أن يكمل المشوار ويستمر في العطاء ونرفع الدعاء إلى البارئ عز وجل أن يطيل في عمره لنستفيد من هذه الخبرة الحكيمة والجراءة الأدبية التي يحتاجها العرب في اهلك ساعاتهم.

اقترن الدكتور عبد الكريم الغرايبة بالسيدة الفاضلة بيهمال العنبري وهي من عائلة عريقة في دمشق وأنجبت له ولده الدكتور رائد وهو طبيب في مستشفى الجامعة الأردنية ودرس الطب ليحقق حلم جده الذي أراده لوالده.

أطال في عمر الأستاذ الدكتور عبد الكريم الغرايبة شيخ المؤرخين الأردنيين ليبقى منارة شامخة ورافداً لكل الأجيال تنهل من علمه الغزير الذي لا ينضب ووفائه وإخلاصه لعلم التاريخ والتوثيق التي يحدد مستقبل هذه الأمة فالماضي يصنع الحاضر ويوثق المستقبل فلا خوف على صناعة التاريخ ما دامت بأيدي الشيخ المعلم والمربي الفاضل الدكتور عبد الكريم الغرايبة.

صادق الشرع ... أصغر عسكري في جيوش العالم

|0 التعليقات
صادق الشرع
يعد الحديث عن شخصية اللواء صادق الشرع حديث عن أحد القادة العسكريين الذين كان لهم أثر بارز في الجيش العربي الذي شارك في معارك فلسطين ، فتجده قد تنقل في عدد من المواقع العسكرية ، كان أصغر عسكري في جيوش العالم يحمل رتبة لواء وعمره (35) عاماً ، شغل منصب أول وزير للتموين في الدولة الأردنية في حكومة السيد زيد الرفاعي عام م1974 ، وشارك في إبرام العديد من الاتفاقيات العسكرية بين الجيوش العربية.

أما عن نسب عائلة الشرع فقد ذكر السيد صالح الشرع في كتابه "مذكرات جندي" عام م1985 أن جد العشيرة الأول سلامة انتقل مع شقيقين له من الطائف في الحجاز إلى مصر قبل حوالي (400) عام وأقاموا في محافظة الشرقية واستوطن الشقيق عبد السلام في محافظة الشرقية لتتشكل من نسله عائلة تُعرف باسم عائلة "الأزهري" ثم ارتحل سلامة مع ابن شقيقه الآخر محمد إلى مجدل عسقلان في جنوب فلسطين ، واستوطنا فيها وتشكلت من أعقابهما عائلتان إحداهما تُسمى عائلة التنيَّر (التنيَّرة) والأخرى تسمى عائلة الحلاّق ولكن سلامة لم يطل به المقام في مجدل عقسلان فارتحل منها إلى قرية بديا في قضاء جمّاعين في منطقة نابلس ومن أعقابه تشكلت العشيرة التي تعرف باسم عشيرة سلامة ثم صارت تعرف باسم عائلة الشرع عندما أصبح الشيخ محمد صالح بن أحمد بن موسى بن سلامة بن موسى بن سلامة قاضياً للشرع بعد أن أتم دراسته في الأزهر الشريف وأكمل دراسة الحقوق في عاصمة الدولة العثمانية الأستانة (استانبول) وعينته الدولة العثمانية قاضياً للشرع في قضاء حوران الذي كان شمالي شرقي الأردن تابعاً له ، واستقر الشيخ محمد صالح الشرع في قرية حوَّارة القريبة من إربد ومن نسله تكوَّن فرع جديد من عشيرة سلامة ، ولكن هذا الفرع عُرف باسم عشيرة الشرع نسبة إلى عمل مؤسس الفرع الشيخ محمد صالح الشرع في مجال القضاء الشرعي.

ولد اللواء الركن صادق الشرع في بلدة حوارة عام م1923 لأسرة ريفية تعتمد كغيرها من سكان القرية على الزراعة لتأمين احتياجاتهم من المواد الغذائية وقد قال في إحدى مذكراته: "جئت إلى هذا العالم في أعقاب الدمار والحرب الضروس عام م1923 في قرية حوارة والتي أصبحت الآن متصلة مع مدينة إربد كان جدي المرحوم الشيخ محمد صالح يعمل قاضياً شرعياً في درعا واختار أن يسكن في حوارة وفيها ولد أبي وأنا وكل الذي اذكره في طفولتي مدرسة القرية المكونة من غرفتين فقط حيث لم تكن المدارس متوفرة في ذلك الوقت" ، تلقى صادق الشرع تعليمه الابتدائي في قرية حوارة ثم انتقل إلى مدرسة التجهيز في إربد وكان من أساتذته هناك عمر الشلبي وسعد النمري ولطفي عثمان وحسن أبو غنيمة وغيرهم ، وزامله في الدراسة عز الدين التل وصلاح أبو زيد ويوسف التل وقدري التل. بعد ذلك تابع دراسته في ثانوية السلط وقد تخرج منها عام 1939 حاصلاً على شهادة الدراسة الثانوية ، وقد ترك أساتذته (حسني فريز وحسن البرقاوي وجميل العيناوي وصبحي حجاب) أثراً كبيراً في تكوين شخصيته.

انتسب صادق الشرع للقوات المسلحة الأردنية برتبة مرشح عام م1942 وبعد انتهائه من التدريب العسكري انتقل إلى فلسطين وخاض معارك القدس عام م1948 بوظيفة ركن عمليات حربية وبعد انتهاء الحرب سافر صادق الشرع يرافقه على الحياري إلى بريطانيا ليدخلا دورة عسكرية متخصصة بكلية أركان حرب للجيش العربي في (كامبرلي) وقد تخرجا منها عام 1950م.

وفي عام م1952 تم تعيينه برتبة عقيد وقائد حرس وطني وأصبح مدير عمليات حربية في قيادة الجيش ، وفي مطلع عام م1958 وبعد قيام الاتحاد العربي الهاشمي مع العراق عُين نائباً للقائد العام للجيش الاتحادي الذي كان مقره بغداد ولكنه عاد إلى الأردن إثر قيام الحركة الانقلابية التي قام بها الجيش العراقي بقيادة "عبد الكريم قاسم" في تموز عام 1958م. وإعلان الجمهورية العراقية.

انتقل عام م1964 إلى دولة الكويت ليعمل هناك في القطاع الخاص ولكنه عاد إلى عمان بعد سبع سنوات وبصدد هذا الموضوع فقد تحدث اللواء صادق الشرع قائلاً: "بعد ذلك قررت أن أغادر الأردن وابدأ رحلة جديدة من محطات العمر ، ذهبت إلى الكويت وأمضيت فيها سبع سنوات وذات صباح في عام م1970 اتصل بي محمد نزال العرموطي وكان يومها سفيراً للأردن لدى الكويت وأخبرني بأن هناك برقية من الديوان الملكي الهاشمي تفيد بعودتي للأردن في أسرع وقت ، استلمت البرقية وغادرت الكويت عائداً للأردن بعد يومين من استلامي البرقية ، كان وصفي التل يومها رئيساً للوزراء قابلت وصفي وعرفت أنه يريدني لموقع مهم في الحكومة وقال لي سوف أذهب غداً إلى القاهرة وبعد عودتي سوف تكون في موقع مهم وغادر وصفي إلى القاهرة وعاد محمولاً على الأكف شهيداً ، ثم عُينت مديراً للجوازات العامة في أدق وأصعب الظروف التي كانت تحيط بالبلاد ، وبعد ذلك عُينت محافظاً لإربد" وبتاريخ 21 ـ 2 ـ 1974 اختاره دولة السيد زيد الرفاعي ليكون أول وزير للتموين وبالفعل فقد أسس وزارة التموين وفي 24 ـ 11 ـ من العام ذاته عُين وزير دولة للشؤون الخارجية استمر فيها حتى تقاعد عام م1976 مع استقالة حكومة الرفاعي وكأحد الجنود المرابطين في القدس كان شاهد عيان عند استشهاد الملك المؤسس عبد الله الأول بن الحسين وحول هذه الحادثة. تحدث صادق الشرع للمؤلف تريز حداد صاحب كتاب "ذاكرة وطن" فقال: "كان من عادة الملك المؤسس أن يحضر إلى القدس في كثير من أيام الجمعة لأداء صلاة الجمعة في الحرم الشريف وفي ظهر يوم الخميس الموافق 19 تموز عام 1951 وصل الملك على متن طائرته الخاصة وبمعيته الأمير الحسين بن طلال وكبير المرافقين اللواء محمد علي العجلوني وآخرون.

وكنت في استقباله وبعد مراسم الاستقبال ذهب الملك إلى القصر بهذه الأثناء اتصل معي الفريق كلوب باشا هاتفياً وقال لي: "اسمعني جيداً عندنا معلومات تفيد بأن هناك مؤامرة لاغتيال الملك لذلك عليك بتشديد الحراسات في جميع الأماكن التي يمكن أن يتواجد فيها الملك".

وبالفعل أعطيت التعليمات لتعزيز الحراسات فوجدت قائد المنطقة العقيد راضي عناب ، ومتصرف القدس حسن الكتاب ومعهما العقيد حابس المجالي الذي كان قائداً للكتيبة الهاشمية. وبينما كنا نتكلم عن المعلومات التي وردت في المؤامرة اقترح العقيد راضي عناب أن نغير مكان دخول الملك إلى ساحة الحرم من مدخل الروضة إلى مدخل آخر لأنه أصبح معروفاً أن الملك يمر منه دوماً ، بعد قليل وصل الملك وصافحنا ثم اقتربت من جلالته ورافقته إلى المكان الذي يقف به عادة لأخذ التحية.

وقف الحرس خارج الباب واجتاز الملك الباب إلى الداخل حيث تقدم منه بعض الشيوخ وأخذوا يسلمون عليه وكنت تلك اللحظات أقف خلفه ، بهذه اللحظة خرج من خلف الباب من جهة اليمين شاب لا يتجاوز العشرين من عمره واقترب من الملك وكأنه يريد السلام عليه وفجأة أشهر مسدساً وأطلق منه رصاصة على رأس جلالته فأصابته في صدغه أما القاتل فقد حاول الهرب ثم أخذ يطلق باقي رصاصات المسدس باتجاهنا بدون تسديد حيث جرح العقيد راضي عناب يومها في كتفه كما جرح المقدم محمد السعدي في ساقه وظهر لي بعد ذلك بأن رصاصة قد انزلقت بعد أن أصابت الوسام الذي كان على صدر الأمير حسين بن طلال ولم تصبه بأذى".

كان الملك الشهيد عبد الله بن الحسين رحمه الله رجلاً عظيماً في مملكة صغيرة تضيق بآماله وأحلامه وطموحاته التي ظل يحملها ويناضل من أجلها طلية حياته ، والمتمثلة في وحدة المشرق العربي وحريته وتقدمه ، كان يستشرف المستقبل وما ستؤول إليه أحوال الأمة ، كان يسعى لخير الأمة وقضاياها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. فالأردن صغير بمساحته ولكنه عظيم بقيادته الهاشمية وجيشه العربي الباسل وشعبه الذي عرف بالوفاء والولاء لوطنه وقيادته وأمته الواحدة.

لقد أمضى أبو زياد معظم سنين خدمته في الجيش العربي في فلسطين ومدنها وبقي حتى آخر أيام حياته يتذكر أيامه فيها وما جرى فيها من أحداث ووقائع دون أن ينسى يوماً واحداً حمل في طياته أحداثاً مفجعة ومؤلمة خلال سنوات حياته.

انتقل الباشا صادق الشرع إلى رحمته تعالى في العام الماضي عن عمر يناهز ستة وثمانين عاماً قضاها جندياً لم يبخل على وطنه ولا على الدول العربية المجاورة ودبلوماسياً محنكاً حرص على مراعاة أمور المواطنين وسد حاجاته خلال عمله وزيراً للتموين. رحم الله اللواء صادق الشرع وأسكنه فسيح جناته.