الشيخ نوح القضاة |
حين يحار المرء ماذا يكتب أو
من أين يبدأ عند الحديث عن شخصية عالم جليل وظاهرة فريدة من نوعها بين
العلماء في الأردن والعالمين العربي والإسلامي يوقن السامع أننا بصدد
الحديث عن شخصية المرحوم الشيخ الدكتور نوح علي سلمان القضاة ، فهو بحق
ظاهرة تستحق التعميم. حيث حياته كانت مليئة بالنضال والتضحية وسيرته كلها
شرف وإباء وتقى ، ما توانى عن خدمة دينه وأمته لحظة واحدة ولم يتخاذل في
المواقف العصيبة والمصيرية. ولا بد من التأكيد على أن سماحة الشيخ نوح
القضاة ذكراه حيّة وخالدة ، فهو لم ولن يصبح غائباً بل سيظل علماً مرفوعاً
فوق سارية الإحسان والعطاء فأعماله وفتاويه ومواقفه ستبقى ماثلة أمامنا
ونسال الله له حُسن الجزاء فللعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ، ما
بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام.
ولد سماحة الشيخ الدكتور نوح علي سلمان القضاة رحمه الله ، في بلدة عين جنة في محافظة عجلون عام م1939 ، نشأ في بيت علم وتقى وورع لأسرة علمية معروفة بالعلم والفضل حيث كان والده الشيخ علي سلمان رحمه الله فقيهاً شافعياً ، أجازه في علومه ومعارفه كبار علماء الشام في طليعتهم الشيخ علي الدقر ، وقد علّم أبناءه الأربعة العلوم الشرعية والعربية قبل أن يبعث بهم إلى الشام لتلقي العلوم الشرعية على أيدي علمائها.
درس الشيخ نوح المرحلة الابتدائية في الأردن ثم سافر إلى دمشق عام م1954 وقضى هناك سبع سنوات في معهد العلوم الشرعية ، التابع للجمعية الغراء التي أسسها شيخ والده ، الشيخ علي الدقر رحمه الله حيث أكمل فيها الدراسة الإسلامية من المرحلة الإعدادية حتى نهاية المرحلة الثانوية ، وتخرج منها عام م1961 ، وبعد إتمام دراسته الثانوية في المدرسة الغراء التحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق ومكث فيها أربع سنوات 1961( - 1965م) وحصل فيها على الشهادة الجامعية في الشريعة.
وفي عام م1977 سافر إلى القاهرة للحصول على درجة الماجستير في الفقه المقارن ، حيث درس أصول الفقه على يد العلامة الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الخالق ، والفقه المقارن على يد الشيخ حسن الشاذلي ، واستمع إلى محاضرات في التصوف لشيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله ، وحصل على درجة الماجستير من جامعة الأزهر ، وقدم رسالة في جامعة الأزهر بعنوان "قضاء العبادات والنيابة فيها" بإشراف الدكتور محمد الأنبابي وذلك عام م1980 كما حصل على درجة الدكتوراه من جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام م1986 ، وقدم رسالته بعنوان "إبراء الذمة من حقوق العباد" وكان المشرف على رسالته الشيخ صالح العلي الناصر رحمه الله ، ثم الشيخ الدكتور صالح الأطرم.
عمل في سلك القوات المسلحة برتبة ملازم أول ، (مرشد ديني) وعمل بجانب الشيخ عبد الله العزب الذي خلفه في منصب الإفتاء في عام م1972 وبقي في منصبه متدرجاً في الرتب العسكرية ، حتى عام م1992 ، حيث أنهى خدماته برتبة لواء وفي عام م1992 ، عُين قاضياً للقضاة في الأردن ، ثم استقال بعد عام واحد ، فتفرغ للتدريس في حلقات علمية في مسجده وعمل أستاذاً جامعياً في الشريعة الإسلامية في جامعتين اليرموك وجرش ثم وفي عام م1996 عُين سفيراً للمملكة الأردنية الهاشمية لدى إيران حتى عام م2001 ثم عَمًلَ مديراً لإدارة الفتوى في دولة الإمارات العربية المتحدة وقد ذكره العلماء هناك بكل خير حتى أن كل وسائل الإعلام وخطباء المساجد والعلماء يرجعون إلى فتواه الشهيرة بان السائق الذي يقود مركبته فوق الحد المسموح به ويلقى مصرعه يعتبر في عداد المنتحرين ، كما عَمًلَ مستشاراً لوزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية ومستشاراً لوزير التعليم العالي حتى عام م2007 ثم صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه مفتياً عاماً للمملكة الأردنية الهاشمية ، وبقي في منصبه حتى قدّم استقالته في شهر شباط عام 2010م. لقد قام سماحة الشيخ الدكتور نوح القضاة ، ومنذ تعيينه مفتياً في القوات المسلحة عام م1972 بإصدار آلاف من الفتاوى لأسئلة تهتم بكل جوانب الحياة وقد تم نشرها في المجلة الإسلامية للقوات المسلحة بعنوان (التذكرة) بالإضافة إلى محاضرات ومؤلفات ومقالات حول موضوعات متنوعة وفي شتى مجالات الحياة ، وقد سعى جاهداً ليترك بصمة واضحة تميز بها الجيش الأردني ، حيث سعى لإيجاد إمام في كل وحدة عسكرية ليؤم أفراد وحدته العسكرية ويلقي دروساً دينية وكان يرتب لهذا الإمام برامج ودورات إسلامية إضافية في الفقه الشافعي وتفسير القران والحديث والعقيدة ، كما أسس في الجيش كلية الأمير الحسن للدراسات الإسلامية حيث يقوم خريجوها بالتوجيه الديني في الجيش وبرتبة عسكرية تبدأ من رتبة ملازم.
لقد كان الشيخ الجليل نوح القضاة شخصية فريدة ليس لها مثيل وكذلك فان رحيله لم يكن رحيلاً عادياً فهو القريب إلى قلوب كل المسلمين الواعظ الراشد الرصين الطيب الحكيم الزاهد المداوم على عبادة ربه الورع التقي طاهر القلب والسريرة المحب لكل طالب علم ، والباقي من السلف الصالح ، كان على الإطلاق انجح الوعاظ والدعاة ، الجامع للصفوف والرافع للهمم أحب أن يرى جباه المسلمين عالية شامخة ولكنه غادر في وقت قد نكون أحوج إليه أكثر من أي وقت مضى. فكيف يمكن لمن كان الأقرب للناس ومشاركهم أفراحهم وأتراحهم أن يسلوه فأفعاله وصدقاته التي قدمها في حياته والتي انتفع بها عدد كبير من الناس ستبقى شاهد عيان على إنسانيته وورعه ، وهذا الكم الهائل من المتعلمين والمثقفين الذين اخذ بيدهم ليبين لهم طريق الحق من الباطل سيبقون الذاكرين والمترحمين على روحه الطاهرة ، ما راح الشيخ نوح وقد ترك لنا درةً من أبنائه الذين يسيرون على نهج والدهم فهم ورَثة والدهم في الأخلاق والإحسان ، ما راح نوح القضاة وقد شارك في تشجيع جنازته ألوف مؤلفة من الناس المحبين والبارين له والذاكرين له على الدوام.
لم يكن الشيخ نوح داعية وعلاّمة ورجل دين وواعظ وسياسي محنك فحسب بل كان قارئاً لمستقبل هذه الأمة الإسلامية وفق شريعة الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومن يسير على نهج سماحة نوح القضاة فانه لم ولن يضل طريقه في حياته الدنيا ، وقد عُرف سماحة الشيخ نوح القضاة ، بغيرته على مستقبل العالم الإسلامي حيث كان يتألم لما يعاني منه هذا العالم من صعوبات ومعوقات وخاصة في الإطار الذاتي.
لقد عرفت الفقيد الكبير سماحة الشيخ نوح سلمان القضاة لأول مرة عند استضافتي له في برنامج يبث عبر أثير الإذاعة الأردنية الغراء قبل عامين وفي حقيقة الأمر كنت قد سمعت عنه الشيء الكثير فرسمت له صورة في مخيلتي كونه عالماً معروفاً ولكن اتضح لي بأن الصورة التي رسمتها له كانت جزءاً من شيئاً كبيراً يحار المرء في إدراك أبعاد شخصيته فهو عالماً جليلاً وفقيهاً مستنيراً ، متواضعاً وزاهداً يتطلع إلى مرضاة الله عز وجل ، وأنا هنا وفي هذا المقام أقول بأن نوح القضاة كان بحق رجل تنحني الرؤوس لمثله احتراماً وتقديراً كيف لا فهو المعلم والمربي والداعية والمجاهد لا يخشى في الله لومة لائم ، ضرب أروع الأمثلة في الذود عن حياض الإسلام والمسلمين.
كان نعي وفاته بمثابة زلزال هزّ كيان جميع المسلمين في هذه الأمة العظيمة فكتب فيه أعمدة الرأي والثقافة فذكروا مناقبه الحميدة وترحموا على روحه الطاهرة فقد كتب فيه الأستاذ محمد حسن التل قائلاً: إن رحيل الشيخ نوح شكَّل خسارة كبيرة ليس على مستوى الوطن فقط ، بل على مستوى الأمة وترك رحيله في القلب غصة عميقة ، ولكنه الموت قانون الله تعالى فرضه على عباده جميعاً والذي لم يستثن منه حتى نبيه وحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي نقف أمامه راضين محتسبين (إنك ميت وإنهم ميتون).
أما رئيس مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور عبد اللطيف عربيات قال فيه: إن سماحة المرحوم الشيخ نوح سلمان ليس بحاجة إلى تعريف لأنه العالم والعامل الصادق فيما يفعل ويقول ، وهو الذي شغل أكثر من موقع وعرفناه بتقواه وصدقه وأمانته ومن شاهد جنازته لاحظ كم يحبه ويحترمه أبناء شعبه ويقدرون العلماء الصادقين المنتمين لدينهم وأمتهم.
من جانبه أشار رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية الدكتور عبد الناصر أبو البصل إلى أن الأمة الإسلامية فقدت عالماً من كبار علماء العالم الإسلامي والدعاة الكبار أصحاب البصمات الواضحة وكان له برنامج يشكل مدرسة خاصة أنشأها في الأردن ضمن مدرسة الوسطية والاعتدال وضمن أسس ثابتة فيها المرونة والسعي وجمع كلمة العالم الإسلامي.
بدوره أكد الدكتور محمد خازر المجالي أن الشيخ نوح يعتبر مدرسة وليس مجرد عالًم من علماء الأمة فهو مدرسة حقيقية في العلم والأدب والأخلاق والتواضع والزهد وقد ترك بصمات كبيرة في كافة المواقع سواء في القوات المسلحة أو القضاء أو السلك الدبلوماسي سائلاً الله القدير أن يعوض الأردن والأمة الإسلامية خيراً لأن الشيخ نوح القضاة يعتبر أحد القدوات النادرة في هذا الزمن فقد كان مثال العالًم العامل رحمه الله.
وتحدث سعادة النائب الأسبق الشيخ عبد المنعم أبو زنط فقال: برحيل صاحب السيرة العطرة الشيخ القضاة لم يخسر أردن الحشد والرباط هذا العالم الجليل فحسب بل خسره المسلمون عالمياً حيث عُرف بغزارة عمله وسمو أخلاقه.
انتقل الشيخ نوح القضاة إلى جوار ربه راضياً مرضياً في 19 كانون الأول لعام م2010 تاركاً إرثاً لا يستهان به من الكتب والمؤلفات لكل المسلمين مهما اختلفت أوطانهم ومنابتهم.
فمن ابرز مؤلفاته: قضاء العبادات والنيابة فيها ، إبراء الذمة من حقوق العباد ، محاضرات في الثقافة الإسلامية ، المختصر المفيد في شرح جوهر التوحيد ، شرح المناهج في الفقه الشافعي كيف تخاطب الناس ، لم تغب شمسنا بعد ، صفات المجاهدين ، مولد الهادي صلى الله عليه وسلم.
كان سماحة الشيخ نوح سلمان القضاة يحمل صفات الرجل المسؤول أمام الله وأمام الناس فيما سُئل عنه ولديه أخلاقاً وصفات يجدر بكل مسؤول في بلدنا العزيز التحلي بها اذكر منها انه وفي عهد نوح القضاة أعادت دائرة الإفتاء عام م2009 ما يقدر بنصف مليون دينار إلى خزينة الدولة وهذا المبلغ كان فائضاً من ميزانيتها ، وعندما كان يقوم سماحته بزيارة دور الأيتام كان يأخذ قارورة الماء الخاصة به حتى لا يشرب من المياه التي هي حق للأيتام وعند قيامه بإعداد المقالات الإسلامية الخاصة به والتي تهدف إلى إصلاح الناس فانه يحضر الأقلام والأوراق معه من منزله حتى لا يستخدم شيء من أملاك الدولة لمصالحة الشخصية مهما كانت بسيطة الثمن ، وله العديد من المواقف والتي يجب علينا أن نقتدي به فيها وان تسير على نهجه.
وأخيرا ستبقى لنا يا شيخنا الجليل نبراساً تضيء لنا معالم الطريق لنهتدي بهديك فأنت المعلم والمربي والداعية ، رحمك الله وأسكنك مع الشهداء والصديقين ومع من أحببت وحسن أولئك رفيقا ، وإنا على فراقك لمحزنون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ونعزي أنفسنا وآلك الكرام بقول رسول الله (ص) إن لله ما أعطى ولله ما اخذ فاصبروا واحتسبوا... فان لكل اجل كتاباً وأنا لله وأنا إليه راجعون ، لك تحايا كل من عرفك وكل من سمع بك فهم في الدار الدنيا وأنت في الدار الآخرة.
ولد سماحة الشيخ الدكتور نوح علي سلمان القضاة رحمه الله ، في بلدة عين جنة في محافظة عجلون عام م1939 ، نشأ في بيت علم وتقى وورع لأسرة علمية معروفة بالعلم والفضل حيث كان والده الشيخ علي سلمان رحمه الله فقيهاً شافعياً ، أجازه في علومه ومعارفه كبار علماء الشام في طليعتهم الشيخ علي الدقر ، وقد علّم أبناءه الأربعة العلوم الشرعية والعربية قبل أن يبعث بهم إلى الشام لتلقي العلوم الشرعية على أيدي علمائها.
درس الشيخ نوح المرحلة الابتدائية في الأردن ثم سافر إلى دمشق عام م1954 وقضى هناك سبع سنوات في معهد العلوم الشرعية ، التابع للجمعية الغراء التي أسسها شيخ والده ، الشيخ علي الدقر رحمه الله حيث أكمل فيها الدراسة الإسلامية من المرحلة الإعدادية حتى نهاية المرحلة الثانوية ، وتخرج منها عام م1961 ، وبعد إتمام دراسته الثانوية في المدرسة الغراء التحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق ومكث فيها أربع سنوات 1961( - 1965م) وحصل فيها على الشهادة الجامعية في الشريعة.
وفي عام م1977 سافر إلى القاهرة للحصول على درجة الماجستير في الفقه المقارن ، حيث درس أصول الفقه على يد العلامة الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الخالق ، والفقه المقارن على يد الشيخ حسن الشاذلي ، واستمع إلى محاضرات في التصوف لشيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله ، وحصل على درجة الماجستير من جامعة الأزهر ، وقدم رسالة في جامعة الأزهر بعنوان "قضاء العبادات والنيابة فيها" بإشراف الدكتور محمد الأنبابي وذلك عام م1980 كما حصل على درجة الدكتوراه من جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام م1986 ، وقدم رسالته بعنوان "إبراء الذمة من حقوق العباد" وكان المشرف على رسالته الشيخ صالح العلي الناصر رحمه الله ، ثم الشيخ الدكتور صالح الأطرم.
عمل في سلك القوات المسلحة برتبة ملازم أول ، (مرشد ديني) وعمل بجانب الشيخ عبد الله العزب الذي خلفه في منصب الإفتاء في عام م1972 وبقي في منصبه متدرجاً في الرتب العسكرية ، حتى عام م1992 ، حيث أنهى خدماته برتبة لواء وفي عام م1992 ، عُين قاضياً للقضاة في الأردن ، ثم استقال بعد عام واحد ، فتفرغ للتدريس في حلقات علمية في مسجده وعمل أستاذاً جامعياً في الشريعة الإسلامية في جامعتين اليرموك وجرش ثم وفي عام م1996 عُين سفيراً للمملكة الأردنية الهاشمية لدى إيران حتى عام م2001 ثم عَمًلَ مديراً لإدارة الفتوى في دولة الإمارات العربية المتحدة وقد ذكره العلماء هناك بكل خير حتى أن كل وسائل الإعلام وخطباء المساجد والعلماء يرجعون إلى فتواه الشهيرة بان السائق الذي يقود مركبته فوق الحد المسموح به ويلقى مصرعه يعتبر في عداد المنتحرين ، كما عَمًلَ مستشاراً لوزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية ومستشاراً لوزير التعليم العالي حتى عام م2007 ثم صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه مفتياً عاماً للمملكة الأردنية الهاشمية ، وبقي في منصبه حتى قدّم استقالته في شهر شباط عام 2010م. لقد قام سماحة الشيخ الدكتور نوح القضاة ، ومنذ تعيينه مفتياً في القوات المسلحة عام م1972 بإصدار آلاف من الفتاوى لأسئلة تهتم بكل جوانب الحياة وقد تم نشرها في المجلة الإسلامية للقوات المسلحة بعنوان (التذكرة) بالإضافة إلى محاضرات ومؤلفات ومقالات حول موضوعات متنوعة وفي شتى مجالات الحياة ، وقد سعى جاهداً ليترك بصمة واضحة تميز بها الجيش الأردني ، حيث سعى لإيجاد إمام في كل وحدة عسكرية ليؤم أفراد وحدته العسكرية ويلقي دروساً دينية وكان يرتب لهذا الإمام برامج ودورات إسلامية إضافية في الفقه الشافعي وتفسير القران والحديث والعقيدة ، كما أسس في الجيش كلية الأمير الحسن للدراسات الإسلامية حيث يقوم خريجوها بالتوجيه الديني في الجيش وبرتبة عسكرية تبدأ من رتبة ملازم.
لقد كان الشيخ الجليل نوح القضاة شخصية فريدة ليس لها مثيل وكذلك فان رحيله لم يكن رحيلاً عادياً فهو القريب إلى قلوب كل المسلمين الواعظ الراشد الرصين الطيب الحكيم الزاهد المداوم على عبادة ربه الورع التقي طاهر القلب والسريرة المحب لكل طالب علم ، والباقي من السلف الصالح ، كان على الإطلاق انجح الوعاظ والدعاة ، الجامع للصفوف والرافع للهمم أحب أن يرى جباه المسلمين عالية شامخة ولكنه غادر في وقت قد نكون أحوج إليه أكثر من أي وقت مضى. فكيف يمكن لمن كان الأقرب للناس ومشاركهم أفراحهم وأتراحهم أن يسلوه فأفعاله وصدقاته التي قدمها في حياته والتي انتفع بها عدد كبير من الناس ستبقى شاهد عيان على إنسانيته وورعه ، وهذا الكم الهائل من المتعلمين والمثقفين الذين اخذ بيدهم ليبين لهم طريق الحق من الباطل سيبقون الذاكرين والمترحمين على روحه الطاهرة ، ما راح الشيخ نوح وقد ترك لنا درةً من أبنائه الذين يسيرون على نهج والدهم فهم ورَثة والدهم في الأخلاق والإحسان ، ما راح نوح القضاة وقد شارك في تشجيع جنازته ألوف مؤلفة من الناس المحبين والبارين له والذاكرين له على الدوام.
لم يكن الشيخ نوح داعية وعلاّمة ورجل دين وواعظ وسياسي محنك فحسب بل كان قارئاً لمستقبل هذه الأمة الإسلامية وفق شريعة الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومن يسير على نهج سماحة نوح القضاة فانه لم ولن يضل طريقه في حياته الدنيا ، وقد عُرف سماحة الشيخ نوح القضاة ، بغيرته على مستقبل العالم الإسلامي حيث كان يتألم لما يعاني منه هذا العالم من صعوبات ومعوقات وخاصة في الإطار الذاتي.
لقد عرفت الفقيد الكبير سماحة الشيخ نوح سلمان القضاة لأول مرة عند استضافتي له في برنامج يبث عبر أثير الإذاعة الأردنية الغراء قبل عامين وفي حقيقة الأمر كنت قد سمعت عنه الشيء الكثير فرسمت له صورة في مخيلتي كونه عالماً معروفاً ولكن اتضح لي بأن الصورة التي رسمتها له كانت جزءاً من شيئاً كبيراً يحار المرء في إدراك أبعاد شخصيته فهو عالماً جليلاً وفقيهاً مستنيراً ، متواضعاً وزاهداً يتطلع إلى مرضاة الله عز وجل ، وأنا هنا وفي هذا المقام أقول بأن نوح القضاة كان بحق رجل تنحني الرؤوس لمثله احتراماً وتقديراً كيف لا فهو المعلم والمربي والداعية والمجاهد لا يخشى في الله لومة لائم ، ضرب أروع الأمثلة في الذود عن حياض الإسلام والمسلمين.
كان نعي وفاته بمثابة زلزال هزّ كيان جميع المسلمين في هذه الأمة العظيمة فكتب فيه أعمدة الرأي والثقافة فذكروا مناقبه الحميدة وترحموا على روحه الطاهرة فقد كتب فيه الأستاذ محمد حسن التل قائلاً: إن رحيل الشيخ نوح شكَّل خسارة كبيرة ليس على مستوى الوطن فقط ، بل على مستوى الأمة وترك رحيله في القلب غصة عميقة ، ولكنه الموت قانون الله تعالى فرضه على عباده جميعاً والذي لم يستثن منه حتى نبيه وحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي نقف أمامه راضين محتسبين (إنك ميت وإنهم ميتون).
أما رئيس مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور عبد اللطيف عربيات قال فيه: إن سماحة المرحوم الشيخ نوح سلمان ليس بحاجة إلى تعريف لأنه العالم والعامل الصادق فيما يفعل ويقول ، وهو الذي شغل أكثر من موقع وعرفناه بتقواه وصدقه وأمانته ومن شاهد جنازته لاحظ كم يحبه ويحترمه أبناء شعبه ويقدرون العلماء الصادقين المنتمين لدينهم وأمتهم.
من جانبه أشار رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية الدكتور عبد الناصر أبو البصل إلى أن الأمة الإسلامية فقدت عالماً من كبار علماء العالم الإسلامي والدعاة الكبار أصحاب البصمات الواضحة وكان له برنامج يشكل مدرسة خاصة أنشأها في الأردن ضمن مدرسة الوسطية والاعتدال وضمن أسس ثابتة فيها المرونة والسعي وجمع كلمة العالم الإسلامي.
بدوره أكد الدكتور محمد خازر المجالي أن الشيخ نوح يعتبر مدرسة وليس مجرد عالًم من علماء الأمة فهو مدرسة حقيقية في العلم والأدب والأخلاق والتواضع والزهد وقد ترك بصمات كبيرة في كافة المواقع سواء في القوات المسلحة أو القضاء أو السلك الدبلوماسي سائلاً الله القدير أن يعوض الأردن والأمة الإسلامية خيراً لأن الشيخ نوح القضاة يعتبر أحد القدوات النادرة في هذا الزمن فقد كان مثال العالًم العامل رحمه الله.
وتحدث سعادة النائب الأسبق الشيخ عبد المنعم أبو زنط فقال: برحيل صاحب السيرة العطرة الشيخ القضاة لم يخسر أردن الحشد والرباط هذا العالم الجليل فحسب بل خسره المسلمون عالمياً حيث عُرف بغزارة عمله وسمو أخلاقه.
انتقل الشيخ نوح القضاة إلى جوار ربه راضياً مرضياً في 19 كانون الأول لعام م2010 تاركاً إرثاً لا يستهان به من الكتب والمؤلفات لكل المسلمين مهما اختلفت أوطانهم ومنابتهم.
فمن ابرز مؤلفاته: قضاء العبادات والنيابة فيها ، إبراء الذمة من حقوق العباد ، محاضرات في الثقافة الإسلامية ، المختصر المفيد في شرح جوهر التوحيد ، شرح المناهج في الفقه الشافعي كيف تخاطب الناس ، لم تغب شمسنا بعد ، صفات المجاهدين ، مولد الهادي صلى الله عليه وسلم.
كان سماحة الشيخ نوح سلمان القضاة يحمل صفات الرجل المسؤول أمام الله وأمام الناس فيما سُئل عنه ولديه أخلاقاً وصفات يجدر بكل مسؤول في بلدنا العزيز التحلي بها اذكر منها انه وفي عهد نوح القضاة أعادت دائرة الإفتاء عام م2009 ما يقدر بنصف مليون دينار إلى خزينة الدولة وهذا المبلغ كان فائضاً من ميزانيتها ، وعندما كان يقوم سماحته بزيارة دور الأيتام كان يأخذ قارورة الماء الخاصة به حتى لا يشرب من المياه التي هي حق للأيتام وعند قيامه بإعداد المقالات الإسلامية الخاصة به والتي تهدف إلى إصلاح الناس فانه يحضر الأقلام والأوراق معه من منزله حتى لا يستخدم شيء من أملاك الدولة لمصالحة الشخصية مهما كانت بسيطة الثمن ، وله العديد من المواقف والتي يجب علينا أن نقتدي به فيها وان تسير على نهجه.
وأخيرا ستبقى لنا يا شيخنا الجليل نبراساً تضيء لنا معالم الطريق لنهتدي بهديك فأنت المعلم والمربي والداعية ، رحمك الله وأسكنك مع الشهداء والصديقين ومع من أحببت وحسن أولئك رفيقا ، وإنا على فراقك لمحزنون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ونعزي أنفسنا وآلك الكرام بقول رسول الله (ص) إن لله ما أعطى ولله ما اخذ فاصبروا واحتسبوا... فان لكل اجل كتاباً وأنا لله وأنا إليه راجعون ، لك تحايا كل من عرفك وكل من سمع بك فهم في الدار الدنيا وأنت في الدار الآخرة.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|
رحمك الله وأسكنك مع الشهداء والصديقين ومع من أحببت وحسن أولئك رفيقا ، وإنا على فراقك لمحزنون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ونعزي أنفسنا وآلك الكرام بقول رسول الله (ص) إن لله ما أعطى ولله ما اخذ فاصبروا واحتسبوا... فان لكل اجل كتاباً وأنا لله وأنا إليه راجعون