‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفاعوري. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفاعوري. إظهار كافة الرسائل

سعيد باشا الصليبي الفاعوري

|0 التعليقات
سعيد الصليبي

يعد حضور سعيد باشا الصليبي الفاعوري، في الذاكرة الوطنية، وفي التاريخ الاجتماعي والسياسي الأردني الحديث، واضحاً وعميق الأثر، فهو من فرسان المرحلة التي تكثفت فيها الأحداث، وغلب فيها تقلب الأحوال وتغير الدول، وتنازعتها صراعات إقليمية وعالمية، أدت إلى تغيير خريطة المنطقة العربية، وتشظي الحلم العربي بالوحدة والحرية.

هذا الامر   حتم على العرب خوض غمار معارك تحرر امتدت عدة سنوات إضافية، ضد التقسيم والاستعمار الغربي، وكانت القاعدة الحقيقية لهذا النضال، الرجال الأحرار من أبناء الأمة، بفضل حسهم الوطني، وانتمائهم العميق للقضايا القومية العامة، كما لعب هؤلاء الرجال الذين خبروا مراحل بالغة الصعوبة، وتصدوا لمؤامرات متلاحقة استهدفت الأمة ومقدراتها. وتبين سجلات التاريخ مدى تفاعل رجالات الأردن في الحراك السياسي النضالي، في المنطقة برمتها، فلقد شاركوا بمؤتمرات الرفض والصمود، في عدد من المدن العربية، وخاضوا معارك حاسمة، في الثورة العربية الكبرى والثورة السورية والثورة الفلسطينية، وفي الأردن تصدوا لسياسة الانتداب البريطاني، وبيع الأراضي للوكالة اليهودية.

كان سيعد باشا الصليبي من أبرز الزعماء العشائريين في السلط، فقد لعب دوراً اجتماعياً ونضالياً وسياسياً، استمر طوال سنوات عمره، وتجاوز بتأثيره ومشاركاته حدود الوطن، وظل مخلصاً لأفكاره وقيمه وما بدل ولا غير في يوم من الأيام، وهو المولود في مركز الحراك بمدينة السلط، التي شكلت لفترة ليست قصيرة، حاضرة من أهم حواضر جنوب بلاد الشام، وكانت المدينة الأكبر والأنشط وسط الأردن، منذ القرن الثامن عشر حتى إعلان عمّان عاصمة لإمارة شرق الأردن.

 فقد ولد في عام 1878 على أبواب القرن العشرين، ولم تكن أحوال الناس تلك الأيام جيدة، وقد استشرى الظلم والتعسف والإهمال، حيث مهدت هذه الأحوال لتحريك العرب باتجاه الثورة الشاملة. نشأ الصليبي في مدينة السلط، متمتعاً برعاية والده الذي يعد من أبرز رجالات البلقاء، فقد أعده والده للمهام الكبرى، عندما أولاه تربية خاصة، لا تختلف عن أقرانه، لكنه أدخله عالم الرجال والرجولة باكراً. ولأنه كان ميسور الحال، والبلاد تعاني ما تعانيه من ندرة المداس وعدم توفر المعلمين، عمل على استقدام شيخاً معلماً، ليقوم بتعليم أبنه سيعد تعليماً خاصاً في البيت، إدراكاً منه أن التعليم هو من أهم دعائم بناء مستقبل الأمة.

بعد أن أنهى دراسة الكتّاب المنزلية، الذي ناله خلال تعليم أولي تضمن القراءة والكتابة والحساب وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، لكنه لم يقف عند هذا الحد من التعليم، الذي كان كافياً حينها.

   رغب والده في أن يحظى سعيد بتعليم أكبر، وقد شجعه في ذلك ما تمتع به من ذكاء وفطنه وسرعة في التعلم، فالتحق بمدرسة الروم الأرثوذكس في حي الخضر بمدينة السلط، وكان دخوله للمدرسة مرحلة مهمة في بناء وعيه الوطني والقومي، فقد واصل دراسته فيها، حتى تمكن من إنهاء المرحلة الرشدية، وهي تسمية عثمانية لمرحلة تعليمية تعادل الابتدائية، حيث كان الدراسة تقسم إلى قسمين أو مرحلتين ابتدائية وثانوية، وكان من الطلبة المميزين في المدرسة، والذين لفتوا الانتباه لهم بتوقد ذكائهم، وقوة شخصيتهم، التي كشفت عن سمات الزعامة والقيادة في فترة مبكرة من العمر، وقد كون صداقات قوية مع عدد كبير من أبناء السلط في المدرسة، خاصة من أبناء السلط المسيحيين، فكان محبوباً ومقدراً من صغره.

التحق سعيد باشا الصليبي بركب الحياة العملية، بعد أن غادر المدرسة حاملاً شهادة المرحلة الرشدية، فاشترك مع أخوته في الأعمال والأنشطة التجارية، مستفيدين من الحركة النشطة في المدينة، التي كانت ذات صلات تجارية ناجحة، مع عدد من المدن كنابلس والقدس والكرك ودمشق، فكانوا أصحاب تجارة ناشطة وحضور اجتماعي فاعل، وقد نهل من مدرسة والده الكثير، حيث لمع اسمه شاباً متعلماً نسبياً قياساً بظروف تلك الفترة، ومشاركاً نشطاً في الفعاليات الاجتماعية والسياسية والعشائرية، فقد استقى من والده المعاملة الناجحة مع الناس، وكيفية حل قضاياهم ومشاكلهم، بتوخي العدل وتقديم المصلحة العامة على الخاصة. وقد تزوج بفتاة من عائلة الحمصي، وكان من ثمرة هذا الزوج أربعة أولاد: بهجت، عزت، رفعت، محمد، وابنة واحدة هي السيدة فائزة.

تمكن سعيد باشا الصليبي من بناء مكانته الاجتماعية، وتكريس حضوره الفاعل كأحد رجالات السلط الأفذاذ، فقد أنتخب رئيساً لمجلس بلدي السلط، وذلك عام 1918 خلال فترة الحكومة العربية في دمشق، وكان معه في عضوية هذا المجلس كل من: فرح أبو جابر، مصطفى الكردي، محمد الرشدان ومفلح المصطفى. وفي الدورة التالية من عام 1919 إلى عام 1920، تولى رئاسة مجلس البلدية بعضوية: فلاح الحمد، محمد صادق مهيار، صالح خليفة، عواد الكردي ومحمد رشدان. بعد خدمته في بلدية السلط كرئيس لمجلسها، لم يجد في نفسه غضاضة بالمشاركة في المجلس البلدي كعضو خلال الفترة 1925 – 1927 برئاسة نمر الحمود، وأيضاً خلال الفترة 1927 – 1928 و1929 – 1930 برئاسة عبد الله الداود.

عاد سعيد باشا الصليبي، وفاز بانتخابات رئاسة مجلس بلدي مدينة السلط عام 1947 – 1951، وعمل بمعيته في عضوية المجلس كل من: راجح المفلح، سري البسطامي، إبراهيم قطيش، عبد الله الفرح، محمد الساكت، عبد الحليم الحديدي وعبد الرحيم السالم الحياري، وكانت له لمسات واضحة في تنمية وتطوير مدينة السلط، والارتقاء بمستوى الخدمات، والعمل على توفير البنية التحتية الملائمة، التي تساعد في نمو المدينة واستيعاب أعباء توسع حددها وزيادة عدد سكانها، حيث عمل على الاهتمام بالتعليم بشكل خاص، مقدراً أهميته في خدمة مستقبل البلاد، مكان من أبرز إنجازاته في هذا المجال، خلال عمله رئيساً للبلدية، هو أن قام شخصياً بشراء لوازم بناء مدرسة السلط، من مدينة حيفا الفلسطينية حيث رافقه في هذه المهمة السيد علاء الدين طوقان، وقد ساهم جميع وجهاء السلط بجهود بناء المدرسة وتمويلها، حتى أصبحت رائدة المدارس في الأردن، وأول مدرسة ثانوية في شرق الأردن، حيث خرج الرعيل الأول وما تلاه من رجالات الأردن، في السياسة والاقتصاد والتربية، والمجالات الأخرى، كما عمل على شراء « ماتور « من مدينة بيروت، لضخ المياه من أجل تزويد أحياء المدينة بمياه الشرب بشكل بالطرق الحديثة.

تعددت الأدوار التي لعبها سيعد باشا، فكان من شيوخ البلقاء الذين تمتعوا بمكانة في مختلف مناطق البلاد، وكانت له كلمة مسموعة، ويدعى إلى كثر من المناسبات المهمة، فقد دعي للمشاركة في « الصلحة « بين قبيلتي بني صخر وبني حسن، والتي أقيمت في دمشق، وقد تحولت  الصلحة إلى مؤتمر سياسي، حيث صدر عنها بيان سياسي تضمن رفض تقسيم البلاد العربية بالإشارة إلى اتفاقية سايكس – بيكو، ورفض الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد طالب البيان بعودة ياسين باشا الهاشمي إلى عمله رئيساً لديوان الشورى الحربي.
 وكان الصليبي قد عمل في السابق لمدة قصيرة، مفتشاً في مالية مدينة الخليل. وفي فترة الحكومة العربية في دمشق، تم انتخابه عضواً عن السلط في مجلس الشورى في العهد الفيصلي، غير أن هذه الحكومة لم تعمر طويلاً، فقد حلت بعد احتلال الفرنسيين لدمشق، وقامت في البلقاء حكومة محلية لإدارة شؤون المنطقة، بعد الفراغ السياسي والإداري، حيث اختير عضواً في المجلس الشورى لهذه الحكومة، وهو المجلس الذي ترأسه متصرف السلط مظهر رسلان، وكان ذلك في شهر آب عام 1920.

خاض سعيد باشا الصليبي التجربة السياسية، وساهم في تأسيس هذا الحراك السياسي الوطني المبكر، حيث خاض انتخابات أول مجلس تشريعي أردني، وفاز عن مدينة السلط عام 1929، وفي مجال الأحزاب السياسية، فقد كان عضواً منتخباً في اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشعب عام 1933، وأصبح نائباً لرئيس المكتب الدائم العام للجنة التنفيذية، وقد عرف عنه الكرم وطيب النفس والخلاق العالية والتواضع، وأولى إعمار السلط جل عنايته، ولم يركن للراحة في يوم من الأيام، حتى وفاته عام 1951، فكان بحق من فرسان المرحلة الصعبة ورجالات التأسيس الكبار.

رفعت سعيد المصطفى الصليبي الفاعوري

|0 التعليقات
رفعت الصليبي
يعد الحديث عن شخصية المرحوم رفعت الصليبي حديثا عن واحد من أبرز رجالات الحركة الأدبية والشعرية في منطقة شرقي الأردن، فمنذ وقت مبكر برزت لديه نزعة الشعر والأدب وقادها في شبابه ورعاها حق الرعاية، فنهل من ينابيع الثقافة العربية وعزز مخزونه الثقافي بالقراءة والمطالعة الواسعة، وانكب على آثار كبار الأدباء وفحول الشعراء وراجع المعاجم اللغوية والموسوعات العربية مما كان له أثر كبير في شعره فنضم أنواع الشعر جميعها، فلانت له الأوزان وخضعت له الألفاظ ليمتاز شعره بالجزالة والمتانة والحلاوة مع المحافظة على الوزن والقافية.

ولد المرحوم رفعت سعيد المصطفى نصر الله الصليبي الفاعوري بمدينة السلط عام 1916م في عائلة كريمة ذات جاه ونفوذ وقد شكل عام 1916 حدثاً هاماً في ذاكرة العرب أجمع كونه العام الذي قامت به الثورة العربية الكبرى (ثورة العرب ضد الظلم والاضطهاد) والتي فجرها الشريف الحسين بن علي شيخ العرب أجمع، حيث ثار على الظلم وعلى ممارسات حزب الاتحاد والترقي فأطلق رصاصته الأولى معلناً بذلك قيام الثورة العربية الكبرى. ووالده المرحوم سعيد الصليبي يعد من أبرز رجالات مدينة السلط في مجالات السياسة والتجارة، بدأ نشاطه السياسي عام 1920 عندما قام بالمشاركة في المؤتمر السوري العربي ممثلاً عن منطقة البلقاء وكان من وجوه البلقاء والسلط التي حضرت إلى دمشق لحضور إجراءات الصلح بين عشائر الصخور وبني حسن وقد تحول هذا الاجتماع إلى اجتماع سياسي حيث أصدر المشاركون فيه بياناً سياسياً تضمن احتجاج أهالي البلقاء ورفضهم لمؤامرة تجزئة البلاد العربية والتعرض لاستقلالها.

انتمى رفعت الصليبي لعائلة معروفة وقد تحدث دولة السيد عبد الرؤوف الروابدة في كتابه معجم العشائر الأردنية عن عشيرة الفاعوري قائلاً: «هي واحدة من العائلات العريقة في مدينة السلط، جدهم هو أحمد الجغبيري الرفاعي الحسيني وهم والقطيشات من نفس الجد وقد هاجروا من الجزيرة العربية إلى الخليل ثم استقروا في السلط منذ أربعة قرون، أسس العشيرة في السلط محمد بن أحمد الجغبيري الذي أنجب فاعور وهيشان وعساف ويسكن الفواغير والقطيشات في السلط وعين الباشا وإربد ومأدبا وفروعهم القطيش ونصر الله ونوفل وحسين والصبح والمرعي والمفلح والخشمان والطاهات والليات والجنيدي وعبد المهدي». اعتنت عائلة المرحوم رفعت الصليبي بالعلم وهذا منحه الفرصة للقراءة في وقت مبكر والاعتناء بالثقافة وخير مثال على ذلك هو قيام والده المرحوم سعيد الصليبي وبالتعاون مع رجالات السلط ببناء مدرسة السلط الثانوية لتكون أول مدرسة ثانوية في شرق الأردن. التحق رفعت الصليبي شأنه شأن أبناء جيله بكُتَّاب الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني ثم التحق بمدرسة مختلطة في شارع الدير، لينتقل بعد ذلك إلى مدرسة ابتدائية مقرها بيت (الرهوان) بالجدعة الوسطى وتابع دراسته أيضاً في مدرسة التل (المدرسة الثانوية) وقد تخرج في مدرسة السلط وتلقى تعليمه على أيدي أساتذة جهابذه منهم حسن البرقاوي، محمد أديب العامرين لطفي عثمان، صبحي حجاب، سعيد البحرة وغيرهم. ويذكر محمد نزال العرموطي أن مدرسة السلط الثانوية لم تكن مدرسة تقليدية فقد كانت تعقد ندوات الوعي ومساجلات شعرية وحفلات سمر ومباريات أدبية وحوارات عالية المستوى بالإضافة إلى مادة المقرر المدرسي ويمتلك المعلم الثراء الثقافي بحكم تخصصه في جامعات خارج الوطن فهو مثقف شمولي وقائد تفكير، لذلك سادت ثقافة الحس الجماعي ومعالجة الهم الوطني العام، فمجتمع الطلبة جائع للمعرفة يتلقف المعلومة ويلتهم الجديد من الأفكار، كان الطلبة شباباً في وعي الرجال، وفي صباح اليوم المدرسي يبدأ المشروع الثقافي الأردني، فيتسلح الطلبة بثوابت الثورة العربية الكبرى ومبادئها في التحرر والاستقلال ويقفون بقامات مستقيمة مرفوعي الرؤوس ينشدون أناشيد الوحدة العربية.

عُرف رفعت صليبي ومنذ صغره بسعة أفقه فكان على الدوام شارداً في عالمه الخاص الذي رسم أطره واختاره لنفسه فكان والده يسميه بالملاك بكل ما يحمل هذا الاسم من معاني التقاء والصفاء والبراءة والحُسن.

انتقل رفع الصليبي إلى دمشق ليكمل دراسته الجامعية فدرس الحقوق في جامعتها وتخرج فيها سنة 1936م وعندما عاد إلى بلده قام بتأسيس منتدى أدبي في مدينة عمان وكان يترأس الندوات الأدبية عامةً والشعر خاصةً وهذه الندوات كانت تضم نخبة من أدباء البلاد أمثال: مصطفى وهبي التل وحسني فريز وعبد الحليم عباس وناصر الدين الأسد ومحمد سليم الرشدان وصبحي القطب وغيرهم الكثير.

قام المرحوم الصليبي وبالاشتراك مع شاعر الأردن عرار بتأسيس مكتب للمحاماة جمعهما معاً ثم صدرت إرادة الأمير عبد الله بن الحسين بتعيين الصليبي مساعداً للنائب العام وهذا مهَّد الطريق أمامه ليصبح قاضي صلح عمان ثم نقل ليصبح نائب رئيس محكمة إربد وكان نائباً لرئيسها بهجت التلهوني وقد ترقى ليصبح قاضي أراضي بالدرجة الخاصة، وقد قام خلال عمله هناك بتعديل وصياغة الكثير من القوانين والمواد المتعلقة بدائرة أراضي عمان. وخلال فترة عمله عُرف الصليبي بنزاهته المطلقة وترفعه عن صغائر الأمور، فهو صاحب هيبة ووقار، وحول دماثة أخلاق رفعت الصليبي تحدث الأستاذ خالد الساكت قائلاً: لعل الخط البارز في حياة الصليبي هو تلك الحساسية البارزة إزاء قضايا الكرامة فتراه في حياته اليومية هادئاً صامتاً قليل الاختلاط بالناس حتى إذا ما أحس أن هناك ما يمكن أن يمس كرامته من قريب أو بعيد يثور ثورة لاهبه في حين تراه يفيض عذوبة ورقة وتسامحاً مع كل موثوق وطيب وقد كان ذا خلقاً طيباً رفيعاً صلباً ومترفعاً، كان ذا هيبة ووقار فأنت في حضرته تحس أنك أمام زعيم على الرغم من دماثته وسماحته ورقته، والحياة بالنسبة إليه لم تكن ذات أهمية بل اعتبرها مرحلة يعيشها الفرد لوقت لقاء ربه وخير مثال على ذلك هو قيامه بالتنازل عن نصيبه الكبير في إرث والده لأخته عندما قررت العائلة حرمانها شأنها شأن كل العائلات في ذلك الوقت فقام الراحل الصليبي بإسراع إجراءاته القانونية والتي تفرضها عليه معاملة التنازل هذه.

نضّم رفعت الصليبي الشعر في وقت مبكر وقد عُرف شعره بوضوح الأسلوب وحسن التعبير وبرزت العاطفة الصادقة ونظمه للشعر كان يهدف من ورائه التعبير عما يجول في نفسه من خواطر وجدانية ووطنية، وقد تحدث الأستاذ هزاع البراري قائلاً: كانت علاقة الصليبي بالشعر متجذره منذ الشباب الباكر فهو لم ينقطع عن نظم الشعر في جميع مراحل عمره، وفي جامعة دمشق كان له حضور أدبي بارز وبرز كشاعر ومتحدث باسم الطلبة الأردنيين وذلك مكنه من التواصل مع عدد كبير من الشخصيات العربية والنضالية حيث كانت سوريا تواجه الاستعمار الفرنسي، وقد لعب المثقفون الأردنيون في دمشق دوراً بارزاً في الحركة النضالية التنويرية، ولجأت كثير من الشخصيات السورية إلى الأردن بهدف تأمين الحماية لهم والدعم المادي والمعنوي.

كان للأديب والسياسي والشاعر رفعت الصليبي العديد العديد من القصائد والمقالات قام الدكتور سحبان الخليفات بجمعها وإخراجها في ديوان يحمل اسم: (رفعت الصليبي: قصائد ومقالات) وقد أظهرت قصائده مدى حبه وتعلقه بطبيعة السلط الخلابة وتوحده معها فيقول:

مرابع فيها من شبابي بعضه وفي هيكلي من مائها ومن الثرى

وحول اهتمامات الصليبي بالشعر والأدب تحدث الدكتور هاني العمد قائلاً: يبدو أن اهتمامات رفعت الصليبي قد ظهرت في وقت مبكر فقد عكف على حفظ دواوين بعض الشعراء من أمثال: عمر بن أبي ربيعة وأبي نواس والبحتري والمتبني والمعري وشعراء الموشحات الأندلسية وغيرهم كما يبدو أنه نظم الشعر وهو على مقاعد الدراسة، وعرضه على أساتذته، فشجعوه وكان من زملائه في المدرسة: صبحي الحسن، وعبد الرحمن خليفة وبهجت التلهوني وميخائيل الصالح وضيف الله الحمود وغيرهم، ويمثل حبه للسلط أحب البلاد العربية مثل: لبنان ودمشق وفلسطين وسوريا فوصفها أجمل الأوصاف وحباها بأروع قصائده. كما اعتنى بالرثاء، فرثى مصطفى وهبي التل، وعبد الله النمر وإبراهيم طوقان والملك غازي، وقد جرب الصليبي أشكالاً مألوفة من القصيد مثل الغنائيات والأندلسيات إلى جانب اهتمامه بالأغراض التقليدية وإن حاول أن يعكس نفسه من خلال قصائده.

كان المرحوم رفعت الصليبي مولعاً بالصيد وكان هذا الولع سبباً في موته شاباً في منطقة غور الصافي، عندما أصيب بطلقة طائشة في 19/11/1952م فقتل على الفور وأحضر جثمانه إلى مدينة السلط وقد دفن في مقبرة الجادور وقد خرجت المدينة لتودعه وقدم أصدقاؤه ومعارفه من جميع أنحاء البلاد وكان الحزن عليه كبيراً وكان عمره عند وفاته بالكاد يصل للسادسة والثلاثين وقد مات بعد والده بسنة واحدة رحمها الله.

وقد تحدثت الأدبية سميحة خريس عن شخصية المرحوم رفعت الصليبي قائلة: لم يحظ رفعت الصليبي باهتمام كبير على مستوى الدارسين في الأردن عدا عن غيابه التام على الصعيد العربي، ما عدا قصيدة واحدة وضعت في المنهج الدراسي له، ثم دراسة قدمها الشاعر خالد الساكت بعد رحيل الصليبي لتكون مقدمة لديوانه الذي لم ير النور قبل عام 1978م حين أدرجت وزارة الثقافة الديوان على قائمة منشوراتها التي تناولت التراث الأردني وقد قدم للديوان في دراسة محققة د. سحبان خليفات مشيراً إلى مكانة الشاعر الاجتماعية وإلى رصيده من الإبداع والمناصب التي تقلدها، وباذلاً جهداً طيباً في البحث عن المؤثرات التي كشف عنها قصيدة، وجاء في ترجمة الدكتور عيسى الناعوري أن الصليبي كان شاعراً مطبوعاً هادئ الشعر لطيف العبارة، أما د. خليفات فيرى أن المنية اخترقته ولم تظهر كنوز الكلمة عنده بعد، وتحدث عن جزالة اللفظ عنده، وتأثره بأعلام الشعر العربي مثل عمر بن أبي ربيعة وأبو نواس والبحتري وأحمد شوقي ولعلنا نلمح هنا تعاطفاً مادحاً أكثر منه موقفاً نقدياً باحثاً.

لقد بقيت قصائد وأشعار ومقالات وخواطر رفعت الصليبي شاهداً على براعة أديب رحل في وقت مبكر من عمره وبرحيله فقد أضاعت الأجيال أدباً جماً ونتاجاً يؤطر الحركة الثقافة والأدبية في الأردن ولكن أعماله رغم قلتها ومحدوديتها إلى أنها تبقى في الذاكرة وسيرته حاضرة أمام العيان.